دراسات
استعادة العزة في فكر الامام الحسين (ع)
وحفيده السيد الخميني ( ره )
* الدكتور محمد علي آذرشبرحت أفكر بالقاسم المشترك الاكبر بين
ثورتي الامام الحسينوحفيده الخميني ، وبعد
دراسة للمواقف والاقوال خرجت بنتيجة أحسبها
هامة ، هي أن «العزّة» تشكل هذا القاسم
االاكبر ، ثم رحت أنظر في أهداف الاسلام من كل
تعاليمه وتشريعاته الفردية والاجتماعية ،
فوجدت أنها تتجه للالتقاء في بؤرة واحدة هي «العزّة»
أيضاً ; فاتخذت هذا الهدف الكبير عنواناً
لمقالي .
بدأت المقال باستعراض سريع لمعنى
العزة في المفهوم الاسلامي ، ثم لاحكام
الاسلام التي تصبّ بأجمعها في تحقيق عزّة
الانسان المسلم ، بل مطلق الانسان الذي يعيش
في المجتمع الاسلامي ، ثم استعرضت ما حاق
بالمجتمع الاسلامي من حالة أدت به إلى سيطرة
الذلّ عليه ، وموقف اهل بيت رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) من هذه الحالة وجهودهم
لاستعادة العزّة ، ثم ركزت على موقف الحسين(عليه
السلام) بهذا الشأن ، وأوضحت بنقاط مقتضبة ما
حاق بالعالم الاسلامي من حالة ذل وفقدان عزة
بعد عصر الاستعمار ، وموقف الامام
الخمينيرضوان اللّه تعالى عليه من هذه الحالة
، وما كان لهذا الموقف من نتائج على العالم
الاسلامي . كلّ ذلك باختصار شديد خشية الخروج
عن حدّ المقال المطلوب ، وذكرت في الهوامش ما
يفيد القارئ إن أراد التوسع في هذا البحث .
العزّ والذلّ:
العزّ في اللغة : هو القوة والشدّةوالغلبة .
والعزّ والعزّة : الرفعة والامتناع .
والعزيز من صفات اللّه عزّ وجلّ
وأسمائه الحسنى . قال الزجاج : هو الممتنع فلا
يغلبه شيء ، ومن أسمائه عزّ وجلّ : المعزّ ،
وهو الذي يهب العزّ لمن يشاء من عباده ،
والعزّ خلاف الذلّ([1]) .
والانسان بفطرته يتجه إلى اللّه
سبحانه([2])
، أي يتجه إلى اكتساب صفات الكمال الالهية ،
ومنها العزّة ، ولكنه قد تصدّه عوامل عديدة عن
هذه الحركة فيقع في حالة الذلّ : (ضُربَتْ
عَليهم الذِّلّةُ والمَسكَنةُ وباءوا بغَضَب
من اللّهِ)([3])
، (ضُرِبتْ علَيهم الذِّلّةُ أينَما ثُقِفوا
إلاّ بحَبل من اللّهِ وحبل من النّاسِ)([4]) ، وقد يتحرك
تحركاً منحرفاً فيتجه نحو عزّة (كسَراب
بقِيعة يَحْسَبُهُ الظَّمآنُ ماءً)([5])
، يرى هذه العزّة مجسّدة ـ مثلا ـ في طواغيت
الارض : (وقالوا بعِزّة فرعَونَ إنّما لَنحنُ
الغالبونَ)([6])
، ويبتغيها أحياناً عند أعداء الدين كما يفعل
المنافقون : (بشِّر المنافقينَ بأنَ لهم
عذاباً أليماً * الّذين يتَّخِذونَ الكافرينَ
أولياءَ مِن دُونِ المؤمنينَ أيبتَغونَ
عِندَهُم العِزّةَ فإنَّ العِزَّةَ للّه
جميعاً)([7])
.
والدعوة الالهية تتجه أول ما تتجه إلى
محاربة كل العوامل التي تصدّ الانسان عن
التحرك نحو كماله ، وتنتشله من حالة الذلّ ،
ثم توجهه إلى المصدر الحقيقي لعزته كي لا يلجأ
إلى مصادر سرابية كاذبة : (مَن كان يُريدُ
العِزّةَ فللّهِ العِزّةُ جَميعاً)([8])
، (وللّهِ العِزّةُ ولرسولهِ وللمُؤمنينَ
ولكنّ المُنافقينَ لا يعلَمونَ)([9])
.
وشددت السنَّة على ضرورة صيانة عزة
الانسان المسلم وحرمة إذلاله . يقول الامام
الصادق(عليه السلام) : « إنّ اللّه فوّض إلى
المؤمن أمره كله ، ولم يفوّض اليه أن يكون
ذليلاً . أما تسمع اللّه عزّ وجلّ يقول : (وللّهِ
العِزّةُ ولرسولهِ وللمُؤمنينَ) ؟ فالمؤمن
يكون عزيزاً ولا يكون ذليلاً ، ثم قال : إنّ
المؤمن أعزّ من الجبل ، إنّ الجبل يستقلّ منه
بالمعاول ، والمؤمن لا يُستقلّ من دينه شيء »([10])
.
وسنرى أنّ المحور الاساسي في جميع
أبعاد التشريع الاسلامي ، الاقتصادية منها
والسياسية والاجتماعية ، تدور حول محور صيانة
عزة الانسان وإبعاده عن حالة الذلّ .
ونقف ولو قليلاً عند معنى العزّة
لنبيّن موقعها من الفرد والمجتمع ، ومدى
إسهامها في البناء والحركة ، ثم نلقي الضوء في
مقابل ذلك على اخطاء الذلّ في المجتمع .
