دراسات - أمر بالمعروف و النهی عن المنکر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أمر بالمعروف و النهی عن المنکر - نسخه متنی

مصطفی قصیر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسات

الامر بالمعروف و النهي عن المنكر

* الشيخ
مصطفى قصير
( لبنان )

قال تعالى في محكم كتابه:

(والمؤمنون والمؤمنات بعضُهم أولياءُ
بعض يأمرون بالمعروفِ ويَنْهَوْنَ عن
المنكرِ ويقيمونَ الصلاة ويؤتون الزكاة
ويطيعون اللّه ورسوله أولئك سيرحمهم اللّه إن
اللّه عزيز حكيم)([1])
.

وروي عن الامام أبي جعفر الباقر(عليه
السلام) أنه قال في حديث له :

« إن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
سبيل الانبياء ومنهاج الصلحاء ، فريضة عظيمة
بها تقام الفرائض ، وتأمن المذاهب ، وتحلّ
المكاسب ، وتردّ المظالم ، وتعمّر الارض ،
وينتصف من الاعداء ، ويستقيم الامر ، فأنكروا
بقلوبكم ، والفظوا بألسنتكم ، وصكّوا بها
جباههم ، ولا تخافوا في اللّه لومة لائم ...»([2])
.

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) في
حديث عن فريضة الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر :

« ... إذا أدّيت وأقيمت استقامت الفرائض
كلها هيّنها وصعبها ، وذلك أن الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر دعاء إلى الاسلام مع ردّ
المظالم ومخالفة الظالم ، وقسمة الفيء
والغنائم ، وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها
في حقها »([3])
.

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من
أهم الواجبات والتكاليف الشرعية التي نصّ
عليها القرآن الكريم ، وأكّدتها السنة
الشريفة ، وحثّ عليها أئمة أهل البيت(عليهم
السلام) . هذه الفريضة المهمة تعد ضمانة لحفظ
الدين من الضياع ، وصيانة المجتمع الاسلامي
من الفساد والانحراف .

وقد جعلها اللّه سبحانه وتعالى في
عاتق كل فرد من أفراد المجتمع الاسلامي بما
يتناسب مع موقعه وقدرته ، لتشكّل حالةً من
التكافل الاجتماعي في المجال التربوي
والاخلاقي ، على غرار التكافل الاجتماعي في
المجال الاقتصادي والمعاشي ، الذي وضعت له
الشريعة الاسلامية سلسلة من الاحكام
والقوانين .

وفي العصر الحاضر ونتيجة للتطور
الحضاري السريع الذي عمّ العالم أجمع ،
نجد أن وسائل التأثير الثقافي والتربوي قد
تطورت أيضاً ، وتصاعدت بذلك قدرة زعماء الكفر
وروّاد الفساد على بثّ سمومهم وأفكارهم
المنحرفة ، وإيصالها إلى كل مكان ، مستخدمين
أكثر الوسائل الشيطانية اغراءً وايحاءً .

أضف إلى ذلك السيطرة السياسية التي
تمهّد الارضية الملائمة لنشر الفساد وزرع
بذور التفكّك الخلقي ، بحيث يمكن أن يقال أن
مهمّة الانبياء والشرائع السماوية تتعرّض
اليوم لاعتى الحروب وأشرسها وبوسائل وأسلحة
حديثة وفتّاكة .

من أجل هذا كان علينا ـ نحن المسلمين ـ
أن نفكر بتطوير أدواتنا ، وشحذ أسلحتنا ،
وزيادة استعدادنا لخوض هذه الحرب بكامل
القدرات والامكانيات ، وترك التواكل .

والشريعة الاسلامية الغرّاء التي
تهدف إلى كمال الانسانية وتنظيم شؤون البشر ،
لها عناية خاصة بإصلاح الفرد عن طريق الرقابة
والمحاسبة النفسية ، فتعتمد على قدرة الانسان
على التحكّم بقواه الشهوانية وغرائزه
الحيوانية بما أوتي من عقل وقوة مدركة ،
ومجموعة الاحكام والتعاليم التي تُعنى بهذا
الجانب الاصلاحي اُطلق عليها اسم : جهاد النفس
، والجهاد الاكبر .

كما أن للشريعة الاسلامية عناية اُخرى
تخصّ حالة الاصلاح من خارج النفس ، عن
طريق الغير ، اُطلق عليها اسم : الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهي وظيفة
الانسان تجاه بني جنسه ومجتمعه ، ويمكن أن
نقول أنها وظيفة تحمّل الفرد مسؤولية إصلاح
المجتمع ومراقبته ، كما حمّلته مسؤولية إصلاح
نفسه ومراقبتها في مرتبة سابقة .

والقرآن الكريم يحكي لنا وصايا لقمان
لابنه وهو يعظه ، ومن جملتها :

(يابنيّ أقم الصلاةَ وامر بالمَعروفِ
وانهَ عن المنكرِ واصبرْ على ما أصابكَ إنّ
ذلكَ منْ عزمِ الامورِ)([4])
.

فجعل الامر بالمعروف بعد إقامة الصلاة
، لان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فهي
من أبواب صلاح النفس ، والامر بالمعروف
مسؤولية إصلاح المجتمع ، وهذا الترتيب طبيعي
جداً ، النفس ثم الغير .

وعن علي(عليه السلام) أنه قال : «
وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه ، فإنما أُمرتم
بالنهي بعد التناهي »([5]) .

وقال(عليه السلام) : « لا تكن ممّن ينهى
ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي »([6])
.

وقال(عليه السلام) : « لعن اللّه
الامرين بالمعروف التاركين له والناهين عن
المنكر العاملين به »([7]) .

