حوار - أسلوب الدعوة فی سیرة‌ أهل البیت (ع) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أسلوب الدعوة فی سیرة‌ أهل البیت (ع) - نسخه متنی

مصاحبه شونده: السید محمدحسین فضل الله

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

حوار

اسلوب الدعوة في سيرة أهل البيت(عليهم
السلام)

* سماحة السيّد محمد حسين فضل الله
(لبنان)

لقاء أجرته مجلة رسالة الثقلين مع
سماحة السيّد محمد حسين فضل اللّه بعد انعقاد
المؤتمر الاول للمجمع العالمي لاهل البيت(عليهم
السلام) في 15 شعبان 1414هـ في الجمهورية
الاسلامية في ايران.

«التحرير»

لقد تناولتم موضوع اسلوب الدعوة في
القرآن الكريم بالبحثوالدراسة، وخرجتم
بنتائج أغنت المدرسة الاسلامية في هذا الجانب
الحساس، ولما كان أهل البيت(عليهم السلام) هم
الثقل الثاني بعد القرآن الكريم، والترجمان
الوافي له، فلو تفضلتم ببيان المعالم
الرئيسية لاسلوب الدعوة في سيرة أهل البيت(عليهم
السلام).

عندما نريد أن نثير الدراسة المعمقة
في اُسلوب أهل البيت(عليهم السلام) في الدعوة،
فإن المسألة لا يمكن أن تتحدد في جواب عن سؤال.
ولكننا نستطيع أن نعكس معالم ذلك في أكثر من
نص من النصوص التي انطلق بها الائمة(عليهم
السلام)في بعض المفردات التي تُنقل عنهم.

فنحن مثلاً نلتقي بالقصة التي تنقل عن
الامامين الحسنين(عليهما السلام) في موقفهما
من ذلك الشيخ الذي لم يكن يحسن الوضوء، حيث
أنهما لم يبادراه بالحديث عن وضوئه الفاسد،
بل بادرا الى أن يقوما بالوضوء، ليجعلا الشيخ
حكماً بينهما في أيهما أحسن وضوءاً، وكانت
النتيجة أن الشيخ انتبه الى المسألة وعرف
خطأه[1]،
واستطاع الامامان أن يعطيانا خطاً في مسألة
الدعوة، في أن لا نهدر كرامة الانسان الذي
يخطئ أو الذي ينحرف عندما نريد ان نجلبه الى
الحق أو الى الصواب، لان مسألة أن تحترم كرامة
انسان وإنسانيته هي مسألة مهمة في انفتاح
عقله عليك، لانك عندما تفتح قلب الانسان
الاخر فإن القلب هو أقرب طريق الى العقل، وهذا
ما نلاحظه في أكثر من موقع من مواقع أهل البيت(عليهم
السلام).

فنحن مثلاً عندما نلتقي بالرواية
المروية عن الامام زين العابدين(عليه السلام)
مع ذلك الشيخ الذي عاش تحت تأثير الاعلام
الاُموي، فبادر الامام زين العابدين وهو في
السبي بقوله: «الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم
وأراح البلاد من رجالكم...» ولم يقف الامام
سلام الله عليه موقفاً سلبياً من الرجل،
بالرغم من قسوة الجو النفسي الذي كان يعيشهُ
الامام في تلك الحالة، إننا نرى أن الامام
سلام الله عليه سأله: يا شيخ هل قرأت القرآن؟
واستغرب الشيخ لان الدعاية الاُموية كانت
تحاول الايحاء بأن هؤلاء ليسوا مسلمين،
وعندما أجاب الشيخ بالايجاب، قال له: هل قرأت
هذهِ الاية: (اِنّما يُريدُ اللّهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ اَهْلَ
البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهيراً) واستغرب
الشيخ ثانياً عندما قال له الامام: من هم أهل
هذا البيت؟ وكان الشيخ ـ كما تقول الرواية ـ
يعرف أن اهل البيت هم محمد وعلي وفاطمة والحسن
والحسين(عليهم السلام)، وسكت الامام، وبدأ
الشيخ يفكر، ما معنى هذا السؤال؟ وتقول
الرواية إنه أعاد عليه السؤال ثانياً: هل قرأت
هذه الاية: (قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيهِ أجْراً
إلاّ المَوَدّةَ في القُربى)؟ وسأله: من هم
القربى يا شيخ؟ وكان الجواب: أن القربى هم أهل
البيت، ثم فاجأه الامام بتعليق الصدمة، نحن
أهل البيت، ونحن ذوو القربى، وهذا هو رأس
الحسين(عليه السلام) وهؤلاء سباياه، وعند ذلك
استطاع الامام سلام اللّه عليه بهذا الاسلوب
اللبق الحكيم أن يقلب فكر الشيخ رأساً على
عقب، ويحوله من شخص عدواني الى شخص يعيش
الولاء بأعمق ما يكون الولاء[2].

وقبل ذلك نجد اُسلوب الامام الحسن
سلام الله عليه، عندما وقف أمامه ذلك الشامي
وبدأ يسبه حين عرف أنه الحسن بن علي، تحت
تأثير غسل الدماغ الاُموي، فيما كان يوحي به
معاوية لاهل الشام بما يتصل بالامام علي(عليه
السلام)، إننا نرى أن الامام سلام الله عليه
قال له: أظنّك غريباً، فإن كنت جائعاً
أطعمناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت
فقيراً أغنيناك... الى آخر ذلك، ثم قال: يا
غلمان، اذهبوا به الى المنزل فأحسنوا ضيافته،
وخرج الرجل وهو يقول: «الله يعلم حيث يجعل
رسالته»[3].

