تحـقيقـات
حديث الانذار يوم الدار
القسم الاول
* الشيخ علي الاحمدي الميانجياللّهم لك الحمد على ما أنعمت ، ولكالشكر على ما ألهمت ، وصلّ على نبيك الاطيب
الاطهر محمد وآله المعصومين الطاهرين ، لا
سيما القائم المؤمل والعدل المنتظر ، والعن
أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين . وبعد .هذه رسالة وجيزة متواضعة في التحقيق
حول حديث الانذار يوم نزل قوله تعالى : (وأنذر
عشيرتك الاقربين)(1) .روى هذا الحديث جمع كثير من الصحابة
رضي اللّه عنهم :1 ـ منهم امير المؤمنين علي بن أبي طالب
صلوات اللّه عليه وآله .2 ـ ورَجل من اصحاب رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) .3 ـ والبراء بن عازب الانصاري الصحابي
الكبير .4 ـ وأبو رافع مولى رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) .5 ـ وابن عباس عبد اللّه الحبر ابن عم
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)وأمير المؤمنين(عليه
السلام) .6 ـ وقيس بن سعد بن عبادة الانصاري
الصحابي العظيم .7 ـ وأبو بكر بن أبي قحافة الخليفة
الاول .8 ـ وعمر بن الخطاب الخليفة الثاني .وحيث إنّ الحديث نقل بالفاظ مختلفة ،
لابد من أن نورده بألفاظه مترتبا حسب الرواة
فنقول :روى هذا الحديث عن علي(عليه السلام)
جماعة :الاول : روى الحديث عبد اللّه بن عباس
عن علي(عليه السلام) .روى الطبري في تاريخة 2 : 320 عن ابن حميد
عن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الغفار بن
القاسم أبي مريم عن المنهال بن عمرو عن عبد
اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد
المطلب عن ابن عباس عن علي ابن أبي طالب(عليه
السلام) قال : « لمّا نزلت هذه الاية على رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) : (وأنذر عشيرتك
الاقربين) دعاني رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) فقال : يا علي ، إنّ اللّه أمرني أن أنذر
عشيرتي الاقربين ، فضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت
أني متى أباديهم بهذا الامر أرى منهم ما اكره
، فصمتُّ عليه حتى جاء جبرئيل فقال : يا محمد ،
إنك إن لا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك ، فاصنع
لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة ، واملا
لنا عسّاً من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب
حتى أكلّمهم ، وأبلّغهم ما أُمرت به ، ففعلت
ما أمرني به ، ثم دعوتهم وهم يومئذ أربعون
رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه
ابو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ، فلمّا
اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم
فجئت به ، فلمّا وضعته تناول رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) حذية من اللحم فشقها بأسنانه
، ثم ألقاها في نواحي الصفحة ثم قال : خذوا
باسم اللّه ، فأكل القوم حتى مالهم بشيء من
حاجة ، وما أرى إلاّ موضع أيديهم ، وأيم اللّه
الذي نفس عليّ بيده ، وإن كان الرجل الواحد
منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم . ثم قال : اسق
القوم ، فجئتهم بذلك العسّ فشربوا حتى رووا
منه جميعاً، وأيم اللّه إن كان الرّجل الواحد
منهم ليشرب مثله .فلمّا أراد رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) أن يكلّمهم بدره أبو لهب إلى الكلام
فقال : لَهَدّما سحركم صاحبكم ، فتفرق القوم
ولم يكلمهم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ،
فقال : الغد يا علي ; إنّ هذا الرّجل سبقني إلى
ما قد سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل أن
أكلّمهم ، فعد لنا من الطعام بمثل ما
صنعت ، ثم اجمعهم إليّ . قال ففعلت ثم جمعتهم ،
ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ، ففعل كما فعل
بالامس فأكلوا حتى مالهم بشيء حاجة ، ثم قال :
اسقهم فجئتهم بذلك العسّ فشربوا حتى رووا منه
جميعاً .ثم تكلّم رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) فقال : يا بني عبد المطلب ، إنّي واللّه
ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل مما
قد جئتكم به . إني قد جئتكم بخير الدنيا
والاخرة ، وقد امرني اللّه أن ادعوكم إليه ،
فأيّكم يوازرني على هذا الامر على أن يكون أخي
ووصيّي وخليفتي فيكم ؟ قال : فأحجم القوم عنها
جميعاً ، فقلت ـ وإنّي لاحدثهم سنّاً وأرمصهم
عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً ـ : أنا
يا نبيّ اللّه أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي
ثم قال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ،
فاسمعوا واطيعوا . قال فقام القوم يضحكون
ويقولون لابي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك
وتطيع » ؟
المصادر الاخر
نقل هذا الحديث بهذا اللفظ ـ يعني فيكلامه(صلى الله عليه وآله) في علي(عليه السلام)
وفيما قال لقومه ـ ابن الاثير في تاريخه
الكامل 2 : 62 ، والظاهر أنه نقله عن الطبري (على
ما ذكره في اول كتابه من نقله عن الطبري أجمع
الروايات وأتمها) .ونقله الطبري أيضاً في تفسيره 19 : 74 ـ 75
بهذا الاسناد ، إلاّ أنه قال (في نقله كلام
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)) على أن يكون
أخي وكذا وكذا ... إن هذا أخي وكذا وكذا فاسمعوا
له واطيعوا قال : « فقام القوم يضحكون ويقولون
لابي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع » .ونقله ابن كثير الدمشقي في البداية
والنهاية 3 : 39 عن البيهقي في الدلائل بإسناده
عن محمد بن إسحاق قال : « فحدثني من سمع عبد
اللّه بن الحارث بن نوفل ـ واستكتمني اسمه ـ
عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب » وساق الحديث
إلى قوله(صلى الله عليه وآله) : « إنّي قد جئتكم
بأمر الدنيا والاخرة » ثم قال : « هكذا رواه
البيهقي من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن
شيخ أبهم اسمه عن عبد اللّه بن الحارث ، وقد
رواه أبو جعفر بن جرير (بإسناد ذكره الطبري
كما تقدم) فساق الحديث إلى قوله(صلى الله عليه
وآله) : « على أن يكون أخي وكذا وكذا » و « إنّ
