من الدس و التشویه فی دائرة المعارف الاسلامیة (2) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

من الدس و التشویه فی دائرة المعارف الاسلامیة (2) - نسخه متنی

فؤاد کاظم المقدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسات


من الدسِّ والتشويه في دائرة المعارف
الاسلامية


الطعن بإلهية القرآن ورسالة النبي
محمد((صلى الله عليه وآله)) بالاسلام


«الحلقة الثانية»


* الشيخ فؤاد كاظم المقدادي
(العراق)

في الحلقة الاولى من هذه الدراسة
تناولنا صياغتين لادعاءات ومقولات الطعـن
بإلهيـة القرآن ورسالة النبي محمد(صلى الله
عليه وآله)بالاسلام، ورددنا على مفرداتهما،
وهما:

أ ـ دسّ وتشويه يهدف إلى القول بأن
ذكاء محمد(صلى الله عليه وآله)وخياله
المتوقّد هما اللذان كانا وراء ما جاء به من
دعوة. ب ـ دسّ وتشويه يهدف إلى إثارة شبهة أنّ
في القرآن تناقضاً وفي بعض آياته تردداً.

وفي هذه الحلقة نتناول الصياغة
الثالثة والرد على مفرداتها، وهي:

ج ـ ان محمداً تأثّر واستقى من
اليهودية والنصرانية او الجاهلية صياغة
آيات قرآنه، ومفردات وأحكام دينه الجديد:

ولابراز هذه الشبهة، دسّ العديد من
محرري دائرة المعارف الاسلامية ادعاءات
ومقولات متنوعة:

منها: ما جاء تحت مادة «جبريل» حيث
يقول «كارادي فو Carrade Vaux »: ما مضمونه أنّ
الرسول(صلى الله عليه وآله) عرف جبريل(عليه
السلام) من خبر البشارة الوارد في الانجيل،
واعتقد أنه تلقّى رسالته ووحيه منه[1].

وتحت مادة «سحر» يقول «هيك T. W. Haig»: «...
ان اصول الاسلام نفسها قد تأثرت تأثراً
عميقاً بمعتقدات أناس غرباء عن الاسلام كلية»[2].

وتحت مادة «اُمّة» يقول «ر. پاريه R. Paret»:
«هي الكلمة التي وردت في القرآن للدلالة على
شعب أو جماعة، وهي ليست مشتقة من الكلمة
العربية «أمّ»، بل هي كلمة دخيلة مأخوذة من
العبرية «أُمَّا» أو من الارامية «أُمِّثا»،
.. وقد تكون الكلمة الاجنبية دخلت لغة العرب في
زمن متقدم بعض الشيء. ومهما يكن من شيء فإن
محمداً أخذ هذه الكلمة واستعملها وصارت منذ
ذلك الحين لفظاً إسلامياً أصيلاً»[3].

وتحت مادة «السامرة» يقول «كاسترM. Gaster
» ما مفاده أن السامرة أثّروا في الرسول محمد(صلى
الله عليه وآله) وانهم أثّروا في تكييف الدين
الذي جاء به[4].

وفي مادة «تميم الداري» يقول «ليفي
دلافيدا G. Levi Dellvida»: «... وكان تميم نصرانياً
كغالب عرب الشام فاستطاع ان يخبر النبي
بتفاصيل العبادات التي استعارها من النصارى...
ويقال إنَّ تميماً كان أوّل من روى القصص
الديني... وقد أخبر بها تميم النبي فأخذ
بروايته وأذاعها في الناس»[5].

وعن دعوى استقاء الرسول(صلى الله عليه
وآله) من التوراة يقول «هورفتزJ. Horovitz » تحت
مادة «التوراة»: «وفي القرآن الى جانب مثل هذه
الاشارات البيّنة الى التوراة قصص وأحكام
استقاها منها ورددها في مواضع كثيرة دون أن
يذكر المصدر الذي نقل عنه، ...»[6].

وتحت مادة «جهنم» يحاول «كارادي فو B.
Carrade Vaux» من خلال تعريفه لها ان يطعن بإلهية
القرآن الكريم ورسالة النبي محمد(صلى الله
عليه وآله)بالاسلام فيقول: «جهنم: وهي كلمة
مشتقة من اللفظ العبري «جيحنّون» أو «وادي
هنوم» (انظر سفر يوشع، الاصحاح الخامس عشر،
الفقرة 8) وكان وادياً بالقرب من بيت المقدس
تقدّم فيه القرابين الى مولك في ايام العقوق،
وكلمة جهنّام بالف بعد النون معناها البئر
العميق. وقد تردد ذكر جهنم وفكرة جهنم كثيراً
في القرآن ...»[7].

وتحت مادة «دنيا» يحاول «كارادي فو»
مرة اُخرى أن يطعن بإلهية القرآن الكريم
ويؤكّد أن محمداً(صلى الله عليه وآله) استقى
آيات قرآنه من اليهوديّة والمسيحيّة: وان
اُسلوبه في استعمال هذه الكلمة يذكّرنا
تماماً باُسلوب وعّاظ النصارى: (اُولئِكَ
الّذينَ اشْتَرَوُا الحَياةَ الدُّنْيا
بِالاخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم
الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ )«سورة
البقرة ـ الاية 80 »، وجاء في القرآن أيضاً «سورة
الاعلى، الايات من 16 ـ 19»: (بَلْ تُؤثِرُونَ
الْحَياةَ الدُّنْيا * وَالاخِرَةُ خَيْرٌ
وَأبْقى * إنَّ هذا لَفي الصُّحُفِ الاُولى *
صُحُفِ إبْراهيمَ وَمُوسى)[8].

وتحت مادة «السكينة» يحاول «جويل B. Joel»
من خلال دعوى استعارة هذه الكلمة من العبريّة
واقترانها بتصوّرات من العقائد الوثنيّة في
الجن أن يوحي بأن القرآن هو كلام النبي محمد(صلى
الله عليه وآله) وليس كلام الله، فيقول: «السكينة:
كلمة مستعارة من العبريّة «شكينا» وهي تدلّ
في هذه اللغة على حضرة الله بالمعنى الروحي
الخالص، وتتجلى هذه الحضرة أحياناً بعلامة
كنار او سحابة أو نور مما يستطاع إدراكه
بالحواس. ومن الواضح ان النبي(صلى الله عليه
وآله وسلم) لم يتبين بجلاء المعنى الحق لهذه
الكلمة، إذ يقول: إن السكينة هي وبعض الاثار
كانت مودعة في تابوت بني اسرائيل المقدّس،
ولعلّه قرن هذه الكلمة العبرية المستعارة
بتصوّرات استقاها من العقائد الوثنية في الجن»[9].

وتحت مادة «السحر» يرسل «هيك» دعواه
بتأثير المسيحية واليهودية في هذا الدين
إرسال المسلّمات وبصياغة صريحة من أنه من
مؤلفات هاتين الديانتين، بالاضافة الى
غيرهما مما هو سائد في جزيرة العرب آنذاك،
فيقول: «وهكذا نجد أن عالم الارواح في جزيرة
العرب، مهد الاسلام، على ايام محمد(صلى الله
عليه وآله وسلم)، كان يتألّف ـ بصرف النظر عن
الاثار المسيحية واليهودية التي في هذا الدين
ـ من الله ومن الالهة القبليّة والجن، وكان
الكهّان والسحرة والعرّافون والشعراء
والمجذوبون صلة الوصل بين الناس وبين هذا
العالم»[10].

وتحت مادة «داود» ومن خلال بحثه عن
مصدر معلومات النبي محمد(صلى الله عليه وآله)عن
النبي داود(عليه السلام) يحاول «كارادي فو»
إثبات أنَّ محمداً استقى قصة النبي داود في
قرآنه من التوراة، فيقول: «وقد ورد ذكره [ داود]
في التوراة. وفي القرآن عدة آيات تشير الى قصة
الملك النبي داود، خليفة الله «سورة ص ـ الاية
25»، وقد حُرّفت هذه القصة شأن غيرها من قصص
الانبياء بعض التحريف، ويظهر فيها أثر من
مذهب الربانيين، أو قل انه يبدو فيها أثر
السعي الى تفسير بعض آيات من التوراة لم تعرف
على وجهها الصحيح ...»[11].

