فهم النص - آراء غادامر و الهرمنیوطیقا الفلسفیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

آراء غادامر و الهرمنیوطیقا الفلسفیة - نسخه متنی

السید هاشم الهاشمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فهم النص

عرض ونقد

آراء غادامر والهرمنيوطيقا
الفلسفية

* السيد هاشم الهاشمي

ملاحظات وإشكالات :

ونذكر هنا بعض الملاحظات على آراء
غادامر والهرمنيوطيقاالفلسفية وتأثيراتها،
ونقصد بذلك أن بعض هذه الإشكالات والملاحظات
على نفس آراء غادامر ، وبعضها على ما يمكن أن
يترتب عليها من نتائج ، وما تستلزمه من لوازم
وآثار في مختلف المجالات ، وخاصة الدينية ،
كما حاول البعض الاستفادة منها لبعض الآراء
في الدين أو النص الديني كالقراءات المختلفة
للدين كما سنشير لذلك .

1 ـ الملاحظ أن نظرية غادامر ، التي
تذهب إلى عدم الاهتمام بقصد المؤلف ،
والاهتمام بقراءة المفسر وتأثير قبلياته ،
وتعدد المعنى حسب تعدد المفسرين ، وأن
التفسير الصحيح هو التفسير الذي يفرض فيه
المفسر أحكامه ومعلوماته المسبقة على النص ،
حتى وإن أمكنه التجرد عنها والوصول لقصد
المؤلف ، بمعنى أن التفسير الصحيح عندهم هو
التفسير بالرأي ، بل ربما يظهر منهم عدم إمكان
الوصول لقصد المؤلف وفهمه للتأثير الجبري
لهذه القبليات والأحكام والمعلومات المسبقة
، وعدم تمكن المفسر من التجرد عنها ، وصحة
جميع هذه القراءات .

لعل هذا الرأي متأثر بمذهب الشك ،
الذي يصرّح بعدم إمكان الوصول للحقيقة ،
وإنما نكشف الظواهر متأثرين بمقولات ذهنية ،
ولهذا المذهب جذوره التاريخية ، وحمل لواءه
في القرن الثامن عشر ديفد هيوم (1711 ـ 1776) يقول
هيوم : (لو امتددنا ببحثنا إلى ما وراء المظاهر
الحسية للأشياء ; فإن معظم النتائج التي نصل
إليها ستكون مليئة بالشك وعدم اليقين ،
والطبيعة الحقيقية لموضع الأجسام ستظل
مجهولة ، ولا نعرف غير آثارها المحسوسة) [1]
.

وكان لهيوم تأثيره في عمانوئيل
كانت (1724 ـ 1804) ، حيث صرح : (إننا لا نعرف
الأشياء كما هي في ذاتها ولكن فقط كما تظهر
لنا) وكانت يريد بهذا أن يقول : إننا لا نستطيع
بالحواس أن نعرف الأشياء كما هي في ذاتها ،
وليس في هذا إنكار لحقيقة موضوعات التجربة ،
فهي موجودة ، ولكننا لا نعرف منها غير الظواهر
التي تتبدّى عليها [2] .

وتأثر به أيضاً جون ستيورات مل (1806
ـ 1873) حيث قال : ليس لنا معرفة غير معرفة
الظواهر ، ومعرفتنا بالظواهر معرفة نسبية ،
وليست مطلقة ، ولسنا نعرف الماهية الباطنية
[3]
.

والملاحظ أن هذه الآراء لا تنكر
وجود الحقيقة الثابتة في ذاتها وراء هذه
الظواهر ، وإنما تنكر إمكان معرفتها ، ولكن
هناك من أنكر ثبات الحقيقة في ذاتها ، وأنها
متغيرة ، وفي حالة صيرورة . ولعل هذا الرأي
أكثر تأثيراً في نظرية هيدجر وغادامر ، كما
ذهب لذلك أنصار مذهب الجدلية والديالكتيكية ،
أمثال هيجل (1770 ـ 1831) حيث يرى أن الحقيقة في
صيرورة وتغير ، وليس ثم حقيقة مطلقة صادقة
صدقاً كليا في الزمان والمكان ، إلاّ إذا وصلت
الصيرورة إلى خاتمة مطافها ، وأنى لها أن تبلغ
ذلك أبداً [4] .

وهكذا نرى بأن هذه المذاهب الغربية
في الشك ونسبية الحقيقة أو الفهم ، أثرت في
وجود بعض الاتجاهات الحديثة في فهم النص
والتعددية الدينية والقراءات المختلفة
وأمثالها ، حيث يظهر من غادامر إنكاره لوجود
واقع نهائي معيّن مطلق النص . وإنما تتعدد
الحقيقة حسب تعدد القراءات والتفسيرات . ولا
أهمية لفهم المؤلف ، ولا يمثل الحقيقة وإنما
المهم فهم المفسر ، لذلك كتب بعض أنصارها عن (موت
المؤلف) .

ويلاحظ على هذا الرأي في فهم النص ،
الإشكالات التي وجهت لمذاهب الجدلية
والحقيقة النسبية والشك وأمثالها ، وقد ذكرها
علماء الغرب ، وبعض الباحثين من غيرهم .

وسنذكر في مقال (التعددية الدينية)(
[5]
) أنها لا تتلاءم والتصور
الإسلامي ، حيث أن هناك تعاليم ثابتة مطلقة من
أحكام وعقائد ، لا تتحدد بزمان . وهي الأحكام
القائمة على الفطرة الإنسانية الثابتة في
جميع البشر ، وهذه الأحكام وإن كانت اُموراً
اعتبارية ولكنها قائمة على حقائق واقعية وهي
المصالح والمفاسد الواقعية ، وإذا احتفظ
الموضوع بكل مقوّماته ; فلا يتغير حكمه وإنما
يتغير إذا تغير الموضوع ، ولكن البشر لعوامل
القصور فيه لا يمكنه إدراك الكثير من الحقائق
الواقعية ، وخاصة في الأحكام ، وإن أمكنه
إدراكها في غيرها ، وأما اللّه تعالى فهو خالق
الإنسان والكون فيعلم بها بعلمه المحيط ، مع
تجرّده عن عوامل القصور تعالى عن ذلك علوا
كبيرا ، وبيّنها للبشر من خلال نبيّه(صلى الله
عليه وآله) عبر نصوصه وتعليماته ، فيمكن
التعرف على الحقائق الواقعية بمدد اللّه
تعالى ، لذلك عبّر القرآن الكريم عن الإسلام
أنه (دين الحق) إشارة إلى أنه يعبر عن حقائق
الأشياء والأحكام الواقعية.

ثم أن القول بتعدد الحقيقة بتعدد
التفسيرات وأنها جميعا على حق ، مع ما فيها من
تناقضات وخاصة مع اعتمادها على الظنون
والأهواء ، واشتمالها على الباطل والضلال ،
مما لا يمكن القول بأنها جميعا على حق.

إذن فهذه المذاهب في الشك وتغير
الحقيقة لعلها من عوامل وجود أمثال هذه
التيارات في التعددية الدينية وفي فهم النص
وأمثالها .

