نقد - عدالة ‌الإجتماعیة فی النظریة الغربیة (2) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عدالة ‌الإجتماعیة فی النظریة الغربیة (2) - نسخه متنی

السید زهیر الأعرجی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

نقد

العدالة الاجتماعيّة في النظرية
الغربية

تأملات نقديّة في الجانب التطبيقي

الدكتور السيد
(العراق)

استعرضنا في القسم الاول من دراستنا
هذه النظريات الرئيسية في المدرسة
الاجتماعية الغربية ، وحاولنا تقويمها
وتفنيد مزاعمها الداعية الى تبرير عملية
الصراع الاجتماعي لسبب من الاسباب. وفي هذا
القسم نتناول بالتقويم الجانب التطبيقي لتلك
النظريات في المجتمع الرأسمالي في حلقتين.

تقويم العدالة الاجتماعية في النظام
الرأسمالي الاميركي

لا نستطيع فهم معنى العدالة
الاجتماعية في النظام الرأسمالي مالم ندرس
العوامل الثلاثة التي ذكرها «ماكس وبر»،
والتي تتحكم في وضع الطبقات الاجتماعية،
خصوصاً الطبقة الرأسمالية العليا، وهي:
العامل الاقتصادي (الثروة)، والعامل السياسي (القوة)،
والعامل الاجتماعي (المنزلة الاجتماعية).

1 ـ الثروة:

وهي على نوعين: الاول: الارصدة
والعقارات ووسائل الانتاج. والثاني:الاجر أو
الدخل السنوي.

ولا شك أنّ جميع المؤشرات تدل على
انعدام العدالة الاجتماعية في البلدان
الرأسمالية، خصوصاً الولايات المتحدة،
وسببها في الاصل التوزيع غير العادل للثروة
الاجتماعية بين الافراد. حيث تقع نصف كمية
الارصدة والعقارات ووسائل الانتاج في حيازة
مجموعة قليلة من الافراد، تشكل واحداً
بالمائة من نسبة السكان. بمعنى أن فرداً
واحداً من كل مائة فرد يملك نصف الثروة
العينية والنقدية للمجتمع، والباقي وهم تسع
وتسعون فرداً يملكون النصف الاخر. وهذا يعكس
ظلم النظام الرأسمالي للحياة الاجتماعية،
لان السيطرة على الثروة الاجتماعية تترجم
غالباً الى سيطرة على مقدرات النظام
الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للدولة. حيث
يتبين من إحصاءات الحكومة الاميركية في نهاية
القرن العشرين أن هناك أكثر من ستمائة الف
مليونير من ضمنهم ستة وعشرون فرداً ممن
يملكون أكثر من بليون دولار. وهؤلاء الاثرياء
يتميزون عن غيرهم من الافراد، لان أموالهم
تجاوزت حدود المكافأة الاجتماعية للجهد
الانساني في التاريخ. وتراكم المال بهذا
الشكل عند بعض الافراد دون غيرهم له آثار
سلبية على المجتمع من طرفين:

الطرف الاول: أن هذا التراكم يسبب
حرماناً لعدد كبير من الافراد في الاستفادة
من هذه الثروة وتوجيهها لمصلحة النظام
الاجتماعي بصورة عادلة.

الطرف الثاني: أن الاسراف الذي يرافق
تراكم هذه الثروة عند بعض الافراد ضمن طبقة
معينة، يؤدي الى إهدار طاقات المجتمع، وتبديد
موارده الطبيعية التي خلقت في الاساس لاشباع
حاجات جميع الافراد دون استثناء.

أما الاجر أو الدخل السنوي للفرد فهو
مؤشر آخر على عدم عدالة توزيع الثروة
الاجتماعية في النظام الرأسمالي. حيث إن نسبة
ضئيلة فقط من الافراد تستلم اُجوراً عالية
تتجاوز الجهد المبذول. أو بتعبير آخر: إن
واحداً بالمائة أيضاً من أفراد المجتمع
الرأسمالي يستلم أعلى نسب الاجور، بينما تبقى
الاغلبة العظمى من الافراد دون ذلك. وبطبيعة
الحال، فان الطبقة الرأسمالية المتمثلة
برجال الاعمال والمستثمرين ورؤساء المؤسسات
الكبيرة تعتبر من أكثر الطبقات تمتعاً
بالاموال، حيث تأتي غالبية وارداتها من
الارباح الربوية، والايجارات، وأرباح تشغيل
وسائل الانتاج، علماً بأن الجهود المبذولة من
قبل هؤلاء لا تتناسب مع حجم الاُجور المقبوضة.

2 ـ القوة:

وتتركز القوة بيد القلّة البيضاء في
المجتمع الرأسمالي، بنفس الاسلوب الذي
تتراكم به الثروة الاجتماعية. بينما يصيب
الحرمان نسبة تقدر بأكثر من خمس عدد السكان.
حيث يشكل المحرومون من القوة السياسية
والاجتماعية والاقتصادية في الولايات
المتحدة وإلى منتصف القرن العشرين ثلاثة
أجناس، هم: الفقراء، والمواطنون من ذوي
البشرة السوداء، والنساء. ومع أن عدداً من
هؤلاء المستضعفين قد وصل الى مواقع عالية في
سلّم القوة السياسية والاجتماعية، إلاّ أن
مبدأ الحرمان لازال موجوداً. فالطبقة التي
تسيطر على مراكز القوة في النظام الرأسمالي،
هم الاغنياء من ذوي البشرة البيضاء، ومن
أتباع المذهب البروتستانتي. بمعنى أن الاصل
في التحكّم بالقوة السياسية في النظام
الرأسمالي هو المال والمذهب وجنس الرجل. ومن
المؤكّد أن معنى الثروة، حسب النظرية
الرأسمالية، يرادف معنى القوة السياسية. لان
الثروة المتراكمة بيد القلّة لا تخلق محيطاً
مناسباً لرخاء العيش فحسب، بل تخلق شهوة
جامحة للتحكّم والسيطرة السياسية على
مقدّرات النظام الاجتماعي. فثلث اعضاء
الكونغرس الاميركي في النصف الاخير من هذا
القرن من أصحاب الملايين، بل إن لعائلتي «روكفلر
وكندي» المشهورتين بالثراء حصصاً شبه دائمية
في النظام السياسي الاميركي، وحقوقاً سياسية
متوارثة جيلاً عن جيل.