إذا تأملنا في المعنى اللغوي
والاصطلاحي (كما ورد في القرآن وسائر النصوص)
لكلمة العزّة ، وجدنا أنـّها حالة نفسية تجعل
الانسان يحسّ بالقوة والمنعة والكرامة
والشخصية ، وهذه الحالة تتوفر حين يجد
الانسان نفسه مسنوداً ومدعوماً من قوة كبيرة
خارج ذاته ، والانسان المؤمن يجد في ارتباطه
باللّه عزاً يوفر له الثقة بنفسه ، وينمي فيه
الاحساس بالكرامة وعلوّ الشخصية ، فيترفّع عن
التوافه ، ويصون نفسه من الانزلاق في الشهوات([11]) ، ويبتعد عن كل
ما يمسّ منزلته ; وتأتي كل تشريعات الاسلام
لتوفر للفرد المسلم تعميق هذا الاحساس بنفسه
، وصيانته من كل مسّ وحط . وكان هذا الاحساس
بالعزة ـ في الواقع ـ وراء كل ما شهده المجتمع
الاسلامي من حركة جهادية وعلمية ، ووراء كل
تطوّر اصيل في عصور التاريخ الاسلامي في حقل
الهدم والبناء والمعرفة .
ولا أكون مبالغاً إذا قلت : إن اكثر ما
شهده المجتمع الاسلامي من نكسات وانحرافات
واضطرابات وفتن ، يعود إلى غياب العزّة
الاسلامية ، وظهور حالة الذلّ في المجتمع ;
وذلك لما يلي :
1 ـ الذليل صغير في كل ما يصدر عنه من
موقف وسلوك ونظرة ، وهو لذلك ينظر إلى الاشياء
الصغيرة على أنها كبيرة ، ويبتلى بالامور
التافهة التي تشغلهُ عن الامور الكبيرة([12])
.
2 ـ الذليل لا يستقيم على موقف صادر عن
شخصيته الفكرية وقناعاته الذاتية ، لانه
يفتقد الشخصية ، ولذلك يكون آلة طيّعة بيد من
يفتعل الاجواء ، ويلوّح بأنه يمتلك مصير
الناس([13]) .
3 ـ عقدة الذلّ تدفع بالذليل لان يبحث
عن شخصيته في أمور موهومة غالباً ، يتصور
الذليل أنه يستعيد شخصيته بها ، وهذه الامور
لها طابع انحرافي غالباً ، وتبعث على الشرور
الاجتماعية المختلفة ; ولذلك تستطيع عصابات
الاشرار أن تستغل هؤلاء الافراد أكثر من
غيرهم لتنفيذ مآربها الشريرة([14]).
4 ـ الذليل يفتقد توازن الشخصية في
نفسه ، ويفتقد الارادة وقدرة الضبط والسيطرة
، ولذلك تثور عنده الشهوات المادية وتستفحل ،
ويصبح هذا الشخص عرضة للانغماس في الشهوات ،
ويؤدي ذلك إلى أخطار بينة .
مظاهر اهتمام الاسلام بكرامة الانسان
وعزته وإبعاده عن حالة الذلّ
([15]):1 ـ ما نجده في السُّنّة من تأكيد على
حرمة النطفة والجنين ، وعلى اهتمام بالمرأة
الحامل ، وعلى سلامة محيطها الاجتماعي ، وعلى
سلامة كل شيء يؤثر على سلامة تكوين الجنين ،
إنما يشكل دلالات هامة على اهتمام الاسلام
بكرامة الانسان ، منذ انعقاد نطفته وفي كل
مراحل نموّه الجنينية .
2 ـ في السُّنّة نرى اهتماماً بالغاً
بكرامة الطفل واحترامه ومعاملته بالحسنى،
وتركيزاً على تنفيذ طلباته ورغباته وملاعبته
، مما يدل بوضوح على أن الاسلام يهتم بأن ينشأ
الطفل عزيزاً كريماً .
3 ـ في السُّنّة أيضاً تركيز على ضرورة
الاهتمام بشخصية الشاب ، واحترام رأيه ،
واستشارته في الامور ; لكي ينشأ هذا الشاب
معتمداً على نفسه، محترماً لشخصيته ، مهتماً
بالجانب العقلي والارادي من كيانه .
4 ـ اهتمام السنة بحرمة الميت وكرامته
، وتقرير التعاليم الخاصة بتجهيزه ودفنه
وذكره بخير وزيارة قبره ، كل ذلك أيضا تأكيد
على حرمة الانسان وكرامته حتى بعد وفاته .
5 ـ في النصوص الاسلامية تأكيد على
حرمة الخضوع للظالمين من أصحاب السلطة ، وعدم
الانخراط في سلك خدمتهم ، والترفع عن الشعور
بالضعف أمام بطشهم .
6 ـ المنهج الاسلامي للسلوك يأبى على
الانسان المسلم أن يحس بالضعف أمام أصحاب
المال ، وأن يترفع عن الانقياد لهم ، بل عن
معاشرتهم لكي لا يحس بالضعة بينهم .
7 ـ في النصوص الصحيحة الموثقة تأكيد
على منع الانسان المسلم أن يذلّ نفسه لاي سبب
من الاسباب ، بل تسقط الواجبات إذا استدعى
أداؤها أن يذلّ الانسان نفسه .
8 ـ اهتمام الاسلام بضبط شهوات البطن
والفرج لا تخفى شدته على أحد ، وهذا الاهتمام
يستهدف تنمية إرادة الانسان وشخصيته كى لا
تسيطر عليه هذه الشهوات وتستذله .
9 ـ «التصور الاسلامي» يركز أول ما
يركز على ربط الانسان بربّ العالمين ، ويدخله
في تعامل مباشر مع خالق هذا الوجود ، وهذا
الارتباط ـ إن استشعره الانسان بكل وجوده
ـ يبعث في الانسان احساساً بالعزة والكرامة ،
ويجعله يشعر بأنه مرتبط ارتباطاً مباشراً بمن
يملك كل مقادير أموره وأمور كل الناس .
