في حديث الثقلين
( 2 )* بوتمزين العياشي (بلجيكا)
أخي العزيز ...
والآن اُريد أن أرجع إلى الحديثالمروي عند أهل البيت وشيعتهم والذي روته
أمهات الكتب ومعظم أصحاب السنن ، وهو من أشهر
الأحاديث : حديث الغدير المعروف بالزمان
والمكان ، حيث أثناء عودة الرسول(صلى الله
عليه وآله) من حجة الوداع قبل موت الرسول(صلى
الله عليه وآله)بقليل ، فإذا كانت عُرفت بحجة
الوداع فكلمات الرسول(صلى الله عليه وآله)
كانت وصية وداع من الرسول الأكرم لاُمته ، وأن
هذه الوصية تحمل أقصى درجة من الأهمية
والخطورة بالنسبة لمصير الاُمة ومستقبلها ،
هذه الوصية كانت بأمر من اللّه لرسوله الكريم
وقد جاء في أسباب النزول للنيسابوري وغيره من
المفسرين أن قول اللّه :(يا أيها الرسول بلّغ
ما اُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت
رسالاته واللّه يعصمك من الناس)
[1] .
أنها نزلت يوم ـ غدير خم ـ وأن هذا التبليغ كان
أمراً متمماً ومكملاً للرسالة الإسلامية ككل
، وإلاّ لما قال اللّه في كتابه المحكم الصادق
: (وإن لم تفعل فما بلّغت رسالاته)
، لاحظ التهديد .ومن الممكن أن نتساءل عن ماهي هذه
الأشياء التي يأمر اللّه عزوجل رسوله أن
يبلّغها والرسول على وشك النهاية من الرسالة
الربانية التي مر عليها ثلاثة وعشرون عاماً .
الصلاة قائمة بأحكامها الشرعية والصوم عُرف
والحج فهمت مناسكه والزكاة والخمس قائمان
والشهادتان إلى غير ذلك من الأحكام كالحلال
والحرام . إذن ماهو هذا الجزء الذي يكمِّل
الكلّ فيجعله تامّا ؟(اليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام
دينا) .وتأتي الخطبة لتوضيح هذه المعاني
فيقول رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في غدير
خم :«ألا إني أوشك أن اُفارقكم وإني
مسؤول وأنتم مسؤولون فهل بلّغتكم فما أنتم
قائلون؟ فقال من كل ناحية من القوم مُجيب
يقولون : نشهد أنك عبد اللّه ورسوله قد بلّغت
وأدّيت الأمانة وجاهدت في سبيله حتى أتاك
اليقين وصدعت بأمره وعبدته حق عبادته حتى
أتاك اليقين ، جزاك اللّه خير ما جزى نبيّا عن
اُمته ، فقال : ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ
اللّه وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق
والنار حق تؤمنون بالكتاب كله ؟ قالوا : بلى
يارسول اللّه ، قال : فإني أشهد أني صدّقتكم
وصدّقتموني ألا وإني فرطكم (أي سابقكم) وأنكم
تبعي توشكون أن تردوا عليّ الحوض فأسألكم حتى
تَلْقَوْني عن ثِقلَيْ كيف خلفتموني فيهما ،
فاُعيل علينا ما ندرى ما الثقلان حتى قام رجل
من المهاجرين قال : بأبي أنت وأُمي ما الثقلان
؟ فقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) :
الأكبر منهما كتاب اللّه سبب طرفه بيد اللّه
وطرف بأيديكم ، فتمسّكوا به لا تضلوا ،
والأصغر منهما عترتي ، من استقبل قبلتي وأجاب
دعوتي فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ، ولا تقصروا
عنهم فإني سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني :
ناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل ووليّهما
لي وليّ وعدوّهما لي عدو ألا وإنها لم تهلك
اُمة قبلكم حتى تتدين بأهوائها، تتظاهر على
نبوتها وتقتل من قام بالقسط . ثم أخذ بيد علي
بن أبي طالب فرفعها ثم قال : اللّهم وال من
والاه وعاد من عاداه ، قالها ثلاثا . وللتوسع
انظر سنن الترمذي وسنن أبي داود وسنن ابن ماجة
والمستدرك على الصحيحين ومسند أحمد .وروى الترمذي تحت عنوان ، منقب أهل
البيت الحديث رقم 3786 سنده ، إلى جابر بن عبد
اللّه الأنصاري : رأيت رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) في حجة الوداع يوم عرفة وهو على
ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول : أيها الناس !
إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن
تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر كتاب اللّه
حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي ، أهل
بيتي ، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ،
فانظروا كيف تخلفوني فيهما .إذن فالرسالة في غاية الأهمية ،
إنها المسؤولية أمام اللّه عن الثقلين «كيف
تخلفوني فيهما» أو الثقلين أو الثقل الأكبر
هو كتاب اللّه ، إذ القضية قضية منهج وليست
عاطفة أو شورى كما أوّلوها . إنها ولاية ، وهذه
الولاية قد شُرعت من أمر اللّه تعالى ورسوله ،
فأقام الحجة على جميع الخلق الموجود في هذا
المجمع الغفير ، تحت هذه الشمس الحارة بعد أن
صلوا الصلاتين «الظهرين» ، أمرهم أن يبلّغ
الحاضر منهم الغائب . إنه نبيّ يوشك أن يفارق
الاُمة ، فيوصيهم لا بالأولاد والأموال كما
يفعل عامة الناس ، ولكنه يوصيهم بالحفاظ على
المنهج ، وحدّد لهم وسيلة الحفاظ عليه ،
باتباع الثقلين : «الكتاب والعترة» ، فالذي
ينصر الكتاب والعترة ناصر الرسول ، ومن خذل
الكتاب والعترة خذل الرسول . إنها وصية تحدّد
المنهج وتحدّد القيادة لهذا المنهج ، وهي
قيادة أهل البيت الذين طهّرهم اللّه في كتابه
العزيز ، لأنهم هم الأقدر على فهم النص
وتطبيقه .(فاسألوا أهل الذكر إن
كنتم لا تعلمون) [2] (يا
أيّها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع
الصادقين) [3] إلى آخره من الآيات
التي نزلت في حقهم(عليهم السلام) . ولذلك بعث
الرسول(صلى الله عليه وآله) عليّاً(عليه
السلام) ليلحق أبا بكر ويأخذ منه سورة براءة
ليؤديها هو وليس أبا بكر . فانظر إلى ابن كثير
في تفسيره للقرآن الكريم .عن الإمام أحمد عن أنس بن مالك أن
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بعث ببراءة مع
أبي بكر ، فلما بلغ ذا الحليفة قال لعلي(عليه
السلام) أن الحق به وخذ منه الآيات فإن
جبرائيل أمرني ألا يؤدي عني إلاّ أنا أو رجل
مني ، ولك ما روى الترمذي في التفسير .قال عبداللّه بن حنبل عن علي(عليه
السلام) لما نزلت العشر الآيات من سورة
البراءة على النبي(صلى الله عليه وآله) دعا
أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم
دعاني فقال : ادرك أبا بكر فحيثما لحقته فخذ
منه براءة فاذهب إلى أهل مكة فاقرأها عليهم ،
فلحقته بالجحفة ، فأخذت منه الكتاب ورجع أبو
بكر إلى النبي(صلى الله عليه وآله)فقال :
يارسول اللّه! نزل فيّ شيء ؟ فقال : لا ولكن
جبرائيل جاءني فقال لا يؤدي عنك إلاّ أنت أو
رجل من أهلك . فاعتبروا يا اُولي الألباب .وباختصار كان الرسول(صلى الله عليه
وآله) يحرص على إعداد الاُمة لقبول أهل بيته
أئمة من بعده يرجعون إليهم في معرفة حدود
اللّه تعالى وأحكامه ولمعرفة الحلال والحرام
، فكان الرسول(صلى الله عليه وآله) يخص علياً
بكثير من رعايته وعنايته ، رباه في بيته وتولى(صلى
الله عليه وآله) تربيته بنفسه ، فنشأ علي(عليه
السلام)على يد الرسول(صلى الله عليه وآله) منذ
نعومة أظفاره ، وكان أول من آمن به وأسلم ،
اُنظر سيرة ابن هشام ، وخصّه من رعايته
وعنايته واهتمامه ما لم يخص به أحداً من
أصحابه ، وأفضل من يصف علاقة الرسول(صلى الله
عليه وآله) به واهتمامه بتربيته وإعداده
إماما للمسلمين هو نفسه علي(عليه السلام) إذ
يقول في خطبته المعروفة بالقاصعة : «.. وقد
عرفتم موضعي من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ، وضعني
في حجره وأنا ولد ويضمني إلى صدره ويكنفني
فراشه ويمسني جسده ويشمّني عرقه وكان يمضغ
الشىء فليقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ولا
خطلة في فعل ، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل
أثر اُمه ، يرفع لي كل يوم من أخلاقه علماً
ويأمرني بالاقتداء به ، وكان يجاور في كل سنة
بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجتمع في
بيت واحد يومئذ في الإسلام إلاّ الرسول(صلى
الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور
الوحي وأشمّ ريح النبوة» . نهج البلاغة .والرسول يقول : كلما صبّ عليّ
جبرائيل من علم إلاّ صببته في صدر علي .وأخيراً وليس آخراً ، يأتي الرسول(صلى
الله عليه وآله) ليبين الحجة على الاُمة
بأجمعها لما قال لأنس بن مالك : يا أنس ، اسكب
لي وضوءا ثم قال فصلى ركعتين ثم قال :«يا أنس ! أول من يدخل عليك من هذا
الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد
الغر المحجلين وخاتم الوصيين ، قال أنس :
اللّهم اجعله من الأنصار وكتمته ، إذ جاء علي(عليه
السلام) فقال(صلى الله عليه وآله) : من هذا يا
أنس ! فقلت : علي ، فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل
يمسح عرق وجهه ويمسح عرق عليّ بوجهه فقال علي :
يا رسول اللّه ! لقد رأيتك تصنع شيئا ما صنعته
من قبل ، قال النبي(صلى الله عليه وآله) : وما
يمنعني أنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم
ما اختلفوا فيه بعدي» .فاعتبروا يا اُولي الأبصار .فكيف يمر المسلمون على هذا الحديث
المتواتر في الكتب والسنن ؟ وماذا سنقول
لأبنائنا في المستقبل القريب ؟ أما آن الأوان
لنرجع إلى اللّه تائبين . وهل حادثة كحادثة
الغدير قابلة لأي أدنى شك ؟ إنها الحجة
القائمة التي تثبت أن هذا الأمر في علي(عليه
السلام) إلى يوم الدين . وهل كان الرسول(صلى
الله عليه وآله) بحاجة إلى أن يجمع المسلمين
في هذا الموضع كالغدير تحت حر الشمس والحر
الشديد ، فأمر بالدوحات فقممن ؟ ونادى الصلاة
جامعة ، فاجتمعت الناس فقال إن اللّه تعالى
أنزل إليّ :(يا أيها الرسول بلغ ما
اُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت
رسالته واللّه يعصمك من الناس) ، وقد
أمرني ربي عن جبرائيل أن أقوم في هذا المشهد
وأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي
ووصي وخليفتي والإمام من بعدي ، فسألت
جبرائيل أن يستعفي لي ربي لعلمي بقلة
المتّقين وكثرة المؤذين لي اللائمين على كثرة
ملازمتي لعليّ وشدة إقبالي عليه ...» [4] .هل كان الرسول في حاجة إلى هذا
المشهد لولا أهميته ؟أما حادثة النعمان الفهري فهي أيضا
شهادة أتى بها التاريخ . واقرأ معي ما جاءت به
السيرة الحلبية : لما قال الرسول(صلى الله
عليه وآله) تلك المقولة في عليّ في غدير خم :«من كنت مولاه فهذا علي مولاه .. شاع
ذلك الخبر وانتشر في البلاد ، وعرف الناس أن
عليا(عليه السلام) خليفة الرسول وهو في أصحابه
(أي الحارث بن النعمان الفهري) وكان من
السامعين فأتى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
وهو مع أصحابه فقال :يا محمد ! أمرتنا أن نشهد أن لا إله
إلاّ اللّه وأن محمداً رسول اللّه فقبلناها،
وأمرتنا أن نصلي خمساً في اليوم فقبلناه منك ،
وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلناه منك ، وأمرتنا
أن نزكي أموالنا فقبلناه منك وأمرتنا أن نحج
البيت فقبلناه منك ثم لم ترض بهذا حتى رفعت
بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت : من كنت
مولاه فهذا علي مولاه اللّهم وال من والاه
وعاد من عاداه ... الحديث . هذا شيء منك أم من
اللّه ؟ فقال النبي(صلى الله عليه وآله) :
والذي لا إله إلاّ هو إنه من اللّه . فولّى
الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول :اللّهم إن كان ما قاله محمد حقا ،
فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب
أليم . فما وصل إلى راحلته حتى رماه اللّه
سبحانه وتعالى بحجر فسقط على هامته وخرج من
دبره فسقط ميتا . وأنزل اللّه سبحانه وتعالى
قرآناً ناطقا صادقا فيمن كان لا يثق بقول محمد(صلى
الله عليه وآله) في أمر الولاية والخلافة ،،
فلينظر ما حصل لهذا الرجل ، وهذه شهادة لنا
بأن عليا(عليه السلام) هو أمير المؤمنين ،
فستبقى هذه الواقعة حجة علينا إلى يوم
القيامة أمام اللّه ورسوله . فأنزل اللّه في
الكتاب العزيز : (سأل سائل بعذاب
واقع ..) [5] .وعندما نتحدث مع الاخوة من أهل
السنّة يجيبون بأن كل هذه الأحاديث جاءت
لتجسم الحب والولاء لأبناء الرسول(صلى الله
عليه وآله) . أقول : إن حب آل البيت مجسم في قلب
كل مؤمن لأنها كرامة من اللّه تعالى . يقول زين
العابدين علي بن الحسين(عليهما السلام) : «اُعطينا
ستّاً وفضِّلنا بسبع ، اُعطينا العلم والحلم
... والمحبة في قلوب المؤمنين ...» .إذن لا حجة للناس بالقول في أن حديث
الغدير إنما هو لتثبيت الولاء وتجسيم الحب
لآل البيت . لكن افتراضهم هذا التأويل حجة
عليهم فيما فعلوا بأهل البيت مباشرة بعد
فقدانهم أباهم الرسول الأعظم(صلى الله عليه
وآله) : (قل لا أسألكم عليه أجراً
إلاّ المودة في القربى) [6] وقد أخرج
ابن المنذر 232 ـ 319 فقيهاً ومجتهداً كان شيخ
الحرم بمكة ، وابن أبي حاتم 240 ـ 327 وابن مردويه
حافظ مؤرخ مفسر 323 ـ 410 في تفاسيرهم والطبراني
في المعجم الكبير عن ابن عباس قال : «لما نزلت
هذه الآية (قل لا اسألكم عليه
أجراً إلاّ المودة في القربى) قالوا :
يارسول اللّه ! من قرابتك هؤلاء الذين وجبت
علينا مودتهم ؟ قال : علي ، وفاطمة ، والحسن
والحسين ، الحديث رواه أيضا الهيثمي في مجمع
الزوائد .ولنترك السيدة عائشة اُم المؤمنين
لتجب عن هذا السؤال ، قالت : «خرج النبي غداة ،
وعليه مرط مرحّل من شعر أسود ، فجاء الحسن بن
علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت
فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قرأ : إنما
يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا . صحيح مسلم ج 7 باب فضائل
أهل البيت . فهي قد سمتهم واحداً واحداً ،
وشهدت أن الرسول(صلى الله عليه وآله) أدخلهم
تحت الكساء ، ثم تلا الآية التي خصهم اللّه
بها ...وحديث الخيمة المعروف الذي رواه
الطبري .قال أبو بكر : رأيت الرسول(صلى الله
عليه وآله) خيّم خيمة ، وهو متكئ على قوس عربي
، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم
السلام) فقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) :«يا معشر المسلمين ! أنا سلم لمن
سالم أهل هذه الخيمة ، وحرب لمن حاربهم ،
ووليّ لمن والاهم ، وعدوّ لمن عاداهم ، لا
يحبهم إلاّ سعيد الجد طيّب المولد ، ولا
يبغضهم إلاّ شقي الجد ، رديء المولد» . فقال
رجل لزيد : يا زيد ! أنت سمعت أبا بكر يقول هذا ؟
قال أي ورب الكعبة . الطبري .فماذا فعلوا بهم مباشرة بعد موت
النبي(صلى الله عليه وآله) ؟ . لقد أغضبوا
فاطمة الزهراء(عليها السلام) وضربوها ثم
أسقطوا جنينها لستة أشهر وأحرقوا بيتها ...انظر ماذا فعل ( . . . ) بعد وفاة رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) أمر ( . . . ) بأن يذهب
مع نفر من الناس إلى بيت فاطمة الزهراء
ليخرجوا الذين أبوا أن يبايعوا أبا بكر وكلهم
من الصحابة العظام ، لأنهم لا زالوا يتذكرون
ماذا قال الرسول في حديث الغدير . ومنهم أبو ذر
والمقداد وسلمان وبلال وطلحة والزبير وسعد بن
عبادة الخ فكلّهم لم يرضوا بهذه البيعة . فقال
لهم ( . . . ) : إن أبوا فقاتلوهم ، فأقبل ( . . . )
بشيء من النار على أن يضرم الدار ، فلقيته
فاطمة وقالت : إلى أين يا ( . . . ) ، أجئت لتحرق
دارنا ؟ قال نعم أو تدخلون فيما دخلت فيه
الاُمة .ما هذا الحكم يا ( . . . ) ؟ أَنَزَلَ
وحي أم ظهر نبي آخر ؟ لاحظ معي النهج الذي
اتخذه ( . . . ) بهذه السرعة الغريبة : إحراق بيت
فاطمة ومن فيه ، وأمر فاطمة بالدخول إلى حكمه .