وبطبيعة الحال، فإن انعدام العدالة في
النظام السياسي الاميركي يستند على عدة عوامل
مهمة تشكل اساس ديمومة الطبقة الرأسمالية.
وهذه العوامل هي:

الاول: وجود مجاميع المنفعة التجارية،
وهي مجموعات تمثل مصالح الطبقة الرأسمالية
الصناعية، وهدفها التأثير على صياغة
القوانين المدنية والصناعية من قبل
الكونغرس، حتى تضمن مصالح المؤسسات
الرأسمالية الكبرى ضد المستهلكين. حيث تستخدم
هذه المجموعات ـ بشكل يسمح به القانون
الرأسمالي ـ الاموال والهبات لمساعدة أعضاء
الكونغرس في إعادة انتخابهم. لان عملية
الترشيح والانتخاب تحتاج الى كمية غير قليلة
من المال. ولما كان عضو الكونغرس المنتخب
مديناً في انتخابه لهذه المجاميع، أصبحت
القوانين الصادرة عن الكونغرس تصب في مصلحة
الشركات الصناعية والتجارية العملاقة،
وبالتالي تصبّ في مصلحة الطبقة الرأسمالية.
وهذا السلوك الرأسمالي يضرّ الطبقات
الاجتماعية الفقيرة، لانه ليس هناك من يمثلها
في التشكيل السياسي والتشريعي.

الثاني: عدم عدالة نظام الضرائب
المفروضة على الارباح الشخصية السنوية. فحسب
القانون الضرائبي الرأسمالي يدفع الاغنياء
كمية مالية تقلّ عما ينبغي دفعه فيما لو كان
النظام الضرائبي عادلاً. وأفضل مثال على ذلك
هو أن الضرائب الشخصية على الافراد تشكّل ثلث
واردات مجمل ضرائب الدولة، بينما تشكّل
الضرائب المفروضة على المؤسسات الرأسمالية
العملاقة أقلّ من عشرة بالمائة من تلك
الواردات. وهذا يعني أن الاثرياء من الطبقة
الرأسمالية، يحتفظون بفائض الارباح التي
يجنونها عن طريق إيداع أموالهم واستثمارها
ضمن المؤسسات الرأسمالية الكبرى.

الثالث: سوء توزيع الثروة الاجتماعية.
فتذهب الحصة العظمى من الاموال التي تحصل
عليها الدولة الرأسمالية من الضرائب الى
المؤسسات الرأسمالية الكبرى، كالمؤسسات
الصناعية العسكرية، والنظام الطبقي الصحي،
بما فيه من مؤسسات رأسمالية عملاقة، كصناعة
الادوية والاجهزة الطبية، وجهاز القضاء بما
فيه من شرطة ومحاكم وقضاة. ولا يبقى للخدمات
الاجتماعية كإعالة الفقراء والمشرّدين
وإشباع حاجاتهم الاساسية إلاّ النزر اليسير.
وهكذا تدور الثروة الاجتماعية من الافراد في
الطبقتين العليا والوسطى الى المؤسسات
الرأسمالية العملاقة، ثم ترجع من المؤسسات
الرأسمالية العملاقة الى الطبقة
العليابالخصوص والطبقة المتوسطة، تاركة
الطبقة الفقيرة تسبح في بحر من التخلّف
والحرمان.

3 ـ المنزلة الاجتماعية:

ويحتلّ الاثرياء والرأسماليون ومن
تركّزت القوة السياسية بأيديهم مكان الصدارة
والوجاهة في المجتمع الرأسمالي. بينما يحتل
المفكرون وعلماء الطبيعة ورجال الدين
والاساتذة الطبقة الوسطى. ويحتل الفقراء
المنزلة السفلى في السلّم الاجتماعي. وتمايز
الطبقات في النظام الاجتماعي الغربي ليس
بحديث عهد، حيث يذكر المؤرّخون أن العائلة
المالكة في روما، مثلاً كانت لا تسمح لغير
أفرادها بلبس الملابس الحمراء، وأن العائلة
المالكة في انجلترا كانت لا تسمح في القرن
السادس عشر لغير نسائها بلبس الملابس المخاطة
بالذهب والفضة. وهذه الممارسات تؤكّد على أن
العوائل الحاكمة في أوربا كانت تحرّم على
الناس التفكير بالصعود الى منزلتها
الاجتماعية المتميزة، لانها حسب زعمها،
عوائل ملهمة ومسدّدة من قبل الخالق عزوجلّ;
وما على الافراد إلاّ الطاعة والتسليم! وعلى
ضوء هذا التمايز تسيّر دفّة النظام الرأسمالي.
حيث يعكس تصميم هذه الانظمة على فكرة تمايز
الطبقات التوزيع غير العادل للثروة. فرفعة
المنزلة الاجتماعية التي يتمتع بها الفرد
الرأسمالي تعكس تراكماً لمواد عينية ونقدية
تصبح لاحقاً السبب في البذخ وتجاوز حدود سدّ
الحاجة الطبيعية للانسان.

والمقياس في الرأسمالية الاميركية: أن
وجاهة الفرد الاجتماعية تُحَدد بموجب الدخل
السنوي الذي يتقاضاه، لا بمقتضى نوعية العمل
الذي يقدمه للنظام الاجتماعي. وعلى ضوء ذلك
فقد صُمّم النظام الاقتصادي على أساس أن
الفرد حرٌّ في استخدام وسائل الانتاج
لاستدرار أقصى ما يمكن استدراره من الخيرات،
فإذا تراكمت الثروة لديه ارتقى الى مستوى
اعلى في السلم الاجتماعي، وعندها يمسك بزمام
القوة السياسية ويحتل الصدارة الاجتماعية.

