دراسات - تقیة فی آراء علماء المسلمین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تقیة فی آراء علماء المسلمین - نسخه متنی

عباسعلی براتی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسات

التقية في آراء علماء المسلمين

الشيخ عباس علي براتي

مفهوم التقية

التقيّة اسم مصدر من الاتّقاء يقال:
اتّقى الرجل الشيء يتّقيه إذا اتّخذ
ساتراًيحفظه من ضرره، ومنه الحديث: «اتّقوا
النار ولو بشقّ تمرة».

والتقاة والتقيّة والتقوى والتُقى
والاتّقاء كلّها بمعنى واحد في استعمال أهل
اللّغة[1].

وهي في الاصطلاح معنى اتقاء العباد
بعضهم بعضاً، وأصله مأخوذ من قوله تعالى:

(إلاّ أن تتّقوا مِنْهُمْ تُقاة).

وقد عرّفه السَرخْسي بقوله: إنّ
التقيّة أن يقي الانسان نفسه بما يظهره و إن
كان يضمر خلافه[2].

وعرّفه ابن حجر العسقلاني بقوله:
التقيّة الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد
وغيره للغير[3].

فقد ظهر أنّ التُقى والتقيّة
معناها إظهار خلاف ما في الباطن من قول أو عمل
نتيجة قهر أو خوف يواجهه الانسان، احترازاً
من الوقوع في مكروه أو التعرض لضرر، وهو من
جملة «الاكراه» بالمصطلح الشرعي، ولذلك بحث
عنها كثير من الباحثين من المفسرين والرواة
والفقهاء تحت عنوان «الاكراه» وأدرجوها (التقيّة)
تحت الاكراه. وذكروا مسائل من جملتها الاكراه
على الكفر، الاكراه على البيع، و... إلخ.

التمييز بين التقية وبين مفاهيم
اُخرى

هناك مفاهيم يمكن أن تلتبس بالتقية أو
يوهم البعض اتحادها مع التقية، وفيما يلي
نشير إليها و إلى الفوارق الموجودة بينها
وبين التقيّة:

1 ـ النفاق

النفاق اصطلاحاً، إخفاء الكفر و إظهار
الايمان[4].
مع أنّ التقيّة عادة تستعمل في العكس من ذلك،
أي إخفاء الايمان والعقيدة الصحيحة، و إظهار
ما يوافق الظالم أو المتغلّب أو الكافر
ليرتفع الضرر والخطر. هذا بحسب المصطلح
الشرعي. ولكن قد يحصل الخلط بينهما، كما قال
ابن تيمية: أساس النفاق الذي بني عليه هو
الكذب، وأن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه،
كما أخبر اللّه تعالى عن المنافقين أنـّهم: (يَقُولُونَ
بِألْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلوبِهِم)[5].

والصلة بين التقية وبين النفاق، أنّ
المنافق كافر في قلبه، لكنّه يُظهر بلسانه
وظاهر حاله أنـّه مؤمن ويعمل أعمال المؤمنين
ليأمن على نفسه في المجتمع الاسلامي، وليحصل
على الميزات التي يحصل عليها المؤمنون، فهو
مغاير للتقية، لانـّها إظهار المؤمن عند
الخوف على نفسه ما يأمن به من أمارات الكفر أو
المعصية، مع كراهته لذلك في قلبه واطمئنانه
بالايمان[6].

2 ـ المداهنة

معنى المداهنة كما قال ابن حبّان: متى
تخلّق المرء بخلق يشوبه بعض ما يكرهه اللّه
فتلك هي المداهنة[7].
وقال تعالى: (وَدّوا لَوْ تُدْهِنُ
فَيُدْهِنُون)[8]
وفسّره الفرّاء بقوله: ودّوا لو تلين في دينك
فيلينون.

والفرق بين المداهنة والتقيّة أنّ
التقيّة لا تحلّ إلاّ لدفع الضرر، أمّا
المداهنة فلا تحلّ أصلاً، لانـّها اللين في
الدين وهو ممنوع شرعاً.

3 ـ المداراة

والمقصود من المداراة، ملاينة الناس
ومعاشرتهم بالحسنى من غير ثلم في الدين من أيّ
جهة من الجهات[9]،
والاغضاء عن مخالفتهم في بعض الاحيان، وأصلها
المدارأة بالهمزة من الدرء وهو الدفع،
والمداراة مشروعة، وذلك لانّ وداد الناس لا
يستجلب إلاّ بمساعدتهم على ما هم عليه،
والبشر قد ركّب فيهم أهواء متباينة وطباع
مختلفة، ويشق على النفوس ترك ما جُبلت عليه.
فليس إلى صفو ودادهم سبيل إلاّ بمعاشرتهم على
ما هم عليه من المخالفة لرأيك وهواك[10].

والفرق بين المداراة والتقيّة، أنّ
التقيّة غالباً لدفع الضرر عند الضرورة،
وأمـّا المداراة فهي لدفع الضرر وجلب النفع[11].

فعلى هذا البيان، يمكن أن تتّحد
التقيّة والمداراة في بعض الاحيان، بأن تكون
التقيّة للحفاظ على العلاقات الودّية فقط،
حتى يستطيع الانسان المؤمن أن يحقّق أهدافه
الدينيّة من هداية الناس، ولا يثير سخطهم
ويوجب هجرانهم ومنافرتهم.

وقد روي عن النبي(صلى الله عليه وآله)
في ما تضافر من الاثر، أنه كان يأمر بمداراة
الناس ويراه رأس العقل بعد الايمان باللّه،
وكذلك كثرت الروايات في أنّ الدعوة يجب أن
تكون باُسلوب نفسي متوازن، وأن تكون بالبشارة
لا بالتنفير كما يقول النبي الكريم(صلى الله
عليه وآله) «بشّروا ولا تنفّروا ويسّروا ولا
تعسّروا».

وعلى الداعية الاسلامي أن يتدرّج في
بيان الحقائق الدينيّة، ويستمدّ من البرهنة
العقليّة والاعلام المنهجي، ويخاطب الناس
بما يفهمون كما أمر به الرسول(صلى الله عليه
وآله) حتى يجد الدين مكانته في قلوب الناس،
فإنّ الدين الاسلامي لم ينتشر في العالم
بالقهر والقوّة بل بالاعلام والدعوة والحوار
الهادئ الهادف.

