نظرة فی کتاب «البلاغة الحدیثة فی ضوء المنهج الإسلامی» نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نظرة فی کتاب «البلاغة الحدیثة فی ضوء المنهج الإسلامی» - نسخه متنی

محمود البستانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فنون وآداب


نظرة في كتاب البلاغة الحديثة في ضوء
المنهج الاسلامي


الدكتور محمود البستاني (العراق)

تتمثّل أهميّة هذا الكتاب في كونه
يضطلع أولاً بصياغة قواعد جديدة للبلاغة
العربيّة متميّزة تماماً عن التصنيف البلاغي
الموروث، كما يتمثّل ثانياً في كونه يعتمد
نماذج منتزعة من نصوص القرآن الكريم ونصوص
المعصومين عليهم السلام... والمسوّغ الفنّي في
صياغة هذه القواعد الجديدة عائد إلى أنّ
البلاغة القديمة تمتدّ قواعدها إلى أكثر من
ألف سنة، حيث قطعت البشريّة خلال هذه المدّة
مراحل متنوّعة من التطوّر الثقافي بنحو يجعل
البلاغة الموروثة عاجزة عن مواكبة الحياة
المعاصرة.

ويمكننا أن نشبّه قواعدها الموضوعة
قديماً بالاسلحة القديمة، كالسيف والرمح
التي يستخدمها الاقدمون، وهو أمر لا يمكن أن
يعتمده الانسان المعاصر في معاركه التي يواجه
فيها أحدث الاسلحة المتطوّرة. وإذا كانت
المهمّة العباديّة للشخصيّة الاسلاميّة هي
توصيل مبادئ الاسلام إلى الاخرين، حينئذ فإنّ
الاداة التي يعتمد عليها ينبغي أن تتجانس مع
لغة عصره حتّى تترك تأثيرها المطلوب، ولا
أدلّ على ذلك من أنّ القرآن الكريم نفسه قد
نزل بلغة تتوافق مع المعايير البلاغية التي
خبرها عصر النزول. كما إنّ النصوص الفنيّة
الواردة عن المعصومين عليهم السلام قد طبعتها
السمة ذاتها... طبيعيّاً لا بدّ من الاشارة إلى
أنّ النصوص الفنيّة الخالدة تتميّز عن النصوص
العاديّة بكونها تحمل خصّيصتين:

الاولى: أن تعتمد أدوات خاصّة تتناسب
مع طبيعة المرحلة الثقافية التي يعيشها العصر.

والاُخرى: أن تعتمد أدوات تتجاوز بها
العصر لتتناسب مع الاجيال كلّها.

وفي هذا السياق نواجه نمطين من
الادوات، أحدهما: أدوات مشتركة بين الاجيال
كلّها، والاُخرى أدوات متفرّدة تكتشفها
الاجيال اللاحقة، وهذا أمر لا يمكن توفّره
إلاّ في نصوص نادرة تصدر عن العباقرة فحسب...
وممّا لا شكّ فيه أنّ نصوص القرآن الكريم (وهي
متّسمة بالكمال الفنّي) تُعدّ النموذج الارفع
للنصوص المتفرّدة الخالدة، كما هو واضح، حيث
يمكننا ـ من جانب ـ أن نلحظ فيها سمة العصر
الذي وردت فيه (كالنثر المقفّى مثلاً، حيث كان
السجع هو اللغة المسيطرة آنئذ) وأن نلحظ فيها
ـ من جانب ثان ـ سمة اللّغة المشتركة بين
الاجيال كلّها (كالنثر المرسل، وإحكام
العبارة،... إلخ). وأن نلحظ فيها ـ من جانب ثالث
ـ سمة (التفرّد) أو الاعجاز أو الكمال الفنّي
الذي يتخطّى العصور (كالادوات القصصيّة التي
استخدمها القرآن الكريم حيث نجدها متجانسة مع
أحدث التيّارات القصصيّة). وحيث نعرف جميعاً
أنّ هذه الادوات القصصيّة لم يخبرها عصر
النزول، ولا الاعصار الموروثة جميعاً، بل
خبرها العصر الحديث فحسب.