2 ـ إذا كانت جميع القراءات
والتفسيرات والآراء نسبية ، متغيرة متأثرة
بقبليات المفسر وأحكامه ورغباته وقناعاته
المسبقة ، وليست عندنا حقيقة مطلقة ثابتة ،
فمن هذه الآراء والتفسيرات هذه النظرية في
فهم النص نفسها كآراء هيدجر وغادامر ، فيمكن
لنا أن نقول : إن آراءهم حول حقيقة الفهم
متأثرة بقبلياتهم وأحكامهم المسبقة الخاصة
بهم ، ولا تملك قيمة مطلقة ولا يمكن طرحها
كنظرية نهائية جازمة حول الفهم ، فلماذا
طرحها أصحابها كنظرية مطلقة ، فإذا اعتقدوا
بأنها تمثّل الحق وأنها ثابتة ، فهذا يلزم منه
إمكان وجود قراءات وآراء مطلقة غير متغيرة ،
أما إذا لم يكن كل رأي وتفسير مطلقاً ، فهذا
الرأي كذلك ؟

فلماذا تطرح كنظرية مطلقة مقدسة ،
ولماذا التهجم على سائر النظريات والآراء
وإنها باطلة ؟

3 ـ على ضوء هذه النظرية تكون جميع
التفسيرات صحيحة ، ولا يوجد معيار لتقويم
الصحيح والخاطئ منها ، بل لا مبرر لنقد هذه
التفسيرات وتقويمها ، فإنه لا يوجد تفسير
نهائي صحيح على أساسه تقوّم صحة سائر
التفسيرات أو خطأها ، أو تناقش ، لأنها كلها
خاضعة وربما جبر بالقبليات المفسر فلا مبرر
لأي نقد وتقويم للتفسيرات في مختلف مجالات
العلوم الإنسانية والتاريخية ، ومنها النصوص
الدينية ، لأن هذا الرأي حول حقيقة الفهم يؤدي
لتبرير جميع التفسيرات المتعددة للنص الواحد
، حيث تكون له تفسيرات غير متناهية ، ولا يوجد
فهم نهائي ثابت لها ، ومثل هذه النسبية غير
المحدودة التي لا تملك معياراً للتقويم
والنقد تؤدي بطبيعتها لانحطاط قيمة الفهم
والمعرفة الإنسانية ، مع اعتقادها بمشروعية
كل فهم وصحته .

ويشير غادامر في بعض كتاباته ، أن
بعض الأحكام المسبقة مولده للفهم ، وبعضها
تؤدي لسوء الفهم ، دون أن يطرح معياراً
للتمييز بين هذين النوعين من الأحكام المسبقة
، حتى يمكن من خلاله التخلص من تأثير تلك
الأحكام المسبقة التي تؤدي لسوء الفهم .

4 ـ إن علماء المسلمين يؤمنون في
مجال تفسير النصوص ، أن الرأي الصحيح في
النصوص الدينية الوصول لقصد الشارع المقدس
ومراده ، لذلك يؤمنون (بمحورية المؤلف) في
مجال تفسير النصوص الدينية لا (بمحورية
المفسر) كما يذهب إليه غادامر ، وسنذكر ذلك
بصورة أوضح، ولذلك يبحث العلماء عن تعاليم
الشارع المقدس ، وما يريده من نصوصه ، ويبحثون
عن القرائن الحالية والمقالية التي ترشدهم
إليه متبعين مختلف القواعد والأساليب
العقلائية والشرعية الخاصة والعامة التي
توصلهم إلى المراد الجدي الذي يقصده الشارع
المقدس ، لأن تلك المعاني والتعاليم هي التي
يقصدها الشارع من نصوصه من أجل هداية البشر
وسعادتهم في الدارين ، وهو يتوقف على الفهم
الصحيح لقصد الشارع من نصوصه ، لذلك يلزم تجنب
التفسير بالرأي وقبليات المفسر ، كما أكد
عليه أئمة الدين(عليهم السلام) ، فلا يقاس
النص الديني بالنصوص الاُخرى وخاصة الأدبية ،
التي يمكن أن تطبق عليها الهرمنيوطيقا
الفلسفية ، أو نظريات النقد الأدبي ، التي
تتحدث عن موت المؤلف ، وعدم الاهتمام بقصده ،
وإن كل تفسير هو الحق ، ولابد أن يتأثر المفسر
بأهوائه وظنونه . وإن التفسير الصحيح عندها هو
التفسير بالرأي الذي يتأثر فيه المفسر
بنوازعه وأحكامه المسبّقة على تقدير إمكان
تجرّده عنها .

5 ـ إن الهرمنيوطيقا الفلسفية تؤكد
كثيراً على قبليات المفسّر وخلفياته من
المعلومات والأحكام والقناعات المسبقة
للمفسر حيث أنها تشكل وعيه الفكري ، المتفاعل
مع النص ، وإن وجودها شرط لازم لفهمه، بل ربما
لا يمكن التجرد عنها ، لأن المفسر يعيش محيطاً
تتحكم فيه هذه القبليات ، فإذا كان التفسير
بالرأي مذموما حسب المنطق الإسلامي ; فإنه
مطلوب بل لازم ، بل جبري في هذه النظرية .

ولكن نحن لا ننكر احتياج المفسر في
فهم النص وتفسيره إلى معلومات مسبقة ، ولكن
هذه المعلومات إنما تؤثر في استخراج المعنى
أو مراد المؤلف أو الشارع المقدس الاستعمالي
أو الجدي من النص وفهمه ، لا أنها تغير في معنى
النص ومحتواه ، بحيث تعطيه المعنى ليتشكل حسب
قبليات المفسر ومعلوماته المسبقة ، وتحجبه عن
الوصول لمراد المؤلف أو الشارع المقدس .

وتوضيح ذلك : إن المعلومات التي
تؤثر في فهم النص على أقسام :

أ ـ المعلومات التي يتوقف عليها
استخراج المعنى من النص ، أو فهم قصد الشارع
المقدس ومراده من نصه ، سواء المراد
الاستعمالي أو الجدي ، دون أن تفرض معنى على
النص حسب قبليات المفسر ومعلوماته ، فهي مثل
وسائل إخراج الماء من البئر ، تؤثر في إخراجه
، دون أن تصنع الماء أو تغيره ، وهذه
المعلومات أمثال معرفة اللغة وقواعدها ، مما
يتوقف عليها معرفة المراد الاستعمالي من النص
، وكذلك القواعد والأساليب التي تؤدي لمعرفة
المراد الجدي حيث يحتاج لقواعد اُخرى ، أما
عامة عند جميع العقلاء ، أو خاصة ببعض
المتكلمين ، كالشارع المقدس ، الذي بين أنه قد
يستخدم بعض الأساليب كذكر العام قبل الخاص ،
أو استعمال التقية أو التدرج أو الناسخ
والمنسوخ وأمثالها ممّا ذكرها علماؤنا وخاصة
في اُصول الفقه حيث أن بعض الأفراد كزعماء
الاُمم والمبادئ قد يستعملون أساليب خاصة في
الكلام ربما اختلفت عن أساليب غيرهم ، حتى أن
العقلاء ينظرون لكلامهم وفهمه بأساليب خاصة ،
وقد ذكرت أكثر هذه القواعد والأساليب
العقلائية العامة والخاصة في الفقه والاصول ،
وهي أساليب وقواعد يعتمدها العقلاء في فهم
المراد الاستعمالي والجدي ، ولكنها تساعد
المفسر على استخراج المعنى من النص ، دون أن
تفرض مضموناً معيّنا عليه ، ولكن بدون
معرفتها لا يمكن استخراج المعنى من النص
وفهمه .