وهو يعلم أن غضب فاطمة يُغضب اللّه .وأما النفر الذين جاء بهم المؤرخون
واعتدوا على بيت فاطمة :( . . . ) ، خالد بن الوليد ، عبد
الرحمن بن عوف ، ثابت بن قيس بن شماس ، بشير بن
سعد ، زيد بن لبيد ، محمد بن مسلم ، معاوية ابن
العاص ، زيد بن ثابت ، سلمة بن سلامة بن وعش ،
الأسيد بن حضير ، سلمة بن أسلم ، معاذ بن جبل ،
وقنفذ الملعون . قال اليعقوبي : فأتوا في جماعة
حتى هجموا على الدار ، إلى قوله وكسر سيفه (أي
سيف عليّ ودخلوا الدار) .ذكر الطبري الخبر أنه ـ أي ( . . . ) ـ
حصر فاطمة في الباب حتى أسقطت محسنا ـ الابن
الثالث لفاطمة، وقد سماه الرسول في حياته كما
سمى أخويه الحسن ثم الحسين .وقال الطبري : أتى ( . . . ) منزل عليّ
وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين الذين
لن يرضوْا بالبيعة لأبي بكر ، فخرج عليه
الزبير مسلطاً سيفه، فعثر فسقط من يده فوثبوا
عليه فأخذه [7] . ورأت فاطمة ما صنع بهما ـ
أي عليّ(عليه السلام) والزبير ـ فقامت على باب
الحجرة وقالت : يا ( . . . ) ! ما أسرع ما أغرتم على
بيت أهل رسول اللّه ، واللّه لا أكلّمك حتى
ألقى اللّه ، فهجرت ( . . . ) ، وفي الرواية قالت :
واللّه لأدعون عليك في كل صلاة أصلّيها
[8]
.وذهبت فاطمة الزهراء ضحية هجوم
عنيف لا يليق بأيّ رجل جاهل فضلاً عن فقيه
صحابيّ يدعي أنه عادل ، ألقت جنينها فبقيت
طريحة الفراش إلى أن ماتت(عليها السلام) بعد
ستة أشهر من وفاة أبيها(صلى الله عليه وآله)
وهي حزينة باكية ، مسلوب حقّها ، ومهانة
شخصيتها ، مظلومة مكذبة لمّا اغتصبوا إرثها .ولمّا توفيت دفنها زوجها عليّ(عليه
السلام)ليلاً ولم يؤذن بها ( . . . ) أي لم يحضر
جنازتها [9] .ولهذا قال ( . . . ) في مرضه الذي توفيّ
فيه : أما إني لا آسي على شيء من الدنيا إلاّ
على ثلاث فعلتهن ، وددت أني تركتهن إلى قوله :
أما الثلاث اللاتي فعلتهن ، فوددت أني لم أكشف
على بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا أعلنوا علَيّ
الحرب [10] .وقال أيضاً اليعقوبي : وليتني لم
أفتش بيت فاطمة بنت الرسول(صلى الله عليه وآله)وأدخله
الرجال ولو اعلن علي الحرب.وقد تطوّر الأمر أكثر من ذلك ،
حينما هددوا عليّاً(عليه السلام) بالقتل
وأخرجوه بأشدّ العنف أمام أعين الناس في
شوارع المدينة ، مُكرهاً من بيته وذهبوا به
لأبي بكر وقالوا له : بايع ، فقال : إن لم أفعل
فمَهْ .قال ( . . . ) إذاً واللّه الذي لا إله
إلا هو نضرب عنقك ، فقال : إذن تقتلون عبد للّه
وأخاً للرسول .هكذا تاريخنا وبهذه الطريقة انتهى
الأمر وعليّ مظلوم ولم ينسَ أبداً وصية رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) والي أشار إليها في
مواقف عديدة : واللّه لو لا عهد من الرسول ..لقد بعدت بنا الأحداث وكدنا أن
ننسى موضوع رسالتنا هذه . كنت قد قلت في حديث
العترة : إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض
... أي كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، فهذا
المعنى الذي يقتضي القيادة وإن غيبت . فإنها
لا تغيب بل ستبقى حاضرة في نفسها ، إذ العترة
مع الكتاب ورفيقه في طريق الحق ، وحاشا
لكليهما من الزّيغ والضلال .رواية الترمذي عن خطبة الرسول(صلى
الله عليه وآله) في حجة الوداع وهي رواية
انفرد بها، تحمل المعنى نفسه بل النص والوصية
: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا : كتاب
اللّه وعترتي أهل بيتي». الوارد في كتبنا
الصحاح .والذي صرّح به أخيراً رئيس الجامع
الأزهر الطنطاوي برسالة إلى المؤتمر السادس
لرابطة أهل البيت يصحح فيها الحديث الذي
يتعلق بالثقلين «كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي»
. مما فسح المجال أكثر لفهم الاختلاف بين
نظرية النبي(صلى الله عليه وآله) في معنى
الثقلين ونظرية قريش المطروحة في السقيفة :
حسبنا كتاب اللّه والقرآن معنا ، حين اتهموه(صلى
الله عليه وآله)بالهجران .والقرآن يقول : (ما ضلّ
صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو
إلاّ وحي يوحى * علمه شديد القوى ...)
