من فقه مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) - انتفاع ببدن المیت فی التعلیم الطبی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

انتفاع ببدن المیت فی التعلیم الطبی - نسخه متنی

محمد المؤمن

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

من فقه مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)

الانتفاع ببدن الميت في التعليم
الطبي

* الشيخ محمد المؤمن

كلمة حول الانتفاع ببدن الميت في
التعليم الطبي:

إن شق جسد الميت وتقطيع اعضائه لاجل
تعليم طلبة الطب امرحادث فرضه التطور العلمي
الحديث ، ولذلك لم يتعرض لامثاله في بحوث
علمائنا السابقين، وإنما تعرض لها بعض
المتأخرين من عاصرناهم. نعم قد بحث علماؤنا
السابقون مسألة التنكيل بالميت وتعلق الدية
بقطع اعضائه وشقها.

فقال السيد المرتضى في الانتصار (ص8 ـ
167 من المطبوع ضمن الجوامع الفقهية الاُخر) : «ومما
انفردت به الامامية القول بأن من قطع رأس ميت
فعليه مئة دينار لبيت المال، وخالف باقي
الفقهاء في ذلك . دليلنا على صحة ما ذهبنا اليه
الاجماع المتكرر، فإذا قيل : كيف يلزمه دية
وغرامة وهو ما أتلف عضو الحيّ؟ قلنا : لا يمتنع
أن يلزمه ذلك على سبيل العقوبة; لانه مثّل
بالميت بقطع رأسه فاستحق العقوبة بلا خلاف...»
.

وقال شيخ الطائفة في آخر كتاب الديات
من الخلاف : مسألة 137 : إذا قطع رأس ميت أو شيئاً
من جوارحه ما يجب فيه الدية كاملة لو كان
حيّاً، كان عليه مئة دينار دية الجنين، وفي
جميع ما يصيبه مما يجب فيه مقدّر ولا شيء من
حساب المئة على حساب ما يحق للحيّ من الالف،
ولم يوافقنا في ذلك أحد من الفقهاء ولم يوجبوا
فيه شيئاً ، وعندنا أنه يكون ذلك للميت يتصدق
به عنه، ولا يورث ولا ينقل إلى بيت المال.
دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم وقد أوردناها
في الكتاب الكبير.

وقال ابو المكارم بن زهرة في الغنية : (ص621
س8 من المطبوع ضمن الجوامع) : وفي قطع رأس الميت
عشر ديته وفي قطع اعضائه بحساب ذلك، ولا يورث
ذلك بل يتصدّق به عنه; كلّ ذلك بدليل الاجماع
المشار اليه .

وقال المحقق في الشرائع في آخر الحلقة
الاولى من كتاب الديات : المسألة الثانية: في
قطع رأس الميت المسلم الحرّ مئة دينار وفي قطع
جوارحه بحساب ديته، وكذا في شجاجه وجراحه ولا
يرث وارثه منها شيئاً، بل تصرف في وجوه القرب
عنه عملاً بالرواية; وقال علم الهدى(رحمه الله)
: يكون لبيت المال .

وفي المسالك في التعليق على هذه
المسألة : هذا الحكم هو المشهور بين الاصحاب
ومستنده اخبار كثيرة.

وفي الجواهر عند شرحه للمسألة الثانية:
في قطع رأس الميت المسلم الحرّ مئة دينار على
المشهور بين الاصحاب، بل عن الخلاف والانتصار
والغنية الاجماع عليه.

وبالجملة فمسألة تعلق الدية بالجناية
على الميت مذكورة في كلماتهم قديماً وحديثاً،
وما نقلناه نموذج منها، ومن أراد اطلاعاً
ووقوفاً اكثر فليراجع .

اقول: إن شق جسد الميّت وخرقه وتقطيع
اعضائه يمكن أن يتضمّن عناوين ثلاثة ربما
يوجب كل منها حرمته .

احدها: أنه مخالف لحرمة الميّت وهتك
لها; وقد دلت ادلّة كـثيرة على وجوب رعاية
حرمة الميت كالحيّ، ففي صحيحه عبداللّه بن
سنان وخبر عبداللّه بن مسكان الذي هو ايضاً
صحيح بسند الصدوق عن ابي عبداللّه(عليه
السلام) : «في رجل قطع رأس الميّت ; قال : علية
الدية لان حرمته ميّتاً كحرمته وهو حيّ»([1]
وبيان الدلالة أنه(عليه السلام) قد حكم بالدية
وعلّله بتلك العلة والحرمة على ما في كتب
اللغة والاستعمالات المتعارفة، وإن كانت
مستعملة في معنى الاحترام وأخذ الحريم
للانسان أو شيء آخر، وفي معنى الحرمة التي هي
أحد الاحكام التكليفية، إلاّ أن المناسب
لمقام التعليل المذكور ارادة الاحترام، حيث
أن الدية عوض وجابر للجناية الواردة،
فالمناسب أن تعلّل بما يحكي عن حقّ يعوض بها،
وهو إنما يكون بارادة معنى الاحترام وكون
الشيء ذا حريم يمنع انتهاكه، فإذا هتكه هاتك
فقد تجاوز عليه واتلف حقاً منه فعليه أن يعطي
عوضاً عنه وهو الدية; وأما ارادة الحرمة
التكليفية فهي غير مناسبة هنا قطعاً; إذ
الحرمة التكليفية معبّرة عن حق للّه تعالى
وطلب منه، فلا يتعقبه إلا العصيان والحدّ أو
التعزير. وبالجملة فلا ريب في ارادة مالا يحلّ
انتهاكه من الحرمة هنا. قال : في المصباح
المنير : «الحرمة بالضم اسم من الاحترام مثل
الفرقة من الافتراق»; وفي اقرب الموارد
والمنجد والنهاية: «الحرمة مالا يحلّ انتهاكه»،
فإذا أريد بالحرمة الاحترام فلا محالة يكون
مرجع الضمير الذي اضيفت الحرمة اليه هو
الميت، ويكون العبارة كأنه قال : حرمة الميّت
ميتاً كحرمته وهو حيّ، فيدل على أن جميع
الحقوق التي جعلها الشارع للانسان زمن حياته،
وكانت لازمة الرعاية في حقه ثابتة له بعد موته
. ومن المعلوم أن من حقوق الحيّ أن لا يتعرّض
له في جسده بقطع ولا خرق ولا خدش بل ولا حلق
شعر، ويكون جميع ذلك تحت اختياره والتجاوز
على كل منها هتكاً لحرمته موجباً للقصاص
والدية تكريماً له ورعاية لحرمته وهكذا الامر
بعد وفاته بالنسبة لاصل ثبوت الحق والاحترام
له مع غضّ النظر عن حدّ هذه الحرمة.

وما ذكرناه، من أن تحريم الاذى على
الحيّ بأي وجه كان إنما هو من باب رعاية حقه
مضافاً إلى وضوحه بنفسه، مستفاد من اخبار
كثيرة منها صحيحة أبي بصير عن ابي عبداللّه(عليه
السلام) في حديث قال: «إن عندنا الجامعة. قلت :
وما الجامعة؟ قال : صحيفة فيها كل حلال وحرام
وكل شيء يحتاج اليه النّاس، حتى الارش في
الخدش ، وضرب بيده اليّ فقال: اتأذن يا أبا
محمد؟ قلت : جعلت فداك انما أنا لك فاصنع ما
شئت ، فغمزني بيده وقال: حتّى ارش هذا»([2])
فإن استئذانه(عليه السلام) منه في مثل ذلك
الغمز الخفيف فيه دلالة واضحة أن تحريم مثله
إنما هو لرعاية حقه، بحيث يجوز ارتكابه مع
إذنه وليس مثل تحريم الخمر حقّا الهياً محضاً.