ولم تتوقف الفكرة الرأسمالية عند هذا
الحد، بل اعتبرت تلازم المنزلة الاجتماعية في
النظام الرأسمالي بنظام الطبقات ونظام العمل
أمراً طبيعياً، فطبقة رجال الاعمال
والمستثمرين ينبغي أن تتميز عن طبقة العمال
في الحقول والمصانع. والطبقة الارستقراطية
ينبغي أن تتميز عن الطبقة الوسطى. والطبقة
الغنية ينبغي أن تترفع عن مستوى الطبقة
الفقيرة. وهو تأكيد واضح على قياس تفاضل
الافراد على أساس نسبة رأس المال المملوك،
وليس على أساس نفع العمل وقيمته الاخلاقية
للنظام الاجتماعي. وهذا المقياس غير العادل
يؤدي في النهاية الى تفضيل الظالم على
المظلوم، والسارق على المسروق، والباغي على
المَبغيّ عليه، خصوصاً إذا كان الظالم
والسارق والباغي أكثر ثروة من المظلوم
والمسروق والمَبغيّ عليه. وهو شرخ أخلاقي
خطير في النظام الرأسمالي، واجحاف بحق
الفقراء والمستضعفين والمظلومين.

وحتى نستقرئ حجم وأبعاد انعدام
العدالة الاجتماعية في النظام الرأسمالي
للولايات المتحدة، فلا بد لنا من ملاحظة
الارقام التالية:

ففي نهاية القرن العشرين يبلغ عدد
نفوس الولايات المتحدة، حوالي مائتين وخمسين
مليون نسمة تقريباً، منهم ستمائة ألف
مليونير، بضمنهم ستة وعشرون بليونيراً،
وخمسة وثلاثون مليون شخص ما بين جائع أو معدم
أو مشرّد أو فقير لا يملك قوت سنته. ومن بين
هؤلاء تسعون عائلة أميركية غنية تسيطر على
نصف ممتلكات أميركا من العقارات والارصدة
ووسائل الانتاج، حيث ترث هذه العوائل هذه
الثروة العظيمة جيلاً بعد جيل، منذ مائتي عام
إلى اليوم. ومن استقراء هذه الحقائق نتساءل:
أين إذاً العدالة في توزيع الثروات بين أفراد
المجتمع في نظام يعتبر نفسه قمة التطور
الرأسمالي في العالم؟

نقد النظام الطبقي الاميركي

وبالرغم من أن المفكّرين الذين كتبوا
الدستورالاميركي كانت لهم وجهة نظر معينة
تجاه العدالة الاجتماعية، إلاّ أن رؤية ثاقبة
للنظريات الاجتماعية التي طرحت لتفسير
الدستور تبين أن النظام الاجتماعي الاميركي
بني على أساس رأس المال، بما فيه من ربح
وخسارة وتراكم للثروات، دون وضع مفهوم واضح
للعدالة الاجتماعية بعين الاعتبار. وعلى ضوء
ذلك، فإن بروز الطبقات في نظام اجتماعي كهذا،
واتساع الشقة الكبيرة بين الفقراء والاغنياء
لا بدّ وأن يكون أمراً طبيعياً حتمياً لا مفرّ
منه. وإذا كان حلم (بنجامين فرانكلين) و(توماس
جفرسن) و(جيمس ماديسون) بإقامة مجتمع الثروة
والغنى لكل الافراد لم يتحقق، فإن النظام
الاجتماعي الاميركي المعاصر قد حقق تقدماً
كبيراً في إنشاء الطبقات الاجتماعية
المتفاوتة الثراء، حيث يبتني النظام اليوم
على خمس طبقات متصارعة هي: الطبقة
الرأسمالية، والطبقة الوسطى العليا، والطبقة
الوسطى السفلى، والطبقة العاملة، والطبقة
الفقيرة المعدمة.

فتعتبر الطبقة الرأسمالية الثرية،
الصغيرة الحجم والمحدودة العدد، من أقوى
الطبقات وأمضاها في المجتمع الاميركي. حيث
تتشكل تركيبتها الاجتماعية من بقايا النظام
الارستقراطي الاوربي القديم الذي هاجر الى
العالم الجديد; والذي كان ولا يزال قائماً على
الاساس العائلي، كالعوائل العريقة مثل: عوائل
روكفلر، وروزفلت، وكندي، وفاندربلت، ودي
بوند، واستر، وغيرها، التي دخلت العالم
الجديد بأموالها ومنزلتها الاجتماعية في
أوربا، وهي ترى أن من حقها أن تتعامل مع
المجتمع الجديد في السيطرة والاستعباد،
كتعاملها مع المجتمع الاوربي القديم. بمعنى
أنها ترى أن من حقها التعامل مع بقية الافراد
تعامل السيد مع العبد، والحاكم مع المحكوم،
والمالك مع المملوك. وقد بقيت هذه الطبقة
القوية محافظة على وضعها الاجتماعي
والاقتصادي المتميز عن طريق انشاء مؤسسات
اجتماعية خاصة بها. فوسائل التعليم والخدمات
الاجتماعية الخاصة بهذه الطبقة، تقدم
خدماتها خصيصاً لهؤلاء الافراد فقط، ولا تسمح
لبقية أفراد الطبقات الاخرى بالتمتّع بها.
وطريقتها في ذلك، رفع الاجور الدراسية ـ
مثلاً ـ للمدارس والجامعات الخاصة، أو اجور
الانضمام للمعاهد والنوادي الخاصة بالطبقة
الى نسب خيالية، مما يحرم الطبقات الاخرى من
الانضمام اليها، والتمتع بخدماتها الراقية.
ونتيجة لذلك، فقد ابتعدت الطبقات الفقيرة عن
الاختلاط بهذه الطبقة الرأسمالية رويداً
رويدا، حتى انقطعت كل الصلات الاجتماعية
بينها. وبطبيعة الحال، فإن هذه الطبقة الثرية
تحافظ على نقاوتها وحيويتها جيلاً بعد جيل،
عن طريق التزاوج فيما بين أفرادها. فالزواج
بين ابناء الرؤوس الكبيرة يُبقي تراكم الثروة
ضمن حدود وجدران الطبقة الغنية.

