من فقه مدرسة أهل البيت (ع)
الاوراق المالية الاعتبارية
(1)سماحة السيّد كاظم الحائري
بحث حول الاسئلة الفقهية الناجمة عن
تبدّل النقود الحقيقية المتعارفة في زمن
الشريعة من الدينار الذهبي والدرهم الفضّي
إلى النقود الاعتبارية البحتة المتعارفة في
زماننا هذا.
إنّ النقد في هذا الزمان أصبح من
الاوراق الاعتبارية البحتة، والتي لا قيمة ذاتية
تذكر لها، أي ليست هي سلعة من السلع.
فالتبادل كان ـ كما يقال ـ قديماً على
شكل المقايضة، أي مبادلة السلع بعضها بالبعض،
كما قد يتّفق ـ ولو نادراً ـ ذلك في زماننا
خاصّة في المجتمعات القرويّة البسيطة، وقيل:
إنـّه كان يجعل أخيراً بعض السلع هو المقياس
للقيم، وبمنزلة النقد فراراً من مشاكل
المقايضة غير المنتظمة، فمثلاً في إيران كان
يستفاد بهذا الصدد من الغلاّت، وفي بلاد
اُخرى من الانعام، وفي ثالثة من شيء آخر[1].
إلى أن اهتدوا أخيراً إلى جعل المقياس عبارة
عن الذهب والفضة لسهولة الامر في ذلك على خلاف
سائر السلع. وتكامل الامر بالتدريج بالتقيّد
فيهما بسكّة السلطان التي تضمن عدم الغشّ أو
الوزن مثلاً، وفي تطوّر آخر انتهى الامر
تدريجاً إلى النقود الحالية المجرّدة عن حال
السلعية نهائياً.
وهناك تطوّر آخر في الاونة الاخيرة
رائج في البلاد المتطوّرة اقتصادياً، وهو
التعامل بالصكوك الشخصية بمقدار ما للشخص من
رصيد في البنوك.
والسؤال الذي يطرح نفسه بادئ الامر
بالنسبة لنقود اليوم، هو أنـّها هل تلحق
بالنقدين الذهب والفضّة في تعلّق الزكاة بها
أوْ لا؟ والاشكال في إلحاقها بالذهب والفضّة
ينشأ من نقطتين:
النقطة الاولى: هي المعروف ذكرها من
أنّ النقود اختصّت بالذهب والفضّة، والتعدّي
إلى الاوراق النقدية المألوفة في وقتنا
الحاضر قياس لا نقول به، والبحث عن التعدّي من
النقدين إلى الاوراق الاعتبارية بدعوى إلغاء
العرف الخصوصيةَ، أو عدم التعدّي بدعوى كون
ذلك قياساً لا نقول به، يجري أيضاً في إلحاق
تلك الاوراق بالنقدين وعدمه في باب الصرف
بلحاظ حرمة التفاضل من ناحية، وبلحاظ اشتراط
القبض من ناحية اُخرى.
والنقطة الثانية: قياس الاوراق
المالية المتداولة اليوم بالصكوك الشخصية
التي من الواضح عدم تعلّق الزكاة بها، حتى ولو
فرض أن ما تحكي عنه من الرصيد الموجود في
البنك متجسّداً في عين زكوية من ذهب أو فضّة،
وذلك لانّ الرصيد خارج من ملك صاحب الشيك
ومملوك للبنك ولو بالاقراض، وليست على صاحب
الشيك زكاته، ولو أنّ البنك لم يكنزه وجعله في
سير جريان الاموال فليست عليه أيضاً زكاته،
وأمّا الشيك فلا يعدّ مالاً مستقلاً كي تكون
على صاحبه الزكاة. فإذا قلنا: إنّ الاوراق
المالية الحاكية عن أرصدة لدى الدولة يكون
حالها حال تلك الصكوك، والمالية الحقيقية
متجسّدة في تلك الارصدة لا في هذه الاوراق،
فقد يشكل فرض تعلّق الزكاة بها.
وهذا الاشكال يسري في الجملة إلى باب
الخمس أيضاً فيقال ـ بناء على تعلّق الخمس بما
يملكه الانسان عن طريق الهبة ـ : إنـّه لو وهب
أحد أوراقاً ماليةً ممّا هو متعارف اليوم
لشخص، فهذه الاوراق ليست المالية الحقيقية
متجسّدة بها كي يتعلّق بها الخمس، و إنـّما
المالية الحقيقية متجسّدة في أرصدتها التي لم
يقبضها، والهبة مشروطة بالقبض، فهو لم يملك
تلك الارصدة بعد حتى يتعلّق بها الخمس. نعم
أصبح للموهوب له حقّ أن يأخذ الرصيد من الدولة
لو قدّم هذه الاوراق إلى الدولة، فكأنـّما قد
أعطاه الواهب حوالة على ماكان يمتلك لدى
الدولة، وهذا الحق حاله حال سائر الحقوق،
كحقّ الشفعة أو الخيار أو السرقفلية التي لم
يُفْتِ أحد بتعلّق الخمس بها رغم أنـّها
تقابَل بالمال.
