من فقه مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)
تغيير قيمة العملة
* الشـيخ حسـن الجـواهـريالمقدمة :
قبل البدء في البحث : لابد من التنبيهإلى خطرين يقفان في طريق المجتهد لابد من
تجاوزهما :الخطر الاول : تبرير الواقع الفاسد على
حساب تطوير النص .ويحدث هذا الخطر عند مَنْ استسلم
للواقع الاجتماعي أو الاقتصادي الفاسد الذي
يعيشه كما حدث لبعض المفكرين المسلمين حيث
تأول حرمة الربا ، وخرج بنتيجة تواكب الواقع
الفاسد ، وهي أن الاسلام يسمح بالفائدة إذا لم
تكن اضعافاً مضاعفة ، وإنما ينهى عنها إذا
بلغت مبلغاً فاحشاً كما في آية : (يا أيها
الذين آمنوا لا تأكلوا الربا اضعافاً مضاعفة
واتقوا اللّه لعلكم تفلحون)(1)
.وقد منع هذا الواقع الفاسد هؤلاء
المفكرين من ادراك غرض الاية التي كانت تريد
لفت نظر المرابين إليه ، وهو النتائج الفظيعة
التي يسفر عنها الربا ، ولهذا نرى
القرآن الكريم يقول : (وإن تبتم فلكم رؤوس
اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)(2)
.إذن المسألة ليست مسألة حرب مع نوع خاص
من الربا ، وإنما هي مسألة عدم جواز نموّ رأس
المال من دون مبررات شرعية لنموّه .إذن النتيجة هي عدم جواز اتباع الواقع
الفاسد الذي يعيشه المسلمون اليوم ، وهو
الواقع الرأسمالي الذي تعيشه بعض البلدان
الاسلامية ، أو الواقع الاشتراكي الذي تعيشه
بعض البلدان الاخرى ، وإنما يجب أن تكون
الشريعة الاسلامية هي المتبعة ، ويكون مذهبها
الاقتصادي هو المتبع أيضاً وإن خالف الواقع
المعاش ، فينبغي لعلماء الاسلام أن يغيّروا
الواقع إذا لم يكن منسجماً مع الشريعة
الاسلامية ، حتى تكون هذه الشريعة هي المتبعة.الخطر الثاني : اتخاذ موقف معين مسبق
تجاه المسألة .كما إذا كان العالم الذي يبحث المسألة
له اتجاه نفسي ، فإن هذا الاتجاه النفسي سوف
يؤثر عليه إلى حدٍّ كبير في عملية الاستنباط
أو فهم النص الشرعي ، وقد تصل المرحلة إلى
اغوائه وخداعه ، بحيث تنطمس امام عينيه جوانب
واضحة من النص الشرعي الذي لم ينسجم معه
نفسياً .ومثال ذلك ما ينهجه علماء العقائد في
سبيل ترسيخ عقائدهم المنسجمين معها نفسياً ،
فيحاولون تفسير وتأويل النصوص الشرعية بما
ينسجم مع هذه العقيدة ، وقد تصل هذه الطريقة
إلى حدِّ الاغواء والخداع ، فأيُّ موضوعية في
مثل هذا البحث ؟ !ومن الامثلة الفقهية من الشريعة
الاسلامية ما نراه من نهي النبي(صلى الله عليه
وآله) : عن ذبح الحمر الاهلية يوم خيبر ، فإن
بعض العلماء يتخذون موقفاً نفسياً مسبقاً
تجاه النص ، وهو الموقف القائل إن كل نص هو حكم
شرعي عام ، وإن النبي(صلى الله عليه وآله) هو
مبلغ الاحكام دائماً . إذن هؤلاء العلماء سوف
يفسرون النص المسبق بأنه حكم شرعي عام ، بينما
هذا الموقف الخاص من تفسير النص لم ينبع من
النص نفسه ، وإنما نتج عن اتجاه نفسي خاص عند
العالم ، ويمكن أن يكون نهي النبي(صلى الله
عليه وآله) هو اجراء معين اتخذه في تلك الحالة
والفترة ، بما أنه ولي الامر المسؤول عن
رعاية مصالح المسلمين ، وحينئذ يكون النهي
نهياً ولائياً بما أن النبي(صلى الله عليه
وآله) هو حاكم المسلمين .وقد نبه الامام الباقر(عليه السلام) في
صحيحة محمد بن مسلم وزرارة إلى ذلك ، حيث
سألوه عن أكل لحوم الحمر الاهلية ، فقال : «
نهى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) عن أكلها
يوم خيبر ، وإنما نهى عن أكلها في ذلك الوقت
لانها كانت حمولة الناس ، وإنما الحرام ما
حرّم اللّه في القرآن »(3)
.وفي صحيحة محمد بن مسلم عن الامام
الباقر(عليه السلام) قال : « نهى رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) عن اكل لحوم الحمير ، وإنما
نهى عنها من أجل ظهورها مخافة أن يفنوها ،
وليس الحمير بحرام ، ثم قرأ هذه الاية (قل لا
أجد فيما أوحي إليّ محرَّماً على طاعم يطعمه
...)(4)
.إذن موضوعية البحث في النصوص الشرعية
تفرض على الباحث استيعاب كل هذين التقديرين ،
وتعيين احدهما على ضوء صيغة النص الظاهرة .فالنتيجة أنه لا يجوز أن يكون عند
الباحث في مسألتنا موقف مسبق معين يقول بوجوب
، يعوض العذر الذي حدث لهذا الفرد نتيجة
لمعاملة قد قام بها بكل اختياره وارادته ، ما
دام لا يوجد دليل ظاهر من الشريعة الاسلامية
على تعويضه ، بل ربما يكون الحكم بتعويضه
مخالفاً لمبادئ الشريعة الحقة . فالنظر
الموضوعي في بحثنا الذي نريد أن نبحثه يدعونا
إلى فحص الادلة الشرعية للحكم بتعويض الضرر
أو عدم الحكم به .وبعد هذه المقدمة نقول : ماهي المشاكل
المتصورة المتعلقة بتغيير قيمة العملة ؟ .والجواب : هناك مشكلتان تتعلقان
بكيفية الوفاء .الاولى : كيفية الوفاء في عقد القرض
إذا تغيّرت القيمة .الثانية : كيفية الوفاء للثمن المؤجل
في البيع إذا تغيّرت القيمة .وسوف نبحث كل واحدة من المشكلتين على
حدة ، لنرى الحكم الشرعي في الشريعة
الاسلامية (الامامية) . وتوجد مشكلة ثالثة لا
تتعلق بالقرض أو البيع ، نتعرض لها في آخر
البحث ، وهي مشكلة مهر الزوجة الذي كان عبارة
من مئة تومان ايراني قبل ثلاثين سنة ، فكيف
توفّى هذه الزوجة مهرها ؟ وامثال هذه المسائل
. وهنا نبحث المسألة من الناحية الفقهية .أما المشكلة الاولى : فهي جزء من مبحث
في الشريعة الاسلامية هو كيفية الوفاء في عقد
القرض ، سواء كان المال المقترض من المثليات ،
كالحنطة والشعير والاوراق النقدية والدنانير
الذهبية والدراهم الفضية ، أو كان من
القيميات كقرض خاتم عقيق أو زمرّد .وهنا لابد لنا من معرفة معنى القرض في
الشريعة الاسلامية أولاً ، ثم نرى كيف يؤدى
المال المقترَض ثانياً .معنى القرض : لا يخفى أن معنى القرض
معروف ، وهو «تملك كمية من المال مع ردّ عوضه
في غير المجلس غالباً» وقد اثبته اللّه
سبحانه وتعالى للمحتاجين .ثم إن المال المقترض إما أن يكون من
المثليات أو من القيميات ، والمثلي: ما تساوت
اجزاؤه في القيمة والمنفعة وتقاربت صفاته ،
كالسكر والحنطة والدهن النباتي وامثالها ،
والقيمي : هو ما كانت اجزاؤه مختلفة في القيمة
والمنفعة ، مثل القثاء والعقيق والزمرد
وامثالها .فإن اقترض الانسان شيئاً مثلياً ، فقد
يكون احد اقسام ثلاثة :1 ـ أن يقترض مثلياً وهو عرض من الاعراض
، كالثوب المثلي ، والحنطة والرز .2 ـ أن يقترض نقداً مثلياً «ذهباً أو
فضة» .3 ـ أن يقترض نقداً ورقياً تكون ماليته
اعتبارية من قبل الدولة والزامية .والمشكلة المطروحة هنا من قبل
الباحثين هي فقط في النقد الورقي إذا تغيرت
قيمته إلى النقيصة ، بينما ينبغي أن تبحث
المسألة بصورة اوسع ; لان الذهب والفضة الذين
كانا هما النقد المتعارف قبل سنة 1914 م ، أي قبل
الحرب العالمية الاولى ، أيضاً تتغير قيمتهما
بالنقيصة والزيادة ، ولا يلتفت إلى من يقول
بأن قيمة الذهب والفضة ثابتة لم تتغير ،
مادامت النصوص الكثيرة في زمان الامام الصادق(عليه
السلام) تخبرنا عن نزول قيمة الذهب مرة ونزول
قيمة الفضة مرة اُخرى ، وإليك رواية واحدة من
الروايات الكثيرة ليتضح لك الامر .روى عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال : «
سألت أبا الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام) عن
رجل يكون عنده دنانير لبعض خلطائه ، فيأخذ
مكانها ورقاً في حوائجه وهو يوم قبضت سبعة
وسبعة ونصف بدينار ، وقد يطلب صاحب المال بعض
الورق ، وليست بحاضرة فيبتاعها له الصيرفي
بهذا السعر ونحوه ، ثم يتغير السعر قبل أن
يحتسبا حتى صارت الورق اثنا عشر بدينار ، هل
يصح ذلك له ، وإنما هي بالسعر الاول حين قبض
كانت سبعة وسبعة ونصف بدينار ؟ ...»(5) .وكذلك ينبغي أن تبحث المسألة في صورة
ما إذا كان المال المقترض من العرض كالحنطة
والسكر ، حيث أن قيمتهما تنخفض مرة وترتفع
اُخرى كما هو واضح .ثم إن ارتفاع العرض أو انخفاضه ، وكذلك
ارتفاع الذهب أو الفضة أو انخفاضهما ، قد يكون
سببه ظلم الانسان لاخيه الانسان في سلوكه
الاقتصادي من احتكار أو غيره ، وقد يكون سببه
من السماء ، كما إذا تحسن المطر في سنة من
