من الدس و التشویه فی دائرة المعارف الإسلامیة (4) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

من الدس و التشویه فی دائرة المعارف الإسلامیة (4) - نسخه متنی

فؤاد کاظم المقدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسات


من الدس و التشويه في دائرة المعارف
الاسلامية


(4)

الطعن بإلهية القرآن ورسالة النبي
محمد((صلى الله عليه وآله)) بالاسلام


«الحلقة الثالثة»


* الشيـخ فؤاد كاظم المقدادي
( العراق )

في الحلقة الاولى والثانية من هذه
الدراسة تناولنا ثلاث صياغات لادعاءات
ومقولات الطعـن بإلهيـة القرآن ورسالة النبي
محمد(صلى الله عليه وآله)بالاسلام، ورددنا
على مفرداتها، وهي: أ ـ دسّ وتشويه يهدف إلى
القول بأن ذكاء محمد(صلى الله عليه وآله)وخياله
المتوقّد هما اللذان كانا وراءَ ما جاء به من
دعوة. ب ـ دسّ وتشويه يهدف إلى إثارة شبهة أنّ
في القرآن تناقضاً وفي بعض آياته تردداً. ج ـ
ان محمداً تأثّر واستقى من اليهودية
والنصرانية أو الجاهلية صياغة آيات قرآنه
ومفردات وأحكام دينه الجديد.

وفي هذه الحلقة نتناول صياغة اُخرى مع
ردنا على الشبهة الاساسية التي تحكيها وهي
دعوى ذكاء الرسول ودوره في الوحي النفسي له
بالقرآن.

د ـ أن محمداً(صلى الله عليه وآله)
يدّعي ويبتكر ويصطنع ويتأثر بمن حوله،
وهذايعني أنه ليس وراء ذلك وحي إلهي ولا تنزيل
سماوي:

فمثلاً تصوّر التشريعات الاسلامية
على انها بدوافع مادية كان النبي محمد(صلى
الله عليه وآله)يخضع لها، منها ما جاء تحت
مادة «اصول» والتي يقول فيها «يوسف شاخت Joseph
Schacht»: «.. ولم يكن قصد محمد خلق نظام يضبط به
حياة أتباعه، أو وضع اصول هذا النظام على
الاقل، بل ظل القانون العرفي العربي القديم
الذي تضمّن كثيراً من العناصر الدخيلة من
روميّة إقليمية وبابلية ويمنيّة، يسير في
الاسلام سيره الطبيعي، ودخلت عليه بعض
التغييرات لتلائم بينه وبين الظروف
الاقليميّة للبدو وأهل مكة وهي مدينة
تجاريّة، وأهل المدينة وهي مركز زراعي، وكان
همُّ محمد في التشريع قاصراً على تصحيح بعض
المسائل مدفوعاً الى ذلك باعتبارات دينية.
وذلك لان الاحكام التي تمسّ الحياة
الاجتماعية تقوم أيضاً على أساس ديني. وفي مثل
هذه المسائل كانت الحوادث الخارجية هي الدافع
الى معالجة أكثرها»[1].

وأنه(صلى الله عليه وآله) كان يبتكر
ويقع تحت تأثير عوامل مختلفة، منها ما قاله «ماكدونالد
D.B. Macdonald» تحت مادة («اللّه» هـ ـ صلة اللّه
بالانسان): «... وكان محمد في وقت ما يستعمل صفة
«الرحمن» كاسم علم مرادف للكلمة «اللّه».
واعتبر اهل مكة ذلك من مبتكراته (انظر خبر صلح
الحديبية وما جاء فيه من ان اهل مكّة رفضوا
الصيغة التي تضمنت الرحمن الرحيم، وتمسّكوا
بالصيغة المكيّة القديمة «باسمك اللهم»)...
ويظهر ان محمداً قد أخذ هذه الصيغة عن جنوبي
بلاد العرب»[2].

وتحت مادة «اهل الكتاب» يقول «جولد
صيهر Gold Ziher»: «يسمّي محمد اليهود والنصارى
بهذا الاسم تمييزاً لهم عن عبدة الاوثان... على
انه رغم نزعة التعصب التي كان يعبّر عنها
بعبارات شديدة...»[3].

وتحت مادة «جبرائيل» يقول «كارادي فو
Carrade Vaux»: «ولجبرئيل شأن هام في القرآن. وقد
اصطنع النبي القصة التي تقول بأن هذا الرسول
السماوي يتحدث الى الانبياء، واعتقد انه
تلقّى رسالته ووحيه منه»[4].

ويحاول الطعن في بلاغة القرآن جهلاً
منه باُصولها فيقول تحت نفس المادة: «وفي سورة
الرحمن، الاية 55، وهي السورة التي صيغت في
قالب اُنشودة لها لازمة، يتحدّث محمد عن
الجنّتين... وهو يذكر في السورة نفسها «الايات
16 ـ 19» المشرقين والمغربين والبحرين. وليس
تفسير هذه الاثنينيّة يسيراً إلاّ إذا كانت
من أجل البحرين، وقد يُقال إن النبي قد التزم
في هذا المقام صيغة المثنى لانها أوقع في
السمع»[5].

وتحت مادة «جهنم» يقول «كارادي فهو B.
Carrade Vaux»: « ولم يكن لدى النبي محمد إلاّ فكرة
اولية عن بناء جهنم، فهو يتحدث عن ابوابها
ويحدد عددها بسبعة (سورة لقمان، الاية 71، سورة
الحجر، الايتان 43، 44)»[6].

وتحت مادة «سارق» يقول «هيفيننك Heffening»:
«السرقة وجزاؤها قطع اليد بنص القرآن «سورة
المائدة، الاية 38»، وكان هذا الجزاء من
ابتكار الرسول، إلاّ أنه ورد في أدب الاوائل
أن وليد بن المغيرة ابتدعه أيّام الجاهلية،
وقد يكون هذا النوع من العقوبة من أصل فارسي»[7].

وتحت مادة «السفينة» يقول «كندرمان H.
Kindermann»: «والشيء الذي أثار هذه المسألة في
بادئ الامر هي الاوصاف التي ذكرها القرآن عن
البحر. فقد تساءل «بارتولد W. Barthold» بحق، كيف
تأتت للنبي محمد(صلى الله عليه وآله) هذه
الصور الواضحة عن البحر وعواصفه ومن أين
استقاها؟»[8].

ويستمر تحت نفس المادة قائلاً: «على ان
لامنس يعترف بأن الاشارات الكثيرة في القرآن
والسيرة إلى الملاحة توحي بأن العرب كانوا
على دراية وثيقة بالبحر...»[9].

وتحت مادة «شيطان» يقول «ترتون A. S.
Tritton»: «وكلمة شيطان شائعة في القرآن، ولكنها
لا ترد في سور العهد المكي إلاّ مرة منكّرة
بصيغة المفرد فحسب، ولم ترد في صيغتها
المحددة إلاّ في العهد الثاني موحية ان النبي
قد وجد أو تذكّر فكرة اُخرى عن الشيطان»[10].

وتحت مادة «صالح» يقول «بول Fr. Buhl»: «...
ولكننا لا نستطيع ان نتحقق من المصدر الذي
استقى منه محمد(صلى الله عليه وآله) اسم صالح
وقصة الناقة»[11].

وعن دعوى وقوع النبي محمد(صلى الله
عليه وآله) تحت تأثير عوامل ماديّة مختلفة عند
تشريعه للاحكام أو اتخاذه للقرارات يقول «شاخت
J. Schaht»: «أمّا فيما يتعلّق بالمصادر الماديّة
للشريعة الاسلامية فإن عناصر كثيرة مختلفة
جداً في أصلها (من آراء عربية قديمة وبدوية:
قانون التعامل بمدينة مكّة التي كانت مدينة
تجارية، وقانون الملكية في واحة المدينة،
والقانون العرفي الذي كان في البلاد
المفتوحة، وهو قانون روماني إقليمي إلى حدٍّ
ما، وقانون هندي) قد احتفظ بها الاسلام وأخذ
بها من غير تحرّج، لكنها بعد ذلك اُخضعت لذلك
التقييم الديني الذي شمل كل شيء وأنتج من
جانبه أيضاً عدداً كبيراً من المبتكرات
الفقهية»[12].

ويضيف «فنسنك» إلى تأثير العوامل
الماديّة المختلفة على النبي محمد(صلى الله
عليه وآله) في تشريعه للاحكام واتخاذه
للقرارات أنه كان يقع تحت طائلة الخدعة،
فيقول تحت مادة «الحج»: «وقد ثار اهتمام النبي
بالحج أول مرة في المدينة، ويرجع اهتمامه الى
عدّة اسباب بيّنهاMekkandns في كتابهShouck Hargrnonye
Chefeest، فقد دعاه نجاحه الباهر في غزوة بدر الى
التفكير في فتح مكّة، وطبيعي أن التجهّز لهذا
الفتح يكون اكثر توفيقاً إذا أثار النبي
اهتمام صحابته بالامور الدينية والدنيوية
جميعاً، فقد خدع النبي فيما كان يعقده من آمال
على جماعة اليهود بالمدينة، وأدّت خلافاته
معهم إلى قيام شقاق ديني بينه وبينهم لم يكن
عنه محيص، والى هذا العهد يرد أصل نظرية دين
ابراهيم»[13].