التقية في القرآن الكريم والتفاسير

يقول ابن كثير (ت 747هـ): اتفق العلماء
على أن المُكرَه على الكفر يجوز له أن يوالي
إبقاء مهجته ويجوز له أن يأبى كما كان بلال(رضي
الله عنه)[12].

ويضيف قائلاً: وأمـّا قوله: )إلاّ مَنْ
أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالايمان([13]
فهو استثناء ممّن كفر بلسانه ووافق المشركين
بلفظه مكرهاً، لِما ناله من ضرب وأذىً، وقلبه
يأبى ما يقول وهو مطمئن بالايمان باللّه
ورسوله، وقد روى العوفي عن ابن عبّاس أن هذه
الاية نزلت في عمّار بن ياسر حين عذّبه
المشركون حتّى يكفر بمحمّد(صلى الله عليه
وآله)، فوافقهم على ذلك مكرهاً وجاء معتذراً
إلى النبي(صلى الله عليه وآله)، فنزلت هذه
الاية. وهكذا قال الشعبي وقَتادة وأبو مالك.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبدالاعلى،
حدثنا محمد بن ثور عن معمّر عن عبدالكريم
الجرزي عن أبي عبيدة محمّد بن عمار بن ياسر،
قال: أخذ المشركون عمّار بن ياسر فعذّبوه، حتى
قاربهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلى النبي(صلى
الله عليه وآله)، فقال النبي(صلى الله عليه
وآله): «كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالايمان.
قال النبي(صلى الله عليه وآله): إن عادوا فعُد».
ورواه البيهقي بأبسط من ذلك، وفيه أنـّه سبّ
النبيّ(صلى الله عليه وآله) وذكر آلهتهم بخير،
فشكا ذلك إلى النبي(صلى الله عليه وآله)فقال:
يا رسول اللّه، ما تُركتُ حتى سببتك وذكرتُ
آلهتهم بخير. قال:«كيف تجد قلبك؟ قال مطمئناً
بالايمان. قال: إن عادوا فعُد». وفي ذلك أنزل
اللّه: (إلاّ مَنْ أُكْرِه وَقَلْبُهُ
مُطْمَئِنٌّ بِالايمان)[14].

وقال في تفسير قوله تعالى: )لا يَتّخذ
المُؤمِنونَ الكافِرينَ أوْلِياءَ مِنْ
دُونِ المُؤمِنينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلكَ
فَلَيْسِ مِن اللّهِ فِي شَيء إلاّ أنْ
تَتّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذّرُكُم
اللّهُ نَفْسَهُ وَإلى اللّه المَصِير([15].
قال فيها: إلاّ أن تتّقوا منهم تقاة أي من خاف
في بعض البلدان والاوقات من شرّهم فله أن
يتّقيهم بظاهره لا بباطنه ونيّته. كما قال
البخاري عن أبي الدرداء أنـّه قال: إنّا
لنكشّر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم. وقال
الثوري: قال ابن عباس: ليس التقيّة بالعمل
إنّما التقيّة باللسان. وكذا رواه العوفي عن
ابن عباس: إنّما التقيّة باللسان، وكذا قال
أبو العالية وأبو الشعثاء والضحّاك والربيع
بن أنس، ويؤيـّده قول اللّه تعالى: )مَنْ
كَفَرَ بِاللّه مِنْ بَعْدِ إيمانِهِ إلاّ
مَنْ اُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالايمان( الاية، وقال البخاري: قال الحسن:
التقية إلى يوم القيامة[16].

وبهذا يظهر أنّ التقيّة حكم فقهي لا
يختص القول به بمذهب دون مذهب، بل هو حكم
أنزله اللّه في كتابه ولم ينسخ، بل جاءت
السنّة وعمل الخلفاء في تقريره وتوكيده، كما
تعاضده الشواهد المذكورة في الصفحات التالية:

قال القرطبي في شرح آيات التقية ما هذا
نصّه:

«والقضيّة ـ أي التقيّة ـ لا تحلّ إلاّ
مع خوف القتل أو القطع أو الايذاء أو الضرر
العظيم. ومن اُكره على الكفر فالصحيح له أن
يتصلّب ولا يجيبَ إلى التلفّظ بكلمة الكفر بل
يجوز له ذلك[17].
بل حكي الاجماع على الرخصة و إن اُفتي
بأفضليّة اختيار القتل، وقال: أجمع العلماء
على أنّ من اُكره على الكفر فاختار القتل
أنـّه أعظم عند اللّه ممّن اختار الرخصة،
واختلفوا فيمن اُكره على غير القتل من فعل ما
لا يحلّ له»[18].

هذا و إن من خالف جواز التقيّة من
الصحابة والتابعين على قلّتهم ـ وهم معاذ بن
جبل ومجاهد ـ أيضاً موافقون في أصل تشريعها
ونزول القرآن وثبوت السنّة بها، ولكن يجتهدون
في ذلك فيما بعد ويقولون: «كانت التقيّة في
جِدّة الاسلام قبل قوّة المسلمين، فأمـّا
اليوم فقد أعزّ اللّه إلاسلام أن يتّقوا من
عدوّهم»[19].

فقد أدّى اجتهادهم إلى أنّ الظروف
والملابسات في عصرهم لا تسمح بالتقيّة،
وتبعهم في ذلك قومٌ من متأخـّريهم.

التقية في السنّة النبويّة

لا تخلو كتب السنّة من روايات صحيحة في
جواز التقيّة في عصر، وفيما يلي نأتي بجملة
منها:

1 ـ روى البخاري في كتاب الاكراه:

قول اللّه تعالى: )إلاّ مَنْ اُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالايمانِ
وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْراً
فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِن اللّهِ وَلَهُمْ
عَذابٌ عَظيم([20]وقال:
)إلاّ أنْ تتّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً([21]
وهي تقيّة. وقال: )إنَّ الّذينَ تَوَفّاهُم
المَلائِكَةُ ظالِمي أنْفُسِهِمْ قالُوا
فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفينَ
في الارْض([22]فعذر
اللّه المستضعفين الذين لا يمتنعون عن ترك ما
أمر اللّه به، والمُكرَه لا يكون إلاّ
مستضعفاً غير ممتنع من فعل ما اُمر به. وقال
النبي(صلى الله عليه وآله): «الاعمال بالنيّة»[23].