والملاحظ أن للفظ ثلاث دلالات :

الدلالة التصورية : دلالة اللفظ
على ذات المعنى ، سواء قصد المتكلم تفهيمه
للآخرين أم لا ، لذلك يدل اللفظ على معناه حتى
لو صدر من النائم أو الحجر ، مع عدم وجود القصد
.

الدلالة الاستعمالية أو التفهيمية
: أي دلالة اللفظ على المعنى المقصود للمتكلم
، بأن قصد المتكلم تفهيمه للآخرين ، سواء
أراده جداً أم لا ، كاللفظ الصادر من الهازل ،
حيث يقصد تفهيمه ولكنه لا يريد المعنى جداً بل
هزلاً .

الدلالة الجدية : بأن يدل اللفظ على
المعنى المراد للمتكلم جداً أو واقعاً، لا من
باب الهزل وأمثاله ، من دواعي عدم الإرادة
الجدية للمعنى .

ومرحلة الإرادة الجدية هي محور
الأحكام الشرعية ، والمراد غالبا من النصوص
الشرعية ، وربما كان المراد الجدي هو المعنى
الحقيقي للفظ ، وربما كان مجازياً أو كنائياً
، وغيرها من الأساليب البلاغية والعرفية .

وفي المرحلتين الاُولى والثانية ،
لا تحتاج في فهمها من النص إلاّ لمعرفة اللغة
وقواعدها ، بل يشترط تجريد الذهن من القبليات
العقائدية أو القرائن العقلية ، ليفهم المعنى
الظاهر من الكلام ، حسب التعهدات العقلائية ،
وإن كل متكلم متعهد بأنه يريد من اللفظ المعنى
الظاهر منه .

وأما المرحلة الثالثة : ففي اكتشاف
إرادة المعنى جداً ، أو عدم إرادته ، ثم تحديد
المراد الجدي للشارع المقدس ، يأتي دور
الأساليب والقواعد العقلائية ، العامة لكل
متكلم ، أو الخاصة للشارع المقدس وأمثاله من
المتكلمين من قادة الملل والنحل حيث ربما
اختصوا بأساليب كلامية معيّنة .

والقاعدة العامة فيها ، الاعتماد
على أصل عقلائي في باب الألفاظ ، وهو أصل
التطابق بين المراد الاستعمالي والجدي ، وأن
المعنى الظاهر بالدلالة الاستعمالية هو
المراد بالإرادة الجدية ، وإلاّ لو لم يكن
يريده لنصب قرينة على ذلك ، نعم لو وجدت قرينة
قطعية على إرادة خلاف المعنى الظاهر من اللفظ
، فلا يؤخد بظاهره .

ولذلك بحث العلماء وخاصة في الفقه
والاُصول عن أمثال هذه الأساليب والقواعد
والقرائن ، الدالة على الإرادة الجدية للمعنى
الظاهر أو عدم إرادتها ، أمثال : استعمال
الأساليب البلاغية من المجاز والكناية لما
ذكرناه ، أنها من عناصر الاعجاز أو الكلام
العربي الفصيح وكذلك استعمال التقية
والاعتماد على القرينة المتصلة أو المنفصلة ،
وحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد ،
ومعرفة ظروف النص ، وآراء المذاهب الاُخرى
المعاصرة لصدور النص من المعصوم ، لتأثيرها
في فهمه ، وملاحظة ضروريات الشارع وقطعياته
ومسلماته وتجانس النص معها، فإنه ربما كان
المعنى الظاهر يخالفها ، فهذه المخالفة تعتبر
قرينة قطعية على عدم إرادة المعنى الظاهر ،
وضرورة حمله على معنى آخر يتلاءم معها ، كما
ذكر حول بعض الآيات الدالة على جسمية اللّه ،
مثل اللّه (على العرش استوى) ،
حيث أن من الضروريات عدم جسميته تعالى ،
وغيرها الكثير من القواعد والأساليب التي
ذكرها علماؤنا في مختلف البحوث ، مستفيدين في
ذلك من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة
والأساليب العقلائية العامة والخاصة ،
وتجارب الآخرين في بحوثهم .

ب ـ المعلومات التي تبعث المفسر
على طرح الأسئلة على النص ليبحث عن الإجابة
عليها فيه ، ولكنها لا تفرض معنى وجوابا على
النص ، وذلك لأن كل نص يعبر عن بعض المعاني
والمفاهيم التي تمثل محتوياته الظاهرة
المباشرة ، ولكن من خلال طرح بعض الأسئلة على
النص من الممكن أن تظهر العلاقة بين محتوياته
وموضوعات اُخرى ، أي يعلم منه الجواب عن تلك
الأسئلة المناسبة للنص ، وأما نوعية الأسئلة
وكميتها فتخضع لوعي المفسر واُفقه الفكري ،
ولكن مهمة الأسئلة إعداد المفسر لاستنباط
المضمون من النص ، دون أن يكون لها تأثيرها في
تحديد محتواه، ومعناه فلا يفرض السؤال معنى
معينا على النص لم يكن يملكه، وإنما مهمته
استخراج معنى كان النص يملكه قبل طرح السؤال
عليه .

جـ ـ المعلومات اليقينية التي لها
تأثيرها في فهم النص ، وقد ذكرنا : أن الدلالة
اللفظية للنص ويعبر عنها (ظهور الكلام) خاضعة
لألفاظ النص والدلالة اللفظية للكلام ، ولكن (المراد
الجدي) والنهائي للنص ، ربما اختلف عن مدلوله
اللفظي الظاهر ، وربما كانت هناك بعض القرائن
تساعدنا على فهم المراد الجدي بما يخالف
ظهوره ، وربما قامت بعض المعلومات اليقينية
المسبقة بدور هذه القرائن في الكشف عن المراد
الجدي للمتكلم .