وعن دعوى أن النبي(صلى الله عليه وآله)
كان يقع في أخطاء في مواقفه وإبهام في آرائه
يقول «بول Fr. Buhl» تحت مادة «تحريف»: «... والذي
حدا بالمسلمين إلى الاشتغال بهذه الفكرة [التحريف]
هو ما جاء بالقرآن من آيات اتّهم فيها محمد
اليهود بتغيير ما أنزل اليهم من كتب وبخاصة «التوراة»
مستعملاً التعبير «حرفوا» (انظر مادة القرآن).
وكان هذا الاتهام في الواقع الطريقة الوحيدة
لاخراج محمد من مأزق خطير حين احتك في المدينة
باليهود. فقد سعى منذ بدء رسالته الى الحصول
على تأييد أهل الكتاب يهوداً ونصارى لاقتناعه
بأن ما جاء في العهدين القديم والجديد يتّفق
وما دعا إليه مما انزل عليه. ولكن عرضه
للوقائع والشرائع التي جاءت في التوراة انطوى
على ادراك خاطئ أثار عليه النقد والسخرية من
جانب اليهود، فكان في نظرهم مبطلاً. ولو أن ما
استعرضه من الاراء كان مناقضاً لما اُنزل في
الكتب المقدّسة القديمة لانتفت دعواه فيما
يؤكّد من أنه صاحب رسالة إلهية. ولما كان
اعتقاده أنه رسول موحى إليه قوياً لا يتزعزع
لم يبق له غير مخرج واحد، ذلك ان اليهود عمدوا
آثمين إلى تحريف الكتاب، وأنه هو الذي أتى
بالنص الصحيح; وهي دعوى جريئة يسّرها عليه أن
هذه الكتب كانت مجهولة تماماً من أتباعه
المؤمنين بصدق كلماته»[14].

ويضيف «بول» أيضاً تحت نفس المادة: «وكان
من نتيجة الطريقة المبهمة التي تحدّث بها
محمد في القرآن عن تحريف الذين اُوتوا الكتاب
للتوراة والانجيل أن ذهب علماء المسلمين
مذاهب شتى في تقديرهم للحقائق التي يقوم
عليها هذا الاتهام»[15].

إن هذه الصياغة لمقولات الطعن بإلهية
القرآن الكريم ورسالة النبي محمد(صلى الله
عليه وآله)بالاسلام تبرز لنا شبهة إنكار
الوحي الالهي من خلال نماذج مفرداتها التي
سقناها بصراحة ووضوح اشدّ من الصياغات
السابقة. هذه الشبهة التي طالما بذل الكثير من
المستشرقين وأمثالهم الجهد الكبير لتركيزها
وإطلاق الادعاءات وسوق الادلّة المتكلفة
لاثباتها. وعليه لابدّ لنا من أن نعقد بحثاً
يستوعب أبلغ ما يمكن استلاله من جملة مفردات
أدلّتهم ودعواتهم المختلفة التي ذكرت في
المقام ليكون جواباً شاملاً وشافياً لجميع ما
استقصيناه في هذه الصياغة والصياغات الاخرى
أو لم نستقصه من مفردات هذه الشبهة.

على اننا نجد ان منهج تناولهم لهذه
الشبهة سلك طريقين: الطريق الاول شبهات حول
إعجاز القرآن، والطريق الثاني شبهات حول
الوحي الالهي للرسول(صلى الله عليه وآله).
وللترابط الموضوعي الوثيق بين إعجاز القرآن
والوحي الالهي سنتناول كلا هذين الطريقين
بالبيان والرد كالاتي:

الطريق الاول: شبهات حول إعجاز القرآن
الكريم: وتقوم هذه الشبهات على تأكيد بشرية
القرآن الكريم، ولكون الاسلوب البلاغي
للقرآن الكريم هو أحد الاسرار الاساسية
لاثبات إعجازه وكونه وحياً إلهياً تحدّى
البشر بأن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله بل
بسورة من مثله، وأن يدعوا من استطاعوا لذلك من
دون اللّه إن كانوا صادقين، كان مطعنهم الاول
موجّه لها لنفيها كأساس لذلك الاعجاز، وبتتبع
تفصيلي لمفردات هذه الشبهات يمكننا ان نقسمها
الى قسمين; قسم يحاول أن يبرز نقصاً أو خطأً في
الاُسلوب البلاغي والمحتوى البياني للقرآن
الكريم، ويمكننا ملاحظة النماذج التي سقناها
سابقاً في هذا السياق. ولا نجد حاجة لتتبع
المزيد من تفصيلات ذلك مفردةً بعد أخرى والرد
عليها على ضوء القواعد العربية لاستلزامه
الاطالة من جهة ولوجود من كفانا مؤنتها من جهة
اخرى[16].

وقسم آخر يحاول ان يقيم الدليل على كون
القرآن الكريم ليس بمعجزة في جانبه البلاغي
لقدرة البشر على أن يأتوا بمثله وهذا القسم
يشتمل على ما يلي:

الشبهة الاولى: لما كانت الفصاحة
والبلاغة القرآنية هي الاساس الاول في
الاعجاز القرآني، ولما كان للعرب قواعد واُسس
لتلك الفصاحة والبلاغة تشكل المقياس الرئيسي
لديهم في تمييز ما هو بليغ وفصيح عن غيره، نجد
أن بعض آيات القرآن الكريم تأتي خلافاً لتلك
القواعد أو لا تنطبق عليها تمام الانطباق،
وعليه فإن القرآن الكريم يفتقد لنهج الفصاحة
والبلاغة على الاُصول والقواعد العربية، فهو
إذن ليس معجزاً ببلاغته.

وهنا سوف نكتفي بمناقشة أصل الفكرة
والاساس الذي تقوم عليه هذه الشبهة ونفي
إمكان الاعتماد على هذا الاساس في الطعن
بإعجاز القرآن فنقول:

1 ـ من خلال مراجعة تاريخ تأسيس قواعد
اللغة العربية نجد أنها ظهرت في زمن لاحق
لنزول القرآن الكريم، وذلك عندما بدرت الحاجة
إلى هذه القواعد خوفاً على اللغة العربية
والنص القرآني الذي نزل على نسقها من
الاختلاط والضياع نتيجة اتساع نطاق الدعوة
الاسلامية، وامتداد رقعة دولتها، وتداخل
العرب بغيرهم من الشعوب الاعجمية. ولم يثبت
لنا التاريخ مبادرة قبل مبادرة أبي الاسود
الدؤلي تحت إشراف وإرشاد الامام علي بن أبي
طالب(عليه السلام) أيام خلافته.

على أن عملية وضع قواعد اللغة العربية
كانت عبارة عن اكتشاف قام به بعض المهتمين
بشؤون اللغة العربية على اساس ما كان يتبعه
العرب من أساليب في البيان والنطق خلال
كلامهم، وليس اختراعاً أولياً من قبل واضعي
اللغة العربية. إذاً فكلام العربي الاصيل هو
المصدر الاساسي في بناء القاعدة اللغوية
وصياغة تفصيلاتها، والقرآن الكريم كان في
مقدمة تلك المصادر المعبّرة عن الكلام العربي
الاصيل، بل أوثقه وأبلغه على الاطلاق. لذا نجد
أن جميع ما وصلنا من صياغات لقواعد اللغة
العربية كانت تجعل القرآن الكريم مقياساً
يحكم عليها بالصحة أو الخطأ. وهذا هو الذي يجب
ان ننحوه في لحاظ قواعد اللغة العربية وليس
العكس.

2 ـ يضاف إلى ذلك اننا لم نجد ما بين
نزول القرآن الكريم وحتى اكتشاف وتدوين قواعد
اللغة العربية أن التاريخ قد نقل لنا نقداً أو
مطعناً في بلاغة القرآن وبيانه صدر من العرب
المعاصرين لنزوله، وهم أهل البلاغة والفصاحة
وذوو الخبرة والمعرفة المحيطة باللغة
العربية، رغم شدة عداء العديد منهم للرسول(صلى
الله عليه وآله)وتكذيبهم لنزول الوحي الالهي
عليه بالقرآن الكريم. بل نجدهم على العكس من
ذلك، فقد اذعنوا لعظمة بلاغة القرآن الكريم
واستسلموا لجمال بيانه الساحر حتى وصفه بعضهم
لشدة تأثره به بأنه سحر، كناية عن مدى إيمانه
بدقة انسيابه البياني وانسياقه التعبيري،
بشكل يفوق مطلقاً ما هو مألوف لديهم من صيغ
البلاغة والبيان والتعبير.

الشبهة الثانية: إن المتميزين
والعارفين من أهل اللغة العربية قادرون على
الاتيان بمثل الكلمات القرآنية أو بعضها.
وهذا يعني أنهم قادرون على الاتيان بكلمات
قرآنية، لان حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا
يجوز واحد، وهكذا يصبح من المعقول بل نصل الى
الجزم بأن هذه القدرة يمكنها أن تمتد للاتيان
بسورة أو بعدة سور أو قل بمثل القرآن كله.