السنين فكان الناتج جيداً ووافراً ، وقد يسوء
المطر أو ينقطع في سنة اُخرى فيكون الناتج
رديئاً أو قليلاً ، كما يمكن أن يكون ارتفاع
سعر الذهب نتيجة لقلته في بعض البلدان ، ورخصة
في مكان آخر نتيجة عثور تلك الدولة على مناجم
له في ارضها ، وكذلك نقول نفس الكلام في
الاوراق النقدية ، فقد ترتفع قيمتها نتيجة
لتحسن الاوضاع الاقتصادية وقد تنزل قيمتها
نتيجة لتردي الاوضاع الاقتصادية ، لانها
اصبحت الان بنفسها قيمة سوقية ، ويُقصد النقد
بنفسه لانه مال ، وإن كان هذا المال اعتباراً
، ويدل عليه السيرة من قبل الناس والاعتبار من
قياس قيمة كل شيء بالاوراق النقدية . ومعنى
هذا أن النقد الورقي اصبح الان عرضاً مطلوباً
بنفسه وهو مال اعتباري . إذن المشكلة التي يجب
أن تبحث ليست مقتصرة على النقد الورقي ، وليست
مختصة بتدهور القيمة إلى النزول ، بل يجب أن
يبحث في المسألة كل نقد ، سواء كان ورقياً أو
معدنياً ، كما يجب أن تبحث في حالة تدهورها أو
تحسنها ، لاننا نرى امكان تحسن قيمة النقد
الذهبي أو الفضي أو الورقي أمراً متصوراً
وواقعاً ، حتى في هذا الزمان بالنسبة للاوراق
النقدية للدول المتقدمة من الناحية
الاقتصادية ، كاليابان واميركا وامثالهما ،
كما يجب أن يبحث في المسألة اقتراض العرض الذي
قد تنزل قيمته ، وقد ترتفع للاسباب المتقدمة .
جواب المشكلة :
إذا اقترض الفرد شيئاً من المثلياتالمتقدمة بأقسامها الثلاثة ، فبما أن القرض
معناه تملك الشيء مع ردّ عوضه في غير المجلس
غالباً ، أي حسب المدة المتفق عليها بين
الطرفين إن كانت ، فهنا يكون المقترض قد أقدم
على ضمان ما في ذمته من هذا المثلي ، فلنفرض أن
المقترض قد اقترض خمسة كيلو جرامات من الحنطة
لمدة شهر واحد ، فهو مسؤول عن ضمان هذا
المقدار المثلي بعد الشهر الواحد ، سواء كانت
قيمة الحنطة قد ارتفعت نتيجة لتدهور حالة
الطقس وهجوم الجراد على المزارع ، أو كانت
الدولة قد جمعت الحنطة لاجل تصديرها إلى دولة
أخرى ، أو قد جمعها المحتكر يترقب بها الغلاء
، وقد تكون الحنطة قد تدهورت قيمتها نتيجة
لتحسن الطقس وهبوط الامطار الملائمة للزراعة
، أو استوردت الدولة كميات كبيرة من الحنطة ،
أو منعت وعاقبت المحتكرين فنزلت الحنطة من
مستودعات المحتكرين إلى السوق ، وكل الروايات
الواردة في اقتراض المثليات تؤكد وجوب ارجاع
المثل (بصفاته وقدره) ، ولا توجد أي رواية تقول
بوجوب ردّ توفرها يمكن أن يشتري بالقرض في زمن
القرض ، بل كان الروايات تقول بوجوب ردّ عوض
القرض (بصفاته وكميته) .ونفس هذا الكلام نقوله بالنسبة للذهب
والفضة أو الاوراق النقدية إذا كان احدهما هو
المال المقترض .ولا يخفى على علماء الاسلام أن وجوب
ردّ اكثر مما اقترض من الناحية الكمية أو من
الناحية الوصفية ، هو الربا الذي نهانا عنه
القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، فأنى
تذهبون ؟! .وقد يقال : إن الاوراق النقدية أو
الحنطة والسكر قد تنخفض قيمتها بعد شهر ،
فيتضرر المقترض نتيجة لمعاملته هذه .والجواب : أن هذا الضرر ، على فرض تحققه
، هو الذي أقدم عليه ، فلا يكون مضموناً على
المقترض ، كما أن العكس قد يكون صحيحاً ، إذ قد
ترتفع قيمة الاوراق النقدية أو الحنطة أو
السكر ، فهل يصح في هذه الصورة أن يقال بوجوب
أن يرد المقترض اقل مما استقرض . بحجة أن
القيمة الشرائية للمال المقترض قد ارتفعت(6)
؟ولا يصح هذا القول ; لان القرض كما قلنا
معناه ردّ العوض ، فإذا أخذ الفرد شيئاً ولم
يردّ عوضه ، بل ردّ اكثر منه ، فهو قد ردّ عوض
ما يمكن أن يشتري به ، وهذا ليس هو معنى القرض ;
لان القرض هو ردّ العوض المثلي لا ردّ ما يمكن
أن يشترى به من اشياء .نعم في صورة عدم وجود المثل عند الاداء
لسبب من الاسباب ، يجب على المقترض أن يرد
الاقرب للمثل ، وحينئذ يجب عليه أن يرد القيمة
وقت الاداء ; لانها اقرب إلى المثل .وأما إذا كان الشيء المقترض من
القيميات فالقاعدة تقول بوجوب قيمته يوم
قبضه ; لان المقترض اقدم على ضمانه ورده ، وبما
أنه ليس له مثل كما هو الفرض ، فهو
مسؤول عن ردّ قيمته يوم تملكه وهو يوم القبض
.
تنبيهات :
الاول : كل الروايات توجب ارجاع نفسالمال المقترض .عند مراجعتنا للروايات الواردة في
القرض . رأينا أنها تشير اشارة عهدية إلى وجوب
رد المال المقترض ، ومعنى ذلك أن كل الروايات
تقول بأن المقترِض مسؤول عن ردّ ما أخذه من
المقرِض ، والذي أخذه هو عبارة عن الشيء
المثلي (بكميته وكيفيته) ، ولا توجد أي اشارة
إلى وجوب ردّ قيمة ما يمكن أن يشتري به ، فلو
كان وجوب ردّ ما يمكن أن يشترى به هو الحكم
الشرعي ، لظهر ذلك في اسئلة الرواة واجوبة
النبي أو الائمة(عليهم السلام) ، فعدم انعكاس
هذا في الروايات ولو على مستوى رواية واحدة ،
يكون دليلاً كاشفاً عن أن ارجاع نفس المال
المقترَض ، سواء زادت قيمته السوقية أو نقصت ،
هو المعتبر في عقد القرض .بل الروايات الكثيرة المتواترة من
الطرفين تؤكد أن أي زيادة على المال المقترَض
بالنسبة إلى المقرِض ، سواء كانت الزيادة
عينية أم حكمية ، هي رباً إذا كانت على وجه
الالزام من قبل المقرِض بواسطة الشرط .وإليك نموذج من الروايات :1 ـ في موثقة موسى بن بكر قال : « قال لي
أبو الحسن(عليه السلام) : من طلب هذا الرزق من
حلِّه ليعود به على نفسه وعياله ، كان
كالمجاهد في سبيل اللّه ، فإن غلب عليه
فليستدن على اللّه وعلى رسوله(صلى الله عليه
وآله) ما يقوت به عياله ، فإن مات ولم يقضه كان
على الامام(عليه السلام) قضاؤه ... »(7)
.فلم تقل الرواية كان على الامام قضاء
قيمته أو قضاء ما يمكن أن يشترى به ، بل قال
كان على الامام(عليه السلام) قضاء نفس الدين ،
وهو ما اقترضه بكميته وصفاته .2 ـ عن ابراهيم بن محمد الاشعري في
كتابه باسناده عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : «
قُبض علي(عليه السلام) وعليه دين ثمانمئة ألف
درهم ، فباع الحسن(عليه السلام) ضيعة له
بخمسمئة ألف فقضاها عنه ، وباع ضيعة له
بثلاثمئة ألف فقضاها عنه ...»(8)
.وهذه الرواية قد صرّحت بوجوب وفاء نفس
المال المقترض ، مع أن المال الفضي قد تنزل
قيمته وقد ترتفع ، إلاّ أن الواجب هو وفاء
المثل ; لانه هو المال المقترض .3 ـ في صحيحة الحلبي عن الامام الصادق(عليه
السلام) قال : « إذا أقترضت الدراهم ثم أتاك
بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط »(9)
.4 ـ وفي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال
: « سألت الامام الصادق(عليه السلام) عن الرجل
يقترض من الرجل الدراهم فيردّ عليه المثقال ،
أو يستقرض المثقال فيردّ عليه الدراهم ، فقال(عليه
السلام) : إذا لم يكن شرط فلا بأس ، وذلك هو
الفضل . إن أبي(عليه السلام) كان يستقرض
الدراهم الفسولة فيدخل عليه الدراهم الجياد
الجلال فيقول : يا بني ، ردّها على الذي
استقرضتها منه ، فأقول : يا أبة ، إن دراهمه
كانت فسولة ، وهذه خير منها ، فيقول : يا بني ،
إن هذا هو الفضل ، فأعطه إياها »(10)
.وواضح من هذه الرواية أن ردّ الاجود
والاكثر يجوز إذا لم يكن بشرط ، وأما إذا كان
بشرط فهو الربا ، وما نحن فيه أيضاً من قبيل
الربا ، لاننا نعطي مئة دينار ونلزم المقترض
بأن يُرجع اكثر منها ، بحجة أن القيمة
الشرائية للمئة دينار قد نزلت ، وهذه
الروايات مطلقة ، أي سواء نزلت القيمة
الشرائية أم لا ، فإنها تقول بعدم جواز ردّ
أكثر مما اُخذ .الثاني : شرع اللّه القرض للمحتاجين
وجعل فيه ثواباً كثيراً .لا يخفى أن المسلم ينبغي أن يلتفت إلى
الروايات الواردة في الاهتمام بهذا
العقد واستحبابه ، ومن خلال هذه الروايات
يتكلم في أن المقرِض هل استفاد في
عقده هذا أو خسر شيئاً ، حتى إذا نقصت القيمة
الشرائية للنقد أو العرض ، ولا يجوز لنا أن
نبحث هذه المسألة كالرأسماليين
أو الاشتراكيين بعيدين عن فضل هذا العقد
عند اللّه سبحانه وتعالى ، كما ذكرت ذلك
الروايات ; لاننا نكون بهذا العمل قد
فصلنا بين المذهب الذي يرتكز عليه تشريع
القرض وبين نفس التشريع .
