زواج الموقت (متعة النساء و متعة الحج) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

زواج الموقت (متعة النساء و متعة الحج) - نسخه متنی

محمد هادی معرفة

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

شبهة ورد

الزواج المؤقت

« متعة النساء ومتعة الحج »

* الشيخ محمد هادي معرفة

يلقي بعضهم بين الفينة والاُخرى شبهات
حول مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)تتسم
غالباً بروح التعصب والفرقة مبتعدةً عن منطق
الدليل والحجة الشرعية، ومن تلك الشبهات
دعوى أن الزواج المؤقت المسمى «بمتعة النساء»
وكذلك «متعة الحج» هما بدعتان من بدع هذه
المدرسة النبوية المباركة، وفي علاج هذه
الشبهة، إظهاراً للحق وطلباً للحقيقة
الشرعية، وافانا سماحة العلامة الشيخ محمد
هادي معرفة بالرد العلمي القائم على اساس
الادلة الثابتة من مصدري الاسلام الخالدين
الكتاب الكريم والسنة الشريفة، ننشره أدناه.

«التحرير»

متعة النساء

قال تعالى: (فما استمتعتُمْ بهِ منهنّ
فآتوهنَّ اُجورهنَّ فريضةً)[1].

وقع الخلاف في هذه الاية الكريمة هل هي
منسوخة الحكم، وما ناسخها، هل هو الكتاب أم
السنّة الشريفة؟

ذهب أئمة أهل البيت(عليهم السلام) إلى
أنها محكمة لا يزال حكمها ثابتاً في الشريعة،
وليس لها ناسخ لا في الكتاب ولا في السنّة..
وإليه ذهب جملة الاصحاب والتابعين.

وخالفهم فقهاء سائر المذاهب، نظراً
لمنع عمر ذلك وكان يشدّد عليه.. كما افترضوا له
دلائل من الكتاب والسنّة لم تثبت عند أئمة
النقد والتمحيص.

قال ابن كثير: وقد استُدِلّ بعموم هذه
الاية على نكاح المتعة. ولا شك أنه كان
مشروعاً في ابتداء الاسلام، ثم نُسخ بعد ذلك..
وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول
بإباحتها للضرورة، وهو رواية عن أحمد. وكان
ابن عباس، وابيّ بن كعب، وسعيد بن جبير،
والسدّي يقرأون: (فما استمتعتمْ بهِ منهنّ) ـ
إلى اجل مسمّى ـ (فآتوهنّ اُجورهن فريضة)
قراءةً على سبيل التفسير. وقال مجاهد: نزلت في
نكاح المتعة.. قال: ولكن الجمهور على خلاف ذلك[2].

وقال ابن قيّم الجوزية: الناس في
هذا «حديث المتعة» طائفتان: طائفة تقول: إن
عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها، وقد أمر رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) باتّباع ما سنّه
الخلفاء الراشدون، ولم تر هذه الطائفة تصحيح
حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح،
فإنه من رواية عبدالملك بن الربيع بن سبرة
الجهني، عن أبيه عن جده. وقد تكلّم فيه ابن
معين، ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع
شدّة الحاجة إليه وكونه أصلاً من اُصول
الاسلام، ولو صحّ عنده لم يصبر عن إخراجه
والاحتجاج به. قالوا: ولو صح حديث سبرة لم يخفَ
على ابن مسعود، حتى يُروى عنه أنهم فعلوها
ويحتج بالاية. وأيضاً لو صح لم يقل عمر: إنها
كانت على عهد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
وأنا أنهى عنها واُعاقب عليها، بل كان يقول:
إنه(صلى الله عليه وآله) حرّمها ونهى عنها.
قالوا: ولو صحّ لم تُفعَل على عهد الصدّيق وهو
عهد خلافة النبوّة حقّاً.. قال: والطائفة
الثانية رأت صحة حديث سبرة، ولو لم يصحّ فقد
صح حديث علي(عليه السلام) أن رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) حرّم متعة النساء.. فوجب حمل
حديث جابر على أن الذي أخبر عنها بفعلها لم
يبلغه التحريم، ولو لم يكن قد اشتهر حتى كان
زمن عمر، فلمّا وقع فيها النزاع ظهر تحريمها
واشتهر.. قال: وبهذا تأتلف الاحاديث الواردة
فيها[3].

وذهب القرطبي ـ من المفسرين ـ إلى أن
الاية ليست بشأن المتعة، وإنّما هي بشأن
النكاح التام، قال: ولا يجوز أن تحمل الاية
على جواز المتعة، لان النبي(صلى الله عليه
وآله)نهى عن نكاح المتعة وحرّمه، ولانّ اللّه
تعالى قال: )فانكحوهن بإذن أهلهنّ (ومعلوم أن
النكاح بإذن الاهلين هو النكاح الشرعي بوليّ
وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك.

قال: وقال الجمهور: المراد نكاح المتعة
الذي كان في صدر الاسلام.. ونسختها آية ميراث
الازواج، إذ كانت المتعة لا ميراث فيها. وقالت
عائشة والقاسم بن محمد: تحريمها ونسخها في
القرآن، وذلك قوله تعالى: (والذينَ هم
لفروجهمْ حافظونَ * إلاّ على أزواجهم أو ما
ملكت أيمانهم...)[4].
وليست المتعة نكاحاً ولا ملك يمين.