فهناك بعض النصوص التي لها ظهور
مباشر في بعض المعاني ، ولكن بسبب عدم ملائمة
هذا الظهور لبعض القضايا والمعلومات
اليقينية أو المسلمة العقلية أو الدينية ،
فلا يمكن أن يكون هذا المعنى الظاهر هو المراد
الجدي للمتكلم ، لذلك لابد أن نفسر المراد
الجدي للكلام بما يلائم تلك المعلومات
اليقينية وترك الظهور اللفظي ، ومثال ذلك : إن
المفسر نتيجة للأدلة العقلية اليقينية يقطع
بنفي الجسمية عن اللّه تعالى ، ولكن الآية
الشريفة (يد اللّه فوق أيديهم)
تدل بظهورها اللفظي على إثبات اليد له تعالى ،
ولذلك فإن المفسر اعتماداً على ذلك المبدأ
اليقيني الذي يتقبله المتكلم والقارئ ، يتوصل
إلى عدم كون المعنى الظاهر هو المراد الجدي
للّه تعالى ، ولذلك يفسر (اليد)
بأنها استعارة عن قدرة اللّه أو مدده ، وأنه
هو المراد الجدي .

ويلزم التأكيد على هذه الحقيقة بأن
المعلومات اليقينية هي التي يمكن أن تكون
قرائن على فهم المراد الجدي وعدم الأخذ
بالظهور اللفظي ، وأما المعلومات الظنية أو
الاحتمالية غير المعتبرة ، لا يجوز اعتمادها
في نفي الظهور اللفظي .

د ـ المعلومات الظنية غير اليقينية
، والتي تؤثر في فرض معنى على النص ، ولها
تأثيرها في المفسر بصورة شعورية أو لا شعورية
في تعيين الظهور اللفظي للنص أو في مراده
الجدي ، ومثل هذا التأثير غير مشروع ، وما
يصطلح عليه (بالتفسير بالرأي) مما يرتبط بمثل
هذه المعلومات وتأثيرها ، والملاحظ أن تفسير
النصوص ، وخاصة الدينية معرضة لمرض (التفسير
بالرأي) ، وقد أكد الأئمة الأطهار(عليهم
السلام) وتبعهم العلماء على تجنب التفسير
بالرأي ، لأن تأثر المفسر بهذه الأحكام
والمعلومات المسبقة للمفسر في عملية تفسير
النص ، تمنع من الفهم الموضوعي والصحيح
لمحتوى النص ورسالته ، ولذلك رأينا أن بعض
الأفراد ، الذين يحملون بعض المبادئ
والقناعات المنحرفة يحاولون فرضها على
الآيات والأحاديث الشريفة بصورة شعورية أو لا
شعورية ، كتفسير بعض الآيات بالماركسية أو
الاشتراكية أو الجبرية أو الجسمية أو
التعددية الدينية أو الليبرالية وأمثالها ،
ناشئة من التأثر بالمعلومات الظنية والتفسير
بالرأي ، ولكن أكثر النظريات التفسيرية
الحديثة في الهرمنيوطيقا والنقد الأدبي ، كما
أنها تعتقد بمشروعية التفسير بالرأي ، فإنها
تراه ضروريا ولازما في عملية التفسير ، بل لا
يمكن للمفسر أن يتجنب التفسير بالرأي ، لأنه
لا يمكن أن يتجرد عن قبلياته وظروفه ، وفي
رأيها أن تفسير النص يكون دائماً من التفسير
بالرأي .

ويتضح من خلال هذه الأقسام التي
ذكرناها ، صحة القول بتأثر المفسر بمعلوماته
وقبلياته والاُفق الفكري والوعي الثقافي
للمفسر خلال عملية الفهم ولكن في بعض الأقسام
لا في جميعها وبالمعنى الصحيح للتأثر ، لا
بالمعنى المنحرف ، ولكن ما ذهب إليه أتباع
النظريات الحديثة ، وهو لزوم التأثر في جميع
الأقسام ، وأن هذا التأثر من نوع التفسير
بالرأي ، من الاعتماد على الأهواء والظنون
وأحكام المفسر المسبقة بأن يكون للمعلومات
المسبقة تأثيرها في محتوى النص ، بحيث تفرض
معنى معيّنا عليه ، فلا شك بأن هذا الرأي باطل
ومنحرف بالتصور الإسلامي ، فلابد من استخدام
المعلومات في مساعدة المفسر على استخراج
مقاصد المؤلف ومعانيه ، وأما لو كان تأثير
المعلومات من قبيل القسم الثالث ، فيلزم
تجنبها .

وفي رأينا أنه (يمكن) هذا التجنب
والتجرد الموضوعي عن التأثر السلبي بهذه
المعلومات وإن احتاج إلى قليل من التمرين ،
ليتمكن الباحث من التجرد عن التأثر بقبلياته
، وأما القول بعدم إمكان الفهم الموضوعي
والتوصل لقصد المؤلف أو الشارع المقدس ، وعدم
إمكان تجرد المفسر عن قبلياته ومعلوماته ،
فهو مخالف للوجدان ، إذ أن الإنسان كثيرا ما
يصل لمراد المؤلف وخاصة في النصوص أو الأقوال
أو الممارسات الواضحة .

6 ـ ذكر غادامر أن عملية الفهم تبدأ
من سؤال يطرحه المفسر ، لأنها حوار بين المفسر
والنص ، وهذا السؤال ينطلق من الاُفق الفكري
لوعي المفسر ، الذي تملؤه القبليات من
المعلومات والأحكام المسبقة ، ويكون له
تأثيره في فهم النص .

وذكر بعض المتأثرين بهذه النظريات
: بأن المفسر يدخل النص وهو يحمل تساؤلات
وتوقعات معينة يبحث عن جوابها من النص ، وهي
تؤثر في فهمه ، وربما أدت لانحراف الفهم ،
لذلك يلزم عليه قبل عملية الفهم تصحيح
تساؤلاته وتوقعاته من النص ، ولعل من أسباب
اختلاف آراء العلماء والفتاوى عدم تحديد
توقعاتهم من النص وتصحيحها ، فربما كان توقع
الفقيه وتصوره عن القرآن الكريم والسنة
الشريفة أنهما يبحثان عن أحكام المكلفين
بخصوصياتها في كل لحظات حياته ، ولذلك من خلال
دراسته للنص لا يتنبه لوجود القواعد والمبادئ
العامة فيه ، بل ربما أنكر وجودها في النصوص .
وأما لو كانت توقعاته من النصوص البحث عن
المبادئ والقواعد العامة ، فربما أنكر اهتمام
القرآن والسنّة في بيان الأحكام الجزئية ،
وإنما أوكل الإسلام معرفتها للعقل ، فلابد من
تصحيح الفقيه والباحث لتوقعاته وتساؤلاته ،
حتى يفهم النص فهما صحيحا ، لأنها تؤثر في
كيفية رؤيته للنص ، ومثل هذه التساؤلات مما
ترتبط بمجالات فلسفية وكلامية واجتماعية
وأمثالها ، ولا علاقة لها بالفقه ، ومن هنا
كانت من مجالات فلسفة الفقه ولابد من تصحيحها
في علومها .

