دراسات - دور أهل البیت (ع) فی بناء الکتلة الصالحة (09) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دور أهل البیت (ع) فی بناء الکتلة الصالحة (09) - نسخه متنی

السید محمدباقر الحکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسات

دور أهل البيت(عليهم السلام) في بناء
الكتلة الصالحة

(9)

التنظيم السياسي للجماعة الصالحة «الحلقة
الاولى»

* سماحة السيد محمد باقر الحكيم
(العراق)

لقد اهتم أهل البيت(عليهم السلام) من
أجل تحقيق الاهداف التي أشرنا إليهابأن يضعوا
نظاماً عاماً للجماعة يحفظ لها وحدتها
وخصائصها الذاتية، ويحدد لها علاقاتها في
داخلها أو مع الجماعات الاخرى خارج الجماعة،
ويسمح لها أن تنمو وتتطور وتتكامل، ويؤمّن
لها الحماية ضد عمليات العدوان.

وفي هذا المجال قام أهل البيت(عليهم
السلام) بعملين متوازيين:

أحدهما: وضع النظام العام للجماعة
الصالحة.

ثانيهما: وضع النظم والمناهج المختلفة
في المجالات المتعددة ذات العلاقة بالنظام
العام.

وفي هذا البحث نحاول أن نشير إلى
المعالم العامة لهذا النظام الذي وضعه أئمة
أهل البيت(عليهم السلام) سواء فيما يتعلق
بالقاعدة النظرية له، او المهمات
والمسؤوليات، أو طبيعة العلاقات العامة فيه،
أو المؤسسات والتشكيلات، او الهوية أو
العلاقات الداخلية والخارجية.

هذا النظام الذي يمكن أن يتحرك ضمن
النظام الاسلامي والحكومة الاسلامية ويتكيف
مع ظروفها. ويمكن أن نحدد هذه المعالم
الرئيسية بشكل عام في الامور التالية:

المعلم الاول: الامامة أساس النظام

وهو القاعدة الفطرية لهذا النظام، حيث
يقوم هذا النظام على أساس نظرية «الامامة
والولاية لائمة أهل البيت(عليهم السلام)»
ويمثل ذلك امتداداً للتصور النظري لحركة
الانبياء والمرسلين، سواء في تشخيص طبيعة هذا
الحق والمنصب، وأنه منصب إلهي يستحقه هذا
الانسان من خلال التعيين المباشر له من قبل
الله تعالى، كما هو الحال في الانبياء
والمرسلين، أو بالواسطة، كما هو الحال في
الائمة والاوصياء، حيث أوصى النبي(صلى الله
عليه وآله)لعلي(عليه السلام) أن يكون إماماً
من بعده، وهكذا بالنسبة إلى بقية الائمة(عليهم
السلام). أو في مواصفات الشخص، حيث يشترط في
النبي والامام المنصوب الدرجة العالية من
الكمالات الالهية التي يعبّر عنها «بالعصمة».
أو في طبيعة المسؤوليات والواجبات والحقوق
تجاه الامة أو عليها، حيث تجب له الطاعة، وله
حق ولاية الامر، وأنه أولى بالمؤمنين من
أنفسهم، وعليه أن يتحمل مسؤولية إبلاغ
الرسالة، وتزكية المؤمنين وتربيتهم،
وتعليمهم الكتاب والحكمة، ورعاية شؤونهم
والمواساة لهم في حياتهم.

إن النظام الذي وضعه أهل البيت(عليهم
السلام) لتنظيم الجماعة يرتكز على هذه
القاعدة النظرية، فإن الامام في زمن حضوره
وشهوده، وإن لم تكن بيده السلطة، ولا يكون
مبسوط اليد في القدرة، إلاّ أنه مع ذلك كله لا
بد فيه من توفّر هذه الخصوصيات، ويتحمل أيضاً
هذه المسؤوليات والواجبات وله هذه الحقوق،
ولكن بالقدر الذي تسمح به الظروف المعاشة.
وتتناسب الواجبات والحقوق في السعة والضيق مع
هذه الظروف المتاحة.

وأما في عصر الغيبة فإن المجتهد
الجامع للشرائط هو الذي يقوم بهذا الدور
باعتباره الوريث الطبيعي للانبياء والائمة(عليهم
السلام)، لانهم لم يورثوا ذهباً ولا فضة ولا
درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا شيئاً من
العلم والحكمة.

عن أبي عبداللّه(عليه السلام) قال: «إن
العلماء ورثة الانبياء، وذاك أن الانبياء لم
يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا
أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها فقد
أخذ حظاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمّن
تأخذونه، فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً
ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين
وتأويل الجاهلين»[1].

ولعلّ هذا التسلسل الطبيعي في الخلافة
والمنصب الالهي هو الذي تشير إليه الاية
الكريمة في قوله تعالى: (إنّا أنْزَلْنا
التّوراةَ فيها هُدىً وَنورٌ يَحْكُمُ بِها
النّبيُّونَ الّذينَ أسْلَمُوا لِلّذينَ
هادُوا وَالرّبانِيّونَ وَالاحْبار بِما
اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ وَكانُوا
عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النّاس
وَاخْشَوْني وَلا تَشْتَرُوا بِآياتي
ثَمَناً قَليلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما
أنْزَلَ اللّهُ فَاولئِكَ هُمُ الكافِرُونَ)[2].