وفي ضوء هذه الحقائق يتعيّن على
الشخصيّة الاسلاميّة أن تتعامل ـ لا أقلّ ـ مع
لغة عصرها من جانب، وأن تعتمد ما هو مشترك بين
الاجيال كلّها من جانب آخر، ويمكنها ـ من
جانب ثالث ـ أن تتخطّى لغة عصرها (في حالة ما
إذا اعتمدت لغة النصوص التشريعيّة واكتشفت
عناصرها المتفرّدة). وإذا كان من المتعذّر أو
غير المهمّ أن تعتمد هذا الجانب، فإنّ
الضرورة تفرض عليها أن تعتمد لغة عصرها لا
أقلّ، مضافاً إلى ما هو مشترك من الادوات
بطبيعة الحال... لذلك، فإنّ الاعتماد على
البلاغة الموروثة لا يسمح لها بممارسة لغة
العصر بقدر ما يسمح لها بالافادة منها في نطاق
ما هو مشترك من القواعد فحسب...

أمّا غالبيّة قواعدها فلا تصلح البتّة
للحياة المعاصرة، للاسباب التي ذكرناها، وفي
مقدّمتها ما نلحظه من العيوب الاتية التي
تطبع البلاغة الموروثة، ومنها:

1 ـ عدم شموليّتها لجميع القواعد،
بمعنى أنّ البلاغة القديمة لم تتناول كلّ
أشكال التعبير من جانب، كما لم تتناول كلّ
قواعده من جانب آخر... فالقصّة ـ على سبيل
المثال ـ مع أنـّها تحتلّ مساحة كبيرة
من نصوص القرآن الكريم ـ لم تتحدّث البلاغة
القديمة عنها حتّى بكلمة واحدة. علماً بأنّ
بعض البلاغيّين يصرّح بأنّ هدفه هو دراسة
الاعجاز الفنّي في القرآن الكريم. فكيف يهمل
أهمّ عناصر الاعجاز وهو القصّة القرآنيّة؟