2 ـ أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن، أنّ
مسيلمة الكذّاب أخذ رجلين من أصحاب رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) فقال لاحدهما:
أتشهد أنّ محمداً رسول اللّه؟ قال: نعم. نعم.
نعم. قال: أتشهد أنـّي رسول اللّه؟ قال: نعم.
وكان مسيلمة يزعم أنـّه رسول بني حنيفة وأنّ
محمداً رسول قريش، ثمّ دعا بالاخر فقال: أتشهد
أنّ محمداً رسول اللّه؟ قال: نعم قال: أتشهد
أنـّي رسول اللّه؟ قال: إنّي أصمّ، قالها
ثلاثاً ]في[ كل ذلك يجيب بمثل الاوّل، فضرب
عنقه. فبلغ ذلك رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
فقال: «أمـّا ذلك المقتول فقد مضى على صدقه
ويقينه واُخذ بفضله فهنيئاً له، وأمـّا الاخر
فقبل رخصة اللّه فلا تبعة عليه»[24].

3 ـ روى الحاكم والبيهقي وغيرهما عن
محمد بن عمار عن أبيه: أخذ المشركون عمار بن
ياسر فلم يتركوه حتى سبّ النبيّ(صلى الله عليه
وآله) وذكر آلهتهم بخير، فلمّا أتى النبيّ
عليه الصلاة والسلام قال: «ما وراءك؟» قال:
شرّ يا رسول اللّه، ما تُركت حتى نلت منك،
وذكرت آلهتهم بخير، فقال(صلى الله عليه وآله):
«فكيف تجد قلبك؟» قال: مطمئناً بالايمان، قال(صلى
الله عليه وآله)«فإن عادوا فعُد»[25].

4 ـ جاء في الحديث الصحيح: «اللّه وضع
عن امّتي الخطأ والنسيان وما اسْتُكرِهوا
عليه»[26].

إلى غير ذلك من الروايات المنثورة في
المجموعات الحديثيّة، ولذلك لم يذهب أحد من
العلماء إلى نفيه بتاتاً و إنكاره من رأس،
و إنّما الخلاف في اُمور يسيرة فرعيّة كما
ستقف عليه.

التقيّة في كلمات الصحابة

كان الصحابة يقولون بجواز التقيّة عند
الاكراه والايذاء، وفيما يلي نصوص تدلّ على
ذلك، مضافاً إلى ما مرّ عليك:

1 ـ ما كلام يدرأ عنّي سوطين إلاّ كنت
متكلّماً به[27].

2 ـ قال عمر بن الخطاب: ليس الرجل آمناً
على نفسه إذا أخفته أو أوثقته أو ضربته[28].

3 ـ قال ابن عباس في تفسير آية: )إلاّ
أنْ تتّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً( نهى اللّه
المؤمنين أن يلاطفوا الكفّار، أو يتّخذوهم
وليجة من دون المؤمنين، إلاّ أن يكون الكفّار
عليهم ظاهرين، فيظهرون لهم اللّطف
ويخالفونهم في الدين[29].

4 ـ قال القرطبي: والتقية لا تحلّ إلاّ
مع خوف القتل أو القطع أو الايذاء أو الضرر
العظيم، ولم ينقل ما يخالف ذلك فيما نعلم إلاّ
ما روي عن معاذ بن جبل من الصحابة ومجاهد من
التابعين[30].

وكثير من الصحابة والتابعين أفتوا
بجوازها، بل يوجبونها في ظروف عصيبة يؤدّي
التذمر والتجلّد فيها إلى تعريض المسلمين
للدمار والهلاك، بحيث يؤدّي استشهادهم إلى
ثلم في الدين، وتأخير للنصر ، و إضاعة
للجهود المبذولة في نشر الدين الحنيف،
واستيلاء العدوّ الكافر أو الظالم الغاشم.
وعلى ذلك كان عمل الصحابة والتابعين، وعملهم
حجّة عند أهل السنّة والجماعة، بل عملهم نفس
السنّة عندهم.

إنّ الخليفة عمر بن الخطاب لمّا سمع من
الاسرى المسلمين العائدين من الروم أنّ
واحداً منهم ـ وهو عبداللّه بن حذافة ـ قبـّل
رأس القيصر ، وبذلك نَجّى عدداً من الاسرى
المسلمين من الاعدام والاستشهاد، فإنّ عمر
قبـّل رأس هذا الاسير المسلم وقال: يجب على
كلّ مسلم أن يقبّل رأسه[31].

وقال ابن عباس: فيمن يُكرِهه اللصوص
فيطلّق: ليس بشيء[32].

وقال ابن عمر، وابن الزبير: قال النبي(صلى
الله عليه وآله): «الاعمال بالنيّة»[33].

التقيّة في كلمات التابعين:

1 ـ قال الحسن البصري: التقيّة جائزة
للمؤمن إلى يوم القيامة[34].
إلاّ أنّ اللّه تبارك وتعالى ليس يجعل في
القتل تقيّة[35].

2 ـ كان الشعبي (ت 104 هـ) يعمل بالتقيّة،
وكان ينال من الحسن البصري وأبي حازم سلمة بن
دينار لعدم مراعاتهما التقيّة. أمـّا سليمان
بن عبدالملك الاُموي فكان يلوم الحسن لصراحة
لهجته أمام الحجّاج بقوله: أغضبت الامير
وأوغرت صدره[36].

هذا غيض من فيض، والباحث المتتبع إذا
أراد الاستقصاء يستطيع أن يحصل على نماذج
كثيرة ومواطن جمّة من أقوالهم وأفعالهم في
هذا المجال، وقد تركنا الاسهاب روماً
للاختصار.

التقية في كلمات الفقهاء:

1 ـ قال السرخسي: إنّ هذا النوع ] يعني
النطق بكلمة الكفر تقيّة[ يجوز لغير الرسل،
فأمـّا في حقّ المرسلين صلوات اللّه عليهم
أجمعين فما كان يجوز ذلك فيما يرجع إلى أصل
الدعوة إلى الدين الحق[37].

2 ـ قال ابن قدامة: لا تجوز الصلاة خلف
المبتدع والفاسق في غير جمعة وعيد يصلّيان
بمكان واحد من البلد، فإنّ من خاف منه إن ترك
الصلاة خلفه فإنـّه يصلّي خلفه تقيّة ثمّ
يعيد الصلاة. واحتجّوا بما روي عن جابر أنـّه
قال: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله) على منبره
يقول: لا تؤمّنّ امرأة رجلاً ولا يؤمّ أعرابي
مهاجراً ولا يؤمّ فاجرٌ مؤمناً إلاّ أن يقهره
بسلطان أو يخاف سوطه أو سيفه»[38].