ولا بد من سائل يسأل: هل يسمح لفرد
تراكمت الثروة في حوزته عن طريق القمار أو
الربح السريع من الانضمام لهذه الطبقة؟
والجواب: أن القادم الجديد لا يسمح له
بالانضمام الى هذه الطبقة حتى وإن تجاوزت
أمواله أموال بعض أفرادها، لانه لا يملك
النسب العائلي الذي يسمح له بالدخول الى
دائرة هذه الحلقة الاجتماعية العليا.

ولا شك أن التأثير السياسي لهذه
العوائل يتجاوز الحدود الجغرافية للولايات
المتحدة ليشمل العالم الواسع من خلال التجارة
والتسلّح والتأثير السياسي والاقتصادي
والثقافي. ولا ريب أن الظلم الذي لحق الافراد
نتيجة سيطرة هذه الطبقة، لم يشمل الافراد
الذين يعيشون في بقعة جغرافية محددة، أو
اُولئك الذين يسكنون في دولة معينة، بل قد شمل
الانسانية المعاصرة كلها على وجه الارض،
خصوصاً إذا ما علمنا أن الطبقة الرأسمالية في
أميركا لها ارتباطات وثيقة بالطبقات المالكة
في الانظمة الرأسمالية الاوربية كبريطانيا
وهولندا والسويد.

والطبقة الوسطى العليا، وهي الطبقة
التي تضم أعضاءً يتجاوز دخلهم السنوي الحدود
الطبيعية لنظام الاجر العادل، وينضوي تحت
لوائها افراد من الجنس الابيض من معتنقي
المذهب البروتستانتي. ومثالها: رجال الاعمال
الذين لهم منزلتهم الاجتماعية، ولكنهم لا
يعتبرون من الطبقة الثرية المالكة. وبذلك فهم
لا يديرون دفة الامور السياسية بل إن أغلب
تطلعاتهم مالية واقتصادية.

والطبقة الوسطى السفلى، وهي الطبقة
التي تضم تحت رايتها أفراداً ذوي دخل وأجر
محدود يتناسب تناسباً معقولاً مع الجهد
المبذول. ويدخل تحت لوائها التجار والموظفون
وأصحاب المهن الحرة، الذين يجهدون في العمل
للحفاظ على وضعهم الاقتصادي والاجتماعي.

والطبقة العاملة، وهي التي تضم كلّ
الافراد الذين يعملون بأجر محدود في الحقول
والمصانع والخدمات العامة، وتتميز عن غيرها
بأن عمل أفرادها عمل يدوي شاق غالباً. ومع أن
الاجر والمكافأة المالية لهذه الطبقة جيد،
إلاّ أن أفرادها لا يتمتعون بالمنزلة
الاجتماعية اللائقة التي يتمتع بها نظراؤهم
من الطبقات العليا.

والطبقة الاخيرة هي طبقة الفقراء، حيث
يكافئهم النظام الرأسمالي بأدنى الاجور،
ويعتبرهم من أوطأ الطبقات درجة وأهمية في
السلَّم الاجتماعي، لسببين:

الاول: أن اغلب أعضاء هذه الطبقة
عاطلون عن العمل.

الثاني: أن هؤلاء الافراد ليست لديهم
المهارة أو الكفاءة في انجاز العمل الموكول
لهم انجازه.

ولما كان هؤلاء الافراد لا يمثلون
قيمة حقيقية في سوق العمل، فإنهم حسب الفكرة
الرأسمالية لا يمثلون قيمة حقيقية في القوة
السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنظام
الاجتماعي. بمعنى أن الفرد الفقير الذي لا
يستطيع أن يقدم انتاجاً مربحاً للعجلة
الرأسمالية، ليست له قيمة حقيقية في الحياة
الانسانية. ولا شك أن الحرمان الذي يصيب هذه
الطبقة يدل دلالة واضحة على فشل النظام
الرأسمالي في نظام توزيع الثروات
الاجتماعية، ويعتبر مؤشّر ضعف في نظام عدالته
القائم على أساس الربح والخسارة، دون النظر
الى النظام الاخلاقي في التعامل الاقتصادي
وجني الارباح. فاذا كان الانسان غير قادر على
الابداع، فما ذنب ذريته التي تبقى ضمن الطبقة
الاجتماعية نفسها، جيلاً بعد جيل؟ بل كيف
نضمن عدالة النظام إذا كان اشتراط النسب
والثروة هو المقياس في التمسّك بأسباب القوة
السياسية للنظام الرأسمالي الاميركي؟ وأي
ظلم أفدح من حرمان الانسان الفقير حقه في
تطوير قابلياته الذاتية لخدمة المجتمع الذي
يرى فيه جذوره وتاريخه وثقافته وطموحاته؟

وبطبيعة الحال، فإن محافظة النظام
الطبقي الاميركي على وجوده بكل قوة مدّة
قرنين من الزمان، نابع من إحكام قبضته
الحديدية على النظام السياسي الذي تحرّكه
الثروة والقوة والمنزلة الاجتماعية. فالطفل
الذي يولد في دائرة الطبقة الثرية للمجتمع
الرأسمالي يكتسب المهارة والقيم والثقافة
المسيطرة على تلك الطبقة، وينشأ ويتطور وجوده
الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ضمن أجواء
تلك الطبقة الحاكمة. والطفل الذي يولد في طبقة
فقيرة، يعيش مع أقرانه من المحرومين في
الطبقة المحكومة، فلا يرى أمامه فرصة تؤهّله
للوصول الى الطبقة الثرية، أو حتى الحلم
بالابحار الى شواطئ الرخاء والرفاهية فيصبح
معاقاً من قبل النظام الاجتماعي، وهو بعد لم
يكتشف قدراته الابداعية.