2 ـ تتّسم البلاغة القديمة بالتناول «الجزئي»
للنصّ بدلاً من التناول «الكلّي» له، بمعنى
أنّ قواعدها تتناول المُفردة أو الجملة أو
الفقرة فحسب، حيث تحصر ذلك في نطاق المسند
والمسند إليه وقيودهما من حيث الذكر والحذف
والتقديم والتأخير والتعريف والتنكير... إلخ،
في «حقل المعاني»، وفي نطاق التشبيه
والاستعارة والكناية... إلخ، في «حقل البيان»،
وفي نطاق المحسّنات اللفظيّة والمعنويّة في «حقل
البديع»، وهي جميعاً لا تتجاوز المفردة أو
الجملة أو الفقرات المحدودة; علماً بأنّ
النصّ الادبيّ لا تنحصر جماليّته في فقرات
أو آيات مستقلّة، بل في كونه جُملاً أو
آيات يرتبط بعضها مع الاخر، ويخضع لهندسة
خاصّة من حيث تنسيق الافكار والمواقف. فمثلاً
لو تناولنا «سورة الكهف» وأخضعناها للتناول
الجزئيّ لَما خرجنا بأكثر من آيات أو جُمل
متناثرة منفصل بعضها عن البعض الاخر على نحو
الاعضاء المنفصلة عن جسم الانسان، كاليد أو
الوجه أو الصدر... لكنّنا لو أخضعناها للتناول
الكلّي لخرجنا بنتيجة اُخرى هي مواجهتنا لنصّ
فنيّ متناسق الاجزاء على نحو التناسق الذي
نلحظه في تركيبة الجسم البشريّ، أو سائر
الاجسام أو الاشكال الطبيعيّة والمُصطنعة.
فالسورة بدأت بطرح فكرة خاصّة، هي نبذ زينة
الحياة الدنيا )إنّا جَعَلْنَا مَا عَلى
الارضِ زينَةً لَها لِنَبْلُوَهُم...( ثمّ
قدّمت قصّة أهل الكهف، لتجسّد لنا مفهوم «نبذ
الزينة» عمليّاً من خلال اللجوء إلى الكهف،
ثمّ طرحت فكرة نبذ الزينة من جديد حينما قالت:
)وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُريدُ
زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنيا( حيث أعقبتها
بقصّة جديدة هي قصّة صاحب الجنّتين الذي
بهرته ـ على عكس أصحاب الكهف ـ زينة الحياة
الدنيا، بحيث ظنّ أنّ جنّتيهِ لن تبيدا
أبداً، بل شكّك حتّى بقيام الساعة. ثمّ تقدّم
النصّ طرح فكرة زينة الحياة الدنيا للمرّة
الثالثة، حينما قال: )المَالُ وَالبَنون
زينَةُ الحَيَاةِ الدُنيا...( بعد ذلك قدّم
قصّتين: إحداهما عن شخصيّة موسى والعالِم،
والاُخرى عن شخصيّة ذي القرنين، حيث جسّد
العالِم شخصيّة مبهمة منعزلة عن الدنيا، وحيث
جسّد ذو القرنين شخصيّة مشهورة ملكت شرق
الارض وغربها، إلاّ أنـّها لم تبهرها زينة
الدُنيا كما بهرت صاحب الجنّتين...

فالمُلاحظ هنا أنّ السورة الكريمة قد
ارتبط بعضها مع الاخر، بحيث لم تُفصل الايات
بعضها عن البعض، كما لم يُفصل نثرها القصصي عن
نثرها غير القصصي، بل تلاحمت جميعاً وفق
تخطيط هندسيٍّ قائم على فكرة «زينة الحياة
الدنيا» بالنحو الذي لحظناه، وهو تخطيط يقابل
بين أشخاص نبذ بعضهم زينة الحياة، وتشبّث
البعض الاخر بها، ويقابل بين أشخاص تملّك
بعضهم مزرعة صغيرة فبهرته، بينما تملّك بعضهم
كلّ بقاع الارض: شرقها وغربها، دون أن تبهره
الزينة المذكورة...

إذاً: كم يتحسّس القارئ جماليّة النصّ
الادبيّ وحيويّته، حينما يتناوله من خلال «الكلّ»
وليس من خلال «الجزء» الذي يطبع البلاغة
القديمة.

3 ـ العيب الثالث الذي يطبع البلاغة
الموروثة هو:

خطأ المفاهيم البلاغيّة ذاتها... فمثلا
نجد في حقل «التشبيه» أنّ البلاغيّين يذكرون
بأنّ «التشبيه البليغ» ـ وهو ما حُذفت منه
أداة الشبه ووجه الشبه ـ أشدّ بلاغة من
التشبيه المقترن بالاداة، وأنّ «تشبيه
التمثيل» ـ وهو ما كان وجه الشبه فيه مُنتزعاً
من أطراف متعدّدة ـ أشدّ بلاغة من غيره... إنّ
أمثلة هذه المعايير فضلاً عن أخطائها
الملحوظة التي تشتمل على التناقض بينها،
تنطوي أيضاً على خطأ المعيار ذاته.