فالمجتهد الذي يمثل «الاحبار» في هذه
الاية الكريمة لا بد أن يتصف بالمواصفات
المطلوبة في الائمة «الربانيون» ولكن بالقدر
الذي يتناسب معه ومع مسؤولياته وحقوقه، وهي
العدالة العالية والصفات الشخصية المناسبة
من الخبرة والشجاعة والمواساة للمؤمنين
والقدوة في السلوك. وكذلك تثبت له الحقوق
والواجبات نفسها، ولكن بالمقدار المناسب
لهذا المستوى من الولاية.

إن هذا المنطلق في فهم ورؤية النظام
العام للجماعة الصالحة هو أمر مهم فيما يتفرع
عنه من أنظمة وسياسات ومناهج ومواقف تنسجم مع
الفهم النظري لحركة الانبياء ودورها في
التاريخ الانساني والسنن المؤثرة في هذا
التاريخ.

نظام المرجعية الدينية

وعلى اساس هذه القاعدة النظرية وضع
الائمة(عليهم السلام) نظام المرجعية الدينية
و(ولاية الفقيه). فإن هذا النظام يتلخص في
تنصيب المجتهد*،[3]من
علماء مذهب أهل البيت(عليهم السلام)الجامع
للشرائط التي أشرنا إليها آنفاً، للقيام
بالوظائف الاساسية للامامة، وهي الولاية
لشؤون المسلمين وبيان معالم الدين، والقضاء
في موارد النزاع والتداعي والفصل للخصومات.

ويبدو من خلال مراجعة تاريخ أهل البيت(عليهم
السلام) أنهم في الوقت الذي كانوا يمارسون فيه
هذا الدور للامامة ـ بشكل محدود ـ بدأوا
بتأسيس هذا النظام عندما أخذت الجماعة
الصالحة تنمو وتكبر، وتتسع دائرة أعمالها
ونشاطاتها ووجودها، حتى أصبح هذا النظام هو
نظام الجماعة العام بعد الائمة.

وقد قام أئمة أهل البيت(عليهم السلام)
بتأسيس هذا النظام للجماعة الصالحة في زمان
حضورهم وشهودهم ـ كما سوف نلاحظ ـ ليكون له
دوره النسبي في تكوين الجماعة الصالحة،
وإدارة شؤونها في عصرهم، وليصبح نظاماً
متكاملاً وفاعلاً يمكن الاعتماد عليه
والاكتفاء به بعد غيبة الامام المهدي عجّل
اللّه فرجه.

ولعلّ الدور المهم والاساس لائمة أهل
البيت الثلاثة «الجواد والهادي والعسكري(عليهم
السلام)» هو إرساء وترسيخ دعائم هذا النظام،
على ما سوف نعرف ذلك إن شاء اللّه عند دراستنا
استعراض الادوار الخاصة التي قام بها الائمة
في كل عصر.

ويمكن أن نتعرف بشكل إجمالي على نظام
المرجعية الدينية من خلال دراسة المعالم
الاخرى التالية:

المعلم الثاني: المهمات والمسؤوليات

يمكن تلخيص المهمات والمسؤوليات
لنظام المرجعية للجماعة الصالحة في المجالات
الثلاثة التالية: الافتاء، والقضاء،
والولاية.

الافتاء:

ففي مجال «الافتاء» و«بيان معالم
الدين» و«البلاغ» قام الائمة بعدة خطوات
لتنظيم هذه الحالة:

الاولى: هي تربية المجتهدين والعلماء
والمحدثين من خلال رعاية خاصة كانوا يولونها
لبعض الاشخاص الذين يتوسمون فيهم الاهتمام
بطلب العلم، والقدرة الفعلية على التلقّي،
والمواهب العلمية المناسبة، حتى أصبح هؤلاء
من المتميزين في خصائصهم ومواصفاتهم العلمية
والاخلاقية. بالاضافة إلى عدد كبير من
المتفقهين والمتعلمين والحفّاظ في مختلف
المناطق التي تعيش فيها الجماعة الصالحة،
خصوصاً المناطق التي يتكاثف وجودهم فيها.

ونجد هذا واضحاً في أشخاص مثل: ابان بن
تغلب، وزرارة بن أعين، وأبي بصير، ومحمد بن
مسلم، وبريد العجلي، ويونس بن عبدالرحمن،
وعثمان بن سعيد، وابنه محمد بن عثمان، وغيرهم.

عن أبي العباس الفضل بن عبدالملك قال:
«سمعت أبا عبداللّه(عليه السلام) يقول: أحبّ
الناس إليّ أحياءً وأمواتاً أربعة: بريد بن
معاوية العجلي، وزرارة، ومحمد بن مسلم،
والاحول، وهم أحبّ الناس إليّ أحياءً
وأمواتاً»[4].

وعن ابراهيم بن عبدالحميد وغيره قالوا:
«قال أبو عبداللّه(عليه السلام): رحم اللّه
زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست
أحاديث أبي(عليه السلام)»[5].

