تحقيقات - اطلالة على دلالة حدیث الثقلین (1) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

اطلالة على دلالة حدیث الثقلین (1) - نسخه متنی

القسم القائدی المجمع العالمی لاهل بیت علیهم السلام

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تحقيقات

إطلالة على دلالة حديث الثقلين

(1)

القسم العقائدي في
المجمع العالمي لاهل البيت(عليهم
السلام)

بين يدي البحث:

إنّ من سعادة المرء أن يمتلكَ ذهناً
وقّاداً وقلباً واعياً، وأن يتطلّع نحو
الحقيقةويتحلّى بالاخلاص والواقعية،
والرائد والميزان للمرء في هذه الامور عقله،
يعرض عليه كل ما يمرّ أمام ناظريه أو يطرق
مسامعه، ليميز بين الغث والسمين، بين الواقع
والخيال، بين الوهم والحقيقة، وينزّه خزانة
أفكاره ومعتقداته عن الاُمور التي لم يقم
عليها الدليل ولم يدعمها البرهان.

لكننا ـ مما يؤسف له ـ كثيراً ما
تجرّنا العاطفة وتدفعنا العصبية فنعكس
الامر، ونأخذ الفكرة فنتديّن بها، إما لكونها
دين آبائنا، أو لانها عقيدة ملوكنا وزعمائنا
وأولياء نعمتنا، أو لانها تناسب أهواءنا، ثم
نبدأ بعد ذلك بالبحث والتفتيش عن دليل يناسب
النتيجة ويدعم تلك الفكرة.

هذا الاسلوب من التفكير الذي ترتّب
فيه النتائج قبل المقدّمات، غالباً ما يقود
الانسان نحو التلفيق والتمسّك بالطحالب
للوصول إلى الغاية، لانها ليست تحصيل القناعة
ـ والمفروض أنها حاصلة ـ و إنما الغاية
تحصيل وسيلة التسويغ والاقناع. ولا شكّ أن
الاعتياد على هذا النحو من التعاطي مع
الافكار والمعتقدات يؤدّي إلى غلبة الهوى
وعمى البصيرة، والتعصب و إنكار الواضح من
الدلالات والجليّ من البينات.

وتزداد الخطورة عندما تكون المسألة
ذات حساسية عالية، وأهمية كبيرة، ومساس
بالنظام العام للمجتمع الاسلامي، فالجدير
بنا في مثل هذه القضايا أن نكون أكثر تثبّتاً،
وأدق نظراً، وأشد إنصافاً، وأن نتقبّل
النتائج التي يقود إليها الدليل والبرهان
بحلاوتها ومرارتها.

و إذا كانت الهيمنة السياسية في
كثير من الادوار التاريخية حدّت من حرية
الكلمة، ولعبت دوراً في فرض بعض الاتجاهات
الفكرية، والقضاء على اتجاهات اُخرى تحت
طائلة القهر والتهديد، فنحن اليوم ـ وللّه
الحمد ـ في عصر فرض أنه عصر الحريات الفكرية
والعقائدية.

وقضية الامامة العامة وقيادة الاُمة
من أكثر القضايا مساساً بحياة الشعوب، وأشدها
ارتباطاً بمعاناتهم وأمنهم واستقرارهم
وانتظام مصالحهم، وقد بلغ الاختلاف حولها
حدّاً لم يبلغه في سواها، فأحرى بنا أن نعتمد
ـ في هذه المسألة ـ الدّقة والانصاف، ونحكّم
العقل والشرع، ونتحمّل مسؤوليتنا الكبرى
تجاه الاُمة الاسلامية، ولا نؤخذ فيها
بالعصبية والمصالح الفردية. ولنحلّ هذه
المشكلة على أساس من صدق الايمان ودقّة العلم
والاخلاص، ولنتّخذ ذلك منهجاً، فإنه ـ عندئذ
ـ لن تستعصي علينا عقدة، ولن يقف أمامنا عائق،
وهذا أفضل الوسائل لتحقيق التقارب الفكري بين
المسلمين وتوحيد صفوفهم، في زمان هم أحوج ـ
أكثر من أي وقت مضى ـ إلى رصّ الصفوف ونبذ
الفرقة. فأعداء الاسلام يتربّصون بنا
الدوائر، ويعبرون على خلافاتنا ونزاعاتنا
إلى ثرواتنا وخيراتنا، ويسعون ليل نهار
للقضاء على معالم ديننا وأصالة فكرنا.

ومنهج النص في الامامة أحد المناهج
المطروحة وهو يُشكّل الاساس الذي يبتني عليه
التشيع، ويتفرّع عنه العديد من الاُمور التي
تميّز هذا الاتجاه فقهاً واعتقاداً. وقد
تعرّض هذا المنهج لحملات التشويه والتشكيك.
ونحن هنا نريد أن نساهم في بيان الحقيقة،
ونعالج واحداً من الادلة التي يستدل بها
أصحاب منهج النص على مذهبهم، وهو «حديث
الثقلين» الذي رواه عن رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) جمع كبير من المحدّثين العظام
وأصحاب المصنّفات، وقد بلغ رواته من الصحابة
ما يزيد عن ثلاثين صحابياً وتواتر في جميع
طبقاته.

لسان الحديث:

ورد الحديث بألفاظ عديدة ننقل بعضها:

1 ـ في رواية لزيد بن أرقم: «إني تارك
فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما
أعظم من الاخر: كتاب اللّه حبل ممدود من
السماء إلى الارض وعترتي أهل بيتي، ولن
يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف
تخلفوني فيهما»[1].

2 ـ وفي رواية زيد بن ثابت: «إني تارك
فيكم خليفتين: كتاب اللّه حبل ممدود ما بين
السماء والارض (أو إلى الارض) وعترتي أهل بيتي
وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»[2].