أمـّا لو أنكرنا كون هذه الاوراق
المالية المتداولة اليوم بمنزلة المستندات
والشيكات وقلنا إنـّها أصبحت بنفسها أموالاً
بالاعتبار تحمل القوّة الشرائية، أو أنـّها
تعتبر قوّة شرائية متجسّدة، فينتفي في المقام
ما عرفته من الاشكال في الخمس، ولكن ينجم عن
ذلك إشكال آخر على فتوى معروفة في الخمس،
وكذلك ينجم إشكال على الفتوى المعروفة في باب
الربا.
أمـّا في باب الخمس فقد تعارف القول
بوجوب الخمس في أرباح المكاسب حتى في هذه
الاوراق المالية، بمعنى أنّ مَنْ كان رأس
ماله المخمّس مائة دينار مثلاً ثم ازداد ماله
خلال السنة بالكسب مثلاً فكان في رأس السنة
الثانية مائة وخمسين ديناراً، وجب عليه تخميس
الزيادة وهي الخمسون ديناراً، في حين أنـّه
يمكن أن يقال ـ فيما إذا لم تكن هذه الزيادة
أكثر مما حصل من الزيادة في تضخّم الاسعار ـ :
إنّ هذا ليس ربحاً بالمعنى الحقيقي للكلمة
بعد أخذ التضخّم بعين الاعتبار، فلا موجب
لتعلّق الخمس به.
وأمـّا في باب الربا فقد تعارف القول
بحرمة أخذ الزيادة حتى في هذه الاوراق
المالية المتعارفة اليوم، فلو اقترض ألف
دينار ملتزماً بإرجاع ألف ومائتين مثلاً بعد
سنة كان ذلك رباً. في حين أنـَّهُ يمكن أن يقال
فيما إذا لم تكن الزيادة أكثر من زيادة
التضخّم في الاسعار بجواز أخذ الزيادة، وذلك
ببيان أنّ هذه الاوراق التي تعتبر مثلية لا
يلحظ في مثليّتها شكل الورق مثلاً، بل تلحظ في
مثليّتها قوّتها الشرائية، فإذا كان الالف
والمئتان بعد سنة يساوي الالف لما قبل سنة في
القوّة الشرائية أو كان أقلّ من ذلك فلا زيادة
في المقام وليس هناك رباً[2].
وقد اتضح بهذا العرض أنّ فهرسة البحث
في المقام مايلي:
1 ـ هل تتعلق الزكاة بالاوراق المالية
غير الذهب والفضّة أوْلا؟
2 ـ هل يتعلّق الخمس بتلك الاوراق في
مثل موارد الهبة أو في الزيادة التي لا تزيد
على مقدار التضخّم أوْلا؟
3 ـ هل يحكمها ـ كما في باب الصرف ـ حكم
التفاضل في العرف أوْلا؟
4 ـ هل يحكم فيها ـ كما في باب الصرف ـ
بشرط القبض الثابت في العرف أوْلا؟
5 ـ هل يمكن تصحيح الزيادة وتخريجها
فقهياً في القرض إذا لم تزد على مقدار التضخّم
أوْلا.؟ وما هو حكم النقيصة لدى فرض نقصان
التضخّم؟ وكذلك الحال في باب الضمان من غير
ناحية القرض كفرض الغصب مثلاً.
المسألة الاُولى: هل تتعلّق الزكاة
بالاوراق المالية غير الذهب والفضّة أوْلا؟.
وهنا لابدّ أن نرى أوّلاً أنـّه هل
يصحّ قياس الاوراق المالية المتداولة اليوم
بالشيكات والسندات، بدعوى أنـّها تحكي عن
أرصدتها لدى الدولة أو لدى مصدرها وليست لها
مالية مستقلّة أو لا يصحّ ذلك؟ فلو صحّ ذلك مع
افتراض أنّ الرصيد حتى إذا كان عبارة عن الذهب
أو الفضّة فإنـّما هو في ذمّة الدولة أو الجهة
المصدرة وليس محتفظاً به كأمانة في خزانتها،
فلا معنى عندئذ لتعلّق الزكاة بهذه الاوراق
إذ لا مالية لها، ولا بأرصدتها لانـّها ليست
بأعيانها الخارجية ملكاً لصاحب الورق، بل هي
في ذمّة الدولة أو الجهة المصدرة للورق، ومن
الواضح أنـّه لا تجب على الانسان زكاة مال
أقرضه لشخص آخر.
والواقع أنّ قياس الاوراق المالية
اليوم بالشيكات والسندات قياس مع الفارق، و إن
كان هذا القياس صحيحاً في تاريخ سابق.
وتوضيح ذلك: أنّ الاوراق المالية ـ كما
يرويه المطّلعون[3]
على تاريخها ـ مرّت بأدوار:
الدور الاول: دور نيابتها عن أرصدتها
من ذهب أو فضّة محتفظ بها في خزانة مصدر
الاوراق، تكون هي في الحقيقة ملكاً لاصحاب
الاوراق وليست هذه الاوراق إلاّ حاكية عن تلك
الارصدة.