الروايات :
ورد في الروايات أن في القرض أجراًعظيماً ، ينشأ من معونة المحتاج تطوعاً ، وكشف
كربة المسلم ، حتى إنه روي عن الامام الصادق(عليه
السلام) أنه قال : « القرض الواحد بثمانية عشر
وإن مات حسبتها من الزكاة »(11)
بينما نحن نعلم أن درهم الصدقة بعشرة .وروي عن الامام الصادق(عليه السلام)
أنه قال : « لان أقرض قرضاً احبّ إليّ من أن
أتصدق بمثله » وكان يقول : « من أقرض قرضاً
وضرب له أجلاً فلم يؤت به عند ذلك الاجل ، كان
له من الثواب في كل يوم يتأخر عن ذلك الاجل
بمثل صدقة دينار واحد في كل يوم »(12)
.وقد اكدت الروايات فضل هذا العقد
بالنسبة للمؤمن ، حتى قال رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) : « من أقرض مؤمناً قرضاً ينظر به
ميسورة ، كان ماله في زكاة ، وكان هو في صلاة
من الملائكة حتى يؤديه »(13)
.وقال أيضاً(صلى الله عليه وآله) : « من
أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن
جبل احد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات ، وإن
رفق به في طلبه تعدّى به على الصراط كالبرق
الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب ، ومن شكا
إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرّم اللّه عزوجل
عليه الجنة يوم يجزي المحسنين »(14)
.وقال الامام الصادق(عليه السلام) : «
وما من مسلم أقرض مسلماً قرضاً حسناً يريد به
وجه اللّه ، إلاّ حُسب له أجره كأجر الصدقة
حتى يرجع إليه »(15)
.ومع النظر إلى هذه الروايات ، وما
يكسبه الانسان من الثواب الكثير على حسب
عقيدته في أن هذه الدنيا طريق إلى الاخرة ،
فهل يعدّ متضرراً إذا نزلت قيمة ما أقرضه ؟
على أن النزول امر احتمالي في بعض الاوقات
وبعض البلدان ، كما أن احتمال زيادة القيمة
الشرائية أيضاً وارد ، إذا توفرت اسبابه
السماوية أو الارضية .إذن الواقع الفاسد الذي نعيشه نحن
المسلمين (من تطبيق النظم الرأسمالية
والاشتراكية) في مجتمعنا ، يجب ألاّ يجعلنا
نغض النظر عن النصوص الشرعية ونؤوّلها حتى
تنسجم مع الواقع الفاسد (وهذا هو اول خطر
نبّهنا عليه في المقدمة) ، فإذا كان الرأسمالي
لا يعتقد بما يعتقد به المسلم من الجزاء
والثواب في يوم القيامة على هذا العمل الذي
شرّع للمحتاجين ، وكان الرأسمالي يبحث
المسألة من ناحية نفعية مادية فقط ، يجب أن لا
ينساق المسلم وراءه في هذا المنهج العقيم ، إذ
رسالتنا التي خطها رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) تحتم علينا أن نربط بين التشريع واساسه
، لا أن نفصل بينهما ، على أن ما يقوله
الرأسمالي هو نظر إلى شق واحد من المسألة ،
وهي مسألة نزول قيمة النقد ، اما الشق الاخر
الذي هو أيضاً امر متوقع فلا ينظر إليه .الثالث : الاقتراض لغير حاجة مكروه في
الشريعة الاسلامية .لا يخفى أن القرض لغير المحتاجين يكون
مما نهى منه الشارع المقدس، وحينئذ لا ينبغي
للمسلم أن يقدم على قرض إذا لم يكن محتاجاً
إليه ، وبهذا لا يكون للمقرض في هذا الفرض أي
فضل يذكر . فمن الروايات ما عن أبي سعيد الخدري
قال : « سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
يقول : أعوذ باللّه من الكفر والدّين .
قيل : يا رسول اللّه ، أتعدل الدين بالكفر ؟
قال : نعم »(16)
.وعن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
أيضاً قال : « ما وجع إلاّ وجع العين ، وما
الجهد إلاّ جهد الدين »(17) .وعن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
أيضاً قال : « إياكم والدّين ; فإنه شين
الدِّين »(18)
.وقال علي(عليه السلام) : « إياكم
والدَّين ; فإنه مذلّة بالنهار ومهمّة بالليل
، وقضاء في الدنيا وقضاء في الاخرة »(19)
.وقال علي(عليه السلام) : « إياكم
والدّين ; فإنه هم بالليل وذلّ بالنهار »(20)
.وهذه الروايات وإن كانت مطلقة لكل دين
، إلاّ أن الروايات السابقة في فضل الدين إذا
كان لحاجة تخصص هذه الروايات في صورة القرض لا
لحاجة .إذن القرض الذي يستحصله التجار لزيادة
تجارتهم وارباحهم ، ليس هو القرض الذي قالت
عنه الروايات إنه زكاة ، وإن الدرهم بثمانية
عشر ، وهو القرض الذي يعود به الانسان لرفع
حاجته وحاجة عياله ، وإذا كان هذا القرض الذي
لا لحاجة ليس فيه ثواب ، فلا حاجة للبنوك أن
تفتح له سجلاً وتطالب بالزيادة على ما تقرض
بالحجة المتقدمة ، فإن هذا القرض مما نهي عنه
شرعاً ، فلا حاجة إلى سلوكه وإن كان النهي
كراهياً .وأما المشكلة الثانية : وهي كيفية
الوفاء للثمن المؤجل إذا تغيّرت قيمة النقد ،
فهنا أيضاً لا نرى أي مشكلة تذكر ، حيث أن
البائع عندما باع ورضي أن يكون الثمن مؤجلاً
إلى سنة مثلاً ، فهو يحتمل على أقل تقدير أن
تنخفض قيمة النقد أو العرض ، كما يحتمل أن
ترتفع ، ومع هذا هو راض أن تكون له في ذمة
المشتري هذه الكمية من النقود أو القروض
المثلية أو القيمية ، وحينئذ يكون احتمال
انخفاضها وارتفاعها غير مضرّ بالعقد وصحته ،
ولا يضمن المشتري هذه القلة المحتملة إن حدثت
.ثم إن التاجر الذي يبيع شيئاً من التمر
بكمية من النقد الورقي بعد سنة مثلاً أو ستة
اشهر ، قد حسب حساب المدة التي تكون فاصلة بين
رفع التمر وبين استلام النقد وبما أن للاجل
قسطاً من الثمن ، فإن التاجر سوف يبيع ثمره
الذي يساوي خمسين ديناراً بسبعين ديناراً ،
يستلمها بعد ستة اشهر مثلاً ، وبعد هذه
العملية من قبل التاجر لماذا نقول : يجب تدارك
الضرر الذي وقع على البائع نتيجة نقصان الثمن
بسبب التضخم ؟ على أن التضخم الذي نجده في بعض
البلدان لا نقطع باستمراره على مدى السنين
والايام ; إذ من الممكن أن يتحسن اقتصاد
الدولة ويكثر انتاجها فيقف التضخم ، أو يتحسن
نقدها كما حدث لبعض بلدان العالم .وقد قلنا سابقاً أيضاً إن ازدياد قيمة
النقد الذهبي أو الفضي أو الورقي ، أو ازدياد
قيمة العرض هو محتمل أيضاً نتيجة لفعل السماء
أو فعل الانسان ، فكما في صورة تحسن
قيمة النقد لا يكون المشتري مسؤولاً عن قيمة
النقد سابقاً ، وإنما هو مسؤول عن نفس النقد ،
كذلك في صورة نقيصة قيمة النقد أو العرض يكون
المشتري مسؤولاً عما في ذمته من النقد أو
العرض .ثم إن المشتري عندما يشتري شيئاً على
أن يكون ثمنه مؤجلاً إلى ستة اشهر ، ففي
الحقيقة أن البائع يملك في ذمة المشتري هذه
الكمية من النقود حين حلول الاجل ، ومعنى ذلك
أنه لا يملكها حين العقد ملكية مطلقة حتى
يستوجب أن يقول : إن قيمة هذه النقود حين العقد
كانت اكبر من القيمة الشرائية حين الاجل ،
فيطالب بالزيادة على حسب القيمة الشرائية حين
العقد ، إذ إنه يملكها ملكية مقيدة بالاجل (بعد
ستة اشهر) ، فهو كأنه يملك قيمة النقود حين
الاجل ، لا حين العقد ، وبهذا تبطل المشكلة
المتصورة هنا بالكلية ، وعلى فرض وجود تصور
المشكلة نقول : إن البائع والمشتري اقدما على
أن يكون المشتري ضامناً لكمية النقد أو القرض
، وقد أقرّ الشارع هذه المعاملة ، ولا يوجد أي
نص يقول إن على المشتري أن يدفع القيمة
الشرائية للنقد أو للقرض ، فيتحمل النقص إذا
نقصت القيمة الشرائية ، على أن لازم هذا
القول أن نقول بأن القيمة الشرائية للنقد إذا
تحسنت يجوز للمشتري أن يدفع أقل مما اتفقا
عليه ، وإن لم يرض البائع ، وهذا مما لم يقل به
احد من الفقهاء .إذن عدم وجود أي نص على وجوب أن يدفع
المشتري القيمة الشرائية للثمن حين العقد ،
ووجود الامضاء الشرعي لوجوب رد نفس الثمن
المتفق عليه بين الطرفين حين الاجل ، دليل على
أن الواجب هو الاداء بنفس كمية الثمن (سواء
كان نقداً أو عروضاً) ، سواء نزلت القيمة
الشرائية أو ارتفعت ، أو بقيت كذلك من دون
زيادة أو نقصان .