3 ـ وفي رواية أبي سعيد الخدري: «اني
اُوشك أن اُدعى فاُجيب واني تارك فيكم
الثقلين كتاب اللّه عزّوجل وعترتي، كتاب
اللّه حبل ممدود من السماء إلى الارض وعترتي
أهل بيتي، وان اللطيف أخبرني أنهما لن يفترقا
حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني
فيهما»[3].

وغيرها مما لا مجال لاستيعابه في هذه
المقالة، وهي تشترك في المعنى، والكثير منها
يعبر بالثقلين، ولاجله غلب على الحديث اسم
حديث الثقلين[4].

سند الحديث:

لا إشكال في تواتر حديث الثقلين عن
رسول الله(صلى الله عليه وآله) في جميع
طبقاته، وليس هناك مجال للتردد في صحته، و إذا
فرض امكان التشكيك فيه فلن يسلم أي حديث آخر،
فأين هي الاحاديث التي نقلت لنا بهذه الطرق
وبهذه السعة ؟.

وقد اعترف بتواتره وصحته عدد كبير من
المحققين، فمن أشهرهم: محمد بن جرير الطبري،
ومحمد بن إسحاق، والقاضي الحافظ أبو عبداللّه
المحاملي، والحافظ الذهبي، والحافظ أبو بكر
الهيثمي، والحافظ ابن كثير، والحافظ جلال
الدين السيوطي، والعلاّمة المناوي، والمحدّث
ابن حجر الهيثمي وغيرهم[5]،
ورواه أغلب أهل الحديث وفي مقدمتهم مسلم بن
الحجاج القشيري في جامعه الصحيح، وأحمد بن
حنبل في مسنده، والترمذي في جامعه الصحيح[6].

يقول الاستاذ أبو علم: «وحديث الثقلين
من أوثق الاحاديث النبوية وأكثرها ذيوعاً،
وقد اهتم العلماء به اهتماماً بالغاً...»[7].

وأما تواتره عند الشيعة الامامية فأمر
لا يقبل الشك، وصرح بذلك كبار علمائهم
ومحدثيهم، يقول الحر العاملي: وقد تواتر بين
العامة والخاصة عن النبي(صلى الله عليه وآله)
أنه قال: «إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم
بهما لن تضلّوا: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي»[8].

وبعد هذا فالجدير أن لا يلتفت إلى شواذ
الناس الذين حاولوا التشكيك في صحته وتوهموا
ضعفه، كابن الجوزي الذي تعجب منه كل من تأخر
عنه حتى سبطه، ونسبوه إلى الوهم والغفلة[9].

دلالة الحديث:

حديث الثقلين من أظهر الادلة التي
تستند إليها الشيعة الامامية في حصر الامامة
في أهل البيت(عليهم السلام)، وفي عصمتهم من
الاخطاء والاهواء والزلل. وهذا يجعل البحث في
دلالته على مستوىً من الاهميّة، ونحن سنستعرض
أولاً مفردات الحديث ثم ننتقل إلى الكلام في
دلالته على المطلوب.

لمن الخطاب؟

يظهر من نصوص الحديث أن الرسول(صلى
الله عليه وآله) كرّر هذا الحديث في عدة مواطن
وفي أكثر من مناسبة، إلاّ أنها جميعاً على ما
يبدو كانت في السنة الاخيرة من عمره الشريف،
والقدر المتيقن من هذه المواطن:

1 ـ يوم عرفة من حجة الوداع (كما في
رواية الترمذي).

2 ـ في مسجد الخيف في منى أيضاً في حجة
الوداع (كما في رواية النعماني في كتاب الغيبة
وغيره).

3 ـ في غدير خم حال عودته من حجة الوداع
(كما في رواية الطبراني في معجمه الكبير،
والنيسابوري في المستدرك، ومسلم في الصحيح
وغيرهم).

4 ـ في مرضه الذي توفي فيه أو يوم وفاته(صلى
الله عليه وآله) (كما في الكثير من النصوص).

وهناك العديد من النصوص لم تحدد
المكان والزمان، وفي بعضها أنه قال ذلك عند
عودته من سفر له، وفي بعضها أنه قاله في خطبة
صلاة الجمعة، فربّما كانت مواضع اُخرى غير
تلك المتقدّمة، وربما كانت من ضمنها.

ومنه يظهر أن الخطاب لجميع المسلمين
لا لفريق دون فريق، وقوله(صلى الله عليه وآله):
«إني تارك فيكم» يدلّ على أنه(صلى الله عليه
وآله) كان في مقام إعلان وصيّته، خاصةً مع ما
ورد من القرائن العديدة التي توحي بأنه ينعى
نفسه، فقد وطّأ لهذه الوصية بقوله: «اُوشك أن
اُدعى فأُجيب..»[10]
أو «كأنّي قد دعيت فأجبت..»[11] وما بمعناه،
وفي بعض النصوص: «إني امرؤ مقبوض واُوشك أن
اُدعى..»[12]...إلخ.
ممّا لا يدع مجالاً للشكّ في كونه(صلى الله
عليه وآله) ذكر ذلك في سياق بيان وصيّته
الاخيرة، ويؤكّده أيضاً التعبير بالخليفتين
بدل الثقلين أو معهما[13].

وبقطع النظر عن هذه القرائن فإن لفظ «إني
تارك فيكم..» أو «إني مخلّف..» نفسه يُعدّ من
التعبيرات العرفيـّة التي تُستعمل في مجال
الوصية، و إرادة الاستخلاف فإن المسافر
إذا ترك أهلاً وعيالاً يخاف عليهم، أو ترك
تجارة دائرة أو صناعة قائمة، أو كان المسافر
حاكماً وترك رعيّته، ففي جميع هذه الموارد
إذا قال: إنّي تارك فيكم فلاناً، يفهم من ذلك
الاستخلاف مدّة غيابه. وأوضح في إرادة ذلك ما
لو صدر من المحتضر على فراش الموت. فالرسول(صلى
الله عليه وآله) ـ و هو ينعى إلى المسلمين نفسه
ـ يجد نفسه مسؤولاً عن مستقبل الاسلام
والمسلمين، وهو الذي نذر حياته في سبيل نشر
الرسالة وترسيخ دعائمها، وهو أحرص الناس على
بقائها وسلامتها، وأشدّهم اهتماماً باُمور
الاُمة وأنصحهم لها، ولازم ذلك أن لا يتركها
دون وصيّة، ودون أن يبيّن لها ما يعصمها من
الضلال والانحراف، ويقيها من عواصف الاهواء
والفتن، وهو على وشك السفر إلى الرفيق الاعلى.