3 ـ وقد اُخذ العلماء في عهد المأمون
والمعتصم وامتُحنوا ليقولوا بخلق القرآن،
وكان ذلك بمشورة بعض من المعتزلة[39]،
فلمّا هُدّد العلماء واُوذوا قالوا بذلك
فتُركوا، ولم يثبت منهم في المحنة إلاّ أربعة
أو خمسة مات بعضهم في السجن[40]،
منهم أبو غسّان مالك بن إسماعيل، وأبو الظاهر
وأبو جعفر الايلي، ويحيى بن عبداللّه بن
بكير، والاصم[41].

هل تجوز التقيّة فيما بين المسلمين؟

من الممكن هنا أن يثار سؤال، وهو أنّ
التقيّة بعد تسليم جوازها تختصّ بحالة وقوع
المؤمن بين الكفّار، وأمـّا بين أهل نحلته
ودينه ـ أي المسلمين ـ فهل تجوز؟، وفيما يلي
نأتي بنصوص وحكايات حتى يظهر أنّ الحكم سواء،
فإذا تعرّض المسلم للقتل والتعذيب والملاحقة
والضغط والكبت يجوز له إظهار ما ينجيه من
العذاب شريطة أن لا يؤدّي ذلك إلى هدم الدين،
لانّ فلسفة التقيّة هي حفظ الدين وصيانة
المؤمنين، و إليك النصوص:

1 ـ ظاهر الاية يدلّ على أنّ التقيّة
إنّما تحلّ مع الكفار الغالبين، إلاّ أن مذهب
الشافعي: أنّ الحالة بين المسلمين إذا شاكلت
الحالة بين المسلمين والمشركين حلّت التقيّة
محاماة على النفس[42].

2 ـ والحنابلة أيضاً فتواهم على
العموم، أي لا يفرّقون بين أن يكون القاهر
والمُكرِه والمَخوف منه مسلماً أو كافراً،
ويعتقدون أن من ترك واجباً أو فعل محرّماً
بسبب الخوف والاكراه، فلا إثم عليه[43].

لقد أدرج فقهاء الاسلام التقيّة في
باب «الاكراه» وبحثوا عن أحكامها هناك، قال
ابن حجر العسقلاني في قوله تعالى: )إلاّ مَنْ
اُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالايمان([44]:
الكفر يكون بالقول والفعل من غير اعتقاد، وقد
يكون بالاعتقاد، فاستثنى الاوّل وهو المكرَه[45].

معنى الاكراه المبيح للتقية

وقد فسّروا الاكراه بقولهم: «حمل
الانسان على شيء يكرهه»[46].

وجاء عنهم: يقال: أكرهت فلاناً
إكراهاً، حملته على أمر يكرهه، والكَره
بالفتح اسم منه[47].

وجاء في تعريف آخر: حمل الغير على أمر
يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه
ويصير الغير خائفاً به[48].

شروط الاكراه

المعنى المذكور في التعريف السابق،
فسّروه بالخوف ولو ممّا يفعله الحكّام الظلمة
بالمتهمين كيداً. فإذا كان الدافع هو الحياء
مثلاً، أو التودّد فليس بإكراه[49].

قال أكثر الفقهاء: إنّ النيل بشيء من
العذاب كالضرب والخنق والعصر والحبس والغطّ
في الماء مع الوعيد يكون إكراهاً بلا إشكال،
فأمـّا الوعيد بمفرده فليس بإكراه في رواية،
وفي رواية اُخرى هو إكراه إذا خاف القتل أو
الضرب الشديد[50].

ومن شروط الاكراه، ثلاثة اُمور:

1 ـ أن يكون الاكراه من قادر بسلطان أو
تغلّب كاللص وغيره.

2 ـ أن يغلب على ظنّه نزول الوعيد به إن
لم يجبه على ما طلبه.

3 ـ أن يكون ممّا يستضرّ به ضرراً
كثيراً كالقتل والضرب الشديد والقيد والحبس
الطويلين... و إن توعّد بتعذيب ولده فالاولى
أن يكون إكراهاً، وقيل ليس بإكراه[51].

وقال عمر بن الخطاب: ليس الرجل أميناً
على نفسه إذا أوجعته أو ضربته أو أوثقته[52].

وقد وسّعوا في هذه الاسباب، وقالوا،
بأنـّه يشمل تيقّن إيقاع الضرر واحتماله،
وهذا الضرر أعمّ من أن يكون واصلاً إلى النفس
أو إلى الغير القريب، والضرر بالمال النفيس
دون التافه، وفيما يلي كلماتهم في ذلك الصدد:

1 ـ التهديد:

الفعل الواقع على المكرَه قد يكون
تهديداً بأخذ أو حبس ماله الذي له وقعٌ، لا
التافه الذي لا يعتدّ به، أو تهديداً بالفجور
بامرأته إن لم يطلّقها[53].

وفي الاثر عن عمر: أنّ رجلاً في عهده
تدلّى يشتار ] يستخرج[ عسلاً فوقفت امرأته
على الحبل وقالت: طلّقني ثلاثاً و إلاّ
قطعته، فذكّرها اللّه والاسلام فقالت:
لتفعلنّ أو لافعلنّ، فطلّقها ثلاثاً، ورفعت
القصّة إلى عمر، فرأى طلاق الرجل لغواً وردّ
عليه المرأة[54].
ولذلك لم يفرق ابن قدامة بين التهديد المجرّد
والتهديد مع الفعل[55].

2 ـ أمر السلطان:

الحنفيّة يقولون: أمر السطان إكراه و إن
لم يتوعّد، وأمر غيره ليس بإكراه إلاّ أن يعلم
تضمّنه التهديد بدلالة الحال[56].