الاسلوب العملي للامر بالمعروف :

وعلى ضوء ذلك تتبيّن أهمية الالتزام
العملي بالمعروف ، حتى أنه في كثير من الاحيان
يكون نفس الالتزام العملي كافياً في دعوة
الاخرين إلى العمل بالمعروف وترك المنكر ،
فكيف به إذا اقترن بالقول ؟ نعم يمكن أن نعمّم
مفهوم «الامر» إلى ما هو أوسع دائرة من الامر
القولي ، فإنه وإن كان ظاهر الامر اختصاصه
بالقول ، لكن باعتبار أن الغرض من ذلك تحقيق
الالتزام بالمعروف والاتيان به من قبل
المأمور ، ترتفع خصوصية الامر القولي ،
ويتعدّى ملاك الحكم إلى كل اُسلوب من أساليب
الدعوة إلى المعروف والزجر عن المنكر . فربما
تكون الممارسة العملية من أفضل وسائل نشر
المعروف ، كما هو الحال بالنسبة لنشر المنكر
والفساد .

فللمارسة العملية إذن دوران مهمّان ،
دور باعتبارها إحدى وسائل وأساليب الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، ودور باعتبارها
أحد شروط تأثير الدعوة اللفظية للمعروف .

ومن الطبيعي جداً أن لا يجد الداعية أي
نتائج عمليّة في نشاطه التبليغي والتربوي ،
إذا كان شخصياً ممن يتسامح عملياً بالتزاماته
، ولا يدعم نظرياته بالتطبيق ، ولا يتقيّد
بالتناهي عن المنكرات . ولعل أميرالمؤمنين(عليه
السلام) أراد الاشارة إلى هذا الامر في خطبته
التي يقول فيها :

« أيها الناس ، إني واللّه ما أحثّكم
على طاعة إلاّ وأسبقكم إليها ، ولا أنهاكم عن
معصية إلاّ وأتناهى قبلكم عنها »([8])
.

وهذه نقطة جديرة بالاهتمام والوقوف
عندها ، بالنسبة لمؤسساتنا المتصدّية للدعوة
والتبليغ والامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فمن الضروري جداً التأكيد على عناصر هذه
الاجهزة بأن يتقيّدوا بدقّة بالاحكام
الشرعية ، والقوانين الموضوعة من قبل الدولة
الاسلاميّة ، ليكونوا مثالاً يُقتدى به من
جهة ، ولتصدّق أعمالُهم أقوالَهم فيما لو
طلبوا من الاخرين التقيّد بها .

وفي رواية عن أبي عبداللّه الصادق(عليه
السلام) يخاطب فيها شيعته فيقول :

« كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ;
ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير ،
فإن ذلك داعية »([9])
.

والمقصود من قوله : بغير ألسنتكم : أي
بجوارحكم وأعمالكم . وقريب من هذا المعنى قوله(عليه
السلام) :

« رحم اللّه قوماً كانوا سراجاً
ومناراً ، كانوا دعاة إلينا بأعمالهم ومجهود

طاقتهم ... »([10])
.

ساحة الامر بالمعروف :

للامر بالمعروف والنهي عن المنكر
ساحتان ، تتطلّب كلّ منهما من الادوات
والاساليب والمخطّطات ما يغاير الاُخرى :

الساحة الاُولى : داخلية ، ونعني بها
ساحة المجتمع الاسلامي ، المجتمع الذي يغلب
عليه الالتزام بالدين عقيدة وشريعة .
والتركيز هنا يكون على حفظ المجتمع من
الانحراف ، وتحصينه ضد المفاسد الخلقية
والاجتماعية ، وتعميق ثقافته ووعيه بما يكفل
استمرار المسيرة وتحقيق أهداف الشريعة .

وفي هذه الساحة تارة يكون ترك المعروف
وارتكاب المنكر حالة فرديّة فيعمل على
إصلاحها ، واُخرى يكون ذلك حالة جماعيّة
منظّمة فتتطلّب مواجهة منظمة أيضاً ، وقدرات
مجتمعة وقيادة . وإذا اُطلق على هذه المواجهة
اسم الجهاد ، فلا يمنع ذلك من كونه بعض
أساليب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
فإنّ الجهاد يتميز باعتماد القوة والسيف في
معالجة الانحرافات الجماعيّة . وسيأتي أن بعض
مراتب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر :
التغيير باليد المنطبق على الجهاد ، وغيره من
الاساليب التي تعتمد القوة . نعم هذا النوع له
شروط وأحكام خاصة تغاير النوع الاول ، وسيأتي
الحديث عنه تفصيلاً إن شاء اللّه .

الساحة الثانية : خارجية ، ونعني بها
المجتمعات غير المسلمة ، التي لها على عاتق
المسلمين الرساليين حق التبليغ والدعوة إلى
الدين ، وتعريفها الاسلام ومعارفه ونظامه ،
بما يتيح لها فرصة الاستنارة بنوره والاهتداء
بهديه ، والدخول تحت ظلّه .

الارشاد والتبليغ :