هذا أخي وكذا وكذا فاسمعوا له واطيعوا » قال :
« فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب :
قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع »(2)
.وفي سيرة أبي الفداء لابن كثير 1 : 224
ساق الحديث كما في البداية والنهاية عن
البيهقي ثم عن أبي جعفر بن جرير بإسناده .ونقله الحلبي في سيرته 1 : 322 ثم قال : «
وزاد بعضهم في الرواية : يكون أخي ووزيري
وخليفتي من بعدي ... أنت أخي ووزيري ووصيّي
ووارثي وخليفتي من بعدي » .وتبعه دحلان في سيرته 1 : 196 بهامش
الحلبية .ونقله بالفاظه عن تاريخ الطبري ابن
أبي الحديد 13 : 211 طـ بيروت ، ونقله أيضاً ص 244
عن أبي جعفر الاسكافي في نقضه على العثمانية
والجاحظ قال : « ثم ضمن لمن يوازره منهم وينصره
أن يجعله أخاه في الدين ووصيّه بعد موته
وخليفته من بعده ... فقال لهم : هذا أخي ووصيّي
وخليفتي من بعدي ، فقاموا يسخرون ويضحكون
ويقولون لابي طالب : أطع ابنك فقد امّره عليك »
.ونقله النووي في مراح لبيد 2 : 118 عن
محمد بن إسحاق بهذه الالفاظ .ونقله خازن في تفسيره 3 : 127 عن محمد بن
إسحاق بهذا الاسناد وبهذه الالفاظ .ونقله البغوي في معالم التنزيل (المطبوع
بهامش تفسير الخازن 3 : 121 والمطبوع مستقلاً 3 :
341) عن محمد بن اسحاق بهذا الاسناد وبهذه
الالفاظ.ونقله ابن كثير في تفسيره 3 : 351 عن
الطبري في تفسيره ، وتبعه في الحذف والاسقاط
كما ذكرنا فراجع .واورده ابن عساكر في تاريخ دمشق 1 : 87 من
فضائل امير المؤمنين(عليه السلام)
باسناده عن ابن اسحاق باسناده وبعين الفاظه ،
وفي آخره : « ويقولون لابي طالب : قد أمرك أن
تسمع لعلي وتطيع » .ورواه بهذه الالفاظ في كنز العمال 15 :
115 عن ابن اسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن
مردويه وأبي نعيم والبيهقي في الدلائل ، وص 130
عن ابن مردويه بهذه الالفاظ .ونقله ابن تيمية في منهاج السّنة 4 : 80 .ونقله شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 371 ـ
372 باسناده عن محمد بن اسحاق بهذا الاسناد عن
ابن عباس .ورواه القاضي نعمان في شرح الاخبار 1 :
106 و 116 بنحو ما مر عن الطبري .ورواه أبو نعيم في الدلائل : 317 و 318
بالاسناد الذي ذكره الطبري إلى قوله(عليه
السلام) : « ثم تكلّم رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) » .وأورده العلامة المتتبع المتضلّع
المحقق الاميني(رحمه الله) في غديره 1 : 206 ، و 2 :
282 عن تاريخ الطبري بألفاظه ، وأبي جعفر
الاسكافي المتكلّم المعتزلي المتوفى سنة 240
في كتابه نقض العثمانية ، وقال : « إنه روي في
الخبر الصحيح » وعن انباء نجباء الابناء : 46 ـ
48 ، والكامل لابن الاثير 2 : 24 ، وأبي الفداء
عماد الدين الدمشقي في تاريخه 1 : 116 ، وشهاب
الدين الخفاجي في شرح الشفا للقاضي عياض 3 : 73 ،
وبتر آخره وقال : « ذكر في دلائل البيهقي وغيره
بسند صحيح » ، وعن الخازن في تفسيره : 39 ، وجمع
الجوامع للسيوطي كما في ترتيبه 6 : 392 نقلاً عن
الطبري ، وفي ص 397 عن الحفاظ الستة ابن
اسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه
وأبي نعيم والبيهقي ، وعن ابن أبي الحديد 3 : 254
، وجرجي زيدان في تاريخ التمدن الاسلامي 1 : 31 ،
ومحمد حسين هيكل في حياة محمد : 104 من
الطبقة الاولى(3)
.واثبات الهداة 2 : 207 عن كشف الغمة عن
الطبري وابن الاثير في تاريخيهما ، وص 255 عن
ابن أبي الحديد عن الاسكافي والطبري .والصحيح من السيرة 3 : 61 عن جمع من تقدم
، ومنهم تاريخ أبي الفداء 2 : 14 طـ دار الفكر
بيروت ، وفرائد السمطين بتحقيق المحمودي 1 : 86
، وإثبات الوصية للمسعودي : 115 .واشار إليه ابن خلدون في مقدمته : 197 ،
إلاّ أن في لفظه غرابة .
ملاحظات حول الحديث
الاولى : أنّ سند الحديث صحيح لا مجالللاشكال فيه ، وقد اعترف بصحته أو تواتره جمع
، فلابد من نقل كلمات الفريقين حتى يتضح
للقارئ:1 ـ نقل المتقي الهندي في كنز العمال 15 :
113 عن الطبري أنه صحّح الحديث ، ويؤيد هذه
النسبة أن الطبري أورده في تاريخه تماماً كما
نقلناه عنه من دون أيّ همز ولمز في سنده ،
وتبعه ابن الاثير في كامله ، ونقله الطبري في
تفسيره بهذا السند ولم يجد مغمزاً ومهمزاً
فيه ، ولذلك حرّفه واسقط منه ، حيث لم يرتض
ولاية امير المؤمنين(عليه السلام) ، ولو كان
للاشكال محل في صحته لما أقدم على هذا التحريف
والخيانة ، كما وأنّ ابن كثير أيضاً في
البداية والنهاية لمّا لم ير مجالاً للاشكال
في سند الحديث ، فعل ما فعله الطبري ،
ولكنّهما مع هذا التحريف نقلا آخر الحديث
الدال على خيانتهما ، وهو قوله(صلى الله عليه
وآله) : « فاسمعوا له وأطيعوا » وقول بني عبد
المطلب حيث قالوا مستهزئين بأبي طالب : « قد
أمرك أن تسمع لابنك وتطيع » .2 ـ صحّح الحديث أبو جعفر الاسكافي
المعتزلي في ردّه على الجاحظ ، على ما نقله
ابن أبي الحديد في شرح النهج 13 : 244 طـ بيروت
بقوله: «وروي في الخبر الصحيح أنّ النبي(صلى
الله عليه وآله) كلّف عليّاً في مبدأ الدعوة
أن يصنع طعاماً».3 ـ قال الشيخ المحقق المظفر في دلائل
الصدق 2 : 233 : «وهكذا نقله في كنز العمال عن
مسند احمد ، وعن ابن جرير ، قال : وصحّحه ، وعن
الطحاوي ، والضياء في المختارة التي حكى في
أول الكنز صحة جميع ما فيها عن السيوطي في
ديباجة جمع الجوامع» .4 ـ نقل شيخ الشيعة المفيد محمد بن محمد
بن النعمان الحديث في الارشاد : 49 ـ 50 نحو ما
نقله الطبري ، وقال : « وذلك في حديث الدار
الذي أجمع على صحته نقّاد الاثار »(4).5 ـ قال أبو الصلاح في تقريب المعارف :
135 : « وقد أطبق الناقلون من الفريقين على هذا
النقل كنقلهم المعجزات »(5)
.6 ـ وقال أبو حنيفة القاضي النعمان
المغربي المتوفى سنة 363 في شرح الاخبار 1 : 116 : «
نصّ النبي(صلى الله عليه وآله) على علي
بالوصية والخلافة وإمرة المؤمنين ... فهو خبر
مشهور » ، ورواه اكثر اصحاب الحديث . وممن رواه
وادخله في كتاب ذكر فيه فضائل علي(عليه السلام)
غير من تقدم ذكره محمد بن جرير الطبري ، وهو
احد اهل بغداد من العامة عن قرب عهد في العلم
والحديث والفقه عندهم ـ ثم الاسناد للطبري ثم
قال : « وحكاه من طرق شتى غير هذا الطريق ، ولو