وعن سليمان بن خالد قال: «سمعت أبا
عبداللّه(عليه السلام) يقول: ما أجد أحداً
أحيا ذكرنا وأحاديث أبي(عليه السلام) إلاّ
زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن
مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء
ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفّاظ الدين
وأمناء أبي(عليه السلام) على حلال اللّه
وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا،
والسابقون إلينا في الاخرة»[6].

وعن أبي عبيدة الحذّاء قال: «سمعت أبا
عبداللّه(عليه السلام) يقول: زرارة، وأبو
بصير، ومحمد بن مسلم، وبريد، من الذين قال
الله تعالى: (وَالسّابِقُونَ السّابِقُون *
اُولئك المقرّبون)»[7].

وعن عبداللّه بن أبي يعفور قال: «قلت
لابي عبداللّه(عليه السلام): إنه ليس كل ساعة
ألقاك، ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من
أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه،
فقال: ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي؟ فإنه
سمع من أبي وكان عنده وجيهاً»[8].

وعن يونس بن يعقوب قال: «كنا عند أبي
عبداللّه(عليه السلام) فقال: أما لكم من مفزع؟
أما لكم من مستراح تستريحون إليه؟ ما يمنعكم
من الحارث بن المغيرة النضري؟»[9].

وعن جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه(عليه
السلام)، في حديث أنه ذم رجلاً فقال: «لا قدّس
الله روحه، ولا قدّس مثله، إنه ذكر أقواماً
كان أبي(عليه السلام) ائتمنهم على حلال الله
وحرامه، وكانوا عيبة علمه، وكذلك اليوم هم
عندي مستودع سرّي وأصحاب أبي حقاً، إذا أراد
اللّه بأهل الارض سوءاً صرف بهم عنهم السوء،
هم نجوم شيعتي أحياءً وأمواتاً، هم الذين
أحيوا ذكر أبي(عليه السلام)، بهم يكشف الله كل
بدعة، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين
وتأويل الغالين، ثم بكى، فقلت: من هم؟ فقال: من
عليهم صلوات اللّه، وعليهم رحمته أحياءً
وأمواتاً: بريد العجلي، وأبو بصير، وزرارة،
ومحمد بن مسلم»[10].

وعن داود بن سرحان قال: «سمعت أبا
عبداللّه(عليه السلام) يقول: إني لاحدّث الرجل
بالحديث، وأنهاه عن الجدال والمراء في دين
الله، وأنهاه عن القياس، فيخرج من عندي
فيتأول حديثي على غير تأويله،... إلى أن قال: إن
أصحاب أبي كانوا زيناً أحياءً وأمواتاً، أعني
زرارة، ومحمد بن مسلم، ومنهم ليث المرادي،
وبريد العجلي، هؤلاء القائلون بالقسط، هؤلاء
القوّامون بالقسط، هؤلاء السابقون السابقون،
اُولئك المقربون»[11].

الثانية: إصدار التوجيهات للخاصة من
أصحابهم والمتميّزين بالعلم والفضيلة
بالتصدي للافتاء، ونقل الحديث عنهم إلى أبناء
الجماعة الصالحة. وكانوا أحياناً يطلبون منهم
التصدّي للافتاء بين المسلمين عامة حسب
مذاهبهم المختلفة من أجل أن يأخذ هؤلاء
الاشخاص دورهم الطبيعي في المجتمع الاسلامي
في نفس الوقت الذي يؤدون فيه خدمة خاصة في
المحافظة على الجماعة وخصوصياتها.

عن أبي عبداللّه(عليه السلام) أنه قال
لمعاذ بن مسلم النحوي: «بلغني أنك تقعد في
الجامع فتفتي الناس، قلت: نعم، وأردت أن اسألك
عن ذلك قبل أن أخرج، إني أقعد في المسجد فيجيء
الرجل فيسألني عن الشيء، فإذا عرفته بالخلاف
لكم أخبرته بمايفعلون، ويجيء الرجل أعرفه
بمودّتكم وحبّكم فأخبره بما جاء عنكم، ويجيء
الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو، فأقول: جاء عن
فلان كذا، وجاء عن فلان كذا، فاُدخل قولكم
فيما بين ذلك، فقال لي: إصنع كذا، فإني كذا
أصنع»[12].

وعنه(عليه السلام): «اعرفوا منازل
شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا، فإنا
لا نعدّ الفقيه منهم فقيهاً حتى يكون
محدّثاً، فقيل له: أويكون المؤمن محدّثاً؟
قال: يكون مفهّماً، والمفهّم المحدّث»[13].

الثالثة: توجيه عموم المؤمنين إلى
الرجوع في الفتيا والدين إلى هؤلاء الاشخاص
المتميّزين، بحيث تتكامل الصورة وتصبح
منسجمة في أبعادها، فيرجع أبناء الجماعة
الصالحة إلى هؤلاء العلماء، وينتظم بذلك هذا
الامر الديني المهم في وسط الجماعة.

عن أحمد بن إسحاق قال: «سألت أبا الحسن(عليه
السلام) وقلت: من اُعامل؟ وعمّن آخذ؟ وقول من
أقبل؟ فقال: العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي
فعنّي يؤدي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول،
فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون، قال: وسألت
أبا محمد(عليه السلام) عن مثل ذلك فقال: العمري
وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي
يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع
لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان،
الحديث. وفيه أنه سأل العمري عن مسألة فقال:
محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا
من عندي، فليس لي أن اُحلّل ولا اُحرّم»[14].

