من أعلام مدرسة أهل البیت (ع) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

من أعلام مدرسة أهل البیت (ع) - نسخه متنی

عزالدین سلیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الشريف المعتمد عبد العظيم الحسني
(رضي
الله عنه)

( 1 )

* عزالدين سليم (العراق)

مدخل :

لا يكاد المتتبع لأحاديث أهل بيت
النبي(صلى الله عليه وآله) ورواياتهم أن يقرأ
كتاباً من الكتب الجامعة لتلك الأحاديث
الشريفة إلاّ ويجد إسم المحدث الشريف أبي
القاسم عبد العظيم العلوي الحسني(رضي الله
عنه) متألقاً بين رواة أحاديث أهل البيت(عليهم
السلام) ، وفي مختلف أبواب الحديث ومضامينه.

فإنك تجد الشريف أبا القاسم عبد
العظيم(رضي الله عنه) مرة يحمل إليك الأحاديث
الصحيحة في التوحيد ومرة في الأخلاق والفضائل
، ومرة في الفرائض والسنن ، ومرة في تفسير
القرآن الكريم وكشف أسراره ، ومرة في الآداب
والمعرفة .

الأمر الذي يكشف لك عن محدث عملاق
يغور في بحر الحقائق ، ويجود على أجيال
المؤمنين بمصابيح الهداية التي يرثها عن
آبائه الهداة المهديين(عليهم السلام) .

ولم يكن الشريف أبو القاسم محدثاً
، وراوياً ، موثوقاً فحسب وإنما كان من ذوي
المواقع المتقدمة عند الأئمة من آل رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) ، ومن حملة علومهم
وأسرارهم في مرحلة سياسية من أسوأ المراحل في
تاريخ المسلمين وأئمة الحق : حيث الإقامة
الجبرية التي فرضت في الغالب على الأئمة
خصوصاً الإمام محمد بن علي الجواد ، والإمام
علي ابن محمد الهادي ، والإمام الحسن بن علي ،
عليهم آلاف التحية والسلام ، والأولان هم
اللذان عاصرهما وروى عنهما مباشرة .

وبين يدي القارئ الكريم محاولة
متواضعة لدراسة سيرة هذا العالم العلوي
الكبير اعتماداً على ما ـ حفظته لنا كتب
الرجال والحديث ـ وهو قليل طبعاً .

حيث سنتناول ما تيسر لنا الوصول
إليه من سيرته العلمية المباركة .

الهوية الشخصية وشيء من السيرة :

لم يحفظ التاريخ وكتب السيرة وكتب
الرجال إلاّ الشيء اليسير عن حياة الشريف
الثقة المعتمد عند الأئمة من آل البيت(عليهم
السلام) أبي القاسم عبد العظيم الحسني رضوان
اللّه تعالى عليه وأرضاه ، ولكن هذا الشيء
القليل يجهر بعظمة هذا العالم العلوي البصير
ومكانته عند الهداة من أئمة أهل البيت(عليهم
السلام) كما سيتضح ذلك في ثنايا هذا البحث
المتواضع .

فمن هو الشريف أبو القاسم عبد
العظيم الحسني ؟

تجمع كتب الرجال على أن عبد العظيم
غصن من أغصان الدوحة النبوية ، وفرع من هذه
الشجرة

المباركة التي أصلها ثابت وفرعها
في السماء ...

فهو : عبد العظيم بن عبد اللّه بن
علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي
طالب[1] عليهم آلاف
التحية والسلام . ويكنى بأبي القاسم .

يروي الشيخ عباس القمي(رضي الله
عنه) في سفينة البحار : أن زوجته كانت خديجة
بنت القسم الزاهد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن
أمير المؤمنين(عليهم السلام) ، وقد ذكر غيره
أن زوجته فاطمة بنت عقبة بن قيس الحِميري[2]
وكان له ولد اسمه (محمد) كان معروفاً بالزهد
وكثرة العبادة ، وكان جليل القدر عالماً[3]
.

