مقارنات
التغيير
الاجتماعي
المنشود
من منظارواقعة الطـف
( 1 )
* د. السيد
زهير
الاعـرجي
( العراق )
ملخص البحث
إن دراسةالتغيير
الاجتماعي
الذي احدثته
واقعة الطف
على الامة الاسلامية
بل الانسانية
جميعاً ، إنما
هو جزء من
دراسة اشمل
تتناول
الابعاد
الاجتماعية
لواقعة الطف .
فقد افرزت تلك
الواقعة
اسئلة عديدة
بخصوص (الولاية
الشرعية) ، و(من
الذي يحكم ؟ ) ،
و(الاخلاقية
الحربية) ، و(الرأي
العام) ، و(التغيير
الاجتماعي) .
ولا شك أن
طبيعة تشكيل
الواقعة
العظيمة
يدعونا
للاعتقاد
بأنها إنما
صممت من اجل
احداث اقصى
قدر ممكن من
التغيير
الاجتماعي في
المجتمع
الانساني
أمداً غير
منظور ، لان
القوى
السياسية
المضادة
للتغيير
الديني ،
حاولت ـ بعد
وفاة رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) ـ تحريف
السنة
النبوية بما
يخدم اغراضها
السياسية ،
فكانت واقعة
الطف اعظم
محاولة من قبل
ائمة أهل بيت
النبوة(عليهم
السلام) ،
لتجريد
الهالة
المقدسة
للخلافة
المزعومة وما
تمثله من سلطة
دنيوية بعيدة
عن روح الدين .
وأصبح المؤمن
بقضية الحسين(عليه
السلام) فرداً
على درجة
عظيمة من
الفهم
الاجتماعي
للعدالة
السياسية
وامكانية
تحقيقها ;
وأصبح قادراً
على العيش في
أقصى ظروف
الظلم
الاجتماعي ،
وهو لا يزال
محافظاً على
عقيدته
الاسلامية
وولائه لاهل
بيت النبوة(عليهم
السلام) .
إلاّ أن
التغيير
الاجتماعي
لابد أن يرتبط
بالنفس
الانسانية ،
فالمأساة
الدينية
المهوِّلة
تشكلُ
تصميماً
جديداً
لشخصيات
الافراد ; ولا
يعيش الافراد
واقعة مرعبة
إلاّ أن تضع
تلك الواقعة
بصماتها
التأثيرية
على سلوكهم
الخارجي . ولا
شك أن النظرية
الاجتماعية
مدينة لنتائج
واقعة الطف ،
لانها انتجت
نظريات جديدة
حول النفس
الانسانية
والتغيير
الاجتماعي.
إن فكرة (النفس
الاجتماعية)
التي طرحها (وليم
جيمس) في علم
الاجتماع،
تقابلها (النفس
الربانية)
التي افرزتها
واقعة الطف ;
فتزعم نظرية (النفس
الاجتماعية)
أن للفرد
نفسيات
اجتماعية
متباينة ،
لاختلاف
الافراد
الذين يتعامل
معهم في
المجتمع
الكبير ،
بينما نلحظ في
فكرة (النفس
الربانية)
النفس التي
يشغلها
تعلقها
باللّه
سبحانه
وتعالى عن
اقتباس سلوك
الاخرين ممن
أفضلية دينية
لهم، وفكرة (النفس
المرآتية)
التي طرحها (چارلس
كولي) و(جورج
ميد) تقابلها (النفس
الواعية) في
واقعة الطف
فتدّعي فكرة (النفس
المرآتية) أن
النفس
الانسانية ما
هي إلاّ مرآة
لسلوك
الاخرين ; ولكن
هذه النظرية
تفشل في تحليل
النفس
الانسانية
للنبي أو
الامام
المعصوم(عليه
السلام) ،
لانها تفترض
أن جميع
الافراد هم
عرضة للتغيير
الاجتماعي
بما يناسب
آراء ونظرات
الاخرين
المتغيرة ، مع
أن الانبياء
والائمة
المعصومين(عليهم
السلام) هم
انفسهم مصادر
التغيير
الاجتماعي في
مجتمعاتهم .
ولم تستطع
فكرة (النفس
المرآتية)
الصمود في
واقعة الطف
الملتهبة ،
لانها يُفترض
أن تحاكي سلوك
الاقوياء
وتمضي
تصرفاتهم ،
خصوصاً وانها
أمام سيل من
السيوف
ووسائل القتل
والتعذيب
الاخرى ; فليس
هناك من نفوس (مرآتية)
في معسكر
الامام
الحسين(عليه
السلام) بقدر
ما كانت هناك
نفوس (واعية) ،
وهي النفوس
التي كانت تعي
دورها
الرسالي في
الحياة
الانسانية ،
وكانت لها ثقة
مطلقة
بالعقيدة
التي آمنت بها
وضحّت من
اجلها ، وكانت
لها درجة من
درجات
الانكشاف
لحياة اخرى لم
نألفها بعد .
وهذه
الدرجة من
السمو في (النفوس
الربانية) أو (النفوس
الواعية) لم
تكن محصورة
بالرجال فقط ،
بل كانت نساء
آل محمد(صلى
الله عليه
وآله) اللاتي
شاركن في
الواقعة على
درجة عظيمة من
التماسك
والاستعداد
لاداء
ادوارهن
الرسالية .
فلا شك أن
هناك اسباباً
اجتماعية
قوية ، تدعونا
لتفسير
الفوارق بين
الرجال
والنساء من
وجهة نظر
اسلامية . وما
الاختلاف
الفسلجي بين
الذكر
والانثى إلاّ
اختلاف في
الادوار
الحيوية وليس
اختلافاً في
المنزلة ،
ولذلك قام
نساء آل
الرسول(صلى
الله عليه
وآله) ، كزينب
بنت علي(عليها
السلام) ،
وفاطمة بنت
الحسين(عليها
السلام) ، وأم
كلثوم بنت علي(عليها
السلام)
بالادوار
التي اقتضتها
المصلحة
الاجتماعية
الاسلامية
ضمن حدود
الشريعة بعد
واقعة الطف .
وهذه النظرة
الاسلامية
تفند وتناقض
آراء
النظريتين
العالميتين
حول الانوثة ،
وهما : (النظرية
التوفيقية) ،
ونظرية (الصراع
الاجتماعي).
فالنظرية
التوفيقية
تصرّ على أن
للرجل خصائص
وشروط
القيادة
الاجتماعية ،
إلاّ أنها
تعجز عن ايجاد
حل اجتماعي في
حالات غياب
الرجل عن
الساحة
الاجتماعية ،
واهمية
مشاركة
المرأة في
التغيير
الاجتماعي ،
كما حصل بعد
واقعة الطف .