في هذا الفرض لا ينبغي الاشكال في
تعلّق الزكاة على أصحاب الاوراق بالارصدة
حينما تكون ذهباً أو فضّة، سواء فرضتا
مسكوكتين أوْلا. أما إذا كانتا مسكوكتين
فالامر واضح، وأما إذا لم تكونا مسكوكتين
فلانهما في الحقيقة المال الرائج، لان رواج
هذه الاوراق يعني رواج ما تحكي عنه وهو الذهب
والفضة، فبناءً على أنّ المقياس في باب
الزكاة كونه مالاً رائجاً ولا عبرة بالسكة
إلاّ من ناحية أنها كانت سبباً للرواج فتجب
الزكاة في المقام.
ولكن من الواضح اليوم أنـّه لا يوجد
شيء من هذا القبيل في العالم.
الدور الثاني: مابدا بعد أن أحسّ
المصدرون للاوراق بأنهم غير مضطرين إلى
الاحتفاظ بعين الارصدة بمقدار الاوراق
المصدرة، لان أصحاب الاوراق سوف لن يطالبوهم
جميعاً في وقت واحد بتسليم الرصيد، فتبدّل
الاحتفاظ بالارصدة إلى التعهّد بدفع الرصيد
لمن جاء بالورق إلى مصدر الاوراق.
وهذا التعهّد يمكن تفسيره بنحوين:
الاوّل: أنّ الجهة المصدرة تعتبر
نفسها مدينة لصاحب الورق بمقدار رصيده.
وهذا يعني أنّ الورق أصبح أيضاً شيكاً
وسنداً، لكنّه لا يحكي عن رصيد خارجي كما هو
الحال في الدور السابق، بل يحكي عن رصيد
الذمة، وعليه يتعيّن القول بعدم تعلّق الزكاة
على صاحب الورق، لا بالورق إذ لا مالية له،
ولا بالرصيد حتى إذا كان ذهباً او فضّة،
لانـّه لا يمتلكه عيناً و إنما يمتلكه في
ذمّة الاخرين.
والثاني: أنّ الجهة المصدرة لا تأخذ
على ذمّتها، و إنما تتعهّد تعهّداً
مستقلاًّ عن ترجمة الورق للرصيد بأنّ من أتى
لها بشيء من هذه الاوراق قدّمت له من الرصيد
بقدره، وهذا التعهّد يمنح للورق اعتباراً
وقيمة لدى الناس باعتبار ثقتهم بالجهة
المتعهدة.
وهذا يعني أنّ الورق إذاً لم يصبح
شيكاً وسنداً بل أصبح هو أمراً ذا مالية،
وتعهّد الجهة المصدرة لدفع الرصيد هو حيثية
تعليلية لاعتبار المالية اجتماعياً لهذا
الورق.
وهنا تأتي الشبهة التي تقول بتعلّق
الزكاة بهذه الاوراق بدعوى التعدّي العرفي من
مورد النص وهو الذهب والفضّة، وأن تعلّق
الزكاة بهما إنما كان بلحاظ كونهما النقد
الرائج.
أما أنّ أيّ التفسيرين هو المطابق
للواقع؟ فقد رجّح استاذنا الشهيد(رحمه الله)كون
التفسير الثاني أصوب، وأيد ذلك بأن استهلاك
السند أو سقوطه عن الاعتبار لا يعني تلاشي
الدين، في حين أنّ أيّ شخص تتلاشى لديه الورقة
النقدية، أو تسقط الحكومة اعتبارها ولا يسارع
إلى استبدالها بالنقود الجديدة، لا تعتبر
الجهة المصدرة نفسها مسؤولة أمامه عن دفع
قيمة الورقة المتلاشية أو التي سقط اعتبارها
وتماهل في استبدالها، فكأن هناك تعهداً بدفع
القيمة ذهباً لمن يملك الورقة، لا أنّ الورقة
تعطى لمن يملك قيمتها ذهباً في ذمّة الجهة
المصدرة، ولهذا يميّزها القانون عن سائر
الاوراق التجارية من شيكات وكمبيالات، حيث
يمنحها صفة النقد والالزام بالوفاء بها، دون
الاوراق الاُخرى التي لا تخرج عن كونها مجرد
سندات[4].
أقول: كان مقصوده(رحمه الله) من آخر
الكلام بيان تأييد آخر للمقصود، وهو أنـّه لو
أنّ أحداً أصبح مَديناً لشخص بإتلاف مال قيمي
له مثلاً فأراد الوفاء بالورق المالي، وجب
على المضمون له أن يقبل هذا الورق وليست له
مطالبة الرصيد، في حين أنـّه لو أراد الوفاء
ببعض تلك السندات لم تكن لها قوّة الالزام
وكان من حق المضمون له الرفض.
وقد يفسر كلّ هذا بتفسير منح هذه
الاثار لهذه الاوراق من قبل الحكومة
بالولاية، من دون أن تخرج عن كونها سندات تحكي
عن رصيدها، فرغم أنـّها مجرد سندات وليست
أموالاً، أمرت الحكومة بالولاية بوجوب قبول
المضمون له إيّاها، وبسقوط حقّ من يحترق عنده
الورق أو يتأخّر عن الموعد المقرّر لتبديل
النقود المحكوم عليها بالسقوط. وهذا التفسير،
و إن كان ممكناً، لكنّه:
أوّلاً: يكون احتماله بعيداً إلى حدّ
الاطمئنان بالخلاف، لانّ الاوْلى والانسب
لمن يُعمِل الولاية في مقام نزع آثار السند
وتبديلها بآثار المال أن يُعمِل الولاية
بتبديله بالمال مباشرة.