هذا ما يفهمه العقلاء في عرف
المخاطبات والمحاورات والوصايا والالزامات،
وما جرت عليه سيرتهم. وقد كان رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) من سيرته أيضاً أن يترك في كل
غزوة يقودها بنفسه أميراً على المدينة مدّة
غيابه، فكيف يترك الاُمة كلّها من بعده بغير
راع وعاصم يضمن لها الهدى والرشاد، ويدلها
على الخير والصلاح؟!.

وهذا ما عمل به الرسول، وأكّده من خلال
الاحاديث المتواترة، والتي أشهرها حديث
الثقلين.

الثقلان:

الثَقَل ـ محرّكة ـ متاع المسافر
وحشمه[14]،
وكل شيء خطير نفيس مصون[15].

قالوا: سمّاهما ثقلين إعظاماً لقدرهما
وتفخيماً لشأنهما[16].
وقيل: سمّاهما ثقلين لان الاخذ بهما والعمل
بهما ثقيل[17].

والظاهر أن التعبير عن الخليفتين
بالثقلين كناية عن مكانتهما الخاصة عنده،
وموقعهما في الاُمة، فهما أعزّ ما يترك في
الاُمة، ومنه قولهم للسيد العزيز: ثقل[18].
وهذا الوصف بنفسه كاف في دعوة الناس إلى
التمسّك بهما ومعرفة قدرهما، فضلاً عما يأتي
بعده.

وقد قدّم هذا الوصف من باب التوطئة
والتمهيد وتنبيه المخاطبين إلى أهميّة ما
يأتي، وهو يحفّز عندهم الاستعداد التام لسماع
التفصيل وحفظ الاسماء التي سيذكرها، بخلاف ما
لو قدّم الوصيّة بهما، ثم نعتهما، فإن
التفخيم والتعظيم المتأخّر قد يأتي بعد
الغفلة عن سماع اسم المنعوت، فيفوت الغرض.
ومثاله في العرف أن يقوم أحد الجالسين
بالتعريف عن شخص قادم، فيقول: هو فلان، ثم
يذكر بعد ذلك الاوصاف الموجبة لعلوّ شأنه
وسموّ مرتبته، فلا يكون ذكر الاسم في المرحلة
السابقة قبل معرفة أهمية المسمّى مثيراً
لاهتمامهم بحفظه ولا التعرّف عليه، وبخلافه
لو عكس، فذكر النعوت التي تبعث فيهم الشوق
للتعرّف على الشخص ومعرفة الاسم، فيقع ذكر
الاسم في موقعه المناسب.

فلعل هذه النكتة من جملة الاُمور التي
دعت الرسول(صلى الله عليه وآله) لتقديم وصف
الثقلين أولاً، ثم عطف ببيان المراد منهما
ثانياً، فقال: «كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي».

الثَقَل الاول: «كتاب اللّه»

القرآن الكريم، حبل اللّه الممدود بين
السماء والارض، الذي فيه تبيان كل شيء، وهو
المصدر الاول من مصادر الشريعة الاسلامية،
وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه
ولا من خلفه، فلا مناص من أن يكونَ خليفةً
للرسول(صلى الله عليه وآله) و إن لم ينصّ
على ذلك، غير أنَّ مدارك الناس قاصرة عن
الوصول إلى كلّ ما فيه من معارف دقيقة، وما
يتضمّنه من دُرَر كامنة، إذ إن فيه من فرائد
علم اللّه ومفاتيح غيبه ما لا يقوى على
تحمّلها إلاّ من اجتباه واصطفاه، وأعطاه
قلباً طاهراً، ومكّنه من تحمّل ثقله، وهؤلاء
هم الذين عبّر عنهم القرآن الكريم بالراسخين
في العلم فقال: (وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إلاّ
اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ)[19].

الثَقَل الثاني: «عترتي أهل بيتي»

قال الخليل بن أحمد: عترة الرجل أصله،
وعترة الرجل أقرباؤه من ولده وولد ولده وبني
عمه دِنْياً[20].

وقال الزبيدي: والعترة نسل الرجل
وأقرباؤه من ولد وغيره[21].

وقال ابن الاثير: عترة الرجل أخصّ
أقاربه[22]،
وعترة النبي(صلى الله عليه وآله) بنو
عبدالمطلب.

وقال ابن الاعرابي: العترة ولد الرجل
وذرّيته وعقبه من صلبه، قال: فعترة النبي(صلى
الله عليه وآله)ولد فاطمة البتول(عليها
السلام)[23]
وقيل: عترته أهل بيته الاقربون وهم أولاده
وعلي وأولاده[24].

قال الزبيدي: والمشهور المعروف أن
عترته أهلُ بيته، وهم الذين حرّمت عليهم
الزكاة والصدقة المفروضة، وهم ذوو القربى
الذين لهم الخمس المذكور في سورة الانفال[25].

وقيل: عترة الرجل رهطه وعشيرته
الادنون، أي الاقربون ممّن مضى وغبر، ومنه
قول أبي بكر: «نحن عترة رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) التي خرج منها، وبيضته التي تفقّأت
عنه، و إنما جيبت العرب عنا كما جيبت الرحى
عن قطبها». قال ابن الاثير: لانهم من قريش،
والعامّة تظن أنها ولد الرجل خاصّة، وأن عترة
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ولد فاطمة (رض)،
هذا قول ابن سيده[26].