أما نظرية (الصراع
الاجتماعي)
فإنها تعتبر
الظلم
المستند على
اساس الانوثة
شكلاً آخر من
اشكال
السيطرة على
الثروة
ووسائل
الانتاج
الاجتماعي ;
إلاّ أنها
تفشل في تحليل
واقعة الطف
ودور (المرأة
الرسالية)
فيها ، لان تلك
المرأة لم تكن
جزءاً من
عملية توزيع
الثروة
الاجتماعية ،
ولم تكن نتيجة
من نتائج
السيطرة
الاجتماعية
التي زعمتها
نظرية الصراع .
ولم تنجح
النظريات
الاجتماعية
الغربية في
التغيير
الاجتماعي في
فهم النتائج
التغيرية
لواقعة الطف ;
فـ (النظرية
الخلقية) لـ (بيتريم
سوروكين) تزعم
أن التغيير
الاجتماعي
إنما يتحقق
لان للبشرية
فترات
متناوبة من
العقلانية
والاضطراب ،
في حين أننا
نؤمن بأن مصدر
التغيير
الاجتماعي هو
المعصوم في
قوله وتقريره
وفعله ; لانه
سيد العقلاء ،
ولارتباطه
بمطلق
التشريع . فنحن
لا نستطيع أن
نفترض أن
واقعة الطف قد
حصلت في تلك
الفترة
المتناوبة
ببن
العقلانية
والاضطراب ،
لانها كانت
معركة
مصمَّمة
لاحداث
التغيير
الاجتماعي ،
وليست صدفة من
صدف الفترات
المتناوبة
بين
العقلانية
والاضطراب ;
وهكذا كانت
واقعة الطف
باشراف مباشر
واشتراك فعلي
من قبل الامام
المعصوم(عليه
السلام)نفسه .
أما نظرية (التضامن
العضوي أو
الميكانيكي)
لـ (اميلي
ديركهايم) ،
التي تفسر
التغيير
الاجتماعي من
منظار توقف
مصلحة الفرد
على مصالح
بقية
الافراد،
فإنها لم تصل
إلى مستوى
النظرية
الدينية ; ولكن
إذا كان الفرد
يعيش (التظامن
الميكانيكي)
فإنه لا
يستطيع أن
ينفصل عن
رسالة الدين ،
فمصلحة الفرد
ليست مستقلة
عن الرسالة
الالهية ; وإذا
كان الفرد
يعيش التضامن
العضوي فانّ
رسالة الدين
لا تستطيع أن
تتخلّى عنه
بأي حال من
الاحوال ; إلاّ
أن واقعة الطف
لا يمكن
تفسيرها
بطريقة (التظامن
العضوي أو
الميكانيكي) ،
لان لها
خصوصية
متميزة ، وهي
أنها بقيت فوق
كل المتغيرات
الحضارية ،
وستبقى كذلك .
ونظرية (التطور
البيولوجي) و(النظرية
الموحدة في
التغيير
الاجتماعي)
لهما ضعفهما
أيضاً ; فهما
تميزان بين
قابليات
الافراد على
تقبل التغيير
الاجتماعي
على الاساس
التكويني أو
على الاساس
الاقتصادي ;
وقد تبين أن
ذلك التمييز
باطل على
الصعيدين
التاريخي
والتجريبي .
فتكون
واقعة الطف من
الوقائع
الثابتة في
التاريخ
الانساني ،
فقد استهدفت
تغيير الفرد
والنظام
الاجتماعي
لتقبّل
مفردات
الرسالة
الالهية ،
وتطبيق حكم
اللّه في
الارض .
مقدمة حول
مصادر
التغيير
الاجتماعي
إن عمليةالتغيير
الاجتماعي
إنما تستهدف
تبديل القيم ،
والعادات ،
والعلاقات
الاجتماعية
من شكل لاخر ،
أو تبديل نظام
الظلم
الاجتماعي
بالعدالة
الاجتماعية
أو بالعكس .
بيدَ أن اهم
مصادر
التغيير
الاجتماعي هي
التغييرات
الناتجة عن
الاسباب
الخارجة عن
إرادة
الانسان ،
كالكوارث
الطبيعية
المتمثلة
بالزلازل
والفيضانات ،
والتغييرات
الناتجة عن
الاسباب
المتعلقة
بالارادة
الانسانية ،
كالاختراعات
والغزو
الثقافي
والحروب
والاستعمار
العسكري .
فيكمن السبب
في حصول هذه
التغييرات
الاجتماعية
في تغير
العلاقات
الانسانية
بين الافراد
واضطراب
الانسجام
الفكري بينهم .
ولكن عملية
التغيير
الاجتماعي
التي تطال
المجتمعات
الانسانية لا
تقتصر على
مجرد الكوارث
الطبيعية
والتغيرات
الانسانية ،
بل إن للرسالة
السماوية
دوراً في
تصميم شكل ذلك
التغيير ; فلا
شك أن الرسالة
الدينية تحتل
مكان الصدارة
في التغيير
الاجتماعي ،
لانها تقلب
مفاهيم
الافراد في
العلاقات
والعادات
الاجتماعية ،
وتخلق نظاماً
جديداً للقيم
الفردية
والجماعية ،
وتساهم أيضاً
في تبديل نظام
الظلم
الاجتماعي
بالعدالة
الاجتماعية .
ومن
المسلّم به أن
التغيير
الاجتماعي
الذي يتم عن
طريق الاسباب
الطبيعية أو
البشرية ،
إنما يتم
أيضاً بسبب
تغير
التركيبة
الاقتصادية
للجماعة
وتحلل
العلاقات
الاجتماعية
فيما بينها ;
والسبب في ذلك
أن المال
والقوة
الاقتصادية
لهما أثر حاسم
على طبيعة
توجهات الفرد
الاجتماعية
والفكرية ،
إلاّ أن اشد
التغييرات
الاجتماعية
وقعاً على
الافراد
والمجتمعات
هي التغييرات
التي تحصل
نتيجة للحروب
، والسياسات
التي تعقبها
من قبل القوى
المنتصرة في
عملية الصراع
الاجتماعي .
ولكننا نقف
امام منحيين
متضادين في
طبيعة الصراع
المسلح
ونتائجه
التغييرية ،
فالمنحى
الاول : هو
الحرب التي
يأخذ فيها
الصراع شكل
المصلحة
الاقتصادية ،
أو حجم
الغنائم من
العدو اهم
مبادئها .