10 ـ القرآن الكريم يربط تاريخ الفرد
المسلم والجماعة المسلمة بتاريخ الانبياء
والصالحين في التاريخ ، ومن هنا فإنّ الانسان
المسلم يرى أن تحركه استمرار لمسيرة طويلة
سار عليها من قبل كل عباد اللّه الصالحين ،
وهو احساس ينمي مسيرته الحيوية ويباركها
ويضفي عليها عراقة وبعداً واسعاً ضارباً في
اعماق التاريخ ، ويشعر بذلك بكرامته واهميته
على هذه الساحة التاريخية ذات الاماد البعيدة
.
11 ـ الاسلام يصوّر للانسان أنه خلق
ليكون سيّد الكون ، وخليفة اللّه على أرضه ،
وأن كل شيء في هذا الوجود الرحب قد خلق من أجله
، ومن أجل تمهيد الطريق لمسيرته التكاملية في
حياته ; وهو شعور يبعد الانسان عن أي إحساس
بالضعف أمام هذا الكون الفسيح ، ويشعره
بالكرامة أمام جميع المخلوقات .
12 ـ الانسان المسلم في التصور
الاسلامي مسؤول عن هداية البشرية ، وعن تبديد
ظلامها ، وإزالة العقبات عن طريق كمالها ، وهو
تصوّر يجعل الانسان المسلم في مكانة القيادة
والريادة على ظهر الارض ، ولا يخفى ما لهذا
التصوّر من أثر في الشعور بالعزّة والكرامة
في نفس الفرد المسلم والجماعة المسلمة .
13 ـ وضع الاسلام منهجا متكاملاً لسلوك
الحكم والحاكم في المجتمع الاسلامي ، يحسّ
فيه الفرد المسلم بأنه هو صاحب الرأي في قبول
الحاكم أو ردّه ، كما أن هذا المنهج يمنع
استخدام الحكم آلة للظلم والسيطرة على مقدرات
الناس ، وهو جوّ سياسي يوفر كرامة المسلم ،
ويصون شخصيته ، ويحافظ على احساسه بالعزّة في
تعامله مع النظام الحاكم .
14 ـ منهج المساواة والعدالة في
التعامل ، ووضع مقياس التقوى للتكريم في
الاسلام ، يصونان المجتمع من أي لون من ألوان
التمييز بسبب الجنس أو اللون أو اللغة ، ويشعر
الفرد المسلم بكرامته وعزته لا بنسبه وحسبه
وانتمائه القبلي أو القومي ، بل بمقدار سموّه
في سلّمه التكاملي ـ أي بتقواه على حدّ
التعبير القرآني ـ وهذا المعيار يزيل كل
إحساس بالضعة والذل بسبب وضاعة النسب أو
الانتماء القبلي .
15 ـ حرص الاسلام على العدالة
الاقتصادية في توزيع الثروة من جهة ، ونفي أية
سلطة لقوة المال في المجتمع ، من أجل القضاء
على التمييز الطبقي والاستضعاف الاقتصادي ،
صيانة لكل فرد من أفراد المجتمع من أن يستذل
أو يستشعر الذلّ بسبب واقع اقتصادي غير
متوازن في المجتمع ، كما أن تأكيد الاسلام
تأمين احتياجات الفرد الضرورية ، حتى لو
استدعى الامر إعطاءه من بيت المال ، إنما هو
حفظ لكرامة الفرد وعزته وإبعاده عن إراقة ماء
الوجه بالسؤال . والرائع في الامر أن هذه
الرعاية تشمل حتى غير المسلمين في المجتمع
الاسلامي.
16 ـ حرمة النفس وحرمة العرض وحرمة
المال أهم الحرمات التي أكدها الاسلام ،
وشدّد على القضاء الاسلامي في صيانتها وحفظها
والدفاع عنها ، كما ألزم كل افراد المجتمع
برعايتها بدقة متناهية ، والاحتياط الشديد في
مراعاتها; كل ذلك لكي يعيش الانسان المسلم في
مأمن من أي تهديد لمقومات كرامته وعزته
وشخصيته .
17 ـ اكد الاسلام على العبادات
الجماعية ، وركز على ضرورة اظهار قوة
المسلمين وتراص صفوفهم ووحدة عزمهم وارادتهم
، وانسجام تحركهم لابراز عزتهم وإظهار
كرامتهم أمام أنفسهم وأمام أعدائهم .
18 ـ نفي سبيل المشركين على المسلمين
أصل من الاصول الاسلامية ، وهو يفرض على كل
المسلمين العمل لسدّ أية ثغرة سياسية أو
اجتماعية أو اقتصادية أو علمية ، ينفذ منها
أعداء المسلمين لكي يجدوا لهم موضع قدم في
المجتمع الاسلامي ; وهذا الاصل وحده لو التزم
به المسلمون لحقق كرامتهم وعزّتهم على الساحة
الدولية ، ونفي السبيل طبعاً يعني نفي
السيطرة لا نفي التعامل والاستفادة من
الاخرين .
19 ـ مبدأ الجهاد يخلق في نفس الامة
المسلمة روحاً ترفض الاخلاد إلى الارض والرضا
بالظلم والعدوان ، والتهاون في الدفاع عن
الكرامة والمقدسات، وتأبى الذل والخنوع
والاستكانة ، وتدفع الانسان المسلم لان يطلب
عزته وعزة امته ودينه وعزة المستضعفين في
الارض ببذل الغالي والنفيس .
20 ـ حث الاسلام على الانتماء إلى
الجماعة وعدم الخروج عنها وعدم الشذوذ عن
مسيرتها ، يخلق في نفس الانسان المسلم عزة
الانتماء إلى الجماعة المؤمنة ، ويجعله يحس
بالقوة والفخر بهذا الانتماء .