[11]وبالرغم
من هذه الآيات لم يخضع (...). فعارض الرسول فصرنا
في الضلال بمقتضى الحديث الصحيح بسبب (. . . ) .
وأما الحرص على تكرار الرسول هذه الوصية ـ
حديث الثقلين ـ في موضعين متقاربين في
المسافة وفي الزمن ، وفي وسط من هذه الجموع من
المسلمين التي اجتمعت في حجة الوداع ـ مائة
وعشرون ألف صحابي ـ والتي حضرت في غدير خم ما
هو إلاّ تفضيل وتعظيم وتأكيد لوصية يوم عرفة ،
لما أخذ(صلى الله عليه وآله) بيد علي بن أبي
طالب(عليه السلام)ثم قال : «من كنت مولاه فهذا
علي مولاه» . وأما التهنئة التي أتى بها جميع
الصحابة والتي دام وقتها إلى أن صلّوا
العشائين ما هي إلاّ عبرة للمسلمين وحجة
عليهم ، وما حادثة النعمان الفهري إلاّ برهان
لمن شك في ذلك .ولنقرأ معاً ما ذكره ابن قتيبة في
تاريخ الخلفاء :«جاء ( . . . ) لـ ( . . . ) فقال : انطلق
بنا إلى فاطمة ، فإنا قد أغضبناها ، فانطلقنا
جميعا فاستأذنّا فاطمة وهي مريضة بسبب ما حصل
منهما يوم البيعة ومن جرّاء الفعلة التي
ارتكبها ( . . . ) بدون حياء في حضرة سيدة نساء
الاُمة وسيدة أهل الجنة [12] . وبضعة
أبيها وأم سيّدي شباب أهل الجنة . فلم تأذن
لهما ، فأتيا علي بن أبي طالب فكلّماه ،
فأدخلهما عليها ، فلما قعدا عندها ; حوّلت
وجهها إلى الحائط فسلّما عليها فلم ترد
عليهما السلام ، فقالت : أرأيتكما إن حدّثتكما
حديثا من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)تعرفانه
وتفعلان به؟ قالا : نعم قالت : نشدتكما اللّه
ألم تسمعا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
يقول :«رضى فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من
سخطي فمن أحبّ فاطمة ابنتي أحبني ومن أرضى
فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة أسخطني» ،
قالا : نعم ، سمعنا رسول اللّه يقولها ، فقالت :
فإني اشهد اللّه وملائكته ، أنكما أسخطتماني
، وما أرضيتماني ، ولإن لقيت النبي(صلى الله
عليه وآله) لأشكونّكما إليه .فقال ( . . . ) : أنا عائذ باللّه تعالى
من سخطه وسخطك يا فاطمة ثم انتحب ( . . . ) يبكي
حتى كادت نفسه أن تزهق وهي تقول : واللّه
لأدعون اللّه عليك في كل صلاة أصليها ثم خرج
باكيا ، فاجتمع إليه الناس فقال لهم : يبيت كل
واحد منكم معانقا حليلته مسرورا بأهله ،
وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم
أقيلوني بيعتي» [13] .وروى مسلم :أن معاوية بن أبي سفيان قال لسعد بن
أبي وقاص : ما منعك أن تسبَّ أبا تراب ؟ وكان
مما فعله معاوية ومن بعده من ملوك بني اُمية
أن طلبوا من الناس أو ألزموهم أن يسبوا علياً
ويلعنوه على المنابر ، وظلت هذه السنّة حتى
أبطلها عمر بن عبد العزيز . فقال : أما تذكرت
ثلاثا قالهن له الرسول ؟ لأن تكون لي واحدة
منهم أحب إليّ من حُمر النعم . سمعت رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) يقول له لما خلفه في بعض
مغازيه ـ غزوة تبوك ـ يا رسول اللّه ! خلفتني
في الصبيان والنساء ؟ فقال له رسول اللّه :«أما ترضى أن تكون مني بمنزلة
هارون من موسى إلاّ أنه لا نبوة بعدي» .وسمعته يقول يوم خيبر : «لأعطين
الراية رجلا يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه
ورسوله ، فتطاولنا لها فقال : ادعوا علياً ،
فأتي به أرمد ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية
إليه ، ففتح اللّه عليه» .ولما نزلت هذه الآية : (قل
تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا
ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ...) الآية . دعا
رسول اللّه علياً وفاطمة والحسن والحسين وقال
: اللّهم هؤلاء أهلي .ومن فضائل علي أن النبي قال له : «أنت
مني وأنا منك ، وقال له : من كنت مولاه فعليّ
مولاه . وقال أحمد بن حنبل : ما بلغنا عن أحد من
الصحابة ما بلغنا عن علي(عليه السلام) .وقال هو والنسائي والنيسابوري
وغيرهم :لم يرد في حق أحد من الصحابة
بالأسانيد الجياد مما جاء فيه .وأخرج المسلم عن علي(عليه السلام) :
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد إليّ :
أنه لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق .
وقد جمع النسائي في مناقبه كتاب الخصائص .