قال ابن أبي الحديد: وليس بصحيح من قال
إنهم رهطه و إن بَعُدوا، و إنما قال أبو
بكر يوم السقيفة أو بعده: «نحن عترة رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) وبيضته التي فقّئت
عنه» على طريق المجاز; لانهم بالنسبة إلى
الامصار عترة له لا في الحقيقة، ألا ترى أن
العدناني يفاخر القحطاني، فيقول له: أنا ابن
عم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله); ليس يعني
أنه ابنُ عمّه على الحقيقة، بل هو بالاضافة
إلى القحطاني كأنه ابن عمه، و إنما استعمل
ذلك ونطق به مجازاً. فإن قَدّر مقدِّرٌ أنه
على طريق حذف المضافات، أي ابن عم ابن عم أب
الاب، إلى عدد كثير من البنين والاباء، فكذلك
أراد أبو بكر أنهم عترة أجداده على طريق حذف
المضاف[27].

وخلاصة الكلام أن أهل اللغة لهم ثلاثة
أقوال في معنى العترة:

1 ـ أنهم ولد الرجل وذرّيته وعقبه من
صلبه.

2 ـ أنهم نسله وأقرباؤه الادنون من ولد
وغيره.

3 ـ أنهم رهطه وأقرباؤه القريب والبعيد.

فعلى الاول: يختصّ بالزهراء(عليها
السلام) وأولادها وذرّيتها، وعلى الثاني:
يتناول جميع بني عبدالمطلب بل بني هاشم الذين
حرموا الصدقة. وأما القول الثالث: فيتناول
أبناء عمه الاقربين والابعدين.

وقد أزال الرسول(صلى الله عليه وآله)
الشبهة وأوضح الامر بإيراد قيد يوضّح مراده
من العترة في الحديث فقال: «عترتي أهل بيتي»
فبيّن أن الثقل الثاني والخليفة الاُخرى هم
أهل البيت لا مطلق العترة.

ولم يكن المراد من أهل البيت خافياً، و إنما
الذي يظهر من الاخبار العديدة أن هذا المصطلح
كان لا يطلق بين المسلمين في الصدر الاول إلاّ
على خمسة، هم الرسول(صلى الله عليه وآله)وعلي
وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)،
والادلّة على ذلك كثيرة جداً أهمها: الحديث
المتواتر بأن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
جمع علياً وفاطمة والحسن والحسين(عليهم
السلام) عند نزول آية التطهير وجلّلهم بكساء
خيبري وقال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب
عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً». وقد وقع ذلك في
بيت أم سلمة، وفي الاخبار أنها جاءت وطلبت
الدخول معهم في الكساء، فمنعها الرسول(صلى
الله عليه وآله) من الدخول وقال لها: «إنّكِ
على خير» أو «إلى خير»[28].
ولا تخفى دلالة الحديث في العديد من ألفاظه
على الحصر، وأن أهل البيت هم هؤلاء دون غيرهم،
وأن آية التطهير مختصّة بهم، وذلك للاشارات
التالية:

1 ـ قول النبي(صلى الله عليه وآله): «هؤلاء
أهل بيتي» وذلك لانه(صلى الله عليه وآله) لم
يكن في مقام الاخبار عن شمول مفهوم أهل البيت
لهؤلاء، و إلاّ لكان الانسب أن يقول: هؤلاء
من أهل بيتي.

2 ـ إشارة الكساء الذي جلّلهم به، وهي
قرينة حاليّة كاشفة عن إرادة الحصر بإطلاق
الاسم من جهة، و الدعاء بالتطهير من جهة أخرى،
وتطبيق الاية الشريفة من جهة ثالثة، فكأنه(صلى
الله عليه وآله) أراد أن يدفع كلّ وهم، ويوجد
حداً محسوساً لا يدخله الرّيب فجلّلهم
بالكساء وأحاطهم به.

3 ـ في العديد من نصوص حديث الكساء، أن
اُم سلمة لما سمعت الدعاء وأحبّت أن تنال شرف
الدخول فيه، استأذنت الرسول(صلى الله عليه
وآله) في الدخول تحت الكساء، وهذا يؤيّد دلالة
فعل الرسول(صلى الله عليه وآله) على الحصر،
ولاجل ذلك تصرّفت على أساس أن الدخول في
الكساء والدخول في الاشارة (هؤلاء) يحقق شمول
الدعاء والاية لها، ويؤيّد عدم كونها من أهل
البيت، و إلاّ لاكتفت بصدق العنوان الذي
يجعلها مشمولة للاية والدعاء ولو بعمومها.

4 ـ منع الرسول(صلى الله عليه وآله) لها
من الدخول تحت الكساء، وتطييب خاطرها بأنها
على خير، يدلّ صراحة على خروجها من تحت هذا
العنوان، ولا ينافيه ما ورد في بعض ألفاظ حديث
الكساء من قوله لها: «أنت من أهلي» أو أنه أذن
لها بالدخول تحت الكساء بعد أن قضى الدعاء
لاهل بيته، فإنه ـ على فرض صحّة هذه النصوص ـ
ليس هناك تطابق بين المراد من أهله والمراد من
أهل بيته، فيمكن شمول الاول لزوجاته دون
الثاني، الذي يراد منه أهل بيت النبوّة، لا
بيت سكناه(صلى الله عليه وآله) كما لا يخفى،
ولا دلالة في دخولها تحت الكساء بعد انقضاء
كلامه(صلى الله عليه وآله) ودعائه على شمول
الاسم ولا الدعاء لها.

وهناك العديد من النصوص التي لا تقلّ
عن حديث الكساء دلالة على كون مصطلح «أهل
البيت» أطلقه الرسول(صلى الله عليه وآله) على
خصوص أمير المؤمنين وفاطمة والحسنين(عليهم
السلام).