وعن اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: «سألت
أبا عبداللّه(عليه السلام) عن المتعة، فقال:
إلقَ عبدالملك بن جريح فسله عنها، فإن عنده
منها علماً، فلقيته فأملى عليّ شيئاً كثيراً
في استحلالها، وكان فيما روى فيها ابن جريح
أنه ليس لها وقت ولا عدد ... إلى أن قال: فأتيت
بالكتاب أبا عبداللّه(عليه السلام) فقال: صدق،
وأقرّ به»[15].

وعن المفضل بن عمر: «أن أبا عبداللّه(عليه
السلام) قال للفيض بن المختار في حديث: فإذا
أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس، وأومأ إلى
رجل من أصحابه، فسألت أصحابنا عنه، فقالوا:
زرارة بن أعين»[16].

وعن علي بن المسيّب الهمداني قال: «قلت
للرضا(عليه السلام): شقّتي بعيدة، ولست أصل
إليك في كل وقت، فممّن آخذ معالم ديني؟ قال: من
زكريا بن آدم القمّي، المأمون على الدين
والدنيا. قال علي بن المسيّب: فلما انصرفت
قدمنا على زكريا بن آدم، فسألته عما احتجت
إليه»[17].

وعن عبدالعزيز بن المهتدي والحسن بن
علي بن يقطين قال: «قلت للرضا(عليه السلام): لا
أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما احتاج إليه من
معالم ديني، أفيونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه
ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم»[18].

عن الفضل بن شاذان، عن عبدالعزيز
المهتدي ـ وكان خير قمّي رأيته، وكان وكيل
الرضا(عليه السلام) وخاصّته ـ قال: «سألت
الرضا(عليه السلام) فقلت: إني لا ألقاك في كل
وقت، فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقال: خذ عن يونس
بن عبدالرحمن»[19].

وعن عبدالعزيز بن المهتدي قال: «قلت
للرضا(عليه السلام): إن شقّتي بعيدة، فلست أصل
إليك في كل وقت، فآخذ معالم ديني عن يونس مولى
آل يقطين؟ قال: نعم»[20].

القضاء:

يمثل القضاء قضية من أهم القضايا في
التنظيم العام للمجتمع الاسلامي بشكل عام،
وللجماعة الصالحة بشكل خاص. ذلك أن موضوع
القضاء من الموضوعات الاساسية التي نزلت من
أجلها الكتب السماوية، وجاءت بها الرسالات
الالهية، لان موضوع القضاء يرتبط بموضوع
النزاع والاختلاف بين الناس، الذي بدأ منذ
بداية تكوّن المجتمع الانساني، وبقي هذا
الموضوع يكتسب أهمية خاصة في جميع الادوار،
حتى يكاد يتصور الانسان أن موضوع الحكم
والدولة إنما هو أمر مرتبط بهذا الموضوع
بالاصل، ثم تطور بعد ذلك إلى النظام
الاجتماعي.

ثم إن موضوع القضاء يبدو معقّداً بعض
الشيء، لانه يرتبط ـ كما قلنا ـ بالنزاع
والاختلاف، وهو ـ في بعض الاحيان ـ يرى فيه كل
من الطرفين أو الاطراف المتخاصمة أن الحق إلى
جانبه. بل قد تكون نتيجة القضاء أحياناً على
خلاف الحق الواقعي، فتزداد الامور تعقيداً،
حيث يراد من صاحب الحق أن يتخلّى عن حقّه
ويسكت، بسبب الحكم الذي توصل إليه القاضي.

ومن هنا نجد القرآن الكريم يربط بين
الايمان والقبول والتسليم للقضاء الذي يصدر
من الرسول(صلى الله عليه وآله)، كما ورد في
قوله تعالى: (فَلا وَربّكَ لا يُؤمِنُونَ حتّى
يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ
لا يَجِدُوا في أنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا
قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْليماً)[21].

كما نجد الرسول(صلى الله عليه وآله) ـ
وهو المعصوم المرتبط بالوحي الالهي ـ يحتاط
لنفسه ولمنصبه بين المسلمين عندما يقول: «إنما
أقضي بينكم بالبينات والايمان، وبعضكم ألحن
بحجّته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه
شيئاً، فإنما قطعت له به قطعة من النار...»[22].
وليس بعلم الغيب الالهي، لان القضاء قد لا
يكون متطابقاً مع الحق الواقعي، حيث لا يجد
المدّعي البيّنة، فيحلف المنكر كذباً ويقضى
له، ويردّ اليمين على المدّعي فيمتنع عن
أدائها تعظيماً للّه تعالى وتنازلاً عن حقّه
فيقضى للمنكر أيضاً، أو يأتي المدّعي بالشهود
الزور ويكون ظاهرهم الصلاح، فيرتب عليهم
القاضي الاثر فيقضي له بغير حقه الواقعي.