فالحروب
المسلّحة
التي تعرض لها
العالم
الاسلامي
مثلاً خلال
القرون
الخمسة
الاخيرة ،
والهزيمة
التي لحقت
الشعوب
المستضعفة
على ايدي
القوى
الاستكبارية
، تعتبر من اهم
عوامل
التغيير
الاجتماعي
التي ابعدت
المسلمين عن
دينهم ;
فالاستعمار
الاوربي الذي
كبّل آسيا
وافريقيا
بالقيود لم
يكن
استعماراً
اقتصادياً
وسياسياً
فحسب ، بل كان
استعماراً
اخلاقياً
وعقائدياً
أيضاً ; بمعنى
أن الطرف
المنتصر في
العمليات
العسكرية ،
وهو الرجل
الاوربي وما
يمثله من قيم
واهداف في هذه
الحالة ، حاول
أن يفرض
نظاماً
اخلاقياً
وفكرياً
بعيداً عن
النظام
الاخلاقي
الديني الذي
كان يمارسه
مواطنو الدول
المهزومة .
لكن
التغيرات
الاجتماعية
التي تُفرض
بقوة السلاح
ترتبط بتقبّل
أو مقاومة
الافراد لها ;
فبعض الشعوب
تُظهر شكلاً
من اشكال
الاستسلام
للتغيير
الفكري
والثقافي
اكثر من غيرها
، والبعض
الاخر يُظهر
مقاومة
وتصلباً
للافكار
الواردة
بالقوة . إلاّ
أن القلة هي
التي ترفض
التغيير
وتبقى متمسكة
بعقيدتها
جيلاً بعد جيل
; وهذا هو الذي
يفسّر لنا
بقاء عقائد
الافراد
منتقلة من جيل
لاخر ، على
الرغم من
الاضطهاد
والكبت الذي
تمارسه القوى
المنتصرة على
القوى
المهزومة
عسكرياً . وليس
هناك شك من أن
إبعاد
الافراد
بالقوة عن
عقيدتهم
يولّد
تغييراً
اجتماعياً
كبيراً في
عاداتهم
واخلاقياتهم
واساليب
حياتهم
اليومية .
إلاّ أن
سرعة انتشار
التغيير
الاجتماعي
تعتمدُ على
كمية
المعلومات
الفكرية
والعقائدية
المخزونة في
ضمير الامة ;
فانسجام
الافكار
الدينية
الاسلامية مع
الطبيعة
الفطرية
للمجتمع
الاسلامي ، هو
الذي وضع
حاجزاً
نفسياً
عظيماً في عدم
تقبل الافكار
النصرانية
التي جلبها
الاستعمار
الاوربي
مثلاً فضلاً
عن الايمان
بها .
والمنحى
الثاني : هو
الحرب التي
تصمم من اجل
إحداث اقصى
قدر ممكن من
التغيير
الاجتماعي
إلى أمد غير
منظور ; فتماسك
افكار اهل بيت
النبوة(عليهم
السلام)واتصالها
المباشر
بالتصميم
الالهي
للرسالة
الاسلامية ،
جعل من واقعة
الطف نقطة
تحول في ضمير
الامة
الاسلامية
وطريقاً من
طرق تصحيح
توجهات
الافراد نحو
دور الدين في
السلطة
السياسية
والاجتماعية .
فليس هناك
ادنى شك من أن
اعظم مصادر
التغيير
الاجتماعي
للامة
الاسلامية،
خلال القرون
الاربعة عشر
الماضية هي
تلك الواقعة
الدامية بكل
ابعادها
الاجتماعية
والدينية
والسياسية ;
فواقعة الطف
ليست ثورة
بالمعنى
اللغوي
المتداول في
هذا العصر ، مع
أننا نطلق
عليها ذلك
الوصف مجازاً ;
لان للثورة
شروطها
الموضوعية
كانتفاض
الامة بكافة
افرادها ،
ووجود الظلم
الاجتماعي ،
وتمكن
القيادة
الشرعية ،
وانسداد
ابواب
التغيير
الاجتماعي من
قبل السلطة ;
وهذه الشروط
لا تنطبق
جميعها على
واقعة الطف ;
لان الامة لم
تنتفض بكافة
افرادها ضد
الدولة
الظالمة ، قبل
المعركة على
الاقل ; وهي
ليست بنهضة
بالمعنى
الشائع الذي
نصطلح عليه ;
لان الامام
الحسين(عليه
السلام) لم يكن
غافلاً
فانتبه ولم
يكن قاعداً
فنهض .
وعلى ضوء
ذلك لا يحق لنا
ـ أفراداً ـ
يرون الواقعة
العظيمة من
خارج ، أن
نستعمل
اصطلاحات
معينة نطلقها
على ذلك الحدث
الذي هزّ
الكون وما فيه
، إلاّ على
سبيل المجاز
والاستعارة .
ولكن لنترك
الحدث يتحدث
عن نفسه هنا ،
ولنطلق عليه
واقعة الطف .
ويكفي لفهم
التأثير
الاجتماعي
لواقعة الطف
العظيمة ،
أنها انجبت
بعد اربعة عشر
قرناً من
وقوعها ثورة
عظيمة هي
الثورة
الاسلامية في
ايران ،
بقيادة
زعيمها
المظفر آية
اللّه السيد
الامام روح
اللّه
الخميني(قدس
سره) ، التي
اصبحت مصدراً
من مصادر
التغيير
الاجتماعي في
المجتمع
الايراني
المعاصر ; بل
المجتمعات
الاسلامية في
العالم اجمع .
فواقعة الطف ،
إذن ، تعتبر
مصدراً
رئيسياً من
مصادر
التغيير
الاجتماعي
المستمر في
المجتمع
الاسلامي .
القوى التي
وقفت بوجه
التغيير
الديني خلال
الصدر
الاسلامي
الاول
إن مصطلح (السلطة)في علم
الاجتماع
يعبّر عن
قابلية اناس
على تحقيق
اهدافهم ، من
خلال السيطرة
على بقية
الافراد على
رغم وجود
معارضة
اجتماعية;
ولذلك تبحث
ديناميكية
السلطة عن : من
الذي يحكم ؟
وكيف يمكن
تبرير ذلك
الحكم شرعياً
أو اخلاقياً ؟
وماهي
التبعات
والنتائج
المتمخضة عن
ذلك الحكم؟.
ولا شك أن
الذي يهمنا في
مفهوم (السلطة)
هو شرعيتها ;
واهمية شرعية
السلطة تنبع
من أن مسك
زمامها قد
يؤدي إلى
توزيع غير
عادل للخيرات
الاجتماعية
بين القلة
الحاكمة
والكثرة
المحكومة ;
ولذلك نرى أن
الرسالة
السماوية
تعاملت مع (السلطة)
ومشروعيتها
من هذا الباب ;
فهي في الوقت
الذي ادانت
فيه السلطة
التقليدية أو
العشائرية ،
ارجعت الحكم
والسلطة
المطلقة للّه
عزّ وجلّ ، أو
من يوكّلهم
لحفظ مصلحة
الافراد
والنظام
الاجتماعي
كالرسل
والائمة
المعصومين(عليهم
السلام) . وقد
جاء في النص
المجيد : (ومَن
لم يحكُمْ بما
أنزلَ اللّهُ
فأولئكَ همُ
الفاسِقونَ)([1])
، (إن الحُكمُ
إلاّ للّه)([2])
، (إنّما قولُ
المؤمنينَ
إذا دُعوا إلى
اللّهِ
ورسولهِ
ليحكُمَ
بينَهم أنْ
يقولوا
سمِعنا
وأطعنا)([3])
، و(أطيعوا
اللّهَ
وأطيعوا
الرسولَ
وأولي الامرِ
منكم)([4])
.