أحكام التقيّة:

التقيّة مشروعة لحفظ حياة المسلم
وماله وعرضه بشرط أن يكون قادراً على حفظ دينه
أيضاً، وأمـّا إذا أوجبت التقيّة هدم الدين،
فلا تجوز باتفاق العلماء. أمـّا علماء السنّة
فقد مرّ عليك ما جاء منهم، وأمـّا علماء
الشيعة ففي ما يلي نشير إلى كلماتهم في هذا
المضمار:

قال الشيخ المفيد (ت 413هـ):

فأمـّا إقامة الحدود فهو إلى سلطان
إلاسلام المنصوب من قبل اللّه تعالى وهم
أئمّة الهدى من آل محمد(عليهم السلام). ومن
نصّبوه لذلك من الاُمراء والحكّام، وقد
فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع
الامكان، فمن تمكّن من إقامتها على ولده
وعبده ولم يخف من سلطان الجور إضراراً به على
ذلك فليقمها، ومن خاف من الظالمين اعتراضاً
عليه في إقامتها أو خاف ضرراً بذلك على نفسه،
أو على الدين، فقد سقط عنه فرضها[57]...

ويضيف قائلاً:

وليس لاحد من فقهاء الحق ولا من نصّبه
سلطان الجور منهم للحكم أن يقضي في الناس
بخلاف الحكم الثابت من آل محمد(عليهم السلام)،
إلاّ أن يضطرّ إلى ذلك للتقيّة والخوف على
الدين والنفس، ومهما اضطرّ إليه في التقيّة
فجائز له إلاّ سفك دماء أهل الايمان، فإنّه لا
يجوز له على حال اضطرار ولا اختيار، لا على
وجه من الوجوه ولا سبب من الاسباب[58].

ويقول الشيخ مرتضى الانصاري (ت 1281هـ):

أمـّا الكلام في حكمها التكليفي، فهو
أنّ التقيّة تنقسم إلى الاحكام الخمسة:

فالواجب منها ما كان لدفع الضرر
الواجب فعلاً، وأمثلته كثيرة.

والمستحبّ ما كان فيه التحرّز عن
معارض الضرر بأن يكون تركه مُفضياً تدريجيّاً
إلى حصول الضرر، كترك المداراة مع العامّة
وهجرهم في المعاشرة في بلادهم، فإنـّه ينجرّ
غالباً إلى حصول المباينة الموجب لتضرّره
منهم.

والمباح ما كان التحرّز عن الضرر
وفعله مساوياً في نظر الشارع، كالتقيّة في
إظهار كلمة الكفر على ما ذكره جمع من الاصحاب،
ويدلّ عليه الخبر الوارد في رجلين اُخذا
بالكوفة واُمرا بسبّ أمير المؤمنين صلوات
اللّه عليه.

والمكروه ما كان تركه وتحمّل الضرر
أولى من فعله، كما ذكر ذلك بعضهم في إظهار
كلمة الكفر، وأنّ الاولى تركها ممّن يقتدي به
الناس، إعلاءً لكلمة الاسلام، والمراد
بالمكروه حينئذ ما يكون ضدّه أفضل.

والمحرّم منه ما كان في الدماء[59].

فقد بان لك أنّ التقيّة هي الاحتراز من
الظالم والكافر في العمل، والاحتفاظ
بالايمان الصحيح في الباطن حتى يرتفع الضغط،
و إلاّ فهي ليست بعقيدة خاصّة وتنظيم باطني
لدى الشيعة لهدم الاسلام كما تحاول بعض
الاقلام المأجورة تعريفها، وخدعت بذلك جماعة
من الباحثين غير المتعمّقين فردّدوا هذه
الكلمات دون أن يكون لهم مستند في ذلك.

إنّ عقائد الشيعة وأتباع آل البيت(عليهم
السلام) كانت دائماً واضحة وجليّة للناس
والحكّام، وأحكامهم الفقهيّة كانت معلومة
لهم، و إنّما المهمّ كان تطبيقها في ظروف
تسمح السلطات لاصحاب المذاهب بتطبيق أحكام
مذهبهم والقضاء بين أبناء طائفتهم على
منهجهم، فأخذُ الشيعة بالتقيّة يرجع إلى هذا
ولا غير.

أقسام التقية:

قد بان لك من خلال السطور السابقة أنّ
التقيّة تنقسم إلى أقسام أربعة، و إنما
الجائز منها قسمان، والاقسام الاربعة هي:

1 ـ المداراة.

2 ـ الخوف.

3 ـ المداهنة.

4 ـ النفاق.

والتقيّة الجائزة المشروعة هي
القسمان الاوّل والثاني، والمحرّمة الاخيران.
و إليك فيما يلي نصّ فقهاء أهل السنّة من
الحنابلة والسلفيّة على جواز التقيّة، وقد
سمّوها «تورية» وجوّزوها فيما إذا كان العامل
بها محقّاً أو مظلوماً، وحرّموها فيما إذا
كان ظالماً وآثماً:

«التورية معناها: أن يقول الانسان
قولاً يظهر للمخاطب خلاف ما يريد المتكلّم،
مثل: قال رجل: واللّه لا أنام إلاّ تحت السقف،
ثمّ أخذ فراشه، وصعد إلى السطح ونام، فقلنا له:
حنثت في يمينك فقال: أنا أردت بالسقف السماء،
لانّ اللّه تعالى يقول: )وَجَعَلْنا السّماءَ
سَقْفاً محْفُوظاً(، فهذه تورية لانـّك أظهرت
للسامع خلاف ما تريد، ومثل أن يقول رجل:
واللّه لا أنام الليلة إلاّ على فراش، ثمّ
ذَبر ـ جمع ـ كومة من الرمل ونام عليها، قلنا
له: حنثت في يمينك، فقال: إنّ الارض فراش، قال
تعالى: )الّذي جَعَلَ لَكُم الارْضَ فِراشاً (فهذه
هي التورية.

وقد اختلف العلماء في جواز التورية،
فمنهم من قال: إنـّها تجوز مطلقاً إلاّ
للظالم، ومنهم من قال: إنّها لا تجوز، ومنهم
من قال: إنّها تجوز للحاجة والمصلحة، ولا تجوز
لغير ذلك.

مثالها للظالم: تخاصم رجلان فادّعى
أحدهما على الاخر مبلغاً قدره ألفا ريال أمام
القاضي، فقال القاضي للمدّعي: هل عندك بيّنة؟
قال: لا. فتوجّه القاضي للمدّعى عليه باليمين،
فقال: (واللّه، ما لَهُ عندي ألفان) فعلى ضوء
هذا القسم سيفهم القاضي والمدّعي أنّ (ما)
نافية أي ليس له عنده ألفان، لكن هو أراد أنّ (ما)
اسم موصول بمعنى الّذي، وتقدير (عليَّ) تأويله:
(واللّه، الذي له عندي ألفان)، فهو صادق بينه
وبين نفسه، ولكنّه كاذب مع القاضي وخصمه،
فهذه التورية هنا لا تجوز بالاتّفاق، لانّ
المُورّي ظالم.