ثانياً: يكون نفس نزع هذه الاثار
وتبديلها إلى آثار المال سبباً في اعتبار
العقلاء المالية لهذه الاوراق وخروجها عن
كونها مجرد سندات.
الدور الثالث: هو الدور المثبّت اليوم
عالمياً وهو إلغاء التعهّد بدفع الرصيد من
قبل مصدر الاوراق نهائياً.
وقد ذكر اُستاذنا الشهيد(رحمه الله):
أنـّنا إذا أردنا أن نعرف أنّ الاوراق التي
اُعفيت عن التعهّد بدفع الرصيد لدى تقديم
الاوراق هل تعتبر سندات أو تعتبر أموالاً،
يجب أن نرى حال التعهّد الذي فرض في القسم
السابق، والذي اُعفيت الاوراق عنه في هذا
القسم، لكي نرى هل أنّ ذلك التعهّد كان
مكيّفاً بالتكييف الثاني من التكييفين
الماضيين، أي أنّ الجهة المصدرة للاوراق لا
ترى نفسها مدينة أصلاً لاصحاب الاوراق، وغاية
ما هناك أنـّها تعهّدت بدفع الرصيد لدى تقديم
الاوراق إليها جلباً لثقة الناس بالاوراق؟ أو
كان مكيّفاً بالتكييف الاوّل وهو التعهّد
بالدَّين؟ أمّا على التكييف الثاني فقد كانت
الاوراق أموالاً قَبْلَ الاعفاء عن التعهد،
فكذلك الحال لا محالة بَعْدَ الاعفاء، وأمّا
على التكييف الاوّل فالاوراق قبل الاعفاء عن
التعهّد لم تكن أموالاً بل كانت مستندات
وحاكية عمّا في ذمّة الجهة المصدرة للاوراق
من رصيد. فعندئذ يجب أن نرى ما هو تفسير قانون
الاعفاء وتكييفه من الناحية الفقهية؟ فإن كان
قانون الاعفاء يعني إلغاء الديون التي كانت
الاوراق النقدية سندات عليها وتحويلها إلى
أوراق نقدية إلزامية، فهذا يعني أنّ تلك
الاوراق أصبحت أموالاً باستقلالها، ولم تعد
حاكية بحتة، وأمّا إذا كان قانون الاعفاء
يعني السماح للجهة المصدرة بعدم وفاء الدين
الذي تمثّلهُ الورقة النقدية في نطاق التعامل
الداخلي، حرصاً على الذهب وتوجيهاً له إلى
التعامل مع الخارج، مع الاعتراف قانونياً
ببقاء الديون التي تمثّلها تلك الاوراق، فلا
تخرج بذلك عن حكمها قبل الاعفاء[5].
أقول: إنّ احتمال تفسير الاعفاء عن
التعهّد بالشكل الذي يجتمع مع فرض حكاية
الاوراق عن الدين في ذمّة الجهة المصدرة لها،
غير موجود في يومنا الحاضر نهائياً، وذلك
لانـّه حتى لو فرض بقاء التعهّد في التعامل
الخارجي، أو في تعامل الدولة مع الخارج، أو
فرض في مورد ما ثبوت التعهّد في التعامل
الخارجي صدفة، فليس هذا تعهّداً بكميّة
معيّنة من ذهب أو فضّة أو أي شيء آخر، بل هو
تعهّد بدفع ما يناسب ذلك المبلغ من النقد في
كل زمان بحسبه. وبكلمة اُخرى: إنّ المفهوم من
الرصيد للاوراق في الوضع العالمي اليوم لم
يعد ما كان سابقاً من مبلغ مشخّص ومعيّن في
ذمة شخص أو جهة، و إنّما رصيد أوراق كلّ
دولة عبارة عن مجموع ما تمتلكه من القوّة
الاقتصادية من سلع أو أعمال، لا بمعنى أنّ
مبلغاً معيّناً منها يكون محكياً بمبلغ معيّن
من هذه الاوراق، كما هو شأن السندات، بل بمعنى
أنّ هذه الاوراق تمكّن صاحبها من امتلاك مبلغ
من تلك الاُمور مختلف المقدار وفق ما تقتضيه
قاعدة العرض والطلب ومدى ازدهار الوضع
الاقتصادي للبلاد، أي أنّ أيّ شيء يفترض
رصيداً لهذه الاوراق فهو بذاته محكوم، حتى في
عالم رصيديته في أيّ تجارة داخلية أو خارجية،
ومن قبل أيّ شخص أو جهة، لنظام التضخّم
وتصاعده أو تخفيفه بالقياس إلى الاوراق، في
حين أنّ شيئاً ما لو كان رصيداً لهذه الاوراق
بمعنى سنديّة الاوراق له وحكايته عن ثبوته في
ذمّة الدولة أو مصدر الاوراق، لما كان من
المعقول نزول مبلغ ذلك الشيء باستمرار أو
صعوده أحياناً، أي أنّ سنداً ما إذا كان
حاكياً عن مثقال من الذهب في ذمّة أحد لكان
يبقى ما في ذمّته ـ المحكي بهذا السند دائماً
ـ هو مثقالاً من الذهب لا يزيد ولا ينقص، وأنت
ترى أنّ الحال في أرصدة الاوراق ليست كذلك،
فأيّ شيء يفرض رصيداً لها يكون الرصيد عبارة
عن مجموع ما يمتلكه البلد من ذلك الرصيد مهما
قلّ أو كثر في أي زمان من الازمنة، وعلى هذا
الاساس ترى أنـّه مهما ازدهر اقتصاد بلد ما
وكثرت فيه الخيرات والبركات قويت أوراقهم
المالية في تجارة داخلية أو خارجية، ومهما
ضعفت قوّتهم الاقتصادية وقلّت الخيرات ضعفت
أوراقهم المالية، كما أنّ تلك القوّة
الاقتصادية بأيّ ميزان كانت توزّع على مجموع
تلك النقود، فلو طبعت الدولة أو الجهة
المصدرة لها مبلغاً أكثر انخفضت قوّة النقد.