وبطبيعة
الحال نجحت
الرسالة
السماوية
التي حققت
تغييراً
عظيماً في
افكار
الافراد
ومعتقداتهم
وسلوكهم ،
وحطمت
التركيبة
السياسية
الجاهلية ،
نجحت في تأسيس
الدولة
الاسلامية
الاولى
بزعامة رسول
اللّه محمد بن
عبداللّه(صلى
الله عليه
وآله) .
واستطاعت تلك
الدولة
الفتية ـ بنصر
اللّه العزيز
المقتدر ـ كسر
شوكة
المشركين
والمنافقين
واعداء
الرسالة من كل
الاطراف ،
إلاّ أن بقايا
مؤسسات
النظام
الجاهلي
المندحر بقيت
تعمل سراً
لاسترجاع ما
فقدته من سلطة
وتحكم
بالافراد ; حتى
إن بعض الذين
دخلوا
الاسلام
ظاهراً لم
يكونوا من
المؤمنين به
قلبياً ، وقد
ادانهم
القرآن
الكريم
بالقول : (قالت
الاعرابُ
آمنّا قُلْ لم
تُؤمنوا
ولكنْ قولوا
أسلمنا ولمّا
يدخل
الايمانِ في
قُلوبكم)([5])
.
ولا يسعنا
إلاّ أن نقول :
إن القوى
السياسية
المعادية
للرسالة
الجديدة كانت
تخطط بدهاء
منقطع النظير
لفترة ما بعد
رسول اللّه(صلى
الله عليه
وآله) ، وكان
اولى خطواتها
أن منعت كتابة
حديث رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) بزعم
اختلاطه
بالقرآن ; حتى
تستطيع أن
تخلق اقوالاً
تنسب إلى رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) بما يخدم
اهدافها
السياسية .
وكان
باستطاعتهم ـ
لو كانوا على
درجة من
الاخلاص ـ أن
يضعوا كاتباً
للقرآن وآخر
للحديث ، وهو
أمر لا يستعصي
عليهم وهم
الذين كانوا
يعتنون
بكتابة الشعر
وترجمة حياة
الشعراء كلاً
على انفراد ;
فهذا (عبداللّه
بن عمرو بن
العاص) يقول : «كنتُ
اكتب كل شيء
اسمعه من رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) فنهتني
قريش ، وقالوا
: تكتب كل شيء
سمعته من رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) ورسول
اللّه بشر
يتكلم في
الغضب والرضا
؟ فأمسكت عن
الكتابة
فذكرت ذلك
لرسول اللّه
فاومأ باصبعه
إلى فيه وقال :
اكتب فو الذي
نفسي بيده ما
خرج منه إلاّ
حق »([6])
.
إلاّ أن تلك
القوى
السياسية
التي كانت
تحاول عرقلة
التغيير
الاجتماعي
الذي احدثته
الرسالة
الاسلامية ،
كانت ناشطة
وعلى وعي من
دورها
السياسي،
إلاّ أن عملها
كان سرياً ;
ولكن ما إن
تبين أن رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) على
مشارف الرحيل
إلى الرفيق
الاعلى ، حتى
بدأ ذلك
الصراع يأخذ
شكلاً علنياً
واضحاً ،
وخصوصاً في
الساعات
الاخيرة من
حياة رسول
اللّه عندما
قال(صلى الله
عليه وآله): «ائتوني
بكتاب ، اكتب
لكم كتاباً لن
تضلّوا بعده
ابداً فقالوا :
يهجر رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله)»([7])
، وهو اتهام
يناقض اوضح
مبادئ
الاسلام ، وهو
الذي وصفه
اللّه عزّ
وجلّ في قرآنه
المجيد : (وما
ينطِقُ عن
الهَوى * إنْ
هُو إلاّ وحيٌ
يُوحى)([8])
.
وفي رواية
اخرى : «لما
حُضر النبي(صلى
الله عليه
وآله) ... وفي
البيت رجال
فيهم عمر بن
الخطاب ، قال :
هلمّ اكتب لكم
كتاباً لن
تضلّوا بعده
قال عمر : إنّ
النبي(صلى
الله عليه
وآله) غلبه
الوجع ،
وعندكم
القرآن ،
فحسبنا كتاب
اللّه ،
واختلف اهل
البيت
واختصموا ،
فمنهم من يقول
: قرّبوا يكتب
لكم رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) كتاباً
لن تضلوا بعده
، ومنهم من
يقول ما قال
عمر ، فلما
اكثروا اللغط
والاختلاف
عند النبي(صلى
الله عليه
وآله) قال :
قوموا عني»([9]).
وقد كان عصر
الخليفة
الاول
مزدحماً
بالاحداث
التي حاولت
تغيير نتائج
عصر الرسالة
وسنة زعيمها
رسول اللّه
محمد(صلى الله
عليه وآله) ;
فقد أُنكر حق
وصي رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) علي بن
ابي طالب(عليه
السلام)
بالخلافة
الشرعية ،
ومُنعت فاطمة
الزهراء(عليها
السلام)من
حقها في
مِنحتها من
أبيها فدك ،
وصممت السيرة
النبوية
الشريفة بشكل
يناسب التوجه
الجديد ; فقد
روى الذهبي : «
أن أبا بكر جمع
الناس بعد
وفاة نبيهم
فقال : إنكم
تحدّثون عن
رسول اللّه(صلى
الله عليه
وآله) احاديث
تختلفون فيها
، والناس
بعدكم أشدّ
اختلافاً ،
فلا تحدّثوا
عن رسول اللّه
شيئاً ، فمن
سألكم فقولوا :
بيننا وبينكم
كتاب اللّه
فاستحلّوا
حلاله
وحرّموا
حرامه»([10])
. وهو رأي صحيح
بطبيعته ،
إلاّ أن كتاب
اللّه يتناول
الخطوط
العامة
للتشريع
ويترك
التفاصيل
للسنة
الشريفة ;
ولكننا نعلم
أن هذا التوجه
لم يكن هدفه
حفظ السنة من
الاختلاط
بكتاب اللّه ،
بقدر ما كان
يراد منه
اخفاء بعض
الحقائق
المتعلقة
بالسلطة
السياسية
الشرعية في
الاسلام ،
وموقع ائمة
اهل بيت
النبوة(عليهم
السلام) منها .