مثال للمظلوم: جاء رجل رقم (1) إلى رجل
آخر رقم (2) وقال له: إنّ لفلان رقم (3) عندك مبلغ
ألف ريال أعطنيها، ورقم (1) ظالم يريد أخذ
الوديعة لنفسه، فقال رقم (2) لرقم (1): «واللّه،
ما لرقم (3) عندي شيء» ففهم رقم (1) أنـّه ليس
عنده شيء، لكنّ رقم (2) قصده أن تكون (ما) اسماً
موصولاً. أي: «واللّه، الّذي له عندي شيء».

هنا قد يكون مظلوماً هذا الّذي عنده
الوديعة، لانـّه لو أخذت منه الوديعة وضاعت
على رقم (3) ضمّنه إيّاها، فيجب عليه حينئذ أن
يُورّي ليدفع ظلم هذا الظالم.

و إذا كان الانسان لا ظالماً ولا
مظلوماً، فالمسألة فيها خلاف، منهم من قال:
إنـّه يجوز، ومنهم من قال إنّه لا يجوز.

مثال ذلك: رجل يتكلّم مع زميل له في
مسألة من المسائل، هذا الزميل تكلّم بكلام
تورية أظهر لصاحبه خلاف ما يريد بدون مصلحة
ولا حاجة، وبدون دفع ظلم، فقال بعض العلماء:
إنّه جائز ، وقال آخرون: إنّه ليس بجائز.

مثال آخر: جاء رجل إلى آخر، وقال:
أقرضني عشرة دراهم فقال الرجل: واللّه ما عندي
شيء، وذلك لانّ الرجل مماطل لا يوفي، لكنّه
رأى أنـّه لن يتخلّص منه إلاّ بالحلف، فيظنّ
الرجل النفي، وأنـّه ليس عنده شيء، مع أنّ
الرجل في نيّته يريد الاثبات أي (واللّه الذي
عندي شيء) فهذه التورية قال بعض العلماء:
إنّها جائزة، وقال بعضهم: ليست بجائزة.

والاولى فيما أرى أن يكون الانسان
صريحاً، إلاّ في حال يخاف على نفسه، لانـّه
إذا لم يكن صريحاً ثمّ ظهر الامر خلاف ما يفهم
من ظاهر كلامه نُسب إلى الكذب وصار بعد ذلك لا
يوثق بقوله»[60].

تقية الانبياء(عليهم السلام)

وهنا لا بدّ من أن نمرّ على بحث آخر وهو
أنّ الانبياء(عليهم السلام)هل يجوز لهم
التقية أو لا؟ قال بعض الفقهاء: ذلك لا يجوز،
لانّ الانبياء في ما يتعلّق بتبليغ رسالتهم
معصومون من اللّه، ومأمورون بأداء الرسالة،
فمن جانب أن اللّه يعصمهم من الاخطار المحيطة
بهم، ومن جانب آخر، إذا عملوا بالتقية فلا
يمكنهم تنفيذ مهمّتهم الالهيّة[61].

ولكن مضافاً إلى أنّ الفقيه ليس من
شأنه أن يفتي بشيء في حق الانبياء(عليهم
السلام) وفتواه ليس حجّة في حقّهم، فإن القرآن
الكريم وقصص الانبياء خير شاهد على أنـّهم(عليهم
السلام)عملوا بالتقيّة في ظروف خاصّة،
للابقاء على حياتهم أو حياة أصحابهم حتى
يتمكّنوا من إبلاغ رسالاتهم في ظروف مؤاتية
لاهدافهم، وفيما يلي نماذج من هذه الظروف:

1 ـ أنّ إبراهيم الخليل(عليه السلام)
حينما أراد أن يبقى في مدينة المشركين لكسر
أصنامهم اتّقى منهم. قال تعالى: )فَنَظَرَ
نَظْرَةً في النّجُومِ * فَقالَ إنّي سَقِيم([62].

2 ـ أنّ ابراهيم(عليه السلام)عندما
أراد تنبيه المشركين إلى خطئهم في عبادة
النجوم والقمر والشمس قال بمقالتهم في
الظاهر، ثمّ رجع عنها بمسوّغ، كما يحكي لنا
الكتاب الكريم:

)فَلَمّا جَنّ عَلَيهِ الّليلُ رَأى
كَوْكَباً قالَ هذا رَبّي([63].

وكذلك قال في القمر: )فَلَمّا رأى
القَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبّي ([64].

وكذلك في الشمس: )فَلَمّا رَأى الشّمسَ
بازِغَةً قالَ هذا رَبّي هذا أكْبر([65].

وكان كلّ ذلك تمهيداً لهداية قومه،
لانـّه كان يقول بعد كلّ قول: )لا أُحبّ
الافِلين(. وأخيراً التفت إلى خالق السماوات
والارض وقال:

)إنّي وَجّهتُ وَجْهيَ للّذي فَطَرَ
السّماواتِ وَالارْضَ حَنيفاً وَما أنا مِن
المُشْرِكين([66].

وهذا عندما أحسّ بأنّ الظروف مساعدة
لاظهار دعوته، والقلوب مستعدّة لقبول دينه.

ويوجد في قصة حياة إبراهيم(عليه
السلام) عندما طلب منه الجبار الظالم حاكم
مصر، امرأته سارة، ولم يستطع الصمود في وجهه،
أعطاها ولكن دعا اللّه سبحانه أن لا يسلّط
الظالم على حريمه.

وكذلك عندما يتحدّث القرآن الكريم عن
الانبياء وحواريّيهم، يسرد لنا قصصاً من
تقيّتهم وكتمانهم للايمان حذراً من سطوة
المشركين و إحباط خططهم الاعلاميّة.

لذلك يقول سبحانه لموسى(عليه السلام): )فأسْرِ
بعبادي لَيلاً إنّكُمْ مُتّبعُونَ([67].

وكذلك يقول للوط(عليه السلام): )فأسْرِ
بَأهْلِكَ بِقِطْع مِن اللّيْلِ وَاتّبِعْ
أدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُم أحَدٌ
وَامْضُوا حَيْثُ تُؤمَرُونَ([68].