أمّا التناقض فيتمثّل في ذهابهم إلى
أنّ التشبيه الذي حذفت أداته ووجه الشبه فيه
هو أبلغ من غيره، يتناقض مع ذهابهم إلى أنّ
التشبيه الّذي تتعدّد أوجه الشبه فيه هو أبلغ
من غيره، فإذا كان حذف وجه الشبه دلالة على
بلاغته، فكيف يصبح تعدّد وجه الشبه دلالة على
بلاغته أيضاً؟ أليس هذا تناقضاً واضحاً بين
المعايير؟

وأمّا خطأ المعايير ذاتها فيتمثّل في
ذهابهم إلى كون التشبيه الذي حُذفت أداته
ووجه الشبه هو أبلغ من غيره، حيث يترتّب على
ذلك أن تكون تشبيهات القرآن الكريم مثلاً ـ وهي
في الغالب تشتمل على ذكر الاداة ووجه الشبه ـ
أقلّ بلاغة من التشبيهات التي يصوغها البشر،
وهذا هو «الكفر» بعينه ببلاغة القرآن.

وما نلحظه من خطأ المعايير البلاغيّة
الموروثة في ميدان ما يسمّى بـ «علم البيان»
نجده في علمَي «المعاني» و«البديع» أيضاً...
فلو وقفنا ـ على سبيل المثال ـ عند معايير «السجع»
لَلَحظنا أنّ البلاغيّين يزعمون بأنّ أحسن
السجع ما تساوت عبارته، ثمّ ما طالت عبارته
الثانيّة، ثمّ ما طالت عبارته الثالثة، ولا
يحسن عكس ذلك... ويعلّلون ذلك بتعليل يفتقر إلى
معرفة أبسط المبادئ النفسيّة، حيث يدّعون
بأنّ السامع إذا واجه عبارة أقصر من الاُولى;
يكون متعثّراً أو مبتوراً...

ترى: هل أنّ قوانين الادراك البشري وما
يُواكبها من قوانين الاستجابة تؤيّد مثل هذه
المزاعم التي ينثرها البلاغيّون، دون أن
يلمّوا بمبادئ الادراك البشريّ وطرائقه...؟!

أصحيح أنّ استجابة الانسان لجمال
العبارة ينحصر في مواجهته لعبارة قصيرة، ثمّ
لعبارة تكبر عن الاُولى، ثمّ لعبارة تكبر
عنهما... إلخ؟.

إنّ أمثلة هذه المبادئ ـ فضلاً عن
كونها لا تتّسق مع قوانين الادراك البشريّ،
حيث إنّ هذه القوانين تُخضع كلّ شيء للسياق;
بحيث تصحّ القاعدة التي ذكرها البلاغيّون في
سياق خاصّ، ولا تصحّ في سياق آخر حيث يكون
العكس هو الصحيح ـ... أقول: إنّ معايير
البلاغيّين المُشار إليها ـ فضلاً عن كونها
منافيةً لابسط مبادئ الذوق الفنّي ـ فإنّها
مخالفة لبلاغة القرآن الكريم ذاته... فكم من
عبارات مسجوعة، تبدأ طويلةً ثمّ تقصر، أو
تبدأ قصيرةً ثمّ تطول، ثمّ تقصر من جديد، أو
تتوازن حيناً، وتتأرجح بين الطول والقصر
حيناً ثالثاً، وهكذا بالنحو الذي سنلحظه عند
حديثنا عن «العنصر» في البلاغة...

إذاً: إنّ أمثلة هذه المعايير تظلّ
منافيةً لمبادئ المعرفة، ولبلاغة القرآن
ذاته. حينئذ هل يصحّ أن نعتمد على هذه
المعايير المنحرفة عن القرآن وبلاغته في حقل
البلاغة القديمة؟

إنّ هذه العيوب ونظائرها تشكّل
مسوّغاً لاعادة النظر في البلاغة الموروثة
ومحاولة صياغتها من جديد، في ضوء النصوص
الشرعيّة بصفتها نصوصاً إعجازيّة «القرآن
الكريم» وكماليّة «السنّة» تخطّت حدود الزمن
من جانب، وتضمّنت المشترك من القواعد من جانب
آخر، وهو أمر قد اضطلع الكتاب الجديد «البلاغة
الجديدة في ضوء المنهج الاسلامي» بصياغته وفق
«تمهيد» و«فصول» تنتظم فيها القواعد المشار
إليها.