الاثار المترتبة على تطبيق النظام
الرأسمالي في الولايات المتحدة

ولا شكّ أن رسوخ فكرة تمايز الطبقات
الاجتماعية في النظرية الرأسمالية الاميركية
له آثار سلبية على روح العلاقات الانسانية في
المجتمع، فالافراد المنضوون تحت راية الطبقة
الرأسمالية الثرية يتمتّعون بمختلف
الامتيازات الممنوحة لهم على حساب الطبقات
الاخرى، بينما يقبع المحرومون في زوايا الظلم
الاجتماعي، حيث لا حيلة لهم لتغيير اُسلوب
حياتهم، ولا قدرة لهم على استثمار فرص لا
تتوفر لنوابغهم.

فعلى الصعيد السياسي، تنشط الطبقة
الرأسمالية في حركة التصويت والانتخاب
للمرشحين السياسيين، لان الانتخاب يعزز
دعواها بسلامة النظام الديمقراطي، ويثبت في
نفس الوقت المراكز السياسية التي صُمّمت
أصلاً لخدمة الطبقة الرأسمالية. بينما تظهر
الطبقة الفقيرة تجاهلاً عملياً تجاه عملية
التصويت الرئاسي والبرلماني، لانها تعلم أن
التصويت لا يغيّر الواقع السياسي والاجتماعي
للنظام الرأسمالي. ولا بد هنا من ملاحظة قضية
مهمة، وهي أن اغلبية المرشحين السياسيين
ينضوون تحت راية الطبقة الرأسمالية، كأفراد
لهم قوة سياسية واقتصادية. وبسبب هذا التفاضل
السياسي بين الافراد على الاساس الطبقي، أصبح
التمييز السياسي بين الطبقات الاجتماعية
أمراً حتمياً، خصوصاً على المستوى الحزبي،
حيث يمثل الحزب الجمهوري الطبقة الرأسمالية
الغنية، بينما يمثل الحزب الديمقراطي الطبقة
العاملة والاقليّات العرقية كاليهود
والمواطنين السود. وعلى المستوى الاجتماعي
يمثل الجمهوريون الحركة المحافظة، وروادها
من دعاة البقاء على القيم الاخلاقية التي
أقرّتها النصرانية، كحرمة الطلاق والاجهاض،
وأهمية دور المرأة في العائلة، وضرورة
المحافظة على القيم الدينية. بينما يمثل
الديمقراطيون الحركة التحررية التي تدعو الى
التحرّر من القيم الاجتماعية، بالدرجة التي
لا تتعارض مع المفهوم السياسي للديمقراطية،
كتحرّر المرأة من الروابط الاجتماعية،
وضرورة إقحامها في النظام السياسي والقضائي
والتشريعي، والدعوة الى التحرّر من القضايا
التقليدية الاجتماعية.

وعلى الصعيد الديني، فإن الطبقة
الرأسمالية في الولايات المتحدة تنتمي الى
المذهب البروتستانتي، فالبروتستانت يتحكمون
بالقوة المالية والسياسية للنظام الاجتماعي
دون غيرهم. ولكن التمييز الطبقي لا يترك فرداً
ولا مذهبا ولا كنيسة دون ان يلعب دوره المخرّب
فيها. فحتى الكنائس البروتستانتية مقسّمة على
أساس النظام الطبقي والدخل السنوي للافراد.
فالافراد من ذوي الدخل المرتفع من الطبقة
الرأسمالية يتعبّدون في كنائس تختلف فيها
الخدمة الدينية عن تلك التي تؤمّها الطبقة
الاضعف مالياً من نفس المذهب. حيث تقوم كنائس
الطبقة الرأسمالية البروتستانتية بخدمة
المتعبّدين الاثرياء خدمة راقية، مبشّرة
إياهم بالجنان التي صنعها الباري لهم في
الحياة الاخرة. بينما تقوم كنائس الطبقة
البروتستانتية الاضعف مالياً بدعوة الناس
الى قبول النظام الاجتماعي والسياسي القائم
باعتباره نظاماً مباركاً من قبل الخالق
عزوجل، مذكّرة إياهم بأن رفضه يمثل رفضاً
للدين والحياة الروحية. وما شعار: «بارك الله
في أميركا» الذي تستخدمه الحكومة الرأسمالية
في المناسبات الرسمية، إلاّ شعارٌ دينيٌ ينبع
من أصل الفكرة البروتستانتية الداعية الى
إطاعة النظام الاجتماعي القائم على أساس
الرأسمالية.

وعلى الصعيد العائلي، فإن الطبقة
الرأسمالية لا تعاني من مشاكل الطلاق وما
يترتب عليها من أزمات نفسية واقتصادية، كما
هو الحال في الطبقة الفقيرة. بل إن إهمال
النظام السياسي لهموم الطبقة الفقيرة، سبّب
زيادة نسب حالات الطلاق في تلك الطبقة، الى
درجة أن تلك المشكلة أصبحت تهدد أصل وجود
الفقراء. ولا شكّ أن أول نتيجة مدمرة للطلاق
هي تشريد الاطفال، وجعلهم عرضة للانحراف
الاجتماعي. وطالما كانت هذه المشكلة
الاجتماعية مطوقة ضمن حدود الطبقة الفقيرة.
فإن النظام السياسي الرأسمالي لا يعتبرها
مشكلة خطيرة. بل يعتبرها، في واقع الامر، قضية
صحية على الصعيد السياسي، لانها تبعد الفقراء
عن السلطة السياسية. أما الطبقة المتوسطة،
فإن الطلاق منتشر فيها أيضاً. ولكن الطبقة
الوحيدة التي لا يمسّها شروره، إلاّ
استثناءً، هي الطبقة الرأسمالية، بسبب قوتها
الاقتصادية أولاً، وقدرة أفرادها على اختيار
الشريك المناسب دون عراقيل اجتماعية أو مالية
ثانياً. ولا شكّ أن العوامل التي تؤدي الى
الطلاق تختلف من طبقة الى اخرى، ولكن أهم
عوامل الطلاق في الطبقتين الفقيرة والمتوسطة
هي العوامل الاقتصادية والدينية والسياسية:

اولاً: العامل الاقتصادي: حيث يساهم
الفقر في تمزيق العلاقة الزوجية، بسبب عدم
قدرة الزوج على اشباع حاجات أفراد عائلته
الاساسية.

