رأي
التآمر الصليبي على بلاد المسلمين
الشيخ عباس الكوراني (لبنان)
لم يكن الكيد للدين الالهي من قبل أهل
الضلال شيئاً غريباً، ذلك أنّ الذي يضلّ عن
الصراط المستقيم يتربّص الدوائر بأهل
الايمان وينصب لهم الشباك ليرميهم فيها، وما
زال الصليبيون يضعون الخطط عبر التاريخ
للوقيعة بالمسلمين منذ أن استيقظوا على
الحضارة الاسلامية وهي تبسط ظلالها على جميع
أنحاء العالم الى يومنا هذا، ولئن كان ذلك في
الازمان السابقة خفيّاً وبعيداً عن الانظار
فإنّهم اليوم أصبحوا يصرّحون بحقدهم الدفين.
وما تخفي صدورهم أكبر.
كان أعداء اللّه ومازالوا يتصرّفون في
بلاد المسلمين وكأنـّهم هم أصحاب الحق
الطبيعي فيها. وهناك وثائق تظهر الاساليب
والجهات التي كانوا يركّزون جهودهم عليها ومن
جملتها المحاضرة التي ألقاها المستر (كيردتر)
في مؤتمر رجال الكنيسة العاملين في البلدان
الاسلامية، وذلك في مطلع القرن الحالي (عام 1909م)
في أدنبرة/ بريطانيا. وهذه الوثيقة وإن كانت
قديمة نسبياً إلاّ أنـّها تضع أمامنا صورة
واضحة عن الاساليب التي يستعملها أعداؤنا
للسيطرة على العالم الاسلامي، وتنبّهنا الى
مواطن الضعف والثغرات التي ينفذ من خلالها
أعداء اللّه إلى مجتمعنا الاسلامي. والذي
يطّلع على هذه الوثيقة يجد فيها الاُمور
التالية:
1 ـ إنّ فكرة تنصير العالم الاسلامي
وإدخاله في متاهات الحضارة المادية شيء مفروغ
عنه عند أرباب التبشير.
2 ـ إنّ التعليم والتثقيف هو الاساس
الذي يبني عليه الفكر التنصيري كل آماله لبسط
نفوذه في أوساط المسلمين.
3 ـ إنّ الهدف الذي رسمه أرباب التنصير
هو السيطرة على العالم الاسلامي مهما كلّفهم
ذلك من ثمن.
4 ـ إنّ أعداءنا لا يألون جهداً في
استعمال كل الاساليب التي توصلهم إلى أهدافهم.
5 ـ إنّهم في نشاط وتخطيط مستمر لخلق
أساليب جديدة تحفظ لهم التفوّق الدائم على ا
لمسلمين في كلّ عصر وفي كلّ مكان.
6 ـ إنّ أرباب التبشير يرصدون التحرّك
الاسلامي بدقّة متناهية، ويحرصون دائماً على
خنق أيّ فكرة تمدّد للاسلام حتى لو كان ذلك
بين المسلمين.
7 ـ إنّهم يتصرّفون على الارض وكأنـّهم
أصحابها الاصليون، وباقي الناس أو المسلمون
بالخصوص هم ميدان نشاطهم التبشيري.
8 ـ إنّهم يعتبرون أنّ الاسلام هو دين
وثنيّ وهم أصحاب الدين الالهي الذي يجب أن
يبسطوه على كلّ أنحاء العالم الاسلامي.
9 ـ إنّ الاسلام عندهم مشكلة مزمنة
وفعلية تضغط على أعصابهم دائماً ويتحرّكون
لحلّها انطلاقاً من كون خطرها محدقاً بهم
حالياً وبالفعل.
10 ـ إنّهم يعتمدون في أعمالهم على كشف
الواقع والتخطيط المبرمج لتنفيذ مخططاتهم
المرسومة، ومتابعة كلّ ذلك بشكل مستمر.
11 ـ إنّ الحرية التي تصبو إليها الشعوب
الاسلامية هي إحدى منطلقاتهم للتحلّل من
الدين، والتي تجد لها رواجاً كبيراً بين
الشباب ومختلف الطبقات.
12 ـ إنّ الصحافة هي أحد أعمدة النشاط
التبشيري في العالم الاسلامي.
13 ـ الاستفادة من عامل الثأر الذي
يعتمل في نفوس المسيحيين الذين جرت حروب
بينهم وبين المسلمين كالارمن مثلاً.