أرجوا أن تتجه إليه .إذن اُمهات الكتب طرحت هذه الشواهد
والحجج التي ستبقى ما طالت الدنيا كشهادة
عليهم إلى أن نلقى اللّه ، فكيف التزم علماؤنا
وفقهاؤنا ومفكرونا بالصمت والسكوت أمام هذه
الحقائق الحزينة ، ويكذبون علينا أن أمر
الخلافة كان أمراً شورياً . فهل يجب علينا
قراءة التاريخ مرة ثانية؟ نعم بكل تأكيد وهذا
أصبح واجباً على كل مؤمن ومؤمنة .فانتقل الرسول الأعظم إلى الرفيق
الأعلى ، وشهد المجتمع الإسلامي أحداثا لا
تساير ما ذهب إليه القائلون بالوصية ، فاحتار
هؤلاء ، وتساءلوا: كيف يمكن لأوامر إلهية
وتوجيهات نبوية أن تعطل في حين أخبر اللطيف
الخبير عباده أنه أكمل لهم دينهم وأتمّ نعمته
؟ وكيف يجوز للمسلمين أن يخالفوا أحاديث
الإمامة ، والرسول(صلى الله عليه وآله) ما زال
مسجّى بين ظهرانيهم، وكلماته يوم الغدير ما
تزال عالقة في أسماعهم ، وصداها في أذهانهم ؟
وقد أفادت الأخبار أن الرسول(صلى الله عليه
وآله) أخبر أن عليّاً يعيش على الملة ويموت
على السنّة ، وأنه راية الهدى وإمام الأولياء
ونور الطائعين وكلمة المتقين، وأن اللّه
سيخصّه ببلاء لم يخص به أحدا من الصحابة ،
ولما توسل الرسول(صلى الله عليه وآله) إلى ربه
قائلاً : يا رب ! أخي وصاحبي ، أجابه تعالى : إن
هذا شيء قد سبق أنه مبتلى ومبتلى به
[14] .فعلي(عليه السلام) أختاره اللّه
تعالى للوصية والولاية ، وأختاره أيضا ليبلوه
ويبلو به عباده ليعلم أيهم أحسن عملا ، وحتى
يهيء الرسول(صلى الله عليه وآله)وصيه; أخبره
في مواطن عديدة بما سيناله من مظالم ومشاق
تجعله شبيها بالأنبياء والمرسلين . فأقوال
الرسول في هذا الباب شبيهة بالقصص القرآني
الذي أنزله اللّه على نبيه ليطلعه على ما
تحمّله المرسلون قبله لمّا كذّبهم الكافرون
والمتجبرون ، وساموهم سوء العذاب ، فتلك
القصص كانت تزيد الرسول ثباتا ومثابرة وقوة
وتصميما ، وكذلك أخبار الرسول ، كانت تقوّي
عزيمة وصيّه ، وتدفعه إلى التمسك بالإمامة
والدفاع عنها . ولقد تجلى عزم علي(عليه السلام)
في كثير من المواقف . تجلى في السلم ، كما بان
في الحرب . لقد كان علي(عليه السلام) يوما
جالساً مع أصحابه في المسجد النبوي ، فأقبل
عليهم ( . . . ) وخالد بن الوليد ومعاذ بن جبل في
عدد من أصحاب عمر ، وأرادوا حملهم على مبايعة
أبي بكر . فتمسك كل أصحاب علي بهاديهم وإمامهم
، وأخبر سلمان الفارسي الحاضرين أنه سمع رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول : بينا أخي
وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ
تكسبه جماعة يريدون قتله وقتل من معه
[15]
.لقد أغضب هذا الحديث ( . . . ) ومن معه
، ولكنه لم يجد ما يبرر موقفه هذا أمام عدد
كثير من الصحابة ، وتجلى ذلك يوم الاحتجاج
الذي حضره أكابر الصحابة في مسجد الرسول
كسلمان وعلي وغيرهم أمام ( . . .) و ( . . .
) . وكاد الحق يومها أن ينتصر على الباطل ، لما
استمع ( . . . ) إلى حجج أصحاب علي ، فقال : وليتكم
ولست بخيركم أقيلوني .ولكن ( . . . ) أنزل صاحبه من على
المنبر ، وانطلق به إلى منزله ومكث معه مع من
انضم إليهما ثلاثة أيام ، وفي اليوم الرابع ،
جهزوا جيشا كان أبرز قادته ( . . . ) ، وساروا نحو
المسجد ، وأرادوا أن يأخذوا البيعة بقوة
السيف . لقد ازداد شيعة علي(عليه السلام) يومها
يقينا بأنهم وصاحبهم على الحق . فهم يشاهدون
واقعا أخبرهم به نبيهم فلِم يخافون ؟ لأنهم لا
يخافون في اللّه لومة لائم ، وانطلاقا من هذا
الموقف ، وقف خالد بن سعيد بن العاص يقول لـ ( .
. . ) :اتق اللّه يا ( . . . ) ! فقد علمت أن
الرسول(صلى الله عليه وآله) ونحن مُحتوشوه ،
يوم بني قريظة حيت فتح اللّه له باب النصر ،
وقد قتل علي بن أبي طالب يومئذ عدة من صناديد
رجالهم : يا معشر المهاجرين والأنصار ! إني
موصيكم بوصية فاحفظوها ، ألا إن علي بن أبي
طالب أميركم بعدي ، وخليفتي فيكم ، بذلك
أوصاني ربي. وقبل أن ينهي خالد بن سعيد كلامه ،
ذكّر ( . . . ) بأن معاداة علي وخذلانه ، ونكران
بيعته ، أُمور تؤدي إلى اضطراب الدين وتسلط
الأشرار على المسلمين . ولم يكن خالد بن سعيد
الوحيد الذي وقف موقفا صريحا وعلنيا ، فسلمان
الفارسي أخذ الكلمة بعد خالد وقال كلمته
المشهورة : كرديد ونكرديد . ثم أضاف : يا ( . . . ) !