وفي معرض ردّ هذه الشبهة نقول: إن
الاعجاز القرآني لا يكمن في كلمات متناثرة
ومستقلة بعضها عن البعض الاخر، إنما هو في
التركيب البياني بين الكلمات والاُسلوب
الصياغي لها وفي المحتوى والمضمون للمعاني
والافكار التي يُعبر عنها ذلك التركيب
والاسلوب في سياقات متعانقة الصلة منسجمة
الحلقات. فشتّان بين افتراض القدرة على
الاتيان بكلمات متناثرة مهما كان عددها وبين
القدرة على نظمها على نسق الصياغات البلاغية
في تركيب جمالي معبّر، ولا يحتاج هذا التمييز
بين القدرتين الى برهان، فهو أمر وجداني
يحسّه كل عاقل ملتفت، حيث نجد ان الكثيرين قد
يملكون قابلية النطق بكلمات عربية عديدة
ولكنهم لا يستطيعون ان ينظموا منها شعراً أو
مقطوعة ادبية بليغة، أو يصوغوا منها خطاباً
فصيحاً شأنهم في ذلك شأن من يقوم بتوفير
المواد الانشائية وانجاز اعمال محدودة
وبسيطة منها، إلاّ انهم لا يستطيعون ان
يشيّدوا أبنية ومشاريع هندسية دقيقة وضخمة
رغم اشتمالها على تلك الاعمال المحدودة
والبسيطة. ونفس الكلام يأتي في المحتوى
والمضمون، فمن نتصور فيه القدرة على تقديم
فكرة أو فكرتين لا نتصور فيه القدرة على تقديم
هذا الكم الكبير والمتناسق من الافكار
المتنوعة والمفاهيم المترابطة خصوصاً إذا
أخذنا بنظر الاعتبار نفس الظروف الموضوعية
والذاتية التي نزل فيها القرآن الكريم
والتحدي الذي كان فيها.

الشبهة الثالثة: إن تحدي القرآن للعرب
ولعدة مرات قد اكتنفته عوامل وظروف منعت
العرب آنذاك من معارضة القرآن وإظهار قدرتهم
على الاتيان بمثله، فهم لم يعارضوه لانه معجز
بل بسبب تلك العوامل والظروف المانعة.
ويمكننا تحديد مرحلتين تاريخيتين تميّزت كل
مرحلة منهما بعوامل وظروف مانعة اختصت بها
وهما:

المرحلة الاولى: مرحلة التنزيل
القرآني، حيث اتسمت بسيطرة المسلمين وسطوتهم
على الواقع السياسي والاجتماعي للحاضرة
العربية، ومحاربتهم لكل من يظهر العداء
للاسلام أو يتحداه، مما أبرز عوامل الخوف
والرهبة في نفوس العرب المعاصرين فاحجموا عن
المعارضة والتحدي للقرآن حفاظاً على أنفسهم
وأموالهم من سطوة المسلمين.

المرحلة الثانية: مرحلة الخلافة
الاُموية وما بعدها والتي أعقبت سلطة الخلفاء
الاربعة الاُوَل. وقد عرف عن الاُمويين أن
خلافتهم لم تقم على اساس الحفاظ على الاسلام
والالتزام به والدعوة إليه، فكان من الممكن
إظهار المعارضة والتحدي للقرآن، إلاّ ان
الانس الذهني بمعانيه المتينة والالفة
النفسية لالفاظه الجميلة جعلته من المرتكزات
التي يتوارثونها جيلاً بعد آخر فانصرفوا
نفسياً وذهنياً عن التفكير بمعارضته وتحديه.

ورد هذه الشبهة يكمن بملاحظة ما يلي:

1 ـ ان أول تحدٍّ بالقرآن الكريم
للمشركين وطلب معارضته ولو بسورة من مثله جاء
في سورتي يونس وهود وهما مكيّتان، أي في اول
مراحل الدعوة الاسلامية حين كان المسلمون
مضطهدين ومطاردين، وكان المشركون في أوج
قدرتهم، ومع كل ذلك لم يستطع أيٌّ من بلغائهم
أن يقابل التحدي بالمعارضة، مع العلم ان شوكة
وسلطة المسلمين لم تظهر إلاّ بعد الهجرة الى
المدينة المنورة، وانحصرت بحدودها الى ان
تمَّ النصر بفتح مكة أو آخر عهد النبي(صلى
الله عليه وآله).

2 ـ ان ظهور شوكة المسلمين وامتداد
سلطانهم في الجزيزة العربية أواخر عصر النبي(صلى
الله عليه وآله) وعصر الخلفاء الاربعة بعده لم
يلغ وجود الكفار، ولم يمنعهم من إظهار كفرهم،
خصوصاً إذا كان على مستوى الاحتجاج وقبول
التحدي بالمعارضة، والدليل على ذلك بقاء
مجموعات عديدة من المشركين على دياناتهم كما
هو شأن أهل الكتاب، وقد أقرّهم الاسلام على
ذلك، ورعى مصالحهم الانسانية والاجتماعية في
ظل الدولة الاسلامية، شأنهم في ذلك شأن
المسلمين، ومع كل ذلك لم نجد من تصدّى لمعارضة
القرآن الكريم وادّعى القدرة على الاتيان
بمثله، رغم انهم كانوا يحاولون الاجتهاد
بمحاججات مختلفة اخرى انتصاراً لدياناتهم
على الاسلام.

3 ـ لو سلّمنا أن فرضية وجود الخوف من
معارضة القرآن الكريم بسبب السيطرة
الاسلامية إنما منعت المشركين من إظهار هذه
المعارضة والتجاهر بها، إلاّ أن معارضتهم
السرية كانت ممكنة في إطار تجمعاتهم الخاصة،
ولو ثبتت مثل هذه المعارضة لاظهروها في الفرص
السانحة، ولنقلت الينا كما نقلت نصوص أهل
الكتاب الدينية فيما بعد وخصوصاً قصص العهدين
الخرافية المعارضة للقرآن الكريم.

4 ـ من الطبيعي فيما عهد في الكلام
البليغ وإن علت رتبته أنه يفقد رونقه ويتضاءل
وقعه الجميل على الحس البشري كلما تكرر على
المسامع، ويتحول بالتدريج الى كلام عادي في
شدّه وتحريكه البلاغي. فنرى الجديد من
المقطوعات الادبية أو القصائد البليغة يشدّ
ويحرّك السامع اكثر من المكرور وإن كان اقل
منه بلاغةً وبياناً، ويتركز هذا الحس كلما
تعدد التكرار، ولو طبقنا هذا الامر على
القرآن الكريم نجده على العكس من ذلك، حيث
يجمع اهل اللغة وارباب البلاغة العربية ان
حسهم وتذوقهم لبلاغة القرآن الكريم ومعانيه
الجميلة المتناسقة تزداد شدةً وحسناً كلما
اكثروا من قراءته وترديد آياته، ثم اننا لا
نجد ذلك منحصراً بهم بل يعم عادة الناطقين
باللغة العربية على اختلاف مستوياتهم وحسهم
الادبي. وهذا يؤكد الاعجاز البلاغي للقرآن
الكريم لا ان يكون نقصاً عليه.

ولو سلمنا وافترضنا ان التكرار يوجب
الانس الذهني والالفة النفسية بالقرآن
وبالتالي الانصراف عن معارضته، فهذا انما يتم
عند المسلمين المؤمنين به والتالين له بشوق
وعقيدة، أما غيرهم من بلغاء العرب وفصحائهم
فليسوا كذلك، فهم متربصون به، وبامكانهم قبول
التحدي ومعارضته لو استطاعوا الى ذلك سبيلاً.

الشبهة الرابعة: من خلال عقد مقارنة
بين ما جاء في القرآن من قصص الانبياء وما جاء
في كتب العهدين المتداولة «التوراة والانجيل»
نجد أن ما جاء في القرآن يختلف كثيراً في
تفصيلات الحوادث ونسبتها الى الانبياء
واُممهم السالفة عمّا جاء في تلك الكتب. ولما
كانت هذه الكتب مما يعترف القرآن بها انها من
الوحي الالهي، فلو كان القرآن وحياً إلهياً
أيضاً فكيف يخالفها في ذلك؟ وهل يمكن ان يناقض
الوحي الالهي نفسه في الاخبار عن الاحداث
والوقائع التاريخية؟

ثم ان القرآن جاء في مجتمع وامة منفصلة
عن تاريخ انبياء تلك الكتب السماوية واُممهم،
في حين ان تلك الكتب بقيت متداولة جيلاً بعد
آخر في أمم هؤلاء الانبياء، وهذا يعني انهم
أدق معرفة واطلاعاً بأوضاع هؤلاء الانبياء
وما جرى لهم مع آبائهم وأجدادهم، فيكون ذلك
دليلاً على صدق ما جاء في كتب العهدين دون ما
جاء في القرآن، وعليه يدل القرآن على صدق نبوة
مَنْ جاء به.