هذا وتشير بعض المصادر الرجالية
والتاريخية أن السيد محمد هذا ، هو صاحب القبر
المشهور في قصبة (بلد) القريبة من مدينة بغداد
على نهر دجلة ، وليس كما يظن أنه قبر الشريف
السيد محمد بن الإمام أبي الحسن علي الهادي(عليهم
السلام) .

فإن هذه المصادر تشير إلى أن السيد
محمد بن الشريف عبد العظيم الحسني انتقل من
الري إلى سامراء ، وتوفي في أراضي بلد والدجيل[4]
، وقد نقل ذلك الشيخ عباس القمي(رضي الله عنه)
في منتهى الآمال عن الشيخ فتح اللّه
الأصفهاني المعروف بشيخ الشريعة(رضي الله عنه)
.

وهذا الرأي انفرد به الشيخ عباس
القمي دون غيره ، إذ المعروف لدى النسابة
وأصحاب السيرة أن صاحب القبر المشهور في (بلد)
هو قبر السيد محمد بن الإمام علي بن محمد
الهادي(عليهم السلام) لا غيره ، كما أن عبد
العظيم أعقب ابنتين : رقية وخديجة[5]
.

وقد كان الشريف عبد العظيم الحسني(رضي
الله عنه) معاصراً للإمامين الهمامين أبي
جعفر محمد بن علي بن موسى (الجواد) ، وولده علي
الهادي(عليهما السلام) ، كما عاصر جماعة من
خيرة أصحاب الإمام موسى بن جعفر وولده علي بن
موسى الرضا(عليهما السلام) .

وفوق هذا وذاك كان الشريف عبد
العظيم(رضي الله عنه) موضع ثقة الأئمة الذين
عاصرهم ، ومحط آمالهم وحامل أسرارهم وعلومهم .

روى المحدث أبو تراب الروياني ـ
وكان معاصراً لعبد العظيم ـ قال : سمعت أبا
حمّاد الرازي يقول : دخلت على علي بن محمد ـ
الهادي(عليه السلام) ـ بسرّ من رأى ، فسألته عن
أشياء من الحلال والحرام ، فأجابني فيها ،
فلمّا ودعته ، قال لي : يا أبا حمّاد إذا أشكل
عليك شيء من أمر دينك بناحيتك ، فسل عنه عبد
العظيم بن عبد اللّه الحسني ، واقرأه عني
السلام[6] .

وهذا الحديث وأمثاله مما يروى في
المكانة العلمية لعبد العظيم الحسني(رضي الله
عنه) لا يدل على جلالة الرجل وموثوقيته
ومكانته عند الأئمة(عليهم السلام) ، ومستوى
علمه ، واحاطته بعلوم أهل البيت(عليهم السلام)
فحسب ، وإنما يدل ـ فيما يدل عليه أيضاً ـ أن
بلاد الري وأقليم فارس عموماً وخراسان الكبرى
يومذاك يتصدى عبد العظيم ـ بتعيين من الأئمة(عليهم
السلام) وتكليف منهم ـ لإدارة شؤون أتباع أهل
البيت(عليهم السلام) فيها بطريقة سريّة منظمة
، خصوصاً في الاُمور الثقافية والتوجيه ،
وإرساء قواعد الحق ، وتنظيم اُمور أتباع أهل
البيت(عليهم السلام) ، وصيانتهم من الذوبان .

وكان يتخذ من مدينة ري (جنوب طهران
الحالية) مقرّاً لعمله ، وكان يسكن في منزل
تحت الأرض تحت دار لأحد الشيعة في مدينة ري
على مقربة من قبر الإمام حمزة بن موسى بن جعفر(عليهم
السلام) توقياً لعيون أجهزة

السلطة المحلية لحكومة الدولة
العباسية ، التي كانت تبحث عنه ، وتلاحقه[7]
.