ومنها معتبرة اسحاق بن عمار عن ابي
عبداللّه(عليه السلام) قال: «قضى امير
المؤمنين(عليه السلام) في ما كان من جراحات
الجسد أنّ فيها القصاص أو يقبل المجروح دية
الجراحة فيعطاها»([3])
فإن جعل القصاص إلى المجروح وسقوطه لقبوله
الدية دليل صريح على ما ذكرنا .

ومثلها بل اوضح منها صحيحة ابي بصير عن
ابي عبداللّه(عليه السلام) قال : «سألته عن
السنّ والذراع يكسران عمداً لهما ارش او قود؟
فقال : قود ، قال: قلت : فإن أضعفوا الدية ؟ قال :
إن ارضوه بما شاء فهو له»([4])
فإنه قد زاد فيها أن معيار سقوط القصاص إنما
هو رضا المجني عليه، وإن كان بإعطاء أضعاف
الدية الشرعية .

بل قد ورد نظير هذه الاخبار في باب قتل
العمد، ففوّض اختيار القود والانتقال إلى
الدية أو اكثر منها أو اقل إلى اولياء الدم
الذين هم ورثة المقتول، فهو حق انتقل اليهم من
ميتهم، ففي صحيحة عبداللّه بن سنان قال: «سمعت
ابا عبداللّه(عليه السلام) يقول: من قتل
مؤمناً متعمّداً قيدَ منه إلاّ أن يرضى
اولياء المقتول أن يقبلوا الدية، فإن رضوا
بالدية واحبّ ذلك القاتل فالدية»([5]
وفيما رواه يونس بإسناد معتبر عن بعض اصحابنا
عن ابي عبداللّه(عليه السلام) قال: «من قتل
مؤمناً متعمّداً فإنه يقاد به إلاّ أن يرضى
اولياء المقتول أن يقبلوا الدية، أو يتراضوا
بأكثر من الدية أو اقل من الدية، فان فعلوا
ذلك بينهم جاز»([6]).

وبالجملة لا ريب في أن تحريم ايراد
انواع الاذى على الحيّ إنما هو بمعيار أن كل
احد له حرمة يمنع معها التعرض له بشيء، وأن
اللّه تعالى اوجب رعاية حقه وجعل حرمته لازمة
الرعاية حتى في مثل الخدش والغمز والضرب،
والتعرض لذكر الاحاديث الدالة عليه من قبيل
توضيح الواضحات; فإذا مات فقد حرم التعرض
لبدنه في جميع ما كان التعرض له به حراماً في
حياته; فإن حرمته ميّتاً كحرمته وهو حيّ على
ما نطقت به الاخبار التي مرّ نموذج منها([7])، فهذه الطائفة
من الاخبار تامة الدلالة على حرمة خرق بدن
الميت وتقطيع جسده واعضائه.

الثاني: أن يقال : إن كلاً من خرق الجسد
وتقطيع الاعضاء تمثيل به وهو حرام، ففي صحيحة
جميل بن درّاج عن ابي عبداللّه(عليه السلام)
قال: «كان رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)إذا
بعث سريّة دعا بأميرها فأجلسه إلى جنبه واجلس
اصحابه بين يديه ثم قال : سيروا باسم اللّه
وباللّه وفي سبيل اللّه وعلى ملّة رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله). لا تغدروا ولا تغلّوا ولا
تمثّلوا ولا تقطعوا شجرة إلاّ أن تضطرّوا
اليها ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً
ولا امرأة...»([8]
وفي خبر مسعدة بن صدقة عن ابي عبداللّه(عليه
السلام) قال: «إن النبيّ(صلى الله عليه وآله)كان
إذا بعث اميراً على سريّة امره بتقوى اللّه
عزّ وجلّ في خاصّة نفسه، ثم في اصحابه عامّة
ثم يقول : اغز باسم اللّه وفي سبيل اللّه.
قاتلوا من كفر باللّه لا تغدروا ولا تغلّوا
ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليداً ولا متبتّلا
في شاهق»([9])، وفي وصية امير
المؤمنين(عليه السلام)للحسنين(عليهما السلام)
لمّا ضربه ابن ملجم لعنة اللّه عليه: «انظروا
إذا انا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة،
ولا تمثّلوا بالرجل فإني سمعت رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) يقول : إيّاكم والمثلة ولو
بالكلب العقور»([10]
إلى غير ذلك من الاخبار([11]
فهذه الروايات التي فيها صحيحة السند تضمّنت
النهي عن التمثيل بالكفار الحربيين، والنهي
حجة على الحرمة; فإذا حرم في الكافر كان في
المسلم ايضاً حراماً قطعاً; وليس التمثيل
إلاّ قطع بعض الاعضاء كالاُذن والانف والرجل
واليد.

إلاّ أن لقائل أن يمنع صدق التمثيل على
مجرد شق الجسد وخرقه أو قطع اعضاء البدن، لان
الظاهر أن التمثيل هو ماكان من القطع بقصد
التنكيل والتعذيب بحيث يصير عبرة لغيره ، ففي
المصباح: «مثّلت بالقتيل مثلاً من بابي قتل
وضرب : إذا جدعته وظهر آثار فعلك عليه
تنكيلاً، والتشديد مبالغة، والاسم المثلة
وزان غرفة، والمثلة ـ بفتح الميم وضمّ الثاء ـ
العقوبة»، وفيه: «جدعت الانف جدعاً ـ من باب
نفع ـ : قطعته، وكذا الاذن واليد والشفة»،
وفيه ايضاً: «نكل به ينكل من باب قتل نُكلةً
قبيحة: أصابه بنازلة، ونكّل به بالتشديد
مبالغة أيضاً، والاسم النكال»، وفي المنجد «مَثَل
ـ مَثلاً ومُثلة بالرجل: نكّل... وبالقتيل:
جدعه وظهرت آثار فعله عليه تنكيلاً»، وفيه: «نكّل
به : صنع به صنيعاً يحذّر غيره ويجعله عبرة له».

وعليه فشق الجسد أو قطع العضو إذا كان
لغاية عقلائية، كما فيما نحن فيه، ليس
مصداقاً لعنوان التمثيل كما هو واضح.

الثالث: أن يقال: إن تشريح جسد الميت
واعضائه يستلزم تأخير دفنه، مع أن الدفن واجب
وتأخيره زمناً طويلاً غير جائز.

أما وجوب الدفن فلعله من الضروريات،
ويدل عليه من الروايات موثقة سماعة عن ابي
عبداللّه(عليه السلام) قال: «سألته عن السقط
إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللّحد
والكفن؟ قال: نعم، كل ذلك يجب عليه إذا استوى»([12])
وصحيحة علي ابن جعفر أنه سأل اخاه موسى بن
جعفر(عليهما السلام) عن الرجل يأكله السبع أو
الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال:
«يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويدفن»([13]) رواها المشايخ
الثلاثة(قدس سرهم)، ومثلها بعينها صحيحة خالد
بن ماد القلانسي([14]
فإنه(عليه السلام) عبّر عن وجوب الدفن بجملة
إخبارية ظهورها في الوجوب مما لا ينكر .

كما يدل عليه في خصوص قطع الميت ما
رواه اسحاق بن عمار عن الصادق عن ابيه(عليهما
السلام) أن عليّاً(عليه السلام) وجد قطعا من
ميّت فجمعت ثم صلّى عليها ثمّ دفنت([15])
فإن نقل فعل امير المؤمنين(عليه السلام) في
مقام بيان الحكم ظاهر في ارادة بيان أن قِطَع
الميت بحكم الكل في وجوب دفنها .

وفي مرسل البرقي عن بعض اصحابه عن ابي
عبداللّه(عليه السلام) قال: «إذا وجد الرجل
قتيلاً فإن وجد له عضو تام صلّي عليه ودفن،
وإن لم يوجد له عضو تام لم يصلّ عليه ودفن»([16])
وظهوره في وجوب دفن العضو تاماً وناقصاً واضح
. هذا بالنسبة إلى اصل وجوب الدفن.