ودفع هذه الشبهة يتم بلحاظ ما يلي:

1 ـ إن ادعاء بقاء كتب العهدين
متداولة، كما انزلت على انبيائها في اُممهم
جيلاً بعد آخر هو اول الكلام، إذ ان الصلة بين
اجيال تلك الامم لا تشكّل دليلاً على بقاء تلك
الكتب سليمة وبعيدة عن يدِ التحريف والتزوير،
خصوصاً إذا عرفنا أن انفصالاً تاريخياً قد
وقع بين تلك الامم وانبيائهم، مما افقد تلك
الامم القدرة على الاحتفاظ باصول كتب العهدين
كما انزلت على هؤلاءِ الانبياء، فكثرت في
نصوصها الاجتهادات وطالتها يد التحريف
والتزوير جيلاً بعد آخر، ويؤكد القرآن الكريم
هذه الحقيقة في معرض بيانه لواقع أمم هؤلاء
الانبياء التي نزلت فيهم تلك الكتب[17].

2 ـ ان عقد المقارنة بين ما جاء في
القرآن الكريم من قصص الانبياء وما جاء في كتب
العهدين المتداولة والتعرف على مواطن
الاختلاف يدعو بنفسه الى تصديق القرآن الكريم
دون كتب العهدين وليس العكس، وذلك لان تفاصيل
قصص هؤلاء الانبياء في القرآن الكريم جاءت
دقيقة ومتطابقة تمام الانطباق مع الاصول
العقلية والثوابت العقائدية لواقع الانبياء
وصفاتهم الاساسية، في حين اننا نجد خلاف ذلك
في التوراة والانجيل، فهما يذكران العديد من
الخرافات والاباطيل، وينسبان الى انبياء تلك
الفترة مواقف لا تنسجم والصفات الواقعية
للانبياء، وسلوكيات لا تليق برسل اللّه
وامنائه على ارضه ودينه[18].
بل انها تتنافى مع صفات اصل الصلاح والاصلاح
من عامة الناس.

وعليه فان العرض القرآني لقصص
الانبياء ووقائعهم يظهر لنا جانباً مهماً من
اعجاز القرآن الكريم لانسجامه وائتلافه مع
طبيعة الصفات الواقعية للانبياء والرسل التي
أرشدت اليها العقول وأقرتها العقائد
الدينية، ويؤكد يقيننا بأن مصدرها الوحي
الالهي وليس كتب العهدين وامثالها كما يدّعون.

هذه خلاصة لما يرد على ما استللناه من
شبهات مبثوثة إجمالاً وتفصيلاً في طيات دس
وتشويه المستشرقين خصوصاً في دائرة المعارف
الاسلامية، على اننا أجبنا عن غير هذه
الشبهات سلفاً[19].

الطريق الثاني: شبهات حول الوحي
الالهي للرسول(صلى الله عليه وآله): ويمكن
عموماً ارجاع هذه الشبهات الى شبهة أساسية هي
ان الوحي القرآني لا علاقة له بالسماء، إنما
هو وحي نفسي نابع من ذات محمد(صلى الله عليه
وآله). على ان اصول بعض هذه الشبهات ليس جديداً
في موضوعه، فلطالما أثارها المعاندون من اهل
الكتاب وامثالهم بعد بعثة محمد(صلى الله عليه
وآله) ونزول الوحي القرآني عليه، وما فعله بعض
المستشرقين فيما بعد هو مجرد ترديد لتلك
الشبهات وتطوير لها، واضافة بعض الجديد
عليها، وإخراجه بطابع البحث العلمي وشكلية
الدراسة الموضوعية، ولقد أشار القرآن الكريم
الى مجموعة من هذه الشبهات في موارد مختلفة من
آياته الكريمة، منها قوله تعالى: (أنّى لهم
الذكرى وقد جاءهم رسول مبين * ثم تولوا عنه
وقالوا مُعَلم مجنون)[20]،
وقوله تعالى: (وقال الذين كفروا إن هذا إلاّ
إفكٌ افتراه واعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا
ظلماً وزوراً * وقالوا اساطير الاولين
اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلاً)[21]، وقوله تعالى: (ولقد
نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذي
يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين)[22]،
وقوله تعالى: (بل قالوا اضغاث احلام بل افتراه
بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أُرسل الاولون)[23].

وفي الرد على هذه الشبهات سوف نكتفي
بمناقشة الشبهة الاساسية التي أشرنا إلى انها
مرجع كل تلك الشبهات، ونمهد لذلك ببيان معنى
الوحي بشكل واضح ليتسنى لنا تحديد موضوع
الشبهة بدقة اكثر.

ولتحديد معنى الوحي الالهي كاصطلاح
نجده لا يخرج من جوهره عن المعنى اللغوي لكلمة
الوحي، وهو الاعلام في خفاء[24].
وهو أصل يدل على القاء علم في إخفاء أو غيره،
وكل ما ألقيته الى غيرك حتى عَلِمَهُ فهو وحي
كيف كان[25].
فهو على ضوء ذلك مركب ينحل الى معرفة تُدرك،
وادراك عقلي لها، وواسطة تنقلها، ومصدر تصدر
عنه. وفي ما نحن فيه من معنى الوحي الالهي الذي
اختص به اللّه سبحانه انبياءه ورسله من بني
الانسان وكان القرآن الكريم ابرز مصاديقه،
نجد أن شعور الانسان المدرك يختلف تجاه مصدر
افكاره وواسطة ايصالها إليه، ويمكننا حصر
انحاء شعوره هذا في ثلاثة:

1 ـ شعوره بأن هذه المعرفة هي من بنات
تفكيره الخاص، فهي نابعة من ذاته، وحصيلة
جهده الفكري الخاص وتعقله الشخصي. وهذا ما
يتعلق عادة بأفكارنا ومعارفنا العادية،
ونحسه في حالات الادراك الاعتيادية. وهو يحصل
لمطلق الانسان العاقل، غاية الامر ان المؤمن
باللّه سبحانه وتعالى يعتقد بأن جميع افكاره
تنتهي الى اللّه الخالق الواهب المدبّر
المهيمن على جميع عوالم الوجود، بما في ذلك
قدرتنا على التفكير والادراك. فهو يعتقد بأن
هذه الافكار والمعارف العادية هي ثمرة تلك
القدرة العقلية التي وهبها اللّه له، ومكّنه
من تفعيلها في ذات نفسه فكانت واسطته في
تحصيلها.

2 ـ ان يشعر الانسان بأن الفكرة أو
المعرفة التي وعاها بادراكه العقلي جاءته
وخطرت إليه من خارج ذاته ونفسه ويشعر بوضوح
كامل انها القيت إليه من ذات عُليا منفصلة عن
ذاته تمام الانفصال، إلاّ انه لا يحس احساساً
واضحاً بالواسطة والطريقة التي تحققت فيها
عملية الالقاء والاخطار في نفسه من تلك الذات
العليا. وهذا النحو من الشعور والاحساس تجاه
الفكرة أو المعرفة المدركة هو الذي يحصل فيما
يسمّى عند المؤمنين باللّه سبحانه بحالة
الالهام الالهي.

3 ـ ان يقترن بالشعور الحسي تجاه
الفكرة أو المعرفة المشار اليها في الفقرة
الثانية اعلاه شعور حسي آخر بالواسطة
والطريقة التي تقوم بعملية الالقاء والاخطار
وتشكل همزة الوصل بين الذات العليا الملقية
وذات الانسان المتلقي. ويكون هذا الشعور
والاحساس واضحاً جلياً وضوح احساسنا
وادراكنا للاشياء بحواسنا العادية. وهذا ما
يسمّيه المؤمنون باللّه سبحانه بالوحي
الالهي، وهذا الوحي مختص بالانبياء، وهو الذي
حدث في وحي القرآن الكريم الى نبينا محمد(صلى
الله عليه وآله).

وعليه فان هناك ثلاث صور من الادراك
يمكن أن تحصل للانسان بشروط معينة يختلف
احدها عن الاخر، فالادراك نتيجة الموهبة غيره
في الالهام وغيرهما في الوحي.

شبهة المستشرقين حول الوحي:


لقد أصبح واضحاً لدينا، بعد معالجة
أهم الشبهات التي أثيرت حول اعجاز القرآن، ان
القرآن ليس ظاهرةً بشرية وليس من ابداعات
محمد(صلى الله عليه وآله)، بل انه، ومن خلال
جوانب اعجازه التي تحدّى بها كل البشر مرتبط
بالغيب المطلق وهو وحي من اللّه سبحانه
وتعالى الى نبيّه.

وهنا تأتي شبهة المستشرقين ومن تأثر
بهم حول مدى صدق الوحي الالهي بالقرآن الكريم
الى محمد(صلى الله عليه وآله) فينكرون الوحي
الالهي إليه، ويرجعونه الى نوع من الادراك
الوهمي الذي جعل من محمد(صلى الله عليه وآله)
يتخيل، بسبب صفاء نفسه وصدقه وامانته وتوقده
الذهني، انه يوحى إليه من اللّه سبحانه. وهو
في اعتقاد المستشرقين ليس إلاّ وحياً نفسياً
يتفرد به من يملك تلك الصفات التي امتاز بها
محمد(صلى الله عليه وآله).

ولاحكام صورة هذه الشبهة يذهب
المستشرقون الى تصوير العوامل التي أثرت في
محمد(صلى الله عليه وآله) واذكت فطرته الزكيّة
ودفعته للتفكير في انقاذ قومه من ذلك الواقع
المرير والعقائد الفاسدة وتطهيرهم من
الفواحش والمنكرات.