وتحت مادة «الجنّة» كما في غيرها من
المواد المشابهة يكرّس «كارادي فو» دعواه
بأنَّ محمداً أو من كان وراءه قد تأثروا
بالمسيحية، فيقول: «ولا بدَّ من أن يكون محمد
أو معلّموه المجهولون قد رأوا بعض التصاوير
أو بعض قطع الفسيفساء المسيحية التي تصوّر
حدائق الفردوس، وأوّلوا صورَ الملائكة كما لو
كانت صورَ الولدان والحور»[12].

وللايحاء بدعوى أنَّ النبي محمداً(صلى
الله عليه وآله) قد أخذ من الاديان السابقة
وتأثر بها في صياغة دينه الجديد يقول «كاستر»
تحت مادة «الادب السامري»: «والتشابه بين أصل
الحديث وبين السنّة السامريّة الشفوية أوثق
من التشابه بين الحديث وبين السنّة اليهودية
أو المسيحية»[13].

ويحـاول «جوينبل Th. W. Juynboll» أن يؤكّد
هذه الشبهة فيدّعي أن الاقامـة أخذت مـن
اليهود والنصارى، حيـث يقول تحت مادة «إقامة»:
«إن المسلميـن استعـاروا عبارات الاقامـة من
البركات التي تتلـى في صلاة اليهـود، فـي حين
يقول «بيكر Geschichtedes،Zur: C. H. Becker ص3، ص389
Islamischen Kultuse Der Islam»: إنها نشأت من الاذان الذي
نسج على منوال القدّاس عند النصارى»[14].

وهكذا ينساق كتّاب دائرة المعارف
الاسلامية مع هذه الدعوى ويردّدون نفس الشبهة
في موادها الاُخرى، منها ما في مادة «الجمعة»
والتي يقول فيها «جوينبل»: «ويصحّ أن نذهب الى
أن النبي نفسه جرى على إقامة صلاة عامة وإلقاء
خطبة على طريقة اليهود في فناء داره بالمدينة
في أيام الجمعة، ولعلّه قد جرى على إقامة
الصلاة تتبعها الخطبة كما كانت عليه الحال
لدى الجماعات المماثلة في الازمنة السابقة
له، إذ كانت الصلاة العامة تسبق أداء الاعمال
الاُخرى»[15].

وتحت مادة «الخطبة» يحاول «فنسنك A. J.
Wensinck» أن ينفي الوحي الالهي للنبي محمد(صلى
الله عليه وآله) وتشريعه لنظام عبادة الصلاة
الاسلامية فيقول: «ومهما يكن من أمر الشكّ في
هذه الاحاديث، فلسنا نبتعد عن القصد إذا
ذهبنا إلى أن النظام المحدّد للصلاة يوم
الجمعة والعيدين إنما نشأ بعد وفاة النبي...،
وقد حاول «بيكر G. H. Becker» في دراسته لتاريخ
العبادات الاسلامية أن يعقد صلة وثيقة بين
صلاة الجمعة والعيدين من ناحية، والقدّاس من
ناحية اُخرى والخصائص الاساسية لرأيه هي: أن
الخطبة الاولى تطابق الجزء الاوّل من القدّاس
(Vormesse) والاذان والخطبة صدى للعبادات التي
تدور بين الشماس والقسيس الذي يتلو القداس.
والتلاوة الواجبة لايات القرآن تطابق
القراءة من الكتاب المقدّس ...»[16].

ونفس الدعوى تتكرّر في مادة «صوم»
والتي كتبها «بيرك G. G. Berg» كما في المقاطع
التالية: «أمّا «الصوم» [ بمعنى الامساك عن
الطعام والشراب] فيجوز أن يكون مأخوذاً عن
الاستعمال اللغوي اليهودي ـ الارامي ـ لما
عرف محمد عليه الصلاة والسلام وهو في المدينة
شعيرة الصوم عن كثب»[17].

ويستمر في هذه الدعوى فيقول في موضع
آخر من نفس المادة: «ويدل على ظهور الصيام
باعتباره رياضة اختيارية غايتها قهر الشهوات
بين المسلمين الاولين في مكة ما يغلب على الظن
من أن محمداً عليه الصلاة والسلام، وهو في
أسفاره الكثيرة، لاحظ هذه العبادة عند اليهود
والنصارى»[18].

ويقول ايضاً في نفس المادة: «... لكن
محمدا(صلى الله عليه وآله) لم يكن على كل حال
عارفاً بالتفصيلات لانه لم يأمر بصوم يوم
عاشوراء إلاّ بعد الهجرة لما رأى اليهود
يصومونه»[19].

ويذهب «بيرك» الى اكثر من ذلك في
ادعائه هذا، فينقل آراء آخرين تحت نفس المادة
فيقول: «وفيما يتعلّق بمسألة السبب الذي من
أجله اختار محمد(صلى الله عليه وآله) شهر
رمضان بالذات والمصدر الذي أُخذت عنه شعيرة
الصوم الاسلامية، قيلت آراء عديدة، ويقول
الاسلام انه هو الصوم الذي فرضه الله على
اليهود والنصارى لكنهم أفسدوه، فأعاده محمد(صلى
الله عليه وآله) الى صورته الصحيحة، ويذهب «شپرنكر
Sprenger» الى انه تقليد للصوم الاربعين عند
النصارى; و «نولدكه وشفالي Noldeke - Schwally» يشيران
الى مشابهة الصوم الاسلامي لنوع الصوم عند
المانوية»[20].

أما «فير T. H. Weir» فيساهم هو الاخر في
طرح هذه الشبهة والايحاء بأن العديد من
العبادات التي جاء بها النبي محمد(صلى الله
عليه وآله) ما هي الاّ موروثات متأصلة لدى
العرب زمن الجاهلية حيث يقول تحت مادة «الجاهلية»:
«... ولكنه [ محمد(صلى الله عليه وآله) ]وجد
الحج الى الاماكن المقدسة متأصّلاً في نفوس
العرب لا يستطيع له دفعاً. وكان قصاراه أَلاّ
يُبقي من بيوت العبادة إلاّ على بيت واحد جعله
بيت الله الواحد»[21].

ويقول «فنسنك Wensinck» في نفس الاتجاه
تحت مادة «أصل الحج في الاسلام»: «لم تكن نظرة
النبي الى الحج واحدة على الدوام، فلا بد أنه
اشترك كثيراً في مناسكه وهو حدث، أمّا بعد
دعوته فقد كانت عنايته قليلة أول الامر بالحج.
فلم يرد ذكر الحج في السور القديمة. ولا يبدو
من المصادر الاُخرى أن النبي اتخذ خطة محددة
حيال هذه العادة الوثنية الاصل»[22].

ويفصّل «فنسنك» أكثر في دعمه لهذه
الشبهة فيقول تحت نفس المادة: «ان الوقوف في
سهل عرفات من أهم مناسك الحج، فالحج بدون
الوقوف باطل في الاسلام، وإنما يفسّر هذا
الامر بأنه أثر لفكرة جاهلية، وقد وازن «هوتسما
Houtsma» بين الوقوف وبين إقامة بني اسرائيل على
جبل سينا. فهؤلاء يعدّون أنفسهم لهذه الاقامة
بالامتناع عن النساء وبغسل ثيابهم، وبذلك
يقفون أمام الرب، وعلى هذا النحو لا يقرب
المسلمون النساء ويرتدون ثياب الاحرام
ويقفون أمام الخالق في سفح جبل مقدّس»[23].

وينساق «فنسنك» تحت مادة «إحرام» مع
هذا الدعوى.