حتى إن تلك
القوى منعت (فدك)
عن فاطمة
الزهراء(عليها
السلام) بعد
عشرة ايام فقط
من وفاة رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله)([11])
، بدعوى أن
الانبياء لا
يورثون ; ولكن
في واقع الحال
كانت تلك
القوى تخشى أن
تترجم القوة
المالية إلى
قوة سياسية ،
بحيث تستطيع
أن تصحح ما
اريد افساده .
وفي ذلك
روايات منها :
1 ـ « إن فاطمة(عليها
السلام) قالت
لابي بكر :
اعطني فدك فقد
جعلها رسول
اللّه لي ،
فسألها
البينة فجاءت
بأم أيمن
ورباح مولى
النبي فشهدا
لها بذلك ،
فقال : إن هذا
الامر لا تجوز
فيه إلاّ
شهادة رجل
وامرأتين([12])
. وفي رواية
اخرى : شهد لها
علي بن ابي
طالب فسألها
شاهداً آخر
فشهدت لها أم
أيمن »([13])
.
2 ـ وفي سنن
الترمذي عن
ابي هريرة : « إن
فاطمة جاءت
إلى ابي بكر
وعمر تسأل
ميراثها من
رسول اللّه(صلى
الله عليه
وآله) فقالا :
سمعنا رسول
اللّه يقول :
إني لا أورّث .
قالت : واللّه
لا أكلّمكما
ابداً ، فماتت
ولا تكلّمهما
»([14])
.
3 ـ « إن ابا
بكر عندما منع
فاطمة من ارث
ابيها ، قالت
أم المؤمنين
عائشة :
واختلفوا في
ميراثه فما
وجدوا عند احد
من ذلك علماً ،
فقال ابو بكر :
سمعت رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) يقول :
إنا معشر
الانبياء لا
نورث ، ما
تركنا صدقة »([15])
. قال ابن ابي
الحديد :
المشهور أنه
لم يروِ حديث
انتفاء الارث
إلاّ ابو بكر
وحده([16])
.([17])
لما بلغ
فاطمة اجماع
ابي بكر على
منعها فدك
لاثت خمارها
على رأسها ،
واشتملت
جلبابها ،
واقبلت في
لمّة من نساء
قومها ما تخرم*
من مشية رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) شيئاً ،
حتى دخلت على
ابي بكر وهو في
حشد من
المهاجرين
والانصار ،
فأنّت أنّة
أجهش لها
القوم
بالبكاء ،
فلما سكن
نشيجهم
افتتحت
كلامها بحمد
اللّه عزّ
وجلّ والثناء
عليه ،
والصلاة على
رسول اللّه(صلى
الله عليه
وآله) ثم قالت
وقد أُسبل
بينها وبينهم
ستر : « ... أنا
فاطمة وأبي
محمد . أقولها
عوداً على بدء
: (لقد جاءكم
رسولٌ من
انفُسِكم
عزيزٌ عليهِ
ما عنِتّم
حريصٌ عليكم
بالمؤمنينَ
رئوف رحيمٌ)فإن
تعرفوه تجدوه
أبي دون
آبائكم ، واخا
ابن عمي دون
رجالكم ... » ثم
استرسلت في
خطبتها إلى
قولها : « وأنتم
الان تزعمون
أن لا ارث لنا (أفحكمَ
الجاهليةِ
يبغونَ ومَن
أحسنُ من
اللّهِ حكماً
لقوم
يُوقنونَ) ...
يابن ابي
قحافة ، أترثُ
اباك ولا ارثُ
أبي ؟! لقد جئت
شيئاً فريّاً
، فدونكها
مخطومة
مرحولة تلقاك
يوم حشرك ،
فنعم الحكم
اللّه
والزعيم محمد
والموعد
القيامة وعند
الساعة يخسر
المبطلون ...
افعلى عمد
تركتم كتاب
اللّه
ونبذتموه
وراء ظهوركم ؟
إذ يقول اللّه
تبارك وتعالى :
(وورِثَ
سليمانُ
داودَ)([18])
، وقال اللّه
عزّ وجلّ فيما
قصّ من خبر
يحيى بن زكريا
: (فهَبْ لي مِن
لدُنكَ ولياً *
يرِثُني
ويرِثُ من آلِ
يَعقوبَ)([19])
، وقال عزّ
ذكره : (وأولو
الارحامِ
بعضُهم أولى
ببعض في كتابِ
اللّه)([20])
، وقال : (يُوصيكم
اللّهُ في
اولادِكم
للذكرِ مثلُ
حظِّ
الاُنثَيينِ)([21])
، وقال : (إنْ
تركَ خيراً
الوصيةُ
للوالدينِ
والاقربينَ
بالمعروفِ
حقاً على
المتقينَ)([22])
. وزعمتم أن لا
حق ولا ارث لي
من ابي ولا رحم
بيننا ;
أفخصّكم
اللّه بآية
اخرج نبيه(صلى
الله عليه
وآله)منها ؟!
أم تقولون :
أهل ملتين لا
يتوارثون ؟!
أولست انا
وابي من اهل
ملّة واحدة ؟!
لعلكم اعلم
بخصوص القرآن
وعمومه من
النبي(صلى
الله عليه
وآله)»([23])
.
ولعل
الوثيقة
الاخيرة
تعتبر من اخطر
الوثائق
واقوى الادلة
على انكشاف
ملامح الصراع
السياسي بعد
وفاة رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) ; إلاّ أن
حرص اهل بيت
النبوة على
حقن دماء
المسلمين ،
وحرص السلطة
الجديدة على
استثمار ذلك
لصالحها هو
الذي ادى إلى
تقوية نفوذ
تلك القوى ،
إلى حد أن
الخليفة
الثاني أمر
بحبس ثلاثة من
الصحابة : ابن
مسعود ، وأبي
الدرداء ،
وأبي مسعود
الانصاري ،
بتهمة أنهم
أكثروا
الحديث عن
رسول اللّه([24]) ; وهي
تهمة ادت
دورها في كبت
انفاس بعض
الصحابة
الذين كانوا
على علم
بحقيقة
الولاية
الشرعية في
الاسلام . وفي
عهد الخليفة
الثالث تطور
نفوذ بني أمية
، بحيث إن
عثمان بن عفان
قال على
المنبر : «لا
يحلُّ لاحد أن
يروي حديثاً
لم يسمع به في
عهد ابي بكر
ولا في عهد عمر»([25]);
وبذلك قطع
الطريق ـ بقوة
السيف ـ على
الاحاديث
النبوية
الخاصة
بالولاية
الشرعية ; حتى
إن ابا ذر ـ
وهو من خيرة
صحابة رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) ـ نفي من
بلد إلى بلد
لمخالفته
التوجه
الجديد
للسلطة ، إلى
أن لقي حتفه
وحيداً
فريداً في
الربذة عام 31
للهجرة .