على أننا في مقام تحديد المراد من أهل
البيت في حديث الثقَلين لسنا بحاجة للاستدلال
على خروج زوجات النبي(صلى الله عليه وآله)،
فإن قول الرسول(صلى الله عليه وآله): «وعترتي
أهل بيتي» أخرجهن لعدم كونهن من العترة،
ومراده(صلى الله عليه وآله) أهل البيت الذين
هم من العترة المطهرة.

أما بالنسبة لبقية أقرباء النبي(صلى
الله عليه وآله) من أعمامه وأبنائهم، فإنهم ـ
إن سلّمنا بصدق العترة عليهم ـ ليسوا من أهل
البيت، لما تقدّم من انحصار المصطلح المذكور
في الخمسة أصحاب الكساء والائمة من أولاد
الحسين(عليه السلام). وذلك يُخرج بقية بني
هاشم، وتدلّ عليه أيضاً اُمور:

1 ـ ان الظاهر من تتبّع استعمال الرسول(صلى
الله عليه وآله) والائمة(عليهم السلام) أن
المقصود من البيت هنا بيت النبوة لا بيت السكن
ولا بيت النسب.

2 ـ لو اُريد منه بيت النسب دخل فيه أبو
لهب وأمثاله من بني هاشم، ممن حاربوا اللّه
ورسوله، ولا أظن أحداً يتجرّأ على ادّعاء
شمول أهل البيت لامثال هؤلاء، وانطباق آية
التطهير وحديث السفينة وحديث الثقلين وآية
ذوي القربى وغيرها عليهم.

3 ـ أن القرآن الكريم جعل المعيار
للانتساب إلى الانبياء ليس القرابة النسبية،
و إنما العمل الصالح، وقد قال سبحانه لنوح(عليه
السلام): )يا نُوح إنّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ
إنّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِح([29]مع أن البنوّة
من أبرز مصاديق القرابة النسبية، وفي هذا
المجال يروى عن الامام الرضا(عليه السلام) في
حديث حول ابن نوح أنه قال: «لقد كان ابنه، ولكن
لما عصى اللّه عزّوجلّ نفاه عن أبيه، كذا من
كان منّا لم يطع اللّه عزّوجل فليس منا»[30].

4 ـ أن مقتضى الامر بالتمسّك بهم
وجعلهم قرناء الكتاب، وكونهم العاصم من
الضلالة أن يكون المقصود جماعة مخصوصة لا
يخالفون الكتاب ولا يعصون اللّه، ولا يزلّون
عن طريق الحق أبداً، فيخرج منه غير أهل العصمة
و إن كانوا من العترة النبوية.

التمسّك بالثقلين:

استفيد من حديث الثقلين عدة اُمور:

الامر الاول: دلالته على عصمة أهل
البيت(عليهم السلام) عن الذنوب والمعاصي وعن
الخطأ والزّلل، وذلك للنقاط التالية:

1 ـ لاقترانهم(عليهم السلام) بالكتاب
الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه، وتصريحه بعدم افتراقهم عنه، ومن
البديهي أن صدور أيّة مخالفة للشريعة سواء
أكانت عن عمد أم سهو أم غفلة تعتبر افتراقاً
عن القرآن في هذا الحال، و إن لم يتحقق
انطباق عنوان المعصية عليها أحياناً، كما في
الغافل والساهي، والمدار في صدق عنوان
الافتراق عنه عدم مصاحبته لعدم التقيّد
بأحكامه و إن كان معذوراً.

2 ـ ولانه اعتبر التمسّك بهم عاصماً عن
الضلالة دائماً وأبداً، كما هو مقتضى ما
تفيده «لن» التأبيديّة، وفاقد الشيء لا يعطيه.

3 ـ أن تجويز الافتراق عليهم الذي
يتحقّق بمخالفة الكتاب وصدور الذنب منهم
تجويز للكذب على الرسول(صلى الله عليه وآله)
حيث أخبر عن اللّه عزوجل بعدم وقوع
افتراقهما، وتجويز الكذب عليه(صلى الله عليه
وآله) متعمّداً مناف لافتراض العصمة فيه، وهي
مما أجمعت عليها كلمة المسلمين، خاصّة في
مقام تبليغ الاحكام، والاخبار عن اللّه الذي
لم يخالف فيه أحد منهم[31].

4 ـ ولانه أمر بالتمسّك بهم على
الاطلاق، ومن المسلّم أن الرسول(صلى الله
عليه وآله) لا يأمر بالتمسّك والاقتداء ـ بشكل
مطلق ـ بمن يخالف الشريعة وأحكام اللّه
تعالى، لان لازمه الامر بمخالفة الشريعة وهو
محال.

الامر الثاني: دلالة الحديث على تميّز
أهل البيت(عليهم السلام) بالعلم بكلّ ما يتّصل
بالشريعة، وأنهم معدن العلوم والمعارف
والاسرار، وأن علومهم لدنيّة من اللّه تعالى،
إما بالالهام أو بالتلقّي من الرسول(صلى الله
عليه وآله) أو بالاطّلاع على أسرار الكتاب
وكوامنه التي لا يدركها عامّة الناس.

فلو كانت علومهم مستفادة من الناس،
لكان الذي يعلّمهم أولى بأن يُأمر بالاقتداء
به والتمسّك بحبله، ولو كان العلم الذي عندهم
مأخوذاً من ظاهر الكتاب والسنّة الموجودة بين
الناس وبالوسائل المتعارفة، لكانوا(عليهم
السلام) كغيرهم من الناس، فلا معنى لاختصاصهم
دون غيرهم بهذه المنزلة وهذا المقام، وأمرِ
الناس بالتمسّك بهم والرجوع إليهم.

أضف إلى أن الكثير من الوسائل
المتعارفة لتحصيل العلوم عند الناس لا تورث
إلاّ الظن، ويمكن أن تخطئ وتصيب، فلا تكون
عاصمة من الضلالة، ولا يصحّ الامر بالتمسّك
بها واتّباعها مطلقاً. فدلّ ذلك على أنّ لديهم
علماً خاصاً اختصهم اللّه به.