14 ـ الاحتلال العسكري هو أحد أساليب
بسط الفكر التنصيري في أراضي المسلمين.
15 ـ من جملة الاساليب التي يستعملها
أعداؤنا الاُمور التالية:
زيادة المبعوثين إلى البلدان
الاسلامية.
المحاورات بينهم وبين شخصيات
إسلامية.
توزيع النشرات والاناجيل.
البعثات الطبيّة.
مدارس البنات والبنين.
المناداة بالمساواة بين الاديان.
16 ـ العمل على زيادة النشاط التبشيري
في أي مكان ينشط فيه العمل الاسلامي لمواجهته.
17 ـ إنّ إعطاء المنح الدراسية في
الجامعات هو أحد توصيات هذه الوثيقة التي
تعتبره ضرورياً للعمل التبشيري.
18 ـ توصي هذه الوثيقة أن يركّز
المبشّرون على خطّين في مصر وهما: (جامع
الازهر) وتعبّر عنه بالمركز الديني التقليدي
الفلسفي. وثانيهما: النهضة الاسلامية الحديثة
التي تؤثّر على الشباب.
19 ـ إنّ الشخصيات الاسلامية المؤثّرة
مثل الشيخ محمد عبده وتلميذه الشيخ محمد رضا
صاحب جريدة (المنار) تقع مورد اهتمام زائد من
قبل المبشّرين ويركّزون على محاربتهم وتطويق
أعمالهم بقوّة.
20 ـ الجامعات ودور العلم وهي من أهمّ
الوسائل التي ينفذ من خلالها التبشير الى
أوساط الشباب والمجتمعات الاسلامية.
وبعد ذكر هذه النقاط التي تحتويها
الوثيقة نوردها نصّاً ليقف المسلم الغيور على
كيد الاعداء منذ أربع وثمانين سنة، وكيف به
الان وفي نهاية القرن العشرين وبعد أن سقطت
إحدى القوتين العظميين وبقيت القوة العظمى
الاخرى التي مافتئت تقف وراء إذلال الشعوب
الاسلامية والسيطرة عليها للاستمرار بامتصاص
دماء شعوبها، والوثيقة تحمل عنوان:التغيّرات
الطارئة على العمل التبشيري في الاراضي
المحمدية:
«حضرات السادة: الرئيس، الاباء
والاخوان (القساوسة).
السؤال المطروح هذا اليوم لا يتمثل في
أين نجد الدليل على الحركة التحديثيّة في
بلاد المسلمين، بل أين لا نجد مثل هذا الدليل.
نحن لا شكّ على علم تام بالحركة التحديثيّة
الناشطة في الوسط الاسلامي في كل من تركيا
ومصر وبلاد فارس والهند. فجميع هذه الدول قد
تأثرت بالافكار الاوربية، وقد تشكّلت فيها
منظمات فكرية وسياسية. وأثّرت هذه المنظمات
بشكل مباشر أو غير مباشر على العقائد الدينية.
غير أنّ هذه الدول ليست هي الوحيدة من دول
الاسلام المتأثرة بأفكار الغرب، ففي روسيا
ونتيجة لاطلاق الحريات الدينية في 17 نيسان
عام 1905م، وكما أعلمتني سيّدة روسية قامت
بدراسة خاصة أنّ ما يزيد على 50000 من اتباع
الكنيسة اليونانية عادوا الى اعتناق
الاسلام، وقد تبعهم آخرون اعتنقوا هذا الدين
لاول مرّة. لاشكّ في أنّ مثل هذا الحدث سوف
يحفّز «المحمديين» في روسيا الاوربية، في
الفولغا في أواسط آسيا وحتى سيبريا حيث
الافكار تسري بسرعة مثل التيار الكهربائي،
وخاصة عندما تكون وسيلة النقل الجديدة:
السكّة الحديدية، فالقطار عبر قزوين سوف
يتّجه نحو روسيا وتركمانستان ثمّ الصين
التركية وسوف ينقل الافكار الاسلامية، وهكذا
تعود الخطوط التجارية التاريخيّة عبر وسط
آسيا نحو الصين لتصبح العصب المنظّم والجهاز
العضوي الاكثر فاعلية مما كان عليه قبلاً.
إذاً فدورنا الان يجب أن يتركّز في الصين.