ومن أجل ذلك كان أبو القاسم عبد
العظيم قد أخفى اسمه ولقبه ، طوال وجوده في
مدينة ري ولم يطلع إلاّ نفر من خواص الشيعة
على اسمه ، حتى إذا اقترب أجله كتب رقعة باسمه
الشريف ونسبه إلى علي بن أبي طالب(عليه السلام)
ووضعها في قميصه حيث عثروا عليها بعد موته
وفيها ما يلي :

«أنا أبو القاسم : عبد العظيم بن
عبد اللّه بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن
علي بن أبي طالب»[8] .

مكانته العلمية وموقعه الديني :

لقد كان اتخاذ الأئمة من آل البيت(عليهم
السلام) لأبي القاسم عبد العظيم الحسني(رضي
الله عنه) أحد قنوات المعرفة الربانية
وإرشادهم الناس في الجناح الشرقي من البلاد
الإسلامية إلى اعتماده مرجعاً فكرياً
ومنهلاً للمعرفة وعلوم أهل البيت(عليهم
السلام) حجة واضحة على المكانة العلمية التي
يتمتع بها هذا العالم العلوي المبارك ، بقدر
ماهو دليل على سمو أخلاقه ، وسلامة دينه وخطه
، ودرجة موثوقيته العالية جداً الأمر الذي
أهلّه لاحتلال هذا الموقع العظيم في اعتماد
أحاديثه وأقواله التي رواها عن مصادر المعرفة
في اُمة محمد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) .

وهذه بعض النصوص التي تؤكد مكانته
العلمية وعلو شأنه في الاستقامة ، وسلامة
الخط على منهاج رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
وأهل البيت الطاهرين(عليهم السلام) .

فقد نقلنا عن الإمام أبي الحسن علي
الهادي(عليه السلام) قوله لأبي حماد : «إذا
أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك ، فسل عنه
عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني ...»[9]
.

وهذا الحديث الوارد عن المعصوم(عليه
السلام) دليل على المكانة العلمية والدرجة
الموثوقية ، وعلو الشأن التي يمتاز بها
الشريف عبد العظيم الحسني(رضي الله عنه) .

ومما نستلهمه عن مكانة هذا العالم
العلوي المقدسة ما ورد عن الإمام أبي الحسن
علي الهادي(عليه السلام) حول زيارة قبر أبي
القاسم عبد العظيم الحسني(رضي الله عنه) في
مدينة ري .

روى الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال
بسند مرسل : أن رجلاً من أهل الري دخل على
الإمام أبي الحسن الهادي(عليه السلام) ، فقال
الإمام(عليه السلام) أين كنت قال : زرت الحسين(عليه
السلام) .

قال : الإمام : أما إنك لو زرت قبر
عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار قبر الحسين
صلوات اللّه عليه[10] .

وهذا النص الشريف كما يدل على
المكانة الرفيعة التي يحتلها الشريف عبد
العظيم الحسني هدياً ، وسمتاً وعلماً ، فإنه
يدل كذلك على أن الشريف أبا القاسم(رضي الله
عنه) كان قد توفي في زمن الإمام أبي الحسن علي
الهادي(عليه السلام) .

وقد شكك المرحوم السيد أبو القاسم
الخوئي في صحة الرواية قائلاً بمجهولية
الراوي عن المعصوم(عليه السلام)فسند الرواية
ورد هكذا .

روى الشيخ الصدوق عن علي بن أحمد عن
حمزة بن القاسم العلوي عن محمد بن يحيى العطار
عمن دخل على أبي الحسن علي بن محمد الهادي(عليه
السلام) من أهل ري ، فمن هذا الذي دخل على
الإمام(عليه السلام) وروى عنه ؟!