وينقل رأي «سنوك هجروينيه» في هذا
الموضوع، الذي صوّر هذه الشبهة مرةً بأنها
نظريات يراها النبي محمد(صلى الله عليه وآله)
ليتفادى بها الصورة القاسية التي كانت تمارس
بها هذه العبادات في الجاهلية، ومرةً اُخرى
يصوّرها بأنّها ممارسات مشتملة على قذارات
كانت على عهد الجاهلية، ومنها ما كان على عهد
الديانات السامية أيضاً كاليهود[24].

كما ويصرّح «بول Fr. Buhl» بالشبهة دون
تردّد، فيقول تحت مادة «الجمرة»: «ورمي
الجمرات شعيرة أخذها الاسلام عن الوثنية فلم
ينصّ عليها صراحة في القرآن، ولكنها ذكرت في
سير النبي وفي الحديث»[25].

ويسلك «شاخت Josephj Schacht» نفس نهج أضرابه
فيقول تحت مادة «زكاة»: «إن النبي(عليه السلام)
استعملها بمعنى أوسع من ذلك بكثير، أخذاً عن
استعمالها عند اليهود (في اليهودية ـ
الارامية: زاكوت)... ولما كان النبي محمد(عليه
السلام) قد عرّف التقوى من هذا الوجه على انها
من مميزات الاديان المنزَّلة، فانه من اول
الامر قد اعتبر البرّ من الفضائل الكبرى التي
يتحلّى بها المؤمن الحق (انظر سورة الرعد، آية
22، سورة فاطر، آية 29)»[26].

ويضيف «شاخت» قائلاً: «وترد كلمة صدقة
مرادفة لكلمة زكاة تقريباً، ولا ريب أن النبي(عليه
السلام) قد عرف ذلك من يهود المدينة معرفة أدق.
ولم يلبث معنى الزكاة ان تأثّر في المدينة
أيضاً بتغيّر الاحوال»[27].

وينقل شاخت حديثه الى مادة «زنا»
ليردّد نفس الشبهة فيقول: «أمّا في القرآن فقد
جاء النهي عن الزنا وان العفّة من صفات
المؤمنين، ويظهر أن ذلك كان تحت تأثير
اليهودية أو النصرانية»[28].

أما «هفننج Heffening» فيردّد نفس الشبهة
في مادة «التجارة» فيقول: «لكن محمداً قد رفع
في الوقت نفسه صوته محذّراً من الشرور التي
بدأت تقترن بالتجارة، فقال: إن التجارة ينبغي
أن تكون على مقتضى الشرع والعدل. وقد جاء في
سورة المطففين: (وَيْلٌ لِلمُطَفِّفينَ *
الّذينَ إذا اكْتالُوا عَلى النّاسِ
يَسْتَوْفُونَ * وَإذا كالُوهُمْ أوْ
وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)، (انظر سورة
الرحمن، الايات 7 الى 9، ومن العهد المكّي
الثالث سورة الانعام، الاية 152، سورة الاعراف
الاية84). وقد تغيّرت نظرة النبي بعد ذلك
تغيّراً معيناً يجب أن نردّه الى العهد
المكّي، ولو انه ليس في القرآن شواهد على ذلك
إلاّ في سور العهد المدني، إذ تحوّلت نظرته
الى التجارة بفعل آراء الزهّاد من النصارى.
وهو لم يحرّمها، وإنما رأى فيها ما قد يعوق
المؤمنين عن عبادة الله، ويصرفهم عن الصلاة،
ويظهر هذا بأجلى بيان في وصف الاديار الذي ورد
في سورة النور المدنية الاية37: (رِجالٌ لا
تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَـنْ
ذِكْرِ اللّهِ...)، ومهمـا يكن مـن شيء فانّ
المحصّـل من هذه الايـة أن النبـي كـان يدرك
إدراكـاً تاماً ما للتجارة من آثار سيئة في
الحياة الدينية. وكان من نتيجة تسلسل هذه
الافكار أن التجارة حرّمت في السور المدنية
تحريماً باتاً إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة.
وشاهد ذلك سورة الجمعة، الايات من 9 الى 11. ومن
جهة اُخرى أحلّ الرسول في أواخر العهد المدني
البيع إبان الحج (سورة البقرة، آية 397*)[29]»[30].

ويساهم «هـ . هـ . بروى uH. H. Br» أيضاً
في ترديد هذه الشبهة فيقول تحت مادة «أمية بن
أبي الصلت»: «والاراء الدينية في كلام اُمية
مطابقة لما جاء في القرآن الى حدٍّ كبير.
ويكاد الاتفاق يقع كلمة كلمة في كثير من
الاقوال، ولهذا اُثيرت بالطبع مسألة اعتماد
أحد القولين على الاخر. فيذهب «هيوار» الى ان
أشعار اُمية بن أبي الصلت ـ التي تتضمّن قصصاً
من قصص التوراة مذكورة عند المقدسي في «كتاب
البدء»، ...»[31].

هذه خلاصة لاهم موارد الدسّ والتشويه
الاستشراقي، تستهدف تكوين الشبهة المدعاة
بأن محمداً(صلى الله عليه وآله) تأثر واستقى
من اليهودية والنصرانية أو الجاهلية في صياغة
آيات قرآنه ومفردات وأحكام دينه الجديد، وهي
في مجملها تحاول اختلاق وصياغة شبهة أساسية
طالما بذلوا جهدهم لدعمها وتأكيدها، وهي
أفكار الوحي الالهي للنبي محمد(صلى الله عليه
وآله)، وإنّ ما جاء به لا يعدو أن يكون تلفيقاً
بين ما اقتبسه من اليهود والنصارى، ومن
مفردات ومؤثّرات بيئته الجاهلية آنذاك.

ونكتفي في هذه الفقرة ببيان الرد
والعلاج للمفردات التفصيلية لموارد الدسّ
والتشويه هذه، محيلين أمر الرد على أصل شبهة
إنكار الوحي الالهي للنبي(صلى الله عليه وآله)الى
بحث مستقل سيأتي في فصل قادم إن شاء الله:

1 ـ قول «كارادي فو» تحت مادة «جبريل»:
فيه انسياق واضح مع إنكار الوحي الالهي
للرسول(صلى الله عليه وآله)، ويشهد لذلك أيضاً
تعبيره عن الاية 19 من سورة مريم في آخر قوله
المذكور أعلاه بأنها رأي النبي(صلى الله عليه
وآله) وليس قول الله في قرآنه الكريم. وجوابه
نحيله الى محلّه، على أنه لم يأت لنا بدليل أو
حتى شاهد أو قرينة على استظهاره بأن النبي(صلى
الله عليه وآله) عرف جبريل من خبر البشارة
الوارد في الانجيل، ولا على احتماله سماعه
ذلك الخبر من أفواه بعض الفلاسفة أو الباحثين
في الاديان، وغير ذلك من الاحتمالات، فأي
قيمة لهذا الاستظهار وتلك الاحتمالات؟

2 ـ قول «هيك» تحت مادة «سحر»: وأمر
هذين القولين كسابقهما، وهنا لم يسق إلينا
القائل دليلاً واحداً ولا شاهداً على مدّعاه.
إلاّ أنه لا يعدم وجود تقارب والتقاء في بعض
المفاهيم والعقائد والاحكام الاسلامية مع
الاديان السابقة كالمسيحية واليهودية، لان
الاسلام لا ينكر تلك الاديان، ولا ينكر الرسل
الذين أرسلهم الله سبحانه بها، ولا الكتب
المنزّلة من لدنه تعالى عليهم، كالتوراة
والانجيل، بل يصرّح بأنه خاتم الاديان
وأكملها، وأن القرآن المجيد خاتم الكتب
والرسول الكريم(صلى الله عليه وآله)خاتم
الانبياء وأكملهم، إلاّ أنه يعتقد بأن يد
التحريف قد طالت هذه الاديان والكتب، كما
ويعتقد ان النسخ حصل للعديد من الاحكام
التشريعية*[32]الواردة
فيها، وما تبقّى من الصحيح وغير المنسوخ منها
يقارب ويلتقي عادة مع ما جاء به الاسلام، لانه
من سراج ومصدر واحد.