ربما خصّ الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر في الساحة الثانية المذكورة باسم :
التبليغ أو الدعوة أو الارشاد ، وهذا يبنى على
اساس أن ذلك منحصر في تعريفهم بالدين ،
باعتبار أن الامر بالمعروف يتوقف على أن يكون
المأمور عارفاً بالمعروف والمنكر ، وهو هنا
ونتيجة لجهله بأحكام الدين لا يعرف المعروف
ولا المنكر . فلابدّ أولاً من إرشاده إليه ،
فإذا عرفه ولم يتقيّد به صار مورداً للامر
بالمعروف . وهذا صحيح ، بل ربما يفرّق بين
الارشاد إلى المعروف والامر بالمعروف في
المجتمع الاسلامي أيضاً ، إلاّ أن العمل في
الساحة غير الاسلامية لا ينحصر
بتعريفهم بالدين ، فكثيراً ما يكون المعروف
عند المسلمين معروفاً عند غيرهم ، والمنكر
كذلك . كالسرقة التي يستقبحها العقل فضلاً عن
الشرائع ، وكالكذب الذي يعتبره جميع البشر
منكراً ، وغير ذلك من الزنى والقتل والظلم
والجور والاخلال بالعهود والعقود ... إلخ .
فالنهي عن مثل هذه المنكرات يدخل في إطار هذه
الفريضة ، ويمكن بذلك تعديتها إلى المجتمعات
غير الاسلامية ، مع قطع النظر عن دعوتهم إلى
الاسلام وإرشادهم إلى تعاليمه القيّمة . وقد
يستفاد من بعض الاخبار انطباق عنوان الامر
بالمعروف على إرشاد الجاهل أيضاً ، فقد روي عن
الصادق(عليه السلام) أنه قال : « إنما يؤمر
بالمعروف مؤمن فيتّعظ ، أو جاهل فيتعلّم ،
فأما صاحب سوط وسيف فلا »([11]) .

* * *

شرائط هذه الفريضة :

ذكر الفقهاء شروط وجوب الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر كما يلي :

1 ـ معرفة الامر والناهي بالمعروف
والمنكر ، فلا يجب على الجاهل بهما . ولم
يفرّقوا بين العلم الحاصل عن اجتهاد أو عن
تقليد .

روي عن أبي عبداللّه الصادق(عليه
السلام) أنه قال : « إنما يأمر بالمعروف وينهى
عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال : عالمٌ بما
يأمر عالم بما ينهى ، عادلٌ فيما يأمر عادلٌ
فيما ينهى ، رفيق بما يأمر رفيق بما
ينهى »([12])
.

وسئل الامام الصادق(عليه السلام) عن
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر : أواجبٌ هو
على الامة جميعاً ؟ قال : لا ، فقيل : ولم ؟ قال :
« إنما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف
من المنكر ، لا على الضعفة الذين لا يهتدون
سبيلاً إلى أيّ من أيّ ، يقول : إلى الحق أم إلى
الباطل »([13])
.

2 ـ احتمال التأثير ، فلو علم أو اطمأن
أن أمره أو نهيه لن يترك أثراً ولو بضميمة
المؤثّرات الاخرى لم يجب عليه ذلك . ولا ينحصر
التأثير المطلوب بتحقّقه مباشرة ، وبسبب أمره
أو نهيه مستقلاً ، بل يدخل فيه مالو كان
مؤثّراً بانضمام أمر الاخرين ونهيهم ، أو
بتكرار ذلك ، أو كان يؤثّر بعد زمن .

أما مع اليأس من التأثير فلا يجب الامر
ولا النهي ، ويشير إليه ما تقدّم عن الصادق(عليه
السلام) في قوله : « فأما صاحب سوط وسيف فلا » .

إذ إنه كثيراً ما ينعدم احتمال
التأثير مع أمثال هؤلاء ، لان صاحب السلطة
مغرور إلاّ من التزم الحقّ واتّبعه .

وقد سئل الصادق(عليه السلام) عن قول
الرسول(صلى الله عليه وآله) : « إن أفضل الجهاد
كلمة عدل عند إمام جائر ، ما معناه ؟ قال : هذا
على أن يأمره بعد معرفته وهو مع ذلك يقبل منه

وإلاّ فلا »([14])
.

3 ـ أن يكون العاصي مصرّاً على
الاستمرار ، فلو علم منه الترك سقط الوجوب ،
باعتبار أن الغرض من النهي عن المنكر تحقّق
الترك ، وقد حصل ، فيكون فعله تحصيلاً للحاصل
ولغواً ، وربما أثّر سلباً فكان تركه أولى ،
وكذلك في جانب فعل المعروف .

4 ـ أن لا يكون في الامر بالمعروف أو
النهي عن المنكر مفسدة أهم من فوت المعروف أو
مفسدة المنكر ، فبحسب قاعدة التزاحم تسقط
فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
والمفسدة الاهم تارة تكون على الامر الناهي ،
كما لو كان ذلك يؤدّي لتوجّه ضرر معتدّ به على
نفسه أو عرضه أو ماله المعتد به ، وتارة تكون
على غيره كما لو انعكس الامر بالضرر على قومه
وأصحابه وأتباعه ، أو على مذهبه ودينه ،
فعند ذلك يسقط الوجوب بل ربما حرم .

وهذا إنما يتصوّر في الموارد التي
يكون فيها المعروف والمنكر دون المفسدة أهمية
كما وضّحنا . أما الموارد التي يعلم اهتمام
الشريعة المقدّسة بها ، كحفظ النفوس المحترمة
ونواميسهم ، وحفظ آثار الاسلام وشعائره
الكبرى ، وأمثال ذلك مما يرخص في مقابله
الغالي ويهون النفيس حتى لو كان مالاً أو
نفساً ، فلابدّ من البذل والتضحية في سبيل ذلك
.

ومن الموارد المهمة في نظر الشريعة
المقدسة ظهور البدع المؤدية إلى هتك الاسلام
وزعزعة عقائد المسلمين ، فلا يجوز في مثل هذه
الموارد سكوت أهل العلم والزعامة المذهبية ،
بل يتعين عليهم التصدّي لاظهار الحق وفضح
البدع ، ولو علم عدم التأثير على أهل تلك
البدع ، لان المقصود الحيلولة دون انخداع
العوام وضعفة العقول بها ، إذا لم يمكن محوها
وإزالتها .

دائرة الامر والنهي بين الحاكم
والامة :

روي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
أنه قال : « لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن
المنكر أو ليعمّكم اللّه بعذاب » ثم قال : « من
رآى منكراً فلينكره بيده إن استطاع ، فإن لم
يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، فحسبه
أن يعلم اللّه من قلبه أنه لذلك كاره »([15])
.