وإذا كانت هناك دولة واحدة في العالم المحمدي
ممن لا يتأثّر بالعالم الخارجي فهي الصين،
والنموذج الصيني المسلم ليس من النوع الذكي،
ومع ذلك فقد سمعنا بانتقال بعثة تركية مسلمة
الى الصين لتقوم بدور التبليغ لاوّل مرة.
وأكثر ما يثير العجب أن يقوم ثلاثون طالباً
صينيّاً من الذين يدرسون الاراء الغربية في
جامعة اليابان، بتحرير مجلة فصلية باسم: «أيّها
المسلمون استيقظوا» وتوزّع هذه المجلة في
عموم بلاد الصين، وعندما ننتقل الى ماليزيا
حيث السفينة التجارية تقوم بمساعدة الاعداد
المتزايدة من أهالي جاوة وسومطرة وجزر الهند
الشرقية في التوجّه نحو مكّة لاداء فريضة
الحج، وحيث يتعاظم بذلك تثبيت جذور الاسلام
في هذه الدول، ومن ثمّ يصعب القضاء عليه،
ونتّجه بعد ذلك نحو الجزيرة العربية نفسها
حيث هناك قبر النبي في المدينة، وحيث تتردد
صفارات القاطرات. ومن الجزيرة العربية وبشكل
غير مباشر جاءت أعظم حركة للسنوسيين إن لم تكن
أحدثها، والتي يمكننا أن نلمس آثارها بسهولة
في السودان وفي بحيرة تشاد وأقصى أطراف حوض
الكونغو. ومن جانب آخر فإن الحركة الاسلامية
الممتدة بشكل مرعب في إفريقيا أساساً هي ردّ
فعل لما قامت به الحكومات الاوربية (الاستعمارية)
التي وضعت مؤسسات حكومية من النيل وحتى
زامبيا، وأضعفت بذلك الروابط القبلية،
وهيّأت مئات الاقنية لتوغّل الاسلام بشكل
هادئ، وسنجد بعد قليل أنّ الاسلام هو هدية
السماء لوحدة إفريقيا، والمعبّر الحقيقي عن
الجنس الافريقي، وسوف يحصد المسلمون الجهود
التي بذلها نصارى الحبشة.
إنّ هذه النظرة السريعة تؤكّد لنا ـ
حتى من وجهة نظر الحركات التحديثيّة ـ مشكلة
الوجود المحمدي الممتد في كامل العالم
الاسلامي، وسوف اُقدّم في هذا المؤتمر العظيم
ملاحظة أولية:
إنّ مشكلة الاسلام هذه لا يمكن
تجاوزها حتى في الظروف الاضطرارية التي لا
يمكن وصفها، والتي تواجهنا في الشرق الاقصى.
والسبب أنّ الاسلام الان يقف على أعتاب دورنا
من أقصى الساحل المغربي حيث يلامس حدود أوربا
وحتى أعمدة هرقل ومدينته القسطنطينية. إنّ
هذه المشكلة هي مشكلتنا المركزية. لنفكر بهذه
الكتلة العظيمة من دول منطقة البحر المتوسط
من شمال إفريقيا غرباً وحتى أواسط آسيا شرقاً
سنجدها جداراً لا يمكن زحزحته، يمنع الغرب
المسيحي من الوصول الى قلب الشرق الوثني.
أيّها الاباء والاخوة: تذكّروا حتى
عندما تُحل مشاكلنا مع اليابان أو الكوريين
أو المنشوريين أو الصينيين أو الهنود فإنّ
الازمات الحالية يمكن تجاوزها، وعندما يلتقي
نصارى الشرق الاقصى مع الكنيسة الكاثوليكية
فإنّ الكتلة الضخمة المعادية سوف تشطر دولة
الغرب النصراني الى شطرين، وتفصل بين
التوأمين، وتعزل أحدهما عن الاخر، ولن تقيم
خطاً عازلاً ممتداً بين الربّ والانسان فحسب،
بل سوف تسبّب شرخاً في بنية الكنيسة
الكاثوليكية العظيمة الخالية من الشروخ،
والذي يتمثل بوجود المسلمين هناك، ويمكن كسبه
الى جانب المسيح، وعليه لا يمكننا تأخير حل
مشكلة الاسلام. إنّها مشكلة كل يوم كما ترون
فلنجعل هذا اليوم نفسه يوماً للحل والانعتاق.