3 ـ قول «ر. پاريه» تحت مادة «أمّة»،
وقول «كارادي فو» تحت مادة «جهنّم» وتحت مادة
«دنيا»، وقول «جويل» تحت مادة «السكينة» فيه،
أن طريقة الاستدلال على كون كلمة «أمة»
وأمثالها من الكلمات المذكورة في أقوال
الاخرين دخيلة ومأخوذة من العبرية مثلاً
لمجرد وجود شبه لفظي في حرف أو حرفين بين
الكلمة العربية وكلمة بمعناها في العبرية
متكلّفة لا تخلو من تمحّل ومغالطة، إذ بهذه
الطريقة سوف نهدم الكثير من صيغ الوضع اللفظي
للغات، إلاّ إذا ساق المدّعي دليلاً أو قرينة
معتبرة على مدّعاه.

ويمكن ردّ هذا الادّعاء أيضاً بقولنا:
إن كلمة «أمة» لها معان متعددة في اللغة
العربية، منها: الشِّرعة والدين، القَرْن من
الناس، الرجل لا نظير له، الحين وقد وردت هذه
الكلمة في هذه المعاني في الشعر العربي
الجاهلي، منه قول النابغة الذبياني:

حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبةً
وهل يأثمن ذو اُمة وهو طائع؟

ويريد بها هنا أهل الدين والشرعة.

ومنها أيضاً قول الشاعر: وهل يستوي ذو
اُمة وكفور؟

أي ذو دين وذو نحلة[33].

كما أنه لو كانت هذه الكلمة دخيلة من
العبرية لاستقلّت بمعناها المدّعى في
العبرية، وهو شعب أو جماعة، على أن هناك قولاً
بأن اللغة العربية أسبق وجوداً في الجزيرة
العربية من العبرية. ولو سلّمنا وصحّ هذا
الادّعاء فلا يثبت منه قول «پاريه»: «أن
محمداً أخذ هذه الكلمة واستعملها، وصارت منذ
ذلك الحين لفظاً إسلامياً أصيلاً» إذ إنها ـ
حسب الدعوى ـ قد أصبحت جزءاً من اللغة العربية
واستعمالها في المراد المعنوي لها سواءً في
القرآن الكريم او في السنة الشريفة استعمالاً
مألوفاً وليس قائماً على قصد الاستقاء من
العبرية، هذا مضافاً إلى ان القرآن الكريم
كلام الله عزوجل وليس كلام الرسول(صلى الله
عليه وآله)إلاّ إذا أنكر «پاريه» ذلك، فعندها
يأتي كلامنا الانف ان شاء الله في صدق الوحي
الالهي للرسول(صلى الله عليه وآله).

4 ـ قول «كاستر» تحت مادة «السامرة»
عليه نفس ما أوردناه على قول «هيك» السالف تحت
مادة «سحر»، ونضيف إليه ردّاً على قوله: «قال
أبو الفتح...» أن اليهودي «كعب الاحبار»
المشهور لم ير النبي(صلى الله عليه وآله) قط
ولم يأت المدينة إلاّ بعد وفاته(صلى الله عليه
وآله)، وإنه أسلم وقدم الى المدينة في عهد أبي
بكر أو عمر، كما هو ثابت في تاريخنا الاسلامي[34].
وأمّا النصراني الذي يسمّيه «آب سمليه» فلا
نعرف من هو، ولم تذكر لنا كتب التاريخ شخصاً
بهذا الاسم، على أن الثالث وهو السامري
مُنكرٌ تماماً، إذ لم يذكر لنا اسمه ولا علامة
عليه، رغم ادعائه أنه استطاع أن يؤثّر في
النبي أكثر من صاحبيه.

5 ـ قول «ليفي دلافيدا» تحت مادة «تميم
الداري» فيه إضافة الى ما سبق منّا أن تميم
الداري هذا لم ينقل لنا التاريخ أنه التقى
برسول الله(صلى الله عليه وآله) قبل بعثته
وبعدها حتى اسلامه، ولهذا تجد عبارة «ليفي
دلافيدا» مجملة، بأن تميماً كان نصرانياً
كغالب عرب الشام، ثم يفرّع عليه إخباره
للرسول(صلى الله عليه وآله). ثم إنه كان قد
أسلم في السنة التاسعة بعد الهجرة، أي بعد أن
نزلت أغلب آيات القرآن الكريم، وعلّم النبي(صلى
الله عليه وآله)المسلمين أغلب أحكام الشريعة
الاسلامية، سواءً في العبادات أو المعاملات،
بحيث استوسقت معالم الدين وبانت معالمه
التفصيلية، خصوصاً في الجانب العبادي منه
والذي كان بيان رسول الله(صلى الله عليه وآله)لاغلب
مفرداته أسبق من بيانه لمفردات جانب
المعاملات، فما الذي بقي منها ليقوم تميم
الداري بإخبار النبي(صلى الله عليه وآله)بها
لتتم الاستعارة المدعاة لتفاصيل العبادات من
النصارى؟ على أننا كما قلنا سلفاً لا يعدم
وجود نوع من التشابه في بعضها من التي لم
تُحرّف من الديانات السماوية السالفة، ولم
يطلها النسخ الذي سيق منّا بيان مختصر عن
حقيقته.

6 ـ قول «هورفتر» تحت مادة «التوراة»
وقول «كارادي فو» تحت مادة «داود» وتحت مادة «الجنة»
فيه نفس ما أوردناه على قول «هيك» السالف تحت
مادة «سحر» فراجع، مضافاً إلى أن عبارتيهما
تشيران الى أن الاصل ـ في عقيدتهما ـ هو ما ورد
في التوراة، وهو الصحيح الذي لا تحريف فيه،
وأن محمداً(صلى الله عليه وآله) هو الذي حرّف
بعضه ليلائم أغراضه الخاصة، ويقصد من ذلك أن
القرآن من صنع محمد(صلى الله عليه وآله) وأنّه
حرّف ما في التوراة ليميّز دعوته ويظهرها
بثوب جديد.

والكلام نفسه يرد على قوله تحت مادة «الجنة»:
«ولا بد من أن يكون محمد ومعلّموه المجهولون...»
على أنه لم يسق أدنى دليل أو قرينة على أن
النبي(صلى الله عليه وآله)كان قد رأى كنائس
ليشاهد فيها مثل هذه الصور، أو أن له معلمين
مجهولين، إذ ليس في مثل هذه الاقوال إلاّ
التمحّل والتعبير عن الخلفية المتعصبة بهذه
الافتراءات.

وهكذا يرد على قول «كاستر» تحت مادة «الادب
السامري»: «التشابه بين أصل الحديث وبين
السنّة السامرية الشفوية... الى آخره»، فكلها
دعاوى جزافية لا وزن لها في معايير البحث
العلمي.

7 ـ قول «جوينبل» تحت مادة «إقامة»
وكذلك وجه الشبهة بين الاذان والقدّاس عند
النصارى لتترتب عليهما دعوى الاستعارة
والنسج الواحد.

الثابت فيما ورد عن أهل البيت(عليهم
السلام) أن الاقامة والاذان وحيٌ إلهي لرسوله
الكريم(صلى الله عليه وآله).

فقد روى محمد بن يعقوب عن علي بن
إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن
أُذينة عن زرارة أو الفضيل عن أبي جعفر(عليه
السلام)قال: «لمّا أُسري برسول الله(صلى الله
عليه وآله)الى السماء فبلغ البيت المعمور،
وحضرت الصلاة فأذّن جبرئيل وأقام، فتقدّم
رسول الله(صلى الله عليه وآله) وصَفَّ
الملائكة والنبيّون خلف محمد(صلى الله عليه
وآله)»[35].