الاستدلال بالاولوية :
ويمكن أن يستدل لما قلناه بالاولويةالمستخرجة من مسألة في الغصب أو الجحود ، وهي
مسألة : إذا غصب احد من آخر مالاً أو جحده عليه ،
ثم وقع بيد المجحود أو المغصوب مال الاخر فما
هو الحكم ؟الروايات هنا كثيرة تقول بوجوب أخذ
مقدار المال المغصوب أو المجحود لا اكثر ، ومن
هذه الروايات نفهم الحكم في القرض والبيع
نسيئة ، إذ إن الصورة الاولى ، وهي الصورة
الغصبية والاعتدائية المحرمة ، لم يُجِز
الشارع فيها إلاّ أخذ مقدار المال المغصوب أو
المجحود لا اكثر ، فكيف بصورة القرض الذي حدث
برضا المقرض ولم يكن هناك اعتداء من المقترض ؟
وكذا الامر في البيع الذي يكون فيه الثمن
مؤجلاً . إذن بالاولوية يكون الحكم هو ردّ مثل
المال المقترض أو قيمته وقت القرض .
الروايات :
1 ـ في صحيحة أبي العباس البقباق أنشهاباً مارآه في رجل ذهب له بألف درهم
واستودعه بعد ذلك ألف درهم . قال أبو العباس
فقلت له : « خذها مكان الالف التي أخذ منك ،
فأبى شهاب . قال : فدخل شهاب على أبي عبد اللّه(عليه
السلام) فذكر له ذلك ، فقال : أما أنا فاحب أن
تأخذ وتحلف »(21)
.2 ـ في صحيحة ابن مسكان عن أبي بكر
الحضرمي قال : « قلت له (للامام الصادق(عليه
السلام)) : رجل لي عليه دراهم فجحدني وحلف
عليها ، أيجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ
منه بقدر حقي ؟ قال : فقال : نعم ، ولكن لهذا
كلام ، قلت : وماهو ؟ قال : تقول : اللّهم إني لم
آخذه ظلماً ولا خيانة ، وإنما أخذته مكان مالي
الذي أخذ منّي لم ازدد عليه شيئاً »(22)
.3 ـ في صحيحة محمد بن عيسى عن علي بن
سليمان قال : « كتبتُ إليه (أي الكاظم أو الرضا(عليهما
السلام)) : رجل غصب مالاً أو جارية ثم وقع عنده
مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه ،
أيحل له حبسه عليه أم لا ؟ فكتب : نعم ، يحل له
ذلك إن كان بقدر حقه ، وإن كان اكثر فيأخذ منه
ما كان عليه ويسلِّم الباقي إليه إن شاء اللّه
»(23)
.وبما أن النقد الورقي في هذا الزمان هو
مال لا يفترق حكمه عن حكم أي عرض آخر ، سواء
كان ذهباً أو غيره .
البحث الاقتصادي :
ثم إننا لا بأس أن نبحث المسألة بحثاًاقتصادياً فنقول :كان الانسان في بداية حياته هو الذي
يوفّر جميع ما يحتاج إليه من حاجات ، ولكن حين
تنوعت حاجات الفرد وتعددت السلع لم يكن
ممكناً للانسان الواحد أن ينتجها كلها ، ولذا
اضطر المجتمع إلى تقسيم العمل بين الافراد ،
فأخذ كل فرد أو فئة بانتاج سلعة ما ، وبدأ
الانسان يعطي ما انتجه ويأخذ ما انتجه غيره
إذا كان محتاجاً إليه ، وهكذا وجدت المبادلة
وسيطاً بين الانتاج والاستهلاك ، ولكن لهذه
الحالة تعقيداتها ، إذ من الصعب تبادل
المنتوجات مباشرة ، لان صاحب الجمل إذا احتاج
في حياته إلى صوف مثلاً، فهو لا يستطيع الحصول
عليه من منتج الصوف في مقابل الجمل ، إلاّ إذا
كان صاحب الصوف بدوره محتاجاً إلى جمل ، وكان
الصوف كثيراً بحيث يقابل قيمة الجمل ، وهكذا
بقية الامور التي هي مورد حاجة الانسان ،
وحينئذ كان اختراع النقد الذهبي والفضي
علاجاً لهذه المشاكل ، فكان دور النقد الاصيل هو
:1 ـ القيام بدور المقياس العام للقيمة
، واصبح من الميسور تقدير قيم السلع بسهولة .2 ـ كونه اداة للمبادلة .وبهذا العلاج اصبح عندنا مبادلتان بدل
المبادلة الواحدة ، وصاحب الجمل يبيع جمله
بمئة دينار ، ثم يشتري بعشرة دنانير الصوف
الذي يحتاجه ، وبهذا زالت جميع صعوبات
المقايضة ، وهذا هو الدور الاصيل للنقد .ولا بأس بالتنبيه إلى أن اختراع النقد
كان بواسطة الانسان ، واللّه سبحانه وتعالى
خلق معدن الذهب والفضة كبقية المعادن وبقية
الاعراض ، ففيهما فائدة في نفسهما كبقية
المعادن ، وحينئذ يكون الذهب والفضة عرضاً من
الاعراض ونقداً ، وبهذا يختلفان عن الاوراق
النقدية ، حيث إنها تحمل صفة النقد ولا تحمل
صفة العرضية . ثم إن كل من قال بأن الذهب
والفضة خلقهما اللّه ثمناً ، وأنهما حجران لا
منفعة في أعيانهما ، لا دليل له يقدمه على
كلامه ، بل الوجدان يقضي بخلاف ذلك ; إذ إنهما
زينة ، ويستعملان عرضاً من الاعراض في حياة
الانسان المترفة ، كتزيين السقوف وصنع
الاواني وادوات الحلاقة ، وغير ذلك مما
يحتاجه الانسان من بقية المعادن .
خروج النقد عن دوره الاصيل :
وقد خرج النقد الذهبي والفضي عن دورهالاصيل الذي وجد لاجله ، وهو دور (المقياس
العام للقيمة وكونه أداة للمبادلة) نتيجة
لظلم الانسان ، فحدثّت مفاسد من هذا الامر .