و إذا كان الوحي الرسالي قد انقطع
بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) كما دلّت عليه
النصوص القطعية، فلا بدّ أن يكون عندهم من
الوسائل والطرق للوصول إلى تلك العلوم بشكل
لا يقبل الخطأ والاشتباه، وليس إلاّ الالهام
والاحاطة بعلم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
والكتاب الكريم الذي فيه تبيان كلّ شيء. وهذا
هو الذي أهّلهم(عليهم السلام) لمقام الخلافة
المذكورة في الحديث، لاختصاصهم بما كان يملكه
المستخلِف. وقد ورد في هذا المعنى العديد من
النصوص:

منها قوله(صلى الله عليه وآله): «ولا
تعلّموهم فإنهم أعلم منكم»[32].

ومنها قوله(صلى الله عليه وآله): «أنا
مدينة العلم وعليٌّ بابها فمن أراد العلم
فليأت الباب»[33].

ومنها قول علي(عليه السلام): «لقد
علّمني رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ألف
باب يفتح كل باب ألف باب»[34].

وقد ورد عنهم(عليهم السلام) العديد من
النصوص أنهم ورثوا عن رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) علمه وعلوم جميع الانبياء
السابقين، فهم عندهم كتب الانبياء السابقين،
وما أملاه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)على
علي بن أبي طالب(عليه السلام)، من الصحيفة
الجامعة لما يحتاجه الناس من الحلال والحرام
إلى يوم القيامة، ومن تأويل الكتاب وتفسيره،
وفي أي شيء نزلت كل آية منه وأين نزلت، وأن
عندهم ما يحتاج الناس إليهم ولا يحتاجون
أحداً من الناس[35].

يتحدّث الامام الصادق(عليه السلام) عن
هذا العلم في حوار بينه وبين بُريْهة
الجاثليق حيث قال بريهة: جعلت فداك، أنـّى لكم
التوراة والانجيل وكتب الانبياء؟ قال: «هي
عندنا وراثةً من عندهم، نقرؤها كما
قرأوها، ونقولها كما قالوها، إن اللّه لا
يجعل حجّةً في أرضه يُسأل عن شيء فيقول: لا
أدري»[36].

الامر الثالث: يدلّ الحديث على أن
المنقذ من الضلالة والعاصم منها هو التمسّك
والعمل بمجموع الثَقلين، فلا يغني التمسّك
بأحدهما دون الاخر، كما لا يغني التمسّك ببعض
كلّ واحد منهما.

أما الثقل الاكبر فإنه و إن تضمّن
من المعارف والاحكام ما يتناول كل شيء، إلاّ
أن البشر لا يتمكّنون من استنباط واستخراج
تلك المعارف منه، إلاّ النزر اليسير الذي
دلّت عليه ظواهر الكتاب الكريم، فلا بدّ من
الرجوع إلى الراسخين في العلم الذين أشارت
إليهم الاية الشريفة[37]،
الذين هم قرناء الكتاب، وعندهم علم التأويل
والتفسير، وهم القادرون على الغوص في أعماقه
واستخراج درره الكوامن، فلا يدرك الكتاب إلاّ
بهم، ولا يتمسّك به إلاّ بواسطتهم ومن خلالهم.

وأما الثقل الاصغر فكذلك، لانهم لا
يحيدون عن نهج الكتاب، ولا يفارقونه، وليس
لهم طريقة إلاّ طريقة القرآن، وليس لهم رأي
إلاّ رأيه، فلا يتأتـّى التمسّك بهم دونه،
إلاّ على طريقة بعض العوام والجهلاء، الذين
يدّعون حبّ أهل البيت(عليهم السلام) ولا
يعملون بعملهم ولا يهتدون بهديهم، ويتوهّمون
أَنّ التمسك بهم هو حبّهم، وأن حبّهم يغني عن
اتّباع سيرتهم والعمل بنهجهم.

روي عن الامام الباقر(عليه السلام) أنه
قال: «يا جابر، أيكتفي من ينتحل التشيّع أن
يقول بحبّنا أهل البيت؟ فواللّه ما شيعتنا
إلاّ من اتقى اللّه وأطاعه، وما كانوا يعرفون
يا جابر إلاّ بالتواضع والتخشّع والامانة،
وكثرة ذكر اللّه، والصوم، والصلاة، والبرّ
بالوالدين، والتعهّد للجيران من الفقراء
وأهل المسكنة، والغارمين، والايتام، وصدق
الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الالسن عن الناس
إلاّ من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في
الاشياء ... إلى أن قال: حسب الرجل أن يقول:
اُحبُّ علياً وأتولاّه، ثم لا يكون مع ذلك
فعّالاً؟ فلو قال: إني أحبُّ رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله)فرسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) خيرٌ من عليّ(عليه السلام) ثم لا يتّبع
سيرته، ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبُّه إياه
شيئاً...»[38].

ثم إن التمسّك ببعض الائمة من العترة
النبوية(عليهم السلام) دون بعض، ليس تمسّكاً
بالثقل الاصغر، لان الانحراف عن أي واحد من
أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ومفارقته وترك
الاقتداء به يؤدّي بالضرورة لمفارقة الكتاب
الكريم، الثقل الاكبر، لان الثقلين لا
يفترقان أبداً بنص الحديث و إذا فارق
الكتاب فقد فارق الثقلين معاً.

فالنتيجة أن التمسّك بتمام الثقلين
معاً طريق الهدى و العاصم من الضلالة.

الامر الرابع: يستظهر من الحديث بقاء
العترة إلى جنب الكتاب إلى يوم القيامة، وهذا
معناه خلود الثقل الاكبر وعدم ضياعه من جهة،
وعدم خلوّ الزمان من حجّة للّه من أهل بيت
نبيّه، وعدم انقطاع السلسلة المباركة للائمة
المعصومين حتى يوم القيامة. وبمعونة النصوص
الاُخرى التي حصرت الحجج الذين أوصى الرسول(صلى
الله عليه وآله) باتّباعهم والاقتداء بهم
باثني عشر حجّة، يمكن أن يستدلّ على بقاء حجّة
اللّه المنتظر الثاني عشر من أئمة أهل البيت(عليهم
السلام).

