كلمة
التحرير

قضايانا
المصيرية و
ضرورة نفي
السلبيات
والخلافات
العقيمة

يحدثنا
التاريخ
كثيراً عن
شيوع ظاهرة
الجدل العقيم
في مختلف
العقائد التي
سادت العالم
قبل ظهور نور
الاسلام...
الجدل في امور
اسطورية
كثيرة تجعل
المتجادلين
بعيدين كل
البعد عن
الواقع.. حيث
أسرف
المسيحيون في
عبادة
القديسين
والصور
المسيحية،
حتى فاقوا في
ذلك
الكاثوليك في
هذا العصر. وقد
كانت
النصرانية
على شكل مذاهب
مختلفة يدور
بينها جدل
عنيف:
فاليعاقبة
يرون أن
المسيح هو
الله، وأن
الله
والانسان
اتحدا في
طبيعة واحدة
هي المسيح،
والمكانية
والنساطرة
قالوا: إن
للمسيح
طبيعتين
متميزتين:
الطبيعة
اللاهوتية،
والطبيعة
الناسوتية،
وإن اختلفت
الطائفتان
فيما عدا ذلك
من التفاصيل،
وقد استمر
الخلاف بين
هذه الفرق في:
هل اللاهوتية
وما
للناسوتية من
إرادة وفعل
متحدتان في
المسيح أو
مختلفتان؟
قالت
اليعاقبة
بالاول،
وقالت
النساطرة أن
للمسيح
ناسوتية لها
إرادة ولها
فعل يختلف كل
الاختلاف عن
العنصر
اللاهوتي!!!

وبدأت
المذاهب
تتعدد،
وينقسم كل
مذهب على
توالي الزمن
فرقاً
وأحزاباً،
ولكل مجموعة
في طقوس الدين
واسسه رأي
يخالف
المجموعة
الاخرى،
وتنكّرت هذه
الطوائف
بعضها لبعض
بسبب خلافها
في الرأي
تنكّراً أنتج
العداوة
الشخصية التي
نلمسها حيثما
دبّ الضعف
الخلقي
والذهني الى
النفوس،
فجعلها سريعة
الى الخوف،
صريعة لذلك
التعصب
الاعمى
والجمود
العقيم. كان من
بين طوائف
المسيحية في
تلك الازمان
من ينكرون ان
لعيسى جسداً
يزيد على طيف
كان يتبدّى به
للناس وكان من
بينها من
يزاوجون بين
شخصه ونفسه
زواجاً
روحياً يحتاج
الى كثير من
كدّ الخيال
والذهن
لتصوره، وغير
هؤلاء
واُولئك ممن
كانوا يعبدون
مريم، على حين
كان ينكر
غيرهم بقاءها
عذراء بعد وضع
المسيح،
وكذلك كان
الجدل بين
أتباع عيسى
جدل أيام
الانحلال في
كل امة وعصر،
كان يقف عند
الالفاظ
والاعداد،
ويسبغ على كل
لفظة وكل عدد
من المعاني
ويضفي عليه من
الاسرار
ويحيطه من
ألوان الخيال
بما يعجز عنه
وهم المنطق
ولا تستسيغه
إلاّ سفسطة
الجدل العقيم.

لقد كان لكل
شيعة من شيعهم
فريق الرهبان
الاقوياء،
وهو بمثابة
فرق
المحاربين
الاحتياطية
يستعان بهم
حين لا يجدي
قرع الحجة
بالحجة، وقد
يلجأ
الفريقان
أحياناً
كثيرة الى
القوة
الغاشمة
فيغزون
المجامع
الكنسية
نفسها ويغرون
جماهير
الغوغاء
المتوحشين،
ويقودونهم في
الهجوم على
المهرطقين،
ولا يتورعون
في ذلك عن سفك
الدماء وعن
التمثيل
بضحاياهم
والتنكيل بهم
بعد قتلهم.

هذا هو مجمل
الحالة
المسيحية
آنذاك ـ كما
تحدثنا عنها
المصادر
التاريخية ـ .
ولم تكن
الحالة
اليهودية
والبوذية
وغيرهما
بأحسن منها..
انها حالة
الضياع
الفكري
واللهو
الفلسفي
والغفلة
العملية عن
المسيرة
الصالحة
للانسان ولن
ندخل في البحث
عن العوامل
التي أوصلت
تلك الامة الى
هذه الحالة،
فهي كثيرة
ولكننا نذكر
منها: الجهل،
والتعصب،
ومحاولة
تسفيه عقول
العامة
للوصول الى
مكاسب وقتية،
مما ادى الى
نسيان الواجب
التاريخي
للدين في بناء
جيل الحضارة
وسوق البشرية
نحو كمالها
المطلوب.