إننا أمام هاتين القصتين، نحاول أن
نستوحي الاسلوب العملي الذي انطلق به
الامامان سلام الله عليهما في هذهِ المسألة.
لنلاحظ أن الامام الحسن(عليه السلام) فكر
لماذا يقف هذا الشامي ـ الذي لا علاقة بينهما
ـ ليسبّه؟ وهكذا فكر الامام زين العابدين(عليه
السلام) لماذا يقف هذا الشيخ ليتحدث بهذا
الاسلوب القاسي الوحشي ضد أهل البيت(عليهم
السلام)؟ إن الفكرة التي لاحظها الامامان
سلام الله عليهما هي أن هذا الشيخ أو هذا
الشامي كانا خاضعين لتأثير الدعاية
الاُموية، التي كانت تعمل على توجيه هؤلاء
الناس ضد أهل البيت(عليهم السلام)، في واقع
ليست هناك أية فرصة لدعاية مضادة، وأية فرصة
لمعرفة القضية من الجانب الاخر، ولذلك لم تكن
القضية المطلوبة هي أن يُقتل هذا الشامي الذي
سبّ الامام الحسن(عليه السلام) من قبل أهل
بيته أو أولاده، ولم تكن القضية أن يعنّف
الامام السجّاد(عليه السلام) هذا الشيخ على
ذلك، كانت القضية هي أن يفسح المجال لهذا
الشامي ولهذا الشيخ أن يكتشف الحقيقة بنفسه
ليتحول الى داعية للقضية، بدلاً من الواقع
الذي عاشه بأن كان مضاداً للقضية.

وهكذا رأينا أن ذلك الشامي عندما ذهب
الى بيت الامام الحسن(عليه السلام)، وهو بيت
النبوة وموضع الرسالة، ورأى طبيعة الاجواء
الروحية التي تغمر هذا البيت، ورأى طبيعة
الخط الاخلاقي الذي يتمثل في كل مغاني هذا
البيت، ورأى طبيعة العلم الذي كان يحمله أهل
هذا البيت، كانت انطلاقته طبيعية عندما قال: «الله
أعلم حيث يجعل رسالته».

وهكذا كانت المسألة بالنسبة الى الشيخ
الذي تحول من انسان يسبّ أهل البيت الى انسان
يسبّ يزيد وأصحابه، وما الى ذلك.

إننا نستطيع أن نأخذ من هذا اُسلوباً
أساسياً في الدعوة، وهو أننا عندما نقابل
الناس الخاضعين لتأثير دعاية سياسية أو
اجتماعية معينة، فإن علينا أن لا نتحرك نحوهم
بانفعال عندما ينفعلون بالاساءة إلينا،
وإنما نحاول أن نترك لهم فرصة ليتعرفوا على
الحقيقة من أقرب طريق، لنربحهم ولنحولهم
أصدقاء بدلاً من أن يكونوا اعداء.

وهذا هو الاسلوب الذي ركّزه القرآن
الكريم في قوله سبحانه وتعالى: (وَلا تَستَوي
الحَسَنَةُ وَلا السَيّئة ادْفَعْ بِالّتي
هِيَ أحْسَنُ فإذا الّذي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَداوةٌ كأنّهُ وَليٌّ حَميم *
وَما يُلَقّاها إلاّ الّذين صَبَرُوا وَما
يُلقّاها إلاّ ذو حَظّ عَظيم)[4].

الفكرة القرآنية هي أن نحول أعداءنا
الى اصدقاء بالاُسلوب الاحسن وبالكلمة
الحسنى. وهكذا نجد أن الامام الصادق(عليه
السلام) في بعض أساليبه في حركة الدعوة كان
يتحدث مع بعض الناس عن ذلك النصراني الذي
أدخله انسان ما في الاسلام، ثم جاء به الى
المسجد، وبدأ يضغط عليه في العبادة وفي
النوافل وفي الادعية، حتى أخذ وقته كله، بحيث
لم يدع له فرصة ليذهب الى أهله وليرتاح من هذا
الجهد، وعندما جاءه في اليوم الثاني ليأخذه
معه، قال له النصراني: اطلب لهذا الدين من هو
أفرغ مني، وأنا إنسان مسكين وعليّ عيال.

يقول الامام: «أدخلَه من هذا وأخرجَه
من هذا»[5].

إننا نفهم من خلال هذهِ الفكرة أن على
الداعية عندما يريد أن يدعو الاخرين أن لا
يثقل عليهم بكل الالتزامات الاسلامية حتى
الواجبة منها، فكيف بالمستحبات، وما إلى ذلك؟
لان هذا الانسان كان متحرراً من كل
الالتزامات، فالمسألة هي أن نحاول العمل معه
بشكل تدريجي يهيّئ عقله ونفسه وحياته للنتائج
التي نريد الوصول اليها، أما أن نثقل عليه فإن
هذا الانسان قد يواجه المسألة بفعل الصدمة،
ليجد أن هذا الدين ليس الدين الذي يمكن أن
يمنح الانسان الحياة الطبيعية، باعتبار أنه
يلغي له كل حياته وكل التزاماته.