وعن علي(عليه السلام) قال : « أيها
المؤمنون ، إنه من رآى عدواناً يعمل به ،
ومنكراً يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ
، ومن أنكره بلسانه فقد أجر وهو أفضل من صاحبه
، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة اللّه العليا
وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل
الهدى ، وقام على الطريق ونوّر في قلبه اليقين
»([16])
.

وتبعاً لمثل هذه النصوص قسّم الفقهاء
مراتب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى
ثلاثة ، ينتقل إلى المرتبة اللاحقة عند العجز
عن المرتبة السابقة ، وكل مرتبة من المراتب
الثلاثة لها مراتب من حيث الشدّة والضعف بما
يتناسب مع الموضوع . وهذا الترتيب طبيعي جداً
، بعد أن فرضنا أنّ كل فرد في المجتمع مسؤول عن
صلاح المجتمع الاسلامي وسلامته ، وبعد أن
فرضنا أن التكاليف الشرعية منوطة بالقدرة
وأنها تسقط بالعجز .

إلاّ أن بعض مراتب الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر تحتاج إلى تنظيم وإدارة
وإشراف من قبل المتولّي لشؤون المسلمين ، لان
إطلاقها وترك أمرها لعامّة المسلمين يؤدّي
إلى الوقوع في مفاسد كبرى أشدّ خطراً على
المجتمع من خطر المنكر وترك المعروف .

قال الشيخ المفيد : «إلانكار باليد
بالقتل والجراح لا يكون إلاّ بإذن السلطان
المنصوب لتدبير الانام ، فإن فقد الاذن بذلك
لم يكن له إلاّ بما يقع بالقلب واللّسان
وباليد ، ما لم يؤدّ إلى سفك الدماء ، وما
تولّد من ذلك من إخافة المؤمنين على أنفسهم
والفساد في الدين ... أما إقامة الحدود فهو إلى
سلطان الاسلام المنصوب »([17])
.

وقال الشيخ الطوسي : « وإنكار المنكر
يكون بالانواع الثلاثة التي ذكرناها ، فأما
باليد ، فهو أن يؤدّب فاعله بضرب من التأديب ،
إما الجراح أو الالم أو الضرب ، غير أن ذلك
مشروط بالاذن من جهة السلطان ، حسب ما قدّمناه
، فمتى فقد الاذن من جهته اقتصر على الانكار
باللسان والقلب »([18])
.

وقال الشيخ سلار الديلمي : « فأما
القتل والجراح في الانكار فإلى السلطان أو من
يأمره السلطان ، فإن تعذّر الامر لمانع فقد
فوّضوا(عليهم السلام) إلى الفقهاء إقامة
الحدود والاحكام بين الناس »([19])
.

وهكذا باقي الفقهاء حتى زماننا هذا .
يقول الامام الخميني(رضوان اللّه عليه) : «لو
لم يحصل المطلوب إلاّ بالضرب والايلام
فالظاهر جوازهما مراعياً للايسر فالايسر ،
والاسهل فالاسهل . وينبغي الاستيذان من
الفقيه الجامع للشرائط ، بل ينبغي ذلك في
الحبس والتحريج ونحوهما . ولو كان الانكار
موجباً للجرّ إلى الجرح أو القتل فلا يجوز
إلاّ بإذن الامام(عليه السلام) على الاقوى ،
وقام في هذا الزمان الفقيه الجامع للشرائط
مقامه مع حصول الشرائط »([20])
.

نعم لابدّ من استثناء المنكرات التي
يعلم أن الشارع المقدّس لا يرضى بوجودها
مطلقاً ، كقتل النفس المحترمة ، والاعتداء
على الاعراض ، وماشابه ذلك . ففي هذه الموارد
يمكن القول بعدم توقّف دفعها على إذن الامام ،
ولو استوجب الجرح بل القتل ، فلو توقف دفع
القاتل على قتله فإن الاقدام على ذلك لا يحتاج
إلى إذن من الامام ومن يقوم مقامه .

وظاهر كلمات الفقهاء أعلى اللّه
مقاماتهم أن التدرج في المراتب من الانكار
بالقلب إلى اللسان ثم إلى اليد ، فينتقل إلى
المرتبة العليا عند عدم تأثير المرتبة الدنيا
. وظاهر بعض الاخبار أن الفريضة تبدأ بالمرتبة
العليا ، ولا ينتقل إلى السفلى إلاّ عند عدم
القدرة . كما في الرواية الواردة عن رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) : « من رأى منكم
منكراً فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه
، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان »([21]) .

وما تقدم أيضاً عن علي(عليه السلام) في
قصار حكم نهج البلاغة .

وعلى أي حال ، فإن الفقهاء نظروا إلى
مراتب التأثير ، والروايات المشار إليها
ناظرة إلى مراتب القدرة والاستطاعة ، وهما
أمران متغايران . نعم ، ربما يقال بأن المرتبة
السفلى إذا كانت فاقدة للتأثير ، والمرتبة
العليا يعجز عنها المكلّف سقطت الفريضة
وارتفع التكليف ، وأما إذا كانت المرتبة
السفلى مؤثّرة في رفع المنكر ، فلا يحق
للمكلّف اللجوء إلى المرتبة العليا ، وإن كان
قادراً عليها. وهذا الاخير هو الفرض الذي
التزم به الفقهاء ، وعليه فلا يبقى للروايات
الاخيرة موردٌ يعمل به .