وعنه عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد
عن منصور بن حازم عن أبي عبدالله(عليه السلام)
قال: لمّا هبط جبرئيل(عليه السلام) بالاذان
على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) كان رأسه
في حجر علي(عليه السلام) فأذّن جبرئيل وأقام،
فلما انتبه رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال:
يا عليّ سمعت؟ قال: نعم، قال: حفظت؟ قال: نعم،
قال: ادع لي بلالاً نعلّمه، فدعا علي(عليه
السلام) بلالاً فعلّمه. ورواه الصدوق باسناده
عن منصور بن حازم، ورواه الشيخ باسناده عن علي
بن إبراهيم مثله[36].

وفي معرض استنكار الامام الصادق(عليه
السلام) ولعنه لمن يدّعي أنه أخذ الاذان عن
غير طريق الوحي الالهي نقل محمد بن مكّي
الشهيد في «الذكرى» عن ابن أبي عقيل عن الصادق(عليه
السلام): أنه لعن قوماً زعموا أن النبي(صلى
الله عليه وآله) أخذ الاذان من عبدالله بن
زيد، فقال: ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون أنه
أخذ الاذان من عبدالله بن زيد[37].
على أن لازم كلامهما السالف هو إنكار الوحي
الالهي لرسول الله(صلى الله عليه وآله)وردّنا
عليه في محله إن شاء الله.

أما قوله تحت مادة «الجمعة» إضافة الى
ما فيه من إيحاء بإنكار الوحي لرسول الله(صلى
الله عليه وآله)، فيه أيضاً أن افتراض وجود
تشابه ما في كلّيات عبادة معينة من مفرداتها
الكثير من الاختلافات التفصيلية شكلاً
ومضموناً لا تنهض دليلاً، بل ولا حتى قرينة
على وحدة الطريقة في تلك العبادة، فكيف يفرّع
عليها تبعية احداهما للاخرى؟

ثم إن رسول الله(صلى الله عليه وآله)
كان يقيم صلاة الجمعة في المسجد لا في فناء
داره، لعدم وجود مثل هذا الفناء أساساً، كما
هو ثابت تاريخياً، ولعلّ «جوينبل» هذا توهّم
أن المسجد هو فناء دار رسول الله(صلى الله
عليه وآله) لان بيوت الرسول(صلى الله عليه
وآله) وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام) كانت
متصلة وملحقة بالمسجد، ولها أبواب خاصة
توصلها به.

أمّا قوله: «... ولعلّه [ الرسول] قد
جرى على إقامة الصلاة تتبعها الخطبة... الى
آخره» فهو قول لا صحة له، لان الروايات بلغت
شهرة عظيمة عن الرسول(صلى الله عليه وآله)وأهل
بيته الطاهرين(عليهم السلام)، وما عليه سيرة
المتشرعة من عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)
الى يومنا هذا في أن صلاة الجمعة تبدأ بخطبتين
يجلس بينهما الخطيب جلسةً خفيفة ثم يصلي
ركعتي صلاة الجمعة، ولم يُروَ قط أن النبي(صلى
الله عليه وآله)بدأ بصلاة الجمعة قبل الخطبة،
وعلى هذا انعقد إجماع فقهاء المسلمين على
اختلاف مذاهبهم. ومما روي في ذلك ما عن محمد بن
الحسين باسناده عن عليّ بن مهزيار عن عثمان بن
عيسى عن أبي مريم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال:
سألته عن خطبة رسول الله(صلى الله عليه وآله)
أَقَبْلَ الصلاة أو بعدها؟ قال: قبل الصلاة ثم
يصلّي. ورواه الكليني عن الحسين بن محمد عن
عبدالله بن عامر عن عليّ بن مهزيار مثله، إلاّ
أنه قال: يخطب ثم يصلّي[38].
وقال صاحب جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام
في وقت الخطبة من صلاة الجمعة ما نصّه: «والمشهور
نقلاً وتحصيلاً أنه يجب أن تكون الخطبة مقدمة
على الصلاة شهرة عظيمة لا بأس بدعوى الاجماع
معها، بل في كشف اللثام استظهار دعواه، كما في
المحكي عن المنتهى نفي العلم بالمخالف فيه،
بل عن مجرى البرهان نفي الخلاف للسيرة
القطعية والتأسّي بفعل الرسول(صلى الله عليه
وآله) المعلوم بالنصوص والسيرة القطعية على
وجه يقتضي الوجوب... الى آخر قوله»[39].

أما قول «فنسنك» تحت مادة «خطبة»: وما
نقله عن «بيكر» و«متفوخ» تحت نفس المادة يرد
عليه ما أوردناه أعلاه على قول «جوينبل» تحت
مادتي «إقامة» و«الجمعة». ويضاف إليه أن
ادعاء «فنسنك» الصلة الوثيقة بين صلاة الجمعة
والعيدين من ناحية والقدّاس من ناحية اُخرى
غريب، إذ لا وجه للتشابه بينهما لا شكلاً ولا
مضموناً، فكيف تدّعى الصلة الوثيقة؟
فالقدّاس عند النصارى هو ذبيحة جسد ودم
السيّد المسيح يقدّمان على الهيكل تحت شكلي
الخبز والخمر للمصلّين بواسطة القسيس،
ويعاونه الشمّاس ضمن طقوس وتلاوات تدور بين
القسيس والشمّاس من الكتاب المقدّس[40]
فأين هذا من خطبتي صلاة الجمعة والعيدين
اللتين يجلس بينهما الخطيب جلسة خفيفة، ثم
يصلّي ركعتي صلاة الجمعة أو العيدين
بالمأمومين؟

8 ـ قول «بيرك» تحت مادة «صوم» يرد عليه
ما أوردناه على قول «ر. پاريه» تحت مادة «أمة».
وما أوردناه على قول «هيك» تحت مادة «سحر».

أما قوله تحت نفس المادة: «... لكن
محمداً(صلى الله عليه وآله) لم يكن على كل حال
عارفاً بالتفصيلات لانه لم يأمر بصوم يوم
عاشوراء إلاّ بعد الهجرة لما رأى اليهود
يصومونه» فيه:

أ ـ أن عاشوراء، على وزن فاعولاء،
مختومة بالالف الممدودة، وتصحّ بالالف
المقصورة بلا همزة: عاشورى[41]،
فهي صفة مؤنثة لليلة العاشر من الشهر القمري
العربي، وغلب إطلاقها على الليلة العاشرة من
أوّل تلك الشهور وهو محرم الحرام، ولا يوصف
بها اليوم، فلا يقال: اليوم العاشوراء. وقد
اشتهر استعمال هذه الكلمة في ليلة العاشر من
محرم الحرام، ذكرى شهادة الامام الثالث من
أئمة أهل بيت النبوة الطاهرة(عليهم السلام)
الحسين بن علي(عليهما السلام) . مـع العلم
أن اللغويين قد نصّوا على أنّ هذه الكلمة «اسم
إسلامي»[42]
«لم يعرف في الجاهلية»[43].
وعلى هذا فمن أين جاءت دعوى وجود يوم باسم يوم
عاشوراء لدى اليهود وأنهم كانوا يصومونه؟

ب ـ لعل دعوى «بيرك» بوجود مثل هذا
اليوم لدى اليهود وأنهم كانوا يصومونه، قد
استندت على بعض الروايات الضعيفة سنداً،
والمتناقضة دلالة والتي وردت في بعض كتب
الحديث، وأدناه نستعرض مجموعتين منها مع
الاشارة الكلية إلى ظروف وملابسات اختلاف هذه
الاحاديث ونسبتها كذباً الى رسول الله(صلى
الله عليه وآله):

المجموعة الاولى:


1 ـ عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء
تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله(صلى
الله عليه وآله) يصومه في الجاهلية، فلما قدم
المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان
ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه[44].

وكأنها علّلت صومهم فيه في خبر آخر:

2 ـ عنها قالت: كانوا يصومون عاشوراء
قبل ان يُفرض رمضان، وكان يوماً تستر فيه
الكعبة، فلما فرض الله رمضان قال رسول الله(صلى
الله عليه وآله) : من شاء أن يصومه فليصمه،
ومن شاء أن يتركه فليتركه[45].