وهذا هو الذي نستوحيه من الحكمة
الالهية في إنزال القرآن على دفعات، وإنزال
الشريعة على دفعات، لان الله كان يريد أن يهيئ
الناس لقبول هذه الالتزامات بالطريقة التي
يكون فيها كل التزام معداً لالتزام آخر، بحيث
إنك إذا التزمت بالتزام معين، فإنك تكتسب
بذلك قوة في الاتجاه الايجابي لتستطيع بعد
ذلك أن تلتزم التزاماً ثانياً وثالثاً.

وإذا كان بعض الناس يقولون بأن هذا كان
في أول الدعوة، أما بعد أن استكملت الدعوة
فعلينا أن نعطي للانسان الاسلام جملة واحدة.

فنحن نقول: إن القضية ليست هي قضية أن
نحدث الناس بقطع النظر عن النتائج، ولكن
القضية هي أننا إذا أردنا أن نهدي الناس، ودار
الامر بأن نهديهم بطريقة تعقدهم من الاسلام،
وبين أن نهديهم بطريقة تقربهم من الاسلام،
فإن من الطبيعي أننا إذا كان من الممكن أن
نخسر بشكل كلي، فاذا ربحنا مرحلياً بشكل جزئي
يتبعه جزئي آخر فهذا أفضل.

وهكذا نجد أن هناك حديثاً يتحدث عن أن
الامام الصادق(عليه السلام) عندما كان يحدثه
بعض أصحابه عن الموقف السلبي من بعض الناس
الذين لا يبلغون من الدرجة ما يبلغ هذا الشخص،
وعند ذلك قال له الامام سلام الله عليه إذا
كانت المسألة عندك بهذا الشكل فها نحن أعلى
منكم درجة وأفضل منكم درجة، فهل يعني ذلك أن
نلقيكم أو نترككم؟! ثم قال له: «إذا أردت أن
ترفع شخصاً فارفعه اليك برفق ولا تكسره، فانه
من كسر مؤمناً فعليه جبره»[6].

إننا ننطلق من هذا لنفهم أن الامام(عليه
السلام) يريد أن يعطينا فكرةً في مسألة
الدعوة، هي أنك عندما تكون الداعية الذي يملك
موقعاً ثقافياً متقدماً، أو موقعاً رسالياً
متقدماً، فلا يجوز لك أن تشعر بالحالة
الفوقية تجاه الانسان الاخر، لتُلغي موقعه،
ولتضطهد انسانيته، بل لا بد لك من أن تدرس كل
فكرة وكل أجوائه حتى تستطيع أن ترفعه إليك
بطريقة حكيمة تهيئ له الصعود الى المستوى
الذي تريده أن يبلغه برفق وبهدوء وبشكل
طبيعي، لانك إذا أردت أن ترفعه بشكل قوي، فإن
من الممكن أن تكسره بفعل الصدمة القوية التي
تمثل الحد الفاصل بين مستواك وبين مستواه، إن
معنى ذلك أن علينا أن لا نجعل الناس يقفزون في
الفضاء عندما نريد أن نرفعهم الى مستوى معين،
وانما يجب أن نجعل هناك درجات ودرجات.

وهذا ما نستوحيه ايضاً من الحديث:

يروى عن الامام الصادق انه قال: «إن
هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغّض إلى
نفسك عبادة ربك، إن المنبَتّ لا ظهراً أبقى
ولا أرضاً قطع»[7].

قد يكون هذا حديثاً عن طبيعة حركة
الانسان في ممارسة تكاليفه الشرعية، ليتخفف
من الضغط الكبير في حركة الممارسة، ولكنا
نستوحي اُسلوباً في الدعوة أيضاً، هو أننا
عندما نريد أن نواجه أنفسنا، وعندما نريد أن
ندخل الى الدين بالطريقة التدريجية التي لا
تبغّض الدين الى أنفسنا بفعل الثقل الذي
نفرضه عليها بالدخول فيه بقوة، فإن ذلك سوف
يكسر الحالة النفسية والروحية تماماً كالذي
يركب الدابة ويواصل بها الليل والنهار فتنقطع
به في الطريق، فلا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع،
إننا نستوحي من ذلك أننا إذا أردنا أن نوجّه
الاخرين فعلينا أن ندخلهم الى الدين برفق،
ولا يُبغّض إليهم الدين بالطريقة الثقيلة
الضاغطة.

إننا نفهم من ذلك كله، ومن خلال كثير
مما نراه ونقرؤه في سيرة أئمة أهل البيت(عليهم
السلام) أن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)
كانوا يجسّدون الاُسلوب القرآني الحركي في
الدعوة في كل مفردات حياتهم على مستوى الدعوة
الى الله في خط العقيدة، أو على مستوى الدعوة
الى الله في الخط الاخلاقي، وفي كل المجالات
الحياتية. لذلك فإننا نتصور أن الائمة(عليهم
السلام) لم يكن لهم اُسلوب خاص في الدعوة،
فاذا أردنا أن نقرأ محمداً(صلى الله عليه وآله)
فعلينا أن نقرأ القرآن، واذا أردنا أن نقرأ
أهل البيت فعلينا أن نقرأ القرآن، لان أهل
البيت يمثلون التجسيد العملي للقرآن، كما كان
النبي(صلى الله عليه وآله) في ما قالت إحدى
أزواجه: «كان خلقه القرآن».