وأما عدم جواز تأخيره فربما يستدل به
بالاخبار الواردة في الحث على تعجيل تجهيز
الميت، ففي خبر جابر بن يزيد الجعفي عن ابي
جعفر(عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله): يا معشر الناس لا ألقينّ (ألفينّ)
رجلاً مات له ميّت ليلاً فانتظر به الصبح، ولا
رجلاً مات له ميّت نهاراً فانتظر به اللّيل.
لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها.
عجّلوا بهم إلى مضاجعهم يرحمكم اللّه. قال
الناس : وأنت يارسول اللّه يرحمك اللّه»([17]
وفي خبر السكوني عن ابي عبداللّه(عليه السلام)
قال: «قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : إذا
مات الميّت أول النهار فلا يقيل إلاّ في قبره»([18]
وفي خبر عيص عن ابي عبداللّه عن ابيه(عليهما
السلام) قال : «إذا مات الميّت فخذ في جهازه
وعجّله»([19]
وهذه الاخبار قد حثت بالتعجيل في جهاز
الميّت، وظاهرها بنفسها وجوبه; ولو حملت على
التعجيل عرفاً لما كان ينبغي الريب في أن
تأخير دفنه اياماً عديدة مناف له .

إلاّ أن يقال: إن سندها ضعيف بالارسال
والاشتمال على المجاهيل أو الضعاف، مضافاً
إلى أنه قد روى الصدوق مرسلاً في من لا يحضره
الفقيه فقال: «قال رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله): كرامة الميّت تعجيله»([20]
فهو يدل على أن التعجيل إنما استحب وأمر به
لاجل أنه كرامة للميت، فلا محالة يتحدد
الوجوب بما ينافي كرامته ويكون اهانة له.
وبعبارة اُخرى: إن تكريم المؤمن ليس باطلاقه
واجباً، وإنما اللازم أن لا يهان ولا يستخف
به، فالتعجيل لما كان تكريماً محضاً فهو
مستحب غير واجب; نعم إذا أوجب التأخير اهانة
له كان حراماً; فضمّ هذه المرسلة التي اسندها
الصدوق إلى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
جزماً ولا يقصر سندها عن الاخبار الاخر يصير
قرينة على أن التعجيل ما لم يؤدّ تركه إلى
الاهانة مستحب ليس إلاّ، فهو قرينة ارادة
الاستحباب من هذه الاخبار، وإذا أدّى إلى
الاهانة كان حراماً بلا شبهة; فإن حرمته ميتاً
كحرمته وهو حيّ، فالحاصل أن التعجيل بما هو
تعجيل مندوب والمحرّم هو الاهانة واللّه
العالم.

فقد تحصّل أن المعتمد في القول بحرمة
خرق جسد الميت وشقّه وتقطيع اعضائه هي
الطائفة الاولى من الادلة، وأن هذه الحرمة
إنما هي لاجل الاحترام المشروع له حال حياته،
وأن حرمته ميتاً كحرمته وهو حيّ .

وبعد ذلك يقع الكلام في فروع :

الاول: إذا كان خرق الجسد لغرض اهم من
حفظ هذه الحرمة للميّت، كما إذا توقف حفظ حياة
حيّ عليه، فمقتضى قاعدة باب التزاحم جوازه بل
وجوبه، ويدل عليه ايضاً صحيحة علي بن يقطين
قال: «سألت ابا الحسن موسى(عليه السلام)عن
المرأة تموت وولدها في بطنها يتحرك، قال: يشق
عن الولد»([21])
وظاهرها كما ترى وجوب الشق واخراج الولد،
ومثلها مرسل ابن ابي عمير وخبر علي ابن ابي
حمزة وموثقة محمد بن مسلم([22])
وغيرها([23]).

وفي خبر وهب بن وهب الذي رواه الكليني
والشيخ(قدس سرهما) عن ابي عبداللّه(عليه
السلام)قال : «قال أمير المؤمنين(عليه السلام)
: إذا ماتت المرأة وفي بطنها ولد يتحرك فيتخوف
عليه فشقّ بطنها وأخرج الولد». وقال في المرأة
يموت ولدها في بطنها فيتخوف عليها: «لا بأس أن
يدخل الرجل يده فيقطعه ويخرجه إذا لم يرفق به
النساء»([24])
وفي اللفظ اختلاف لا يضر بالمعنى ونقلناه عن
الكافي. إلاّ أن مورد الاخبار كما ترى موت
الحامل دون الحمل وبالعكس، إلاّ أنه احد
مصاديق باب التزاحم.

وعليه فلو توقف كشف مرض يوجب الموت
وعلاجه على شق بدن ميت مات عقيب الابتلاء به،
لكان شق جسده جائزاً لكي يتضح حقيقة هذا المرض
ويعالج غيره ممن هو مبتلى به كما لا يخفى .

الثاني: إذا اوصى انسان أن يوضع جسده
بيد المؤسسات الطبية لكي يشق أو يقطع اعضاؤه،
ويستفيد منه طلاب الطبّ في ازدياد معلوماتهم
الطبية وارتقائها، فالظاهر جواز الوصية
ووجوب العمل بها; وذلك لما عرفت أن السر في
حرمة الشق أو التقطيع أن الشارع المقدس راعى
حق الميّت، وأوجب حرمته فجعلها كحرمته وهو
حيّ، ومن الواضح أن للانسان في حال حياته أن
يفعل ببدنه ما يشاء إذا كان له مصلحة مرعية،
ولم يرد نهي عنه شرعاً، والنهي إنما ورد عن
قتل نفسه وأما ما دونه فلا دليل على حرمته،
إلاّ مثل قوله(صلى الله عليه وآله): «لا ضرر
ولا ضرار» بناء على شموله للاضرار بنفسه أو
غير ذلك. وقد حققنا في البحث عن مفهوم الضرر
أنه لا يصدق إذا كان في تحمل النقص المالي أو
البدني غاية عقلائية يعوّض بها ذلك، فكما أن
له أن يفعل ببدنه ما دون القتل في حياته فهكذا
يجوز له أن يوصي به بالنسبة لما بعد وفاته;
وذلك أن ادلة الوصية توصل حياته بموته وتوسع
دائرة اختياراته المشروعة لما بعد وفاته، فمن
مثل قول الامام ابي جعفر الباقر(عليه السلام):
«الوصيّة حقّ وقد اوصى رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله)، فينبغي للمسلم أن يوصي»([25]
يفهم العرف أنه ما كان للانسان أن يفعله من
التصرفات والحقوق غير المشروطة بالمباشرة
فله أن يوصي بأن يفعل بعد وفاته، فأدلة
الوصيّة تعميم لاختياراته وتوسعة لها إلى ما
بعد الممات.

إن قلت: إن شق جسد الميت وتقطيع اعضائه
اهانة له واذلال، وقد ورد النهي عن إذلال
النفس في زمن الحياة، فلا محالة ليس له الوصية
به بعد الوفاة، والدليل على حرمة الاذلال
اخبار معتبرة مستفيضة; ففي موثقة ابي البصير
عن ابي عبداللّه(عليه السلام)قال: «إن اللّه
تبارك وتعالى فوّض إلى المؤمن كل شيء إلاّ
إذلال نفسه»، وفي موثقة سماعة قال : «قال ابو
عبداللّه(عليه السلام): ان اللّه عزّ وجلّ
فوّض إلى المؤمن اموره كلها ولم يفوّض اليه أن
يذلّ نفسه، أما تسمع قول اللّه عزّ وجلّ : (وللّهِ
العِزّةُ ولِرسولِه وللمُؤمنينَ)؟»([26])
إلى غير ذلك.