فكيف التوفيق بين هذا وبين ما مرّ من
نصوص اللغويين على أن اسم عاشوراء اسم اسلامي
لم يُعرف في الجاهلية؟ وإذا كانوا يصومونه
لانه كان يوماً تُستر فيه الكعبة، فلماذا
أضيف الى وصف الليلة «عاشوراء» كما مرّ؟ ولم
تكن الكعبة تُستر في الليل طبعاً قطعاً. أم هل
وصفوا اليوم المذكّر بصفة التأنيث؟ فالعجب من
العرب كيف غاب عنهم هذا؟!

وهنا نتساءل:

بما أن الجاهلية هي عهد ما قبل
الاسلام، فإذا كان النبي يصوم يوم عاشوراء في
الجاهلية فلماذا تركه بعد الاسلام؟ فلو كان
تركه لمخالفة المشركين فلماذا رجع إليه بعد
الهجرة؟

المجموعة الثانية:


1 ـ عن ابن عباس قال: قدم النبيّ(صلى
الله عليه وآله) المدينة فرأى اليهود تصوم يوم
عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح،
يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه
موسى. قال: أنا احقُّ بموسى منكم فصامه وأمر
بصيامه[46].

2 ـ عنه قال: لما قدم رسول الله المدينة
واليهود تصوم عاشوراء، فسألهم، فقالوا: هذا
اليوم الذي ظهر فيه موسى على فرعون. فقال
النبيّ: نحن أولى بموسى منهم[47].

3 ـ عن أبي موسى الاشعري قال: دخل النبي
المدينة وإذا اُناس من اليهود يعظّمون
عاشوراء ويصومونه، فقال النبي: نحن أحق
بصومه، فأمر بصومه[48].

4 ـ عنه قال: كان يوم عاشوراء تعدّه
اليهود عيداً، فقال النبي: فصوموه أنتم[49].

وهذه المرويات عن ابن عباس وأبي موسى
الاشعري لا نجد فيها أن اليهود كانوا يسمونه
عاشوراء، أمّا ما هي حقيقته عند اليهود؟ فهذا
ما تبينه لنا دائرة المعارف البريطانية
بالانجليزية والفرنسية والالمانية حيث جاء
فيها:

إن احتفال اليهود بنجاة موسى وبني
اسرائيل يمتدّ سبعة أيام لا يوماً واحداً فقط.

أمّا صوم اليهود: فهو في اليوم العاشر،
ولكنه ليس العاشر من المحرم، بل من شهرهم
الاول: تشري، ويسمّونه يوم «كيپور»، أي يوم «الكفّارة»
وهو اليوم الذي تلقّى فيه الاسرائيليون اللوح
الثاني من ألواح الشريعة العشرة، ولم يكن ذلك
يوم نجاتهم من فرعون، بل بعد نجاتهم من فرعون،
وميقات موسى(عليه السلام) وابتلائهم بعبادة
العجل إلهاً لهم، ورجوع موسى من الميقات
إليهم، وإعلان اشتراط قبول توبتهم بقتل بعضهم
لبعض، وبحصولهم على العفو من رفقائهم، ولذلك
فقد خُصّص اليوم قبل «كيپور» بتبادل العفو
فيما بينهم، وخُصص يوم «كيپور» للصيام
والصلاة والتأمّل كأقدس أيام اليهود.

مناقشة ما ورد في روايات المجموعتين:


أ ـ يلاحظ بخصوص خبري أبي موسى الاشعري:

أنه في الاول يقول: «وإذا اُناس من
اليهود يعظّمون عاشوراء ويصومونه، فقال
النبي: نحن أحق بصومه. فأمر بصومه» بلا ذكر
لوجه تعظيمهم ليوم عاشوراء وصومه، ولا ذكر
لوجه أحقيّة المسلمين بصومه.

وفي الثاني يقول: «كان يوم عاشوراء
تعدّه اليهود عيداً. قال النبي: فصوموه أنتم»
بلا ذكر لوجه كون يوم عاشوراء، عيداً عندهم،
ولا ذكر لوجه أمره(صلى الله عليه وآله)بصومه،
وكأنه يقابل بين الامرين: بين صوم المسلمين
فيه وعدّه اليهود عيداً، دون الاولوية.

ب ـ يلاحظ في الخبرين أيضاً:

أنه قال في الاول: «وإذا اُناس من
اليهود يعظّمون عاشوراء» وقال في الثاني: «كان
يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً» فعلّق وصف
العيد وتعظيم اليهود على يوم عاشوراء، ولا
وجه لذلك وقد مرّ نص اللغويين على أنه اسم
إسلامي لم يُعرف في الجاهلية أي قبل الاسلام،
وعليه فكيف عرف اليهود عاشوراء قبل الاسلام؟!

وقال في الثاني: «قال النبي: فصوموه
أنتم» وقال في الاول: «فقال النبي: نحن أحق
بصومه. فأمر بصومه» وجوباً أم استحباباً؟
وظاهر الامر الوجوب كما قالوا، وعليه فيخلو
الخبر عن ذكر مدى هذا الامر الى متى كان أو
يكون؟ وكذلك تخلو منه أخبار ابن عباس.

ج ـ وذكرت المدى أخبار عائشة: «فلما
فرض الله رمضان قال رسول الله: من شاء أن يصومه
فليصمه، ومن شاء أن يتركه فليتركه».

وقد ذكروا بلا خلاف أنّ فرْض الله صيام
شهر رمضان كان بنزول القرآن به لمنتصف السنة
الثانية للهجرة، أي أنه لم يكن بين هجرته وبين
نزول القرآن بفرض رمضان غير عاشوراء واحد،
واذا كان قد أمر بصيامه مواساة لموسى(عليه
السلام)شكراً لنجاته على قول يهود المدينة له
بعد هجرته جواباً عن سؤاله عن صومهم يوم
عاشوراء، إذن فعاشوراء الاولى قد مضت ولم تأت
الثانية ليصوموا يومها حتى نزل القرآن بفرض
رمضان فما معنى «كانوا يصومون عاشوراء قبل أن
يُفرض رمضان»؟ وكذلك ما عن عائشة أيضاً قالت:
كان عاشوراء يُصام قبل رمضان، فلما نزل رمضان
من شاء صام ومن شاء أفطر[50].

وعنها قالت: كان رسول الله أمر بصيام
عاشوراء، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن
شاء أفطر[51]
وكأنه أمر بالصيام فقط ولم يصوموه.

د ـ وهناك خبر آخر عن حميد بن
عبدالرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على
منبر يوم عاشوراء عام حجّ يقول: يا أهل
المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله يقول:
هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه،
وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر[52].

فهذا يتضمن تنكّراً لصيام قريش في
الجاهلية، ولصيام اليهود كذلك، وينص من أول
يوم على الندب والاستحباب دون الوجوب. ولكن
يلاحظ عليه أمران:

الاول: أنه يتضمن اعترافاً بعدم علم
علماء أهل المدينة بالحديث عن رسول الله!

الثاني: أفكان هذا قبل الهجرة؟ أم
بعدها؟ أم بعد فتح مكة؟ فمتى سمعه معاوية؟
وإذا كان لليهود تقويم عبري يخصّهم يختلف
تمام الاختلاف عن التاريخ العربي القمري،
وإذا لم يكن يوم عاشوراء يوم نجاة موسى(عليه
السلام) وبني إسرائيل من فرعون، فلا يصحّ ما
جاء في بعض كتب الحديث مما نسب إلى رسول الله(صلى
الله عليه وآله) من أخبار في عاشوراء تتضمن
أنه يوم نجاة موسى وبني إسرائيل من الفراعنة
فهو يوم عيد الخلاص، وإلى جانبه ذكريات أخرى
منها: أنه يوم خلق الارض والجنة وآدم(عليه
السلام) فهو عيد الخلق، وهو يوم نجاة نوح من
الغرق، ونجاة إبراهيم من الحرق[53].