إنّ واجبي أن أوضّح لاتباع الكنيسة
القادمين من جميع أنحاء العالم الاوضاع
العامة في ضوء الحركات التحديثية داخل بلاد
المسلمين. إنّ هدفنا الموحّد هو: اتخاذ
الاجراءات الى أقصى حد في ضوء «المصادر
المتوفرة لدينا» حيث يمكن بذلك فهم الواقع
لتحقيق أهدافنا.
إنّ المصادر المتوفرة لدينا يمكن
تفسيرها بوجهين، وعلينا أن نحتفظ في أذهاننا
بهذين التفسيرين، ففي المعنى الضّيق، هذه
المصادر غير كافية لمعالجة الواقع، غير
أنـّها ـ من دون شك ـ موزّعة بشكل حكيم
واقتصادي ومستغلّة بشكل جيد. ومن جانب آخر في
متناول أيدينا مصادر الاله الحي، وهذه الفكرة
تجعلنا نتذكر دائماً أثناء هذا المؤتمر الدرس
الاساس وهو الفهم الجديد «للاله الحي» الذي
سوف يساعدنا في انجاز هذا العمل العملاق.
ليس لدينا الوقت الكافي لانّ نوضّح
أين تتركز الازمة اليوم. شعارنا اليوم: «العمل
بحكمة»، وفي هذه القاعة وحول هذا الموضوع
أؤكّد على هذا الشعار: «العمل بحكمة».
لنبدأ من «الامبراطورية العثمانية»
حيث نجد هناك حركة يمكن وصفها بشكل كبير
بالتوجّه نحو الحرية. الحرية السياسية
والحرية الثقافية. انّ حركة مزدوجة من هذا
النوع سوف تؤثّر بالتأكيد على الدين وإن كان
بشكل بطيء. فالتوجّه الداخلي للجيل التركي
الجديد نحو التسامح الديني يسير بشكل جيد.
الحقيقة الوحيدة هنا: أنّ المسيحية والمسيح
الى حد بعيد متوغّل في عمق حركتهم، وسوف تأتي
بنتائج مهمة، وها هي حرية الصحافة في معظم
أنحاء الامبراطورية العثمانية وخاصة سوريا
قد حققت نتائج جيدة، وها هم قادة الفكر
الاسلامي يقعون في الحيرة بعد أن وجد بعضهم في
القرآن الكثير من تعاليم المسيح. أليست هذه
الحقيقة جديرة بأن تجعلنا نناشد الجمعيات
العاملة في الامبراطورية لكي تكون نشطة
ومستعدة لجني الثمار واستغلال الموقف الى
أقصى حد؟ هل سيأتي ذلك اليوم الذي يثأر فيه
الارمن الذين تحمّلوا وصبروا، لشهدائهم؟ يجب
أن يأتي ذلك اليوم بالتأكيد مادام هناك إله في
السماء!
ولذلك فإنّ الخطوات التالية تبدو
ضرورية:
1 ـ تقوية العمل الناجح والرائع الذي
تمارسه الكنائس الشرقية في الامبراطورية
العثمانية.
2 ـ احتلال المناطق التي لا توجد فيها
الجمعيات التبشيرية كما هو موضح في تقرير
بعثة التبشير رقم (1).
3 ـ تعزيز الاعمال الادبية بشكل قوي
ومؤكّد.
4 ـ الضغط المنظّم والمستمر على
الحكومة العثمانية لاعطاء المساواة الدينيّة
الكاملة والحرية في الامبراطورية العثمانية.
5 ـ العمل بحكمة وحذر واستمراريّة في
أوساط المسلمين.
وفي مؤتمر كنسي عام عقد مؤخراً في
بيروت وحضرته بنفسي استمعنا الى تقارير بعثات
التبشير الواحد بعد الاخر حول الاعمال
المنجزة. وقد عبّر المؤتمرون في نهاية
المؤتمر عن وجهة نظرهم بالشكل التالي:
1 ـ العمل التبشيري المستمر منذ عدّة
عقود ـ سواء في سوريا أو فلسطين ـ هو اليوم
ممكن أكثر من أي وقت مضى سواء عن طريق
الزيارات، المحاورات، توزيع النشرات
التبشيرية والاناجيل، البعثات الطبية ومدارس
البنين والبنات.