ومن هنا نجد أئمة أهل البيت(عليهم
السلام) قد واجهوا مشكلة حقيقية في أوساط
الجماعة الصالحة عندما أرادوا ملء هذا الفراغ
المهم في النظام العام للجماعة، واحتاجت هذه
المشكلة إلى حل واقعي وعملي من قِبلهم.

وهذه المشكلة لها أبعاد عديدة، بعضها
يرتبط بالسلطة الحاكمة حيث كان القضاء من
المناصب الحكومية التي يحتاج التصدّي لها إلى
قرار من جهاز السلطة والخلافة وإذن منها.
وبذلك يختلف القضاء عن الافتاء الذي كان
يمارسه العلماء والمحدثون والمتفقهون بشكل
عام.

وبعض هذه الابعاد يرتبط بالقوة
الاجرائية التنفيذية، حيث إن القاضي يفصل
الخصومة بحكمه، ولكن المنفّذ للحكم إنما هو
الاجهزة التنفيذية، كالشرطة وغيرهم الذين
ينفّذون الحكم بالقوّة عند امتناع أحد
الطرفين. ولم تكن لدى أئمة أهل البيت هذه
القوّة الاجرائية.

وبعضها يرتبط بالامة، سواء من ناحية
وجود العناصر المؤهلة للقيام بهذا العمل
الدقيق والحساس، أو من ناحية استجابة الامة
للالتزام بهذا القرار الصادر من الائمة(عليهم
السلام).

ومع كل هذا التعقيد في المشكلة تمكّن
الائمة(عليهم السلام) أن يوجدوا نظاماً
للقضاء فعّالاً ومؤثّراً في زمان حضورهم،
واستمرّ بعد ذلك في الازمنة الاُخرى. وقدّموا
من أجل تحقيق ذلك صيغة تتّسم بالدقّة
والمرونة والوضوح، يمكن أن نلاحظها في ما ورد
عنهم في هذا الموضوع.

ويمكن أن نشير الى بعض الابعاد
والخطوات لايجاد هذه الصيغة في النقاط
التالية:

أ: الانكار الشديد على اُولئك الافراد
الذين يتحاكمون إلى قضاة الجور المنصوبين من
قبل أئمة الجور والظلم. وهذا الانكار لا ينطلق
من مسألة احتمال الاستناد في القضاء إلى حكم
غير شرعي فحسب، بل ينطلق من مسألتين أساسيتين:

إحداهما: أن القضاء منصب إلهي لا يحق
للانسان أن يتولاّه، إلاّ إذا كان مؤهّلاً
لذلك. وبدون هذا التأهيل الذي هو روحي وعلمي
يكون القضاء باطلاً حتى لو كان قد أصاب الواقع.
وإن هؤلاء القضاة غير مؤهلين لهذا المنصب
الالهي:

عن سليمان بن خالد، عن أبي عبداللّه(عليه
السلام) قال: «اتّقوا الحكومة، فإن الحكومة
إنّما هي للامام العالم بالقضاء، العادل في
المسلمين لنبيّ [كنبيّ ]أو وصي نبي...»[23].

وعن أبي عبداللّه(عليه السلام) قال: «القضاة
أربعة: ثلاثة في النار وواحد في الجنة: رجل قضى
بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى بجور
وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو
لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو
يعلم فهو في الجنة»[24].

وعن أبي بصير قال: «قلت لابي عبداللّه(عليه
السلام): ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب
الله ولا سنّته، فننظر فيها؟ فقال: لا، أما
إنك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على
اللّه»[25].

ثانيتهما: أن الرجوع إلى هؤلاء القضاة
(قضاة أئمة الجور) إنما هو اعتراف وقبول
بإمامتهم، مع أنهم طواغيت، والرجوع إليهم
إنما هو تحاكم للطاغوت، فيكون مصداقاً للاية
الشريفة: (ألَمْ تَرَ إلى الّذينَ يَزْعمُونَ
أنّهُمْ آمَنُوا بِما اُنْزِلَ إلَيْكَ وَما
اُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُريدُونَ أنْ
يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغوتِ وَقَدْ اُمِرُوا
أنْ يَكْفُروا بِهِ وَيُريدُ الشّيطانُ أنْ
يُضِلَّهُم ضلالاً بَعيداً)[26].

عن أبي بصير عن أبي عبداللّه(عليه
السلام)، قال في رجل كان بينه وبين أخ له
مماراة في حق فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم
بينه وبينه فأبى إلاّ أن يرافعه إلى هؤلاء:
كان بمنزلة الّذين قال الله عزوجل: (ألَمْ
تَرَ إلى الّذينَ يَزْعمُونَ أنّهُمْ
آمَنُوا بِما اُنْزِلَ إلَيْكَ وَما
اُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُريدُونَ أنْ
يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغوتِ وَقَدْ اُمِرُوا
أنْ يَكْفُروا بِهِ)[27].

وعن عمر بن حنظلة قال: «سألت أبا
عبداللّه(عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا
بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى
السلطان أو إلى القضاة، أيحلّ ذلك؟ فقال: من
تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى
طاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً وإن كان
حقه ثابتاً، لانه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر
اللّه أن يُكفر به، قال الله تعالى: (يُريدُونَ
أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغوتِ وَقَدْ
اُمِرُوا أنْ يَكْفُروا بِهِ)»[28].