ويقول حاكياً عن يعقوب(عليه السلام): )قالَ
يا بُنيّ لا تَقْصُصْ رُؤياكَ عَلى إخْوَتِكَ
فَيكيدوا لَكَ كَيْداً إنّ الشّيطانَ
للانْسانِ عدوٌّ مُبينٌ([69].

وعن يوسف(عليه السلام): )فَبَدأ
بِأوْعِيَتِهمْ قَبْلَ وِعاءِ أخِيهِ ثُمّ
اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أخيه كَذلِكَ
كِدْنا لِيوسُفَ ما كانَ لِيأخذَ أخاهُ في
دينِ المَلِكِ إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ
نَرْفَعُ دَرَجات مَن نَشاءُ وَفَوْقَ كُلّ
ذي عِلْم عَلِيمٌ([70].

ويتحدث عن حواريّي عيسى(عليه السلام): )إذْ
أرْسَلْنا إلَيهِمُ اثْنَينِ فَكذّبُوهُما
فَعَزّزْنا بِثالِث([71].

من المسؤول والاثم في التقيّة ؟!

لا شكّ أنّ إثم التقيّة يعود إلى من
يعامل الناس بالظلم والكبت وبالقمع
والارهاب، وبممارسته السيّئة يسود الخوف
والاكراه على المجتمع الاسلامي، وقد نهى
اللّه تعالى عن إكراه الناس بغير حق[72].

فإنّ الاكراه بغير حق ليس محرّماً
فحسب، بل هو إحدى الكبائر، لانّه أيضاً ينبئ
بقلّة الاكتراث بالدين، ولانـّه من الظلم،
وقد جاء في الحديث القدسي:

«يا عبادي، إنّي قد حرّمت على نفسي
الظّلم وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا»[73].

ما هو غرض المتحاملين على التقية؟

إذا كان غرضهم أنّ الحريّة المذهبيّة
يجب أن تكون سائدة بحيث تتمكّن جميع الفرق
الاسلاميّة من إظهار عقائدها وطرحها على
طاولة الحوار الحرّ، وكلّ من يريد أن يحتجّ
على فرقة أو مذهب يخاطبه ببرهان ويناظره
بحجّة، ويجب أن يرتفع الاضطهاد الفكري
والارهاب الاعتقادي، فهذا أمر مستحسن يدعمه
الكتاب العزيز بقوله: )اُدْعُ إلى سَبِيلِ
رَبّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ
الحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالّتي هِي
أحْسَنُ إنّ رَبّكَ هُوَ أعْلَمُ بِمَن ضَلّ
عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أعْلَمُ
بِالمُهْتَدِينَ([74].

وأمـّا إذا كان قصده أنّ المذاهب
الاسلاميّة بعامّتها يجب أن تخضع لحكم فقيه
واحد أو مذهب ورأي خاص، وليس لكلّ مدرسة أن
تحتفظ بتراثها لا ظاهراً ولا باطناً فهذا ما
لا تؤيّده الشريعة السمحاء، ولا يسوّغه
العقل، ولا يلائم روح الاسلام المتسامح، ولا
يتمشّى مع حرّية الاجتهاد في الاسلام.

هل التقية نفسها من الاحكام أو من
العقائد ؟

ومن جملة التمويهات التي نواجهها في
مسألة التقيّة أن بعض الناقدين والمخالفين
لهذا الحكم الالهي يعتبرونها عقيدة خطيرة
وهدّامة، ويعدّونها من النفاق ، والحقيقة
أن التقيّة حكم من أحكام الشريعة ورخصة
للمؤمنين المستضعفين، مَنّ اللّه بها عليهم
ليصونوا بها أرواحهم وأموالهم من سطوة
الظالمين والكافرين ويداروهم ويماشوهم حتى
يزول غضبهم وتهدأ ثورتهم ويعودوا إلى رشدهم.

فإنّ التقيّة لو تدبّروا في معناها
وعلموا مغزاها لا يقصد بها إلاّ حفظ الدين
وحماية المؤمنين، حتّى يبقى تراث الدين
للاجيال القادمة. وحقّاً فإنّ التقيّة كانت
السرّ وراء استمرار الوجود الاسلامي، ونجاته
من فتن عظيمة وحملات دمويّة كبرى، مثل زحف
التتار، وقيام الثورة الشيوعيّة في
الاقطار الاسلاميّة، وكذلك إبـّان تسلط
الاستعمار الغربي على الاراضي الاسلاميّة
المقدّسة، واللّه سبحانه وتعالى يقول في
كتابه العزيز: )إنّا نَحْنُ نَزّلْنا الذّكرَ
وَإنّا لَهُ لَحافِظون([75].

تنويه

نلفت أنظار القرّاء الكرام إلى أنّ ما
ورد في العدد السابع في موضوع المرجعية
العلمية لاهل البيت(عليهم السلام) تحت باب
دراسات قد ورد اشتباهاً، حيث جاء في منتصف
صفحة (54) حديث زيد بن الارقم: ... بل أهل بيت
النبي هم أولاده الذين تحرم عليهم الصدقة.

والصواب هو: أهل بيته أصله وعصبته
الذين حرموا الصدقة بعده.



([1])
لسان العرب، مادّة "وقى".

([2])
المبسوط: 24، 45، بيروت، دار المعرفة،
بالاوفست من طبعة القاهرة.

([3])
فتح الباري 12 : 314 ، المكتبة السلفيّة،
القاهرة، 1372هـ .

([4])
الفيومي، المصباح المنير 2 : 757 ، دار الكتب
العلميّة، بيروت، 1398هـ / 1978م.

([5])
منهاج السنّة النبويّة 1 : 159، مطبعة بولاق.

([6])
الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة 13 : 186.

([7])
روضة العقلاء: 56 ، القاهرة، مصطفى الحلبي.

([8])
سورة القلم: 9 .

([9])
روضة العقلاء: 56 .

([10])
نفس المصدر.

([11])
الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة 13 : 186.

([12])
تفسير القرآن العظيم 2 : 588 ، دار المعرفة،
بيروت، 1402هـ / 1982م.

([13])
النحل: 106.