قلت : لا نسلّم أن يكون الشق والتقطيع
المذكوران، إذا كانا عن وصية منه وإذن،
اذلالاً، نعم لو فعل به شيء منهما قهراً عليه
وظلماً ولم يمكنه الدفاع عن نفسه لكان صدق
الاذلال والذلة غير بعيد، وأما إذا كان عن اذن
منه لم يصدق عليه الاذلال بل كان كرامة منه
وسيادة كما ينقل عن بعض علماء الطبّ واساتذته.

الثالث: لا ريب في أن القدر المتيقن
فيما ذكرنا من حرمة الشق والتقطيع هو المسلم،
وأما الكفار ففي تحرير الوسيلة لسيدنا
الاستاذ الامام الخميني(قدس سره): «لايجوز
تشريح الميت المسلم، فلو فعل ذلك ففي قطع رأسه
وجوارحه دية ذكرناها في الديات، وأما غير
المسلم فيجوز ذمّياً كان أو غيره ولا دية ولا
اثم فيه»([27]
وفي مستحدثات المسائل من منهاج الصالحين
للسيد العلاّمة الخوئي(قدس سره) المسألة 36: «لا
يجوز تشريح بدن الميت المسلم، فلو فعل لزمته
الدية على تفصيل ذكرناه في كتاب الديات»، وفي
المسألة 37 : «يجوز تشريح بدن الميّت الكافر
بأقسامه، وكذا إذا كان اسلامه مشكوكاً فيه
بلا فرق في ذلك بين البلاد الاسلامية وغيرها»([28]).

إلاّ ان لقائل أن يقول: إن المستفاد من
الادلة أن لكفّار أهل الذمة حرمة ما داموا على
شرائط الذمّة، والاخبار الدالة على احترام
الميّت مطلقة تعم المسلم والكافر، ولازمها
عدم جواز فعل الشق والتقطيع بالنسبة لميت
الذمي من الكفّار ايضاً .

أما ما يدل على أن لاهل الذمة حرمة
فطائفتان:

الاولى: ما تدل على رفع اليد عنهم
والكفّ عن قتالهم إذا قبلوا الجزية وأعطوها،
فقد قال اللّه عزّ وجلّ : (قاتلوا الذين لا
يُؤمنون باللّه ولا باليوم الاخر ولا
يُحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينونَ
دين الحقّ من الّذين أُوتوا الكتاب حتّى
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)([29])
فالاية كالصريحة في أن القتال ينتهي إذا
أعطوا الجزية فتكفّ اليد عنهم، وظاهره أنهم
بعد ذلك كسائر الناس المسلمين لا يتعرّض لهم
بشيء، وهو عبارة اخرى عن ثبوت الحرمة لهم
كغيرهم من الناس.

وفي خبر مسعدة بن صدقة عن ابي عبداللّه(عليه
السلام) قال: «إن النبي(صلى الله عليه وآله)
كان إذا بعث اميراً له على سريّة أمره بتقوى
اللّه عزّ وجلّ في خاصة نفسه ثم في اصحابه
عامة ثم يقول: ... وإذا لقيتم عدوّاً للمسلمين
فادعوهم إلى احدى ثلاث، فإن هم اجابوكم اليها
فاقبلوا منهم وكفّوا عنهم (إلى ان قال بعد
الامر بالدعوة إلى الاسلام والهجرة): فإن أبوا
هاتين فادعوهم إلى اعطاء الجزية عن يد وهم
صاغرون، فإن اعطوا الجزية فاقبل منهم وكفّ
عنهم...»([30])
وكيفية الاستدلال به يعلم مما ذكرناه في
الاية .

وفي خبر حفص بن غياث (في حديث) أنه سأل
ابا عبداللّه(عليه السلام) عن النساء كيف سقطت
الجزية عنهنّ ورفعت عنهن قال: «فقال : لان رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) نهى عن قتل النساء
والولدان في دار الحرب إلاّ أن يقاتلن، فإن
قاتلن أيضاً فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف
خللاً، فلما نهى عن قتلهن في دار الحرب كان
ذلك في دار الاسلام أولى; ولو امتنعت أن تؤدي
الجزية لم يكن قتلها، فلما لم يمكن قتلها رفعت
الجزية عنها ، ولو امتنع الرجال أن يؤدّوا
الجزية كانوا ناقضين للعهد وحلّت دماؤهم
وقتلهم; لان قتل الرجال مباح في دار الشرك ،
وكذلك المقعد من أهل الذمّة والاعمى والشيخ
الفاني والمرأة والولدان في ارض الحرب، فمن
اجل ذلك رفعت عنهم الجزية»([31])
.

فالخبر قد دلّ على حرمة دماء الطوائف
المذكورة من أهل الذمة مطلقاً، وعلى حرمة
دماء غيرهم من الرجال إذا لم ينقضوا عهد الذمة;
وحرمة دمائهم عبارة اخرى عن أنهم محترمون وأن
لهم حرمة في ظل الاسلام، ومع هذه الحرمة لا
يشك احد في أنه لا يجوز لاحد من المسلمين
التعرض لهم، حتى بمثل الايذاء فضلاً عن الجرح
أو القتل. ومن هذا ما ورد في مرسل محمد بن ابي
حمزة أنه «مر شيخ مكفوف كبير يسأل فقال امير
المؤمنين(عليه السلام): ما هذا ؟ قالوا: يا
امير المؤمنين، نصراني، فقال امير المؤمنين(عليه
السلام): استعملتموه حتى اذا كبر وعجز منعتموه
؟! أنفقوا عليه من بيت المال»([32]).

وفي صحيحة زرارة قال: «قلت لابي
عبداللّه: ما حدّ الجزية على أهل الكتاب دخل
عليهم في ذلك شيء موظّف لا ينبغي أن يجوز إلى
غيره ؟ فقال : ذلك إلى الامام يأخذ من كلّ
انسان منهم ما شاء على قدر ماله وما يطيق.
إنّما هم قوم فدوا انفسهم من أن يستعبدوا أو
يقتلوا، فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما
يطيقون، له أن يأخذهم به حتى يسلموا»([33]).

وفي صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألته عن
أهل الذمة ماذا عليهم مما يحقنون به دماءهم
وأموالهم؟ قال: الخراج، وإن أُخذ من رؤوسهم
الجزية فلا سبيل على أرضهم، وإن أُخذ من أرضهم
فلا سبيل على رؤوسهم»([34]
فهاتان الصحيحتان وان تعرّضتا لحكم حقن
دمائهم واموالهم صريحاً، إلاّ أن المفهوم
منهما عرفاً، كما في غيرهما مما قد مرّ، أن
لاهل الكتاب بعد اداء الجزية حق الحياة في دار
الاسلام كما لاهل الاسلام، فلا يجوز لاحد من
المسلمين التعرّض لهم بإيذاء ولا ضرب ولا جرح.

فهذه الطائفة الاولى من الادلة مما دل
بوضوح على ثبوت الحرمة لاهل الذمة من أهل
الكتاب.

الطائفة الثانية : ما تدلّ على حرمة
قتلهم وايراد الجناية عليهم وترتب الدية بل
القصاص على الجناية عليهم، فمنها موثقة سماعة
قال: «سألت ابا عبداللّه(عليه السلام)عن مسلم
قتل ذمّيّاً فقال : هذا شيء شديد لا يحتمله
الناس، فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل
أهل السواد وعن قتل الذميّ، ثم قال: لو أنّ
مسلماً غضب على ذميّ فأراد أن يقتله ويأخذ
ارضه ويؤدّي إلى أهله ثمانمئة درهم إذاً يكثر
القتل في الذميّين، ومن قتل ذمّيّاً ظلماً
فإنه ليحرم على المسلم أن يقتل ذمّيّاً
حراماً ما آمن بالجزية وأدّاها ولم يجحدها»([35]).