ذكرت من رواه لاحتاج ذلك إلى كتاب مفرد ، وهو
من أشهر الاخبار وأوضحها وأثبتها في إمامة
علي(عليه السلام) من رواية العامة بذلك ،
وإقرارهم له بأن رسول اللّه صلوات اللّه عليه
وآله جعله أخاه ووصيّه ووليّه وخليفته من
بعده ، وأمر الناس بالسّمع والطاعة له » .وقال في ص 106 : « وذكره ـ أي أمر ولاية
علي(عليه السلام) ـ اصحاب التفسير من العوام
واصحاب السير ، أن اللّه عزوجل أنزل على رسوله
: (وأنذر عشيرتك الاقربين) أمرَ عليّاً(عليه
السلام) ... » ثم ساق الحديث نحواً ممّا نقله
الطبري ، وقال : « وروى هذا الحديث بهذا
النص محمد بن اسحاق صاحب المغازي ، وغيره من
علماء العامة ، وجاء كذلك عن اهل البيت(عليهم
السلام) » .7 ـ هذا وقد نقل هذا الحديث من طرق أخرى
غير ما ذكره الطبري ، وفيها أيضاً ذكر الوزارة
والوصية والخلافة . ولا بأس بالاشارة إليها(6)
:عن ابن عباس عن علي(عليه السلام) : «
فيكون أخي ووصيّي ووزيري وخليفتي في اهلي ثم
قال : إنّ هذا أخي ووصيّي ووزيري وخليفتي فيكم
فاسمعوا واطيعوا » .وعن عبد اللّه بن حارث بن نوفل عن علي(عليه
السلام) : « أيكم يكون أخي ووصيّي ووارثي
ووزيري وخليفتي فيكم بعدي ... هذا أخي ووارثي
ووصيّي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي . فقام القوم
يضحك بعضهم إلى بعض » .وعن عباد بن عبد اللّه الاسدي عن علي(عليه
السلام) : « من يضمن عني ديني ومواعيدي ... ويكون
خليفتي في اهلي » وفي نقل ابن عساكر « ويكون
خليفتي ووصيّي من بعدي » .وعن ربيعة بن ناجذ عن علي(عليه السلام)
: « على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي » وفي لفظ
ابن كثير « على أن يكون أخي ووصيّي » .وعن الحسن عن رجل من اصحاب النبي(صلى
الله عليه وآله) : « فاتخذه وصيّاً ووليّاً
ووزيراً » .وعن البراء بن عازب : « من يواخيني
ويوازرني ويكون وليّي ووصيّي بعدي وخليفتي في
اهلي ... فقام القوم وهم يقولون لابي طالب : أطع
ابنك فقد اُمّر عليك » .وعن أبي رافع : « على ان يكون أخي
ووزيري ووصيّي وقاضي ديني ، ويكون مني بمنزلة
هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي » وفي لفظ
« على أنه أخي ووارثي ووزيري ووصيّي ، ويكون
مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي
بعدي » .وفي لفظ : « إنّ اللّه لم يبعث نبيّاً
إلاّ جعل من أهله أخاً ووزيراً ووصيّاً
وخليفة في اهله » .وعن أبي بكر بن أبي قحافة : « يا بني عبد
المطلب ، إنه لم يبعث اللّه نبيّاً إلاّ جعل
له من اهله أخاً ووزيراً ووصيّاً وخليفة في
اهله ، فمن يبايعني على أن يكون أخي ووزيري
وخليفتي في اهلي ؟ » .وعن قيس بن سعد : « أيكم ينتدب أن يكون
أخي ووزيري ووصيّي وخليفتي في أمتي ووليّ كلّ
مؤمن بعدي ؟ » .الثانية : بعد كل ما ذكرنا أنكر ابن
تيمية الحديث على عادته وديدنه في منهاجه 4 : 80
(ولا عجب منه إذ عادته إنكاره فضائل امير
المؤمنين صلوات اللّه عليه ، ولو وردت من طرق
كثيرة متواترة) وأورد عليه ما ملخّصه :1 ـ أنّ السّند في رواية الطبري ضعيف
لمكان أبي مريم الكوفي الرافضي ، وهو مجمع على
ضعفه . وقال احمد : « ليس بثقة » واتهمه ابن
المديني بوضع الحديث .وتبعه في هذا الاشكال ابن كثير في
البداية والنهاية قائلاً : « تفرد به عبد
الغفار بن القاسم أبو مريم ، وهو كذّاب شيعي »
واقتفى اثرهما الحلبي ودحلان في سيرتهما .2 ـ تنصّ الرواية على أنه قد جمع بني
عبد المطلب وهم اربعون رجلاً . ومن الواضح أنه
حين نزول الاية لم يكن بنو عبد المطلب بهذه
الكثرة.3 ـ قول الرواية : « إنّ الرجل ليأكل
الجذعة ويشرب الفرق من اللّبن كذب إذ ليس في
بني هاشم من يعرف بأنه يأكل جذعاً ويشرب فرقاً
» .4 ـ أنّ مجرّد الاجابة للمعاونة على
هذا الامر لا يوجب أن يكون المجيب وصيّاً
وخليفة بعده(صلى الله عليه وآله) ، فإن جميع
المؤمنين أجابوا إلى الاسلام وأعانوه على هذا
الامر ، وبذلوا انفسهم واموالهم في سبيله ،
كما أنه لو اجاب الاربعون أو جماعة منهم فهل
يمكن أن يكون الكل خليفة له ؟5 ـ أنّ حمزة وجعفراً وعبيدة بن الحارث
قد أجابوه إلى ما أجاب إليه علي، بل حمزة أسلم
قبل أن يصير المؤمنون أربعين رجلاً .الجواب على الاشكال الاول :أ ـ قد عرفت أنّ جمعاً من العلماء
النقّادين لم يجدوا إشكالاً في سند الحديث ،
بل صرّحوا بصحّته .ب ـ أنّ أبا مريم يثني عليه ابن عقدة ،
قال ابن عدي : « سمعت ابن عقدة يثني على أبي
مريم ويطريه ويتجاوز الحدّ في مدحه ، حتى قال :
لو ظهر على أبي مريم ما اجتمع الناس على شيعته
، وقال : وإنّما مال إليه ابن عقدة هذا الميل
لافراطه في التشيّع »(7)
.وأثنى عليه شعبة(8) ، ووثّقه
النجاشي والعلامة(9)
. وقال الذهبي : « وكان ذا اعتناء
بالرجال »(10)
، ووثقة شيخ الطائفة في الفهرست : 201 في ترجمة
أخيه عبد المؤمن .وقد صرّحوا بسبب تضعيفهم له ، وهو كونه
شيعياً رافضياً ، وأنه من رؤوس الشيعة ، وأنه
يروي حديث بريدة : « عليّ مولى من كنت مولاه » ،
وأنه يروي حديث الرجعة ، وأنه كان يحدّث
ببلايا عثمان(11)
.فكل من تشيّع (أي احبّ عليّاً(عليه
السلام)) ، أو روى فضائل اهل البيت(عليهم
السلام) ، أو نقل مثالب أعدائهم ، أو قدحاً
فيهم ، فهو مطعون ومتروك عندهم . وقد ذكر
الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح التشيع في فصل
مطاعن الرواة ، وفسّره بحب علي(عليه السلام)(12)
.والذين نقلنا كلامهم في الحكم بصحة
هذا الحديث يقولون بوثاقة الرجل(13)
، فقوله : « وهو مجمع على ضعفه » واضح الفساد ،
بل بهت وفرية وكذب ، بل هو عادته كما لا يخفى
على من راجع منهاجه .هذا مع أن هذا المضمون الدال على
الوصايا والخلافة ورد في الحديث في طرق أخرى
كما ذكرنا ، فالحديث مستفيض لا يحتاج إلى
النظر في إسناد، لانه بعضه يقوي بعضاً(14)
.والعجب من ابن تيمية حيث أنكر كون قضية
الخلافة بعده(صلى الله عليه وآله) مذكورة في
الصحاح والمسانيد ، مع وجود الحديث في مسنده
1:111 ، ورجاله هم رجال الصحاح ، وغيره كما يأتي .وما ذكره ابن تيمية من الطعن في رواية
ابن أبي حاتم باشتمال سندها على عبد اللّه بن
عبد القدوس . قال : « وقد ضعّفه الدار قطني ،
وقال النسائي : ليس بثقة ، وقال ابن معين : ليس