([14])
تفسير القرآن العظيم 2 : 587 ; وراجع: الحاكم،
مستدرك الصحيحين 2 : 257، دار الكتاب العربي،
والطبري، التفسير 4 : 182.

([15])
آل عمران: 28.

([16])
تفسير القرآن العظيم 1 : 357 والقرطبي، الجامع
لاحكام القرآن 4 : 57 ، دار إحياء التراث
العربي، بيروت، والطبري، تفسير الطبري 6 : 228،
313 ط. مصطفى الحلبي، القاهرة، 1373هـ .

([17])
القرطبي، الجامع لاحكام القرآن 4 : 57 .

([18])
المصدر نفسه 10 : 188.

([19])
المصدر نفسه 4 : 57 .

([20])
النحل: 106.

([21])
آل عمران: 28.

([22])
النساء: 97 .

([23])
صحيح البخاري 9 : 34 ـ 35، عالم الكتب، بيروت،
بالاوفست من طبعة إدارة الطباعة المنيريّة،
بدون تاريخ.

([24])
مسند ابن أبي شيبة 12 : 358 طبعة السلفية.

([25])
ابن جرير، تفسير الطبري 14 : 182، ط. الحلبي،
والحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين
2 : 357 ، ط. دائرة المعارف العثمانية.

([26])
ابن ماجة، السنن 1 : 159 ، ط. الحلبي،
السخاوي، المقاصد، ص230، ط الخانچي،
والطبراني: المعجم الكبير، والحاكم
النيسابوري، المستدرك.

([27])
القرطبي، الجامع لاحكام القرآن 10 : 190، وابن
حجر، فتح الباري 12 : 314 .

([28])
نفس المصدر (القرطبي).

([29])
تفسير الطبري 6 : 228، 313، ط. مصطفى الحلبي،
القاهرة، 1373هـ .

([30])
المصدر .

([31])
ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب 5 : 185،
مجلس دائرة المعارف النظاميّة، حيدر آباد،
الهند، 1326هـ .

([32])
البخاري، الصحيح 9 : 35 (كتاب الاكراه) عالم
الكتب، بيروت.

([33])
المصدر نفسه.

([34])
المصدر نفسه.

([35])
السيوطي، الدرّ المنثور 5 : 172، فخرالدين
الرازي،مفاتيح الغيب 8 : 28، ابن حجر
العسقلاني، فتح الباري 12 : 211، ط.
السلفية.

([36])
القرطبي، الجامع لاحكام القرآن 1 : 190.

([37])
المبسوط 24 : 45، ابن حجر، وفتح الباري 12 : 211،
القاهرة، ط. السلفية 1372، والرازي، مفاتيح
الغيب، 8 : 14.

([38])
المغني في الفقه 2 : 186، 192، وابن ماجة، كتاب
السنن 1 : 343 ط. عيسى الحلبي، القاهرة.

([39])
وهو أحمد بن أبي دؤاد وزير المأمون.

([40])
ابن كثير، البداية والنهاية 1 : 324 و335 ،
مطبعة السعادة، القاهرة.

([41])
أبو العرب التميمي (ت 333هـ)، كتاب المحن، ص: 442
ـ 443، ط 2، تحقيق الدكتور يحيى وهيب
الجبوري، بيروت، 1408هـ / 1988م.

([42])
الرازي، التفسير الكبير (مفاتح الغيب) 8 : 14،
الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة، 13 / 191 2 : 1408 هـ
/ 1988 م.

([43])
اللجنة الدائمة للبحوث العلميّة والافتاء ] في
السعودية[ ، فتاوى اللجنة، 4 (التفسير)،
دار اُولي النهى، الرياض، 1411هـ .

([44])
النحل: 106.

([45])
فتح الباري بشرح صحيح البخاري 12 : 314 .

([46])
ابن عابدين، ردّ المحتار على الدّرّ المختار
5 : 80 .

([47])
مجمع الانهر في شرح ملتقى الابحر، 2 : 412.

([48])
البزدوي، كشف الاسرار 4 : 1503.

([49])
ابن عابدين، ردّ المحتار على الدرّ المختار 5
: 80 و89 ، المنحة على تحفة ابن عاصم 2 : 41.

([50])
ابن قدامة (ت 620)، المغني 8 : 260 و7 : 119. ط. دار
الكتاب العربي، بيروت، 1403 هـ / 1983م.

([51])
نفس المصدر 8 : 261 و7 : 120.

([52])
نفس المصدر 8 : 260.

([53])
ابن عابدين، ردّ المحتار 5 : 80 ، وتحفة
المحتاج 7 : 37 ، والمنحة على تحفة ابن عاصم 2
: 41، فروع ابن مفلح 3 : 176.

([54])
البيهقي، السنن 7 : 357 ، ط. دائرة المعارف
العثمانيّة.

([55])
المغني 8 : 261، الشرح الكبير، 8 : 343 ،
الشوكاني، نيل الاوطار 6 : 268.

([56])
إتحاف الابصار: 44 ، والاتاسي، المجلّة 3 :
561 .

([57])
المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، المقنعة:
810 ط 2، مؤسّسة النشر الاسلامي، قم، 1410هـ .

([58])
المصدر نفسه: 811 .

([59])
التقيّة: 39 ، تحقيق الشيخ فارس حسّون، ط. 1،
مؤسّسة قائم آل محمد، قم، 1412هـ .

([60])محمد
بن صالح العثيمين، دروس وفتاوى في الحرم
المكي: 437 ـ 439 إعداد: بهاء الدين عبدالمنعم آل
دحروج، ط. 3 ، مكتبة اُولي النهى ـ الرياض ـ
دار خضر ـ بيروت، 1411هـ .

([61])
السرخسي، المبسوط، 24 : 45، وابن حجر، فتح
الباري، 12 : 211، المكتبة السلفية، القاهرة،
1372هـ .

([62])
الصافات: 88 ـ 89 .

([63]
ـ 6) الانعام: 76 ـ 79 .




([67])
الدخان: 23.

([68])
الحجر: 65 .

([69])
يوسف: 5 .

([70])
يوسف: 76 .

([71])
يس: 14.

([72])
الشوكاني، نيل الاوطار، 8 : 308، ابن حجر،
الفتاوى الكبرى، 4 : 173، تيسير التحرير 2 : 310 .

([73])
مسلم، الصحيح، 4 : 1994، ط. الحلبي.

([74])
النحل: 125.

([75])
الحجر: 9 .

/ 1