نحن نعلم أن ما وصلنا عن أهل البيت(عليهم
السلام) من طرق وأساليب في الدعوة للاسلام هو
جزء متناثر مما صدر عنهم(عليهم السلام)، فهل
تستطيعون بلورة هيكل عام لمنهجهم في ذلك يحدد
لنا المعايير الرئيسية لنظريتهم في الدعوة؟

ربما كان حديثنا في الجواب عن السؤال
الاول يُطل بنا على الحديث في الجواب عن
السؤال الثاني، لسبب بسيط جداً، وهو أن أهل
البيت(عليهم السلام) لم يتحركوا في كل حياتهم
من خلال منطلقاتهم الذاتية، لتكون هناك
ذاتيةٌ تتحرك في خط إمام، وذاتية اُخرى تتحرك
في خط آخر، وإنما كانت المسألةُ في كل المواقع
هي أنهم أصحاب رسالة، وأنهم الامناء على
الرسالة، وأنهم الذين اصطفاهم النبي(صلى الله
عليه وآله) من خلال اصطفاء الله لهم، ليكونوا
الحافظين للرسالة فكراً، عندما تكون المسألة
مسألة الفكر، ومنهجاً عندما تكون المسألة
مسألة المنهج، واُسلوباً عندما تكون المسألة
مسألة الاُسلوب للدعوة. ومن هنا فإننا نلاحظ
في كل ما جاء عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)
أنهم كانوا ـ من خلال ما يؤكّده القرآن ـ يرون
أن من اولى عناصر الدعوة الى الله هي احترام
إنسانية الانسان، لان قضية أن تفتح عقل
الانسان على فكرك، فلا بد لك من أن تفتح
انسانيتهُ على انسانيتك، لان مسألة التقاء
الانسانية بالانسانية الاُخرى في حركة
المشاعر والاحاسيس هي التي تهيئ الجو النفسي
للانفتاح على ما تريد ان تطرحه عليه، بينما
يكون العكس وسيلة من وسائل انغلاقه عليك،
لاننا عندما نريد أن نطلق الدعوة في عقل
إنسان، فإن علينا أن نعرف الطريق الذي يمكن أن
نسلكه في الوصول الى مواقع عقله ومواقع
وجدانه، وهذا ما يحتاج الى أن يشعر بأنك
تحترمه، وأنك تحترمُ فكره، وتحترم قناعاته،
وأنك تفتحُ له قلبك وأنك لا تتعقّد من اختلاف
وجهة نظرك مع وجهة نظرهِ. وهذا ما قد نلمحه في
كلمة الامام علي(عليه السلام): «احصد الشرّ من
صدر غيرك بقلعه من صدرك»[8].

إنه يقول: عندما تريد أن تنفتح على
الانسان الاخر فإن عليك أن تقتلع من قلبك كل
الحساسية وكل السلبيات التي يمكن أن تعقّد
علاقتك به وعلاقته بك، وإذا أردنا أن ننطلق
بعد ذلك الى الخط العام، فإن اُسلوب أهل البيت(عليهم
السلام)

ـ المنطلق من الاسلوب القرآني ـ يتحرك في
اتجاه ان يختار الانسان الجو الذي يريد أن
يثير فيه مفردات الدعوة، والاسلوب الذي يريد
ان يحرك هذهِ المفردات في خطه، والكلمات التي
يريد أن يستعملها. وهذا ما نراه بارزاً بشكل
جلي في حوارات الامام الصادق(عليه السلام) مع
الزنادقة، حيث كان يفتح لهم عقله، ويفتح لهم
قلبه، ويتحمل كل سلبياتهم، حتى الاساليب التي
كانوا يحاولون فيها أن يسخروا من الحج وأهله،
وأن يسخروا من كثير من الحالات، وكان الامام
الصادق يقابلهم بكل محبّة، ويتحمل سخريتهم
بكل هدوء، لان المسألة عنده لم تكن مسألة
انفعال بالكلمات اللامسؤولة، بل كانت مسألة
خطة لفتح قلوبهم عليه، لكي تنفتح عقولهم
عليه، بالكلمة التي هي أحسن، والاسلوب الذي
هو أحسن والجو الذي هو أحسن.

ويمكن أن نثير نقطة اُخرى في هذا
المجال: هي التجربة التي عاشها أصحاب الامام
الصادق(عليه السلام) في أجواء الامام الصادق،
عندما جاء إليه بعض الناس الذين يريدون أن
يجادلوه في بعض العقائد، أو في بعض الامور
الحساسة، وهنا رأينا أن الامام يوجه أصحابه
الى أن يجادلوه، ثم يتوجه لنقدهم فيقول لبعض
أصحابه وقد تغلب على ذلك الانسان ناقداً له: «انك
تمزج الحق بالباطل، وقليل الحق يكفي عن كثير
الباطل»[9]
فكأنه يقول له: ما الفرق بينك وبينه؟ إنه جحد
حقاً وجحدت حقاً مثله؟ لانه جحد الحق في
النتائج وجحدت الحق في الطريق.