وبعيداً عن
هذا الجدل
يعمل الطغاة
عملهم
الاستكباري،
وينتهز
الطامعون
الفرصة
للتلاعب
بمقدرات
الامم،
ويغتنمونها
لتمزيق
الشخصية
الانسانية
لولا أن
تداركت
الرحمة
الالهية
البشرية كلها
بفتح إلهي
جديد أشرق
عليها بنور
القرآن،
ومزّق
ظلماتها
بعطاء
الاسلام
العظيم.

كانت هذه
رحلة الى
العمق
التاريخي،
علينا ان نعود
منها أدراجنا
بحصيلة
ايجابية
لندرس واقعنا
الحالي على
ضوئها،
ولنتساءل عن
مدى وجود هذه
الظواهر
السلبية في
حياتنا اليوم.

إن الامة
الاسلامية
اليوم تواجه
الحضارة
المادية
الاستكبارية
بكل أبعادها
وبكل ما لديها
من عناصر
الهجوم،
والوسائل
الشيطانية
الماكرة
المترصدة لكل
فرصة لتمزيق
شخصية هذه
الاُمة،
والقضاء على
دورها
الحضاري، بل
على مقاومتها
للمسيرة
الاستكبارية
التي تتمثل في
ما يسمّى
اليوم بـ «النظام
العالمي
الجديد» نظام
السلطة
القاهرة
الواحدة،
نظام التمزيق
الثقافي
والحضاري الى
جانب القهر
السلطوي لكل
روح
استقلالية
للشعوب
المستضعفة.

وإذا كان
الامر كذلك،
فهل يجوز أن
نتصور حالات
مشابهة
للحالات
الماضية في
واقع امتنا
الاسلامية؟

لا ريب أن
الاسلام يحمل
في ذاته طاقات
حضارية تخلو
منها
المسيحية، ثم
لا ريب في أن
الحالة
التغييرية
الثورية التي
اوجدتها
النخبة
الحركية
وأوقدتها،
وأجّجتها
الثورة
الاسلامية
المباركة
تسري اليوم
سريان
العافية في
الاوصال مما
يسد الطريق
على تحوّل هذه
الحالة
الرجعية الى
ظاهرة... ولكن
هذا لا يمنعنا
من أن نجد بعض
الجيوب
المهترئة،
وبعض
الامارات
والعلامات
المحذّرة
والمنذرة
بالخطر بين
بعض
المنتسبين
الى العلم أو
الى محافل
الفكر
الاسلامي.

ألسنا
نشاهد بيننا
من يطرح مسألة
التداوي عبر
الاتصال
بالجن؟ ألا
نشاهد من لا
زالوا يؤمنون
بالتعاويذ
سبيلاً
ناجعاً
للعلاج؟ ألا
نجد من ينسى كل
آلام الامة،
وما تعانيه من
مؤامرات
الاستكبار
وكيده وتدنيس
جيوشه
وأساطيله
لاراضيها
المقدّسة
وزرعه لدويلة
اسرائيل
الصهيونية في
قلب كيانها
لتساهم في
الاجهاز على
وجودها وسر
أصالتها،
فينشغل
بمسائل جزئية
ليخلق منها
قضايا مصيرية
من قبيل:

طرح مسألة
الشفاعة
باعتبارها ـ
والعياذ
بالله ـ
مسرباً
للشرك،
ومسألة زيارة
القبور
باعتبارها
المسألة
الاولى ثم نبز
الاخرين أنهم
قبوريون!!
ومسألة
الاحتفال
بالمولد
النبوي
الطاهر
باعتبارها
بدعة خطيرة
يجب الجهاد
ضدّها،
ومسألة دخول
المرأة الى
البرلمان
باعتبارها سر
الاخفاق
الاجتماعي
وأن ذلك يعني
قيمومة
المرأة!!
وموضوع اعلان
البراءة من
المشركين في
الحج
باعتباره
إضافة منسك
جديد لمناسك
الحج!