وتوضيح ذلك أن النقد استخدم للقيام بدور طارئ
لم يوجد لاجله ، وهو دور (الادخار والاكتناز) ،
فقد أخذ الانسان يبيع سلعته لا حاجة له بسلعة
أخرى يشتريها ، بل لاجل أن يحول سلعته إلى نقد
يختزنه لوقت الحاجة (إذ أصبح النقد هو الوكيل
العام عن السلع) ، وهذا معناه أن البيع لم يوجد
لاجل الشراء المحتاج إليه في الانتاج أو
الاستهلاك ، وإنما وجد البيع لاجل أن يمتص
النقود فيختزنها (إذ هي قابلة للاختزان من دون
نقص في قيمتها ، ولا يحتاج ادخارها إلى نفقات
بعكس ادخار السلع) ، وهذا هو الدور الطارئ
للنقد ، حيث اصبح النقد وسيطاً بين الانتاج
والادخار .ومعنى هذا الدور : أن المشتري ـ الذي
اشترى سلعة ودفع نقداً فادخره البائع ـ لم
يتمكن أن يبيع منتوجه ; لان البائع قد اكتنز
النقد وسحبه من مجال التداول ، فظهر الاختلال
في توازن العرض والطلب الذي كانا متساويين في
عصر المبادلة .ثم إن الاختلال في توازن العرض والطلب
يؤدي إلى الكساد وعدم تصريف السلعة ، وهذا
بدوره سوف يؤدي إلى الاستغناء عن بعض العمال ،
وسد بعض المعامل ، فتحدث البطالة التي تعاني
منها السوق الرأسمالية .ثم لم تقف المفاسد عند هذا الحدّ ، إذ
قد يأتي المحتكر الذي اكتنز النقد فيخلق
طلباً كاذباً ، فيشتري كل افراد السلعة من
السوق ، لا لحاجة إليها ، بل ليرفع ثمنها ، أو
يعرض السلعة بأثمان دون كلفتها ، بقصد إلجاء
المنتجين والبائعين الاخرين إلى الانسحاب من
ميدان التنافس ، واعلان الافلاس ، وبهذا تصبح
الاثمان غير حقيقية ، وتكون السوق تحت رحمة
المحتكرين ، ويسقط آلاف المنتجين والبائعين
الصغار فريسة المحتكرين الكبار .ثم يبقى المكتنز والمحتكر يبيع لاجل
الاكتناز ، وبهذا يسحب النقد من مجال التداول
، وبهذا يقل الاستهلاك أو يتوقف لانخفاض
المستوى الاقتصادي للجمهور ، وبهذا تقل أو
تتعطل حركة الانتاج لعدم وجود القدرة
الشرائية عند الجمهور المستهلك ، فيعم الكساد
البلاد .وبعد هذه المشاكل والمفاسد تأتي
المفسدة الكبرى ، وذلك إذا اصبح النقد اداة
لتنمية المال من طريق الفائدة (الكسب من دون
عمل) ، فأخذ المكتنز يقرض ماله للافراد بفائدة
، أو يودعه المصرف فيحصل على الفائدة ، وبهذا
اصبح النقد بعيداً عن دائرة الانتاج لان
المصرف أيضاً يقرض امواله بفائدة ، واصبح
التاجر أو المصرف لا يقدم على عمل تجاري أو
صناعي ، إلاّ إذا اطمأن أن ربحه اكثر من
الفائدة التي يحصل عليها من دون عمل .ثم إن مجموع هذه المشاكل التي نتجت ،
من دور النقد وظلم الانسان ، جعلت زمام الامور
بيد الرأسمالي (صاحب الاموال) وطبيعي أن
الرأسمالي الظالم إذا سيطر على زمام الامور
يجرّ المجتمع إلى ويلات كبيرة ، ذكرها علماء
الاقتصاد ، وقد جاء في الحديث عن الرسول(صلى
الله عليه وآله) أنه قال : « الدينار والدرهم
اهلكا مَنْ كان قبلكم ، وهما مهلكاكم »(24) .
حلول الاسلام لمفاسد الدور الطارئ
للنقد :
على عكس الرأسمالية التي تشجع علىالادخار والاكتناز والقرض بفائدة بتشريعها ،
فيكون النقد اداة للتنمية من دون عمل ومن دون
استهلاك فيه ، حارب الاسلام اشد المحاربة أن
يكون النقد اداة لتنمية المال ، فحرم
الفائدة تحريماً قاطعاً لا هوادة فية ، وجعل
ضريبة الزكاة على النقد الذهبي والفضي
المكتنز ، وحثّ على الانفاق في مجال
الاستهلاك والانتاج ، فقد جاء في الحديث عن
الامام الصادق(عليه السلام) : « إنما أعطاكم
هذه الفضول من الاموال لتوجهوها حيث وجهها
اللّه ، ولم يعطكموها لتكنزوها »(25)
.وبهذا يكون الاسلام قد قضى على مشكلة
من اهم مشاكل الانتاج .وقد يقال : إذا لم يشجع الاسلام على
الادخار فسوف لن يتمكن المسلمون من إقامة
وإدارة المشاريع الكبيرة في الانتاج ، كما في
المجتمع الرأسمالي الذي يدير هذه المشاريع
بواسطة تشجيعه على الادخار .والجواب : أن المجتمع الاسلامي يختلف
عن المجتمع الرأسمالي ، حيث إن الثاني لم يقرّ
إلاّ الملكية الخاصة ، أما المجتمع الاسلامي
فإنه يقرّ بالاضافة إلى الملكية الخاصة
الملكية العامة وملكية الدولة ، فيتمكن أن
يوظّف هذه الملكية العامة (كملكية المسلمين
للارض المفتوحة عنوة وكانت عامرة وقت الفتح)
وملكية الدولة (كملكية الانفال وغيرها) في
مشاريع الانتاج الكبرى ، وتبقى للملكيات
الخاصة المجالات التي تتسع لها ، وبهذا تكون
المشاريع الكبرى ملكاً لكل المسلمين ، أو
ملكاً للمنصب (منصب ولي الامر) ، وهاتان
الملكيتان الكبيرتان تعملان لاصلاح امور
المسلمين .والان بعد هذه الالمامة المختصرة في
دوري النقد الاصيل والطارئ ، والمفاسد التي
تنجم عن الدور الطارئ للنقد ، وعلاج الاسلام
لهذا الدور الطارئ ، نرجع إلى موضوعنا الذي
نحن بصدده ، لنرى هل من المعقول مذهبياً أن
يجيز الاسلام تنمية المال من غير طريق العمل ؟
وبعبارة اُخرى هل يحق للذي يقرض غيره كمية من
النقد «الذهبي أو الورقي» إلى ستة اشهر ، أن
يأخذ منه اكثر مما دفع ، بحجة أن القيمة
الشرائية للمال المقترض سوف تنزل أو قد نزلت ؟والجواب : أن هذا حرام لا يجوز ، وذلك :1 ـ ان هذه الحجة (أن القيمة الشرائية
قد تدهورت) هي الحجة التي يقولها مؤيدو الربا
من الرأسماليين ; لاجل أن يصححوا أخذ الفائدة
، فإن اقوى مبررات الفائدة عند
الرأسماليين هو أن الفائدة هي الفارق بين قيمة
سلع الحاضر وقيمة سلع المستقبل ، حيث تعتقد
الرأسمالية أن للزمن دوراً ايجابياً في
تكوين القيمة ، فالقيمة التبادلية لدينار
اليوم اكبر من القيمة التبادلية
لدينار المستقبل ، وبهذا يكون القائل بصحة أخذ
مقدار من المال زيادة على المال المقترض قبل
ستة اشهر بهذه الحجة ، يكون قد قال
بحلية الربا الذي قد وقف منه القرآن وقفة
صريحة وبارعة .2 ـ إن صحت هذه الحجة (أن سلع الحاضر
اكبر قيمة من سلع المستقبل) ، فمعنى ذلك
أن الذي يشتري سيارة مثلاً قبل سنة ، يتمكن أن
يبيعها بعد السنة باكثر مما اشتراها ،
بالاضافة إلى فائدته التي استفادها منها ،
وهذا الربح قد اقره الاسلام باعتبار أن ملكية
السيارة عبارة عن ملكية لعمل مختزن في
السيارة ، فزيادة المال عن طريق العمل
المختزن شيء قد أقرّه الاسلام ، ونحتمل أيضاً
أن استهلاك السيارة في ضمن السنة قد ينزل من
قيمتها في مقابل ما استفاده منها . أما
بالنسبة للكسب الذي لم يقف على عمل مباشر أو
مختزن ، فهذا لا يقرّه الاسلام من الناحية
المذهبية ، والفائدة على النقد من هذا
القبيل ; لانها ـ كما قالوا ـ نتيجة عامل الزمن
من دون عمل منفق ، فإن المقرض للمال إذا أخذ
نفس ماله الذي قد اقرضه وزيادة ، يكون قد كسب
من دون عمل مباشر أو مختزن ، وهذا لا يقره
الاسلام .3 ـ يلزم أن يقول القائل بصحة اخذ مقدار
اكثر من المال المقترض ، نتيجة لتدهور القوة
الشرائية للمال المقترض ، بأن على المقرِض أن
يقبل مما أقرض إذا زادت القوى الشرائية للمال
المقترض في بعض الحالات ، وهذا لم يقله أي
فقيه حسب علمنا .4 ـ أن تدهور القيمة الشرائية للنقد
ليس شيئاً حتمياً وقياساً ثابتاً ، حتى نتمكن
أن نقول من اول الامر وحين العقد ، بأن المئة
دينار تكون قيمتها الشرائية بعد ستة أشهر
مثلاً بالنسبة للمئة دينار ، وقد يتحسن النقد
في ضمن الستة اشهر ، كما قد يتدهور . اذن
احتمال النقيصة يقابله احتمال الزيادة ، فهل
يجوز لنا أن نقول حين العقد للمقترض ، بأنه
يجب عليك أن تؤدي مئة وعشرين ديناراً
بعد ستة اشهر ، بحجة أن القوة الشرائية للمئة
دينار قد انخفضت ؟ مع أننا نحتمل الانخفاض ليس
إلاّ ، أليس يكون هذا قولاً بلا علم ، وقد
نهانا اللّه سبحانه وتعالى عن القول بلا علم
.5 ـ إذا أُقرضت كمية من العرض (كليو
جرام من البطيخ ) ، وكان هذا القرض يساوي كل
كيلو جرام منه خمسة كيلو جرامات من الحنطة ،
فعند السداد إذا كان كل كيلو منه يساوي كيلو
واحد من الحنطة ، فحينئذ ـ إذا قلنا إن القيمة
الشرائية قد تدهورت للبطيخ ، والمقترض مسؤول
عن اداء القيمة الشرائية حين القرض ـ يجب على
المقترض أن يدفع خمسة كيلو جرامات من البطيخ
إلى المقرِض ، وهذا لم يقل به احد حسب علمنا ،
ولو نهجنا النهج المتقدم لوجد عندنا فقه لم
يقل به رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) .ثم إننا نرى وجوب أن تعالج المسألة
علاجاً أساسياً ، بمعنى أننا لا يصح لنا أن
نقبل حقيقة هبوط النقد من دون معالجة ، ونريد
أن نصحح العقود القائمة حين تحقق هذه الحقيقة
، بل اللازم علينا أن نتنبه إلى العوامل التي
تؤدي إلى هبوط النقد بصورة مستمرة فنعالجها ،
وحينئذ نقضي على اساس المشكلة التي يعاني
منها ، ومن العقود القرضية والبيع المؤجل
الثمن القائم مع تحقق هذه الحقيقة ، فنقول :
لماذا تتدهور قيمة النقد : (الورقي أو الذهبي) .والجواب : إن تدهور قيمة النقد هو ما
يسمى في عرف الاقتصاديين بالتضخم ، ومعناه هو
ارتفاع متواصل في الاسعار ، بينما تكن السلع
هي السلع من دون تغيير .وإذا بحثنا كثيراً عن سبب التضخم ، لا
نقع إلاّ على هذا السبب ، وهو قلة الانتاج
وزيادة الانفاق ، فعندما يكون الانفاق كثيراً
معنى ذلك وجود طلب كثير على السلع ، وحينئذ
إذا لم يكن الانتاج بقدر الطلب ترتفع الاسعار
للسلع ، وهذا معنى تدهور النقد (انخفاض
متواصل في قيمة النقد)(26)
.ثم إذا بحثنا كثيراً عن سبب قلة
الانتاج ، فالسبب الواضح هو (الفائدة) التي
شرعها النظام الرأسمالي ، فجعلت الانسان يسحب
أمواله من مجال الانتاج ويجعله في مجال
الفائدة ; ليدّر عليه النقد من دون خسارة ولا
أي جهد من العمل ، وحينئذ يكون الانتاج قد
انخفض ، بينما الانفاق على حسب قوته أو اكثر ،
فيحصل التضخم .وفي خصوص النقد الورقي قد تعمد الدولة
إلى طبع كمية من الاوراق النقدية لتخفف
الديون الداخلية المتراكمة عليها ، وهذا
بدوره يؤدي إلى زيادة طلب الانفاق ، مع أن
الانتاج على حاله من القلة ، فيحصل التضخم
أيضاً .