ب ـ وقد شدّد أئمة أهل البيت(عليهم
السلام) على هذا الموضوع بدرجة عالية، وفي
مناسبات مختلفة، من أجل أن يحققوا هدفاً
عملياً، وهو إيجاد الوازع الذاتي القوي الذي
يعوّض عن القوة التنفيذية التي يملكها
القضاة، حيث استفاد أئمة أهل البيت من عوامل
الرفض للفساد والانحراف والاعتداء على
الحقوق في أجهزة الدولة بشكل عام، وفي جهاز
القضاء بشكل خاص.

ج ـ اتّباع اُسلوب يتّسم بالمرونة من
ناحية، وقوة التنفيذ نسبياً من ناحية اُخرى،
في تشخيص القاضي، حيث كانوا يطلبون من
المتنازعين والمتخاصمين أن يختاروا بأنفسهم
ويتراضوا على تشخيص القاضي كما ورد ذلك في
مقبولة عمر بن حنظلة وموثقة أبي بصير.

حتى إن بعض الفقهاء قد ذهب إلى أن هذه
الروايات لا تعيّن القاضي بالمعنى المعروف،
وإنما هي تبيّن قاضي الحكم والصلح، لانّها
تشترط رضا الطرفين فيه[29]،
مع أن ذيل الرواية ظاهر في التعيين للقاضي.

د ـ إعطاء مواصفات عامة وميسّرة
وواضحة للمؤهّلات التي يجب أن يتمتّع بها هذا
القاضي، وكذلك الصفات التي تشخص القاضي الذي
يكون لقوله الفصل عندما يختلف القضاة فيما
بينهم.

عن عمر بن حنظلة قال: «سألت أبا
عبداللّه(عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا
بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى
السلطان وإلى القضاة، أيحلّ ذلك؟ قال: من
تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى
الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً وإن
كان حقاً ثابتاً له، لانه أخذه بحكم الطاغوت
وما أمر الله أن يُكفر به. قال الله تعالى: (يُريدُونَ
أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغوتِ وَقَدْ
اُمِرُوا أنْ يَكْفُروا بِهِ) قلت: فكيف
يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى
حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف
أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته
عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه
فإنما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ
علينا الرادّ على الله، وهو على حد الشرك
باللّه»[30].

الولاية:

لا شكّ أن الولاية والامامة هي أهم
منصب إلهي في النظام الاسلامي كما صرّح
القرآن الكريم بذلك، وكذلك النصوص الواردة عن
أهل البيت(عليهم السلام) على ما أشرنا إليه في
بعض المواضع السابقة.

ويمكن ان تدخل المهمة الاولى «البلاغ
وبيان معالم الدين» والمهمة الثانية «القضاء»
في ضمن هذا المنصب الالهي الخطير أيضاً.

ولعلّ جلالة هذا المنصب وقدسيته من
ناحية، وكثرة المدّعين لهذا المنصب من الطغاة
والظالمين وأئمة الجور من ناحية اُخرى، هي
التي جعلت أئمة أهل البيت(عليهم السلام)
ينكرون على الاخرين ادّعاءهم له من ناحية،
وتأكيدهم على اختصاص هذا المنصب بهم وحدهم من
ناحية اُخرى.

وهذا يفسّر لنا أيضاً قلّة أو غموض
النصوص التي وردت في بيان أن المجتهد العادل
والعالم بالاحكام الشرعية له حق الولاية
العامة، لان أهل البيت(عليهم السلام) كانوا
بصدد التأكيد على جانب اختصاص الولاية بهم
بالاصل، لئلاّ يفتح ثغرة نفسية أو ذهنية تفسح
المجال لتصوّر آخر، وهو أن للاخرين الادعياء
مثل هذا الحق.

كما أن الملاحظ أيضاً في نصوص القضاء
عموماً هذا الاتجاه، عدا بعض النصوص التي
حاول بعض الفقهاء ـ كما أشرنا ـ تفسيرها
بتعيين قاضي الصلح وحكم التراضي.

ومن هنا نجد أيضاً أن جماعة من الفقهاء
يذهبون إلى عدم وجود النص على تعيين المجتهد
بشكل خاص لهذا المنصب الالهي، مع إيمانهم بأن
هذا المنصب الالهي لا يمكن أن يترك خالياً من
المسؤولية، وإن الفرد الذي يمثل «القدر
المتيقن» من المسلمين الذين يتحملون هذه
المسؤولية هو المجتهد الجامع للشرائط. وبذلك
ينتهون إلى نفس النتيجة الكلية في تشخيص
المجتهد لهذا المنصب، ولكن بطريق آخر وهو «دليل
الحسبة»[31].

وعلى أي حال فهناك مجموعة من النصوص
تشير أو يفهم منها ـ ظهوراً أو صراحة ـ هذه
الولاية. ومع قطع النظر عن المناقشات
التفصيلية لكل واحد من هذه النصوص، إلاّ أنه
يمكن أن يفهم منها بشكل إجمالي هذا الاتجاه
النظري في رؤية أهل البيت(عليهم السلام) لنظام
الجماعة الصالحة، وهي أن يتولّى الفقيه
المجتهد هذه الشؤون.