2 ـ إنّ إعلان الدستور وخاصة في أوساط
المتنوّرين قد سهّل عمل التبشير المباشر،
وبموجب مبادئ الدستور حول المساواة بين
الاديان سوف يزداد سهولة.
ومن جانب آخر نحن نقف اليوم وجهاً لوجه
مع الاحياء الثقافي والديني المحمدي مما
يستوجب زيادة العمل التبشيري.
3 ـ من الضروري وضع خطة حكيمة وسريعة
تطبّق بدقّة للنشاط في الوسط الاسلامي في
سوريا وفلسطين.
إنّ واجب جميع المنظمات الكنيسية أن
تبدأ الخطوة الاولى في هذا الاتجاه.
أيّها الاباء والقساوسة: شعارنا «العمل
بحكمة».
والان نصل الى مصر حيث هناك حرية دينية
واسعة تجعل العمل الاسلامي المباشر غير محدد.
أصبحت القاهرة اليوم مركزاً للنشاط الفكري
للاسلام. وهي هكذا منذ سقوط بغداد والحكم
العباسي. عند هذه النقطة يجب التأكيد على
ضرورة زيادة النشاط التبشيري دون تأخير،
وأعني الزيادة في الكمية والنوعية عن طريق
إعطاء المنح الدراسية للعاملين في العالم
الاسلامي وخاصة في مناطق التنوير (الجامعات).
يجب أن تركّز هذه الدراسة على خطّين
رئيسين حيث يمثل مسلمو القاهرة هذين الخطين:
الاول: هو المركز الديني التقليدي
والفلسفي الذي تمثله جامعة الازهر.
والثاني: هو الحركة التحديثية التي
تؤثر قليلاً أو كثيراً بكل الشباب المسلم
الذي ـ كما ذكرت ـ يحاول أن يتجاوز
الانجاز الاسلامي التاريخي ويفكّر بسياسة
جديدة ومفهوم ديني وفلسفي جديد للقرآن، ولا
يهتم بأيّ تراث مهما كان!
هذه الحركة واضحة جداً في الهند ولها
موقع ثابت في القاهرة حيث الشيخ محمد عبده
يعمل ويجمع حوله الطلبة المؤيدين له. أحد
طلابه محرر جريدة «المنار» يحاول أن يؤسس في
اسطنبول جامعة دينيّة سوف يذهب طلابها بعد
التخرّج للتبشير بالاسلام في أقاصي المشرق.
وهكذا ترون أنّ الاهداف الجديدة للاسلام هي
الانتشار والتبليغ، وكلا الخطين يتطلّبان
قوّة في التبشير وسط طلاب الجامعات وبعدد
أكبر ومستويات جامعيّة أعلى مما هي عليه الان.
واذا كانت الدراسة الاسلامية التقليدية قد
اضمحلّت ـ وهذا احتمال ينتظر البرهان ـ فلا
نقاش هناك في أنّ تدهور وضع الازهر وتأثيره
خارج مصر ليس إلاّ ظلاًّ لما كان في السابق.
ومع ذلك فإنّ الدراسة التقليدية الاسلامية هي
السائدة وسط الجماهير (المحمدية) الواسعة في
العالم، وتبقى هذه الجماهير ذات استعدادات
ضخمة! وعليه فالدراسة التقليدية بحاجة الى
طلبة بشكل مستمر ومتزايد، وهؤلاء يجب أن
يضيفوا إلى برامجهم مهمّة المراقبة والدراسة
والالتقاء مع الاسلام الجديد ومع تناقضاته
المتعددة! ولا أدري أين يجب أن تتم مثل هذه
الدراسة في العالم العربي فيما عدا القاهرة!
من الضروري إذاً تأسيس جامعة عربية
تكون في خدمة التبشير في جميع أنحاء العالم
الاسلامي. أقول ذلك دون تحامل على الجامعات
الاستشراقية والدورات التعليمية في بلادنا.
فهذه ولا شك مشاريع لها أهميّتها غير أنّ
مهمّتها تكميلية ومساعدة لما اريد الاشارة
إليه. وعليه يجب أن تؤسس هذه الجامعة في
القاهرة وعليكم التفكير بذلك حالاً([1]).
([1])
مجلّة الطاهرة، العدد 41 ، 1413 هـ ـ 1993م.