الامر الخامس: وأخيراً فالحديث يشكّل
نصّاً من النصوص التي عيّن رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله)بها خلفاءه من بعده، وأوصياءه
في الناس الذين حمّلهم الامانة، أمانة
الرّسالة، و إمامة الاُمة، الامامة الكبرى
التي تشتمل على المرجعية السياسية والدينية،
كما كان رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في
الناس ما عدا النبوة:

«يا عليّ، أنت مني بمنزلة هارون من
موسى إلاّ أنـه لا نبي بعدي»[39].

أما المرجعية الدينية فواضح مما تقدم،
حيث قرنهم بالكتاب الكريم وجعل التمسّك بهم
مع الكتاب عاصماً من الضلالة.

وأما المرجعية السياسية فلاُمور عدّة:

1 ـ لوجوب التمسّك بهم واتّباعهم في كل
أمر ونهي، ولا شكّ أن أمور السياسة والحكم لا
تشذّ عنها.

2 ـ لما كنا قد استفدنا عصمتهم المطلقة
الشاملة لاُمور الدين والدنيا، كانوا هم
المتعينين للامامة، حيث إن مخالفتهم مخالفة
للحق والصواب، وطاعتهم طاعة للهدى: (أفَمَنْ
يَهدي إلى الحقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَع أمَّنْ
لا يَهِدّي إلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُم
كَيْفَ تَحْكُمون)[40].

3 ـ أنه(صلى الله عليه وآله) عبّر عن
الكتاب والعترة بالخليفتين، كما في رواية
أحمد عن زيد بن ثابت[41]، والخليفة
يقوم مقام المستخلِف في محل الاستخلاف،
والنبي(صلى الله عليه وآله) كان يقوم بأعباء
الامامة الكبرى، بما فيها الامامة في السياسة
والحكم، فلا بدّ أن يكون للخليفة ذلك المقام
وتلك المهامّ.

4 ـ أن صدر كلامه(صلى الله عليه وآله)
يوحي بأنه كان في مقام بيان وصيّته الاخيرة
للناس، حيث قال(صلى الله عليه وآله): «يوشك أن
يأتيني رسول ربي فأجيب»[42]
أو «اُوشك أن أدعى فاُجيب»[43] أو «كأني قد
دعيت فأجبت»[44] وما بمعناها.
ومن المعلوم أن صاحب السلطان والولاية إذا
ذكر ذلك ثم قال: «إني تارك فيكم» لا يفهم منه
إلاّ العهد والوصيّة لمن يقوم مقامه، ويمارس
مهامّه، ويتابع مسيرته، والعقلاء يعدّون ذلك
عهداً بالامارة والولاية دون تردّد.

ويشهد لذلك أن أحد المواقع التي كرّرَ
فيها رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) حديث
الثقلين كان «غدير خم» ففي رواية مسلم قال:
خطبنا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بماء
يدعى خمّاً. وفي بعض نصوص حديث الثقلين ذُيّل
بقوله(صلى الله عليه وآله): «من كنت مولاه فعلي
مولاه» وهو صادر في «غدير خم» فيكون هناك
اقتران بين حديث الثقلين وحديث الغدير، ومنه
يعلم أن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قد عهد
في «غدير خم» بالخلافة إلى أهل البيت(عليهم
السلام) عموماً، و إلى عليّ(عليه السلام)بالخصوص.

5 ـ تقدّم أن حديث الثقلين يدلّ على أن
أهل البيت(عليهم السلام) أعلم الناس، و إذا
كانوا كذلك، فهم أئمة الناس وخلفاء رسول الله(صلى
الله عليه وآله)، لان الناس يحتاجون إليهم ولا
يستغنون عنهم، بينما هم مستغنون عن الناس غير
محتاجين إليهم، والعقل يقضي بالرجوع إلى
الاعلم الاعرف بمواطن الصواب، والاقتداء به
واتّباعه و إطاعة أوامره ونواهيه، من دون
فرق بين اُمور الدين واُمور الدنيا.

«يتبع»



([1])
سنن الترمذي 5 : 622 ، والبغوي، مصابيح
السنّة 4 : 190، ومصادر اُخرى.

([2])
الهيثمي، مجمع الزوائد 9 : 163، والسيوطي،
الدرّ المنثور 2 : 60 ، ومسند أحمد 5 : 181.

([3])
ابن سعد، الطبقات الكبرى 2 : 194، والحمويني،
فرائد السمطين 2 : 538 ، وابن المغازلي،
مناقب أمير المؤمنين: 235، والقندوزي، ينابيع
المودة: 31، والصدوق، معاني الاخبار: 90 ،
ومسند أحمد 3 : 17.

([4])
راجع مجلة «رسالة الثقلين» العددين: الخامس
والسادس، تحقيقات، رواة حديث الثقلين.

([5])
راجع: مجلة «رسالة الثقلين» العدد السابع،
تحقيقات، مصادر حديث الثقلين.

([6])
تقدّم تخريج الحديث في هذه المصادر .

([7])
توفيق أبو علم، أهل البيت: 78.

([8])
وسائل الشيعة 18 : 19 و151.

([9])
راجع تذكرة سبط ابن الجوزي: 322، وابن حجر في
الصواعق المحرقة (المطبعة الميمنية): 136، وقد
ذكر أهل الجرح والتعديل أن ابن الجوزي لا
يؤخذ بكلامه حول الاحاديث، وأنه كثير الغلط
فيما يصنفه، وأنه له وهم كثير، وأنه حاطب ليل
.. إلى ما هنالك من الاوصاف، راجع لسان
الميزان 2 : 83 وتذكرة الحفاظ 4 : 1347، وطبقات
الحفاظ: 480، وتدريب الراوي 1 : 235، وغيرها.