بل يمكن أن نقول: إن هذه الولاية هي
حقيقة قائمة في وسط أتباع أهل البيت(عليهم
السلام)كان يمارسها المجتهدون، ويفتي بها
العلماء، مع قطع النظر عن طريقة الاستدلال
عليها.

ولعلّ من أفضل النصوص التي يمكن
الاستدلال بها على هذا الحكم هو الاية
الكريمة الرابعة والاربعون من سورة المائدة
السابقة، وكذلك التوقيع المعتبر المروي عن
الامام المهدي عجّل الله فرجه في قوله: «وأما
الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة
حديثنا فإنهم حجّتي عليكم وأنا حجّة اللّه»[32].
حيث يفهم من الحوادث الموضوعات الخارجية التي
يواجهها الانسان في حركته اليومية، والتي
تحتاج إلى موقف شرعي، بالاضافة إلى اقتران
حجيّة الرواة مع حجيّة الامام على الناس، وهي
شاملة وعامة. كما يمكن أن يُفهم هذا المعنى من
أحاديث القضاء الذي يعتبر من أهم مناصب
الولاية وأخطرها، كما أشرنا إلى ذلك.

وبهذه المفردة تكتمل صورة النظرية في
نظام الجماعة، وهي نظرية الامامة، ويصبح «المجتهد»
هو المرجع للمؤمنين من أبناء الجماعة الصالحة
الذي يقوم بدور الامام. ويتعيّن هذا الامام
ويتشخّص باختيار الامة له بشكل طبيعي وتدريجي
من خلال وجوب الفحص عن مواصفاته الذاتية
المطلوبة من العلم والعدالة والخبرة وغيرها.
والتي يشهد بها أهل الخبرة حيث يجب تقليده
والارتباط به، أو بانتخابها له عن طريق
الاقتراع المباشر أو غير المباشر بأن يقوم
الخبراء وأهل الحلّ والعقد بانتخابه، وذلك
عندما تملك الاُمة إرادتها وحرّيتها في هذا
الانتخاب، ويمكنها أن تعبّر عنه بطريقة
واضحة، كما اختار ذلك بعض الفقهاء، والتزم به
دستور الجمهورية الاسلامية[33].

المعلم الثالث: العلاقة بين الاُمة
والمرجع

حيث تمثل العلاقة بين الاُمة والمرجع
الرابطة التنظيمية الاساسية التي تنظّم
اُمور الجماعة الصالحة، حيث يمثل المرجع
المحور المركزي لهذا النظام، والامة تمثل
القاعدة التي يرتكز عليها هذا النظام.

ويمكن تلخيص أبعاد هذه العلاقة بين
الامة والمرجع الديني بالنقاط التالية:

أ: إن محور الولاء الديني والسياسي هو
الانسان الصالح بخصوصياته الكمالية التي
تتمثل ـ بالاضافة إلى المواصفات الاساسية
كالعقل وغيره ـ بالعدالة والاجتهاد والخبرة
والصفات الشخصية كالشجاعة وغيرها.

وهذا الولاء يتخذ أبعاداً ومضامين
متعددة على مستوى العواطف والمشاعر كالحب
والودّ والتقديس، أو على مستوى السلوك والادب
الاجتماعي العام كالاحترام والتعظيم، أو على
مستوى الالتزام والتعهّد كالبيعة والميثاق،
أو على مستوى الاداء والتنفيذ والسيرة
العملية كالطاعة والامتثال وأخذ الشريعة منه
أو القبول بحكمه.

وبهذا الصدد لا بدّ أن نشير إلى أن
المرجع قد يكون مرجعاً في «الفتيا» وأخذ
معالم الدين منه، وقد يكون مرجعاً في القضاء
وقبول فصل الخصام والخلاف بحكمه، وقد يكون
مرجعاً في الامور السياسية والاجتماعية
والطاعة له في أوامره والالتزام بإدارته لهذه
الامور.

وقد تجتمع في المرجع كل هذه الامور،
وقد تتعدد لتعدد الكفاءات والاختلاف في
مستوياتها، ولا بد من الرجوع فيها إلى الاعلم
في المجال الخاص، الفتيا أو القضاء أو
الولاية والادارة عند التعدد والاختلاف
ووجود الحاجة إلى الفصل وتشخيص الموقف.

ب ـ المقاييس في درجة العلاقة
ومستواها، وتحقق الامتيازات والتفاضل بين
أبناء الجماعة يكون من خلال هذه المقاييس
الاصلية في الاسلام التي وضعها للتفاضل
والامتياز، حيث تكون هذه المواصفات هي الدرجة
التنظيمية للجماعة، وذلك مثل: الايمان بالله
والرسالة والامامة، والتقوى والجهاد والعلم
والسبق للتضحية والفداء.

ج ـ طبيعة هذه العلاقة إلزامية تتّصف
بالوجوب ـ بشكل عام ـ وذات مسؤولية وحقوق
وواجبات ترتبط بالتكاليف الشرعية لكل من
المرجع والانسان المؤمن من أبناء الجماعة
الصالحة[34].