المعالجة :
ولاجل أن نبقي النقد على حالة منالثبات ، فما علينا إلاّ أن نحرم الربا ،
وحينئذ سوف تتجه الاموال تلقائياً إلى
الانتاج ، فيكثر حتى يصير بقدر الطلب ، وبهذا
سوف لا تنحط قيمة النقد الورقي ، بل قد تتحسن
كما في صورة زيادة الانتاج على الطلب ، وبهذا
لا تكون عندنا أي مشكلة من ناحية انحطاط قيمة
النقد ، ولا أدري هل تثار في هذه الصورة مشكلة
زيادة قيمة النقد من ناحية المقترض أم لا ؟ثم إذا كان المجتمع يعمل بنظام
الفائدة ، فسوف يكون الانتاج بطبيعة الحال
قليلاً ، فيحصل التضخم ، ومع هذا فإن تقدم
انسان بالقرض لصاحبه ، فهو يكون قد خاطر بماله
(أي كمن اقرض حنطة مثلية مثلاً أو قثاءً
مثلياً في اول نضوجه ، على أن يستلمه حين كثرة
الحنطة أو القثاء) ، فهل يجوز لهذا المخاطر
بماله أن يطلب منفعة لقاء مخاطرته هذه ، فيطلب
من المقترض أن يدفع إليه نتيجة هذه المخاطرة
اكثر مما دفع ؟وللاجابة على هذا التساؤل لابد لنا من
معرفة معنى المخاطرة أولاً ; وهل يجوز للانسان
أن يطلب تعويضاً على اساسها ثانياً ؟فنقول : المخاطرة هي حالة شعورية خاصة
تغمر الانسان وهو يحاول الاقدام على امر يخاف
عواقبه ، فإما أن يتراجع انسياقاً مع خوفه ،
وإما أن يتغلب على دوافع الخوف ويواصل تصميمه
، فيكون هو الذي رسم لنفسه الطريق ، واختار
بمحض إرادته تحمل مشاكل الخوف بالاقدام على
مشروع يحتمل خسارته مثلاً .وعلى هذا فلا تكون المخاطرة سلعة
يقدمها المخاطر إلى غيره حتى يطلب ثمنها ، ولا
تكون عملاً ينفقه المخاطر على مادة ليكون من
حقه تملكها ، أو المطالبة باجر على ذلك
من مالكها ، وحينئذ لا يحق للمخاطر أن يطالب
بتعويض مادي على خوفه مادام خوفه شعوراً
ذاتياً .
المخاطرة تقييم خلقي :
إن المخاطرة قد تكون ذا اهمية كبيرة منالناحية النفسية والخلقية ، ولكن كلامنا نحن
ليس كلاماً نفسياً أو خلقياً ، وإنما هو كلام
فقهي واقتصادي ، فالمخاطرة من الناحية
الاقتصادية لا تستحق ثمناً . نعم من الناحية
الخلقية تكون ذا اهمية كبيرة قد تستدعي
اخلاقياً أن يكون المخاطر مستحقاً للثناء
والمال ، وهذا شيء لا نتكلم عنه الان مادام
البحث اقتصادياً .
تصحيح اخطاء :
لقد وقع كثير من المفكرين المتأثرينبالتفكير الرأسمالي المذهبي في خطأ ، حيث
زعموا أن الربح في عقد المضاربة لصاحب المال
إنما يقوم على اساس المخاطرة ، حيث إن صاحب
المال قد عرّض نفسه للخسارة بدفعة المال إلى
العامل ليتّجر به ، فكان على العامل أن يكافئه
على مخاطرته بنسبة مئوية من الربح يتفقان
عليها حين العقد . وقد يقال أيضاً إن الربح
الذي يحصل عليه صاحب المال ، هو عبارة عن ربح
لم يكن في مقابل عمل مباشر ولا مختزن ، لان
المال الذي دفعه يرجع إليه في آخر الامر من
دون نقيصة في كميته وصفته ، بخلاف الدار التي
اجرها وهي عبارة عن عمل مختزن ، إذ ترجع إليه
مع استهلاك لها بعد عقد الاجارة ، وما هذا
الربح الذي يحصل عليه صاحب المال إلاّ ربح في
مقابل مخاطرته بماله .والجواب : إن الربح الذي يحصل عليه
صاحب المال ليس قائماً على اساس المخاطرة ،
وإنما يستمد مبرره من ملكية صاحب المال
للسلعة التي اتّجر بها العامل ، فإن السلعة
التي اشتراها العامل وزاد في قيمتها نتيجة
لنقلها وجعلها بين يدي المستهلك ، تبقى ملكاً
لصاحب المال ، وبهذا يكون حق صاحب المال في
الربح نتيجة لملكه السلعة التي اشتراها
العامل وزاد في قيمتها بعمله ، كحق مالك
الالواح إذا جعلها آخر سريراً ، فإن الربح
يكون لهما معاً . ويوجد عندنا شاهد لما نقول ،
وهو التشريع القائل إن الخسارة إذا حصلت في
هذا العقد فهي إنما تكون على صاحب المال ، وما
ذاك إلاّ لان السلعة اصبحت له فخسارتها عليه .ثم ماذا يقول المتأثرون بالتفكير
الرأسمالي في حال عدم ممارسة صاحب المال لاي
لون من الوان المخاطرة ؟ كما إذا اتّجر شخص
باموال أخيه من دون علمه ، وربح في تجارته ،
فهنا من الناحية الشرعية بإمكان صاحب المال
أن يوافق على هذا العمل الفضولي ويقرّه
ويستولي على الارباح ، كما أن من حقه أن يعترض
ويأخذ ماله أو ما يساويه من العامل في صورة
الربح أو في صورة الخسارة من قبل الاخ ، لان
ماله مضمون على العامل ، وحينئذ يكون المخاطر
هنا هو العامل لاقدامه على ضمان المال عند
الخسارة .إذن ليس حق صاحب المال في الربح ناتجاً
عن المخاطرة ولا تعويضاً عنها .