أما علّة وضع هذه الاحاديث: فقد روى
الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين
بن موسى بن بابويه القمي، مسنداً عن جبلة
المكية قالت: سمعت ميثم التمّار يقول: «والله
لتقتلنّ هذه الامة ابن نبيّها في المحرم لعشر
مضين منه، وليتخذنّ أعداء الله ذلك اليوم يوم
بركة، وإن ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالى
ذكره، أعلم بذلك بعهد عهده إليّ مولاي أمير
المؤمنين صلوات الله عليه.

قالت جبلة: فقلت: يا ميثم، وكيف يتّخذ
الناس ذلك اليوم الذي يُقتل فيه الحسين بن علي(عليهما
السلام) يوم بركة؟!

فبكى ميثم، ثم قال: سيزعمون ـ بحديث
يضعونه ـ أنه: اليوم الذي تاب الله فيه على آدم(عليه
السلام) وإنما تاب الله على آدم في ذي الحجة.
ويزعمون أنه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح
على الجودي، وإنما استوت على الجودي يوم
الثامن عشر من ذي الحجة.

ويزعمون أنه اليوم الذي فلق الله فيه
البحر لبني اسرائيل. وإنما كان ذلك في شهر
ربيع الاول[54].

ويزعمون أنه اليوم الذي قبل الله فيه
توبة داود، وإنما قبل الله توبته في ذي الحجة.
ويزعمون أنه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من
بطن الحوت، وإنما أخرجه الله من بطن الحوت في
ذي القعدة».

أما قول «بيرك» تحت نفس المادة وكذلك
قول «شپرنكر» وقول «نولدكه وشفالي» فهي مجرد
فرضيات وادعاءات احتمالية لم يسوقوا أي دليل
أو قرينة عليها، ويرد عليها ما أوردناه على
قول «هيك» تحت مادة «سحر» فراجع. على أن قول «بيرك»:
«وفيما يتعلّق بمسألة السبب الذي من أجله
اختار محمد(صلى الله عليه وآله) شهر رمضان
بالذات... قيلت آراء عديدة» لا مورد له، لان
الله سبحانه قد أظهر سرّ عظمة هذا الشهر في
قوله تعالى: (شهر رمضان الذي اُنزل فيه القرآن
هدىً للناس وبيّنات من الهدى والفرقان)[55]
فجعل أداء هذه الفريضة العظيمة في الشهر
العظيم فقال سبحانه: (فمن شهد منكم الشهر
فليصمه)[56].

9 ـ قول «فير» تحت مادة «الجاهلية»
وقول «فنسنك» تحت مادة «أصل الحج في الاسلام»،
وقوله أيضاً تحت مادة «إحرام» وما نقله عن «سنوك
هجروينيه» تحت نفس المادة، وقول «بول» تحت
مادة «الجمرة» وقول «شاخت» تحت مادة «زكاة»
وقوله أيضاً تحت مادة «زنى» وقول «هفننج» تحت
مادة «التجارة»، يرد عليها جميعاً ما أوردناه
سابقاً على قول «هيك» تحت مادة «سحر». يضاف
الى ذلك ان هذه الاقوال فيها روح الانكار
للوحي الالهي للرسول محمد(صلى الله عليه وآله)
وخصوصاً ما هو تحت مادة «الجاهلية» ومادة «أصل
الحج في الاسلام» ومادة «إحرام»،إذ يكفيها
جواباً أن القرآن الكريم يصرّح في أكثر من آية
كريمة أن بيت الله الحرام هو واحد، وقد أقام
قواعده نبي الله إبراهيم(عليه السلام) وولده
نبي الله إسماعيل(عليه السلام) وذلك في قوله
تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت
وإسماعيل ربّنا تقبل منّا إنّك أنت السميع
العليم)[57]،
ثم أمر الله سبحانه نبيّه إبراهيم(عليه
السلام) أن يطهر هذا البيت لاداء عبادة الحج
الالهي، حيث جاء في القرآن الكريم عن ذلك: (وإذ
بوّأنا لابراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي
شيئاً وطهّر بيتي للطائفين والقائمين
والركّع السجود * وأذّن في الناس بالحج يأتوك
رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فجٍّ عميق)[58]،
وقوله تعالى أيضا: (وإذ جعلنا البيت مثابة
للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى
وعهدنا الى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي
للطائفين والعاكفين والركّع السجود)[59].
واستمر الحال زمناً طويلاً حتى أفسد أهل
الجاهلية هذا الحج الابراهيمي، وحرّفوه عن
شرعته الالهية باتخاذهم الاصنام في بيت الله
وشعائر الحج الاخرى شركاء لله سبحانه يتقربون
إليها دونه تعالى، ومحقوا صورته الاولى التي
شرّعها الله لنبيه إبراهيم(عليه السلام)،
واستبدلوها بالدجل والهراء، حتى وصفهم
القرآن الكريم بقوله: (وما كان صلاتهم عند
البيت إلاّ مكاءً وتصدية)[60]،
فأمر الله تعالى نبيه الكريم محمد(صلى الله
عليه وآله) بإعادة عبادة الحج الالهي إلى
صورته الاُولى إمضاءً لشريعة إبراهيم(عليه
السلام) فيها، حيث قال في قرآنه المجيد: (إن
أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً
للعالمين * فيه آيات بيّنات مقامُ إبراهيمَ
ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت
من استطاع اليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني
عن العالمين)[61].

كما أن قول «بول» تحت مادة «الجمرة»:
جهل منه أو تجاهل، فإن كثيراً من مفردات
الشريعة الاسلامية جاءت كليات في القرآن
الكريم ثم فصّلها الرسول(صلى الله عليه وآله)في
حديثه وسيرته الشريفة بوحي وإلهام من الله
سبحانه وتعالى.

10 ـ قول «هـ . هـ بروى» تحت مادة «اُميّة
بن أبي الصلت» صارخ في إنكار الوحي الالهي
للرسول محمد(صلى الله عليه وآله)، وهو يردد
بذلك دعوى سلفه من اليهود والنصارى من الذين
ابتدعوا هذه الاشعار، ونسبوها الى أمية كيداً
للاسلام ونبيه الكريم(صلى الله عليه وآله) .

وقد ذكرت لنا كتب التاريخ ان اُمية بن
الصلت هذا كان من أعدى اعداء الاسلام ونبيه
الكريم(صلى الله عليه وآله) من ذلك ما جاء في
تاريخ الادب العربي في ترجمة اُمية بن الصلت
ما نصه: «كان اُمية تاجراً من أهل الطائف
ينتقل بتجارته بين الشام واليمن. ومال اُمية
من اول أمره إلى التحنف: هجر عبادة الاوثان
وترك شرب الخمر واعتقد بوجود الله من غير أن
يكون له فروض معينة في العبادة. وكاد اُمية أن
يسلم لما جاء الاسلام، ولكن موقف قومه ثقيف من
الاسلام أملى عليه العداء للرسول وللمسلمين،
فكان يُحرّض على قتال الرسول. ولما انتصر
المسلمون على مشركي مكة في غزوة بدر، في رمضان
من سنة 2 للهجرة، رثى اُمية الذين قُتلوا من
المشركين في تلك الغزوة... ضاع القسم الاوفر من
شعر اُمية، ولم يثبت له على القطع سوى قصيدته
في رثاء قتلى بدر من المشركين. وكان اُمية
يحكي في شعره قصص الانبياء على ما جاء في
التوراة ويذكر الله والحشر ويأتي بالالفاظ
والتعابير على غير مألوف العرب، ولذلك كان
اللغويون لا يحتجون بشعره. وشعره كثير
التكلّف ضعيف البناء قليل الرونق قلق الالفاظ.
أما أغراضه في شعره الباقي بين أيدينا ـ
صحيحاً ومنحولاً ـ فهي المدح والهجاء والرثاء
وشيء من الحكمة وكثير من الزهد والتزهيد ومن
الكلام في الله والاخرة»[62]. ومن ذلك
نستنتج ما يلي:

1 ـ انه كان عدوّاً للاسلام ولرسوله(صلى
الله عليه وآله) حتى نُقل انه: «لمّا ظهر النبي(صلى
الله عليه وآله) قيل له: هذا الذي كنت تستريب
وتقول فيه. فحسده عدوّ الله وقال: إنّما كنت
أرجو أن أكونَه! فأنزل الله تعالى فيه: )واتْلُ
عليهم نَبَأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها
([ الاعراف: 175 ]. وكان يحرّض قريشاً بعد
وقعة بدر»[63]،
وهذه قرينة على وجود تنافر بينه وبين رسول
الله(صلى الله عليه وآله) مما يبعد مقولة وجود
صلة واستقاء منه خصوصاً بعد البعثة النبوية.