بشيء رافضي خبيث » مدفوع بأنّ ابن حجر قال في
تقريبه : « إنه صدوق » ، وفي تهذيب التهذيب قال
محمد بن عيسى : «ثقة» ، وقال البخاري هو في
الاصل صدوق ، إلاّ أنه يروي عن اقوام ضعاف مع
أنه أيضاً من رجال الترمذي .هذا وقد صرّحوا بسبب تضعيفهم ، قالوا :
كوفي رافضي خبيث . عامة ما يرويه في فضائل اهل
البيت ، ومدح هؤلاء مقدم ، لعدم العبرة في قدح
المخالفين في الدين ، ويقبل مدحه فيه ، وهم
قذفوه بذلك لانهم رموه بالتشيع . ولا نعرفه في
رجالهم .الجواب على الاشكال الثاني : وأما قوله
: « إنه حين نزول الاية لم يكن بنو عبد المطلب
بهذه الكثرة » فإن الظاهر أن كلمة عبد زيدت من
الروّاة ; بدليل أن عدداً من الروايات يصرح
بأنه قد دعا بني هاشم ، كما في السيرة النبوية
لابن كثير 1 : 459 عن ابن أبي حاتم ، والبداية
والنهاية 2 : 40 ، وراجع كنز العمال 15 : 113 ، ومسند
احمد 1 : 111 ، وتفسير ابن كثير 3 : 350 ، وابن عساكر
ترجمة الامام علي(عليه السلام) بتحقيق
المحمودي 1 : 87 ، وإثبات الوصية للمسعودي : 115 ،
واليعقوبي 2 : 27 ، ومسند البزار ، مخطوط في
مكتبة مراد ، الرقم 578(15)
.وجاء في روايات اخرى أنه دعا بني عبد
المطلب ونفراً من بني المطلب(16)
.فلعل الامر قد اشتبه على الراوي وأضاف
كلمة عبد ، وهذا كثير ، وعليه فلا يلزم من ذلك
كذب أصل الواقعة المتفق عليها إجمالاً .كما أنّ أبناء عبد المطلب إذا كانوا
عشرة ، وكان أصغرهم يصل عمره حينئذ إلى ستين
عاماً ، فلماذا لا يكون لهم من الولد ما
انضموا إليهم وبلغوا أربعين رجلاً ؟ بل أكثر
من ذلك بكثير . وما وجه الاستبعاد لذلك(17)
؟مع أنّ في نفس الحديث : « إنهم يزيدون
رجلاً أو ينقصون » ، وفيه اشارة إلى أنّ العدد
تقريبي لا حقيقي .الجواب على الاشكال الثالث : أجاب عنه
الشيخ المظفر بأنّ عدم معروفيتهم بالاكل لا
يدل على عدم كونهم كذلك في الواقع ، ولو سلّم
فإنه يلزم منه مبالغة الراوي في إظهار معجزة
النبي(صلى الله عليه وآله) في إطعامهم رجل
الشاة وعسّ اللبن الواحد ، أو أن هذا وقع
مبالغة في أنّ أحدهم لو أراد الاكل لاكل ذلك(18)
.مع أنّ رجل جَذَع ـ وهو من الضأن ما تمت
له سنته(19)
ـ لا يستبعد أكل إنسان عاديّ لها . وفي الحقيقة
هذا البيان تأكيد في تحقق الاعجاز كما تقدم .الجواب على الاشكال الرابع : هو ما
ذكره الشيخ المظفر من أنّ قوله هذا ليس علّة
تامة للخلافة « ولم يدّع ذلك النبي(صلى الله
عليه وآله) ليشمل حتى من لم يكن من عشيرته ، بل
امره اللّه تعالى بإنذار عشيرته لانهم اولى
بالدفع عنه ونصره ، فلم يجعل هذه المنزلة إلاّ
لهم . وليُعلم من أول الامر أن هذه المنزلة
لعلي خاصة ; لانّ اللّه ورسوله يعلمان أنه لا
يجيب النبي(صلى الله عليه وآله) ويوازره غير
علي(عليه السلام) ، فكان ذلك من باب تثبيت
إمامته بإقامة الحجة عليهم ، ومع فرض تعدّد
المجيبين يعيّن الرسول الاحق بها منهم »(20)
.وقال العلامة المحقق السيد مهدي
الروحاني حفظه اللّه تعالى إنّ الخطاب إنّما
هو للجميع ، لكن النبي(صلى الله عليه وآله) كان
يعلم من خلقهم وعلاقاتهم وطبائعم أنهم لا
يجيبون باستثناء علي(عليه السلام) .ويؤيد ذلك النص الذي سوف يأتي نقله عن
البحار عن ابن طاووس تحت عنوان « ماذا قال
النبي(صلى الله عليه وآله) يوم الانذار »(21)
: « إن اللّه لم يبعث رسولاً إلاّ جعل له أخاً
ووزيراً ووصيّاً ووارثاً من اهله ، وقد جعل لي
وزيراً كما جعل للانبياء من قبلي ... وقد
واللّه انبأني به وسمّاه لي ، ولكن أمرني أن
ادعوكم وأنصح لكم وأعرض عليكم ; لئلا تكون لكم
الحجة فيما بعده »(22)
.وقال هذا المحقق أيضاً إنه يحتمل أن
يكون الخطاب لواحد منهم على سبيل البدل ، ولذا
قال لهم : « أيكم يوازرني » ، فالمجيب اولاً هو
الذي يستحق ما وعد به(صلى الله عليه وآله) ،
وإجابة أكثر من واحد بعيدة الوقوع جداً ، ولا
يعتنى باحتمالها عرفاً ، لا سيّما وأنّ الذي
يضرّ هو التقارن في الاجابة ، وذلك أبعد هذا
مع علمه(صلى الله عليه وآله) بأنه لا يجيب سوى
واحد منهم(23)
.ولكن ذكر بعض الاعلام أن كون المراد هو
الموازرة في الجملة بعيد ; لكون المسلمين على
اختلاف مراتبهم قد وازروه في الجملة ،
فالمراد هو الموازرة في جميع الامور والاحوال
، والموازرة الكاملة في الدين تحتاج إلى اعلى
درجات الوعي والعلم والسموّ الروحي إلى درجة
العصمة ، الامر الذي يعني أن شخصاً كهذا هو
الذي يستحق الامامة ، ولا يستحقها سواه ممن
تلبّس بالظلم كما قال تعالى : (لا ينال عهدي
الظالمين) وليس ذلك سوى علي(عليه السلام)
.أضف إلى ذلك أنّ إمامة علي(عليه السلام)
إنما هي بجعل من اللّه سبحانه وتعالى، لا بجعل
من النبي(صلى الله عليه وآله) لتترتب (اي
الامامة) على الموازرة المنشودة والمرغب بها
، مع علم النبي(صلى الله عليه وآله) بعدم اجابة
غير علي(عليه السلام) ، فيكون ما جرى في يوم
الانذار لاجل إقامة الحجة وقطع كل عذر ، فكلام
المظفر هو الاولى والاقرب(24) .اقول : يؤيّد كون الموازرة هنا هي
الموازرة في جميع الامور والاحوال ، لا
الموازرة في الجملة ، ما ورد في نفس الحديث في
بعض طرقه : « إن اللّه لم يبعث نبيّاً إلاّ جعل
له أخاً ووزيراً ووصيّاً ووارثاً من اهله ،
وقد جعل لي وزيراً من أهلي كما جعل للانبياء
قبلي » كما نقله أبو رافع عن أبي بكر ، ونقله
أبو رافع نفسه كذا : « وإنّ اللّه لم يبعث
نبيّاً إلاّ جعل له من أهله أخاً ووارثاً
ووزيراً ووصيّاً وخليفة في اهله ، فأيكم
يبايعني على أنه أخي ووزيري ووارثي دون اهلي ،
ويكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا
نبي بعدي ؟ » ، وكذا في سعد السعود عن رجل من
اصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) وزاد : « وقد
واللّه انبأني به وسمّاه لي ، ولكن أمرني أن
أدعوكم وانصح لكم وأعرض عليكم » ، وكذا في
رواية ابن عباس .وكأنه اشارة إلى قوله تعالى في دعاء
موسى على نبينا وآله وعليه السلام : (واجعل لي
وزيراً من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري *
وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيراً * ونذكرك
كثيراً)(25) وقوله سبحانه :
(وأخي هارون هو افصح منّي لساناً فأرسله معي