فلا ينبغي أن نغترَّ بكلمة الرصيد أو بكلمة
السند لو سميت هذه الاوراق في مصطلح مصرفي
بالسند، أو سمّيت الامتعة والسلع أو مجموعة
القوّة الاقتصادية في البلد بالرصيد.
وعليه فلم يعد خافياً اليوم أنّ
الاوراق المالية الرائجة في العالم تعتبر هي
الاموال، ولا تعتبر حاكية عمّا في الذمم.
ومن هنا تأتي شبهة تعلّق الزكاة بها
بدعوى التعدّي العرفي من مورد النصّ ـ وهو
الذهب والفضّة ـ إلى كلّ ما أصبح نقداً
رائجاً، وأنّ العرف يفهم أنّ تعلّق الزكاة
بالذهب والفضّة لم يكن لخصوصية فيهما، بل
لكونهما نقدين رائجين، كما قد يشهد لذلك
اشتراط الزكاة فيهما بكونهما مسكوكين أو
بكونهما نقدين رائجين.
وفي مقابل ذلك يُدّعى أنّ هذا التعدّي
قياس، وأنّ احتمال الفرق وارد في المقام.
ولبسط الكلام شيئاً ما في هذا الموضوع
نقول:
إنّ الشريعة الاسلامية فرضت ضرائب على
أصحاب الاموال، وجعلت قسماً منها ملكاً
للدولة الاسلامية أو قل الامامة، وقسماً منها
ملْكاً للفقراء والمحتاجين، ومصارف عامّة
اُخرى. قال اللّه سبحانه:
1 ـ (وَاعْلَمُوا أنّ ما غَنِمْتُم مِن
شَيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى
وَالْيَتامى وَآلْمَساكينِ وَابْنِ
السَّبِيلِ إن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ
وَما أَنزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ
الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقى الْجَمْعانِ
وَاللّهُ عَلى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ)[6].
2 ـ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الاْنفالِ
قُلِ الاَنفالُ لِلّهِ والرَّسُولِ
فَاتـَّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ
بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ
إن كُنتُم مُؤمِنِينَ)[7].
3 ـ (وَما أفَاءَ اللَّهُ عَلى
رَسُولِه مِنْهُمْ فما أَوْجَفْتُمْ
عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلا رِكاب وَلَكِنَّ
اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَن يَشاءُ
وَاللّهُ على كُلِّ شَيء قَدِيرٌ * ما أفاءَ
اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أهْلِ القُرى
فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى
وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ
السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ
الاَغنِياءِ مِنكُمْ وَما آتاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ
فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللّهَ إنَّ اللّه
شَدِيدُ الْعِقابِ)[8].
4 ـ (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً
تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِها وَصَلِّ
عليهم إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لهُمْ وَاللّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[9].
5 ـ (إنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ
وَالمَساكِينِ وَالْعامِلَينَ عَلَيْها
وَالْمُؤلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي
الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ
اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ
اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[10].
ولعلّ الفارق العملي بين ما جعل من
الضرائب لمثل عنوان الفقراء والمحتاجين وهي
الصدقات، وما جعل منها للحكومة أو الامامة،
أو جعل لها سهم فيه وهو الخمس والفيء
والانفال، مفقود في كثير من الموارد، لانّ
حاجات الحكومة عبارة اُخرى عن نفس تلك
الموارد العامّة.
إلاّ أنّ أبرز فارق عملي بينهما هو:
أنـّه لم يسمح لقربى الرسول(صلى الله عليه
وآله) أن يستفيدوا لحاجاتهم الشخصية من
الصدقات، وسمح لهم ان يستفيدوا من غيرها،
والدليل على هذا التحريم روايات كثيرة من
قبيل ما ورد بسند تامّ عن محمد بن مسلم وأبي
بصير وزُرارة عن الباقر والصادق(عليهما
السلام) عن الرسول(صلى الله عليه وآله) في حديث:
«و إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب»[11].
وما ورد بسند تامّ أيضاً عن عبد اللّه بن
سِنان عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: «لا
تحلّ الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من بني
هاشم»[12].