21 ـ الحث على طلب العلم والتدبر في
الكون وفي المخلوقات وفي الامم والشعوب ،
تخلق من الانسان المسلم كائناً ناضجاً يحترم
شخصيته وفكره ، ويقوّم الافراد على أساس ما
عندهم من علم اضافة إلى التقوى ، والاعتزاز
بالعلم والعلماء يجعل المسلم يبحث عن عزته
وكرامته في تنمية شخصيته العلمية والفكرية ;
وبذلك تظهر الامة العالمة المفكرة ، ولا يخفى
ما لمثل هذه الامة من عزّة وكرامة بين الامم .
22 ـ حرمة اغتيال شخصية الانسان المسلم
عن طريق اغتيابه واتهامه واهانته أمر أكد
عليه الاسلام كثيراً جداً ; كل هذا لكي يأمن
المسلم من عدوان يستهدف عزته وكرامته وماء
وجهه في المجتمع .
23 ـ النصوص الاسلامية الكثيرة التي
تحذّر الانسان المسلم والجماعة المسلمة من
التفرقة والشقاق والنفاق ، إنما تتجه كلها
لصيانة عزة المسلمين وكرامتهم من أن تتصدع
وشوكتهم من أن تلين .
24 ـ حرمة التشبه بالكفار أصل يحافظ على
الهوية الثقافية للامة ، ويخلق روح الاعتزاز
بهذه الهوية والشعور بالاستعلاء النفسي أمام
الثقافات الاخرى .
25 ـ التحذير الشديد من الحرص والطمع في
المال والمتاع والشهرة والسلطة، يصون المسلم
من أن يستذله الطمع ، ويتنازل عن عزته لتحقيق
رغبة جامحة في النفس نحو الاستزادة .
26 ـ مبدأ نيل احدى الحسنيين يصون
المجتمع المسلم من أي ضعف وخور وهوان ، حينما
تضطره الظروف لان يتراجع وينهزم أمام الاعداء
، فهو مجتمع منتصر إن غلب أو غُلب ، والفرد
منتصر إن قَتل أو قُتل ; فالمسلمون هم الاعلون
على كل حال .
27 ـ مبدأ إعداد القوة مبدأ اسلامي هام
يجعل المسلمين مرهوبي الجانب اعزّة على ظهر
الارض ، يقتلع من رؤوس الاعداء كل فكر ساورهم
للمسّ من عزة المسلمين وكرامتهم .
28 ـ مبدأ الرسالة الخاتمة يخلق في
المسلمين إحساسا بأنهم مسؤولون عن خلافة
اللّه في الارض ، وعن اعتلاء دور الشاهد
والوسط على ظهر البسيطة حتى يرث اللّه الارض
ومن عليها ، وهي مسؤولية مقرونة بالعزة
والكرامة .
29 ـ مبدأ قيام الدولة الاسلامية
العالمية بقيادة المهدي المنتظر عجل اللّه
تعالى فرجه ، يجعل المسلمين ينتظرون تحقق هدف
دينهم على أوسع نطاق في مستقبل أيام البشرية ،
حين تذعن كل الشعوب لاحقّية الاسلام وتنصاع
لاوامره ، وتنضوي تحت لوائه ، وهي نظرة تبعث
العزة في نفس الانسان المسلم والثقة بمستقبل
ما يحمله من فكر وعقيدة ، وتبعث فيه أيضاً روح
الاستهانة بما تتخبط به البشرية من انحرافات
عن دينه الحق .
30 ـ عالج الاسلام كل الحالات التي تخرج
الانسان من حالة التعادل النفسي ، وتوقعه في
انفعال يحط من كرامته وشخصيته وعزته مثل
الغضب والحسد والحقد .
انحدار منحى العزّة الاسلامية خلال
نصف قرن:
خلال نصف قرن عقب وفاة رسول اللّه(صلىالله عليه وآله) حدثت أمور أدت إلى هبوط روح
العزّة الاسلامية في النفوس ، وازدادت مظاهر
الخضوع والخنوع والاستسلام والاهتمام
بالصغائر في المجتمع الاسلامي ، لعوامل عديدة
اهمها:
1 ـ التمييز الطبقي ، حيث ظهرت في
المجتمع الاسلامي طبقتان ، احداهما تتمتع
بثروات طائلة والاخرى مدقعة معدومة ،
والتمييز الطبقي يؤدي طبعاً إلى انهيارات في
عزة قطاع من افراد المجتمع بسبب الاحساس
بالضعف والغبن والظلم([16])
.
2 ـ التمييز العنصري ، فقد أصبح غير
العرب مواطنين من الدرجة الثانية ومحتقرين ،
وأخذت منهم الجزية ، وعوملوا معاملة سيئة
اضعفت روح العزة الاسلامية في أنفسهم([17])
.
3 ـ الصراع القبلي ظهر في نصف القرن هذا
بعد أن ضعف روح الانتماء الرسالي ، وعادت
الروح القبلية والصراعات القبلية بأوضح
صورها في المجتمع ، ومن الطبيعي أن تضيع روح
العزة الاسلامية في حمأة الاعتزاز القبلي
الضيق([18]).
4 ـ التخويف والتجويع ظهرا بأفظع صورة
في العصر الاموي ، بحيث أن الفرد المسلم كان
يخشى على بيته أن يهدم ، وعلى لقمة عيشه أن
تسلب ، وعلى دمه أن يراق ، وعلى عرضه أن ينتهك
بالظنة ولاتفه الاسباب ، مما خلق حالة من الذل
والضعف والهوان في المجتمع الاسلامي([19]) .
5 ـ الاستخفاف بالدين وأهله ، والتجاهر
بارتكاب المنكرات([20])
.