ردئاً يصدّقني إنّي أخاف أن يكذّبوني * قال
سنشدّ عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً)(26) ، فالمراد رجل
يكون له ما له(صلى الله عليه وآله) إلاّ النبوة
، فيشاركه في امره إلاّ النبوة ، ويشدّ أزره
ويكون ردئاً له يصدّقه ، ويكون وزيراً له
يوازره في حمل أثقال النبوة في تدبير الامور ،
وإبلاغ الرسالة ، والدفاع عنه وعن دينه ، وحمل
اسرار العلوم الالهية ، وتحمّل المشاق
والمصاعب والمصائب .ومن المعلوم ـ كما ينصّ الحديث ـ ألاّ
يكون ذلك إلاّ بجعل من اللّه سبحانه ، وليس في
اختيار رأي انسان . وهذه الصفات من العصمة
ومكارم الاخلاق أمر واقعي محقق في هذا الفرد ،
لا أنها تتحقق بسبقه إلى البيعة فقط ،
ولا يكون كذلك إلاّ بكونه كذلك من قبل اللّه
تعالى في عمله ، وإنما قال(صلى الله عليه وآله)
« أيكم يوازرني » لاتمام الحجة عليهم .وظاهر الحديث في جميع طرقه وألفاظه
أنه(صلى الله عليه وآله) لم يطلب منهم الايمان
فقط به حتى يكون الموازر وصيّه وخليفته
ووزيره ووليه ، بل طلب منهم الموازرة بعد
الايمان قائلاً : « أيكم يوازرني » وإنما طلب
منهم الايمان إئتماراً بقوله تعالى
والموازرة(27)
، ولو كان المطلوب الايمان فقط ، وتكون
الموازرة والاخوة والوراثة والوصاية
والولاية والخلافة من ثمرات الايمان ، كما
توهمه المتوهم ، لكان علي(عليه السلام) وجعفر
وأبو طالب بل حمزة خارجين ، لكونهم قبل ذلك
مؤمنين .والجواب على الاشكال الخامس : يظهر
ممّا تقدم ، ومع الغض عما ذكرنا نقول : ذكر
العلامة المحقق جعفر العاملي أجوبة ثلاثة هي :أ ـ أن وجود حمزة إنما يضرّ لو كان قد
أسلم قبل نزول آية الانذار ، ونحن لا نستطع أن
نحتمل ذلك فضلاً عن أن نجزم به ; إذ من القريب
جداً ـ بل هو الظاهر إن لم يكن صريح ما ورد في
كيفية اسلام حمزة ـ أن اسلامه كان بعد الاعلان
بالدعوة ، وبعد وقوع المواجهة بين النبي(صلى
الله عليه وآله) وقريش ، وبعد مفاوضاتها لابي
طالب .ب ـ لو سلّم فإنّ إنذار عشيرته يمكن أن
يكون أثناء الدعوة السرية وقبل اسلام حمزة ،
حتى لو كان قد أسلم في الثانية من البعثة ،
ويكون ماجرى بين حمزة وأبي جهل بمثابة إعلان
جزئي للدعوة ، وتكون قريش قد بدأت تتعرض لشخص
النبي(صلى الله عليه وآله) حتى في الدعوة
السرية . وأما بالنسبة لسائر من أسلم فقد كان
ثمّة محدودية في التعامل معهم ، وسرية لمن لم
يدخل في الاسلام ، ويدل على ما ذكرناه أنهم
يذكرون أن قوله تعالى : (فاصدع بما تؤمر) كان هو
السبب في إخراج الدعوة من السر إلى العلن ،
ولا ريب أنّ إنذار العشيرة كان قبل ذلك .جـ ـ أنّ وجود حمزة ـ إن كان قد أسلم
آنئذ ـ كوجود أبي طالب بينهم ، فلعلّهما كانا
يريان أنهما غير مقصودين بهذه الدعوة ، ولا
سيما إذا كانا يدركان أن بقاءهما إلى ما بعد
وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) أبعد احتمالاً
، فإن سنّ حمزة كان يقارب سن النبي(صلى الله
عليه وآله) كما يدّعون ، ولكننا نعتقد أنه كان
أكبر من النبي(صلى الله عليه وآله) بأكثر من
عشرين سنة ; لانه كان أكبر من عبد اللّه والد
النبي(صلى الله عليه وآله) ، الذي كان اصغر
اولاد عبد المطلب . وهكذا يقال للعباس أيضاً .
وأما أبو طالب فإنه كان شيخاً هرماً لا يحتمل
البقاء إلى ما بعد وفاة النبي(صلى الله عليه
وآله) ، فلا معنى لان يقدم أيّ منهما نفسه على
أنه خليفة من بعده ، أو على الاقل هكذا فكّر
آنئذ .وهكذا يتضح أنّ جميع ما جاء به ابن
تيمية إنما كان كسراب بقيعة ، أو كرماد اشتدت
به الريح في يوم عاصف(28) .الثالثة : نقل البياضي العاملي(رحمه
الله) في كتابه الصراط المستقيم 1 : 327 عن
الواسطي(29)
تشكيكات في هذا الحديث وأجاب عنها ، ولا بأس
بنقل كلامه في المقام . قال : مع هذه الشهرة
ينكر الواسطي الغويّ رواية نصب النبي(صلى
الله عليه وآله) في يوم الدار علي(عليه السلام)
.1 ـ قال : لانه(صلى الله عليه وآله)
أمر في الاية : بإنذار الاقربين لا بطلب من
يوازره ، فكيف يخصّ واحداً منهم دون الباقين ؟
.قلنا : قد أنذرهم ثم خصّ بطلب الوزارة
واحداً منهم زيادة في ترغيبهم ; لوفور علمه أن
الرسالة لا يسارع إليها كل منهم ، ولا منافاة
بين إنذارهم وطلب الوزارة من بعضهم .أقول : يعني أنّ رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) امتثل امره تعالى بإنذار الاقربين
ـ وزاد صحيح مسلم : ورهطه منهم المخلصين ـ
إيذاناً بأنّ في الدعوة إلى التوحيد والرسالة
والعمل بأحكام اللّه تعالى يستوي القريب
والبعيد ، بل من كان قريباً كان الامر فيه أشد
، فدعا بني المطلب أو بني هاشم وأنذرهم ، ثم
دعا بإذنه تعالى إلى الموازرة في أمر نبوته
ودينه تمام الموازرة ، وقال : « من يوازرني
يكون وليّي ووصيّي ووارثي وخليفتي بمنزلة
هارون من موسى » كما أشرنا سابقاً ، اعلاناً
بأنّ هذا الدين لا يكون إلاّ بولي وخليفة بعده
، وذكره اهتماماً بشأن الولاية والخلافة في
الدين ، وأنّ النبوة والوصاية لا تفترقان منذ
بعث اللّه تعالى الانبياء(عليهم السلام) ، وقد
يدل على ما ذكره هذا العالم الجليل ما رواه
البراء بن عازب في هذه القصة ، قال : « ... ثم
دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب
، ثم أنذرهم رسول اللّه فقال : يا بني عبد
المطلب ، إني أنا النذير لكم من اللّه عزوجل
والبشير ، فأسلموا وأطيعوني تهتدوا . ثم قال :
من يواخيني ويوازرني ويكون وليّي ووصيّي بعدي
وخليفتي في أهلي ويقضي ديني ..؟ » .ترى كيف فرّق بين الدعوتين وأوضحهما
وفصّلهما ؟2 ـ قال : الايصاء والاستخلاف على قوم
لا يكون إلاّ بعد انقيادهم ، وهم كانوا حينئذ
بخلاف ذلك ، وكيف يليق من النبي تحكيم واحد
عليهم ، ويقول : « اسمعوا له واطيعوا » وهم
حينئذ لم يسمعوا النبي ولم يطيعوا ؟ وهل هذا
إلاّ مثل من قال لاخر : أعطني ديناراً لان
استاذي طلب منك فلساً فلم تعطه .قلنا : النبي لا ينطق عن الهوى ، وإنما
فعل ذلك بوحي من اللّه تعالى ، ولا منافاة بين
أن ينذرهم ثم يقول هذا خليفتي عليكم . وأما ما
ذكر : « فاسمعوا واطيعوا » فمختلف منهم ، فإن
نازع في اختلافه احد قلنا له : قد أنكرت اصل
الرواية الواردة به ، وحيث عارض بالمثل قول
النبي(صلى الله عليه وآله) فهو بإثمه يبوء .