والذي يبدو من لحن أكثر الروايات[13] أنّ المصطلح
الذي كان يذكر في مقابل مصطلح الخمس لدى بيان
حرمة أخذ الواجب منه على ذوي القربى هو مصطلح
الصدقة لا مصطلح الزكاة، وكان مصطلح الزكاة
في تاريخ نزول القرآن والذي قرن بالصلاة في
الايات الكثيرة على الاكثر عبارة عن مطلق
الضريبة الواجبة، و إن استقر الاصطلاح
أخيراً على ترادف كلمة الزكاة للصدقة الواجبة
مقابل الخمس.
ولا إشكال في أنّ أحد ملاكات الضريبة
في الاسلام أو أهمّها هو سدّ الحاجات المالية
لدى الحكومة، أو لدى الفقراء والمحتاجين أو
سائر الحاجات الاجتماعية، وقد ورد في
الاحاديث المتعددة: «إنّ اللّه عزّوجلّ فرض
للفقراء في مال الاغنياء ما يسعهم، ولو علم
أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم»[14]
ويشهد لذلك أيضاً نفس العناوين المذكورة في
الايات للصرف عليها كالفقراء والمساكين، وقد
يشهد له أيضاً ما في آية الفيء: (كَيْ لا
يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَغْنِياءِ
مِنكُمْ)[15]
كما يحتمل أن تكون هذه العبارة إشارة إلى ملاك
آخر وهو عدم نمو الثروة نفسها بشكل هائل لدى
الاغنياء.
ومن المحتمل وجود ملاك آخر أيضاً في
زكاة النقود وهو منع النقد عن الركود مما قد
يسبّب اختلالاً في الوضع الاقتصادي في
البلاد، وقد تشعر بذلك كلمة الكنز في قوله
تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَها فِي
سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذاب أَلِيم
* يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ
فَتُكْوى بِهَا جِباهُهُمْ وجُنوبُهُمْ
وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ
لاَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنتُمْ
تَكْنِزُونَ)[16].
وقد يكون هذا هو السبب فيما ثبت نصّاً
وفتوى، من أنّ تعلّق الزكاة بالذهب والفضة
مشروط بكونهما مسكوكين أو نقدين رائجين، أمّا
إذا كانا حُليّاً مثلاً لم تكن عليهما زكاة،
فلعلّ هذا بسبب أنـّه ليس نقداً كي يكون كنزه
سبباً لركود شيء من النقود ومنعه عن سير العمل
في التجارة، وقد ورد في بعض الاحاديث: «أنّ من
سبك من الدرهم والدينار حليّاً أو نحوه
فراراً من الزكاة لم تجب عليه الزكاة، ولكنّه
قد منع نفسه من ربح المال أكثر مما منع من حقّ
اللّه الذي يكون فيه»[17]. فلعلّ هذه
الروايات تشير إلى أنّ كون تحويل النقد
المسكوك إلى ركاز لا يمكن التعامل به، لمّا
كان خلاف طبع الانسان لكونه مانعاً عن
امتلاكه السيولة النقدية الانيّة، اكتفت
الشريعة بالمقدار الذي يحصل لذلك من الردع عن
هذا التحويل، حيث يضرّه أكثر ممّا يربحه، ولم
توجب عليه الزكاة فيما لو فعله صدفة، أمّا
الذي يكثر صدوره من الانسان فهو كنز النقد
بوصفه نقداً رائجاً أو مسكوكاً فمنعت الشريعة
عن ذلك بفرض الزكاة.
ويشهد لهذا الاحتمال ـ أعني كون ملاك
الزكاة في النقدين المنع عن ركود النقد
الرائج ـ ما ثبت نصّاً وفتوى من شرط الحول في
زكاة النقدين، فلعلّ السرّ في ذلك أنـّه إذا
أدخل الشخص نقوده في سير التجارة والتبادل
والمعاملات خرجت عن كونها كنزاً، ولم يحصل
الركود في قسم من النقد، ولهذا لم يوجب عليها
الاسلام الزكاة.
إلاّ أنّ شرط الحول ليس مخصوصاً
بالنقود بل هو موجود في الانعام أيضاً.
أمّا التعدّي عن الذهب والفضّة إلى
الاوراق الاعتبارية المألوفة اليوم في ثبوت
الزكاة عليها، فقد يخطر بالبال القول: إن
الجزم بإلغاء الخصوصية أو حكم العرف بذلك،
يتوقف على فرض كون الملاك المفهوم في زكاة
النقدين منحصراً بمثل سدّ حاجات المحتاجين
وسائر المصارف العامة، مما هو مشترك بين
النقدين والاوراق المالية المتداولة اليوم
تمام الاشتراك. أمّا إذا احتملنا وجود ملاك
آخر في المقام وهو المنع عن الكنز وعن ركود
مبلغ من النقود و إيقاف السيولة النقدية،
فمن المحتمل وجود الفرق بين مقاييس تحسين
الاقتصاد في الاقتصاد القديم الذي كان النقد
الرائج فيه عبارة عن الذهب والفضّة، ومقاييسه
في الاقتصاد المتطوّر القائم على أساس
الاوراق التي يكون قوامها بالجعل والاعتبار،
سواء فرض لها رصيد كامل أو ناقص أو لم يفرض لها
رصيد، وذلك على أساس المحدودية الطبيعية في
النقود الطبيعية أي الذهب والفضّة وقتئذ،
وانكسار هذه المحدودية إلى حد كبير في النقود
الاعتبارية في يومنا هذا. أمّا مع فرض فقدانها
الرصيد أو فقدانها الرصيد الكامل فالامر واضح.