وفي عهد
معاوية بن ابي
سفيان سيطرت
القوى
المعادية لخط
الولاية على
النظام
السياسي
والاجتماعي
سيطرة تامة ،
وانتقل
الصراع إلى
مرحلة خطيرة
كان يُشتم
فيها امير
المؤمنين علي
بن ابي طالب(عليه
السلام) من على
المنابر([26])
; فقد روى
المدائني في
كتاب الاحداث
قال : كتب
معاوية نسخة
واحدة ] اي نسخ
متماثلة [إلى
عماله بعد عام
المجاعة : أن
برئت الذمة
ممن روى شيئاً
من فضل ابي
تراب واهل
بيته ; وكان
اشد البلاء
حينئذ على اهل
الكوفة .
وفي هذا
السبيل قتل
حُجر بن عدي
واصحابه
صبراً ، وقتل
وصلب رشيد
الهجري وميثم
التمار . وقد
استمدّ
معاوية بن أبي
سفيان لتدعيم
مواقفه
السياسية
والاجتماعية
من بعض بقايا
الصحابة ممن
كان في دينه
رقّة وفي نفسه
ضعف ، من امثال
: عمرو بن
العاص ، وسمرة
بن جندب ، وأبي
هريرة ،
فاستجابوا له
ووضعوا له من
الحديث ما
ساعده على
تنفيذ اهدافه
المعلنة في
محاربة خط
الولاية
الشرعية ، ثم
نسبوه زوراً
إلى رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) .
وكل ذلك كان
هدفه صرف
الناس عن
اتّباع دين
العدالة
الالهية
بشكله المرسل
من السماء ،
ومنع نشر
اهداف حملة
ذلك الدين
الالهي
السامية
كأمير
المؤمنين(عليه
السلام) وبقية
ائمة اهل بيت
النبوة(عليهم
السلام) ;
ولذلك فان
الامة كان
لابد لها من
هزة عنيفة حتى
تستيقظ من
غفوتها ،
وتلتفت إلى ما
آل اليه امرها
; فكانت واقعة
الطف أولى خطى
التغيير
الاجتماعي
المنشود
للجاهلية
الاموية
الجديدة ،
وأول خطوة نحو
تجريد الهالة
المقدسة
للخلافة
المزعومة ،
وما تمثله من
سلطة دنيوية
بعيدة عن روح
الدين .
التغيير
الاجتماعي
بعد واقعة
الطف
إن الذييهمنا على هذا
الصعيد من
دراستنا حول
التغيير
الاجتماعي
بعد واقعة
الطف ، أن موقف
الامام
الحسين(عليه
السلام) كان
يستهدف تغيير
شكل النظام
الاجتماعي ،
وما يتبع ذلك
التغيير من
تبديل في
التركيبة
السياسية ،
والثقافة
الاجتماعية ،
والسلوك
الاجتماعي
للافراد .
فعلى صعيد
التركيبة
السياسية
استقطبت
واقعة الطف
وما تلاها من
احداث جسيمة ،
جماهير واسعة
من محبي اهل
البيت(عليهم
السلام) ،
فظهرت الامة
الشيعية حركة
منظمة محورها
الاطاحة
بالتركيبة
السياسية
الاموية
واقامة حكم
اللّه على
الارض، على
المدى القصير
على الاقل .
وهذا الوضع
الاجتماعي
المتغير
يصوّره
المسعودي
فيقول : « وفي
سنة خمس وستين
تحركت الشيعة
بالكوفة،
وتلاقوا
بالتلاوم
والتنادم حين
قتل الحسين
فلم يغيثوه ،
ورأوا أنهم قد
اخطأوا خطأً
كبيراً بدعاء
الحسين اياهم
ولم يجيبوه ،
ولمقتله إلى
جانبهم فلم
ينصروه،
ورأوا أنهم لا
يغسل عنهم ذلك
الجرم إلاّ
قتل من قتله أو
القتل فيه »([27]) .
إلاّ أن
حركات
التوابين ،
والمختار
الثقفي ،
وثورة زيد بن
علي ، وابنه
يحيى، وثورة
عبداللّه بن
معاوية بن
جعفر بن ابي
طالب ،
والتفاف
العباسيين
بعباءة اهل
البيت(عليهم
السلام) ، كلها
أدت دوراً
مؤقتاً مهماً
في اسقاط حكم
بني أمية . أما
التأثير
الواقعي
الحقيقي
لواقعة الطف
فهو تغيير
التركيبة
السياسية
الظالمة في
العالم إلى
أمد بعيد يمتد
إلى يوم
القيامة ،
وفناء العالم
الارضي ووقوف
الناس امام رب
العالمين ; لان
كل ظلم
اجتماعي
وسياسي اصبح
يتلبس بصورة
الخليفة
الاموي
الظالم ، وكل
مجموعة
تستهدف
الاطاحة
بالظلم
الاجتماعي
تتلبس بلباس
الحسين(عليه
السلام) ، أو
تقتدي بهدي
ائمة اهل
البيت(عليهم
السلام) .
وعلى صعيد
الثقافة
الاجتماعية
غيّرت معركة
الطف موازين
الامة
الفكرية ،
وقلبت
مفاهيمها حول
العدالة
والظلم ،
والحياة
والموت ،
والحق
والباطل ،
وقوة الارادة
وضعفها ; بل
إنها خلقت
أدباً جديداً
سُمي فيما بعد
بأدب الطف ;
وهو لون من
الوان الشعر
والادب
المحكي
والمكتوب
الذي يصور
مأساة الطف
تصويراً
عاطفياً
قصصياً
مؤثراً ; وهذا
الادب المحكي
المنظّم
زمنياً
ومكانياً
ساهم في بناء
الامة
الاسلامية
الشيعية مئات
السنين ،
وجعلها
ملتصقة بمنبع
الوحي الالهي
زمن البعثة ،
خصوصاً أن
الحسين(عليه
السلام) كان من
احب احفاد
رسول اللّه(صلى
الله عليه
وآله)وأصدعهم
في مواجهة ما
جرى من
محاولات
لتغيير
التوجه
الديني
للمجتمع
الاسلامي .
إلاّ أن
التأثير
الثقافي
الاعظم على
الامة
الاسلامية
بالعموم
والشيعية
بالخصوص هو
التغيير
الظاهر في
التركيبية
العقلية
للفرد المسلم ;
فقد اصبح
المؤمن بقضية
الحسين(عليه
السلام) فرداً
على درجة
عظيمة من
الفهم
الاجتماعي
للعدالة
السياسية
وامكانية
تحقيقها ،
واصبح قادراً
على العيش في
اقصى ظروف
الظلم
الاجتماعي
وهو محافظ على
عقيدته
الاسلامية
على خطى اهل
بيت النبوة(عليهم
السلام) ;
بمعنى أن
المعاناة
التي مر بها
سيد الشهداء(عليه
السلام) في
واقعة الطف ،
جعلت
للمؤمنين
بقضيته قدرة
فائقة على
تقبل
المعاناة
الجمعية من
اجل العقيدة
التي آمنوا
بها .