كما أن السيد الخوئي قد اعتمد على
الرأي القائل أن عبد العظيم كان قد توفي في
عهد الإمام أبي محمد الحسن العسكري(عليه
السلام) ، وهو رأي للشيخ أبي جعفر الطوسي ورد
في بعض نسخ رجاله دون اُخرى حيث

اعتبر الشريف أبا القاسم عبد
العظيم(رضي الله عنه) من أصحاب الإمام أبي
محمد العسكري[11] صلوات
اللّه عليه فاعتمده السيد الخوئي(رضي الله
عنه) رغم أن الشيخ الطوسي(قدس سره) قد ذكره على
رأس أصحاب الإمام الهادي(عليه السلام)[12]
أيضاً .

على أن السيد محمد صادق آل بحر
العلوم في تعليقه على ذكر الشريف عبد العظيم(رضي
الله عنه) ضمن أصحاب الإمام العسكري(عليه
السلام) في رجال الطوسي اعتمد على رواية ثواب
الأعمال للشيخ الصدوق(رضي الله عنه) التي تشير
إلى أن الشريف أبا القاسم لم يكن حياً في زمان
أبي محمد الإمام العسكري عليه الصلاة والسلام
، وقد ذكرنا تلك الرواية فيما مضى .

وفي عقيدتي أن هذا التوجيه الصادر
من الإمام أبي الحسن الهادي(عليه السلام)بشأن
زيارة قبر الشريف أبي القاسم ـ لو افترضنا
صحته ـ كان توجيهاً حكيماً ، خصوصاً وأن
الشريف كان قد توفي في عهد المتوكل العباسي
الذي وضع أشد القيود على زيارة الإمام الحسين(عليه
السلام) كما سنرى ، ومحا قبره الشريف ووضع
المفارز العسكرية لإلقاء القبض على كل من
يزوره ومعاقبته بأشد ألوان العقوبات ، فأراد
الإمام(عليه السلام) أن يحفظ أتباعه بهذا
التوجيه ، وإلاّ فزيارة الحسين(عليه السلام)
لا تعدلها زيارة الشريف أبي القاسم(رضي الله
عنه)لاختلافهما في المقامين والمكانة وإن
كانت زيارة هذا العالم العلوي المعظم لها شرف
عظيم .

ويعضّد تلك الرواية السابقة ما ورد
أيضاً عن الإمام أبي الحسن علي الهادي(عليه
السلام) حول زيارة قبر أبي القاسم عبد العظيم(رضي
الله عنه) وما فيها من الثواب: «من زار قبره
وجبت له على اللّه الجنة»[13]
. وهي ترمي إلى نفس الهدف الذي أشرنا إليه .

هذا وقد توهم الشهيد الثاني(رضي
الله عنه) حين نسب هذا الحديث إلى الإمام علي
ابن موسى الرضا صلوات اللّه عليه ، ويعتقد
الشيخ عبد اللّه المامقاني(رضي الله عنه)أن
سبب توهم الشهيد الثاني يعود إلى أن الراوي
ذكر : أن القائل هو أبو الحسن(عليه السلام)[14]
فاعتقد الشهيد(رضي الله عنه) أن أبا الحسن هو
الإمام الرضا(عليه السلام) ، علماً بأن الإمام
علي الهادي يشترك مع جده الإمام علي بن موسى
الرضا(عليه السلام)بكنية أبي الحسن .

هذا ومن الجدير ذكره من أن جلَّ
علماء الرجال يقطعون أن الشريف أبا القاسم
الحسني(رضي الله عنه) كان من أصحاب الإمام
محمد بن علي الجواد وولده الإمام علي بن محمد
الهادي ـ صلوات اللّه عليهما ـ دون غيرهما[15]
.