6 ـ إشاعة أحاديث مكذوبة ومذاهب مزعومة
تدعو إلى الرضوخ للظالمين والركون إلى
المتسلطين وعدم الثورة عليهم ، وقبول الامر
الواقع باعتباره قضاء من اللّه وقدراً([21])
.
مواقف أهل البيت(عليهم السلام)
العملية من ظاهرة الاذلال:
انتهج أئمة أهل البيت(عليهم السلام)جميعاً مواقف عملية لصد عملية الاذلال ،
وابقاء روح العزّ في المسلمين . ونستعرض أهم
محاور هذه المواقف كي لا يخال القارئ الكريم
أن استعادة العزّة إلى المجتمع الاسلامي تختص
بالحسين(عليه السلام)وثورته .
1 ـ محاربة ظاهرة التمييز الطبقي
وإشاعة العدل والمساواة في العطاء بين أفراد
المجتمع الاسلامي([22]) .
2 ـ كسر العصبيات العنصرية([23]) .
3 ـ التأكيد على الولاة بالمحافظة على
كرامة المسلمين وعزتهم ، والاهتمام بعزل من
يذل الناس ويستخف بهم([24]) .
4 ـ غرس روح الشهادة والثورة ضد الظلم
في المجتمع الاسلامي([25])
.
5 ـ الاهتمام بالامور التي ترتبط بعزة
المسلمين وكرامتهم ، وعدم فسح المجال
للاختلافات الداخلية أن تمس من هذه العزة
والكرامة([26])
.
6 ـ السعي الحثيث لربط المجتمع
الاسلامي باللّه سبحانه ; كي يستشعر العزة في
هذا الارتباط لا في المسائل الموهومة([27])
.
موقف الحسين وأهل بيته(عليهم السلام)
من ظاهرة الذل ونتائجها(
[28]):1 ـ رفضه بيعة يزيد ، معلناً أسباب عدم
البيعة ومركزاً على ظلم يزيد وانتهاكه حرمات
المسلمين .
2 ـ التأكيد على مفاهيم العزة في كل
أقواله .
3 ـ التحذير من الذل ، وأنه سنّة طبيعية
تصيب المجتمع المتخاذل .
4 ـ الابتعاد عن أي مظهر من مظاهر الذل
حتى في الساعات الحرجة .
5 ـ التركيز على الاخلاص في العبودية
في أقواله ; ليستشعر الافراد أن العزة للّه
جميعاً دون سواه .
6 ـ الصمود والمقاومة حتى آخر لحظة .
7 ـ مواقف زينب(عليها السلام) من
محاولات الاذلال .
8 ـ مواقف علي بن الحسين(عليهما السلام)
من محاولات الاذلال .
أما النتائج فهي :
1 ـ الانتفاض على حالة الذل واسترخاص
الحياة الدنيا .
2 ـ ارتفاع صوت طلب العزة لدى الثائرين
.
3 ـ ارتفاع صوت التنديد بالظلم على
المستوى الجماهيري .
4 ـ افول دولة الظالمين .
حالة الذل في المجتمعات الاسلامية
المعاصرة:
بعد هذا العرض لموقف الحسين من حالةالذل في مجتمعه ، نعود إلى العالم الاسلامي في
القرون الاخيرة .
لقد نزل بالامة الاسلامية ما افقدها
هويتها وأركعها أمام أعدائها ، وأفرغ محتواها
الفكري والرسالي وأصابها بهزيمة منكرة ، وهذه
أهم مظاهر الذلّ التي سادت في المجتمعات
الاسلامية المعاصرة :
1 ـ الهزيمة السياسية والعسكرية التي
مني بها العالم الاسلامي امام الغزو
البريطاني والفرنسي والايطالي والروسي .
2 ـ الهزيمة النفسية التي اصابت العالم
الاسلامي عقب هزائمه السياسية والعسكرية .
3 ـ السيطرة الاقتصادية التامة على
مصادر خيرات المسلمين .
4 ـ السيطرة الثقافية على مراكز
التعليم .
5 ـ الغاء التشريع الاسلامي من الحكم .
6 ـ اشاعة الفساد والمنكرات في المجتمع
الاسلامي .
7 ـ فصل علماء الدين عن المجتمع ،
والاستهانة بالدراسات الدينية .
8 ـ السيطرة الصهيونية على العالم
الاسلامي .
9 ـ النزاعات المستمرة القومية
والطائفية والاقليمية بين المسلمين .
موقف الامام الخميني من حالة الذل في
المجتمع:
سلك الامام الخميني ثلاثة أساليبلمواجهة حالة الذل في مجتمعه :
الاول : خلق روح العزة في المجتمع ،
وذلك عبر المحاور التالية :
1 ـ التأكيد على قدرة اللّه سبحانه
وتعالى ، وأن كل شيء بيده ، وأنه القادر على ما
يريد ، وأنه سبحانه ينصر حتماً من ينصره ، وأن
كل انتصار انما هو بفضله ومنه . هذه التأكيدات
موجودة في القرآن الكريم أيضاً ، لكن الامام
كان يركز عليها تركيزاً مقروناً بما يحدث في
ساحة المواجهة والصراع والصمود والهدم
والبناء ، فيغرس هذه المفاهيم في النفوس ،
ليشعر الافراد بعزة وبكرامة وبرفعة وهم
يتعاملون مع اللّه سبحانه في تحركهم
الاجتماعي .
2 ـ التركيز على قدرة الاسلام في دحر
الطواغيت ، وبناء الدولة العصرية ، وإنقاذ
البشرية من مستنقعها ، وعلى أنه البديل
الوحيد لما تعاني منه البشرية من ضياع وتيه
وتخبط في المادية . ينصح المفكرين والزعماء في
العالم الاسلامي وغير الاسلامي أن يعودوا إلى
الاسلام ليجدوا فيه عزتهم وسعادتهم وسؤددهم ;
وبذلك يغرس في نفوس كل المسلمين روح الاعتزاز
بعقيدتهم والشعور بالكرامة في ظل دينهم .