إن الامام يريد أن يركز على أننا في خط
الدعوة، فعلينا أن لا نجعل الاسلوب الاساسي
هو الاسلوب الجدلي الذي يحاول أن يستفيد من
الباطل في سبيل إسكات الطرف الثاني، إنه يريد
أن يؤكّد ويُعلّم هذا الانسان بأن الدعوة الى
الحق يفترض أن تعتبر الحق العنصر الاساس في
الوسيلة والعنصر الاساس في النتيجة، لانك
عندما تأخذ من الباطل حجّة على حقك، فإن معنى
ذلك هو أنك توحي بضعف الحق عن مواجهة التحديات
التي توجه إليه، بحيث يضطر الى الاستعانة
بالباطل في مقام التأكيد على نفسه، وهكذا،
فإن الامام يريد أن يقول بأن على الانسان أن
لا يظلم الاخر عندما يستعين بأشياء غير
حقيقية في سبيل تركيز الفكرة، لان القضية
الاساس هي أن نعطي الانسان الحق كله لينطلق
الحقُ بكلهِ في عقله وفي وجدانه. هذهِ قاعدة
من قواعد اُسلوب الدعوة عند أهل البيت(عليهم
السلام)، وكم لهم من أساليب كثيرة تتمثل في كل
حواراتهم، وفي كل حياتهم.

ونستطيع أن نقول كلمة حاسمة إن أهل
البيت(عليهم السلام) عندما يتحركون في الحياة
فإن كل حركتهم تمثل الخط العملي لاُسلوب
الدعوة في القرآن، الدعوة في أخلاقيتها،
والدعوة في حركيتها، والدعوة في قضايا الصراع.
وهذا ما يريده القرآن الكريم ويتحرك فيه أئمة
أهل البيت(عليهم السلام) وهو أن يكون كل واحد
منا داعية بكل شخصيته، لتكون كل حياته دعوة في
سبيل الله، وتجسيداً للخط الاخلاقي الاسلامي
في مسألة الدعوة الى الله.

تتميز سيرة أهل البيت(عليهم السلام)
بأن لكل منهم دوراً محدداً يبدو بالنظرة
الاولى أنه مستقل بنفسه ومنفصل عن غيره من
الادوار، إلاّ أن هناك محاولات قام بها بعض
علمائنا الاعلام ومفكرينا العظام لاكتشاف
الارتباط والتواصل بين هذهِ الادوار، بشكل
يحكي وحدة الهدف فيها رغم تنوّعها، فكيف
تنظرون الى طبيعة هذا الارتباط والتواصل؟ وما
هي في نظركم الادوار الكلية لسيرتهم(عليهم
السلام)؟

لقد ناقشت هذهِ الفكرة التي أحمل كل
التعظيم والتقدير لصاحبها الرائد في الفكر
الاسلامي كله[10]، وقد تحدثت عن
ذلك في الكتاب الذي صدر أخيراً: «تأملات في
آفاق الامام الكاظم(عليه السلام)» أنني قد
اُلاحظ أن هذا الطرح الذي يركز على الترابط في
المرحلية بين إمام وإمام، يمثّل فكرة وطرحاً
مثيراً للاهتمام، ولكني في قرائتي لتاريخ
الائمة(عليهم السلام) كنت اُلاحظ أن هناك
رسالة واحدة ـ كما هو معلوم ـ وأن حركة الائمة
في مفردات هذهِ الرسالة وفي أساليبها وفي
طبيعة الخطوط التي تتحرك فيها كانت خاضعةً
للظروف الموضوعية التي لا يدَ لهُ فيها، ومن
هنا فقد كان تحركهم ينطلق من العناوين
الشرعية العامة التي تضع لكل ظرف من الظروف
أحكامه، ومن هنا فإننا نجد أن التقية التي
كانت تحكم حركة الائمة(عليهم السلام) منذ
الامام الباقر(عليه السلام) حتى آخر الائمة
الحاضرين كانت تتنوع حسب تنوع الظروف وقضية
التوجيه العلمي والثقافي.

والتنظيم الحركي ـ إذا صحّ التعبير ـ
للواقع الشيعي كان ينطلق على أساس ضغط الظروف
في هذا الموقع وسعتها في موقع آخر، انني لم
أجد هناك علامات واضحة على وجود نوع من أنواع
المرحلية المنظمة التي كان كل إمام يترك
للاخر أو يهيئ للامام الاخر ما يتناسب
ومرحلته، إننا قد نجد هناك كثيراً من الخصائص
في حياة الامام الهادي(عليه السلام) أو الامام
العسكري(عليه السلام) ما يلتقي مع الخصائص
الموجودة في حياة الامام الباقر(عليه السلام)
أو الامام الصادق(عليه السلام) وهكذا.

لذلك ـ مع كل تقديري لهذهِ النظرية في
طبيعة مفرداتها وفي بعض الاستدلالات عليها ـ
لم أستطع أن اُوافق على هذا المعنى، إنني
استوحي من القراءة الدقيقة لسيرة الائمة(عليهم
السلام) أنهم كانوا يواكبون الظروف الموضوعية
ليحركوا أساليبهم وفقاً لهذهِ الظروف،
تماماً كما هو الخط الاسلامي في حركة النبي(صلى
الله عليه وآله)، فنحن نجد أن المسألة لم تكن
مسألة المرحلية بالمعنى الدقيق الذي حاول بعض
الناس أن يركزه في المرحلية، عندما يقال إن
مرحلة مكة هي مرحلة الدعوة، ومرحلة المدينة
هي مرحلة الدولة، إننا نلاحظ أن مرحلة
المدينة كانت تمثل تزاوجاً بين الدولة
والدعوة، فقد كانت المدينة قاعدة الدولة،
ولكن المنطقة المحيطة بالمدينة التي كان
يتحرك فيها الاسلام كانت منطقة الدعوة، مما
لا يمكننا أن نقول أن هناك تخطيطاً لمرحلة
مكّة، فلم تكن هناك أي ظروف موضوعية تمكّن
النبي(صلى الله عليه وآله) من أن يدخل في معركة
حتى مع قريش، باعتبار أن الدخول في معركة مع
قريش كان يلغي الرسالة من الاساس كلياً.