ودلالتها على حرمة قتل الذمي إذا كان
يؤدي الجزية ويعمل بمقتضى عقد الذمة واضحة،
بل إن دلالتها على تعلق الدية بقتله ظلماً
ايضاً واضحة، وتدلّ ايضاً على أن دية الذمي
إذا كان قتله عمداً وظلماً مثل دية المسلم;
ولا محالة تختص دية الثمانمئة بشبه العمد
والخطأ، إلاّأن الاصحاب لم يعملوا بهذا الحكم
الاخير وهو موافق لقول جمع من العامة([36])
، فيحمل على التقية بعد تعارضها مع غيرها من
اخبار كثيرة عليها العمل، لكنه لا ينافي
حجيتها في سائر ما تضمنته كما لا يخفى، فتدل
على حرمة قتل الذمي وعلى وجوب اداء ديته إلى
أهله، والدية لا محالة اذعان بحرمة المقتول.

ومنها اخبار كثيرة تدل على أن دية
الذمي ثمانمئة درهم، ففي صحيحة ابن مسكان عن
ابي عبداللّه(عليه السلام) قال: «دية اليهودي
والنصراني والمجوسي ثمانمئة درهم»([37]).

ومنها ما تدل على أن دية اعضاء الذمي
تقدر بنسبة دية هذا العضو إلى كل الدية كما في
المسلم، ففي صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر(عليه
السلام) قال: «لا يقاد مسلم بذمي في القتل ولا
في الجراحات، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته
للذمي على قدر دية الذمي ثمانمئة درهم»([38])
ومن هذه الاخبار صحيحة بريد العجلي قال: «سألت
ابا عبداللّه(عليه السلام) عن رجل مسلم فقأ
عين نصراني فقال: إن دية عين النصراني اربعمئة
درهم»([39])
والاربعمئة نصف كل ديته، وهي بهذه النسبة في
المسلم ايضاً.

ومنها خبر السكوني عن جعفر عن ابيه عن
علي(عليه السلام): انه قضى في جنين اليهودية
والنصرانية والمجوسية عشر دية أمه([40])
وقد حدد في جنين المسلمة بمئة دينار([41])
وهي عشر الف دينار دية المسلم.

ومن اخبار الباب موثقة اسماعيل بن
الفضل قال: «سألت ابا عبداللّه(عليه السلام)عن
دماء المجوس واليهود والنصارى، هل عليهم وعلى
من قتلهم شيء إذا غشّوا المسلمين واظهروا
العداوة لهم؟ قال: لا ، إلاّ أن يكون متعوّداً
لقتلهم. قال : وسألته عن المسلم هل يقتل بأهل
الذمة وأهل الكتاب إذا قتلهم ؟ قال : لا ، إلاّ
أن يكون معتاداً لذلك لا يدع قتلهم فيقتل وهو
صاغر»([42]).

فمفهوم صدر الموثقة عدم جواز قتلهم
إذا لم يغشّوا المسلمين ولم يظهروا العداء
لهم، وصريح ذيلها ان المسلم يقتل قصاصاً إذا
اعتاد قتلهم، والموثقة معمول بها وفيها دلالة
واضحة على ثبوت الحرمة لاهل الذمة وأهل
الكتاب.

ونحوها غيرها فراجع ابواب القصاص
والديات.

فهاتان الطائفتان دلّتا على ثبوت
الحرمة لاهل الذمة وأهل الكتاب، وإن لم تكن
هذه الحرمة على حدّ حرمة المسلمين; فإذا
انضمتا إلى الاخبار المعتبرة الدالة على أن
حرمة الميت كحرمة الحي، استفيد منها حرمة
التعرض لميت أهل الذمة كما يحرم التعرض
للاحياء منهم; ودعوى انصراف هذه الاخبار إلى
ميت المسلم ممنوعة لعدم الشاهد عليها، فانظر
إلى صحيح عبداللّه بن سنان عن ابي عبداللّه(عليه
السلام) في رجل قطع رأس الميّت قال: «عليه
الدية لان حرمته ميتاً كحرمته وهو حي»([43])
فبأيّ دليل وشاهد يدّعى انصرافه الى المسلم؟
فقد سئل عن قطع رأس الميت والسؤال عام لكل
ميّت، وكون الميت المسلم في معرض الابتلاء
اكثر لا يوجب انصرافا، لا سيما في موضوع سؤال
نادر واجاب(عليه السلام) بانه عليه الدية،
ودية كل احد بحسبه وعلله بأن حرمته ميتاً
كحرمته حيّاً، وهو ايضاً تعليل عام ينصرف في
كل مورد إلى ما يناسبه.

إن قلت: قد روى عمار بن موسى بسند معتبر
عن ابي عبداللّه(عليه السلام)، أنه سئل عن
النصراني يكون في السفر وهو مع المسلمين
فيموت قال: «لا يغسله مسلم ولا كرامة ولا
يدفنه ولا يقوم على قبره وإن كان اباه»([44])
فقد دلّ على عدم رجحان تجهيز النصراني الذي هو
من أهل الذمة، وزاد عليه بقوله: «ولا كرامة»
الدال على نفي الاحترام عن ميتهم; فهذا الموثق
كالمختص لعموم مثل صحيحة عبداللّه ابن سنان
إذا سلّمنا عدم انصرافها .

قلت: ان حق التجهيز للميت يثبت لخصوص
الميت وليس حقا ثابتاً للحيّ حتى يثبت بمثل
صحيحة ابن سنان للميت، فليس في مجرد نفي
رجحانه دليل على تخصيص عموم الصحيحة ، وأما
قوله: «لا كرامة» فالظاهر أن المراد به أن
السيادة والكرامة المناسبتين للمسلم لا
ينبغي ان تجرّاه إلى القيام بتجهيز الكافر;
فهو نظير قوله تعالى: (الزانية والزّاني
فاجلدوا كلَّ واحد منهما مئةَ جلدة ولا
تأخذكم بهما رأفةٌ)([45])
وليس ظاهراً في نفي الحرمة عن الميت الذمي .

فالمتحصل أن مقتضى الاخبار الواردة في
الابواب المتفرقة ثبوت الحرمة لميت الكفار
أهل الذمة، كما قد يثبت حرمة الاحياء منهم فلا
يستقيم ما افتى به السيدان العالمان.

هذه غاية ما امكننا من بيان ثبوت
الاحترام للميت من أهل الذمة .