والذي تقتضيه مناسبات الحكم والموضوع
أن الغرض المطلوب للشارع المقدّس هو تغيير
المنكر ونشر المعروف بين الناس ، فلابدّ من
ملاحظة الوسائل المحققة لذلك ، ولا شكّ بأن
الكثير من الوسائل تتضمّن تعدّياً على حرية
الاخرين ، فلابدّ من الاقتصار على الحدّ
الادنى الذي يفي بالمطلوب ، إذ إن الزائد يكون
تجاوزاً للحدود التي وضعها الشارع المقدّس
دون مبرّر .

ومن هنا فإن التقسيم الذي ذكره
الفقهاء قد لا يكون دقيقاً في بعض الحالات ،
وإن كان بالجملة صحيحاً . لان إنكار المنكر
يعتمد على الاسلوب الانسب . وبعض الاساليب
التي تدخل تحت الانكار بالقلب بحسب تقسيمهم
تكون أشد إيذاءً من الاساليب التي تدخل تحت
الانكار باللسان . فإن المقاطعة والمقابلة
بالوجوه المكفهرّة عند بعض شرائح المجتمع
أشدّ تأثيراً وقسوة من النصيحة الكلامية .
وعلى هذا فلابدّ لنا من دراسة فنّ التأثير
ومعرفة العوامل النفسية والتربوية المؤثّرة
في كل شريحة من شرائح المجتمع . ولا يمكن أن
نسوق الناس جميعاً بعصى واحدة ، ونطبّق عليهم
نظاماً واحداً في هذا المورد . ولعلّ الشريعة
الاسلامية الغرّاء قد راعت هذه النقطة في
قانون العقوبات ، فضلاً عن فريضة الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، التي لم يحدّد
لها اُسلوب خاص . فنحن نجد أن التعزيرات تركت
إلى نظر القضاة ، ليختار القاضي مايراه
مناسباً في ردع المتجاوزين للحدود الشرعية كل
بحسبه . فإن الغرض منها التأديب ، وقد يحصل
بسوط واحد ، وقد لا يتحقق إلاّ بخمسين ، وربما
اكتفى البعض بالكلمة فلا داعي للسوط .

فأساليب الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر بطبيعتها لا ترتكز على ثوابت، وإنما
على قواعد كلية عبّرت عنها الروايات باليد
واللسان والقلب . وسيأتي مزيد بيان لهذه
الاُمور .

والخلاصة : أنه لابدّ من التأكيد على
أن كل مسلم في المجتمع الاسلامي يمتلك دوراً
مهماً في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
بحسب الموقع الذي يشغله ، والادوات التي
يمتلكها . ولا يمكن لاحد أن يدّعي خروجه عن تلك
الدائرة ، وأنه لا يتمكّن من أداء دور ما .
طبعاً لا نريد هنا أن نوكل إلى عوام الناس
ومستضعفيهم مهمات تتجاوز حدود إمكاناتهم ،
وإنما نريد أن نقول أن كل فرد وإن كان من عوام
الناس يمتلك قدرة ويمتلك مؤهّلات محدودة
تمكّنه من المشاركة في هذه المسؤولية ،
وتقديم خدمة ما تشكّل رقماً معيناً إذا ضمّ
إلى غيره من الارقام ، ويمتلك يداً إذا ضمّت
إلى غيرها من الايدي تكوّنت قوة هائلة يمكنها
صيانة المجتمع ومقاومة الفساد والانحراف .

ليس لاحد أن يدّعي أن ذلك مسؤولية
أجهزة الدولة فحسب . وإن كان لتلك الاجهزة
الحظ الاوفى ، إلاّ أن عامة الناس يشكّلون
سدّاً منيعاً أمام المعاصي والانحرافات ،
ويشكّلون دعامة قوية للمسؤولين والقضاة إذا
وعوا دورهم ومسؤوليتهم .

أجهزة الدولة الرئيسية المؤثرة في
هذه الفريضة :

1 ـ جهاز التربية والتعليم الذي يمارس
أقدس مهمّة ، وهي تربية الاجيال الصاعدة وزرع
الصلاح والخير في نفوسهم ، وتنشئتهم على
التمسّك بالاسلام نظرياً وعملياً بشكل واع .

2 ـ جهاز القضاء الذي يؤدّي وظيفة حفظ
الحقوق العامة والخاصّة ، وفضّ النزاعات ،
والحيلولة دون التجاوزات ، وإصدار الاحكام
ضدّ المجرمين والمفسدين والمعتدين .

3 ـ جهاز الامن الداخلي بجميع شعبه
وأقسامه ، الذي يؤدّي دور الحراسة وتنفيذ
مهمات وأحكام جهاز القضاء ، ولوجوده أكبر
الاثر في منع التجاوزات وحفظ النظام .

4 ـ جهاز التشريع وسنّ القوانين
والانظمة التي تتكفّل بالحدّ من الفرص
المتاحة أمام المجرمين والمفسدين لممارسة
نشاطاتهم .

5 ـ أجهزة الاعلام المختلفة التي
يمكنها أن تقوم بدور حسّاس في هذا المجال عن
طريق بثّ الوعي وزرع الفضيلة في وجدان عامة
الناس ، مستخدمة الاساليب الفنية والاعلامية
المتطوّرة والمؤثّرة .

6 ـ أضف إلى كل ذلك ما يمكن للدولة أن
تستحدثه من أجهزة ومؤسسات مؤثّرة في هذا
المجال ، وربما كان من الضروري تشكيل مؤسسة
تتبنّى دراسة الوسائل ووضع الخطط المناسبة
لتنفيذ هذه الوظيفة بشكل فعّال ومؤثّر .

هذا كله في الدولة التي تعتمد النظام
الاسلامي وتقيم أجهزتها على أساسه، بحيث يمكن
لهذه الاجهزة والمؤسسات أن تؤدي دورها
المطلوب في هذا المجال ، أما الدولة
العلمانية فهي خارجة عن اطار ماذكر في هذا
المقطع ، ولابدّ من استقلالية مؤسسات الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر التي تعمل تحت
ظلّها .