وكان أبلغ ما جاء به محررو دائرة
المعارف الاسلامية في تأسيس هذه الشبهة قد
استقي مما كتبه «أميل درمنغام» الذي فصّل ما
أجمله «مونتيه» في مقدمات عشرة، وخلاصة ذلك
انهم استعرضوا ما كان عليه العرب من الشرك
باللّه وعبادة الاصنام والظلم الاجتماعي
والفقر الاقتصادي وارتكاب الفواحش والانغماس
في الشهوات وأكل المال بالباطل وتفشي المفاسد
كشرب الخمر والزنى وغيرها من القبائح.

ثم يدعون أن محمداً(صلى الله عليه وآله)
أدرك، كما ادرك افراد آخرون من قومه بقوة
عقولهم الذاتية، هذا الواقع الفاسد، إلاّ ان
تميّزه عن الاخرين بشدة نقائه وصفائه الروحي
والنفسي وتوقّد ذهنه وقوة عقله وطول تفكيره
وتأمله وسعيه الحثيث من اجل انقاذ قومه مما هم
فيه من الشرك والظلم وتزكيتهم من المفاسد
والشهوات وتطهيرهم من الفواحش والمنكرات هو
الذي أوجد له مثل هذا الوحي النفسي.

ويذهب المستشرقون اكثر من ذلك في
دسّهم وتشويههم، فيدعون ـ كما اسلفنا بنماذج
منه ـ ان محمداً قد استقى من اليهود والنصارى
خلال لقاءاته بهم في اسفاره الى الشام، أو ممن
كان منهم في مكة الكثير من قصص الانبياء
والرسل، وخصوصاً انبياء بني إسرائيل ورسلهم.
ولاعتقاده بأن البدع قد طالت العديد من
المعارف والمعلومات التي حصل عليها من هؤلاء
اليهود والنصارى، واندساس الكثير من
الانحرافات والافكار الوثنية فيها كالقول
باُلوهية المسيح وأمّه، فقد رفض الكثير من
تلك المعارف والمعلومات.

كما أنه عرف من تلك اللقاءات أن بعض
الانبياء ومنهم نبي اللّه عيسى(عليه السلام)
قد بشّروا ببعثة نبي مثلهم من عرب الحجاز،
فخلقت هذه المعرفة في نفس محمد(صلى الله عليه
وآله)أملاً كبيراً ورجاءً شديداً في ان يكون
ذلك النبي الموعود، وان بعثته قد حان أوانها،
فانقطع الى مناجاة اللّه وعبادته، واختلى
لذلك في غار حراء سعياً منه الى تحقيق هذا
الامل الذي استقطب كل وجوده.

وباستمراره في خلواته العبادية هذه
تأصّل إيمانه وقوي يقينه وتسامت نفسه، فتألق
تفكيره واشتد نور بصيرته، فاستشرف بعقله
الكبير آيات ودلائل وبينات ربه في السماوات
والارض.

واهتدى الى وحدانية اللّه سبحانه في
الخلق والتدبير، فتأهل بذلك لمهمة دعوة الناس
وهدايتهم الى الحق واليقين والنور الذي اهتدى
إليه.

وامتزج تفكيره وتأمله بالمعاناة التي
يعيشها في قومه والامال التي نشأت في نفسه،
فارتكز لديه اليقين بأنه هو النبي الموعود
الذي بشّر الانبياء السابقون بأن اللّه
سيبعثه لهداية الناس.

وتجلت عقيدته هذه في الرؤى التي تكررت
لديه في المنام وقويت الى الدرجة التي تحوّل
الى اعتقاد بانه قد بُعث نبياً لهذه الامة وان
ملكاً اخذ يتمثل له ويلقّنه الوحي في اليقظة
كما يوحي له في المنام.

أما مصدر المعلومات التي نسجها له هذا
الوحي فهي مستقاة في الاصل مما حصل عليه من
اليهود والنصارى، وأعمل فيه عقله وتفكيره،
فاهتدى إلى التمييز بين ما يصح منها وما لا
يصح، كل ذلك كان يتجلى له وكأنه وحي اللّه له
وخطابه إليه يأتيه بواسطة «الناموس الاكبر»
الذي نزل على موسى بن عمران وعيسى بن مريم
وغيرهما من الانبياء(عليهم السلام).

إن مراجعة نقدية لهذه الدعوى «نظرية
الوحي النفسي» نجدها تتهافت في ادلتها
وتتداعى قوائمها، ولا تصمد أمام المناقشة
العلمية. ويمكننا الاجهاز عليها من جوانب
ثلاثة:

الجانب الاول: الادلة والوقائع
التاريخية تناقض نظرية الوحي النفسي:

وخلاصة هذا الجانب يمكننا حصرها في
مايلي:

أ ـ إن أغلب الادلّة التاريخية التي
اتخذت كمقدمات للقول بالوحي النفسي وأُسست
النظرية على أساسها ليس لها واقع في التاريخ
الصحيح المنقول إلينا، إنما جاءت وفق منهج
معكوس، حيث افترضوا رؤية مسبقة تقول إن الوحي
القرآني ليس وحياً منفصلاً عن ذات محمد(صلى
الله عليه وآله)، ثم ساقوا حوادث وأخباراً
نسجتها خيالاتهم الخصبة أو اختلقتها ذهنيات
جهلهم المركب في تأويل بعض الوقائع التاريخية
وتشويه حقيقتها بالدس والتحميل بما لا تتحمل
لتكتمل لديهم حلقات وأجزاء الصورة المفترضة.

ومن أمثلة ذلك: ادعاؤهم أن خبر غلب
الفرس وانتصارهم على الروم وان الروم سيغلبون
الفرس بعد ذلك والوارد في سورة مريم، قد سمعه
محمد(صلى الله عليه وآله) من نصارى الشام. وهذا
مما تكذبه الوقائع التاريخية المنقولة
الينا، حيث إن غلبة الفرس على الروم كانت في
سنة «610م»، أي بعد رحلة محمد الاخيرة الى
الشام بأربع عشرة سنة وقبل بدء الوحي الالهي
بسنة، ثم ان التاريخ يحدثنا أن امبراطورية
الروم آنذاك كانت متداعية الاركان خائرة
القوى، فطبيعة الاشياء ومنطق الظواهر يحكي
لنا عدم قدرتهم على الظهور والانتصار على
الفرس، حتى ان أهل مكة عندما سمعوا ما قرأه
عليهم الرسول(صلى الله عليه وآله) من الخبر في
القرآن الكريم هزئوا به.

ومن الامثلة أيضاً افتراضهم أحاديث
دينية معضلة وفلسفية معقّدة فيما زعموه من
لقاء الراهب بحيرى مع محمد(صلى الله عليه وآله)
وهو بصحبة عمّه أبي طالب، ولم ينقل لنا
التاريخ مثل هذه الاحاديث، مما يؤكّد لنا
أنهم نسجوا واختلقوا ذلك لدعم رؤيتهم المسبقة
في الوحي النفسي.

ويدّعون أيضاً في مسألة احاطة الرسول(صلى
الله عليه وآله) بأخبار عاد وثمود وتفاصيلها
انه حصل عليها وعرفها عند مروره بأرض
الاحقاف، على ان التاريخ لم ينبئنا أن النبي(صلى
الله عليه وآله) كان قد مرَّ بتلك الارض،
خصوصاً وأن هذه الارض لا تقع على الطريق
المتعارف لمرور القوافل التجاريّة.

ب ـ لو كان زعمهم أن النبي محمداً(صلى
الله عليه وآله) قد تعلم من نصارى الشام ومن
غيرهم صحيحاً لاحتجّ به المشركون وأعلنوه،
ولما وقعوا في الحيرة والتردد من أمر الرسول(صلى
الله عليه وآله) ودعوته، خصوصاً وأنهم كانوا
يتتبعون أخباره ويرصدون تحركاته ومواقفه،
ولم يتركوا شيئاً من سفراته ورحلاته وغيرها
من شؤون حياته العامة إلاّ وأحاطوا بها، فكيف
تفوتهم مثل هذه اللقاءات والعلاقات المهمة لو
كانت واقعاً؟ رغم أنهم بذلوا الكثير في سبيل
اختلاق التهم وإطلاق الاباطيل والاراجيف حول
الرسول(صلى الله عليه وآله) ودعوته، كما في
اتهامهم إيّاه انه تعلّم وتلقّى ما يدعيه
وحياً من أشخاص تعرّف عليهم، كالحداد الرومي
صانع السيوف في مكّة. هذه التهمة التي نزل في
ردّها وتكذيبها قوله تعالى: (ولقد نعلم انهم
يقولون انّما يعلِّمه بشرٌ لسان الذي يلحدون
إليه أعجمي وهذا لسانٌ عربي مبين)[26].

ج ـ لم ينقل لنا التاريخ أيّ شاهد على
ان الرسول محمداً(صلى الله عليه وآله) كان
يأمل أن يكون النبي المنتظر ويترقب الوحي في
أية لحظة... لينمو هذا الامل ـ وفق زعمهم ـ
ويتكامل في نفسه، ويشتد ترقبه للوحي ويستحكم
ليخلق ذلك الواقع النفسي المفترض. ونحن نعلم
ان كتب السيرة النبوية الشريفة قد نقلت لنا
أدق الاحداث والوقائع واستقصت تفصيلات
الحياة الشخصية للرسول(صلى الله عليه وآله)،
ولم تشر لنا من قريب أو بعيد الى مثل هذا الزعم.