وعلى صعيد
السلوك
الاجتماعي
كانت الدموع
التي تسكب على
فاجعة الطف ،
وما زالت ،
تهذب عواطف
الافراد ،
وتجعل قلوبهم
اكثر رقّة
وحناناً ;
خصوصاً وهو
القائل(عليه
السلام) : « أنا
قتيل العبرة
لا يذكرني
مؤمن إلاّ
استعبر »([28])
. ولا شك أن هذا
المد العاطفي
يربط الفرد في
الاجيال
اللاحقة لجيل
الحسين(عليه
السلام)بمصدر
النبع الالهي
للرسالة
الاسلامية ;
بمعنى أن
استمرارية
حضور المأساة
في ذهن الفرد
المسلم ، تعكس
على مدى
الاجيال
المتعاقبة
استمرارية
حضور الاسلام
وضرورة
الجهاد من اجل
تطبيقه . حتى
إن الرموز
العبادية
كزيارة قبر
الامام
الحسين(عليه
السلام) ،
والسجود على
التربة
الحسينية
المختلِطة
بدماء سيد
الشهداء(عليه
السلام)،
ومراسيم
عاشوراء
والادعية
الملحقة
بالمأساة ،
كلها تصب في
اطار
الاستحضار
الذهني
للشهادة
والموت
والتضحية من
اجل العقيدة
السماوية .
وبكلمة أخرى :
إن واقعة الطف
غيّرت السلوك
الاجتماعي
للافراد ،
وهذّبته
تهذيباً لم
يسبق له مثيل،
بحيث إن نظام
الظلم
الاجتماعي في
كل مكان وزمان
بات مهدداً من
ظل تصميم
الحسين(عليه
السلام)
واصحابه نحو
الشهادة ،
وظلال
مأساوية
الواقعة
العظيمة التي
خاضوا غمارها
بكل صدق
وايمان .
الشعور
القومي
والتغيير
الاجتماعي
إن الشعورالقومي لبني
أمية لم يكن
لينطفئ بظهور
الاسلام ، لان
ذلك الشعور
كان المصدر
الرئيسي
لهويتهم
السياسية
الحقيقية ،
فقد كانت تلك
الطبقة
الحاكمة
ابتداءً من
أبي سفيان في
الجاهلية
ومروراً
بمعاوية إلى
يزيد ومن لحقه
منهم من
الخلفاء ،
يشارك بعضها
بعضاً بنفس
القيم
والولاءات
والاعتقادات
، فالمفهوم
القومي
والعشائري
لدى الامويين
كان من اهم
الروابط التي
ساعدت على
تماسكهم وهم
مجموعة قليلة
تسيطر على
الاكثرية غير
الاموية . وقد
كان المال
والثروة
وسيلتان من
وسائل
السيطرة
السياسية
للعشيرة
الاموية ; فقد
اعطى الخليفة
الثالث (الاموي
النسب
والهوية)
عثمان بن عفان
خمس غزوة
إفريقيا
الاولى إلى
عبداللّه بن
ابي سرح ابن
خالته وأخيه
من الرضاعة([29]) ;
واعطى خمس
العزوة
الثانية ابن
عمه وصهره
مروان بن
الحكم ثم
أقطعه فدك([30])
، وهي صدقة
النبي التي
طلبتها فاطمة
من ابي بكر ،
كما مر بنا ;
واقطع الحارث
بن الحكم ابن
عمه وصهره
أرضاً تسمى بـ
(مهروز) وهي
موضع سوق
المدينة ،
وكان رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) قد تصدق
بها على
المسلمين([31]) ;
واعطى عمه
الحكم صدقات
قضاعة ، وكانت
صدقات سوق
المسلمين
يدفعها عثمان
إلى عمه الحكم
ايضاً([32])
. أما معاوية
فقد اصطفى كل
صفراء وبيضاء
، وأمر أن لا
يقسم بين
المسلمين من
الغنائم ذهب
ولا فضة([33])
. وبعد استيلاء
معاوية على
فدك اعاد
توزيعها على
بني أمية ،
فأقطع مروان
بن الحكم
ثلثها ، وأقطع
عمرو بن عثمان
بن عفان ثلثها
الثاني ،
وأقطع يزيد بن
معاوية ثلثها
الاخير ، فلم
يزالوا
يتداولونها
حتى خلصت كلها
لمروان([34]) .
وهذا
التصرف
المالي بحقوق
المسلمين ،
وحصر تلك
الثروة
العظيمة ضمن
الدائرة
الاموية ، قلب
الموازنات
السياسية
لصالح الطبقة
الحاكمة ،
وجعلها اكثر
تماسكاً ضد
الاكثرية
المسلمة
المغلوب على
امرها ; وبسبب
هذا الظلم
الاجتماعي
استطاعت تلك
العشيرة أن
تضمن الحكم
السياسي
البعيد عن روح
الشريعة مدة
قرن كامل من
الزمان .
ولا شك أن
الحبل
السياسي
الممتد من ابي
سفيان حتى
يزيد بن
معاوية كان
اقرب إلى
الجاهلية منه
إلى الاسلام ،
وقد عكس تصرف
يزيد بن
معاوية عند
دخول سبايا
اهل البيت(عليهم
السلام) إلى
قصره قسراً ،
وتمثله
بابيات ابن
الزبعرى:
ليت أشياخي
ببدر شهـدوا
جـزع الخزرج
من وقع الاسلْ
لاهلّوا
واستهلّوا
فرحـاً
ثم قالـوا يا
يزيد لا تشلْ
قد قتلنا
القَرم من
ساداتهم
وعدلناه ببدر
فاعتدلْ
لعبتْ هاشم
بالمُلك فلا
خبر جاء ولا
وحي نزلْ
لستُ من
خندفَ إن لم
انتقم من
بني أحمدَ ما
كان فعلْ([35])
فهذا
الموقف
الاموي يمثل
تمثيلاً
واضحاً الدور
القومي في
الحكم ; فلم
يكن الدين
ورسالته
السماوية
العظيمة محور
ادارة دولة
المسلمين في
ذاك الوقت ، بل
كان ـ حسب
تعبير يزيد بن
معاوية ـ مجرد
لعبة سياسية
دارت بين
فئتين
سياسيتين هما
بنو هاشم وبنو
أمية ; وكأن
الصراع
الاجتماعي
كان صراعاً
سياسياً على
استلام
السلطة بين
رسول اللّه
محمد(صلى الله
عليه وآله)
وأبي سفيان .