ومن مهمّات هذه المؤسّسة :

أولاً : رسم المنهجية ، وتحديد الدائرة
التي يمكن لافراد المجتمع أن يؤدّوا ضمنها
دورهم في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
باعتبار أنهم معنيّون بهذا التكليف . والعديد
من النصوص الشرعية تخاطب الامة مباشرة ، وهذا
يعني أنهم مكلفون بالقيام بهذه المهمة ما لم
يرد دليل آخر يخصص الحاكم ببعض الموارد أو
يشترط إذنه . وفي هذه الموارد أيضاً هم
معنيّون بالرقابة من جهة ، والدعم والتأييد
من جهة أخرى . فالمجتمع بجميع أفراده يشكّل
ناظراً يراقب تنفيذ الحكم الاسلامي بدقة ،
وناصراً عندما يحتاج الحاكم لدعمه وتأييده
وتقوية مواقفه ، وبالتالي تمكينه من بسط يده
وإعمال سلطته . إذ إن سلطان الحاكم وأدواته
الفاعلة وقواه الضاربة هم عامة الناس . نعم
الناس يحتاجون إلى توجيه وتثقيف وتوعية
وتحديد الادوار بدقّة ، وهي مهمّة العلماء
الاعلام وولاة الامر .

ثانيا : تطوير أجهزه خاصة وشبكة واسعة
من الامرين بالمعروف والناهين عن المنكر ،
ينتشرون في الاماكن العامة والمؤسسات
والدوائر الحكومية والمساجد والحسينيات ،
ويقومون بدور مباشر وفعّال في هذا المجال ،
وهذا الامر يترك أثراً إيجابياً على نفسية
عامة الناس ، ويشجّعهم لاداء دورهم بشكل أفضل
. ويمكن الاستفادة في هذا المجال من كبار السن
والمتقاعدين المتطوعين وغير المتطوعين ، بعد
إخضاعهم لدورات معينة قصيرة الامد ، تزوّدهم
بالاساليب الفنية الناجحة في إصلاح المجتمع
ومنع المنكرات .

ثالثاً : هذه المؤسسة يمكنها الافادة
من المتخصّصين والخبراء وتزويد وسائل
الاعلام بالبرامج الخاصة المعدّة من قبلها ،
أو إلاشراف على البرامج التي تعدّها تلك
الوسائل .

رابعاً : من الضروري التركيز على
الوسائل العملية التي تزرع في عوام الناس وفي
الجيل الناشئ حبّ الخير والصلاح ، والنفورَ
من المفاسد الاجتماعية والاخلاقية .

اليد واللسان والقلب :

المراد من الانكار أو التغيير باليد
هو إعمال القدرة والفعل في منع المنكر ، أو
الحيلولة دون حصوله . وهذا يقع في دائرة واسعة
تمتد حتى القتل ، ولا تنحصر بالضرب والجرح
والقتل ، وإنما هذه بعض أمثلتها . وفي العصر
الحاضر تضاعفت الادوات والوسائل التي يمكن
توظيفها في إنكار المنكر ، والتي يمكن أن يقع
الكثير منها تحت عنوان الانكار باليد ، ولا
شكّ أن حصرها بحدود ضيقة يحدّ من فعالية هذه
الفريضة المهمة .

وكذلك مرتبة اللسان التي تشمل الوعظ
والارشاد ، وهو بلا شكّ فنّ قائم بنفسه ، فليس
كل وعظ يؤثّر ، فربما فعلت الكلمة الصادرة من
شخص معين مالا تفعله المحاضرات المطوّلة
والخطب الرنّانة . وبناءً عليه ، فإن القدرة
والاستطاعة التي يحدّد على أساسها الانتقال
من مرتبة إلى مرتبة تدخل فيها خصوصيات نفس
الامر بالمعروف والناهي عن المنكر ، فضلاً عن
خصوصيات المأمور .

والخلاصة ، إن هذه الفريضة أشبه بمهمة
الطبيب ، فهذا يعالج فساد الابدان، وذاك
يعالج فساد الاخلاق والانفس والمجتمع . وعلى
كل منهما أن يعرف الداء والدواء .

يروى عن الصادق(عليه السلام) أنه قال :
« كان المسيح يقول : ... وليكن أحدكم بمنزلة
الطبيب المداوي إن رأى موضعاً لدوائه وإلاّ
أمسك »([22]).

وأما الانكار بالقلب ، فالذي يبدو
لاول وهلة أنه عبارة عن عدم الرضا ، إلاّ أن
الظاهر من الروايات أنه يحتاج إلى إظهار ،
وإظهاره يتمّ بعدّة أساليب ، وربما كان له
أيضاً مراتب ، فإظهار الانكار مرتبةٌ عليا
بالنسبة للانكار بالقلب من دون إظهار ،
فلعلّ بعض المواقف توجب عجز المكلّف عن إظهار
الانكار بأي صورة كانت ، كبعض حالات التقية
والخوف على النفس ، فعندئذ لا شكّ بأنّ الحدّ
الادنى يكون بالاقتصار على إضمار الانكار
وعدم الرضا.

وهناك بعض النصوص تعرّضت إلى بعض
أنحاء الانكار القلبي :

فمنها : ماورد عن علي(عليه السلام) أنه
قال: « أدنى الانكار أن تلقى أهل المعاصي
بوجوه مكفهرّة »([23])
.

ومنها ماورد عن أبي عبداللّه(عليه
السلام) أنه قال : « لا ينبغي للمؤمن أن يجلس
مجلساً يعصى اللّه فيه ولا يقدر على تغييره »([24]) .