قال تعالى : (للذين لا يؤمنون بالاخرة مثل
السّوء) .3 ـ قال : وذكر صاحب المعالم أن الرواية
التي فيها ذكر الوصية لعلي مرسلة ، وليس فيها
ذكر الانذار المطابق للاية ، فهي مضادة لها ،
وذكر ثلاث روايات عن غيره مسندة وخالية عن ذكر
الوصية ، فهي معارضات لها .قلنا : تقرر في الاصول قبول الزيادة ،
وقد جاز العمل بالمرسل إذا علم من طريق آخر
أنه مسند ، كمراسيل ابن المسيّب ، وقد جاء في
صحيح البخاري مراسيل ، وعدم ذكر الانذار لا
يدل على عدم المطابقة للاية ، فلا معارضة في
تلك الروايات للاية . ومن العجب أنه يضعّف قول
أصحابه طلباً للشبهة ، ونحن لا نذكر قول
اصحابنا طلباً للزوم الحجة .أقول : يعني أنّ الفرّاء في معالمه نقل
رواية مرسلة فيها ذكر الوصية ، فلا تكون حجة ،
وذكر ثلاث روايات مسندة وليس فيها ذكر الوصية
.وأجاب بأنّ الرواية التي فيها زيادة
مقبولة ، لانّ الاصل عدم الخطأ في جانب
الزيادة ، مع أنّ العمل بالمرسل جائز إذا كان
له طريق آخر ، وأنّ هذا المرسل مسند كمراسيل
ابن المسيّب ، وقد جاء في صحيح البخاري مراسيل
أيضاً ، يعني أنّ وقوع القصة وردت مسندة ،
والزيادة في واحدة منها مقبولة ، وعدم ذكر
الانذار لا يوجب مخالفتها للاية ، وقد عرفت
ورودها مسندة وفيها ذكر الوصية .4 ـ قال : رويتم أنّ علياً لم يزل مسلماً
، أو أسلم قبل يوم الدار ، وهو المأمور بجمع
العشيرة الكفار ، فلا معنى لاجابته إلى
الموازرة ، والخطاب ليس له مع بلاغته بل
للكفار .قلنا : أما أنه لم يزل مسلماً فلا معنى
لاختصاصنا به ; إذ أجمع المسلمون عليه ، وجاءت
روايات الخصم فيه . قال الزمخشري في كشّافه :
« سبّاق الامم ثلاثة لم يكفروا باللّه
طرفة عين : علي بن أبي طالب ، وصاحب يس ، ومؤمن
آل فرعون » ورواه صاحب الوسيلة وزاد : « أكرمهم
وأفضلهم علي بن أبي طالب » ، وبهذا يندفع
قولهم : إنّ أبا بكر صدّيق لانه أول من صدّق ،
فقد سبقه علي وخديجة وورقة وغيرهم .وقوله : لم يحسن جوابه بالموازرة ; إذ
لم يتناوله الخطاب . قلنا : فقد رويتم قول
النبي(صلى الله عليه وآله) يوم الخندق : « من
يبرز إلى عمرو بن عبد ودّ ويكون جاري في الجنة
فلم يجبه احد ، فقام علي ، فقال له : إنه عمرو !
فقال علي : وإن كان عمراً ؟ » فقد أجاب ولم
يتناوله الخطاب ، وقد ذهب أكثر المحقّقين إلى
أنّ إبليس لم يكن من الملائكة ، وتناوله الامر
بالسجود لاجل حضوره فيهم ، وجاز أنّ كلام علي
بالموازرة كان ابتداءً لا جواباً لقول النبي
، فلا منافاة .أقول : قد ذكرنا هنا أنّ هذه القصة وقع
فيها امران ، أحدهما الانذار والدعوة من
اللّه تعالى امتثالاً لامره سبحانه وتعالى ،
والثاني الدعوة إلى الموازرة بوحي من اللّه
تعالى ، وإستجاب علي(عليه السلام) لهذه الدعوة
الشاملة ، فلا يحتاج في دفع الاشكال إلى هذا
التجشم .5 ـ قال : شرط الوصية والاستخلاف الجزم
بهما لا تعليقهما بشرط يوجد ، ولا يكونان إلاّ
لمعيّن ، والنبي(صلى الله عليه وآله) قال : من
يوازرني ؟ فلا تعين .قلنا : ذلك وعيد بالوصية فلا يشترط
الجزم بالوعيد ولا التعيين ، ولم تحصل الوصية
لاحد في حال الخطاب ، بل لعلي خاصة بعد الجواب
.أقول : حصلت لعلي(عليه السلام) بعد
جوابه بقول الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله)
: « إن هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا
واطيعوا » .6 ـ قال : فلو اجابه أكثر من واحد جاز أن
يقع الشقاق .قلنا : جاز أن يكون اللّه تعالى أمره
بذلك مع علمه بعدم قبولهم ، ويكون فعل النبي(صلى
الله عليه وآله) توكيداً عليهم ، كما أمره
بإنذار كفار مع علمه بعدم إيمانهم .7 ـ قال : إجابة واحد تنفير الاخرين .قلنا : لا تنفير مع الانقياد التام ،
وعندكم أنّ اللّه يفعل لا لغرض فلم نفيتموه
هنا ؟8 ـ قال : جمعهم يقتضي ترغيبهم ، فطلب
الوزارة من بعضهم يقتضي تزهيدهم ، فلا فائدة
في جمعهم .قلنا : إيمانهم يرغّبهم فيه بما يعمّهم
، وهو قوله : « جئتكم بخير الدنيا والاخرة »
ونحوه .9 ـ قال : الوصية هي الاستخلاف فكيف
عطفه عليها ؟قلنا : لا ترادف ، إذ بينهما عموم من
وجه ، ولو سلّم الترادف جوّزنا العطف ، مثل (صلوات
من ربّهم ورحمة) على أنّ كتبهم قد نطقت
بالوصية ، فإذا سلّم الترادف التزم
بالاستخلاف .10 ـ قال : علي كان مؤمناً ، فلا معنى
لوزارته في ذلك اليوم .قلنا : أليس كل مؤمن خليفة(30) ؟ .11 ـ قال : إن كان غرض النبي(صلى الله
عليه وآله) الوصية لاحدهم ، استحال أن تكون
لعلي ، ويلزم تحصيل الحاصل إن كان الغرض
ثبوتها لعلي .قلنا : قد يكون الغرض لهم ولم يقع ، وقد
أراد شيئاً ولم يقع ، ويجوز أن يكون الغرض
إظهار أنّ الوصيّة لعلي لجواز التأكيد مرة
بعد مرة .أقول : يمكن أن يكون الغرض الوصية
لاحدهم ، ولا يستحيل أن يكون لعلي(عليه السلام)
، لان عليّاً أحدهم أيضاً .12 ـ قال : من الحاضرين من آمن كالعباس ،
وقد بايع أبا بكر .قلنا : قد تركها أولاً ، فجاز وقوعها
تقية .13 ـ قالوا : رواية الاستخلاف لم ترد
إلاّ من علي فهو متّهم(31)
.قلنا : قد جاءت من طرقكم عن ابن حنبل
والبراء بن عازب وغيرهما ، وليس ذلك
شهادة بل رواية ، ولم يفرق أحد بين الروايتين
لنفسه وغيره بعد ثبوت عدالته ، فضلاً عن
الثابتة بآية التطهير وغيرهما . ومن طرقهم
رواية جامع الاصول عن النبي(صلى الله عليه
وآله) : « علي مع الحق والحق معه » وغيرها من
مصابيح الفراء وغيره ، وقد شهدت عائشة
وجعلوها سبباً للخلافة .أقول : أجاب عنه بأمور إجمالية ، منها
أن ذلك رواية وليس شهادة حتى لا يقبل نقله
فيما ينفعه ، وروايته حجة فيما كان لغيره ،
فروايته حجة فيما يكون بالاجماع ، ومنها أن
عصمته صلوات اللّه عليه ثابتة بآية التطهير ،
فلا مورد فيه للاتهام ، ومنها أن عصمته ثابتة
بالسنة كقوله صلوات اللّه عليه وآله : « علي مع
الحق والحق مع علي » ، ومنها أنهم قبلوا رواية
عائشة لابيها وهي متهمة في ذلك .14 ـ قال : إن سلمت الرواية اقتضت كونه
خليفة على العشيرة .قلنا : لا قائل بالفرق ، ويلزم اجتماع
إمامين ولم يقل به احد ، ولهذا قال عمر
للانصار : « سيفان في غمد لا يجتمعان » ، ولا
يلزم من تخصيصهم بالانذار تخصيصهم
بالاستخلاف ; إذ أحدهما غير الاخر .أقول : قوله : لا فرق ، أي لا فرق بين
ولايته على العشيرة وعلى المسلمين أجمع
وسيأتي بيانه .15 ـ قال : وكان علي صبيّاً فاسلامه غير
معتبر ، والاستخلاف لا يكون إلاّ للبالغ .قلنا : لم يشترط أحد من المسلمين
البلوغ في استخلاف اللّه ورسوله ، وقد قال
تعالى (وآتيناه الحكم صبيّاً) وقال : (ففهمناها
سليمان) وقد كان حينئذ ابن إحدى عشرة سنة .