أمّا «التمهيد» فقد تناول علاقة
البلاغة بالادب، بصفة أنّ البلاغة تشكّل
القواعد أو المبادئ التي يتوكّأ الادب أو
الفنّ عليها، حيث تَوفَّر الكتاب على التعريف
بالادب من حيث أدواته ومادّته وعناصره.

أمّا أدواته فقد عُني بها الادوات
الادراكية أو الذهنيّة التي يتعامل معها
النصّ، وهي: العقل، العاطفة، التخيّل.

وأمّا مادّته فقد عُني بها الموادّ
الخام التي يتعامل معها النصّ، وهي:
الشخصيّات، الحوادث، البيئات، القيَم.

وأمّا عناصره فقد عُني بها العناصر
التي تكوّن بمجموعها هيكل النصّ الادبي، وهي
ما تُفرز ـ في الواقع ـ مجموعة المبادئ أو
القواعد التي تكتسب صفة «البلاغة» عندما تخضع
لصياغة خاصّة من التعبير الفنّي.

لذلك فإنّ فصول الكتاب قد اعتمدت هذه
العناصر في التصنيف البلاغي نظراً للارتباط
الوثيق بين التصنيف الاتي لقواعد البلاغة،
وبين مجموعة العناصر التي يتألّف النصّ
الادبي منها، فجاءت فصوله على هذا النحو:

العنصر الفكري ـ العنصر الموضوعي ـ
العنصر المعنوي ـ العنصر الصُوَري ـ العنصر
اللفظي ـ العنصر الايقاعي ـ العنصر البنائي ـ
العنصر الشكلي.

والمسوّغ الفنّي لهذا التصنيف
البلاغي هو: أنّ كلّ نصٍّ أدبيّ لا بدّ أن
يتضمّن أوّلاً «هدفاً» أو «فكرةً» خاصّةً من
وراء صياغته. فسورة الفيل ـ مثلاً ـ تتضمّن «فكرة»
هي: أنّ اللّه تعالى يقف بالمرصاد لكلّ من
تُسوّل له نفسه التعرّض بالسوء للبيت الحرام.
وكلّ فكرة تخضع لمبادئ فنيّة: كالانتخاب
والتحديد والوحدة والتنوّع... إلخ، وهذا ما
ينتظم في فصل خاصٍّ هو «العنصر الفكري».

وإذا تجاوزنا «فكرة» النصّ وجدنا أنّ
هذه الفكرة تحتاج إلى «موضوعات» تجسّدها،
بحيث تصبح محوراً لها، بمعنى أنّ النصّ
الادبيّ لا بدّ أن يتضمّن موضوعاً يجسّد
الفكرة التي يستهدفها، وهذا ما يتمثّل ـ في
نموذج سورة الفيل ـ في حادثة الفيل وجنود
الطير والمعركة، فيما تشكّل «الموضوع» الذي
طرحه النصّ وجعله محوراً للفكرة التي
استهدفها. والموضوع بدوره يخضع لمبادئ فنيّة
كالانتخاب والتعدّد والوحدة وتحديد الشخصيّة
والحدث والبيئة والموقف... إلخ، وهذا ما ينتظم
في فصل خاصّ هو «العنصر الموضوعي». و«الموضوع»
ـ كما هو واضح ـ لا بدّ أن يتضمّن دلالات أو
معانيَ تترتَّب في الذهن وفق طريقة خاصّة
كالاجمال والتفصيل، والتقديم والتأخير،
والاثبات والنفي... إلخ. وهذا ما ينتظم في فصل
خاصٍّ هو «العنصر المعنوي».