ما عذرك في تقدمك على من هو أعلم منك ، وأقرب
إلى رسول اللّه ، وأعلم بتأويل كتاب اللّه ،
ومن قدمه النبي(صلى الله عليه وآله) في حياته ،
وأوصاكم به بعد وفاته [16] ؟واستمر تداول أصحاب علي(عليه
السلام) على الخطابة مذكرين المسلمين
بالمواضع التي نصب فيها الرسول(صلى الله عليه
وآله)ابن عمه إماما ، وخليفة ، وقيّما على
الدين ، ولما جاء دور أبي ذر الغفاري ، خاطب
المسلمين عامة وقريشاً خاصة فقال :يا معشر قريش ! أصبتم قباحة ،
وتركتم قرابة . واللّه ليرتدنّ جماعة من العرب
، وليشكنّ في هذا الدين .ثم ذكّر أبو ذر الحاضرين بما خسروه
لما بايعوا ( . . . ) ، قال لهم : إن الرسول(صلى
الله عليه وآله) قال : الأمر بعدي لعلي ، ثم
لإبني الحسن والحسين ، ثم للطاهرين من ذريتي .واستمر أبو ذر يقارن بين الاُمم
السابقة التي لم تراع لأوصيائها ذمة فنزل بها
العذاب ، وموقف المسلمين من علي بن أبي طالب .ومن خلال مقارنته تلك حذّر أبو ذر
من العذاب الشديد ، والخصاصة ، وتوزيع الثروة
توزيعا فيه من الظلم قدر يمكّن الرذيلة من
الانتشار في المجتمع [17] .ولم يتوقف دفاع الصحابة عن إمامة
علي بن أبي طالب على ذكر أقوال الرسول(صلى
الله عليه وآله) ، وتصوير المجتمع الذي يكون
قائده ومُسيّره علي بن أبي طالب(عليه السلام)
، بل وصل الأمر إلى السعي لتنبيه ( . . . )
ومحاولة تحريك شعوره الديني ، فقد خاطبه
المقداد بن الأسود قائلاً : يا ( . . . ) ! ارجع عن
ظلمك ، وتب إلى ربك ، والزم بيتك ، وابك خطيئتك
، وسلّم الأمر لصاحبه الذي هو أولى به منك .
ويواصل المقداد تحذيره لـ ( . . . ) ليهيء المناخ
المناسب والإطار النفساني لمطلبه المتمثل في
قوله : وبادر بالاستقالة قبل فوات الأوان ،
وسلّم الأمر لعلي بن أبي طالب حتى يخف وزرك .لقط كان كثير من الصحابة يسمعون
النصائح واللوم والتحذير ، وهي موجهة لـ ( . . . )
، وكان أغلبهم يتمنى أن تؤثر على ( . . . ) وتحمله
على التخلي عن الإمامة ، حتى ينصّب عليها علي
بن أبي طالب ، فتعود بذلك الوصية إلى أصحابها
، ولكن آمالهم كانت تذهب أدراج الرياح ، فهذا
بريدة يشاهد أن النصائح لم تنفع ، فيسترجع إلى
ربه ، ويتأسف على هذا الباطل ، ثم يسأل ( . . . ) :
يا ( . . . ) ! أنسيت أم تناسيت ، خُدعت أم خدعت
نفسك ، أم سولت لك الأباطيل ؟ ألم تذكر ما
أمرنا به رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) من
تسمية علي بن أبي طالب بإمرة المؤمنين والنبي
بين أظهرنا وقوله في عدة أوقات : هذا علي أمير
المومنين وقاتل القاسطين .ولما بيّن بريدة وذكّر قريشا
والمسلمين أن أهل بيت الرسول أولى وأحق بإرثه
، وهم إلى جانب ذلك أقوم باُمور الدين ، وحفظ
الملة ; ظن عمار بن ياسر أن كلامه قد أخذ من
قلوب المسلمين مأخذه ، طالبهم بأن يأمروا ( . . .
) بالتنحي عن مركز ما كان له أن يحتله ، حتى
يردّ الحق إلى أهله ، فلا يضطرب حبل المسلمين
، ولا يضعف أمرهم ولا يظهر شتاتهم، ولا تعظم
الفتنة فيهم ، فتكون الفرقة مآلهم ، فيطمع
فيهم عدوّهم ويغضب عليهم ربّهم وينالهم ما
نال الاُمم السابقة عندما عصوا أنبياءهم في
أمر أوصيائهم .لقد أراد ( . . . ) أكثر من مرة أن
يتنازل عن الخلافة وأن يعيدها إلى أصحابها ،
ولكن كان يتراجع عن عزمه هذا نتيجة ضغوط خارجة
عن إرادته . فـ ( . . . ) قد سعى بكل الوسائل إلى
إبعاد علي(عليه السلام)عن مركز الخلافة فكان
يقيم مع ( . . . ) الأيام الطوال حتى يثنيه عن
عزمه كلما قرّر التخلي عن منصبه لعلي ، ولم
يكتف ( . . . ) بالتأثير على ( . . . ) ; بل شجّع خالد
بن الوليد ومن معه على محاصرة منزل علي(عليه
السلام) حتى يأخذوا البيعة لأبي بكر من
المجتمعين فيه . كما صرح لكثير من الصحابة أنه
لن يترك ابن أبي طالب يصل إلى الخلافة . فقد
قال ( . . . ) مرة لإبن العباس : هل بقي في نفس علي
شيء من أمر الخلافة ؟ أيزعم أن رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) نصّ عليه ؟ فلما أجيب بأنه ما
زال يعتقد بأن الرسول(صلى الله عليه وآله)نصّ
عليه ، وأن العباس أكد ذلك . قال ( . . . ) : كان
رسول اللّه في أمره ذَرْوا ـ مدح زائد ـ من قول
لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا ، ولقد كان يربع ـ
يمتحن ـ في أمره وقتا ما ، ولقد أراد في مرضه
أن يصرّح باسمه فمنعته [18] .وبهذا الخبر وبأمثاله ناضل أهل بيت
الرسول وشيعة علي(عليه السلام) حتى يؤكدوا أن
جحود قسم من الصحابة الوصية كان متعمدا هادفا
ومخططا له منذ حياة الرسول(صلى الله عليه وآله)
.ولقد كان هذا الصنف من الصحابة
يقيمون الأفراح كلما انتصروا على الصادقين
الذين عاهدوا اللّه ورسوله ووصيه على تنفيذ
أمر الوصية ، كما كانوا يتقبلون التهاني حتى
من أعداء الدين كلما حقّقوا هدفا من أهدافهم .ثم إن الإمام عليّاً(عليه السلام)
لم يسكت عن هذا الأمر ، فقد كان يوجّه كثيرا من
الأسئلة إلى الصحابة ، كلما اجتمع بهم أو ضمّه
وإياهم مجلس ، فكان يناشدهم أن يشهدوا بما
سمعوا يوم الغدير والمباهلة والتطهير ، وفي
تبوك وخيبر ، وغيرها من المناسبات ، وكان أغلب
الصحابة يستحييون لطلبه ، وينبهون إلى فضله
ويروون ما سمعوا من الرسول(صلى الله عليه وآله)
حول إمامته . ومن كان يجحد ذلك منهم ، فإن
العذاب يحل به . فقد روي أن عليا اجتمع مرة
بأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وأنس بن مالك
وغيرهم من الصحابة وطلب من الحاضرين الذين
سمعوا حديث الغدير أن يقوموا ، فوقفوا كلّهم
إلاّ أنس بن مالك الذي اعتذر بالكبر والسهو .