وعند اصحابنا أنّ عليّاً أسلم وهو ابن خمس
عشرة أو اربع عشرة، وروى الخمس عشرة العاقولي
منهم في شرحه للمصابيح ، وروى الاربع عشرة
منهم شارح الطوالع ، وقد ذكر البخاري عن
المغيرة قال : احتلمت وأنا ابن اثنتي عشرة سنة
.ولانّ النبي(صلى الله عليه وآله) دعاه
إلى الاسلام صبيّاً ، فلو لم يحكم باسلامه لزم
العبث في دعائه ، وإن لم يكن دعائه كان اسلامه
من خصائصه لكمال عقله حال صغره دون غيره ، وقد
عرف أنّ التكليف العقلي لم يشترط فيه البلوغ
الشرعي . وقد أخرج صاحب الوسيلة أنّ النبي(صلى
الله عليه وآله) قال : « صلّت الملائكة عليّ
وعلى عليّ سبع سنين قبل أن يسلم بشر » .أقول : قال تعالى حاكياً عن عيسى(عليه
السلام) وهو في المهد (قال إني عبد اللّه آتاني
الكتاب وجعلني نبيّاً * وجعلني مباركاً) فلا
يشترط فيه البلوغ ، ومن دقق النظر في هذه
الوساوس والتشكيكات يعلم بأنّ المنكر لم يجد
اشكالاً في سند الحديث ووقوع هذه القصة ، حتى
شرع في التشكيك وتكلم بما لا يتفوّه به منصف .الرابعة : نقل في تفسير قوله تعالى : (وأنذر
عشيرتك الاقربين)أحاديث تبعد عليّاً(عليه
السلام) واهل البيت عن هذه المكرمة ، وحاول
ابن تيمية وغيره من منكري حق ومقام اهل
البيت(عليهم السلام) أن يقووا جانب هذه
الاحاديث ، وقد جمعها الدكتور الرفاعي في
كتابه يوم الدار على اختلاف رواتها في النقل .رويت هذه الاحاديث عن أبي هريرة(32)
، وعائشة(33)
، وقبيصة بن مخارق ، وزفير (زهير) بن
عمرو(34)
، وأبي موسى الاشعري(35) ، وأنس بن
مالك(36)
، والبراء(37)
، والزبير(38)
، وعبد اللّه بن عباس(39)
، وعن آخرين كعروة بن الزبير ، وابن شهاب ،
وقسامة بن زهير ، وعمرو بن مرة الجملي ،
والحسن بن الحسن ، وعديّ بن حاتم ، وقتادة ،
وعكرمة ، وأبي اُمامة(40) .ومضامينها أنه(صلى الله عليه وآله) دعا
قريشا فاجتمعوا فعمّ وخصّ : يا بني كعب بن لؤي
، يا بني مرّة بن كعب ، يا بني هاشم ، يا بني
قصيّ ، يا معشر بني عبد مناف ، يا بني عبد
المطلب ، يا معشر قريش ، يا بني فهر ، يا بني ،
يا بني قبيلة قبيلة ، يا فاطمة ، يا صفية ، يا
عباس ، يا عائشة ، انقذوا انفسكم من النار .وفي لفظ آخر أنه(صلى الله عليه وآله)
جمع بني هاشم وأجلسهم على الباب ، وجمع نساءه
فأجلسهن في البيت ، ثم كلّم بني هاشم ، وبعد
ذلك أقبل على اهل بيته فقال : يا عائشة بنت أبي
بكر ، ويا حفصة بنت عمر ، ويا أم سلمة ، ويا
فاطمة بنت محمد ، ويا أم الزبير عمّة رسول
اللّه ، اشتروا أنفسكم في اللّه ، واسعوا في
فكاك رقابكم ، فإنّي لا أملك لكم من اللّه
شيئاً ، ولا أغني ، فبكت عائشة .
يرد على هذه الاحاديث
1 ـ أنّ فاطمة صلوات اللّه عليها لمتولد وقتئذ على ماهو الحق .2 ـ أنّ عائشة وحفصة وأم سلمة لم يكن من
أزواجه(صلى الله عليه وآله) حينئذ ولا من اهله
، وإنما صرن من اهله في المدينة بعد ذلك بسنين
.3 ـ أنّ هذه الروايات تناقض ما ورد من
أنه(صلى الله عليه وآله) دعا قريشاً وبادأها
بالدعوة حين نزل قوله تعالى : (فاصدع بما تؤمر)
، ولم تكن المبادأة بالدعوة حين نزل قوله
تعالى : (وانذر عشيرتك الاقربين) .4 ـ أنّ هذه الروايات تناقض نص الاية
نفسها ، فإنها تأمره بإنذار العشيرة الاقربين
، وفي صحيح مسلم « ورهطك منهم المخلصين »(41) لا مطلق
العشيرة ، ولا مطلق الناس ، وعشيرته الاقربون
إما هم بنو هاشم ، أو بنو عبد المطلب . والقول
بتعدد الانذار لا يدفع الاشكال ، بعد تصريح
الروايات بأن مفادها قد وقع حين نزول الاية
عليه(42)
.5 ـ أن ظاهر الاية هو نفي أن تكون قرابة
النبي(صلى الله عليه وآله) تغنيهم عن تقوى
اللّه، وفي الروايات إشارة إلى ذلك حيث تقول :
« لكم من اللّه شيئاً » لا يناسب عمومه لغير
الخاصة من قرابته(صلى الله عليه وآله)(43) .6 ـ هذا كله مع غضّ النظر عما في اسانيد
هذه الروايات ، فإنّ جميع رواتها ـ كما يقولون
ـ لم يدركوا زمان نزول آية الانذار ، فالواسطة
في الاحاديث المذكورة مجهولة . وقد تعرض لهذا
الاشكال في فتح الباري 8 : 406 و 408 ، حيث
يقول بعد نقل حديث أبي هريرة : « هذا من مراسيل
الصحابة » وبذلك جزم الاسماعيلي ، لان أبا
هريرة إنما أسلم بالمدينة ، وهذه القصة وقعت
بمكة ، وابن عباس كان وقتئذ إمّا غير مولود
وإمّا طفلاً .الخامسة : ذكر الشيخ المظفر(رحمه الله)
أن قوله « خليفتي فيكم » أو « خليفتي في أهلي »
لا يضر مادام ثمة إجماع على عدم جواز وجود
خليفتين خاص وعام ، فخلافته تقتضي أن تكون
المطلقة . ولعل الاصح هو أنه قال كما في
الروايات الاخرى : « من بعدي » أو قال : « فيكم »
باعتبار أنهم من المسلمين(44) .أقول : في بعض النصوص : « وخليفتي من
بعدي » كما في السيرة الحلبية وسيرة دحلان ،
وفي بعضها : « خليفتي فيكم » كما في تاريخ
الطبري والكامل وكنز العمال ، عن ابن جرير
وابن حاتم وابن مردويه ، وأبي نعيم في
الدلائل، وابن أبي الحديد ، وتفسير الخازن ،
ومعالم التنزيل ، وفي بعضها : «وخليفتي في
أهلي» كما في شواهد التنزيل ، وحياة الصحابة ،
ومسند الشيباني ، ومسند احمد ، وكفاية الطالب
.والاظهر هو المعنى الاخير ، لان لفظ
الاهل وإن كان في الاصل بمعنى العشيرة ، مطلق
مجازاً على الامة واهل البلد ، قال القاموسي
والمصباح المنير واقرب الموارد : « اهل كل نبي
أمته » ، فإطلاق « خليفتي بعدي» و «خليفتي
في اهلي » متقاربتان حينئذ .وأما القول بأن المقصود هو أنه القائم
بشؤونهم الدنيوية فيكذبه الواقع ، فإن عليّاً(عليه
السلام) لم يكن كذلك بالنسبة لايّ من
الهاشميين ، ولو كان المقصود هو خصوص الحسنين(عليهم
السلام) وفاطمة صلوات اللّه وسلامه عليها ،
فإن من الواضح أنهما وأمّهما ما كانوا قد
ولدوا بعد ، والذي يوضح المقصود من الخلافة هو
قوله(صلى الله عليه وآله) : « فاسمعوا وأطيعوا
» الذي خاطب به كل بني هاشم حتى أبي طالب وغيره
، وتضاحكهم في المجلس وقولهم لابي طالب(عليه
السلام) : « أطع ابنك فقد أمّره عليك » ، ويوضحه
أيضاً ما في بعض ألفاظه : « إن اللّه لم يبعث
نبياً إلاّ جعل له أخاً ووارثاً ووزيراً
ووصيّاً ، فأيّكم يقوم فيبايعني على أنه أخي
ووارثي ووزيري ووصيّي ، ويكون مني بمنزلة
هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي » ، فإن
ذلك بيان لسنة اللّه تعالى في انبيائه(عليهم
السلام) ، أن يجعل لهم أوصياء في امتهم كما جعل
لموسى هارون(عليهما السلام) .السادسة : أن هذه القصة في بعض ألفاظ
الحديث وقعت في الشّعب حينما كان رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) محصوراً أو محبوساً فيه ،
ولكن في بعض الالفاظ أنّ الضيافة كانت في دار
شيخ الاباطح أبي طالب رضوان اللّه تعالى عليه
كما في المراجعات .