وفي حديث عن أبي عبداللّه الصادق(عليه
السلام) في قوله تعالى : (كانوا لا يتناهون عن
منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون) قال : « أما
إنهم لم يكونوا يدخلون مداخلهم ولا يجلسون
مجالسهم ، ولكن كانوا إذا لقوهم ضحكوا في
وجوههم وأنسوا بهم »([25])
.

الحرية والنهي عن المنكر :

في عصرنا الحاضر ونتيجة لتطور وسائل
الاتصال بين مختلف شعوب العالم ، تألق نجم
الديمقراطية كنظام للحكم ، ونودي بالحريات
الفردية على مستوىً واسع ، وكان رائد ذلك دول
الغرب التي غرقت في حضارتها المادية ، حتى
نسيت القيم المعنوية والاخلاقية ، وكان نتيجة
ذلك استفحال المفاسد الاجتماعية ، حتى بات
يستعصي حلها على مهندسي السياسة هناك وعلماء
الاجتماع .

ومن المؤسف أن ينخدع السطحيون من
شبابنا ومفكرينا بالبريق الكاذب للعديد من
المفاهيم التي سادت مجتمعات الغرب ، ومنها
الحرية والديمقراطية . وأحدث هذا عندهم حالة
من الاضطراب والتخبط في قراءتهم للاسلام ،
فعمد فريق منهم إلى دبلجة الاسلام ليصبح
ديمقراطياً تارة واشتراكياً اُخرى . وعمد
فريق آخر إلى التخلّي عن تفاصيل الشريعة ،
وتنكّر للنصوص والمصادر المعتمدة في استنباط
الاحكام ، ورضي من الاسلام بما لا يتعارض مع
تلك الثوابت التي سلّم بها مدعياً أنه يتمسك
بروح الاسلام .

هؤلاء المساكين المتأثرون بهذه
النزعات ، يستنكرون الكثير من أساليب الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذ إنهم يتخيلون
أن الحريات الفردية تقتضي أن يمارس كل فرد
الاعمال التي تعجبه ما دامت لا تنال من
الاخرين ولا تصل إليهم بسوء ، فهم يرون أن
التعرض للمرأة التي يعجبها الخروج من دون
حجاب شرعي ومنعها من ذلك تجاوز على حريتها
، فأي ضرر على الاخرين في ذلك .

وكذلك بالنسبة للمنكرات الاُخرى .

ونحن هنا لا نريد الخوض في الاساس
الواهي الذي بنوا عليه نظرتهم للامور ، وإنما
نريد القاء الضوء على الحريات المزعومة ،
ومدى تعارضها مع فريضة الامر بالمعروف والنهي
عن المنكر .

مايتوهم في المجتمعات الغربيّة أنه من
الحريات الفردية وأنه لا يرتبط بالاخرين ،
نحن لا ننظر إليه بالمنظار الضيق الذي يفهمون
الامور من خلاله ، وإنما ندرسه من خلال
انعكاسه على المجتمع الذي يعيش فيه الفرد ،
ففي المجتمع الذي نعيش ، هناك أجواء عامة تميز
هذا المجتمع وتجعل منه مجتمعاً إسلامياً ،
هذه المميزات يشترك في بنائها وصناعتها كل
فرد من أفراد المجتمع ، فهو أشبه بالبناء
المشيد من أحجار ، كل فرد يشكل حجراً من هذه
الاحجار ، وبمقدار انسجامها واتساقها
وتماسكها يستقيم البناء ويتحقق له الشكل
النهائي .

وفريضة الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر شرّعت لتحقيق هذا النظام الاجتماعي ،
والبناء المنسجم المتماسك للمجتمع الاسلامي .
وليس هناك حالة من الفساد ونوع من الانحراف لا
ينعكس سلباً على المجتمع ككل ، خاصة إذا كان
الانحراف والفساد علناً وجهاراً .

ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه
قال: « ان المعصية إذا عمل بها العبد سراً لم
تضر إلاّ عاملها ، فإذا عمل بها علانية ولم
يغيّر عليه أضرت بالعامة » .

قال الصادق(عليه السلام) : « وذلك أنه
يذلّ بعمله دين اللّه ويقتدي به أهل عداوة
اللّه »([26]).

وقد أطلق(صلى الله عليه وآله) المعصية
، فهي تشمل كل معصية صغيرة كانت أو كبيرة .
ويعني ذلك أن المعصية مهما كانت فهي تنعكس على
المجتمع الاسلامي إذا ارتكبت علناً ، وهذا
يعطي لكل فرد من أفراد المجتمع الحق بالتصدّي
لمنعها ، لكونها تجاوزاً عليه ، إذ إن التجاوز
على المجتمع تجاوز على كل أفراده . ومن
الطبيعي أن الحريات الفردية ـ حتى في
المجتمعات الغربية غير المتديّنة ـ لا تقرّ
الحريات التي توجب التجاوز على حقوق الغير .

هذا فضلاً عن كون المنع من ارتكاب
المعاصي يعود نفعه على نفس الشخص الممنوع ،
لان المسلم يدرك تبعات هذه المعصية وآثارها
الدنيوية والاُخروية ، وبالتالي تكون
الحيلولة بينه وبين ارتكاب المعصية والمنكر
إنقاذاً له من الانزلاق في هاوية سحيقة ، ومن
الابتلاء بما يعود عليه بالضرر الذي لا يدرك
بعده ولا مداه .

ومن العجيب أن يعدّ الطبيب الذي يقهر
المريض ويكرهه على قبول العلاج ، ويمنعه من
تناول ما يضرّ ببدنه ، يعدّ مخلصاً حريصاً على
مصالح الاخرين ، ولا يعتبر متجاوزاً لحدوده ،
بينما يعدّ الناصح الامين الذي يكره الناس
على الالتزام بالمعروف والامتناع عن المنكر
متجاوزاً ، مع أن هذا أحرص من ذاك وأشدّ رحمة
به من نفسه .