د ـ ان من مفروضات هذه النظرية ان
النبي(صلى الله عليه وآله) تدرّج في تكامله
العقلي والنفسي ضمن مراحل طويلة مليئة
بالمعاناة من واقع قومه الفاسد والتفكير
المتواصل بعقائدهم الباطلة في الشرك باللّه
وعبادة الاصنام والتأمل في طريقة انقاذهم من
ذلك ومن الظلم الاجتماعي الذي رزحوا فيه،
وانه لم يعلن نبوته إلاّ في مرحلة عليا من هذا
التكامل وتلك المعاناة وذلك التفكير.. فهو اذن
في أعلى درجات الفهم والادراك لما يجب ان
يطرحه من مفاهيم وأفكار ومناهج عن الكون
وجميع جوانب الحياة والانسان، وهذا يعني ان
اطروحة دعوته وفي خطواتها الاولى ولحظاتها
الاولية يجب ان تشتمل على تلك المفاهيم
والافكار والمناهج.. في حين ان التاريخ يؤكد
لنا خلاف ذلك. فالبداية تخللها اضطراب وخوف ثم
جاءه الوحي بآيات التوحيد متدرجاً في بيان
ادلته واستئصال جذور الشرك وتسخيف عبادة
الاوثان والرد على اباطيل المنحرفين
والضالين من أهل الاديان السابقة، مذكراً
بالعبر وضارباً الامثال بسنن اللّه في
الماضين من الانبياء والرسل. ثم انقطع الوحي
ثلاث سنين لم يحدثنا التاريخ ان الرسول ادّعى
شيئاً جديداً من الوحي فيها، ليعود بعد ذلك
الانقطاع فيوحي للنبي الكريم آيات ربّه
الاخرى.. ومن الواضح ان هذا يناقض القول
بتكامل مفاهيم النبي(صلى الله عليه وآله)
وأفكاره واستعداده العقلي والنفسي لطرحها في
اولى مراحل اعلان نبوته.

الجانب الثاني: نظرية الوحي النفسي
تناقض محتوى الوحي القرآني:

وفي هذا الجانب يقف الناقد الموضوعي
إزاء نظرية الوحي النفسي موقف التشكيك بل
الرد والرفض، لانه لا يستطيع التوفيق اطلاقاً
بين ما تفترضه هذه النظرية من مصادر في
طبيعتها ومحدوديتها وبين السعة والشمولية
التي اتسم بها المحتوى الداخلي للوحي القرآني.

ويمكننا توضيح ذلك من خلال ملاحظة
الامور التالية:

أ ـ إن موقف الوحي القرآني من الاديان
السماوية السابقة وخصوصاً الديانتين
اليهودية والمسيحية له صورتان: الصورة
الاُولى، هي التصديق بأصل هاتين الديانتين
والاقرار بأن اللّه تعالى قد بعث رسلاً بهما
مبشرين ومنذرين. والصورة الثانية، هي اتخاذه
موقع المهيمن عليهما جملةً وتفصيلاً فهو حاكم
على تشريعاتها نسخاً وإمضاءً، ورقيباً على ما
طرأ عليها من انحرافات ومادُسَّ فيها من
ضلالات ليظهر الحق ويدحض الباطل. وذلك في قوله
تعالى: (وأنزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقاً لما
بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ...)[27]،
وقوله تعالى: (ألم تر الى الذين اُوتوا نصيباً
من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون ان تضلوا
السبيل * ... من الذين هادوا يحرّفون الكلم عن
مواضعه)[28]، وقوله أيضاً: (فبما
نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية
يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظّاً مما
ذكّروا به .... * ومن الذين قالوا إنّا نصارى
أخذنا ميثاقهم فنسوا حظّاً ممّا ذكّروا به)[29].

واتصفت هذه الرقابة بالشمولية
والدقّة التامة، فقد استوعبت كل المفاهيم
والاحكام والوقائع التاريخية، وجعلت للصحيح
منها مقياساً أظهرت فيه الحق وردت الباطل. وهو
مفاد قوله تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم
رسولنا يبيّن لكم كثيراً مما كنتم تخفون من
الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من اللّه نور
وكتاب مبين * يهدي به اللّه من اتبع
رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى
النور بإذنه ويهديهم الى صراط مستقيم)[30].

فمع هذه الرقابة الشاملة والدقيقة
والتصريح القاطع بكل يقين ورسوخ بجهل أهل
الكتاب ونسيانهم وتحريفهم الكلم وتبديله،
كيف يمكننا القبول بدعوى أخذ محمد(صلى الله
عليه وآله) عن أهل الكتاب؟ وبماذا نفسّر هذا
التتبع الدقيق والشامل لتفاصيل ما اختلفوا
فيه أو خالفوا ما نزل عليهم من الدين الصحيح،
والبيان المحكم لما هو الحق والصواب منه بلا
تناقض ولا تخلف ولا اختلاف فيه؟ وليس للمنطق
جواب إلاّ التصديق بأن كل ذلك قد تلقّاه
الرسول(صلى الله عليه وآله) وحياً إلهياً
مصدقا لما بين يديه من الكتب ومهيمناً عليه.

ب ـ لو كان ما يزعمون من الوحي النفسي
صحيحاً وأن مصادره التي استقى منها الرسول(صلى
الله عليه وآله) هما التوراة والانجيل، لكان
الاولى أن يُجمل في كثير من الموارد أو يغض
الطرف عنها أو عن بعضها، لئلا يقع مثل هذا
التعارض والاصطدام بهما، إلاّ أننا نجد العكس
من ذلك، فقد جاء محتوى الوحي القرآني بلسان
التأكيد والاصرار على بيان الحقائق بكل قوة،
وإظهار مخالفته للتوراة والانجيل في بعض
الوقائع التاريخية بكل وضوح ودون أي تردد أو
إجمال. ومن نماذج ذلك ما في قصة موسى حيث يخالف
القرآن الكريم ما جاء في سفر الخروج من أن
التي كفلت موسى هي ابنة فرعون، في حين يؤكد
القرآن انها كانت امرأته في قوله تعالى: (وقالت
امرأة فرعون قرّت عين لي ولك لا تقتلوه عسى ان
ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون)[31]،
وفي نموذج آخر نجد التوراة تذكر غرق فرعون
بإجمال وإبهام، في حين نجد القرآن الكريم
يشير الى غرق فرعون وكيفيته بشكل دقيق وواضح،
بما في ذلك بيان مسألة نجاة بدن فرعون من
الغرق رغم موته وهلاكه، وكذلك بيان الحكمة من
ذلك، وهو قوله تعالى: (فاليوم ننجيك ببدنك
لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن
آياتنا لغافلون)[32].

ومثال آخر هو عزو التوراة صنع العجل
الذي عبده بنو اسرائيل الى هارون(عليه السلام)في
حين يصرّح القرآن خلاف ذلك ويعزوه الى
السامري ويثبت إنكار هارون(عليه السلام)عليهم
في ذلك. ونفس الامر يرد في قصة ولادة مريم
للمسيح(عليهما السلام)، وغيرها من القضايا.

وعليه فلا نتصور في محمد(صلى الله عليه
وآله) الذي يعترفون بحقّه انه الصادق الامين
الفطن أن يأتي بمثل هذه التفاصيل ويعارض بها
التوراة والانجيل دون أن يكون ذلك قد تلقّاه
من لدن العليم الخبير عن طريق وحيه الامين،
ويتحمّل الكثير من أذى أهل الكتاب في الثبات
عليها وعدم مخالفتها.

ج ـ إن استيعاب الوحي القرآني في جانب
كبير من محتواه الداخلي لتفاصيل التشريع
الاسلامي بكل دقّة وعمق، وبشمولية وسِعَتْ
كافة مجالات الحياة المختلفة وجوانب الانسان
ووجوده، لا تجد فيما بينها إلاّ الانسجام
التام والتناسق الفريد، ليس إلاّ برهاناً
ساطعاً على تلقيه كل ذلك عن طريق الوحي
الالهي، ولا يمكننا ان نتصور معه ان انساناً
كمحمد(صلى الله عليه وآله) وهو الامي الذي كان
يعيش ذلك العصر المظلم بالجهل والخرافات،
والذي قضى أغلب أدوار حياته الرسالية في خوض
صراع اجتماعي مرير، ان يقع له ما يزعمونه من
الوحي النفسي، ويحقق عن طريقه ذلك الكمال
الاعجازي في مسائل التشريع الاسلامي.