وأمّا مع فرض تقيّد الدولة بالرصيد الكامل
فلانّ للدولة الحرية في تعيين الرصيد، فإن
قلّت عندها كميّة الذهب مثلاً كان لها المجال
الواسع في تبديل الرصيد بمعدن آخر كالنفط
مثلاً.
إذاً فقد يكون بالامكان الحفاظ على
السيولة اللازمة في البلد للنقد رغم كنز بعض
الناس لبعض النقود بكميّات غير واسعة. ومن
الواضح أنّ النصاب الاوَّلي للزكاة لا يعتبر
في مقياس اقتصاد اليوم كمية واسعة، والمقدار
المضرّ من تجميد النقود يختلف اختلافاً
واسعاً باختلاف الظروف والازمنة والامكنة في
عصر الاقتصاد الحديث، بل قد يتّفق أن تقتضي
مصلحة الاقتصاد في البلد تجميد الدولة لبعض
النقود وتقليل السيولة المؤدّية أحياناً إلى
التضخم في الاسعار، المضرّ بالطبقة الفاقدة
لتلك السيولة في نقودها.
أمّا لو قلنا بأنّ أصل تعيين مورد
الزكاة ومبلغ النصاب والمقدار الواجب إخراجه
ليس عدا أحكام ولائية يكون تشخيصها في كلّ
زمان ومكان بيد وليّ الامر، و إن كان أصل
الزكاة على الاجمال حكماً إلهياً، فعندئذ
ينحلّ هذا الاشكال الذي ذكرناه، ولكننا في
هذا الفرض لسنا بحاجة إلى التعدّي من النقدين
إلى الاوراق المتداولة في زماننا بحجّة إلغاء
العرف للخصوصية[18]،
بل نقول ابتداءً: إن تعيين الاعيان الزكوية في
الاُمور التسعة المعروفة إنـّما كان حكماً
ولائياً من قبل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)،
ومن حقّ وليّ الامر في كل زمان أن يضع الزكاة
على أيّ جنس يرى المصلحة في وضعها عليه ومنها
النقود الورقية المألوفة في زماننا.
ويشهد لولائية تفاصيل الاحكام في
الزكاة أمران:
أحدهما: لحن عديد من روايات الزكاة حيث
تقول: «وضع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
الزكاة على تسعة وعفا عمّا سوى ذلك»[19].
إلاّ أن يقال: إنّ وضع رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) وعفوه لا يدلّ على ولائية
الحكم لاحتمال أنـّه كان(صلى الله عليه وآله)
مأذوناً من قبل اللّه تعالى في تشريع بعض
التفاصيل، كما يشهد لذلك بعض الروايات، من
قبيل: ما رواه الصدوق بسنده إلى زُرارة قال:
قال أبو جعفر(عليه السلام): «كان الذي فرض
اللّه على العباد عشر ركعات فيهنّ القراءة
وليس فيهنّ وهمٌ يعني سهواً، فزاد رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) سبعاً وفيهنّ الوهم وليس
فيهنّ قراءة، فمن شكّ في الاوليتين أعاد حتى
يحفظ ويكون على يقين، ومن شكّ في الاخيرتين
عمل بالوهم»[20].
وما ورد أيضاً بسند تام عن الفُضيل بن يسار عن
أبي عبداللّه(عليه السلام) في موارد عديدة من
تشريع الرسول(صلى الله عليه وآله)كالركعتين
الاخيرتين، وكتحريم المسكر من كلّ شراب و إن
لم يكن خمراً، وغير ذلك[21].
وثانيهما: ما ورد من وضع أمير المؤمنين(عليه
السلام) الزكاة على الخيل، فعن محمد بن مسلم
وزُرارة بسند تام عنهما(عليهما السلام) قالا:
«وضع أمير المؤمنين(عليه السلام) على الخيل
العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عامّ
دينارين، وجعل على البراذين ديناراً»[22].
هذا بناء على أنّ حقّ التشريع الدائم إن كان
لغير اللّه فهو للرسول(صلى الله عليه وآله)
فحسب لا للامام، أو أنـّه لو قلنا بثبوت هذا
الحقّ للامام أيضاً، كما قد يستشعر من بعض
روايات أصول الكافي، باب التفويض إلى الرسول
و إلى الائمة، فلا إشكال فقهياً في أنّ
زكاة الخيل أو الضريبة فيه لو كانت واجبة لم
تكن حكماً دائمياً، فهي لو كانت، كانت حكماً
ولائياً خاصّاً بزمان إمامنا أمير المؤمنين(عليه
السلام) ولهذا لم يُفتِ أحد من الفقهاء
بوجوبها. ومن المحتمل أنـّه لم تكن هذه
الضريبة ملحقة بالزكاة في كلّ الاحكام بما
فيها حرمة الاكل على ذوي القربى. وعلى أيّ حال
فحتّى لو لم نقبل كون تفاصيل أحكام الزكاة
المثبّتة في الفقه أحكاماً ولائية، فلا ينبغي
الاشكال ـ بناءً على الايمان بمبدأ ولاية
الفقيه ـ أنّ من حقّ وليّ الامر أن يضع ما يراه
مصلحة اجتماعية من الضرائب على الاموال و إن
لم تكن زكوية بالاصل[23].