ثانياً: الرادع الديني: حيث لم يعد
الدين رادعاً لفكرة الطلاق، بسبب إيمان
الرأسمالية بفكرة (المذهب الفردي)، وما يترتب
عليها من حرية وانعتاق من قيود الدين.

ثالثاً: إن نظام الخدمات الاجتماعية
التابع للحكومة الاميركية يساعد بشكل غير
مباشر على إيقاع حالات الطلاق، فالحكومة لا
تساعد العوائل الفقيرة المؤلفة من آباء
وامهات واطفال، وانما تقدم المساعدة المالية
للعوائل المنكسرة التي يعيلها معيل واحد، أبا
كان أو اما. وفي هذا التشريع الحكومي تشجيع
للازواج على الانفصال والطلاق. ولا ريب أن من
أوضح علامات النظام الاجتماعي والتشريعي في
المجتمع الرأسمالي هي أن نصف عدد العلاقات
الزوجية في المجتمع الاميركي تنتهي في فترة
من الفترات الى الانفصال ثم الطلاق.

وعلى الصعيد التعليمي، تتمتع الطبقة
الرأسمالية بمستوى ثقافي وتعليمي أعلى من
مستوى الطبقة الفقيرة. فأطفال الاغنياء هم
المتفوقون علمياً في مدارسهم على أقرانهم من
الطبقة المحرومة اقتصادياً، ولذلك فإن
الجامعات ومعاهد العلم تغصّ بذرية الطبقة
الرأسمالية، مما يهيّئ لها فرصاً اكبر
لاحتلال الادوار الاجتماعية التي يحتاجها
المجتمع لاحقاً.

وعلى صعيد القيم، فإن إيمان الطبقة
الرأسمالية بأن قوة الانسان السياسية
والاجتماعية نابعة من قوته الاقتصادية
وقدرته على تحصيل المال، يعتبر من أهم خصائص
تلك الطبقة، فهي ترى أن للنقد صوتاً مسموعاً،
وللمسكوك رنيناً جذاباً. بمعنى أن على
الافراد في الطبقة الرأسمالية الاجتهاد
بشتّى الوسائل لكسب المال وتجميع الثروة،
لانها الاصل في تحصيل القوة الاجتماعية
والسياسية. على عكس إيمان الطبقة الفقيرة
التي تتمسك بعقيدتها بدور الحظ والتوفيق في
الحياة الاجتماعية، وبأن التوفيق يصيب قوماً
ويحيد عن آخرين، على القاعدة العربية القائلة:
«ما كلُّ رامي غرَض يُصِيبُ» وعلى هذا الاساس
يبني أفرادها مستقبل حياتهم الاجتماعية،
فيتركون التخطيط لمستقبل الحياة، ويصبّون
جلّ اهتمامهم لمعاشهم اليومي وهمومهم الانية.

وعلى الصعيد الصحي، فإن الطبقة
الرأسمالية تتمتّع إجمالاً بأفضل الخدمات
الصحية، ويعيش أفرادها عمراً مديداً يتجاوز
أعمار أفراد الطبقات الاخرى. بل إن أغلب
الامراض العقلية في النظام الاجتماعي تنتشر
بين أفراد الطبقة الفقيرة. وتنتشر أيضاً بين
أفراد الطبقات المعدمة أمراض القلب والسرطان
بنسبة تزيد على انتشارها بين أفراد الطبقات
الاخرى من ذوي الدخل المرتفع. وتعزى قلة
انتشار الامراض بين أفراد الطبقة الرأسمالية
إلى عاملين:

الاول: حسن التغذية.

الثاني: توفر أسباب الامان في مراكز
الاعمال التي يؤديها هؤلاء الافراد.

اضف الى ذلك أن الجهاز الصحي في النظام
الرأسمالي الاميركي قائم على مبدأ النظام
التجاري، فالخدمات الشفائية تقدم على أساس
المنفعة التجارية البحتة. فلو افترضنا أن
الغني يستطيع أن يستلم أفضل الخدمات الشفائية
لانه يدفع اجراً أعلى، يتبيّن لنا أن الفقير
محكوم عليه بالمرض والموت، لانه لا يستطيع أن
يدفع أجراً يطرد به الالام والمعاناة
والنوازل التي تنزل به وبأفراد اُسرته.
فالاغنياء يشترون حياتهم وصحتهم وحياة
اُسرهم بثرواتهم المتراكمة، بينما يجود
الفقراء بنفوسهم، لا لانهم عاجزون عن درء
الاذى عن أجسادهم، بل لفساد النظام الاجتماعي
الذي بنيت عليه الفكرة الرأسمالية التي تؤمن
ـ بكل قوة ـ بمعيار المصلحة الشخصية والمنفعة
التجارية الصرفة.

وعلى صعيد تربية الاطفال، فإن التربية
الغربية تتلون بلون الطبقة الاجتماعية التي
يعيش فيها الطفل. فالطفل الذي يرتع في محيط
الطبقة الرأسمالية غالباً ما تشعره الطبقة
بشخصيته المستقلة وكيانه المتطور، فيترعرع
ضمن الجو الاقتصادي وفكرة الاعتماد على النفس.
على عكس الطفل الذي ينشأ في طبقة فقيرة، حيث
ينشأ على تعلّم إطاعة الاوامر الصادرة من
الجهات الاجتماعية العليا، والابتعاد عن
مواطن الصراع السياسي. أما الطبقة المتوسطة
فهي تغرس في نفوس أبنائها أهمية السلوك
المعتدل القائم على نظرية المجتمع الاخلاقية.

وعلى صعيد الانحراف الاجتماعي، تمارس
أغلب الطبقات الاجتماعية في الولايات
المتحدة، انحرافاً من نوع ما، كجرائم القتل،
والسرقة، والاغتصاب، والزنى، والاعتداء،
وغير ذلك من الجرائم الاجتماعية والخلقية.
إلاّ أن أفراد الطبقة الفقيرة معرّضون الى
الاعتقال والمحاكمة والسجن أكثر من نظرائهم
في الطبقة الرأسمالية، لنفس الجرائم
المرتكبة. بل إن بعض الجرائم التي يقوم بها
أفراد الطبقة الرأسمالية أعظم وأخطر من جرائم
الفقراء، إلاّ أن الثروة ووسائلها في المجتمع
الرأسمالي تستطيع أن تلوي عنق القانون لصالح
الظالم ضد المظلوم.