حالات مخاطرة ألغى الشارع الكسب بها :
1 ـ الربا : فقد اعتاد الكثير منالباحثين على تفسير القرض بفائدة على اساس
المخاطرة ، حيث أن المقرض عندما يقرض ماله
يكون قد أقدم على نوع من المغامرة ، التي قد
تفقده ماله إذا عجز المدين في المستقبل عن
الوفاء ، وحينئذ كان من حق الدائن أن يحصل على
أجر ومكافأة له على مغامرته بماله ، وهذه
المكافأة هي الفائدة .والحق والانصاف أن هذا العمل من قبل
الدائن يعد مخاطرة بماله في هذه الصورة(27)
، إلاّ أن الشارع المقدس لم يقرّ هذا اللون من
التفكير في نمو المال ، ولهذا حرم الفائدة
تحريماً قاطعاً .2 ـ القمار : كما حرّم الاسلام القمار
وحرّم الكسب القائم على اساسه ، وهذا جانب آخر
يبرهن على الموقف السلبي للشريعة الاسلامية
من عنصر المخاطرة ، حيث أن الكسب في القمار لا
يقوم على اساس عمل من اعمال الانتفاع
والاستثمار ، وليس هو عملاً مختزناً بحيث يقل
عند استعماله ، كما في صورة اجارة البيت ،
وإنما القمار مغامرة بمال الانسان لتقديمه
لصاحبه إذا خسر الصفقة .وأما الكسب من دون عمل مباشر أو مختزن
، فهو محرم في الشريعة الاسلامية . وإليك هذا
المثال : إذا استأجرتُ بيتاً بمئة دينار ، ثم
أجرت نصفاً منه بمئة دينار لشخص آخر ، فأكون
أنا قد انتفعت من دون عمل مباشر ولا مختزن ، إذ
قد حصلت على سكنى البيت مجاناً (مع أن صاحب
البيت لم يقدم لي المنفعة بالمجان) ، ومادمنا
نتكلم في مجال الاقتصاد والكسب ، فإن هذا
الكسب لا يجوز ، وقد حرّمه علماء الاسلام .ومن هذه النظرية المذهبية نفهم أن ما
نحن فيه من هذا القبيل ; إذ إن المقرِض لاخيه
شيئاً إلى ستة اشهر ، إذا اردنا أن يأخذ اكثر
مما أقرض بحجة أن القيمة الشرائية قد انخفضت ،
فإن هذا الانسان لو لم يقرض مبلغه هذا إلى
الغير ، والمفروض أنه لم يقحمه في عمل مختزن ،
فالمفروض أن مبلغه قد انخفض نتيجة لانخفاض
جميع العملة ، فإذا اراد أن يأخذ شيئاً من
المقترض حتى يحافظ على عدم تدهور نقده
بالخصوص ، يكون قد كسب (اخذ اكثر مما يجب أن
يأخذ) من دون عمل مباشر أو مختزن .ثم إن كل ما قلناه في القرض نقوله في
البيع المؤجل ثمنه ، بالاضافة إلى أن هذا
البائع له خيار أن يبيع باكثر من الثمن الحالي
تحسباً لنزول النقد ، كما أن المشتري له حق أن
يشتري بأقل من ثمن المثل تحسباً لارتفاع
النقد ، وهذا هو المتعارف عند البيع نسيئة ،
فتنتفي المشكلة من الاساس ، بخلاف القرض ، فإن
المقرِض لا يتمكن من الزيادة على ما أقرض .
تنبيه :
يتمكن المقرِض إذا كان شخصاً أو جهةكالمصرف أن يمتنع من أن يقرض نقده الورقي ،
وله أن يقرض ذهباً أو عرضاً كالسكر والحنطة ،
وحينئذ إذا نقصت قيمة النقد الورقي فهو لا
يمسّه أي ضرر ; لانه يأخذ مثل ما أعطى ، ولكن قد
تنشأ نفس المشكلة حينما ينخفض سعر الذهب
نتيجة لعوامل معينة ، فيقول المقرض أنا
أقرضتك ذهباً تساوي قيمته كذا مقداراً من
الدنانير ، والان ترجع لي ذهباً تكون قيمته
الشرائية اقل ، فهل يتمكن المقرض من إلزام
المقترض بأكثر مما اعطى من الذهب ؟ والجواب هو
عدم الجواز هنا ، فكذا بالنسبة للنقد الورقي ;
لانه مال مثلي ، والمقترض مسؤول عن إعطاء مثل
ما اخذ منه .3 ـ شركة الابدان : كما ألغى بعض
الفقهاء الشركة في الابدان من الاعتبار
الشرعي ، والمراد بالشركة في الابدان أن يتفق
اثنان أو اكثر على ممارسة كل واحد منهم عمله
الخاص ، على أن يشتركوا فيما يحصلون عليه من
مكاسب .وإلغاء هذه الشركة يتفق مع الموقف
السلبي العام للشريعة الاسلامية من عنصر
المخاطرة ، حيث أن الكسب فيها يقوم على اساس
المخاطرة لا العمل ; فإن كل واحد من العاملين
يحتمل أن اجور صاحبه سوف تزيد على اجوره ،
فيقدم على الشركة موطناً نفسه على التنازل عن
شيء من اجوره إذا زادت على اجور صاحبه ، في
سبيل أن يحصل على شيء من اجور صاحبه في حالة
تفوق شريكه عليه ، وحينئذ يكون من حق الاقل
دخلاً أن يحصل على جزء من كسب الاكثر دخلاً ;
لانه غامر وأقدم على دفع شيء من كسبه إذا كان
اكثر من صاحبه . إذن كسب الاقل دخلاً يقوم على
اساس المخاطرة ولا يرتكز على عمل .الاسلام لا يقرّ كسباً غير مرتبط بعمل
مباشر أو مختزن : ومن الفتاوى المتقدمة وغيرها
المماثلة لها ، يتبين أن الاسلام يرى أن العمل
هو سبب لملكية العامل نتيجة للعمل ، وهذا
تعبير عن ميل طبيعي في الانسان إلى تملك نتائج
عمله ، ومردّ هذا الميل إلى شعور كل فرد
بالسيطرة على عمله ، ومن ثم إلى نتائج عمله
ومكاسبه ، وبهذا يصح لنا أن نقول من وجهة نظر
اسلامية إن العمل سبب الملكية . هذا ما نقوله
في العمل المباشر .أما البيت الذي أملكه ، وكذا السيارة
وبقية السلع ، فإنها عمل قد اختزن بصورة سلعة
، حيث إنني عندما اشتريت السيارة أو البيت ،
اكون قد حوّلت عملي المباشر الذي حصلت منه على
المال إلى عمل مختزن ، وبهذا يصح لي أن أكسب
بواسطة إجارة البيت أو السيارة ، فإن الكسب
هنا كسب قائم على العمل المختزن ، وفي مقابل
كسبي من هذا العمل المختزن تستهلك السيارة
وكذا البيت .إذا كان المقترض لا يدفع ما اقترض مع
تموّله وعناده ، وافترضنا أن القيمة النقدية
قد تدهورت نتيجة لفعل السماء أو الانسان ، ففي
هذه الحالة يكون الفرد قد فعل حراماً لعدم
وفائه في هذه الحالة ، ولكن هل يضمن نزول قيمة
النقد ؟الجواب : لا يجب الضمان ; لان المقترض
أقدم على ضمان المال ، وهو بعد ذلك يدفع المال
كاملاً من دون نقيصة في كميته أو صفته ،
فلماذا يكون ضامناً لضرر المقرِض ؟ وإذا
لاحظنا أن سبب الضمان في الشريعة الاسلامية
يكون باحد حالتين :1 ـ تلف المال بالتعدي أو التفريط .2 ـ زوال الصفات كذلك .والمال لم يتلف ولم تزل صفته ، وإن كان
المقترض متمولاً ، ولم يف بالدين في الموعد
المقرر ، وقد تدهورت القيمة الشرائية للنقد ،
وحينئذ لا يكون المقترض ضامناً ، كما لو اقدم
انسان على بناء خمسة طوابق في بيته ،
بحيث يتضرر الجار بتقليل قيمة بيته لعدم دخول
الشمس إلى البيت ، فإن هذا الضرر على الجار لا
يكون مضموناً .وإذا اعترض علينا بالفرق بين المثال
الاول والثاني ، بأن المثال الاول تكون اليد
فيه يداً عدوانية على المال عند عدم الوفاء في
الموعد المقرر وعدم رضا المقرِض . أما في
المثال الثاني فلا يكون لصاحب البناء يد
عدوانية على الجار ، فالجواب أن هذا الفرق بين
المثالين دخيل في الحرمة وعدمها . أما بالنسبة
لعدم ضمان الضرر منهما سواء ; لانهما لم يتلفا
العين ولا صفاتها ، فلا ضمان في المثالين ،
نعم في القرض يكون اصل المال مضموناً بقدره
وصفاته ، ويكون المقرض حالته في هذه الصورة
كحالته في صورة إخفاء المال في مكان معين ،
فان هذا المال الذي لم يؤطره بعمل مباشر ، ولم
يقحمه في عمل مختزن ، ينبغي أن يبقى هو هو ،
فإن انخفضت القيمة الشرائية لكل النقود ،
وكان له نصيب منها ، فإن لم يؤدّ المقترض
القرض في الموعد المقرر ، يكن كمن فقد موضع
المال الذي وضعه فيه ، فإن عدم الضمان في
الصورتين على حدٍّ سواء ، وإن كان المقترض قد
فعل حراماً ; لانه يؤدِّ المال في موعده مع
تمكنه من ذلك .قد يقال : إن الضرر المنهي عنه في
الشريعة الاسلامية ، يشمل أن يبنى بناء فوق
ارض بحيث يتضرر الجار من هذا البناء ، كأن
يكون عالياً بحيث يُشرف الساكنون فيه على
الجار ، فلا يتمكن اهل الجار من التحرك تحركاً
مريحاً وبدون حجاب ، أو كان البناء لمعمل يؤثر
على سعر البيوت المحيطة به أو غير ذلك ،
فالضرر هنا ليس مباشراً ، بل هو ضرر غير مباشر
يؤدي إلى سوء حال الاخرين من دون أن ينقص
فعلاً شيئاً من أموالهم ، فإذا كان الضرر
بمعنى سوء الحال ، كما جاء في كتب اللغة ، فهو
مفهوم اوسع من النقص المالي المباشر ، وحينئذ
يكون هذا العمل منهياً عنه ; لانه مضر بالجار
ومؤدٍّ إلى سوء حاله ، إلاّ أن هذا أيضاً لا
يكون موجباً للضمان لو حصل الضرر للجار ; لان
الضمان ـ كما قلنا ـ له اساسان ، وليس هذا هو
احد الاساسين .