والمعاني أو الدلالات قد تصاغ بنحو
مباشر وقد تصاغ بنحو غير مباشر ـ وهذا ما
يميّز النصّ الادبي في الغالب ـ حيث تعتمد
عنصر «التخيّل» في إحداثه لعلاقات جديدة بين
الاشياء، وهذا كالتشبيه والاستعارة والتمثيل
والتقرير والرمز... إلخ، وهذا ما ينتظم في فصل
خاص هو «العنصر الصُوَري».

هذه العناصر أو الفصول الاربعة ترتبط
بـ «مضمون» النصّ الادبيّ: فكرةً وموضوعاً
ومعنىً وتخيّلاً...

وهناك أيضاً عناصر أربعة لكنّها ترتبط
بـ «شكل» النصّ الادبي، وهي: العنصر اللفظي،
العنصر الايقاعي، العنصر البنائي، العنصر
الشكلي.

أمّا العنصر اللفظي فيُقصد به صياغة
الالفاظ من حيث كونها «مفردات» أو «مركّبات»
ذات صياغة خاصّة، ومن حيث كونها أدوات معبّرة
عن دلالة محددّة بها ينبغي أن تخضع لقواعد
بلاغيّة مثل: إلفة العبارة وإشراقها
وإحكامها، ومثل العبارة السرديّة والعبارة
الحواريّة... إلخ.

وأمّا العنصر الايقاعي فيُقصد به كلّ
ما يتناول التنظيم الصوتي للعبارة، مثل:
القافية والوزن والفاصلة والتجنيس والتوازن...
إلخ.

وأمّا العنصر البنائي فيُقصد به كلّ
ما يتناول عمارة النصّ من حيث صلة أجزائه
بعضها مع البعض الاخر، كالبداية والوسط
والنهاية، وصلة كلّ عبارة بما تقدّمها وتأخّر
عنها، وصلة الموضوعات بعضها مع الاخر، ثمّ
صلة العناصر: كالصورة والايقاع ونحوهما مع
بعضها أو مع الهيكل العامّ للنصّ الادبي، حيث
سبق القول بأنّ هذا العنصر يُعدّ من أهمّ
المبادئ البلاغية التي أهملتها البلاغة
القديمة، وركّزت البلاغة المعاصرة عليها.

وأمّا الفصل الاخير فيتناول «العنصر
الشكلي»، ويُقصد به المظهر الخارجي للنصّ،
حيث أنّ النصّ الادبي قد يكون سورة أو حديثاً
أو خطبةً أو خاطرةً أو مقالةً أو قصّةً أو
مسرحيّةً أو... إلخ، وحيث أنّ لكلٍّ من هذه
الاشكال قواعدها البلاغية الخاصّة بها.

وفي ضوء هذا التصنيف الجديد للقواعد
البلاغيّة يمكننا أن نتبيّن مدى الفارق بين
البلاغة القديمة وبين البلاغة الجديدة:
فالبلاغة القديمة لا تتناول من عناصر النصّ
الادبي إلاّ عنصرين رئيسيّين هما «العنصر
المعنوي» و«العنصر الصُوَري» حيث أطلقت
عليهما مصطلحَي «المعاني» و«البيان»، بينما
أهملت العناصر «الفكريّة» و«الموضوعيّة» و«الشكليّة»
و«البنائيّة»، وجعلت «العنصر الايقاعي»
جزءاً ممّا أطلقت عليه مصطلح «البديع»، وحيث
حشدت فيه خليطاً مشوّشاً من العناصر
الصُوَريّة والايقاعيّة والمعنويّة،
وجعلتها مجرّد أدوات لتزيين النصّ الادبي، مع
أنّ هذه العناصر لها استقلاليّتها وأهميّتها
بالنحو الذي سيتّضح تماماً عندما يدقّق
القارئ في التصنيف الجديد للقواعد البلاغيّة
التي توفّر عليها كتاب «البلاغة الجديدة في
ضوء المنهج الاسلامي».


/ 1