3 ـ الحديث المستمر عن ايمان حقيقي ،
حول قدرة الشعب في خلق المعجزات، لان الامة
المتحركة على طريق اللّه تتجلى في حركتها
قدرة اللّه وعظمته وانتقامه من الجبارين ،
فهو قادر على أن يواجه أعتى الطواغيت وإن
افتقد العدة والعتاد ، وقادر على أن يواجه كل
جبهات الكفر على سعتها ، وقادر على أن يبني
ويعمر رغم كل الضغوط والمحاصرات .
4 ـ منحه الشعب ثقة تامة ، والثقة
المتبادلة بين الامام الراحل وامته كانت من
أهمّ بواعث شعور الشعب الايراني بالاعتزاز
والكرامة في حركته بقيادة الامام ; فهو قدس
اللّه روحه يرى في الشعب وفاءً وصدقاً
واخلاصاً لم يبلغه صحابة رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) ولا صحابة علي(عليه السلام) ،
ويُكبر هذا الشعب ويتواضع امامه وأمام
تضحياته وصموده تواضعاً غريباً .
5 ـ تأكيده المستمر على الدور الذي يجب
أن يضطلع به الشعب الايراني على الساحة
العالمية ، بحمله مشعل الاسلام إلى الضالين ،
ودفاعه عن المستضعفين واعطاء القدوة والمثل
الاعلى للاخرين ; وهذا الدور الذي يريده
الامام للامة في ايران يجعلها تستشعر دورها
القائد على ظهر الارض .
6 ـ تخطيط الامام لاعادة الحياة والروح
إلى العبادات الاسلامية ، فقد رسم للحج
ولصلاة الجمعة وللمساجد تصويراً جديداً يعيد
اليها الحياة لتكون كما كانت في عصر الرسالة
الاول ، مبعث عز للمسلمين ، ومظهر قوة وصمود
وتكاتف لهم أمام الاعداء المتربصين .
7 ـ حديث الامام المستمر عن منجزات
الثورة الاسلامية في الحقول السياسية
والاقتصادية والاجتماعية والقضائية ، وتذكير
الناس بما كانت عليه الاوضاع قبل الثورة
لتعميق روح الاعتزاز بالثورة الاسلامية
وبالانجاز العظيم الذي حدث على يد الشعب .
8 ـ غرس مفهوم الشهادة في النفوس ، وخلق
روح طلب الشهادة في الافراد، بتبيين منزلة
الشهيد وعظمة الجهاد في سبيل اللّه ، وما
يستتبع تصاعد روح الجهاد من عزة وكرامة
للمجتمع .
9 ـ تركيز الامام الراحل على دور
المرأة في المجتمع ودورها في الثورة ، وعظمة
المسؤوليات التي تنهض بها في البيت والمجتمع
، كل ذلك لخلق روح العزة في نفس المرأة ،
لتغرسها بدورها في نفوس أبنائها وأفراد
أسرتها .
10 ـ تأكيده المستمر على قدرة
الايرانيين والعرب والشرقيين والامة المسلمة
عامة على الاختراع والابتكار ، ومواكبة ركب
المدنية المعاصرة على شرط الايمان بقدراتهم
وكفاءاتهم .
11 ـ ربط الامة بتاريخها الثوري القديم
والمعاصر ، وخاصة ربطها بثورة سيد الشهداء
الحسين بن علي(عليهما السلام) ، والتركيز على
روح العزة والاباء في هذه الثورة ، ودعوة
الامة للتفاعل مع كل مواقف الاباء والصمود
فيها .
12 ـ التأكيد على الطبقة الفقيرة
المستضعفة ، وعلى ضرورة تجنيد كل الطاقات
للاخذ بها ، وأنها اشرف من اصحاب القصور ،
وأنها هي التي حملت العبء الجسيم في الثورة
والدفاع عنها ، كل ذلك لبعث روح العزّة في هذه
الفئة التي طالما استذلها نظام الطاغوت .
الثاني : اجتثاث روح الهزيمة والذلّ من
النفوس بالاساليب التالية :
1 ـ الاستهانة بالحضارة المادية
المعاصرة ، وبيان زيفها وخوائها ، وتخبطها ،
وقرب سقوطها ، والطريق المسدود الذي وصلت
اليه ، ونصيحة المهزومين من المسلمين بفتح
أعينهم على واقع الحضارة ، وعدم الانبهار
بظاهرها .
2 ـ الاستخفاف بطواغيت الارض ،
والسخرية منهم ، وتهديدهم ، وتحديدهم ،
والتعامل معهم على أنهم نمور من ورق ،
واطفالاً جامحين يستحقون النصح والتحذير
والتأديب .
3 ـ حث الشعوب على كسر حاجز الخوف الذي
اصطنعته الحكومات الظالمة ، والتعامل مع هذه
الحكومات كما تعامل الشعب الايراني مع
الطاغوت المسيطر عليه ، والتأكيد على أن هذا
العصر هو عصر الشعوب وتحقيق ارادتها وكسر
قيودها .
4 ـ تركيز روح العزة في كلّ اللحظات
العصيبة التي يُخشى فيها تزلزل النفوس ، مثل
الهزيمة العسكرية أو الضغوط الاقتصادية أو
اغتيال كبار الشخصيات القيادية ، واستثمار
هذه الحوادث لرفع المعنويات وتصعيد روح
المقاومة والصمود .
الثالث : إعطاء القدوة من نفسه ، وهذه
القدوة قدّمها الامام في مواقفه التالية :
1 ـ المواصلة المستمرة دون هوادة في
المقاومة والصمود دون أن يتراجع قيد أنملة عن
مواقفه المبدئية ، ودون أن يداهن أو يهادن
لحظة واحدة ; وهذه المواصلة صعّدت روح الثورة
في النفوس ، واقتلعت روح طلب العافية
والاسترخاء وما يستتبعها من ذل في النفوس .