فدعا علي(عليه السلام)ربه قائلا : اللّهم إن
كان كاذباً فاضربه ببلاء حسن ، فاستجاب الرب
لدعائه وظهرت بين عيني أنس نكتة بيضاء لا
تواريها العمامة [19] . ولم يكن أنس
الوحيد الذي اصيب بعقاب سماوي نتيجة جحوده
حديث الغدير . فزيد ابن الأرقم قد ذهب بصره
لأنه كتم أخبار الوصية [20] .وقبل النهاية من هذه الرسالة أودّ
أن اعطي بعض الشواهد في حضرة أئمتنا الأبرار(عليهم
السلام) الأئمة الإثني عشر . عليّ والحسن
والحسين والتسعة من أبناء الحسين فثمة تسعة
آخرون مطهرون سماهم اللّه لرسوله ليلة
الإسراء والمعراج ..وإليك أبا سليمان راعي الرسول يقول
: سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول :«لية أسري بي إلى السماء ، قال لي
الجليل جلّ جلاله : (آمن الرسول بما اُنزل إليه
من ربه) فقلت والمؤمنون . قال صدقت يا محمد !
إني اطّلعت على أهل الأرض اطلاعة فاخترتك
منهم ، فشققت لك اسماً من أسمائي ، فلا اُذكر
في موضع إلاّ ذُكرتَ معي ، فأنا المحمود وأنت
محمد .ثم اطلعت الثانية ، فاخترت علياً ،
فسميته باسمي . يا محمد ، خلقتك وخلقت علياً
وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين
من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات
والأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ،
ومن جحدها كان عندي من الكافرين .يا محمد ! إن عبدا من عبيدي عبدني
حتى ينقطع ، أو يصير كالشن البالي ، ثم جاءني
جاحدا لولايتكم ، ما غفرت له .يا محمد ! أتحب أن تراهم ؟؟ .قلت : نعم يا رب !!قال : فانظر إلى يمين العرش ، فنظرت
، فإذا علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وعلي
بن الحسين ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ،
وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ،
وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، ومحمد المهدي
بن الحسن، كأنه كوكب دريّ بينهم .وقال : يا محمد ! هؤلاء حُجتي على
عبادي وهم أوصياؤك ..» الحديث [21].وها أنا قد وصلت إلى نهاية هذه
الرحلة ، ومن هذا المجلس الذي أعطانا الفرصة
لقراءة بعض صفحات التاريخ لإلقاء الضوء على
الحديثين المرويين عن الرسول وما فيهما من
شُبهات . فالبحث استغرق عدة شهور اُمنيتي
ورجائي في اللّه أن يوفقني في عملي هذا إلى ما
يحبه ويرضاه ويلهمنا رشدنا ، ويرفع مقته
وغضبه عنا ، ويفرّج كربتنا بحضور الحجة
المنتظر ، ويعجل لنا ظهوره . وآخر دعوانا أن
الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على
أزكى الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين
.المذنب الذي لا يرجو إلاّ رحمة
اللّه وشفاعة رسوله وأهل بيته الطاهرينالعياشي ، بروكسيل 24 ربيع الأول 1421
[1] المائدة : 67 .[2] الأنبياء : 7 .[3] التوبة : 119 .[4] رواية الحافظ أبي جعفر محمد بن
جرير الطبري .[5] انظر السيرة الحلبية .[6] الشورى 23 .[7] تاريخ الطبري ج 4462 .[8] الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة .[9] البخاري ج 5 و ج 4 .[10] تاريخ الطبري واليعقوبي ج 2 .[11] النجم : 2 ـ 5 .[12] البخاري ج 5 مناقب قرابة النبي .[13] راجع السياسة والإمامة .[14] الحاكم ، المستدرك 3 : 140 ـ 142 .
الهيثمي ، مجمع الزوائد 9 : 137 .[15] الاحتجاج الطبرسي 1 : 104 .[16] الاحتجاج 1 : 101 ـ 102 .[17] الإحتجاج 1 : 99 ـ 109 .[18] ابن أبي الحديد، شرح نهج
البلاغة 3 : 97 ، المراجعات : 278 .[19] أبو نعيم ، حلية الأولياء : 26 ـ 27
.[20] الاحتجاج 1 : 97 .[21] راجع الشيخ سليمان القندوزي (حنفي
المذهب) : ينابيع المودة ج 3 .