وبعد ذلك كله لا يبعد أن يقال: إن غاية
ما يستفاد من الطائفتين المذكورتين، أن لاهل
الذمة الذين يعيشون في ظل لواء الاسلام
ملتزمين بشرائط الذمة هذه الاحكام وتلك
الحقوق; وأما أن منشأ هذه الحقوق هي حرمة أهل
الذمة ام إن منشأها حرمة ذمة الاسلام فلا
دلالة لهما عليه; بل إن من كان بنفسه محكوماً
بأن يقاتل ويقتل فلا حرمة له في نفسه، إلاّ أن
الدولة الاسلامية لمّا اذنت لهم بأن يلتزموا
بشروط خاصة ويعيشوا في البلاد الاسلامية، كان
نفس هذا الاذن المبني على رعاية بعض المصالح
السامية قد ادى إلى التعامل معهم بمثل هذا
الموقف; فالحرمة ذمة الاسلام وهي تجري في كل
مورد اعطى فيه الاسلام واولياء امور المسلمين
امناً وذمة لاحد، حتى ولو كان كافراً حربياً
مشركاً; فانظر إلى قوله تعالى : (فإذا انسلخ
الاشهر الحرمُ فاقتُلوا المشركين حيث
وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كُل
مرصد)([46]
فمع هذا التأكيد والشدة في قتلهم والقيام
بصدده وعدم أي قصور فيه قال تبارك وتعالى في
الاية التالية لها: (وإن أحد من المشرِكين
استَجارك فأجره حتّى يسمَع كلام اللّهِ ثمّ
ابلغه مأمنه)([47])
فامره بان يؤمن المستأمن ويجير المستجير وهو
كافر مشرك واجب القتل، فيعطى له الامان إلى أن
يبلغ مأمنه ومأواه; ومن الواضح أنه مادام في
هذا الامن الاسلامي فلا يجوز لاحد أن يتعرض له
بايذاء فضلاً عن جرح أو قتل; ولا يبعد أن تقدّر
دية على من اصابه بما يوجبها، إلاّ أن كل ذلك
ليس لاجل أن للمشرك حرمة في الاسلام بل إنما
هو لاجل أنه اعطي الامان; فهذا كله لاجل حرمة
الاسلام وتكريم لامان الاسلام، وحينئذ فاهل
الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس الّذين
يعيشون في ظل الدولة الاسلامية وتحت لوائها
ليس لانفسهم بانفسهم حرمة، وإنما الحرمة بما
أنهم في ذمة الاسلام وحماه وإلاّ فهم مكلّفون
باعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون، فقد كتب
عليهم الصغار رحمة لهم لكي يجدوا ذلاً
فيدخلوا في عزّ الاسلام. ومما يدل على أن لا
حرمة للكفار ما ورد عنهم(عليهم السلام)
مستفيضاً في مقام بيان مشاركة الايمان
للاسلام من قولهم(عليهم السلام): «الاسلام ما
عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء»([48])
فالاسلام هو الموجب لحقن الدم، فالكافر ليس
بما هو كافر محقون الدم فضلاً عن أن يكون له
حرمة بما يزيد في شأنه وعليه فلا مجال
للاستدلال لاحترامهم بمثل قولهم(عليهم
السلام) في رجل قطع رأس ميت: «عليه الدية لان
حرمته ميتاً كحرمته وهو حيّ»([49]
وعلى ضوء ذلك فإنه يدل على انسحاب الحرمة
الثابتة للميت حال حياته إلى ما بعد وفاته،
ولا محالة يختص مورده بمن كان له في حال
الحياة حرمة; وأما من لم يثبت له حرمة حال
الحياة فبطبيعة الحال لا يكون مشمولاً للعموم
المذكور، بل إننا نعلم أن الشك في ان الحرمة
الواردة في اهل الذمة هي حرمة الاسلام أو
حرمته لهم، حيث يتم قبول شرائط الذمة من قبلهم
كحيثية تعليلية لثبوت هذه الاحترامات لاهل
الذمة أنفسهم، فمجرد الشك كاف في عدم امكان
الاستدلال بهذه الروايات على ثبوت الحرمة لهم;
فإنه من قبيل الاستدلال بالعام في شبهته
المفهومية.

هذا كله في أهل الذمة من أهل الكتاب .

وأما الحربيون منهم وسائر انواع
الكفار الذين لا يصح عقد الذمة معهم فعدم ثبوت
الحرمة لميتهم واضح .

كما أن مما ذكرنا يظهر حال المستأمنين
الذين اعطتهم الحكومة الاسلامية الامان في
البلاد الاسلامية، فإن حرمة اشخاصهم بأنفسهم
غير ثابتة، وإنما الحرمة لامان الاسلام الذي
منحه ولي المسلمين، ولا يقتضي ذلك اكثر من
المماشاة معهم حال حياتهم، وأما بعد موتهم
فلا دليل على رعاية الحرمة لهم ولاجسادهم.

فتحصّل أن الكفار مطلقاً لا دليل على
حرمة تشريح اجسادهم وخرقها للاهداف الطبية
وغيرها . نعم لو وقع عقد خاص بين ولي امر
المسلمين وزعماء الكفار على أن لا يتعرضوا
لاجساد الموتى من الكفار، فهذا العقد محترم
يجب الوفاء به بحكم عموم قوله تعالى: (أوفُوا
بالعقودِ)([50])
كما لا يخفى.

الرابع: إذا اندرست القبور وخربت او
هدمت وظهر منها عظام الموتى المسلمين، فهل
يجوز الانتفاع بها في التعليم ؟ المحكي في بعض
الاستفتاءات عن بعض اجلّة العصر جوازه،
ولعلّه لانصراف ادلة اثبات الحرمة للميت عن
مثلها; لكن لقائل أن يمنع الانصراف ويستند إلى
عموم قولهم(عليهم السلام): «إن حرمته ميتا
كحرمته وهي حيّ » فما دام العظم على هيئته
يعدّ عضواً من اعضاء هذا المسلم; فالتعرض له
اهانة لصاحبه، ووجوب احترامه يقتضي عدم
التعرض له، كما أن اطلاق أدلة وجوب دفن
الاعضاء والعظام يدل على وجوب دفنها; ودفن
الميت كما عرفت مرتبة من مراتب تكريمه قد
اوجبها الشارع. وربما يؤيد دعوى الاطلاق ما
ورد في الاخبار من وجوب دفن شعر الميت وظفره
وامثالهما إذا بانت منه، ففي الصحيح المروي
عن الكافي والتهذيب عن ابن ابي عمير عن بعض
اصحابه عن ابي عبداللّه(عليه السلام) قال: «لا
يمسّ من الميّت شعر ولا ظفر، وإن سقط منه شيء
فاجعله في كفنه»([51])
فإيجاب دفن هذه الاشياء القليلة الاهمية دليل
على اهمية حرمته التي يجب رعايتها، وعلى عدم
انصراف العمومات والمطلقات عن مثل العظام.
واللّه العالم.

الخامس: هل الجنين الميت بحكم من مات
من الاحياء فلا يجوز شق جسده ولا تقطيع
اعضائه، أو حفظه في قارورة محشوة بالكحول
وعدم دفنه؟ لا يبعد أن يقال: إن كل ما منعه
الشرع بالنسبة للانسان وهو حيّ، ولو كان في
ادنى مراتب الحياة، هو رعاية حق له وتكريم،
وقد حرّم الشارع المقدس شرب دواء يوجب اسقاط
النطفة، كما في صحيحة رفاعة بن موسى النخاس،
قال: «قلت لابي عبداللّه(عليه السلام) : اشتري
الجارية فربما احتبس طمثها من فساد دم أو ريح
في رحم فتسقى دواء لذلك فتطمث من يومها;
افيجوز لي ذلك وأنا لا ادري من حبل هو أو غيره،
فقال لي: لا تفعل ذلك، فقلت له : إنه انما ارتفع
طمثها منها شهراً، ولو كان ذلك من حبل إنما
كان نطفة كنطفة الرجل الذي يعزل، فقال لي: إن
النطفة إذا وقعت في الرّحم تصير إلى علقة ثم
إلى مضغة ثم إلى ما شاء اللّه، وإن النطفة إذا
وقعت في غير الرحم لم يخلق منها شيء، فلا
تسقها دواء إذا ارتفع طمثها شهراً وجاز وقتها
الذي كانت تطمث فيه»([52])
فإنه(عليه السلام) قد منع عن شرب الدواء لمن
احتملت الحمل، وليس ذلك إلاّ رعاية لحق من
يتكون من هذه النطفة; فللانسان حق يجب رعايته
من ابتداء انعقاد نطفته، فالنطفة المنعقدة من
الانسان محترمة لا يجوز الاقدام على عمل يمنع
بلوغها مرتبة الانسانية الكاملة; فلو فرض أن
عملاً لا يوجب اعدامها بالمرة إلاّ أنه يوجب
ورود نقص عليها في العضو الذي يخلق لها، فلا
ريب في أن المستفاد من مثل الحديث عدم جواز
الاقدام عليه; لان لها حقاً واجب الرعاية،
وحينئذ فإذا سقط الجنين فالتعرض له واخذ بعض
اجزائه أو اعضائه تعرّض لمن يملك حرمة فيما لو
كان حياً في الشريعة، وقد قالوا(عليهم السلام):
«إن حرمته ميتاً كحرمته وهو حيّ» مضافاً إلى
ما ورد في وجوب دفنه، ففي موثقة سماعة عن ابي
عبداللّه(عليه السلام) قال: «سألته عن السقط
إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد
والكفن، قال : نعم كل ذلك يجب عليه إذا استوى»([53]
فالمستفاد من السؤال هو السؤال عن استوائه في
الاحكام المذكورة للاحياء، والمستفاد من
الجواب اثبات ذلك، فلا يجوز حفظ الجنين في
القارورة وتأخير دفنه بما لا يجوز في الاموات.
وبالجملة فالدليل على عدم الجواز هو اطلاق
قولهم(عليهم السلام): «إن حرمته ميتاً كحرمته
وهو حيّ» مضافا إلى ما تدل عليه هذه الاخبار
الخاصة من مسألة وجوب دفنه كما في غيره من
الاموات، ودلالة الاطلاق على حكم الجنين
المستوي غير بعيدة، وعلى غيره بعهدة مدعيها
فتدبّر.