الجانب الثالث: سلوك النبي تجاه الوحي
القرآني يأبى نظرية الوحي النفسي:

قبل ان ندخل في تفاصيل طبيعة سلوك
النبي محمد(صلى الله عليه وآله) تجاه الوحي
القرآني الذي يكشف عن ادراكه الواضح للانفصام
التام بين ذاته المتلقية والذات الالهية
الملقية من عليائها بواسطة الوحي، نشير
باختصار الى أنحاء هذا الوحي الرسالي الذي
تلقّاه النبي(صلى الله عليه وآله) والذي يثبت
حقيقته وادراكه الكامل له، وهي في قوله تعالى:
(وما كان لبشر ان يكلّمه اللّه الا وحياً) أي
إلهاماً وإلقاءً في روعه يدركه الموحى إليه
ويحسّه وكأنما قد كتب في صفحة ضميره بوضوح
وجلاء، أو رؤيا في منام، وهذا هو النحو الاول
للوحي الرسالي، والنحو الاخر في قوله تعالى: (أو
من وراء حجاب) أي يكلمه تكليماً يسمع صوته وهو
محتجب عنه لعلوه تعالى شأنه وكماله وتدني
الموحى إليه ونقصه، وذلك بخلق الصوت المتضمن
للكلام في الفضاء المحيط بالمخاطب فيخرق
مسامعه، ويأتيه من كل مكان حوله، كما كلّم
موسى(عليه السلام)وكلّم نبينا محمد(صلى الله
عليه وآله) ليلة المعراج.

أمّا النحو الثالث فهو في قوله تعالى: (أو
يرسل رسولاً) أي ملكاً من الملائكة يتمثّل على
شكل رجل (فيوحي باذنه ما يشاء إنه عليٌّ حكيم *
وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري
ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نوراً
نهدي به من نشاء من عبادنا وإنّك لتهدي الى
صراط مستقيم)[33].

وقد بيّن الرسول(صلى الله عليه وآله)
ذلك للمسلمين تكراراً وفي مناسبات عديدة،
منها قوله(صلى الله عليه وآله)اشارة الى الوحي
القرآني: «أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس
وهو أشدّه علي فينفصم عني وقد وعيت ما قال.
وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي
ما يقول»[34].

أما طبيعة سلوك النبي محمد(صلى الله
عليه وآله) الذي يأبى مقولة وحيه النفسي،
ويعكس وعيه الكامل وادراكه التام بالانفصال
في الوحي القرآني بين الذات العليا الملقية
للخطاب وذاته الخاضعة المتلقية، فله حالات
عديدة نشير الى ثلاث صور منها هي:

الصورة الاولى: وهي التي يتمثل سلوك
النبي محمد(صلى الله عليه وآله) فيها تجاه
الوحي القرآني كعبد ضعيف مفتقر الى اللّه
تعالى، يتخضع بين يَدَي ربه، ويبتهل إليه،
ويخشى أن يحول بينه وبين قلبه، فيستمد منه
العون والهداية، ويطلب منه المغفرة والرحمة،
ويتمثل اوامره ونواهيه ويصدع بها، ويتلقى منه
بكل خشوع مختلف درجات العتاب وأنواعه.

ولقد طفحت آيات قرآنية عديدة بوصف
النبي الكريم(صلى الله عليه وآله) انه ذلك
العبد المطيع الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا
ضراً إلاّ بإذن ربه، يخافه إن هو عصاه، ويرجو
رحمته، ولا يخرج عن حدوده التي رسمها له، فهو
للّه وهو إليه يرجع، ولا حول ولا قوة له إلاّ
به سبحانه، فهو مقرٌّ بالعجز المطلق امام أمر
اللّه وارادته، وليس بقادر على ان يبدّل
حرفاً واحداً من القرآن الكريم.

ومن أمثلة تلك الايات الكريمة قوله
تعالى: (واذا تتلى عليه آياتنا بينات قال
الذين لا يرجون لقاءنا ائتِ بقرآن غير هذا أو
بدّله قل ما يكون لي أن اُبدّله من تلقاء نفسي
إنْ أتبع الاّ ما يوحى إليَّ إني أخاف إنْ
عصيتُ ربّي عذابَ يوم عظيم * قل لو شاء اللّه
ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثتُ فيكم
عمراً من قبله أفلا تعقلون)[35].

وقوله تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعاً
ولا ضراً إلاّ ما شاء اللّه ولو كنت أعلم
الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)[36].

ثم تؤكد وتكرر آيات قرآنية اخرى
الفارق بين صفات الذات الالهية الملقية وصفات
الذات المحمدية المتلقية من أنه بشر مثل سائر
البشر، ليس عليه إلاّ البلاغ، ولا يملك خزائن
اللّه ولا يعلم الغيب، ولا يزعم انه ملك، بل
هو مخلوق يتبع ما يوحى إليه من ربه.

ومن تلك الايات قوله تعالى: (قل إنما
انا بشر مثلكم يوحى إليّ إنما إلهكم إله واحد)[37].

وقوله تعالى: (قل لا أقول لكم عندي
خزائن اللّه ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني
ملك إن اتبع الاّ ما يوحى اليّ)[38].

ومن المعاني اللطيفة في البلاغة
القرآنية هو مدلول عبارة «قل» التي تؤكد على
معنى المغايرة بين المُلقي والمتلقي، وان
الخطاب الالهي كان يُلقى على الرسول إلقاءً،
وانه كان يُعلَّم ما ينبغي له ان يقوله،
تصديقاً لامتثال ما يوحى إليه وعدم نطقه عن
هواه، لهذا نجد أن عبارة «قل» قد تكررت في
القرآن الكريم اكثر من ثلاثمائة مرة ليدرك
مَنْ يقرأ القرآن ان محمداً(صلى الله عليه
وآله) مخاطب يلقى إليه الخطاب إلقاءً، وليس
متكلماً ينطق به عن هواه وما يجول في نفسه.

كما نجد ان الفرق يتجلى اكثر ويزداد
وضوحاً بين ذات اللّه وصفاته كونه المتكلم
والمنزِّل للوحي وبين ذات نبيه وصفاته كونه
المخاطَب والمتلقي للوحي، وذلك في آيات
العتاب الالهي لرسوله وإنذاره وتهديده،
وتختلف درجات هذا العتاب والانذار، فمنه ما
يكون خفيفاً مشوباً بالعفو والغفران على
تفويته الاَوْلى كما في قوله تعالى لرسوله في
شأن من أذن لهم بالعفو عن القتال في غزوة تبوك:
(عفا اللّه عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين
صدقوا وتعلم الكاذبين)[39].
وكذلك قوله تعالى: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً
* ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر
ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً)[40].

ومنه الشديد الذي يكون بلسان التوجيه
لرسوله مقترناً بالانذار والتهديد وبمستويات
تختلف في الشدة، فمن درجاته الاولية قوله
تعالى: (يا أيها الرسول بلّغ ما اُنزل اليك من
ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصمك
من الناس)، ويشتد اكثر في قوله تعالى: (وان
كادوا ليفتنونك عن الذي اوحينا اليك لتفتري
علينا غيره واذاً لاتخذوك خليلاً * ولولا أن
ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئاً قليلاً *
اذاً لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا
تجد لك علينا نصيراً)[41].
ويبلغ الانذار اعلى درجاته لتتضاءل امامه كل
صور التهديد والوعيد الاخرى، وذلك في قوله
تعالى: (ولو تقوّل علينا بعض الاقاويلِ *
لاخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين *
فما منكم من أحد عنه حاجزين)[42].

وهكذا نجد أنّ آيات التأديب والعتاب
وآيات الوعيد والانذار تكشف لنا أنّ الرسول(صلى
الله عليه وآله) كان يتمثّل صفة المخلوق
الضعيف الخاضع لربّه الخالق القادر القاهر ذي
القوة المتين، الذي لا معقب لحكمه وارادته،
وفي نفس الوقت تكشف لنا الايات الكريمة عن
كامل وعي الرسول(صلى الله عليه وآله) وادراكه
للفرق بين ذاته المأمورة وذات اللّه الامرة،
والذي يجعله مستحضراً بوضوح الفرق بين الوحي
القرآني الذي ينزل عليه وبين الالهام الالهي
في حديثه النبوي الخاص.

وهذا هو الذي جعله(صلى الله عليه وآله)
ينهى في اول عهد نزول الوحي القرآني عن تدوين
شيء عنه سوى القرآن الكريم، حفظاً لصفته
الربانية الخالصة من أن تختلط بشيء غيره،
لهذا كان يدعو كتّاب الوحي فور نزول شيء من
القرآن الكريم لتدوينه حتى لو كان آية أو بعض
آية.

الصورة الثانية: وهي التي تُبدي لنا
موقف النبي(صلى الله عليه وآله) تجاه الوحي
القرآني وهو مستسلم لامر اللّه فيه لا يملك أي
اختيار وارادة في نزوله عليه أو انقطاعه عنه،
فهو يدرك تماماً ان التنزيل القرآني منسلخ عن
الطبيعة البشرية وارادتها انسلاخاً تاماً.
فتارة يتتابع الوحي القرآني ويحمى حتى يشعر
انّه يكثر عليه، وتارةً وبدون سابق انذار
يفتر عنه وهو في أشد الحاجة إليه.

ومما يؤكد ذلك أيضاً هو انّ الوحي
القرآني ينزل على رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) في أحوال مختلفة، منها: ما يكون في
منامه، فما يكاد يغفو اغفاءة حتى ينهض ويرفع
رأسه مبتسماً وقد اوحيت إليه سورة الكوثر.
ومنها ما يكون وهو وادع في بيته وقد بقي من
الليل ثلثه، فتنزل عليه آية التوبة في
الثلاثة الذين خافوا، وهي قوله تعالى: (حتى
إذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم
أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من اللّه إلاّ إليه
ثم تاب عليهم ليتوبوا إن اللّه هو التوّاب
الرحيم)[43].