على أن بعض الآثار تفيد أن الشريف
الحسني قد شهد الإمام علي بن موسى الرضا(عليه
السلام) وسمع منه ، كما تفيد رواية الشيخ
المفيد في كتابه الاختصاص ـ وهذه هي الرواية «وروي
عن عبد العظيم ، عن أبي الحسن الرضا(عليه
السلام) : قال : يا عبد العظيم أبلغ عني أوليائي
السلام وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على
أنفسهم سبيلاً ، ومرهم بالصدق في الحديث
وأداء الأمانة ، ومرهم بالسكوت وترك الجدال
فيما لا يعنيهم وإقبال بعضهم على بعض
والمزاورة فإن ذلك قربة إلي ، ولا يشغلوا
أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاّ فإني آليت على
نفسي أنه من فعل ذلك وأسخط ولياً من أوليائي ،
دعوت اللّه ليعذبه في الدنيا أشدّ العذاب
وكان في الآخرة من الخاسرين وعرّفهم أن اللّه
قد غفر لمحسنهم وتجاوز عن مسيئهم إلاّ من أشرك
به أو آذى ولياً من أوليائي ، أو أضمر له سوءً
فإن اللّه لا يغفر له حتى يرجع عنه فإن رجع
وإلاّ نزع روح الإيمان عن قلبه وخرج عن ولايتي
، ولم يكن له نصيب في ولايتنا ، وأعوذ باللّه
من ذلك»[16] .

وقد أوضحنا أن سلسلة الرواة
المنتهية إلى الإمام الرضا(عليه السلام) لا
تفيد القطع أنّ الشريف قد عاصر الإمام الرضا(عليه
السلام) لأن كنية الإمام علي بن محمد الهادي(عليه
السلام) كانت أبا الحسن(عليه السلام) فلعلّ
الراوي توهم من أن أبا الحسن

المنتهية إليه الرواية ، كان
الإمام الرضا(عليه السلام) كما استفدنا من
رؤية الشيخ عبد اللّه المامقاني فيما سبق .

وقد روي عن الإمام أبي الحسن علي بن
محمد الهادي(عليه السلام) حول مكانة عبد
العظيم الحسني(رضي الله عنه) ما يلي : «أنت
وليّنا حقاً»[17] .

وبناء على هذه الشهادة الناطقة
بالحق ندرك السر الذي جعل الأئمة من آل محمد(صلى
الله عليه وآله) الذين عاصرهم أبو القاسم عبد
العظيم(رضي الله عنه) يتخذون منه ترجماناً
للهدى الذي يحملونه ، ووكيلاً رسمياً لهم
وقناة من قنواتهم لنشر الحق في اُمة محمد(صلى
الله عليه وآله) بل كان معتمدهم في شرق
الأقاليم الإسلامية .

ومن أجل ذلك نجد أن الإمام الهادي(عليه
السلام) يدعو أتباعه في الإقليم الشرقي من
بلاد المسلمين ألاّ يتجشموا عناء السفر للقاء
الإمام(عليه السلام) من أجل التعرف على مفاهيم
الإسلام وقيمه ونظراته في الاُمور ، طالما
عندهم الشريف المعتمد أبو القاسم عبد العظيم
الحسني(رضي الله عنه) ـ كما مرّ في توجيه
الإمام أبي الحسن(عليه السلام) إلى أبي حماد ـ
.

جلالته وشخصيته الدينية :

أما جلالة عبد العظيم(رضي الله عنه)
، وسمّو أخلاقه المصاغة في ضوء تعاليم الهدى ،
فتعكسها الكلمات الآتية : يقول النجاشي في
رجاله ما يلي : «كان عبد العظيم ورد الري
هارباً من السلطان ، وسكن سرباً من دار رجل من
الشيعة ، في سكة الموالي ، وكان يعبد اللّه في
ذلك السرب ، ويصوم نهاره ، ويقوم ليله ...»[18]
.

ويقول الصاحب بن عباد(رضي الله عنه)
في رسالة له في صفة الشريف أبي القاسم(رضي
الله عنه) ما يلي : «ذو ورع ، ودين ، عابد معروف
بالأمانة ، وصدق اللهجة ، عالم باُمور الدين ،
قائل بالتوحيد والعدل ، كثير الحديث والرواية...»[19]
.