والجواب عن ذلك :

أ ـ إن ما ذكره غادامر كأساس
لنظريته بأن الفهم دائماً وبالضرورة يبدأ من
سؤال ، ولا يمكن الفهم بدون تقدم سؤال ، فهذا
مخالف للوجدان وللواقع الخارجي في بعض
المجالات ، فربما يرى القارئ ورقة فيها نص ،
فيقرأ النص ويفهم منه المعنى دون تقدم سؤال ،
ومنه يظهر عدم صحة ما ذكره من ضرورة وجود
المعلومات والمفاهيم القبلية عن محتوى النص
ليفهمه ، لأنها ضرورية لوجود السؤال والحوار
، فإنه لو يمكن الفهم بدون السؤال والحوار ،
فلا نحتاج معها لهذه القبليات .

فكثيرا ما نفهم محتوى النص دون
سؤال مسبق ، أو معلومات مسبقة عنه كما لو
قرأنا آية قرآنية في الاقتصاد ، فنفهم معنى
اقتصاديا ، وربما ندخل مكتبة مبعثرة ،
ونتناول كتابا ما ، دون أن نحمل توقعا أو
سؤالاً ، فنرى أنه يبحث في الأخلاق مثلاً
ونفهمه ، وربما دون أن تكون لنا معلومات مسبقة
عن محتوياته ومعلوماته .

ب ـ وربما يقرأ القارئ النص وهو
يحمل أسئلة وتوقعات معيّنة ، ولكن حين يقرؤه
يتوصل لنتائج اُخرى غير ما كان يتوقعها ، أو
أن النتيجة تكون أوسع أو أضيق مما كان يتوقع ،
فكان يتوقع ـ مثلاً ـ أن الكتاب والسنّة
يبحثان عن القواعد الكلية فيتوصل أنهما
يبحثان عن أفعال المكلفين . إذن ففهم النص لا
يتحدد على ضوء الأسئلة والتوقعات التي يحملها
المفسر .

جـ ـ ذكرنا سابقاً أننا لا نُنكر
تأثير السؤال ، ولكن قد يكون له تأثيره في
البحث عن موضوعات من النص لم يبحثها غيره ،
فمثلاً يبحث في القرآن الكريم ولديه سؤال
مسبق وموضوع معيّن يحاول البحث عن رأي القرآن
فيه ، فيسأل القرآن عنه ليبحث عن جوابه فيه ،
كما لو أردنا معرفة رأي القرآن الكريم في
الاشتراكية أو الرأسمالية ، وهذا السؤال يدفع
المفسر للفهم والدراسة ، فإذا لم تكن له
معلومات مسبقة عن الاشتراكية لا يبرز السؤال
في ذهنه ولا يبحث في القرآن عن الجواب .

ولكن وكما ذكرنا ، أن السؤال لا
تأثير له في محتوى النص ، ولا يفرض معنى على
النص ، فإن الجواب إنما يحصل من النص لا من
السؤال ، فالسؤال جاء من معلومات المفسر ، ومن
خارج النص .

ومن هنا رأينا اختلاف كتب التفسير
، كاختلاف تفسير الميزان عن مجمع البيان ،
باختلاف الأسئلة التي يبحث المفسر عن جوابها
، فالميزان يطرح أسئلة وموضوعات كثيرة
ومعاصرة على الآيات القرآنية ليعرف جوابها ،
بينما مجمع البيان لم يطرحها ، وإنما طرح
أسئلة اُخرى ، لأن المفسر غير عارف أو غير
مهتم بتلك الأسئلة والمعلومات المسبقة
فمعلومات المفسر تؤثر في مجال طرح السؤال
فحسب ، دون أن تؤثر في محتويات النص وأجوبته .

7 ـ وقد ذكر أتباع هذه النظريات : أن
معتقدات المفسر القبلية تؤثر في فهم النص ،
لذلك يفرضها على محتويات النص ، أو أنه لا
يتمكن معها من فهمه فهماً موضوعياً حيث يتحدد
المحتوى حسب هذه المعتقدات ، فيكون تأثيرها
جبريا في الفهم ، وإذا كانت منحرفة فتؤثر في
انحرافه ، ومن هنا لابد من تصحيح هذه
المعتقدات ليمكنه فهم النصوص الدينية فهماً
موضوعياً ، وهذا يعني أنه لابد أن يقبل الدين
، ليفهم النص الديني فهما صحيحاً .

ويلاحظ على هذا الاستدلال :

أ ـ أن هذا يخالف الواقع الخارجي ،
فكيف فهم أهل الجاهلية القرآن الكريم وتعاليم
الإسلام من خلال كتابه وسننه ، حتى دخلوا في
الإسلام أفواجا ، ولماذا كان يمنعهم المشركون
من سماعه إذا لم يفهموا منه إلاّ أحكامهم
المسبقة ، وكيف يؤمن اليوم الكثير بالإسلام ،
من خلال قراءة النصوص الدينية متجردين عن
تراكماتهم الثقافية ومعتقداتهم وقبلياتهم ،
بل ربما حاربوها بعد إسلامهم ، فهل فهموا
معتقداتهم ، فكيف أعرضوا عنها ، متجهين
للإسلام.

ب ـ إننا نجد بعض الباحثين من غير
المسلمين ، يفهم النص الديني ولو فهماً عاماً
، وعلى ضوء هذا الاستدلال يجب أن لا يفهم غير
المسلم النص الإسلامي وتعاليمه ، أو يفهمه
فهما منحرفا حسب معتقداته ، حيث أنه لا يقبل
اُصول الإسلام العقائدية ، ولم يحاول تصحيح
معتقداته ، نعم فهم القرآن والسنّة بمرتبته
العالية شرطه الإيمان ، ولكن هناك فهماً
عاماً مشتركاً بين المسلم وغيره . لذلك يفهم
غير المسلم رأي القرآن والإسلام حول الكثير
من الموضوعات والقضايا ، أمثال البيع والشراء
والتوحيد والإيمان وغيرها .

جـ ـ ما ذكر بأن محتوى النص يتحدد
بحدود تلك المعتقدات فقد أجبنا عنه حين
تحدثنا عن أسئلة المفسر ، ونضيف أنه ربما يقرأ
المفسر الكتاب أو السنّة بمقدمات وقناعات
إسلامية وعقائدية معيّنة ، ولكنه يتوصل من
خلال قراءته لخلافها . فمثلاً يقرؤه مع
الاعتقاد بأنه يبحث عن الدنيا ، وأن الإسلام
يهتم بالدنيا فحسب ، ثم يتوصل أنه يهتم
بالآخرة أو بالدنيا والآخرة ، وهذا شاهد آخر
على التوصل لتوقعات اُخرى غير توقعاته التي
كان يحملها قبل قراءة النص .

8 ـ وقد ذكر بعض أتباع هذه النظريات
: أن ميول المفسر ورغباته تؤثر في فهم النص ،
فإذا كانت ميوله فلسفية فيؤثر في فهم النص
فهما فلسفيا ، ويحمل مثلا الآيات القرآنية
على معان فلسفية ، ولا يمكن أن يتجرد في فهمه
عن ميوله ، وإذا كان أخباريا أو اُصوليا أو
عرفيا فيؤثر كذلك ، لذلك لابد أن يهذّب القارئ
ميوله ويصححها قبل قراءة النص ، ولعل هذا أيضا
من توابع القول بالتأثير الجبري لقبليات
المفسر في عملية الفهم .