السادس: هل يجوز شق الجسد لكشف الجريمة
؟ كما لو قتل انسان برصاص سلاح احد من الشخصين
مختلفي السلاح، وبقي الرصاص في جسد المقتول،
فلو شق جسده واخرجت البندقة لاكتشف القاتل. لا
يبعد أن يقال: تارة يعلم أنه لو شق الجسد
لانكشف المجرم واتضح الواقع كما في المثال،
واخرى يحتمل ذلك. أما الاول فحيث ان انكشاف
الواقع يؤدي إلى توصل اولياء الدم إلى حق
القصاص من القتل لمورثهم، فإذا طلبوه وكان
للحاكم ذاك الطريق فرعاية حقهم هذا مزاحمة
لرعاية حرمة الميت، إن لم نقل: إن قتل قاتله
ايضاً رعاية حرمة اخرى له، فلا اقل من أن
الحقين هنا متزاحمان، فلو لم يثبت أن ملاك
حرمة الشق اقوى واحتمل تساويهما لجاز الاقدام
على شقه، فضلاً عما لو علم أن الملاك في حق
اولياء الدم اقوى; وأما الثانية فالظاهر أنه
لا يجوز ارتكاب حرام مسلّم لمجرد احتمال
احياء الحق فتدبّر.

السابع: هل يجوز شق الجسد لملاحظة حال
الحمل الذي مات مع امه في بطنها، حتى يكتشف
أنه ذكر أو انثى، وبذلك يعلم مقدار الدية
الواجبة بقتله؟ ربما يقال باتحاد مدرك هذه
المسألة ومدرك المسألة السابقة، إلاّ أن
الظاهر خلافه; فإنه قد وردت اخبار معتبرة بأن
ديته ثلاثة ارباع دية الذكر، ففي الصحيحة
المروية عن كتاب ظريف عن امير المؤمنين(عليه
السلام) : « ... وإن قتلت امرأة وهي حبلى متم فلم
يسقط ولدها ولم يعلم أذكر هو أو انثى، ولم
يعلم أبعدها مات أم قبلها فديته نصفان نصف دية
الذكر ونصف دية الانثى، ودية المرأة كاملة
بعد ذلك...»([54])
وهذه الصحيحة حكمت بثبوت نصف الديتين له،
واطلاقها يعمّ ما إذا سأل اولياء دمه مقدار
حقهم لا أزيد ولا انقص، أو طلب القاتل تعيين
مقدار الدية بلا زيادة أو نقصان; وقد كان خرق
الجسد لملاحظة ذكورة الحمل أو انوثته في ذلك
الزمان ممكناً، كما حكموا به لاخراج الحمل
حيّا فتعيين نصف الديتين في ديته إذا انضم إلى
ادلة حرمة الخرق يستفاد منها ثبوت الحرمة هنا
كما لا يخفى.

الثامن: ما مرّ من جواز الشق أو
التقطيع إذا اوصى به الميت إنما هو في غير
العورتين، وفي غير تشريح بدن الرجل للمرأة
وعكسه، وإلاّ فالادلة الدالة على حرمة النظر
تدل على حرمته هنا أيضاً; واذن الميت فيه
بالوصية لا يوجب تغييراً في حكم اللّه تعالى
وحقّه كما كان كذلك في زمن حياته ايضاً; ومنه
تعرف حكم اجساد الكفار في هذه المسألة فكل ما
لم لا يجوز النظر إليه من ابدانهم لا يجوّزه
كون النظر لغاية تعلم الطب، اللهم إلاّ ان
يبلغ حدّ الضرورة والاضطرار المسوّغ للحرام
كما في غيره من الموارد.

التاسع: كل ما جاز الاقدام عليه بعد
وصية الميت به واذنه فيه جاز الاقدام عليه
بإذن ولي أمر المسلمين، لضرورة أنه وليّهم;
فإذا راعى مصلحة الامة ورأى أن التشريح يوجب
تقدما في علم الطب في البلدان الاسلامية، وأن
نتيجة ذلك ستؤدي إلى تفوق الامة، فإن إذنه فيه
يقوم مقام اذن صاحب الجسد بمثل الوصية; لان
ذلك مقتضى ولايته. اذن نعقل من الولاية أن
لصاحبها نظم امور المسلمين وأنه وليّهم
القيّم عليهم; ومن الواضح أن الولي والقيم إذ
رأى مصلحة من ولي عليهم في الاقدام على عمل
فأذن فيه، فلا معنى لان لا يجوز عزمه وإلاّ
لما كان ولياً، فإنه لا معنى لان يكون عدم رضا
المولّى عليه مانعاً عن نفوذ اذن الولي، فإنه
مساوق لانكار الولاية. نعم ولي المسلمين يكون
ولياً على الامة ليس له إلاّ رعاية مصلحة
الامة، ولا يتصرف فيما كان مصلحة للاشخاص فقط.
وتمام الكلام وتفصيل المقال موكول إلى مجال
واسع.

العاشر: هل الاقدام بشق جسد الميت
وتقطيع اعضائه لاجل التعليم الطبي يوجب الدية
أو الارش ؟ لا ينبغي الريب في أنه إذا كان
العمل غير جائز فهو مشمول لادلة ايجاب الدية;
وانما يقع الكلام في موارد جوازه وهي تتصور في
صور ثلاث :

الاولى: أن يكون مبنى الجواز وصية
الميت به، فقد عرفت أنها توجب جواز الاقدام
عليه، لكن الوصية ربما تكون لمجرد الانتفاع
بجسده في ذلك التعليم، من دون وصية بكونه
مجاناً أو مع التصريح بعدم المجانية; وحينئذ
فأدلة الديات والارش محكّمة ضرورة أن الدية
والارش بمنزلة التقويم للجرح أو القطع الوارد
على البدن. وكما أن الاذن في التصرف في
الاموال لا ينافي أن يكون المتصرف ضامناً
للمال فهكذا هنا، فالوصية موجبة لجواز العمل
وادلة الديات موجبة للدية أو الارش; وأما إذا
كانت الوصية بأن يجعل الجسد بيد المجامع
والمؤسسات العلمية مجاناً فالظاهر سقوط
الدية والارش; وذلك لما عرفت أن الدية والارش
عوض عن الجرح والقطع الواردين على الميت،
والوصية ادامة للحق الثابت للانسان في زمن
حياته إلى ما بعد وفاته; ومن المعلوم أن كل أحد
اولى بنفسه من غيره، فإذا اذن في الوصية
بالتصرف المجاني في جسده فقد اسقط العوض
المقرّر له، ولامحالة لا تثبت دية حتى يتعلق
بها حق ورثته فلا يقال: ان الدية متعلق حق
الوارث وليس له أن يتصرف فيها إذا كانت نطفة،
فإنه إنما كان لهذا المقال مجال إذا ثبت دية،
واراد الشخص أن يوصي بديته المأخوذة، وأما
إذا اوصى بالمجانية فقد سدّ باب تعلّق الدية
وحصولها كما لا يخفى.