د ـ وتتحقق وتتكون وتوجد هذه الرابطة
من خلال حركتين متلاقيتين:

إحداهما: يقوم بها المرجع، حيث يتحمل
مسؤولية التصدّي للقيام بالمسؤوليات
والواجبات الالهية من البلاغ والتزكية
والتعليم.

وثانيتهما: يقوم بها الانسان المؤمن،
حيث يتحمل مسؤولية الفحص للوصول إلى الحقيقة،
والارتباط بالمحور الصالح (المجتهد العادل)
وبعد الوصول إلى هذه الحقيقة الالتزام بمضمون
هذا الارتباط أخلاقياً ودينياً، كما أشرنا في
البعد الاول.

فالمرجع يتصدّى، والانسان المؤمن لا
بدّ له أن يفحص ويعرف الحقيقة انطلاقاً من
الحديث المتضافر: «من مات ولم يعرف إمام زمانه
مات ميتة جاهلية»[35].

ونرى في هذه العلاقة أن أبناء الجماعة
الصالحة يعرفون المرجع والقيادة الاسلامية
لهم، ويلتزمون بواجباتهم تجاهها، حتى لو لم
تكن علنية تجاه الاخرين. ولكن ليس من الضروري
أن يعرف المرجع والقيادة جميع أبناء الجماعة،
بل يمكن أن تقوم القيادة بواجباتها العامة
تجاه أبناء الجماعة.

وبهذه الابعاد يمكن أن نميّز بشكل
واضح الفروق الاساسية بين نظام الجماعة
الصالحة والتنظيمات الحزبية المعروفة، حيث
يكون الولاء في التنظيمات الحزبية عادة
للتنظيم لا للشخص الصالح، وتكون مقاييس
التفاضل فيها هي النشاط التنظيمي لا المقاييس
الواقعية، ويكون التحرّك لايجاد العلاقة
بالاصل من خلال حركة القيادة على الافراد لا
حركة الافراد على القيادة. وكذلك يجب في
التنظيمات الحزبية أن تعرف القيادة الافراد،
وقد تكون القيادة سرية تجاههم، على العكس من
صورة التنظيم في الجماعة الصالحة.


([1])
الكليني، اُصول الكافي 1: 32.

([2])
المائدة: 44.

(*)
«المجتهد» هو الانسان الذي يملك قدرة
استنباط الحكم الشرعي أو تشخيص الموقف
العملي عن طريق استخدام الادلة والموازين
الشرعية التي وضعها الشارع للوصول الى
الحقائق الشرعية، أو أقر استخدامها لهذا
الغرض.

([4])
وسائل الشيعة 18: 104، ح18.

([5])
المصدر: 104، ح20.

([6])
المصدر: 104، ح21.

([7])
المصدر: 105، ح22.

([8])
المصدر: 105، ح23.

([9])
المصدر: 105، ح24.

([10])
المصدر: 105، ح25.

([11])
المصدر: 106، ح26.

([12])
وسائل الشيعة 18: 108، ح36.

([13])
وسائل الشيعة 18: 108، ح38.

([14])
المصدر 18: 100، ح4.

([15])
المصدر 18: 100، ح5 .

([16])
وسائل الشيعة 18: 104، ح19.

([17])
المصدر: 106، ح27.

([18])
المصدر: 107، ح33.

([19])
المصدر: 107، ح34.

([20])
المصدر: 107، ح35.

([21])
النساء: 65 .

([22])
وسائل الشيعة 18: 169. ح1.

([23])
المصدر: 7، ح3.

([24])
المصدر: 11، ح6 .

([25])
المصدر: 24، ح6 .

([26])
النساء: 60 .

([27])
وسائل الشيعة 18: 3، ح2.

([28])
المصدر: 4، ح4.

([29])
آية اللّه السيد الخوئي(قدس سره)، منهاج
الصالحين 1: 4.

([30])
وسائل الشيعة 18: 99، ح1.

([31])
لقد تناول الفقهاء هذا الموضوع في بحث
الولاية العامة، وذهب بعضهم إلى ولاية
الفقيه بالنص، وبعضهم إلى ولايته بدليل
الحسبة، أو بأدلّة اُخرى. وقد تناولناه بشكل
مركّز وميسّر في كتابنا «الحكم الاسلامي بين
النظرية والتطبيق». ولا نريد هنا أن نتناول
هذا الموضوع من هذا الجانب بل نريد أن
نتناوله من خلال الاساس الكلّي النظري.

([32])
وسائل الشيعة 18: 101، ح9.

([33])
تحدثنا عن ذلك في كتابنا: الحكم الاسلامي بين
النظرية والتطبيق ص193. نص المادة الخامسة من
دستور الجمهورية الاسلامية في ايران.

([34])
تناولنا هذا الموضوع في بحث خاص تحت عنوان:
العلاقة بين القيادة الاسلامية والاُمة من
منظور نهج البلاغة.

([35])
مسند أحمد 4: 96 . الطبراني، المعجم الكبير
10: 350. الشهرستاني، الملل والنحل 1 : 172. ابن أبي
الحديد، شرح نهج البلاغة 9 : 155. كنز العمال
1 : 207 و208. ينابيع المودة: 137 ط : النجف و117 ط :
استنبول. وغيرها من المصادر كثير.


/ 1