ويلاحظ عليه : ما ذكرناه من إمكان
التجرد الموضوعي عن قبليات المفسر ومنها
ميوله ، وإنكار إمكانه خلاف الوجدان ، لذلك
رأينا علماءنا يؤكدون على الفقيه والباحث
التجرد عن ميوله وقناعاته وأحكامه المسبقة
حين قراءة النص ، وعليه الالتزام بالقراءة
الموضوعية ، وقد التزموا فعلاً بذلك خلال
بحوثهم ، لذلك رأينا بعض الفقهاء من ذوي
الاختصاص والميول الفلسفية ، يتجردون عنها
عند ممارستهم للبحث الفقهي والاُصولي ، بل
يؤكدون على اختلاف المجالين ، وأن مجال
الفلسفة القضايا الحقيقية والتكوينية ، وأما
الفقه ففي الغالب مجالها القضايا الاعتبارية
، ولكل منهما خصائصه وأحكامه ، وقد ذكرت بعض
الشواهد على هذه الحقيقة في بعض المقالات .

9 ـ إن القول بإمكان القراءات
المختلفة لجميع النصوص الدينية وصحتها ، حتى
لو اعتمدت الظنون وخالفت الضروريات
والمسلمات ، يؤدي إلى عدم اقتناع المسلم
بالتعاليم الإسلامية ، حيث لا يعلم أن ما
يعتقده أو يعمل به قد جاء به الإسلام حقا ، أو
أنها تفسيرات للباحثين متأثرة بقبلياتهم ،
فماذا يبقى من الدين ، وكيف يؤمن الإنسان بدين
لا يعلم بتعاليمه النازلة من السماء ، وأن كل
ما يعرفه مدركات الإنسان نفسه ، وبذلك يسود جو
من الشك والنسبية في مجالات الدين والمتدينين
.

وبكلمة : فإن هذه النظرية في فهم
النصوص الدينية ، تعني أنه ليس للإسلام
تعاليم معيّنة ، وإنما تعاليمه تابعة لآراء
المفسرين وقبلياتهم وأذهانهم .

10 ـ إن الإسلام إنما بعث من اللّه
تعالى للبشر لأجل هدايتهم بما فيه سعادتهم في
الدنيا والآخره ، وهو يتمثل في تعاليمه الحقة
، لا قبليات الجاهليين ، ومعتقداتهم وميولهم
وأحكامهم المسبقة ، لأن ما يحقق السعادة
المنشودة للإسلام تعاليم السماء ،
لاقناعاتهم قبل النص .

فهل يتناسب عجز اللّه ورسوله(صلى
الله عليه وآله) وأئمة الدين(عليهم السلام) عن
تفهيم مقاصدهم ، أو عجز البشر عن فهم النصوص
الدينية ، وحملها على قبليات المفسرين ، هل
يتناسب ذلك مع أهداف الأديان والأنبياء
والكتب السماوية وخاصة الإسلام ؟

ويمكن لنا أن نقول : إن الاعتقاد
بأن جميع التفسيرات المنطلقة من تلك القبليات
على حق ، يعني إمضاء تلك المعتقدات والقبليات
والتقاليد الجاهلية ، لأن تفسيراتهم حسب هذا
الرأي خاضعة جبريا لها ، وهذا ما تستهدفه
التعددية الدينية ويرفضه الإسلام بل جميع
الشرائع السماوية .

وربما لزم من صحة القراءات
المختلفة ومشروعيتها ، تبرير جميع القراءات
والتفسيرات للنصوص الدينية التي تبرّر الجور
والفسق والفجور والانحراف ، وتلغي التعاليم
الإسلامية الأصيلة .

11 ـ إن النصوص الإسلامية القطعية
تصرّح ببطلان هذا الرأي :

أ ـ إن هناك أحاديث كثيرة تؤكد على
المنع من (الظن غير المعتبر) الذي لا يوجد دليل
قطعي على حجيته منها الآيات الشريفة (ولا
تقف ما ليس لك به علم) (إن الظن
لا يغني من الحق شيئا) وخاصة مع تعميم الظن
القرآني للمعتقدات والتقاليد الجاهلية التي
قد يؤمن بها الإنسان إيمانا جازما ، ومثل هذه
التفسيرات المتعددة والمختلفة التي تعتمد
الظنون والأهواء حتى للضروريات ، والنصوص
الصريحة من مصاديق هذا الظن .

وكذلك الأحاديث والروايات الشريفة
التي تردع عن (التفسير بالرأي) «من فسر القرآن
برأيه فليتبوأ مقعده من النار» [6]
، مع تفسير التفسير بالرأي بفرض الإنسان
معتقداته وقناعاته الباطلة المسبقة على النص
، بالإضافة إلى روايات أهل البيت(عليهم
السلام) في النهي عن الاعتماد على الظنون
والأدلة غير المعتبرة ، كما تدل على ذلك بحوث
علماء هذه المدرسة وخاصة في الفقه وعلم
الاُصول ، فالأدلة التي تمنع عن العمل بالظن
والتفسير بالرأي تشمل أيضاً بعض القراءات
والتفسيرات الجديدة التي تنكر أو تشكك في
المعتقدات والأحكام الضرورية والمسلّمة
والاتفاقية الإسلامية بحجة القراءة الجديدة
اعتماداً على بعض الظنون أو التفسير بالرأي .

ان هذه النصوص التي تمنع عن
التفسير بالرأي والظن ، كما تدل على عدم صحة
هذا الرأي في فهم النص الذي يذهب لمشروعية
التفسير بالرأي ، وأنه هو الفهم الصحيح دون
غيره ، كذلك تدل على إمكان التجرد الموضوعي عن
التأثر بهذه القبليات ، والظنون والتفسير
بالرأي ، وإلاّ فكيف ينهى أو يأمر الشارع
المقدس بغير المقدور ؟

بل حتى لو كانت القناعات والأحكام
المسبقة بمستوى القطع كبعض المعتقدات
الجاهلية ، فيمكن إزالة تأثيرها ، وتحويلها
إلى الشك بل الإنكار، من خلال البراهين
المحكمة ، كما فعله الأنبياء في عصورهم ، بل
حتى لو قلنا ببقاء الإنسان القاطع غافلاً ،
فهذا لا يدل أنه وتفسيره على الحق ، وإن كان
معذوراً مع القصور .

إذن فيمكن التجرد الموضوعي لكل
قارئ عن قبلياته وأحكامه المسبقة ، وإنكار
ذلك خلاف الوجدان والواقع الخارجي وأهداف
الإسلام وغيرها .

ب ـ إن القرآن الكريم يدعو في
الكثير من آياته إلى التدبر والتفكير فيه ،
وأخذ الهداية والنور منه ، وإذا لم يمكن فهمه
، فكيف يدعو للتأمل والتدبر فيه ، وأخذ
الأحكام منه ، بل يكون أمره بالتدبر فيه أمراً
بالأخذ بقبليات المفسرين .