2 ـ تحمل السجن والتعذيب والارهاب
والنفي بطيب خاطر وبرحابة صدر ، متغلباً بذلك
على كل سبل الهزيمة النفسية واذلال الشخصية .
3 ـ تحمل المصائب الشخصية كفقدان الولد
بروح مطمئنة صابرة مستسلمة لقضاء اللّه ، ولا
يخفى ما لهذا الموقف من تأثير في تثبيت النفوس
المتزلزلة والارواح الضعيفة .
4 ـ ضرب المثل الاعلى في الزهد
والابتعاد عن مظاهر الحياة وبهارجها وزينتها
، بما يرسّخ روح الثقة والترفع والسمو النفسي
في القاعدة التي يقودها.
تلخيص واستنتاج :
من كل ما سبق نفهم أن اكبر مرض نفسييصيب المجتمعات البشرية هو مرض الذل ، وهذا
المرض النفسي يحتاج إلى علاج نفسي يشبه
الصعقة الكهربائية التي يعالج بها ذوو
الامراض النفسية في عصرنا الراهن .
مرض الذل لا يمكن شفاؤه بالموعظة ونشر
الفكر والتربية الروحية فحسب ، بل يحتاج إلى
صعقة ، وإلى هزة تعيد له الوعي والحياة ،
وتجعله يستشعر العزة ، ويرى أن هدف الحياة
اسمى من خسيس العيش ; وهذه الصعقة أنزلها بجسم
الامة الاسلامية الحسين بن علي(عليهما السلام)
، فدب فيه دم جديد وروح جديدة ; وهكذا فعل
الامام الخميني(رحمه الله) ، وكانت هذه
النتائج التي يشاهدها العالم بعينه متمثلة في
عودة حثيثة دائبة إلى الاصالة والكرامة
والعزة ، وهي بأجمعها من نتائج ارهاصات الصبح
المرتقب .
( أليس الصبحُ بقريب ) ؟!
([1])
لسان العرب ، مادة عزز.
([2])
انظر محاضرات السيد الشهيد الصدر حول «السنن
التاريخية في القرآن الكريم»، ففيها عرض
دقيق لنظرية المثل الاعلى في حركة التاريخ.
([3])
البقرة : 61 .
([4])
آل عمران : 112 .
([5])
النور : 39 .
([6])
الشعراء : 44 .
([7])
النساء : 138 ـ 139.
([8])
فاطر : 10 .
([9])
المنافقون : 8 .
([10])
مشكاة الانوار : 50 .
([11])
«من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته» نهج
البلاغة،الحكمة 449.
([12])
هذه الحقيقة وردت على لسان الحكماء والادباء
كثيراً، ويعبر عنها المتنبي في قوله:
وتكبر في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
([13])
ولذلك يحرص الطغاة على إذلال الناس كي يكونو
آلة طيعة بأيديهم، وإلى ذلك يشير القرآن
الكريم في حديثه عن تعامل فرعون مع قومه إذ
يقول : (فاستَخفَّ قَومَه فأطاعُوهُ) (الزخرف
: 54).
([14])
اكثر موجات الشر التي اجتاحت العالم
الاسلامي من داخله كانت تستغل هذه الحالة
المتفشية ، كما حدث في حركة الزنج والقرامطة
، وحركة البايكية وامثالها.
([15])
الابعاد المذكورة لم ندرج مصادرها لسعتها،
وهي لا تخفى على القارئ المتتبع، فالقرآن
مفعم بآيات تكريم الانسان ، ومكانته في
الكون ، واستخلافه على الارض، ومهمته
الرسالية على ظهرها، وقرب اللّه سبحانه منه،
وحرمة ماله ودمه وغيرها، وهكذا السنة فيها
نهي مؤكد عن كل ما يذل الانسان، وتأكيد على
حفظ عزته وحرمته من انعقاد نطفته إلى ما بعد
مواراته الثرى. وكل ذلك انعكس في الفقه
الاسلامي، في ابواب احكام الجنين والولد
والاقتصاد، والحياة الزوجية، وأحكام الميت.
حتى إن الواجبات تسقط إذا اقتضت «احتمال ذلة»
الانسان، كسقوط وجوب الوضوء للصلاة والطواف
إذا اقتضى طلب الماء ذلة للفرد المسلم.
([16])
انظر في التمييز في توزيع بيت المال
والعطاء، ثم ظهور التمييز الطبقي في المجتمع:
ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة 8 : 111، 2: 131 ـ
132، والمسعودي، مروج الذهب 2 : 341 ـ 343، وحسن
ابراهيم حسن، تاريخ الاسلام 1 : 358.
([17])
للتوسع في الموضوع انظر : أنساب الاشراف 1 : 18
ـ 34 ، وفيليب حتى : تاريخ العرب 2 : 350 ـ 352 ،
وفلهاوزن ، الدولة العربية وسقوطها : 165 ـ 173 و
403 و 414 ـ 415 و 418 ـ 419 .
([18])
انظر في سياسة الامويين تجاه القبائل ،
واثارة نار الخصومة بينها: فلهاوزن، الدولة
العربية : 58 ، 105 ـ 106 ، 207 .
([19])
انظر محمد مهدي شمس الدين ، ثورة الحسين : 66 ،
ومابعدها ، فقد نقل عن شرح النهج 2 : 6 ـ 7 ، 3 ـ 18
، 85 ـ 86 ، 11 : 44 ، 4 : 73 ما يحير العقول عن هذا
البطش والتنكيل .
([20])
انظر : البلاذري ، انساب الاشراف ، القسم
الثاني : 4 ، وفيليب حتى ، تاريخ العرب 2 : 258 ،
والدولة العربية 137 ـ 138 ، وبروكلمان ، تاريخ
الشعوب العربية 1 : 156 .