هذا وبناءً على كون تفاصيل أحكام
الزكاة إلهية لا ولائية نصطدم في التعدّي إلى
الاوراق المالية المتداولة اليوم، ودعوى
إلغاء الخصوصية عرفاً بمشكلة اُخرى، وهي
كيفية تعيين النصاب هل تقاس بقيمة الذهب أو
بقيمة الفضّة؟
وهناك نكتة اُخرى للتشكيك في الجزم
بإلغاء الخصوصية من النقدين أبرزها بعض
المعاصرين، وهي إبداء احتمال كون الخمس في
أرباح المكاسب مجعولاً من قبل الائمة(عليهم
السلام) حينما رأوا انحراف الزكاة عن مسيرها
وصيرورتها في مسير إعاشة الجبّارين، وأنّ
الخمس حقّ وحدانيّ للامام بما هو إمام يسدّ به
مواضع الحاجة إلى الزكاة، فلم يبق داع إلى
توسيع الزكاة لغير الاجناس التسعة[24].
وهذا مبنيّ على عدم ثبوت خمس أرباح
المكاسب في زمن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)والدخول
في هذا البحث لا يناسب هذه الوريقات.
هذا وقد تلخّص من كلّ ما ذكرناه: أن
التعدّي في باب الزكاة من النقدين إلى
الاوراق المالية الاعتبارية المألوفة اليوم،
بعد تسليم كون تفاصيل أحكام الزكاة أحكاماً
إلهية لا ولائية، لا يخلو من إشكال.
إلاّ أنّ المهم هو أنـّنا نعتقد على
أساس مبدأ الولاية بأنّ من حقّ وليّ الامر فرض
الضرائب على الاموال في حدود ما يراه من
المصالح الاجتماعية وليس من المهم أن تصبح
هذه الضرائب محكومة بحكم ما اصطلحت عليه
الزكاة من حرمة صرفها على ذوي القربى.
«يتبع»
([1])
راجع بالفارسية: كليات علم اقتصاد لباقر
قديري أصلي: 184.
([2])
راجع الحلقة السادسة من سلسلة: الاسلام يقود
الحياة، لاُستاذنا الشهيد الصدر(رحمه الله):
109.
([3])
راجع بالفارسية الدروس التي هيأها الاُستاذ
الدكتور داودي للتدريس في كلية العلوم
الاقتصادية في جامعة الشهيد بهشتي بطهران /
الدرس الثاني والثالث.
([4])
راجع البنك اللاربوي في الاسلام: 151 طبعة دار
التعارف للمطبوعات، بيروت.
([5])
راجع: البنك اللاربوي في الاسلام: 151 و152 طبعة
دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت.
([6])
الانفال: 41.
([7])
الانفال: 1.
([8])
الحشر: 6 ـ 7.
([9])
التوبة: 103.
([10])
التوبة: 60.
([11])
وسائل الشيعة 6، ب29 من المستحقين للزكاة ح2 :
186.
([12])
نفس المصدر ح3.
([13])
راجع وسائل الشيعة،6، ب29 ـ 34 من أبواب
المستحقين للزكاة.
([14])
راجع الوسائل ج6 ب1 من أبواب ما تجب فيه
الزكاة ح2 : 3 ورواية أخرى في نفس الباب.
([15])
الحشر: 7.
([16])
التوبة: 34 ـ 35.
([17])
راجع الوسائل ج6 ب11 من زكاة الذهب والفضة.
([18])
إلاّ بناءً على كون طريقة إعمال الولاية
بحاجة إلى المؤشّرات في الشريعة، فقد تصلح
الاحكام الولائية في
الاجناس الزكوية مؤشّرات بنكتة
إلغاء العرف خصوصيته إلى جعل وليّ الامر في
كلّ زمان ما يرى فيه المصلحة من الضرائب.
([19])
راجع الوسائل ج6 ب8 ممّا تجب فيه الزكاة.
([20])
وسائل الشيعة، 5 ، ب1 من الخلل الواقع في
الصلاة ح1 : 299.
([21])
راجع: اُصول الكافي ج1 باب التفويض إلى
الرسول والائمة ح4 : 266 ـ 267.
([22])
وسائل الشيعة، 6 ، ب16 مما تجب فيه الزكاة ح1 :
51.
([23])
ولو قلنا بحاجة كيفية إعمال الولاية إلى
مؤشّرات في الشريعة، فقد يفرض جعل الضريبة
على الخيل من قبل إمامنا أمير المؤمنين(عليه
السلام) مؤشّراً في المقام إلى ذلك.
([24])
كتاب الزكاة للشيخ المنتظري المجلد الاول:
282.