إن كلمات الأئمة من آل النبي(صلى
الله عليه وآله) الواصفة لمكانة أبي القاسم(رضي
الله عنه)عندهم كاعتباره وليهم حقاً[20]
، وإرجاعهم المؤمنين في الإقليم الشرقي إليه
، وربطهم به من أجل معرفة الهدى والحق[21]
، والمنهاج السوي إنما هي شهادات لا ترد على
المكانة المرموقة التي يحتلها هذا العبد
الصالح في حركة الهدى ومسيرة الأبرار التي
يقودها آل محمد(صلى الله عليه وآله) .

الوضع الثقافي الذي عاشه الشريف
الحسني(رضي الله عنه) :

بسبب إهمال التاريخ لسنة ولادة
الشريف عبد العظيم الحسني(رضي الله عنه)وسنة
وفاته فإن بمقدورنا أن نتصور أن الفترة التي
عاشها الشريف أبو القاسم(رضي الله عنه) كانت
بين أواخر حياة الإمام أبي الحسن علي بن موسى
الرضا(عليه السلام) (توفي عام 203 هجرية) وأواخر
حياة حفيده أبي الحسن علي ابن محمد بن علي
الهادي (العسكري) عليهم جميعاً آلاف التحية
والسلام (توفي عام 254 هجرية) ، بناء على أن كتب
الرجال والآثار تؤكد أن الشريف أبا القاسم
الحسني(رضي الله عنه) كان من معاصري الإمام
أبي جعفر محمد بن علي بن موسى الجواد(عليه
السلام) وولده علي بن محمد الهادي(عليه السلام)
، ومن مبرزي تلاميذهما وحوارييهما .

وهذه الفترة من أهم الفترات على
المستوى الحضاري والفكري بالنسبة لمسيرة
الإسلام والمسلمين العامة وأعظمها وأكثرها
دقة بالنسبة لمدرسة أهل البيت(عليهم السلام)
إذ تشكل هذه المرحلة وبعدها بقليل أهم فترة
على مستوى وضوح الأهداف والمبادئ ومنهاج
المسيرة حيث شخصت كافة معالم مدرسة آل محمد(صلى
الله عليه وآله) ،

رغم قسوة الظروف والأيام ، ثم جرت
عملية الغيبة لإمام الهدى من آل البيت(عليهم
السلام) الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن بن
علي(عليهم السلام) التي بدأت عام 260 من الهجرة
بعد وفاة أبيه أبي محمد العسكري(عليه السلام)
وما جرى حولها من شجون وشؤون .

وعلى مستوى الثقافة الرسمية «مدرسة
الخلفاء والحكام» تبلورت شخصية هذه المدرسة
فكرياً أيضاً ، وعاش في هذه المرحلة أهم
محدثيها وفقهائها الذين صاغوا معالم تلك
المدرسة وبلوروا خطها الفكري من خلال
مؤلفاتهم ، وتلامذتهم ودونت في هذه الفترة
أهم المجامع الحديثية التي تشكّل الأساس
الفكري والثقافي لخط الخلفاء والحالة
الرسمية التي بدأت منذ يوم السقيفة ، واعتلاء
الصحابي القرشي أبي بكر لمنصة الحكم بعد
النبي(صلى الله عليه وآله) .

ففي هذه الفترة عاش إمام الحديث
عند أهل السنّة أبو عبد اللّه محمد ابن
اسماعيل البخاري (194 ـ 256 هجرية) وظهر كتابه (الجامع
الصحيح) ، كما عاش مسلم بن الحجاج القشيري
النيسابوري (206 ـ 261 هجرية) وألّف صحيحه ، ومسلم
قد لازم البخاري وأخذ عنه عند لقائه إياه في
نيسابور .

وفي هذه المرحلة عاش المحدّث
الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعث الأزدي
السجستاني (202 ـ 275 هجرية) كما عاش الحافظ أبو
عيسى محمد بن عيسى السلمي الترمذي (209 ـ 279
هجرية) ، وكان قد أخذ من البخاري وله به علاقة
خاصة .