الحلم الاميركي وارتباطه بتغيّر
الادوار الاجتماعية

يتمحور مفهوم السعادة في النظام
الرأسمالي في الولايات المتحدة حول كلمتين
لهما نغم خاص ورنين يداعب مشاعر معتنقي
النظرية الرأسمالية، وهما: «الحلم الاميركي»،
حيث يدعي منظّرو الفكرة الرأسمالية أن مفهوم
«الحلم الاميركي» دليل قاطع على نجاح النظام
الرأسمالي كنظام اقتصادي عادل يفسح المجال
لكل المتشوقين للصعود الى قمة السلم
الاجتماعي، للسيطرة على منابع القوة والثروة
والمنزلة الاجتماعية. فـ «ابراهام لنكولن»
بدأ حياته الاجتماعية نزيل كوخ هرم في منطقة
فقيرة، ولكن «الحلم الاميركي» أوصله الى قمة
البيوت في الولايات المتحدة وهو «البيت
الابيض» فأصبح رئيساً للولايات المتحدة،
ولولا العدالة الرأسمالية لما وصل (لنكولن)
الى البيت الابيض. وهناك أسماء اخرى من فقراء
أميركا وصلت الى قمة الطبقة الثرية أمثال: (اندريو
كارنيكي) و(جي بي موركن) وغيرهم، حيث انتشلهم
جهدهم وكدحهم من مستنقع الفقر والجوع الى جنة
المتعة والمال. ففكرة «الحلم الاميركي» إذاً
تصرّ على أنه بإمكان أي فرد من أفراد المجتمع
الرأسمالي الوصول الى قمة المنزلة
الاجتماعية والثروة والقوة، بغض النظر عن
خلفية ذلك الفرد الاقتصادية والاجتماعية.
فيبشر روّاد هذه الفكرة ومعتنقوها إذن بالجنة
والنعيم الدنيوي لكل العمال والمنتجين الذين
يجدّون ويكدحون تحت راية النظام الرأسمالي
للوصول الى منبع الثروات في النظام الاجتماعي.

والبصير يرى أن الاحلام غير الحقائق،
والوقائع غير الاوهام، ولو كان «الحلم
الاميركي» حقيقة لما سمّي حلماً. فما بال هذه
الملايين التي تستنزف كل طاقاتها الجسدية
والفكرية للابحار الى مستوىً كريم للعيش لا
تصل الى شاطئ الامان الرأسمالي؟ فأين «الحلم
الاميركي» من هؤلاء الفقراء؟ وأين «الحلم
الاميركي» من الذين يولدون في الطبقة الفقيرة
من المجتمع فلا يجدون من يأخذ بأيديهم الى
سبيل العلم والمعرفة، ثم الى السعادة والعيش
الكريم؟ وأين «الحلم الاميركي» من هؤلاء
الذين ينقصهم التوفيق في تحصيل أرزاقهم، وهم
شعلة من نار في الجد والعمل؟

ومع أن القائلين بحتمية «الحلم
الاميركي» لا يعتقدون أصلا بنظام «الطفرة
الطبقية» وهو الاثراء السريع خلال فترة قصيرة
من العمل الجاد، إلاّ أن مبدأ «الحلم
الاميركي» باطل من الاساس، لانه يشجع الافراد
على التسابق لتجميع الثروة وتراكمها غير
المشروع ضمن مجموعة محدودة من الافراد. وبذلك
فإن كل دولار يضاف الى أموال الطبقة
الرأسمالية الثرية، يؤخذ في الواقع من أموال
الفقراء، لان الاموال محدودة بحدود
الاستثمار والتعامل في النظام الاجتماعي. فأي
زيادة مالية في طبقة تؤدي الى اختلال اقتصادي
واجتماعي في الطبقة الاخرى.

وعلى ضوء ذلك، فلما كانت الثروة
العينية الموجودة في المجتمع ثروة محدودة
بحدود توفر النقد، أصبح واضحاً أن تحقيق «الحلم
الاميركي» وتراكم الثروة لدى مجموعة قليلة من
الافراد، يسبب في نفس الوقت حرمانا لافراد
آخرين يعيشون في نفس المجتمع. فكيف يحقق «الحلم
الاميركي» العدالة الاجتماعية لجميع أفراد
النظام الاجتماعي؟

والجهد، الذي تزعم الفكرة الرأسمالية
كونه العامل الوحيد في تراكم الثروة، لا
يعتبر عاملاً حاسماً في تحقيق هذا الحلم. نعم
إن الجهد عامل مهم في تحقيق الاسبقية في جني
الثروة. ولكن العوامل الاجتماعية والتأثيرات
السياسية والاقتصادية الاخرى ترفع أفراداً
من طبقة دنيا الى طبقة عليا دون بذل جهد معتبر.
فأبناء الطبقات المختلفة في المجتمع الحديث،
مثلاً، يوفَّقون اجتماعياً أكثر من آبائهم في
تحصيل الثروة والقوة السياسية، بسبب تطور
وتغيّر الحياة الانسانية السريع في فنون
الصناعة والزراعة والخدمات، فيتميّز الجيل
الجديد عن سابقه بتحصيل أسباب الفنون الحديثة
. ويتسلّق الابناء درجات معدودة في السلم
الاجتماعي باتجاه الطبقة الثرية. فلماذا
اختلفت، إذن، المكافآت الاجتماعية بين
الابناء والاباء، مع ان الاباء بذلوا جهدا
مضنيا في تحصيل العيش، ولكنهم لم يوفقوا
لتجميع الثروة كما وفّق أبناؤهم لاحقاً؟
فالنتيجة اذاً، أن الجهد في المجتمع
الرأسمالي، بالاصل، لا يضمن للانسان تراكماً
غير محدود للمال.