(1)
الشعراء : 214 .(2)
وروي بهذا الاسناد في تاريخ الذهبي 144 ـ 145
مبتوراً كما صنعه ابن كثير، وراجع شرح
التجريد للقوشجي: 401، وحياة محمد لهيكل: 104 في
الطبعة الاولى، وقد اسقطوه اخيراً، وراجع
إثبات الهداة 1:255 الرقم 327، والصراط المستقيم
1:325 بهذه الالفاظ عن الفراء في معالمه، وغاية
المراد: 321 عن ابن أبي الحديد، واعيان الشيعة
1:230 عن الطبري في تاريخه وتفسيره، والارشاد
للمفيد 1:49، واستدل به الشيخ الطوسي (رحمه
اللّه تعالى) في تلخيص الشافي 2:57 وفي هامشه
ذكر مصادره وفي تقريب المعارف لابي الصلاح : 135
«وقد أطبق الناقلون من الفريقين على هذا
النقل كنقلهم المعجزات» ونقله ابن طاووس في
الردّ على العثمانية عن البراء بن عازب (راجع
بناء المقالة الفاطمية: 129).(3)
نقلنا كلام الاميني (رحمه اللّه) بطوله،
واستلزم التكرار أيضاً لمزيد الفائدة.(4)
والقصة في تفسيره بذلك مشهورة، فإنه روى أنه
أمر علياً بأن يصنع طعاماً.(5)
وفي اثبات الهداة 2:288 عن التقريب: «وقد أجمع
علماء القبلة على يوم الدار».(6)
وسوف تأتي الاحاديث بأسنادها وألفاظها.(7)
راجع الصحيح من السيرة 3:64، والغدير 2: 28، ولسان
الميزان 4:42، وتعاليق الغارات للثقفي 2:672 ـ 673.(8)
راجع الصحيح من السيرة 3:67، وتعاليق الغارات
2:671 ـ 672، عن لسان الميزان 4:42، وفي الجرح
والتعديل للرازي 6:53: «وكان شعبة حسن الرأي فيه».(9)
راجع الخلاصة كما في تعاليق الغارات 2:671 و672.(10)
راجع ميزان الاعتدال 2:631، والصحيح من السيرة
3:64 عنه وعن ميزان الاعتدال.(11)
راجع ميزان الاعتدال 2:631، والصحيح من السيرة
3:64، وتعاليق الغارات 2:672 ـ 673، ولسان الميزان
4:42، وفي الجرح والتعديل للرازي 6:53 :«كان يحدّث
بمثالب عثمان» وراجع المجروحين لابن أبي حاتم
2:143.(12)
راجع مقدمة فتح الباري : 460.(13)
كالطبري وابن الاثير والطحاوي والضياء في
المختارة، هذا عدا ما قال المفيد(ره) :«أجمع
على صحته نقاد الاثار» وماقاله أبو الصلاح : «قد
أطبق الفريقان على هذا النقل كنقلهم المعجزات»
وماقاله أبو حنيفة القاضي النعمان المغربي.(14)
راجع الصحيح من السيرة 3:65.(15)
هذا الجواب بتمامه هو في الصحيح من السيرة 3:66
متناً وهامشاً، ولكن الذي راجعته هو أن
الموجود في أكثر المصادر «بني المطلب»، وفي
المناقب والبرهان عن القمي «بني هاشم».(16)
راجع الصحيح من السيرة 3:66، عن الكامل لابن
الاثير 2:62طـ صادر.(17)
راجع الصحيح من السيرة 3:66.(18)
راجع الصحيح من السيرة 3:66 عن دلائل الصدق 2:235.(19)
راجع النهاية واللسان والقاموس. قالوا: اصل
الجذع من أسنان الدواب، وهو ما كان شابا
فتياً، فهو من الابل مادخل في السنة الخامسة،
ومن البقر والمعز ما دخل في الثانية، وقيل:
البقر في الثالثة، ومن الضأن ما تمت له سنته.(20)
الصحيح من السيرة 3:66 ـ 67 عن دلائل الصدق 2:236.(21)
سوف ننقله عن سعد السعود لابن طاووس.(22)
راجع الصحيح من السيرة 3:67.(23)
راجع الصحيح من السيرة 3:68.(24)
راجع الصحيح من السيرة 3:68.(25)
طه : 29 ـ 34 .(26)
القصص : 34 ـ 35 .(27)
إذا اردت التحقيق في الحديث فعليك بقراءة
دلائل الصدق 2:232 ومابعدها، والغدير 2:278
ومابعدها، والمراجعات : 144 ومابعدها، والصراط
المستقيم 1:352 ومابعدها، والصحيح من السيرة 3:60
ومابعدها، ويوم الدار للدكتور الرفاعي:41
ومابعدها، وحياة النبي وسيرته للشيخ قوام
الدين القمي 1:119 ومابعدها.(28)
إلى هنا تمام أجوبة العاملي حفظه اللّه تعالى.(29)
لعل المراد هو أبو عبد اللّه محمد بن زيد
الواسطي تلميذ أبي علي الجبائي المتوفى سنة
306.(30)
كذا في المصدر، والظاهر أن الصحيح: ليس كل
مؤمن خليفة.(31)
اقتدى المتشكل في هذا القول بامامية أبي بكر
وعمر في ردّهما شهادته صلوات اللّه عليه وهو
ردّ لقوله تعالى (إنما يريد اللّه ليذهب عنكم
الرجس) باتفاق العلماء اجمع ورد لحديث
الثقلين وغيره من السنن الدالة على عصمة علي(ع)
.(32)
راجع الدر المنثور 5:95 عن أحمد وعبد بن حميد
والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن
المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي
في شعب الايمان والدلائل ، وراجع تفسير ابن
كثير 3:345، والقرطبي 13:143، وروح المعاني 19:135،
وتفسير الطبري 19:72. (33) راجع الدر المنثور 5:95 عن احمد
ومسلم والترمذي وابن جرير وابن مردويه وعبد
بن حميد، وتفسير الطبري 19:72.(34)
راجع الطبري19:72، والدر المنثور 5:95 عن المسند
والنسائي وابن جرير والبغوي في معجمه
والباوردي والطحاوي وابن عوانة وابن قانع
والطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه
والبيهقي في الدلائل، وتفسير ابن كثير 3:345.(35)
راجع الدر المنثور 5:95 عن عبد بن حميد والترمذي
وابن جرير وابن مردويه، والطبري في تفسيره
19:72.(36)
راجع الدر المنثور 5:95 عن ابن مردويه.(37)
م . ن .(38)
م . ن .(39)
الدر المنثور5:95 عن عبد بن حميد وابن مردويه
وسعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن
المنذر وابن أبي حاتم، وتفسير ابن كثير 3:349،
وروح المعاني 19:135، ومجمع البيان 7:206 طـ
اسلامية، والطبري في تفسيره 19:72.(40)
راجع المصادر المذكورة.(41)
الدر المنثور5:95 عن سعيد بن منصور والبخاري
وابن مردويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي
حاتم، والميزان 15:364 و 367 عن علل الشرائع.(42)
كما في الميزان 15:365 عن الالوسي.(43)
الميزان 15 : 365 .(44)
راجع الصحيح من السيرة 3 : 70 ـ 71 فإنا نقلنا
بعين الفاظه إلاّ قليلاً، وراجع يوم الدار : 67،
والميزان 15 في تفسير الاية الكريمة.