وفي هذه الحقبة التاريخية
الحساسّة عاش الحافظ أبو عبد اللّه محمد ابن
يزيد بن ماجة القزويني (206 ـ 273 هجرية) ، كما عاش
في هذه الفترة الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن
شعيب النسائي (225 ـ 303 هجرية) ، وكان قد أخذ عن
أبي داود .

وهؤلاء من أبزر أئمّة الحديث
والرواية عند أهل السنّة عليهم مدار الأحكام
والفرائض والسنن عندهم .

أقول : في هذه الأجواء الفكرية
المميّزة عاش الشريف أبو القاسم عبد العظيم
الحسني(رضي الله عنه) ، واحتل أهم المواقع في
ترويج مبادئ مدرسة آل النبي(صلى الله عليه
وآله) ، والدعوة لمنهج أهل البيت(عليهم السلام)
وكان من أركان هذه المدرسة ، وهذا المنهج
الرباني الأصيل .

وقبل البدء بمهمته عملياً ، أجرى
لنفسه اختباراً أمام الإمام(عليه السلام) حيث
عرض دينه ومذهبه الحق على الإمام أبي الحسن
علي بن محمد الهادي(عليه السلام) ، وهذا ما
يسمى في أحاديثنا بحديث «عرض الدين»[22]
.

إن من المؤسف حقاً أن يجهل التاريخ
سيرة هذا العالم العلوي العملاق ، ويخفي
الكثير من معالم حياته ، وحركته ، وجهاده ،
فلم يبق منها إلاّ النزر اليسير جداً .

فلم يعكس لنا التاريخ مثلاً كيفية
تلقيه للمعرفة ، وكم من السنين رافق الإمام
أبا جعفر محمد بن علي الجواد(عليه السلام) أو
ولده الهادي(عليه السلام) ، وكيف تعلّم عندهما
، وهل رافق الإمامين(عليهما السلام) في
المدينة المنورة أو في بغداد وسامراء مثلاً ؟.

وهل كان له كتاب في الحديث
والرواية أم أن أحاديثه التي رواها عنه
المحدثون في شتّى فنون المعرفة كان يلقيها
شفاهاً من يثق بهم من العلماء والرواة ؟.

هذه وغيرها من الأسئلة الحائرة
التي لم تجد لها جواباً لا في التاريخ ، ولا في
كتب الرجال والحديث .

إن كثيراً من جوانب هذه الشخصية
العلمية المعتمدة عند أهل البيت(عليهم السلام)
لم تسلّط عليها الأضواء بسبب ظلم التاريخ
الذي كانت صفحاته تدونها أقلام ذات صلة
بالسلاطين وحكّام الجور ، علاوة على حالة
الكتمان والمطاردة التي عاشها الشريف(رضي
الله عنه) .

إننا حين نتصفح كتب الأحاديث
والتفسير والمواعظ والسنن والأحكام ،
والفرائض نجد اسم الشريف أبي القاسم الحسني(رضي
الله عنه)متألقاً في جميع هذه الحقول ، حيث
يروي عشرات الأحاديث في المجالات
الثقافية المختلفة عن أئمّة أهل البيت(عليهم
السلام) مباشرة أو بالوساطة .

فالوثائق القليلة المتوفرة لدينا ;
تؤكد أن الشريف أبا القاسم(رضي الله عنه)كان
يروي مباشرة عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي
الجواد(عليه السلام) وولده الإمام أبي الحسن
علي بن محمد بن علي الهادي(عليه السلام) وكان
يروي بتوسط جماعة من أصحاب الإمامين موسى بن
جعفر الكاظم ، وولده علي بن موسى الرضا عنهما
عليهما الصلاة والسلام[23]
وممّن روى عنهم ابن أبي عمير وابراهيم بن أبي
محمود والحسن بن الحسين العرني والحسن بن
محبوب ، وسهل بن سعد وعلي بن أسباط ومالك بن
عامر ومحمد بن فضيل ، وموسى بن محمد العجلي
وغيرهم من أصحاب الأئمّة[24]
، وكان ممّن يروي عنه أبوه الشريف عبد اللّه
الحسني[25] ، وقد روى
عنه من رجال الشيعة خلق كثير من أمثال : أحمد
بن أبي عبد اللّه البرقي ، وأبي تراب عبيد
اللّه بن موسى الحارثي الروياني ، وسهل
الآدمي[26] ، وأحمد ابن
مهران وسهل بن جمهور وأحمد بن محمد وغيرهم[27].