وإذا كان الاسلام ينفي الاكراه في
الدين ، فذلك في أصل العقيدة وفي التكاليف
التي لا تتأتّى إلاّ مع القصد والنيّة ، وأما
التكاليف التي يخلّ تركها بالنظام الاجتماعي
الاسلامي فإنه لا يترك الحرية للفرد الذي
يعيش في مجتمع المسلمين بتركها .

ومن هنا نجد أن الاسلام يفرض على أهل
الكتاب الذين يعيشون في ظلّ المجتمع الاسلامي
أن يمتنعوا عن ممارسة العديد من الاعمال التي
لا يرتضيها الاسلام ، وإن كانت مباحة بحسب
اعتقادهم ، كالتظاهر بشرب الخمر وبيعه ،
وممارسة الزنى خاصة بالمسلمة ، حتى أنه يقتل
لو ثبت عليه ذلك ، بل يقتل بمجرّد التعرّض
لاعراض المسلمين ، وكذلك فيما يتعلّق بفتنة
المسلمين عن دينهم ، فلا يترك لهم حرّية
الدعاية الدينية ، إلى ما هنالك من أحكام
تخصّهم .

وليس تشريع الحدود والتعزيرات
الاسلامية إلاّ لاجل صيانة المجتمع الاسلامي
من المفاسد والانحرافات الخطيرة ، فالحدّ
رادعٌ إكراهي لمن يحلو له تجاوز الاحكام
والانظمة الشرعية ، وهو يؤدي هدفين : الاول
على صعيد المجرم نفسه ، والاخر على صعيد
الاخرين الذين يكفي لردعهم خوفهم من الوقوع
تحت وطأة الحدّ .

ولا شكّ أن ارتكاب المعصية علناً يترك
أثراً أكبر في تحريك أفراد المجتمع نحو
الانحراف من ارتكابها سرّاً ، وقد فرّقت
النصوص الشرعية بين الحالتين ، كما تقدم في
الرواية عن النبي(صلى الله عليه وآله) .

يتّضح من هذه الجولة أن الحرية
الفردية تنتهي عندما يكون هناك تجاوز على
حقوق الاخرين ، وعلى حقوق المجتمع ككل ، وأن
الكثير من المعاصي والممارسات المحرّمة في
الشريعة الاسلامية إذا ارتكبت علناً أضرّت
بالنظام وبالمجتمع ، فتشكّل مورداً من موارد
التجاوز على حقوق الاخرين ، وعليه فهي خارجة
عن دائرة الحرّيات الفردية .

والعجيب أن المجتمعات الغربية التي
تعتبر نفسها الرائدة في الديمقراطية والحفاظ
على حقوق البشر والحرّيات الفردية ، ترى من
حقوق الفرد أن يقيم دعوى على من يلبس السواد
مثلاً محتجّاً بأن ابنه الصغير يخاف من منظره
، ويطالب بمنعه من ذلك ، أو على امرأة تلبس
الحجاب ، باعتبار أن شكلها يثير اشمئزازه ،
فتحرم من الدخول إلى قاعات الدرس ، بينما
يعتبرون الانسان حرّاً في كتابة أقذر عبارات
الفحش والسباب والشتائم التي تثير مشاعر مئات
الملايين من المسلمين ، ويدافعون أشدّ الدفاع
عنه ، تحت عنوان حرية الرأي والقلم ، كما حصل
بالنسبة للمرتد سلمان رشدي .

إنهم تجيش عواطفهم ويذرفون دموع
التماسيح على مجرمين عاثوا في الارض فساداً
إذا اُقيم عليهم حدّ ، أو اُودعوا السجن
ليرتاح الناس من شرّهم ، ويجرّمون من ضرب
كلباً أو وصفه بعبارة مهينة تأذّت منها سيدة
ذلك الكلب فطالبت بالثأر به .

هذه نماذج مختصرة ، وهناك مالا يحصى من
الامثلة التي تمتلئ بها صفحات المجلاّت
والجرائد كل يوم عن الحرية الكاذبة والحقوق
الممسوخة للبشر في المجتمعات الغربية .

* * *


([1])
التوبة : 71.

([2])
الكافي : 5:55 ـ 56 .

([3])
تحف العقول : 237.

([4])
لقمان : 17 .

([5])
نهج البلاغة/الخطبة 105.

([6])
نهج البلاغة / الحكمة 150.

([7])
نهج البلاغة/ الخطبة 129.

([8])
نهج البلاغة/ الخطبة 175.

([9])
الكافي 2 : 78.

([10])
تحف العقول: 38.

([11])
تحف العقول : 358.

([12])
تحف العقول :358.

([13])
بحار الانوار: 100:93.

([14])
البحار 100:75، و93.

([15])
البحار 100 : 85 .

([16])
نهح البلاغة / الحكمة 373.

([17])المقنعة
/ باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (مختصراً).

([18])
النهاية / باب الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر.

([19])المراسم
العلوية / باب ذكرالامر بالمعروف والنهي عن
المنكر.

([20])
تحرير الوسيلة / كتاب الامر بالمعروف والنهي
عن المنكر.

([21])
كنز العمال 3 : 66 / ح 5524.

([22])
وسائل الشيعة / أبواب
الامروالنهي ب2 ح4.

([23])
تهذيب الاحكام 6 : 176.

([24])
وسائل الشيعة / أبواب الامروالنهي ب38 ح4.

([25])
وسائل الشيعة / أبواب الامروالنهي ب39 ح7.

([26])
وسائل الشيعة/ أبواب الامروالنهي ب4 ح1.



/ 1