كما أن هناك الكثير من الأحاديث
والروايات تأمر بعرض الروايات على القرآن
الكريم ، لمعرفة أنها توافقه أم لا فما وافق
كتاب اللّه فخذوه وما خالفه فاطرحوه ، وكذلك
الروايات التي تصرّح بأن الشروط إذا خالفت
الكتاب والسنّة ، فتكون باطلة ، وأمثالها ،
فإذا لم يفهم القرآن الكريم فكيف تعرض عليه
الروايات والشروط ؟

وكذلك هناك الكثير من الآيات التي
تؤكد على التمسك بالقرآن والعترة كحديث
الثقلين ، وأخذ الأحكام والتعاليم الإسلامية
منهما ، كل ذلك يدل على إمكان فهمه وإلاّ فلا
معنى للتمسك به أو أخذ الأحكام منه .

وكذلك الآيات التي تصرّح أن القرآن
الكريم عربي مبين وأمثالها . وقد ذكرنا هذه
الآيات والأحاديث التي تدل على إمكان فهم
القرآن وحجية ظواهره ، في مقال سابق ، مع
مناقشة آراء بعض الأخباريين وأدلتهم التي
ذكروها للتشكيك أو إنكار حجية ظواهر الكتاب ،
حيث ذكرناها بالتفصيل ، فإن الأدلة التي
ذكرها علماؤنا في هذا الموضوع تجيب عن الكثير
من الشبهات الحديثة والآراء والنظريات غير
الصحيحة في مجال فهم النص ، وخاصة في تطبيقها
على النصوص الإسلامية ، من الكتاب والسنة
فراجع [7] .

ولعله بهذه النظريات الحديثة حول
فهم النص ، سوف تسقط مرجعية الكتاب والسنّة من
مصادر الاستنباط ، حيث أننا نريد التعرف على
أحكام الشارع المقدس وتعاليمه منها ، ولكن
إذا لم يمكن فهمها وإنما نفهم قبلياتنا جبريا
، فما هو المبرر للرجوع إليها لمعرفة تعاليم
السماء ؟

وخاصة مع ما يذهب إليه أنصار
التعددية الدينية بأن وحي السماء تفسير بشري
للرسول عن تجربته الدينية ، وأن أقوال
المعصومين كلها تفسير بشري أو استنباطات منهم
لا تعبر عن الواقع الالهي ، وسنذكر في مقال
التعددية الدينية الجواب عن هذا الرأي غير
الصحيح ، وأن الوحي اتصال مباشر باللّه تعالى
عن طريق وحيه ، وأن تفسيرات المعصومين(عليهم
السلام) لكلام اللّه ، بل أن جميع أقوالهم ،
ليست اجتهادات شخصية ، كتفسيرات واجتهادات
سائر الفقهاء أو الباحثين ، بل أنها تعبر عن
الواقع الإلهي نفسه بمدد اللّه تعالى ، ومن
هنا حتى لو قبلنا هذه النظرية في تأثير
القبليات والأحكام المسبقة في فهم النصوص ،
وعدم معرفة الواقع نفسه ، تأثراً بنظرية (كانت)
ولكن إنما يصح ذلك بالنسبة لبعض النصوص
والأفراد ، بينما هناك نصوص يفهم الواقع من
خلالها ، كما أن المعصومين(عليهم السلام) ،
يدركون الحق والواقع بمدد اللّه تعالى ، وعن
طريقهم يعرف البشر الواقع ويدركون الحق ،
فإنكار معرفة الحق والواقع في جميع النصوص ،
والأفراد ، غير صحيح .

12 ـ إن هذه النظرية في فهم النص
تعتبر من النظريات الجبرية ، حيث يكون
الإنسان مجبوراً على الخضوع لقبلياته في
تفسير النصوص ، فلو كانت قبلياته منحرفة
فيكون انحرافه جبريا ، وبذلك تتوجه عليها
جميع الإشكالات الموجهة للجبرية ، أمثال ،
أنه على القول بالجبر فلا مبرر لبعث الرسل
والشرائع والكتب السماوية ، لأنها إنما بعثت
لأجل إصلاح الإنسان وتغييره وهدايته بل لا
مبرر لكل الحركات والنظريات الإصلاحية التي
تستهدف إصلاح الإنسان وتغييره فإنه بناء على
الجبرية كيف يرسل كتابا ، ثم يطالب البشر
بفهمه ، وتغيير أحكامهم ومعتقداتهم حسب ما
فهموه ، وكذلك لا مبرر لعقاب الإنسان على
مخالفته للتعاليم الإلهية التي تبينها الكتب
السماوية ، لأنه لا يمكن أن يفهم منها إلاّ
المخالفة والانحراف حسب معتقداته وأحكامه
المسبقة ، بناء على هذه النظرية .

ولكن الإسلام لا يقبل الجبرية بكل
إشكالها ، بل حتى لو عاش الإنسان بيئة منحرفة
جداً ، وتحكمت في نفسه معتقداتها وممارساتها
المنحرفة بل حتى لو وصل لمستوى القطع ، ومع
ذلك يمكنه انتزاع نفسه منها ، فإن تأثيرها ـ
كما ذكروا ـ ، ليس من قبيل العلة التامة أي
الجبرية ، بل من قبيل المقتضي الذي يمكنه أن
يمنع من تأثيره ، بل يمكنه تغييره ، وتحويل
نفسه إلى نفس نظيفة مؤمنة ، لا تنطلق منها
إلاّ المشاعر والنوايا الصالحة، وإن كان
انتزاع البعض نفسه من انحرافاته المترسخة في
نفسه شاقاً ، كما لو عاش وراثة وتربية منحرفة
جداً ، ولكنه ممكن وفي كل الظروف وخاصة مع
تذكيره ومواجهته بالأدلة الموضوعية المقنعة
، كما يمكن إزالة قطع القطاع ، فهذه القبليات
مهما ترسخت في وعي الإنسان ، فيمكن له التخلص
من تأثيرها ، بل إزالتها ، والنظر للنصوص نظرة
موضوعية وفهمها فهماً حقيقياً ، وإن احتاج
إلى قليل من بذل الجهد والمشقة والتمرين ،
ويختلف حجم الجهد باختلاف الأفراد ومدى تحكم
الانحراف في نفوسهم ، ولكنه ممكن .

13 ـ إن تلك المعلومات المسبقة ، لا
تمنع من الفهم الموضوعي للنص ، والوصول لقصد
مؤلفه ، بل ربما ساعدته على الفهم الموضوعي ،
كما ذكرناه في أقسام المعلومات ، حيث تساعد
المفسر على استخراج المعنى المراد للمؤلف من
النص ، لا أنها تحجبه عنه ، ثم أنه ليست كل
المعلومات والأحكام المسبقة على خطأ لتحرف
القارئ والمفسر ، بل أن بعضها صحيحة ، اختزنت
في نفسه خلال مسيرة حياته ، فيما لو كان يعيش
بيئة ملتزمة ومؤمنة .