أمّا ما ذكر من مؤلفات الشريف
الحسني(رضي الله عنه) فهي كتابه : خطب أمير
المؤمنين(عليه السلام)[28]
، وكتاب (يوم وليلة)[29].


[1] رجال النجاشي طـ
5 ، 1416 هجرية ص 247، وتنقيح المقال : الشيخ عبد
اللّه المامقاني، وغيرهما، 1 منتقلة الطالبية
: 156 ـ 157 .

[2] منتقلة الطالبية
: 156 ـ 157، الشريف النسابة أبو اسماعيل ابراهيم
بن ناصر بن طباطبا من أعلام القرن الخامس
الهجري طـ النجف 1968م .

[3] سفينة البحار 2 :
120 ـ 121 طـ حجرية قديمة .

[4] انظر كتاب مشاهد
العترة الطاهرة وأعيان الصحابة والتابعين :
للسيد عبدالرزاق كمونة الحسيني : 57 ـ 58 مطبعة
الآداب النجف الأشرف 1968م .

[5] منتقلة الطالبية
: 156 ـ 157 .

[6] خاتمة مستدرك
الوسائل : الميرزا حسن النوري الطبرسي (ت 1320 هـ)
4 : 406 .

[7] انظر رجال
النجاشي : 248 .

[8] النجاشي : 248
وغيره .

[9] خاتمة مستدرك
الوسائل 4 : 406 .

[10] نقل الحديث
الشيخ النوري في خاتمة المستدرك 4 : 405 الفائدة
الخامسة، ورواه المامقاني في تنقيح المقال :
157 عن الشيخ الصدوق، ورواه الخونساري في روضات
الجنات 3 : 211 .

[11] رجال الطوسي :
433، انظر الهامش، ومعجم رجال الخوئي 10 : 48 .

[12] نفس المصدر
السابق : 417 .

[13] تنقيح المقال :
157 ، وروضات الجنات 4 : 210 .

[14] تنقيح المقال :
157 .

[15] انظر خاتمة
المستدرك الفائدة الخامسة ، شرح مشيخة من لا
يحضره الفقيه : 404 وتنقيح المقال : 157 وروضات
الجنات 4 : 207 .

[16] الاختصاص : 247 ،
ورواه البحار 16 : 63 .

[17] روضات الجنات 4
: 209 .

[18] رجال النجاشي :
248 بإسناده، والسَرَب : بيت تحت الأرض وحفير
تحت الأرض .

[19] خاتمة مستدرك
الوسائل 4 : 404، وروضات الجنات 4 : 208 .

[20] كمخاطبة
الإمام علي الهادي(عليه السلام) له، راجع
روضات الجنات 4 : 409 مصدر سابق .

[21] توجيه الإمام
الهادي(عليه السلام) لحماد بشأن الرجوع
للشريف الحسني راجع المستدرك 4 : 406 .

[22] التوحيد :
الشيخ الصدوق : 81 ـ 82 باب التوحيد ونفي التشبيه
حديث 37 .

[23] خاتمة
المستدرك 4 : 404 .

[24] معجم رجال
الحديث : للإمام الخوئي 10 : 50 .

[25] سفينة البحار :
للشيخ عباس القمي : 120 طـ قديمة .

[26] شرح مشيخة من
لا يحضره الفقيه 4 : 66، وخاتمة المستدرك 4 : 405 .

[27] رجال الخوئي 10 :
50 .

[28] رجال النجاشي :
274 .

[29] روضات الجنات 4
: 208 .


/ 1