فلذلك أنا أعتبر أن الظروف الموضوعية
هي التي تحكم الاسلوب، وهي التي تحكم
الوسائل، وهي التي تحكم طبيعة المفردات التي
تتحرك في هذا الجانب أو ذاك الجانب. وهذا ما
لاحظناه في الاسلوب العملي لاول الائمة
الامام علي(عليه السلام) في حياة النبي(صلى
الله عليه وآله) وفي اُسلوبه في ما قبل
خلافته، واُسلوبه في ما بعد خلافته، إننا نجد
أن الاسلوب كان يتحرك من خلال حركة الظروف،
ولم تكن للامام(عليه السلام) يدٌ في صنع هذهِ
الظروف، لنقول بأن هناك تخطيطاً للمرحلة. إنك
تخطط للمرحلة ـ بالمعنى المصطلح للتخطيط ـ
فيما إذا كنت تصنع الظروف التي تحكمها هذهِ
المراحل، أما إذا كانت المسألة هي مسألة
الظروف التي تصنع من خلال الاخرين فإنك لا بد
أن تُخضع خطتك للواقع الذي يكون نتيجة هذه
الظروف، وهذا ما نستفيده نحن في حركتنا في
الدعوة الاسلامية وفي كل الواقع الاسلامي في
العالم، إننا نواكب الظروف الموضوعية لنحدد
وسائلنا المستمدة من الخطوط العامة في
الشريعة تبعاً للظروف الموضوعية، ولذلك لا
يمكن للفكر الاسلامي أن يكون متجمداً ـ وأقصد
الفكر الاسلامي الحركي الواقعي ـ ولا يمكن
للحركة الاسلامية أن تتجمد.

ومن خلال هذا نفهم أن الذين يحاولون أن
يواجهوا المتغيّرات الواقعية التي يعيشها
العالم الاسلامي من خلال المتغيّرات
الموجودة في العالم، ليتجمدوا على الفكر الذي
كان قبل أربعين سنة أو خمسين سنة من خلال
تجارب أشخاص مخلصين في دورهم القيادي، ولكنهم
أطلقوا أفكارهم الحركية من خلال تجربتهم
المحدودة بحدود ظروفهم من الزمان والمكان
والاوضاع السياسية. لذلك ما نستوحيه من هذا هو
أن على الحركة الاسلامية أن تواكب حركة
الظروف والمتغيرات لتركز خططها على هذا
الاساس، ليس بمعنى أن تكون منفعلة بالظروف
بحيث تقع تحت تأثيرها، بل تعمل على تغيير
الواقع بأدوات الواقع.

نرى خطين في سيرة وتاريخ أتباع أهل
البيت(عليهم السلام): خط يدعو لنهج طريق
الامام الحسن(عليه السلام) في الصلح
والمسالمة كاُسلوب في الدعوة للاسلام، وخط
يدعو لنهج طريق الامام الحسين(عليه السلام) في
الثورة والجهاد والاستشهاد كاُسلوب آخر في
الدعوة للاسلام، فهل تجدون أن هنالك ضوابط
واُسس معينة تحدد لنا المواضع الصحيحة لكل
اُسلوب، والدوافع الشرعية والموضوعية
لانتهاجه؟

أنا لا اوافق على هذا النوع من
التقسيم، أي أن يقال إن هناك اُسلوباً حسنياً
ينطلق من الشخصية الذاتية للامام الحسن(عليه
السلام)، وإن هناك اُسلوباً حسينياً ينطلق من
الشخصية الذاتية للامام الحسين(عليه السلام).
لا يمكن أن نفكر بأن الحسين(عليه السلام) يعيش
ذهنية العنف، وأن الحسن(عليه السلام) يعيش
ذهنية اللين. إن الاسلوب الحَسني(عليه السلام)
ـ إذا صح التعبير ـ كان اُسلوباً حُسَينيّاً،
وإن الاسلوب الحُسيني كان اُسلوباً حَسنياً.
كيف نفسر ذلك؟

إننا عندما نواكب مسألة حركة الامام
الحسن في خلافته فإننا نجد أنه كان ثورياً
كأعلى درجات الثورة في خطابه السياسي، وعندما
ندرس وندقق في مفردات كتبهِ إلى معاوية فإننا
نجد فيه أنه كان يعيش عمق العنف فيما يمثلهُ
الجهاد في هذا المجال، وعندما صالح فإنه صالح
على أساس أن الظروف الموضوعية كانت تقف به بين
خطين: إما أن تسقط المعارضة كلها، فلا يبقى
هناك صوت للحق يعارض الباطل، وإما أن يحتفظ
ببعض المعارضة التي يمكن أن تمثل استمراراً
للخط في مواجهة الباطل الذي استطاع أن يفرض
نفسه على مساحة كبيرة من الواقع، هذا من جهة.