ولا شك أن هذا
التفكير
المنحرف كانت
له حيثياته
الاجتماعية ;
فالطبقة
الاموية
حافظت على
كيانها
السياسي
الداخلي على
رغم قوة
العقيدة
الاسلامية في
نفوس الافراد
زمن رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) وما بعده
، لان هذه
الطبقة
الحاكمة كانت
لها مشتركات
ثابتة في
التاريخ ،
واللغة ،
والعقيدة ;
فأبو سفيان
دخل الاسلام
كُرهاً([36])
، ولم ينفك
يخطط لتخريب
روح الرسالة
ومضامينها
العظيمة في
العدالة
الاجتماعية ;
فقد سأل بعد
دخوله
الاسلام رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) أن يجعل
ابنه معاوية
كاتباً له([37])
، وهي اول
محاولة تسلل
من قبل هذه
الطبقة
المهزومة بعد
نفوذ للرجوع
تدريجياً إلى
السلطة بعد
وفاة رسول
اللّه(صلى
الله عليه
وآله) ، وقد تم
لها ذلك ، إذ
تشير المصادر
التاريخية أن
معاوية « لما
قدم من الشام ،
وكان عمر قد
استعمله
عليها ، دخل
على أمه هند
فقالت له : يا
بني ، إنه قلما
ولدت حرةٌ
مثلك ، وقد
استعملك هذا
الرجل فاعمل
بما وافقَه
أحببتَ ذلك أم
كرهتَه ; ثم
دخل على ابيه
ابي سفيان
فقال له : يا
بني ، إن هؤلاء
الرهط من
المهاجرين
سبقونا
وتأخرنا عنهم
، فرفعهم
سبقُهم
وقصّرنا
فأُخّرنا
فصرنا
أتباعاً
وصاروا قادة ،
وقد قلدوك
جسيماً من
أمرهم فلا
تخالفن أمرهم
، فإنك تجري
إلى أمد لم
تبلغه ولو قد
بلغته
لتنفستَ فيه .
قال معاوية :
فتعجبتُ من
اتفاقهما في
المعنى ، على
اختلافهما في
اللفظ »([38])
. و «لما قدم
رجال الكوفة
على عمر بن
الخطاب يشكون
سعد بن ابي
وقاص قال : من
يعذرني من اهل
الكوفة ، إن
وليتهم التقي
ضعّفوه ، وإن
وليتهم القوي
فجّروه ; فقال
له المغيرة :
يا أمير
المؤمنين ، إن
التقي الضعيف
له تقواه
وعليك ضعفه ،
والقوي
الفاجر لك
قوته وعليه
فجوره ; قال :
صدقت ، فأنت
القوي الفاجر
فاخرج اليهم ;
فلم يزل عليهم
ايام عمر
وصدراً من
ايام عثمان
وايام معاوية
حتى مات
المغيرة »([39])
.
وهذا
المعنى يعكس
بعد قرون
عديدة تطابق
شعور افراد
النادي (البويهمي)
في
كاليفورنيا
في الولايات
المتحدة ، وهو
من نوادي
الطبقة
العليا
الحاكمة ، مع
مشاعر حكام
بني امية ; فقد
رفع النادي
شعاراً
يتبناه في كل
مناسبة ; وهذا
الشعار يعكس
تمسك القلة
القوية
بالسلطة
السياسية
ويقول : إن
الذين ينسجون
بيوت
العنكبوت ليس
لهم محلٌ في
هذا المكان([40]) .
ولا شك أن
هذا الشعور
القومي
الاموي احبط
كل شكل من
اشكال
التغيير
الاجتماعي
الديني
للاغلبية من
افراد الامة ،
لان هذا
الشعور كان
يلبي رغبات
تلك الطبقة
الحاكمة
القليلة
العدد ، التي
كانت تكبت
دائماً
الشعور
الديني لدى
الاغلبية
المسلمة .
([1])
المائدة : 47 .
([2])
الانعام : 57 .
([3])
النور : 51 .
([4])
النساء : 59 .
([5])
الحجرات : 14 .
([6])
مسند احمد 2 : 162 ،
وسنن ابي
داود 2 : 126 ، باب
كتابة العلم .
([7])
صحيح مسلم 5 : 57 ،
باب ترك
الوصية .
([8])
النجم : 3 ـ 4 .
([9])
البخاري 8 : 161،
كتاب
الاعتصام
بالكتاب
والسنة، باب
كراهية
الخلاف، ط.
دار الفكر.
([10])
الذهبي ،
تذكرة الحفاظ
1 : 2 ـ 3 ، ترجمة
ابي بكر .
([11])
ابن أبي
الحديد ، شرح
نهج البلاغة 4 : 97
.
([12])
ابن اعثم ،
فتوح البلدان
1: 34 ـ 35 .
([13])
المصدر
السابق .
([14])
سنن الترمذي 7 :
111 .
([15])
المتقي
الهندي ، كنز
العمال 14 : 130 .
([16])
ابن ابي
الحديد ، شرح
نهج البلاغة 4 : 82
.
(*)
ما تخرم: اي ما
تنقص مشيتها
عن مشيته(صلى
الله عليه
وآله) .
([18])
النمل : 16 .
([19])
مريم : 5 ـ 6 .
([20])
الانفال : 75 .
([21])
النساء : 11 .
([22])
البقرة : 180 .
([23])
راجع بلاغات
النساء، كلام
فاطمة بنت
رسول الله(صلى
الله عليه
وآله).
([24])
تذكرة الحفاظ
1 : 7 ، ترجمة عمر .
([25])
منتخب الكنز
بهامش مسند
احمد 4 : 64 .
([26])
تاريخ ابن
الاثير 3 : 64 .
([27])
مروج الذهب 3 : 100
ـ 101 .
([28])
كامل
الزيارات : 108 .
([29])
تاريخ الذهبي
2 : 79 ـ 80 .
([30])
تاريخ ابن
الاثير 3 : 35 ،
وتاريخ ابي
الفداء 11 : 232 .
([31])
ابن عبد ربه
الاندلسي،
العقد الفريد
4 : 283 .
([32])
انساب
الاشراف 5 : 128 .
([33])
طبقات ابن
سعد 5 : 289.
([34])
ابن أبي
الحديد ، شرح
نهج البلاغة 4 : 80
.
([35])
ابن طاوس ،
اللهوف : 102 .
([36])
سيرة ابن
هشام 4 : 44 .
([37])
شذرات الذهب 1 : 37
.
([38])
ابن عبد ربه،
العقد الفريد
1 : 22 .
([39])
ابن عبد ربه،
العقد الفريد
1 : 26 .
([40])
جيمس هنسلين
، قراءات في
علم الاجتماع
. نيويورك :
المطبعة
الحرة ، 1985م .