2 ـ انه كان يحكي في شعره بعض ما جاء في
التوراة من قصص الانبياء وذكر الله والحشر
ويأتي بالالفاظ والتعابير على غير مألوف
العرب. وعليه فلو أراد الرسول ان يستقي هذه
الامور لاستقاها من التوراة مباشرة دون
الحاجة الى أشعار اُمية خصوصاً وان شعره
متكلف ضعف البناء قليل الرونق قلق الالفاظ لا
يؤدي الى المراد بالدقة المطلوبة، ويؤيد ذلك
ما ذكره المؤرخون بقولهم: «ولذلك كان
اللغويون لا يحتجون بشعره».

3 ـ ان البيان والبلاغة الاعجازية
لايات القرآن الكريم تأبى وتتنافى ودعوى
الاخذ من اشعار اُمية المتكلفة الضعيفة
القلقة القليلة الرونق.

وقد أشار القرآن إلى هذه الافتراءات
وما فيها من مفارقات صارخة، وأفحمهم بالبرهان
الساطع الذي يثبت به بما لا يقبل الشك
والترديد البون المطلق بين ما يدّعى كمصدر
لضعفه وهبوط بيانه، وبين البيان الاعجازي
للقرآن الكريم وهو قوله تعالى: (ولقد نعلم
أنهم يقولون إنّما يعلمه بشر لسان الذي
يلحدون اليه اعجمي وهذا لسانٌ عربي مبين)[64]، ثم أشار الى
حقيقة أخرى تدفع هذه الدعوى أيضاً إذ قال: (تلك
من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت
ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين)[65]،
وبذلك أثبت أن المشركين آنذاك لا يعلمون مما
جاء في القرآن من شيء ولو كانت أشعار اُمية
مطابقة أو مشابهة لما ورد في القرآن الكريم
إذن لكانت خير دليل عندهم على دحض نبوة محمد(صلى
الله عليه وآله) وإنكار الوحي والتنزيل
الالهي له(صلى الله عليه وآله) .

ونضيف الى ذلك ردّنا السابق على قول «هيك»
تحت مادة «سحر» في اننا لا نعدم وجود مشتركات
وتشابه بين بعض المفردات في الاسلام والقرآن
الكريم ومفردات في اليهودية والنصرانية
وكتابيهما التوراة والانجيل في الموارد التي
لم يطلها التحريف خصوصاً في كلّيات
الاعتقادات وقصص الانبياء لعدم شمول النسخ
لها كما ذكرنا سابقاً، فراجع.

(يتبع)



([1])
راجع: دائرة المعارف الاسلامية 6 : 276 ـ 278.


([2]) المصدر 11 : 305.


([3]) المصدر 2 : 630 ـ 631.


([4]) راجع المصدر 11 : 91 ـ 96 .


([5]) المصدر 5 : 481.


([6]) المصدر 6 : 1 ـ 2.


([7]) المصدر 7 : 195 ـ 196.


([8]) المصدر 9 : 301.


([9]) المصدر 12 : 18 ـ 19.


([10]) المصدر 11 : 304.


([11]) المصدر 9 : 121.


([12]) المصدر 7 : 142.


([13]) المصدر 11 : 107.


([14]) المصدر 2 : 455.


([15]) المصدر 7 : 105.


([16]) المصدر 8 : 375 ـ 376.


([17]) المصدر 14 : 393 ـ 394.


([18]) المصدر 14 : 395 ـ 396.


([19]) المصدر 14 : 397.


([20]) المصدر 14 : 398 ـ 399.


([21]) المصدر 6 : 267.


([22]) المصدر 7 : 301.


([23]) المصدر 7 : 306.

([24])
راجع: المصدر 1: 444 ـ 445.


([25]) المصدر 7 : 103.


([26]) المصدر 10 : 356.


([27]) المصدر 10 : 357.


([28]) المصدر : 10 : 411.


(*) وقد ورد رقم الاية في دائرة
المعارف الاسلامية خطأً، والصحيح 198.


([30]) المصدر 4 : 582 .


([31]) المصدر 2 : 660 ـ 662 .


(*) لان النسخ ينحصر أمره
بالاحكام التشريعية دون العقائد والوقائع،
إنما الذي يحصل في الاخيرين هو الاجمال أو
التفصيل والبيان لمفرداتها بما يتناسب
وتطوّر الادراك والفكر البشري والمناسبات
الموضوعية لها.

([33])
راجع ترتيب كتاب العين للخليل، ومعه الدليل
الى المستعملات في اللغة العربية: أمم ولسان
العرب 12: أمم.

([34])
راجع تاريخ الطبري 5 : 67 والغدير للاميني 8 :
365 ومعالم المدرستين للعسكري 2: 51 .

([35])
وسائل الشيعة 4: «أبواب الاذان والاقامة» ح6815 .

([36])
وسائل الشيعة 4: «أبواب الاذان والاقامة» ح6815 .

([37])
وسائل الشيعة 4: «أبواب الاذان والاقامة» ح6815 .

([38])
وسائل الشيعة 5 : باب وجوب تقديم الخطبتين
على صلاة الجمعة، ح9510 .

([39])
جواهر الكلام 11: كتاب الصلاة: 228.

([40])
المنجد في اللغة، مادة «قدس».

([41])
مجمع البحرين، مادة «عشر».

([42])النهاية
في غريب الحديث والاثر 3: 240.


([43])الجمهرة في لغة العرب 4: 212.

([44])
صحيح البخاري، كتاب الصوم.

([45])
صحيح البخاري، كتاب الحج، الباب 47.

([46])
صحيح البخاري، كتاب الصوم: 30.

([47])
صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة يونس.

([48])
صحيح البخاري، كتاب مناقب الانصار، الباب52 .

([49])
صحيح البخاري، كتاب الصوم: 30 .

([50])
صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة
البقرة.

([51])
صحيح البخاري، كتاب الصوم: 30 .

([52])
نفس المصدر .

([53])
تفصيل الرد تجده في مجلة رسالة الثقلين
العدد الثاني ـ يوم عاشوراء في اللغة
والتاريخ والحديث.

([54])
وهذا يتفق مع ظاهر اخبار ابن عباس وابي موسى
الاشعري في أنه(صلى الله عليه وآله) لما قدم
المدينة ـ وقدمها في ربيع الاول بلا خلاف ـ
رأى اليهود يصومون اليوم ويقولون انه يوم
نجاة موسى وبني اسرائيل من فرعون والغرق. لا
يوم عاشوراء.

([55])
البقرة: 185.

([56])
البقرة: 185.

([57])
البقرة: 127.

([58])
الحج: 26، 27.

([59])
البقرة: 125.

([60])
الانفال: 35.

([61])
آل عمران: 96 ـ 97 .

([62])
تاريخ الادب العربي للدكتور عمر فروخ 1: 216 ـ
217.

([63])
كتاب الوافي بالوفيات لصلاح الدين خليل أيبك
الصفدي 9: 395 ـ 396، والاغاني لابي الفرج
الاصفهاني 4: 127.

([64])
النحل: 103.

([65])
هود: 49 .

/ 1