الخاتمة : ونتعرض فيها لبعض الابحاث
الفقهية :
1 ـ إذا أُلغي النقد فماذا يجب علىالمقترض : كنا فيما مضى نتكلم في صورة تدهور
حالة النقد ، أما في هذه الصورة فالكلام هو في
صورة الغاء الدولة لنقدها ، وتصدير نقد آخر ،
فإذا أقرضت زيداً مئة دينار كويتي إلى سنة ،
ثم ألغت الحكومة الكويتية عملتها ، وأصدرت
عملة أخرى قبل تمام السنة ، فهل يجب في هذه
الصورة أن أدفع الاوراق النقدية الاولى او
الثانية ؟الجواب : في هذه الحالة لم يبق للاوراق
النقدية الاولى أي مالية تعتبر ، لان تمام
ماليتها كان باعتبار الدولة المصدرة لها ،
فإذا ألغت الدولة ماليتها فقد سقطت من
الاعتبار ، وحينئذ نقول : كان يجب على المقترض
أن يدفع المثل الموصوف بأن له قيمة اعتبارية ،
والاوراق النقدية القديمة هي مثل لما اخذ ،
إلاّ أنها لا قيمة اعتبارية لها الان ، فحينئذ
يجب على المقترض أن يدفع الاقرب إلى المثل ،
والاقرب هو النقد الجديد الذي اعتبرته الدولة
، وهذا هو معنى الضمان الذي أقدم عليه المقترض
.2 ـ سريان المشكلة في غير القرض والبيع
المؤجل ثمنه : كما لو تزوجت امرأة بمهر قدرة
مئة تومان ايراني قبل ثلاثين سنة ، ثم اراد
الزوج طلاقها الان ودفع مهرها لها ، فهل يدفع
لها المئة تومان لا غير ، أو يدفع لها القيمة
الشرائية للمئة تومان قبل ثلاثين سنة ، التي
كانت تساوي مثلاً عشرة مثاقيل من الذهب ؟وقد يقال بوجوب ردّ القيمة الشرائية
للمئة تومان ، وهي عشرة مثاقيل من الذهب ،
وذلك لان النقد الايراني الورقي ليس مقصوداً
بالذات كالحنطة والشعير وبقية الاعراض ، وليس
كالذهب الذي يقصد لنفسه بما أنه عرض من
الاعراض ، إذن قصد المتعاقدين كان منصّباً
على القيمة الشرائية للمئة تومان في ذلك
الوقت ، والزوج ملزم بدفع القيمة الشرائية في
تلك الفترة .ولكن نقول : إن العرف والسيرة قائمة
على أن النقد بنفسه له قيمة ، وجاءت هذه
القيمة من اعتبار العرف لها ، وحتى الذهب
والفضة تقاس قيمتهما الان بالاوراق النقدية ،
فقد سقطت قيمتهما وبقيت عرضيتهما ، وإذا أردت
أن تتأكد من هذه الحقيقة فما عليك إلاّ أن
تلتفت إلى ما عليه الناس وأنت منهم حينما
يقولون : بكم الذهب اليوم ؟ وبكم الفضة اليوم ؟
وبكم الحنطة اليوم ؟ وهكذا ، أليس هذا دليلاً
على أن الذهب تقاس قيمته بالنقد الورقي ؟ وإذا
صح أن الاوراق النقدية هي النقد المتعارف في
هذا الزمان ، فالمنظور والمقصود عند
المتعاقدين هو نفس الاوراق النقدية بما لها
من قيمة اعتبارية ، فتكون الدنانير الورقية
كالعرض أو هي المقصودة بالذات .وعلى هذا فالذي يجب على الزوج أن يدفع
المئة تومان . والذي يؤيد ما نقوله من أن
الاوراق النقدية نقد مقصود لذاته ، هو ما تراه
عند ضياع النقود التي استلمتها من زيد الذي
كان لك عنده كمية من النقد ، فهنا تكون ذمة زيد
قد برئت وقد أضعت مالك ، بينما إذا كان زيد قد
أعطاك شيكاً بالمبلغ ، وقد ضاع هذا الشيك ،
فسرعان ما تبلغ البنك بضياع الشيك الذي يكون
رقم كذا ، ويبقى لك عند زيد ذلك المبلغ الذي لم
يسحب من حسابه في البنك المذكور ، وبهذا يتضح
أن ضياع الاوراق النقدية أو احتراقها يعني
احتراق أو ضياع المال ، أما عند ضياع الشيك
والكمبيالة مثلاً فلا يكون المال ضائعاً ،
فلا يكون للشيك والكمبيالة مالية ، وإنما هما
كورقة التمويل ، فيكونان مقصودين بالعرض
بخلاف النقد(28) .3 ـ هل يصح إقراض القيمة الشرائية
للنقد ، بأن يقول المقرض : اقرضتك هذا المبلغ
على أن تُرجع لي قيمته السوقية في زمن العقد
من الذهب ؟.الجواب : أن هذه معاملة ربوية ; وذلك
لان الادلة قالت : كل قرض جرّ نفعاً فهو رباً ،
وهنا القرض هو نفس النقد ، فاشتراط ارجاع
قيمته السوقية في زمن القرض معناه وجود
معاملتين :1 ـ ضمان النقد (وهذا يحصل بعقد القرض) .2 ـ معاوضة النقد بما يساوي قيمته من
الذهب وقت العقد .وبما أن المعاملتين في وقت واحد ، وقد
اجتمعتا في عقد القرض ، فتكون المعاملة
الثانية شرطاً في المعاملة القرضية ، والشرط
في القرض ـ إذا كانت منفعته للمقرض ـ رباً ،
لانه زيادة حكمية ، والشرط هنا فيه نفع
للمقرِض ، لانه يسلب حرية المقترض من
الاختيار في البيع وعدمه ، ويكون مُلزِماً
للمقترِض بأن يدفع ذهباً بما يساوي قيمة
النقد حين العقد ، وهذا الالزام هو نفع حكمي
للمقرِض في عقد القرض ، فهو رباً .
(1)
آل عمران : 130 .(2)
البقرة : 279 .(3)
وسائل الشيعة 16 ، الباب4 من ابواب الاطعمة
المحرمة ، ح1.(4)
م . ن ، ح 6.(5)
وسائل الشيعة 12، الباب 9 من ابواب الصرف، ح1.(6)
حينما كنت أكتب هذا الموضوع كان سعر المثقال
الواحد من الذهب في ايران (6700) تومان. وعلى حين
غفلة من الناس اصدرت الحكومة موافقتها على
قبول قرار (598) الصادرة من منظمة الامم
المتحدة، فنزل الذهب وصار سعر المثقال الواحد
منه (4500) تومان، ومعنى هذا تحسن النقد
الايراني فهل نقول للمقترض قبل الاعلان
بإرجاع كل ما أخذ؟.(7)
وسائل الشيعة 13 ، الباب 9 من ابواب الدين، ح2.(8)
وسائل الشيعة 13، الباب 2 من ابواب الدين، ح11.(9)
وسائل الشيعة 12، الباب 12 من ابواب الصرف، ح3.(10)
م . ن ، ح 7 .(11)
وسائل الشيعة 13، الباب 6 من ابواب الدين، ح4.(12)
م . ن ، ح 1.(13)
م . ن ، ح 3 .(14)
م . ن ، ح 5 .(15)
م . ن ، ح 2 .(16)
وسائل الشيعة 13، الباب 1 من ابواب الدين، ح 7.(17)
م . ن ، ح 9 .(18)
م . ن ، ح 2 .(19)
م . ن ، ح 4 .(20)
م . ن ، ح 3 .(21)
وسائل الشيعة 2، الباب 83 من ابواب ما يكتسب به،
ح2 .(22)
م . ن ، ح 4 .(23)
م . ن ، ح 9 .(24)
الكافي 2 : 316، باب حبّ الدنيا والحرص عليها، ح
6.(25)
الكافي للكليني4:32، باب وضع المعروف موضعه، ح5.
وفي سفينة البحار 1:455 قال رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) :«الدينار والدرهم اهلكا من كان
قبلكم وهما مهلكاكم».(26)
إن سبب التضخم العادي هو ما قلناه، وهو السبب
أيضاً في حالات طارئة، كما إذا حدثت حرب في
بلد معين، وكان الانفاق بقدر الانتاج أو أقل،
ولكن مع هذا قد يحصل التضخم، بتقريب أن اكثر
ما تنتجه الدولة من سلع وتحولها بعد ذلك إلى
نقد، يحترق في ساحات القتال، وبهذا يكون
الطلب مع وجود الحرب اكثر من الانتاج، وبهذا
رجع السبب الاصيل للتضخم، وهو أن الانفاق
اكثر من الانتاج.(27)
يتمكن الدائن أن يرفع هذه المخاطرة من اول
العقد، يأخذ رهناً على ماله، أو يطلب ضامناً
متمولاً.(28)
وهذا البحث يكون جواباً لكل من قال بالفرق بين
الدنانير والدراهم المعدنية، وبين الاوراق
النقدية، بتقريب أن المعدنية هي عرض مقصود
بذاتة، أما الاوراق النقدية فليست هي مقصودة
بذاتها; إذ يجاب بأن العرف والسيرة قائمة على
أن لها مالية في نفسها كالذهب والفضة والحنطة.