وهكذا نجد أنّ الوحي القرآني ينزل على
قلب النبي(صلى الله عليه وآله) في ليل دامس أو
ضحى النهار، وفي البرد القارس أو حر الهجير،
وفي استجمام الحضر أو وعثاء السفر، وفي هدأة
السوق أو وطيس الحرب... وهو تعبير واضح عن تمام
الانسلاخ وفقدان اختيار النبي(صلى الله عليه
وآله) في نزول الوحي أو انقطاعه.

ونجد أنّ ذلك يتجسّد أكثر في انقطاع
الوحي القرآني تماماً عن النبي(صلى الله عليه
وآله) في الوقت الذي كان في أشد الشوق والطلب
له، بعد أن نزل عليه الروح الامين بأوائل سورة
العلق: (اقرأ باسم ربّك الذي خلق) ثم فتر ثلاث
سنوات فحزن فيها النبي(صلى الله عليه وآله)،
بعدها حمي الوحي وتوالى عليه فاستبشر النبي
به وغمرته فرحة الوصال.

ويتجسّد ذلك أيضاً حين أبطأ الوحي بعد
حديث الافك الذي رمى به المنافقون زوج النبي(صلى
الله عليه وآله)، وشهّروا به امعاناً في فضحها
حتى عصف هذا الامر بقلب الرسول(صلى الله عليه
وآله)، وثَقُل عليه عدم نزول الوحي. وقد
تصرّمت على الحادثة مدة من الزمن كانت عليه
أثقل من سنين متمادية بعد أن خاض المنافقون في
زوجه خوضاً باطلاً.

فما بال النبي(صلى الله عليه وآله) لا
يستنجد بالوحي النفسي المزعوم أو يسرع الى
استنزال الامر الالهي على طريقة الرهبان وأهل
التعاويذ والاسجاع فيبرّئ زوجه من قذف
المنافقين؟

كما ونجد أنّ النبي(صلى الله عليه وآله)
قد حزَّ في نفسه غمز اليهود له، فظل يقلب وجهه
في السماء ستة عشر شهراً أو أكثر تحرقاً
وشوقاً إلى تحويل القبلة من المسجد الاقصى
إلى الكعبة المشرفة، يترقب الوحي علّه ينزل
عليه بهذا التحويل، فلم لم يعالج النبي(صلى
الله عليه وآله) هذا الامر بالوحي النفسي
المزعوم أو باستنزال عاجل للوحي يزيل عنه
همّه ويحقق له ما يتمناه؟ الاّ أنّه ظل خاضعاً
مترقباً قرابة العام ونصف العام حتى نزل عليه
الوحي بالاية القرآنية الكريمة: (قد نرى تقلّب
وجهك في السماء فلنولّينّك قبلة ترضاها فولِّ
وجهكَ شطر المسجد الحرام)[44].

مما سبق نعلم أنّ النبي(صلى الله عليه
وآله) كان على يقين تام أنّه لا يملك حولاً ولا
قوةً أمام الوحي القرآني، فهو مستقل عن ذاته
وقلبه، فقد يستعصي عليه رغم شوقه وحاجته
إليه، وقد يحمى ويتتابع حتى ليكثر عليه،
ففؤاده مطمئن، وضميره واع، وقلبه منطو على
اعتقاد راسخ بأنّ منشأ هذا الوحي ومصدره هو
اللّه علاّم الغيوب.

الصورة الثالثة: وفيها يُظهر النبي(صلى
الله عليه وآله) حرصه الشديد على القرآن
الكريم وخشيته من نسيان بعض آيات التنزيل
القرآني وضياعها، فيعمد إلى التعجيل في قراءة
القرآن قبل أن يُقضى إليه وحيه، فيجتهد في
ترديده ويبذل من نفسه وفكره الجهد الكبير
لئلا يفوته شيء منه. إلاّ أنّ اللّه تعالى
ينهاه عن ذلك في قوله تعالى: (ولا تعجل بالقرآن
من قبل ان يُقضى إليك وحيُهُ وقل ربِّ زدني
علما)[45].
ويرشده اللّه إلى عدم حاجته إلى تمرين ذاكرته
لحفظ آيات القرآن النازلة، ويؤكد له أنّ عليه
سبحانه جمعه وقرآنه، وذلك في قوله تعالى: (لا
تحرّك به لسانَك لتعجل به * إنّ علينا جمعَهُ
وقرآنَهُ * فاذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إنّ
علينا بيانه)[46].
ويضمن له عدم نسيانه في قوله تعالى: (سنقرئك
فلا تنسى)[47].

كل ذلك يؤكد لنا أنّ الارادة
والاختيار النبوي ليس دخيلاً بأي شكل من
الاشكال في الوحي القرآني لا في مضمونه ولا في
طريقة وزمان ومكان نزوله، وحتى في حفظه وجمعه
وقرآنه وبيانه. أو لا يشكل ذلك نقضاً تاماً
لمقولة الوحي النفسي، ودليلاً حاسماً
وبرهاناً ساطعاً على ثبوت الوحي الالهي للنبي
محمد(صلى الله عليه وآله)، وانّه كان يعي تمام
الوعي الفرق الكامل بين ذاته الخاضعة لامر
اللّه في تنزيله القرآني وبين ذات اللّه
القاهرة بأمرها وتنزيلها، وهو لا يملك ازاء
ذلك من أمر نفسه شيئاً؟[48].

وبضم هذه الصور الثلاث بلحاظاتها
المختلفة إلى الجانبين الاولين لا نجد لنظرية
الوحي النفسي أي أساس تقوم عليه، بل ونحكم
ببطلانها وبطلان ما هو في سياقها من شبهات حول
الوحي الالهي للنبي محمد(صلى الله عليه وآله)،
وتثبت حقيقته ثبوتاً قطعياً لا مجال للتردد
فيه.



([1])
دائرة المعارف الاسلامية 2: 274 ـ 275.

([2])
المصدر 2: 565 ـ 566.

([3])
المصدر 3: 106 ـ 107.

([4])
المصدر 6: 276.

([5])
المصدر 7: 142 ـ 143.

([6])
المصدر 7: 197.

([7])
المصدر 11: 41.

([8])
المصدر 11: 457.

([9])
المصدر 11: 458.

([10])
المصدر 14: 47.

([11])
المصدر 14: 107.

([12])
المصدر 14: 246.

([13])
المصدر 7: 302 ـ 303.

([14])
المصدر 4: 603.

([15])
المصدر 4: 607.

([16])
راجع: الشيخ البلاغي، جواد، الهدى إلى دين
المصطفى 1: 330 فما فوق.

([17])
كقوله تعالى في سورة البقرة ـ آية 75 في تحريف
بني اسرائيل للتوراة: (أفتطمعون أن يؤمنوا
لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام اللّه ثم
يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون).

وكذلك قوله تعالى في سورة
المائدة ـ آية 13: (فبما نقضهم ميثاقهم
لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرّفون الكلم
عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكّروا به ولا تزال
تطّلع على خائنة منهم...). وغيرهما من الايات
الشريفة.

([18])
للوقوف على نماذج من ذلك يمكن الرجوع إلى
كتاب الهدى إلى دين المصطفى للعلاّمة
البلاغي، الجزء الثاني.

([19])
لمزيد من التفصيل يمكن مراجعة ما يلي:

أ ـ الشيخ البلاغي، محمد جواد،
الهدى الى دين المصطفى، الجزءان الاول
والثاني.

ب ـ السيد الخوئي، أبو القاسم،
البيان في تفسير القرآن.

ج ـ الشيخ معرفة، محمد هادي،
التمهيد في علوم القرآن الجزء الرابع.

([20])
الدخان: 13 ـ 14.

([21])
الفرقان: 4 ـ 5.

([22])
النحل: 103.

([23])
الانبياء: 5.

([24])
لسان العرب: مادة وحي.

([25])
معجم مقاييس اللغة 6: 93.

([26])
النحل: 103.

([27])
المائدة: 48.

([28])
النساء: 44 ـ 46.

([29])
المائدة: 13 ـ 14.

([30])
المائدة: 15 ـ 16.

([31])
القصص: 9.

([32])
يونس: 92.

([33])
الشورى: 51 ـ 52.

([34])
بحار الانوار 18: 260. وصحيح البخاري 1: 30.
والطبقات 1: 132.

([35])
يونس: 15 ـ 16.

([36])
الاعراف: 118.

([37])
الكهف: 110.

([38])
الانعام: 50.

([39])
التوبة: 43.

([40])
الفتح: 1 ـ 2.

([41])
الاسراء: 73 ـ 75.

([42])
الحاقة: 44 ـ 47.

([43])
التوبة: 118.

([44])
البقرة: 144.

([45])
طه: 114.

([46])
القيامة: 16 ـ 19.

([47])
الاعلى: 6.

([48])
لمزيد من التفصيل في مسألة الوحي ومناقشة
الشبهات الواردة حولها راجع: رضا، محمد رشيد
ـ الوحي المحمدي، والدكتور الصالح، صبحي ـ
مباحث علوم القرآن، والحكيم، محمد باقر ـ
علوم القرآن. ومعرفة، محمد هادي ـ التمهيد في
علوم القرآن ج1.

/ 1