([10])
كما في رواية أبي سعيد الخدري، ابن سعد،
الطبقات الكبرى 2 : 194 والحمويني، فرائد
السمطين 2 : 538 ، ومسند أحمد 3 : 17.

([11])
الحاكم، المستدرك 3 : 109، والنسائي، خصائص
أمير المؤمنين: 93 ، والهيثمي، الصواعق
المحرقة: 136.

([12])
الامرتسري، أرجح المطالب: 563 .

([13])
كما في رواية زيد بن ثابت في صدر البحث، مسند
أحمد 5 : 181، الهيثمي، مجمع الزوائد 9 : 163.

([14])
الخليل بن أحمد، العين 5 : 136. والجوهري، صحاح
اللّغة 3 : 1647. والفيروزآبادي، القاموس
المحيط 3 : 342. والزبيدي، تاج العروس 7 : 345. وابن
منظور، لسان العرب 11 : 87 .

([15])
الفيروزآبادي، القاموس المحيط 3 : 342.
والزبيدي تاج العروس 7 : 345. وابن منظور، لسان
العرب 11 : 87 .

([16]
، 4) ابن الاثير، النهاية 1 : 216. وابن منظور،
لسان العرب 11 : 87 . والزبيدي، تاج العروس 7 :
345.


([18])
ابن منظور، لسان العرب 11 : 87 .

([19])
آل عمران: 7 .

([20])
الخليل، كتاب العين 2 : 66 .

([21])
الزبيدي، تاج العروس 3 : 380.

([22])
ابن الاثير، النهاية 3 : 177. وحكاه عنه الزبيدي
في تاج العروس 3 : 380، وابن منظور في لسان
العرب 4 : 538 .

([23])
الزبيدي، تاج العروس 3 : 380. وابن منظور، لسان
العرب 4 : 538 .

([24])
الزبيدي، تاج العروس 3 : 380، وابن منظور، لسان
العرب 4 : 538 . وابن الاثير، النهاية 3 : 177.

([25])
الزبيدي، تاج العروس 3 : 380 ـ 381. وابن منظور،
لسان العرب 4 : 538 .

([26])
ابن الاثير، النهاية 3 : 177. والزبيدي، تاج
العروس 3 : 380. وابن منظور، لسان العرب 4 : 538 .

([27])
ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 6 : 375 (بتحقيق
محمد أبو الفضل ابراهيم).

([28])
راجع ألفاظ حديث الكساء في المصادر التالية:
السيوطي، الدرّ المنثور 5 : 198 ـ 199.
والحسكاني، شواهد التنزيل 2 : 10 ـ 92 .
والترمذي، الجامع الصحيح 5 : 351 و663 و669 .
وتفسير الطبري 22 : 5 ـ 7. وتفسير القرطبي 14 : 184.
والشوكاني، فتح القدير 4 : 279. وابن الاثير،
اُسد الغابة 2 : 12 و3 : 413. والطبري، ذخائر
العقبى: 21 و22. وابن بطريق، العمدة: 33 و39.
والحاكم، المستدرك 2 : 416. والمجلسي، بحار
الانوار 35 : 207 ـ 236. والكليني، الكافي 1 : 286 ـ
287. والحويزي، تفسير نور الثقلين 4 : 270 ـ 277.
والبحراني، تفسير البرهان 3 : 309 ـ 325. والقطب
الراوندي، الخرائج والجرائح 1 : 48. والطبرسي،
مجمع البيان 8 : 357 ـ 358. والشهيد التستري،
إحقاق الحق 2 : 501 ـ 553 و3 : 513 ـ 531 و9 : 1 ـ 69 .

وراجع أهل البيت في آية
التطهير للسيد جعفر مرتضى في الاعداد
الثلاثة الاُولى من مجلة

«رسالة الثقلين».

([29])
هود: 46.

([30])المجلسي،
بحار الانوار 49 : 218. والصدوق، عيون أخبار
الرضا 2 : 232.

([31])
بعض هذه الفقرات مقتبسة من كتاب سنة أهل
البيت للسيد محمد تقي الحكيم ص 36.

([32])
الطبراني، المعجم الكبير 5 : 167.

([33])
تاريخ دمشق لابن عساكر 3 : 467 (بتحقيق المحمودي).
ومناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي: 81 .

([34])
المجلسي، بحار الانوار 26 : 29 ـ 30. والمفيد،
الاختصاص: 283.

([35])
راجع المجلسي، بحار الانوار 26 : 18 ـ 66 و159 ـ 189.
والكليني، أصول الكافي 1 : 239 ـ 241.

([36])
الصدوق، التوحيد: 275. والمجلسي، بحار الانوار
10 : 239. وقد وردت عدّة نصوص في كيفيّة وصول =

= كتب الانبيـاء السابقيـن إلـى نبينا
محمـد(صلى الله عليه وآله) ثمّ ورثها ائمة
أهل البيت(عليهم السلام) منه.

([37])
«وَما يَعْلَمُ تَأويلَهُ إلاّ اللّهُ
وَالرّاسِخونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ
آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبّنا وَما
يَذّكّرُ إلاّ اُولُو الالـْباب»، سورة آل
عمران: 7 .

([38])
المجلسي، بحار الانوار 70 : 97 . الكليني،
الكافي 2 : 74.

([39])
المجلسي، بحار الانوار 32 : 487 و36 : 331 و40 : 78 و100 :
362 .

([40])
يونس: 35.

([41])
مسند أحمد 5 : 181. والهيثمي، مجمع الزوائد 9 : 163.
والسيوطي، الدر المنثور 2 : 60 .

([42])
مسند أحمد 4 : 367.

([43])
راجع رواية أبي سعيد الخدري في صدر البحث.

([44])
البحراني، غاية المرام: 233. والحاكم،
المستدرك 3 : 109. والنسائي، خصائص أمير
المؤمنين: 93 .

/ 1