نعم، ألسنا
نجد أمامنا من
يطرح الخلاف
حول إسبال
اليدين في
الصلاة
واتجاه المسح
في الوضوء،
وكيفية
علامات الوقف
في القرآن،
والجهر
بالبسملة في
سورة الحمد،
وعدم الاشهاد
في عقد
الزواج، وكشف
وجه المرأة
وغيرها،
باعتبارها من
أهم المسائل
الدينية،
متناسياً أهم
دور يجب أن
يلعبه
العلماء في
الحياة
الاجتماعية،
وهو الدور
القيادي
الاصيل،
واحياء
الشريعة
وإقامة حكم
الله تعالى في
الارض.

والانكى من
هذا أن نجد
اناساً
يعملون على
إحياء
الخلافات
العقيمة على
المستوى
العام (ولا
نمانع من
طرحها بشكل
تخصص كتابي
مدرسي) وهي من
قبيل مسائل
خلق القرآن،
ورؤية الله
تعالى
البصرية يوم
القيامة،
وامثال ذلك. ثم
لا يكتفون
بذلك حتى
يُحلّوا دماء
الملايين من
الذين
يخالفونهم في
ما يذهبون
إليه!

نعم، ألا
نرى كل ذلك؟ ثم
أليس كل ذلك من
التضخيم الذي
لا مبرّر له؟
ألا يعني ذلك
أن هؤلاء ـ على
الاقل ـ
يعيشون حالة
التخلّف عن
المشكلات
الاساسية
للامة؟ فهم
حينئذ كمن
يتجاهل أمراً
عظيماً كقتل
الامام
الحسين(عليه
السلام) ثم
يخلق مشكلة
حول (دم
البعوضة) أهو
طاهر أم نجس؟

ثم دعنا
نركز على تلك
الجهات التي
تعمل على
تحويل الخلاف
الفقهي حول
بعض القضايا
الاعتقادية
الفرعية أو
الاحكام
الفقهية
الجزئية، إلى
نزاع عملي،
حتى وصلنا إلى
الحد الذي
عدنا نشاهد
معه تشكيل
جيوش!!
متحاربة، كل
جيش منها يسعى
لضرب الجيوش
الاخرى
دفاعاً عن هذا
الرأي أو ذاك.

ولنا أن
نتساءل عن
العلل التي
أوجدت هذه
الحالة، ومن
الذي خوّل
هؤلاء او
اُولئك
لتشكيل هذه
المجموعات
الضاربة؟ ومن
الذي يموّل
هذه
التوجّهات
الغريبة
والبعيدة عن
المنطق
الصحيح.. منطق
الاسلام
الاصيل.. منطق
احترام
الافكار
والاراء،
وانفتاح باب
الاجتهاد
فإذا رأينا
القرآن
الكريم يرفض
الاختلاف
والنزاع
فإنما يركّز
على النزاع
العملي (الاجتماعي
والسياسي) دون
نظر للخلاف
الفكري الذي
يشكل حالة
طبيعية لدى
المجتهدين.

إن هذه
الحالة
بطبيعة الحال
تعني إحياءً
لحالات
التخلّف التي
شهدها
التاريخ
الاسلامي،
حيث كانت هذه
الحكومة أو
تلك تتعصّب
لهذا المذهب
أو ذاك، ثم
تقود نزاعاً
دموياً
غريباً لا
يرضاه
الاسلام
لاتباعه
مطلقاً.

إننا نعتقد
أن هذه
الحالات لم
تستطع أن تشكل
ظاهرة في
الحياة
الاسلامية،
لكنها علامات
مرضيّة يجب
استئصالها
ومنعها من
التسلّل إلى
الحياة
العامة
للمسلمين،
ولا يتم ذلك
إلاّ من خلال
سعي المخلصين
من المفكرين
لطرح القضايا
الاساسية
ومنع هذه
المظاهر
السيئة،
وتحريك قضية
الوحدة
الاسلامية
والتقريب بين
المذاهب
الاسلامية،
وسد الطريق
أمام
الانتهازيين
سواء أكانوا
من أهل العلم
أو من أهل
السياسة
والحكم، حتى
نوفّر الجو
السليم لنمو
الحالة
الحضارية
الاسلامية،
وظهور
الشخصية
الاسلامية
بكل مظاهرها،
وحينئذ نضمن
للمسيرة
انسجامها
وتقدمها نحو
الغد الامثل،
وإننا نعتقد
أن الاسلام
العظيم أقوى
من كل هذه
الحالات
الطارئة
واكثر سلامة
من كل هذه
الظواهر
المرضية.. إلا
أن هذا لا
يعفينا من
العمل الجاد
لبثّ العافية
في جميع
الاوصال
الاجتماعية.