وإذاً لم يكن الجهد عاملاً حاسماً في
تراكم الثروة، فلماذا يشكّل تغيّر الادوار
الاجتماعية تحدياً صارخاً لصميم نظرية
العدالة الاجتماعية الرأسمالية؟ وأمام هذا
السؤال الكبير تعترف النظرية الرأسمالية
بفشلها في توفير العدالة الاجتماعية لكل
أفراد المجتمع، باعتبار أن المشكلة التي
يواجهها النظام الاجتماعي تكمن في أن اعداداً
كبيرة من الافراد تبحث عن عدد محدود من
المراكز الاجتماعية العليا المؤثرة في
النظام الاجتماعي. فلو أخذنا عضو مجلس الشيوخ
الاميركي كمثال لفرد يحتل موقعاً متميزاً في
الطبقة الرأسمالية، وطبّقنا فكرة «الحلم
الاميركي» التي تقول: بأن كل فرد من افراد
المجتمع له حق متساو في الوصول الى اعلى منصب
في النظام السياسي، فإن مائتين وخمسين مليون
فرد سيتنافسون نظرياً على مائة منصب، وهو عدد
اعضاء مجلس الشيوخ. فأين موقع «الحلم
الاميركي» من الذين يفشلون في الوصول الى هذا
المركز الاجتماعي المتميز، حتى لو بذلوا
جهداً استثنائيا للوصول الى ذلك المركز الذي
يحقق كل طموحاتهم الاجتماعية؟ ولو افترضنا أن
هناك ألف مؤسسة مالية كبرى تدير النظام
الاقتصادي والمالي في المجتمع الرأسمالي،
وتشغّل ألف مدير يتمتعون بمراكز رفيعة في
الطبقة الاجتماعية العليا، فأين موقع «الحلم
الاميركي» من ملايين الافراد الذين لا
يستطيعون الوصول الى هذه المراكز لسبب من
الاسباب؟ فكيف يزعم رواد المدرسة الرأسمالية
اذن بتوفّر الفرص لكل أفراد المجتمع للوصول
إلى أعلى المراكز الاجتماعية، وتجاوز الرحلة
الشاقة الطويلة من الفقر والعدم الى الغنى
والثروة؟ وكيف تفسّر هذه النظرية مبدأ
المساواة في الحقوق إذا كانت أغلب المراكز
العليا في النظام الاجتماعي محجوزة لابناء
الطبقة الثرية؟ إذاً، فإن «الحلم الاميركي»
لا يعدو أكثر من شعار مزيّف، وجرعة مخدّرة
تداعب أحلام الفقراء في الانتقال من مستنقع
البؤس والظلم والحرمان الى عالم مليء
بالملاهي والامال الخادعة.

وحتى يكون الفرد مؤهّلاً، حسب الفكرة
الرأسمالية، للانضمام الى الطبقة العليا
المسيطرة على شؤون النظام الاجتماعي لا بدّ
أن تتوفر فيه صفتان اساسيتان، هما: النسب
والعلم.

والمقصود بالنسب: هو المنزلة
الاجتماعية للابوين. فإذا كان الابوان من
الطبقة العليا، فاحتلال الفرد للمناصب
السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية
العليا يغدو أمراً حتمياً. والمقصود بالعلم
هنا هو حمل الشهادة الجامعية من جامعة خاصة
بالطبقة العليا أمثال: جامعات «هارفرد وييل
وبرنستون واكسفورد وكامبردج» ونحوها. حيث إن
هذه الشهادة الجامعية هي في الواقع دليل آخر
على انتماء الفرد الى الطبقة الثرية. على عكس
الطلبة من الطبقه الدنيا، الذين لا يؤهّلهم
وضعهم الاجتماعي للتحصيل الجامعي لاسباب
منها: عدم تكافؤ فرص الالتحاق بمؤسسات
التعليم العالي، ومنها: أن سوء تغذية أطفال
هذه الطبقة تؤثّر لاحقاً على اُسلوب تفكيرهم
وسلوكهم الاجتماعي ونظرتهم للحياة
الاجتماعية. ومنها: أن نسبة الطلاق العالية
بين أفراد هذه الطبقة تؤثّر سلبياً على
طموحات هؤلاء الافراد سياسياً، وتجعلهم أسرى
وضعهم الاجتماعي البائس. ولذلك، فإنهم نادراً
ما يصلون الى شغل المناصب العليا في النظام
الاجتماعي.

ومجمل القول: إن النظام الطبقي
الرأسمالي من أكثر الانظمة معاداةً للعدالة
الاجتماعية، وأشدّها خداعاً للافراد. وما «الحلم
الاميركي» إلاّ مثال لذلك، فالحركة
الاجتماعية بين المراكز التي يحتاجها
المجتمع إنما هي حركة دائرة ضمن الطبقة
الاجتماعية ذاتها. فاذا كان الاب عاملاً في
مصنع من المصانع وحدث أن تدرّج ابنه في العمل
فأصبح مشرفاً على عدد من العمال، فإن هذه
الحركة الاجتماعية إنما تدور ضمن نفس الطبقة
التي شغلها الاب، وليست انتقالاً من طبقة
فقيرة الى طبقة غنية، أو من طبقة عمالية الى
طبقة رأسمالية ولو كان الاب معلماً في
المدرسة الابتدائية، وأصبح ابنه يشتغل
بالتعليم الثانوي، فلا يعني ذلك ان الاُسرة
انتقلت من خلال هذه الحركة من طبقة الى اخرى.
وهذه الحركة الاجتماعية ضمن الطبقة الواحدة
تدحض الفكرة الرأسمالية القائلة بالمساواة
التامة لكل أفراد المجتمع من مختلف الطبقات.

فلو كانت المساواة حقيقية لما حصلت
الحركة بين الطبقة الواحدة فحسب، بل كانت بين
الطبقات المختلفة، وبالخصوص بين الطبقة
الدنيا والطبقة العليا.

ولو كانت العدالة الرأسمالية حتمية
التحقق لما أنشأت النظرية الرأسمالية النظام
الطبقي وأقرّته وكرسته كأساس لتشييد صرح
الحضارة الغربية الحديثة.

(يتبع)

/ 1