الثانية: أن يكون مبنى الجواز التزاحم
والابتلاء بواجب اهم، كتوقف حفظ حياة الاحياء
عليه، فمن الواضح أن الاضطرار إنما يرفع
المنع التكليفي ولا ينافيه تعلق الدية،
التي قد عرفت أنها عوض مالي عن الجرح او القطع
الواردين عليه.

الثالثة: ان يكون مبناه اذن ولي امر
المسلمين، ومن المعلوم أن مصلحة الامة إذا
اقتضت مجرد الاقدام على الشق والتقطيع كما هو
الظاهر، فالدية أو الارش باقيان على حالهما،
وأما إذا اقتضت المجانية أيضاً فإذنه اذن
الولي الذي لا مجال معه للمولّى عليه. وقد
يقال : إن الديات إنما هي عوض عن الجنايات
العمدية، ولذلك فقد ورد في ذيل خبر الحسين بن
خالد عن ابي عبد الله(عليه السلام): «... قلت :
فإن اراد رجل أن يحفر له ليغسله في الحفرة
فسدر الرجل ممّا يحفر، فدير به فمالت مسحاته
في يده فأصاب بطنه فشقّه فما عليه ؟ فقال : إذا
كان هكذا فهو خطأ وكفّارته عتق رقبة أو صيام
شهرين (متتابعين) أو صدقة على ستّين مسكيناً،
مدّ لكل مسكين بمدّ النبي(صلى الله عليه وآله)»([55])
فدلّ على أن شقّ بطن الميت إذا كان خطأً فليس
فيه سوى الكفّارة، فتعلق الدية يدور مدار
الحرمة; وإذا كان الشق جائزاً لكونه خطأ ـ كما
في مورد الحديث ـ أو لغير ذلك كما في الصور
المذكورة، فلا يتعلق به ديته اصلاً.

أقول: إن الدية كما عرفت عوض مالي تثبت
شرعاً في موارد العمد والخطأ كما هو واضح،
واطلاق قوله(عليه السلام) في من قطع رأس الميت:
«عليه الدية» يقتضي ثبوتها في جميع الموارد;
وأما خبر الحسين بن خالد فهو ضعيف السند
أولاً، وقد أعرض الاصحاب عنه كما في الجواهر
ثانياً، ولا يدل على سقوط الدية عن مورد الخطأ
ثالثاً; فإن لقائل أن يقول: إن قوله(عليه
السلام): «إذا كان هكذا فهو خطأ» يدل على أنه
حينئذ محكوم بحكم الخطأ يتعلّق به الدية،
وتكون على العاقلة; وقوله(عليه السلام) بعده: «وكفّارته»
ايجاب للكفارة زائدة على الدية المقررة كما
لا يخفى. واللّه العالم.


([1])
الوسائل ، الباب 24 من ابواب ديات الاعضاء ،
الحديث 4 و 6 .

([2])
الوسائل الباب 48 من ابواب ديات الاعضاء ،
الحديث 1 .

([3])
الوسائل، الباب 13 من ابواب قصاص الطرف،
الحديث 3 .

([4])
الوسائل ، الباب 13 من ابواب قصاص الطرف ،
الحديث 4 .

([5])
الوسائل ، الباب 19 من ابواب قصاص النفس
الحديث 3 و 1.

([6])
المصدر السابق .

([7])
الوسائل ، الباب 24 و 25 من ابواب ديات الاعضاء.

([8])
الكافي 5: 29، ح8، والوسائل ، الباب 15 من ابواب
جهاد العدوّ ، الحديث 2 و 3.

([9])
المصدر السابق .

([10])
نهج البلاغة ، قسم كتبه ورسائله(عليه السلام)
، الرقم 47 ، تحقيق صبحي الصالح : 422.

([11])
فراجع الباب 34 من جهاد الوسائل، الحديث 3 ،
والباب 14 و 32 من مستدركه.

([12])
الوسائل ، الباب 12 من ابواب غسل الميت ،
الحديث 1.

([13])
الوسائل ، الباب 38 من ابواب صلاة الجنازة ،
الحديث 1 و 5 و 6 .

([14])
المصدر السابق .

([15])
الوسائل ، الباب 38 من ابواب صلاة الجنازة ،
الحديث 2 و 9 .

([16])
المصدر السابق .

([17])
الوسائل ، الباب 47 من ابواب الاحتضار ،
الحديث 1 و 5 و 6 .

([18])
المصدر السابق .

([19])
المصدر السابق .

([20])
الوسائل ، الباب 47 من ابواب الاحتضار ،
الحديث 7 .

([21])
الوسائل ، الباب 46 من ابواب الاحتضار ،
الحديث 1 و 4 و 6 و 8 وغيرها .

([22])
المصدر السابق .

([23])
المصدر السابق .

([24])
الكافي 3 : 206 (كتاب الجنائز) ، والتهذيب 1 : 344 ،
والوسائل ، الباب 47 من الاحتضار ، ذيل الحديث
3 .

([25])
الوسائل كتاب الوصايا، الباب 1، الحديث 1.

([26])
الوسائل ، الباب 12 من ابواب الامر والنهي ،
الحديث 2 و 3.

([27])
تحرير الوسيلة 2 : 561، ط. الجامعة.

([28])
منهاج الصالحين 1 : 424، ط. 28.

([29])
التوبة : 29 .

([30])
الوسائل ، الباب 15 من ابواب جهاد النفس،
الحديث3.

([31])
الوسائل، الباب 18 من ابواب جهاد النفس ،
الحديث1.

([32])
الوسائل ، الباب 19 من ابواب جهاد النفس،
الحديث1.

([33])
الوسائل ، الباب 68 من ابواب جهاد النفس،
الحديث1.

([34])
المصدر السابق .

([35])
الوسائل ، الباب 14 من ابواب ديات النفس،
الحديث 1.

([36])
راجع الخلاف ، المسألة 77 من كتاب الديات .

([37])
الوسائل ، الباب 13 من ابواب ديات النفس،
الحديث 2.

([38])
الوسائل ، الباب 47 من ابواب قصاص النفس ،
الحديث 5 .

([39])
الوسائل ، الباب 13 من ابواب ديات النفس،
الحديث 4.

([40])
الوسائل ، الباب 18 من ابواب ديات النفس،
الحديث 3.

([41])
راجع الباب 18 من ابواب ديات الاعضاء من
الوسائل .

([42])
الوسائل ، الباب 47 من ابواب قصاص النفس ،
الحديث 1 .

([43])
الوسائل ، الباب 24 من ابواب ديات الاعضاء ،
الحديث 4.

([44])
الوسائل ، الباب 18 من ابواب غسل الميت ،
الحديث 1.

([45])
النور : 2 .

([46])
التوبة : 5 .

([47])
التوبة : 6 .

([48])
الوسائل ، الباب 24 من ابواب ديات الاعضاء ،
الحديث 4 و6 .

([49])
الكافي، باب أن الايمان يشرك الاسلام 2: 24 ـ 26.

([50])
المائدة : 1 .

([51])
الوسائل ، الباب 11 من ابواب غسل الميت ،
الحديث 1.

([52])
الوسائل ، الباب 33 من ابواب الحيض.

([53])
الوسائل ، الباب 12 من ابواب غسل الميت ،
الحديث 1.

([54])
الوسائل ، الباب 19 من ابواب ديات الاعضاء ،
الحديث 1.

([55])
الوسائل، الباب 24 من ابواب ديات الاعضاء،
الحديث 2.



/ 1