([21])
انظر : ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة 4 : 91 ،
11: 44 ـ 46 ، ابن قتيبة ، عيون الاخبار 1 : 7،
وانظر ايضاً عن تظاهر معاوية بالجبر
والارجاء ، ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة
1: 340.
([22])
هذه أهم سمات فترة الحكم العلوي، وعلي(عليه
السلام)أعلن منذ توليه الحكم مشروعه في
تقسيم المال حين قال: «ايها الناس، إني رجل
منكم، لي ما لكم وعليَّ ما عليكم، وإني
حاملكم على منهج نبيكم، ومنفذ فيكم ما أمر
به، ألا وإن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال
أعطاه من مال اللّه فهو مردود في بيت المال،
فإن الحق لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تزوّج
به النساء وملك به الاماء، وفرق بين البلدان
لرددته، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه
العدل فالجور عليه أضيق» (ابن ابي الحديد 1 :
269 ـ 270).
([23])
موقف الخراسانيين من دعوة أهل البيت ، وموقف
أهل البيت أنفسهم ممن سُمّوا بالموالي أفضل
دليل على اهتمام أئمة اهل البيت بكسر
العصبيات العنصرية .
([24])
انظر عهد الامام امير المؤمنين إلى مالك
الاشتر لما ولاه مصر، وانظر ايضاً موقفه من
الولاة المنصوبين قبله إذ قال: «ولكني آسى أن
يلي أمر هذه الامة سفهاؤها وفجارها ،
فيتخذوا مال اللّه دولاً وعباده خولاً ».
تأمل بدقة: « وعباده خولاً ».
([25])
هذه أبرز ملامح مدرسة آل البيت(عليهم السلام)
، حتى إن الفقهاء في ثورة «ابن الاشعث» كانوا
يفتون بوجوب الخروج على الحجاج استناداً إلى
أقوال علي(عليه السلام) . انظر هذه الثورة في
تاريخ الطبري في احداث سنة 81 للهجرة .
([26])
هذا واضح في سيرة علي والحسن والحسين وكل
الائمة من اولاد الحسين(عليهم السلام)في
تعاملهم مع الحاكمين ومع افراد المجتمع .
([27])
ائمة آل البيت(عليهم السلام)تركوا لنا في
مجال الدعاء والتضرع ومنهج السلوك إلى اللّه
تراثاً ضخماً في العمل والقول ، حتى ظن بعضهم
ان التصوف نشأ من التشيع، وما ذلك إلاّ لهذا
التركيز من أهل البيت على الارتباط المستمر
باللّه تعالى (انظر الصلة بين التصوف
والتشيع، والفكر الشيعي والنزعات الصوفية
للدكتور كامل مصطفى الشيبي).
([28])
كل ثورة الحسين وما أعقبها من مواقف لاهل
بيته وللثوار السائرين على طريقه، تدور حول
محور استعادة العزة وابعاد الذل عن المجتمع
الاسلامي; ولذلك نشير فقط إلى بعض أقوال
الحسين في هذا المجال، ونحيل القارئ إلى كتب
التاريخ. من ذلك:
«ألا وإن الدعي ابن الدعي قد
ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة ، وهيهات
منا الذلة، يأبى اللّه لنا ذلك ورسوله،
وحجور طابت، وانوف حمية، ونفوس أبية من أن
نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام. ألا وإني
زاحف بهذه الاسرة على قلة العدد وخذلان
الناصر...».
ثم تمثل بأبيات فروة بن مسلك
المرادي:
فإن نَهزم فهزّامون قِدماً وإن نُغلب فغير مهزّمينا
وما إن طِبّنا جبن ولكن
منايانا ودولة آخرينا
إذا ما الموت رفّع عن اناس
كلا كله أناخ بآخرينا
فأفنى ذلكم سروات قومي
كما افنى القرون الاخرينا
فلو خلد الملوك إذاً خلدنا ولو بقي الكرام إذاً بقينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا
وقوله لقيس ابن الاشعث: «...لا واللّه لا
اعطيهم بيدي اعطاء الذليل ولا اقر اقرار
العبيد. عباد اللّه إني عذت بربي وربكم أن ترجمون. أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن
بيوم الحساب».
وقوله مخاطباً اصحاب الحر: «ايها
الناس، إن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم
اللّه، ناكثاً لعهد اللّه، مخالفاً لسنة
رسول اللّه، يعمل في عباد اللّه بالاثم
والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان
حقاً على اللّه أن يدخله مدخله. ألا وإن
هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة
الرحمن، واظهروا الفساد، وعطلوا الحدود،
واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام اللّه،
وحرموا حلال اللّه، وأنا أحق من غيّر...».
وقوله بذي حسم: «إنه قد نزل بنا
من الامر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تغيرت،
وتنكرت، وادبر معروفها فلم يبق منها إلاّ
صبابة كصبابة الاناء، وخسيس عيش كالمرعى
الوبيل. ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن
الباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في
لقاء اللّه محقاً; فإني لا ارى الموت إلاّ
سعادة ، ولا الحياة مع الظالمين إلاّ برماً».
وقوله للفرزدق: «رحم اللّه
مسلماً، فلقد صار إلى روح اللّه وريحانه
وجنته ورضوانه. أما إنه قد قضى ما عليه وبقي
ما علينا» ثم أنشأ يقول:
فإن تكن الدنيا تعد نفيسة
فإن ثواب اللّه أعلى وانبل
وإن تكن الابدان للموت أُنشئت
فقتل الفتى بالسيف في اللّه افضل
وإن تكن الارزاق قسماً مقدّراً
فقلة حرص المرء في السعي اجمل
وإن تكن الاموال للترك جمعها
فما بال متروك به المرء يبخل