ومن جهة اُخرى فإن الحروب التي كانت
تدور بين المسلمين في خلافة الامام علي(عليه
السلام) قد اتعبت المسلمين، ولذلك أتعبوا
علياً(عليه السلام)باُسلوبهم في السير معه،
وحجبت الرؤيا عن فضائح الاُمويين وعن سيئاتهم
ووحشيتهم وضلالهم، وما الى ذلك، لاننا نعرف
أن أية أمة لا يمكن أن تميّز بين اللون الابيض
واللون الاسود في حالة الحرب، لان حالة الحرب
تمثل الحالة الرمادية، في ما هو الوعي
المنفتح على كل قضايا الواقع، فالناس في
حالات الحرب يفقدون الخطوط الواضحة للمبادئ،
ويستغرقون في مفردات الحرب، ليسجلوا نقطة على
هذا ونقطة على هذا، وليستغرقوا في هزيمة هنا
ونصر هناك، وما الى ذلك، ومن هنا كان من الصعب
جداً توعية الناس بالواقع الذي يمثله الحكم
الاموي، لذلك كانت المصلحة الاسلامية العليا
التي تحكم مسيرة الامام الحسن(عليه السلام) هي
أن يحفظ البقية الباقية من المعارضة لتمثّل
الامتداد في خط المواجهة للباطل، وليعطي
الناس فرصةً لتتفهم من خلال التجربة الواسعة
من هم بنو اُميّة، وما هو الحكم الاموي، لذلك
كان يهيئ المجال لثورة الحسين(عليه السلام).

وقد لاحظنا أنه عندما ثارت ثائرة
المتحمسين من أصحاب الامام الحسن(عليه السلام)ضد
الامام الحسن، كان الامام الحسين(عليه السلام)
يدافع عن موقف الامام الحسن ويتحدث عن شرعيته
بكل قوة، وإذا صح أن الحسين(عليه السلام) وقّع
وثيقة الصلح عندما طولب بذلك كما وقّعها
الحسن(عليه السلام)، فإن معنى ذلك أن الحسين
كان يسجّل موافقته مباشرة على الصلح.

وربما كان هذا هو ما يفسّر أن الحسين(عليه
السلام) لم يطلق الثورة في وجه معاوية مادام
معاوية حياً، لان الالتزام بهذا الصلح كان
بحكم موقفه، إذا صحت الروايات. وهكذا نرى أن
الامام الحسين(عليه السلام) أعطى للسلم
إمكاناته، ولو من خلال إقامة الحجّة، وكان
يعمل على أساس أن يقدم الحجج التي كانت بيده
على شرعيته في أحاديث رسول الله(صلى الله عليه
وآله)، وكان يطلب من الناس أن يشهدوا على ما
سمعوا به، وكان يحاول أن يطرح بعض الحلول
السلمية، ولكن القضية وصلت الى الحد الذي
عبّر عنه الامام الحسين(عليه السلام): «ألا
وإن الدعيّ ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين
السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلّة»[11]
عندما طُلب منه أن ينزل على حكم ابن زياد
ويزيد بن معاوية، ومعنى ذلك إلغاء الرسالة
وإلغاء كل الشرعية، لان النزول على حكمهم
معناه إعطاء كل شيء لهم. لذلك كانت المسألة
الحسينية تتحرك من خلال الظروف التي أوحت
للحسين(عليه السلام)بالقاعدة الشرعية
لحركته، كما كانت الظروف الموضوعية هي التي
حركت الامام الحسن(عليه السلام)والامام
الحسين معه لتطبيق الخط الشرعي على مسألة
الصلح، ولذلك كان الحسن حسينياً وكان الحسين
حسنياً.

ليس في الاسلام شيء اسمه العنف
المطلق، وليس في الاسلام شيء اسمه اللين
المطلق، وإن العنف يختزن اللين في ما ينفتح به
على كل واقع الحياة، واللين يختزن العنف في
ذلك، باعتبار أن لكل منهما حدوداً معينةً
وظروفاً معينةً.

وهذا ما ينبغي أن نستفيد منه في فهم
مسألة الحركة الاسلامية باعتبار أن هناك خطاً
يشمل الساحة الاسلامية في الحديث عن الثورة
بالمطلق، أو الحديث عن الجمود في المطلق،
وكلاهما خطأ، الثورة موضوع شرعي يخضع لظروف
الحكم الشرعي، والوقوف عن الحركة يمثل
موضوعاً شرعياً، وعلينا أن نستهدي الاحكام
الشرعية في حركة الواقع من خلال الموضوعات
التي يقدمها الواقع في انطباق الاحكام
الشرعية عليها، وهذا ما اُحبّ أن انبّه عليه
كل العاملين.

إن تثقيف الشباب بالعنف كأساس للحركة
السياسية يعني أننا نثقفهم بطريقة قد يقفون
حائرين أمام أساليب الائمة(عليهم السلام)،
وقد يقفون حائرين أمام اُسلوب الامام علي(عليه
السلام) قبل الخلافة، وقد يجعلهم يعيدون
النظر بشكل لا شعوري عندما يكتشفون أن ما
تعلّموه من الاسلوب الثوري ـ كخط وحيد ـ لا
ينسجم مع اُسلوب الائمة(عليهم السلام)في
حركتهم. ولذلك فعندما نريد أن نثقف الجيل بأية
ثقافة في الخط السياسي والجهادي لا بد أن نثير
نقاط الحذر هنا وهناك، حتى لا نبتلى بإسقاط
تاريخنا من خلال الانفعال في حاضرنا.