ثم على تقدير تأثيرها سلبيا في فهم
القارئ للنص ، فإنما يمكن ذلك في النصوص
البشرية كالأدبية ، التي لا يطلب فيها فهم
معين ، أو الالتزام بتعاليم معينة ، أو أن
مؤلفها مما تؤثر فيه العوامل الذاتية
والسيكولوجية والاجتماعية وأمثالها حين
كتابة النص ، أو الكاتب الذي لا يمكنه إدراك
الواقع ، لعوامل القصور فيه ، أو في تلك
النصوص الدينية غير الإسلامية ، لأنها إما أن
تكون منسوخة أو أنها محرّفة بشرية ، كما تدل
عليه الكثير من الشواهد والدليل على ذلك
اشتمالها على الكثير من الخرافات التي لا
يمكن صدورها من اللّه والأنبياء .

ولكن هذا الرأي لا يصح في النصوص
الإسلامية الأصيلة نفسها ، من القرآن الكريم
والأحاديث الشريفة ، حيث أنها تقصد أن يفهم
البشر تعليمات ومفاهيم معينة ، للالتزام بها
عقائديا أو عمليا ، كما أن العوامل البشرية
وعوامل القصور لا تؤثر في نصوصه ، بالإضافة
إلى أن علمه تعالى محيط بالحقائق الواقعية ،
وقد ذكرنا أن العجز على التفهيم والفهم لا
يتناسب وأهداف الأنبياء والشرائع الإلهية .

14 ـ إذا كان الوعي والاُفق الفكري
والثقافي والقبليات في كل إنسان تؤثر في فهمه
، فيلزم من ذلك عدم إمكان التفاهم بين البشر
بواسطة الألفاظ وغيرها من التعبيرات عن
المقاصد ، ويسود الشك بين البشر وتزول الثقة
المتبادلة التي يعتمد عليها نظام المجتمع
وتوازنه ، ومعاملاته وعلاقاته في مختلف
المجالات ، وخاصة مع تعميم تأثير القبليات
لكلام الناس ووسائل الإعلام وأمثالها ، ولكل
مسموع ومكتوب وفعل إنساني ، وهل يستقر نظام
المجتمع وفعالياته وتوازنه مع هذا الشك
السائد بين أبنائه ، إذ لا خلاص من هذه
المشكلة إلاّ القول بحجية ظواهر الكلام ،
وأنها المعبر عن قصد المتكلم ، وإمكان الوصول
إليه من خلال ظاهره ، وأن الظاهر حجة ملزمة
على المتكلم والسامع ، ولكن مع ملاحظة قواعد
اللغة وأساليبها العامة أو الخاصة للمتكلمين
، ومسيرة العقلاء قائمة على حجية الظواهر
وأمضاها الشارع المقدس ؟

15 ـ إن اتفاق جميع الأفراد على فهم
معنى واحد في بعض النصوص ، دليل على عدم تأثير
القبليات ، مع وضوح اختلافهم في القبليات
والظروف والمعتقدات ، وإذا كان هناك اختلاف
في الفهم أحيانا ، فليس لتأثير القبليات
وحدها ، وإنما لعوامل اُخرى ، وقد ذكرنا في
المقالات السابقة الفرق بين الظهور النوعي
والشخصي ، وأن الظهور النوعي هو الحجة ، ولا
شك بوجود الظهور النوعي الواحد في بعض
الألفاظ والنصوص ، ولكن لو قلنا بتأثير
القبليات دائما ; فلابد أن لا يوجد الظهور
النوعي ، وإنما كلما يوجد ظهور شخصي ، لأجل ما
ذكرنا من اختلاف الناس في قبلياتهم وعواملهم
الذاتية التي هي السبب في وجود الظهور الشخصي
[8]
.

ومن الواضح لدى كل مسلم أن هناك
الكثير من الأحكام والمعتقدات الإسلامية
الضرورية والقطعية والاتفاقية لا تقبل
الاجتهادات المختلفة، ولا تأثير خلفيات
الباحث وظروفه ، كوحدانية اللّه وكون صلاة
الصبح ركعتين ، ووجوب الصوم في شهر رمضان
وأمثالها ، نعم يقبل ذلك في بعض الأحكام
والمعتقدات الجزئية والخلافية ، والنصوص
المجملة والظنية الخلافية كما ذكرناه .

16 ـ إن هذه النظرية إما أنها تؤدي
لتعدد الحقيقة ، فيما إذا قلنا إن جميع
القراءات المتعددة بل المتناقضة على حق ،
ولكن هذا غير صحيح ، فكيف يتعدد الحق والواقع
، مع ما في هذه القراءات من تناقض ، إذ بعضها
تنكر التوحيد مثلاً وبعضها تثبته ، وبعضها
تجوّز شرب الخمر مثلاً وبعضها لا تجوّزه ،
وأمثالها ، مما اعتمدته التعددية الدينية
كذلك ؟ وسنذكر الإشكالات على تعدد الحق
والحقيقة .

وأما إذا قلنا تبعا لنظرية (كانت)
إذ أن هذه القبليات تمنع من إدراك الواقع ،
فيلزم من ذلك أن تكون جميع القراءات على خطأ
وضلال لعدم وصولها للحق والواقع ، ويشكل
عليها جميع الإشكالات التي وجهت لمذاهب الجدل
والشك ، كما أنها لا تتناسب والنصوص الدينية
حسب التصور الإسلامي .

وكذلك لو قلنا إن المعتبر الوصول
لقصد المؤلف وفهمه ، فإذا قلنا إن جميع
التفسيرات معبرة عن قصد المؤلف ، فهذا باطل ،
وذلك لأن المؤلف لا يريد إلاّ معنى واحداً
وفكرة معينة ، وإن قلنا أنها حق وإن لم يردها ;
فهذا لا يتناسب مع النصوص الدينية ، حسب
التصور الإسلامي ، حيث يطالب البشر بتعاليم
معينة وإن الحق والواقع لا يتغير باختلاف
آراء الباحثين وتفسيراتهم ، مع ما يلاحظ من
تعارض وتناقض بين القراءات المختلفة .

[1] مدخل جديد إلى
الفلسفة، عبدالرحمن بدوي : 122 .

[2] نفس المصدر : 124 .

[3] نفس المصدر : 167 .

[4] نفس المصدر : 142 .

[5] دراسة سننشرها
للكاتب في الأعداد القادمة من مجلة رسالة
الثقلين .

[6] تفسير العياشي 1
: 17 ـ 18، عيون أخبار الرضا 1 : 59 ، الباب 11،
الحديث 4. أمالي الصدوق : 155 الحديث 3، التوحيد
905، الحديث 5 .

[7] رسالة الثقلين 32
: 71 حول الدراسات المنهجية للعلوم الإسلامية .

[8] يلاحظ كتاب دروس
في علم الاُصول للسيد الشهيد الصدر الحلقة
الثالثة 1 : 276، فإنه بحث في الفرق بين
الظهورين، وقد وضحنا الفرق أكثر في مقال حول
الدراسات المنهجية للعلوم الإسلامية، رسالة
الثقلين العدد 32 .


/ 1