هنالك مبدأ يعتقد به أتباع أهل البيت(عليهم
السلام)، ويعتبرونه أحد اسس الايمان
بالاسلام، وهو مبدأ الولاية للرسول(صلى الله
عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) والبراءة
من أعدائهم، فما هي في نظركم الرؤية السليمة
والصيغة العملية الواقعية لهذا المبدأ؟

من الطبيعي أن قضية الولاية لا تمثل
حالة حب منفعل، ولكنها تمثل حالة موقف واع
عاقل، يعتبر أئمة اهل البيت(عليهم السلام)
خلفاء الرسول واوصياءه الذين يجب على الناس
أن يطيعوهم، كعنوان من عناوين الامتداد لطاعة
الرسول، باعتبار أن قولهم قوله وفعلهم فعله،
لا سيما إذا عرفنا أن الله أذهب عنهم الرجس
وطهرهم تطهيراً، ولذلك نقول: إن قولهم شريعة،
وفعلهم شريعة، لا بمعنى أنّهم يشرّعون لنا ما
لم يشرّعه الرسول، فالتشريع انتهى بموت
الرسول(صلى الله عليه وآله)، ولكنهم كما قالوا:
«حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي
حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث
الحسن حديث علي بن أبي طالب وحديث علي بن أبي
طالب حديث رسول اللّه وحديث رسول اللّه قول
اللّه عزّوجلّ»[12].
كما قال الشاعر:

اُوالي اُناساً قولهم وحديثهم:
روى جدُّنا عن جبرئيل عن الباري

أما شرعيتهم المتحركة في خط عصمتهم
فانها تنطلق من أن كلماتهم هي كلمات رسول
اللّه، وأن أفعالهم هي أفعال رسول الله(صلى
الله عليه وآله)، فالولاية حركة في الخط وليست
مجرد لفظة في القلب. ولذلك جاء الحديث المروي
في الكافي عن الامام الباقر(عليه السلام): «أفحسب
الرجل أن يقول: أُحبُ علياً وأتولاه، ثم لا
يكون فعّالاً؟! فرسول الله خير من علي، أفيكفي
الرجل أن يقول: اُحب رسول الله ثم لا يعمل
بسنته؟!... ثم قال: من كان لله ولياً فهو لنا
ولي، ومن كان عدواً لله فهو لنا عدو. والله لا
تُنال ولايتنا أهل البيت إلاّ بالورع»[13].

ومن هنا فإن معنى الالتزام بولاية أهل
البيت(عليهم السلام) هو الالتزام بالاسلام
الاصيل الذي تمثله رؤيتهم وفهمهم وتوجيهاتهم
في هذا المجال، وعندما تلتزم ولاية أهل البيت(عليهم
السلام) التي تمثل الالتزام بالاسلام، فعليك
أن تعمل على مواجهة كل الخطوط المضادة التي
تُضاد شرعية ولايتهم، أو أنها تغتصبها فلا
تلتزم بها، كما وأن عليك في هذا المجال أن تقف
ضد الخطوط الفكرية والحركية والمنهجية التي
تختلف عن الخطوط التي اعتبروها الخطوط
الاساسية في الخط الاسلامي والعمل الاسلامي.

إننا من خلال ذلك نقول: إن حركة
البراءة تتحرك في كل موقع كان مُضاداً لاهل
البيت(عليهم السلام) في كل تفاصيل التاريخ في
الاشخاص وفي كل تفاصيل الخطوط التاريخية في
الحركة، أن تكون الولاية لاهل البيت(عليهم
السلام) هي القاعدة المركزية التي نستطيع أن
نقيس بها الاشخاص والاوضاع والمواقف، على
طريقة الكلمة التي قالها رسول الله(صلى الله
عليه وآله): «علي مع الحق والحق مع علي يدور
حيثما دار»[14].
وهكذا كلمة رسول الله(صلى الله عليه وآله): «مثل
أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا
ومن تخلف عنها غرق»[15].

ذلك هو الخط العريض الكبير الذي لا بد
لنا أن نتابعه ولا بد لنا أن نعمل على توثيقه
في عالم التطبيق، وعلى تعقيبه في عالم
التطبيق، وعلى تحريك الحكمة التي تحمل
القضايا الكبرى عند الدخول في التفاصيل.


([1])
راجع: بحار الانوار 43 : 319.

([2])
راجع: بحار الانوار 45 : 129.

([3])
راجع: بحار الانوار 43 : 343.

([4])
فصّلت: 34 ـ 35.

([5])
الكليني، اُصول الكافي 2 : 44.

([6])
راجع: بحار الانوار 69 : 168.

([7])
بحار الانوار 71 : 213.

([8])
بحار الانوار 75 : 212. عن نهج البلاغة.

([9])
بحار الانوار 23 : 13.

([10])
المرحوم آية الله الشهيد الصدر في كتابه: «أهل
البيت(عليهم السلام): وحدة في الاهداف وتنوع
في الاساليب».

([11])
بحار الانوار 45 : 9.

([12])
بحار الانوار 2 : 178.

([13])
اصول الكافي 2 : 74 ـ 75.

([14])
بحار الانوار 10 : 445.

([15])
بحار الانوار 23 : 105.


/ 1