.. ونُسب إلى ابن مسعود أنه قال: المتعة
منسوخة نسخها الطلاق والعدة والميراث.

وقال بعضهم: إنها اُبيحت في صدر
الاسلام ثم حرّمت عدة مرات. قال ابن العربي:
وأما متعة النساء فهي من غرائب الشريعة،
لانها اُبيحت في صدر الاسلام، ثم حرّمت يوم
خيبر، ثم اُبيحت في غزوة اوطاس، ثم حرّمت بعد
ذلك واستقر الامر على التحريم. وليس لها اُخت
في الشريعة إلاّ مسألة القبلة، لان النسخ طرأ
عليها مرّتين ثم استقرّت بعد ذلك.

وقال غيره ـ ممن زعم أنه جمع طرق
الاحاديث في ذلك ـ : إنها تقتضي التحليل
والتحريم سبع مرات.

وقال جماعة: لا ناسخ لها سوى أنّ عمر
نهى عنها. وروى عطاء عن ابن عباس، قال: ما كانت
المتعة إلاّ رحمة من اللّه رحم بها عباده،
ولولا نَهيُ عمر عنها ما زنى إلاّ شقيٌّ[5].

وهكذا روى ابن جرير الطبري باسناده
إلى الامام أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «لولا
أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي»[6].
ويُروى «إلاّ شفىً» بالفاء المفتوحة، أي قليل
من الناس[7].

قال ابن حزم الاندلسي: كان نكاح المتعة
ـ وهو النكاح إلى أجل ـ حلالاً على عهد رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) ثم نسخها اللّه
تعالى على لسان رسوله، نسخاً باتّاً إلى يوم
القيامة.

وقد ثبت على تحليلها بعد رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) جماعة من السلف، منهم من
الصحابة: أسماء بنت أبي بكر[8].
وجابر بن عبداللّه الانصاري[9].
وابن مسعود[10]. وابن عباس[11].
وعمرو بن حريث[12].
وأبو سعيد الخدري[13].
وسلمة ومعبد ابنا اُميّة بن خلف.

قال: ورواه جابر عن جميع الصحابة، مدة
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ومدة أبي بكر
وعمر إلى قرب آخر خلافته.

قال: ومن التابعين: طاووس وعطاء وسعيد
بن جبير وسائر فقهاء مكّة[14].

وبعد.. فالذي يشهد به التاريخ ومتواتر
الحديث، أن المتعة «الزواج المؤقت» كانت مما
أحلّه الكتاب وجرت به السنّة وعمل بها
الاصحاب، منذ عهد الرسالة وتمام عهد ابي بكر
ونصفاً من خلافة عمر. حتى نهى عنها وشدّد على
العمل بها لاسباب وعلل كان يرى أنّها تخوّله
صلاحية المنع:

1 ـ أخرج مسلم من طريق عبدالرزاق قال:
أخبرنا ابن جُرَيج عن عطاء قال: قدم جابر بن
عبداللّه معتمراً فجئناه في منزله، فسأله
القوم عن أشياء، ثمّ ذكروا المتعة، فقال: نعم
استمتعنا على عهد رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) وأبي بكر وعمر.

وأيضاً عن ابن جريج قال: أخبرني أبو
الزبير قال: سمعت جابر بن عبداللّه يقول: كنّا
نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الايام على
عهد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)وأبي بكر،
حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث[15].

وفي حديث قيس عنه قال: رخّص لنا أن ننكح
المرأة بالثوب إلى أجل. ثم قرأ عبداللّه: )يا
أيّها الذينَ آمنوا لا تحرّموا طيّباتِ ما
أحلّ اللّهُ لكمْ ولا تعتدوا إنّ اللّهَ لا
يحبّ المُعتدين([16].

وكان استشهاده بهذه الاية تدليلاً على
أنّه يجب أن يؤخذ برخصة ولا سيّما الطيبات ما
لم ينه عنه الشارع الحكيم ذاته.. إشارة إلى أن
نهي مثل عمر لا تأثير له في حكم شرعي ثابت
بنفسه.

أما قضية عمرو بن حريث فهي ما أخرجه
الحافظ عبدالرزاق في مصنّفه عن ابن جُريج،
قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر قال: قدم عمرو
بن حريث الكوفة فاستمتع بمولاة، فأُتي بها
عمر وهي حُبلى فسأله فاعترف، قال: فذلك حين
نهى عنها عمر[17].

2 ـ وقريب منها قصّة سلمة ومعبد ابني
اُميّة بن خلف:

اخرج عبدالرزاق بسند صحيح عن عمرو بن
دينار عن طاووس عن ابن عباس، قال: لم يَرُع عمر
إلاّ اُم أراكة قد خرجت حبلى فسألها عمر فقالت:
استمتع بي سلمة بن أميّة[18].

وذكر ابن حجر في الاصابة: أن سلمة
استمتع من سلمى مولاة حكيم بن اُميّة الاسلمي
فولدت له فجحد ولدها.

وزاد الكلبي: فبلغ ذلك عمر فنهى عن
المتعة.. وروي أيضاً أن سلمة استمتع بامرأة
فبلغ عمر فتوعّده[19].

قال ابن حجر: القصة بشأن سلمة ومعبد
ابني اُميّة واحدة، اختلف فيها هل وقعت لهذا
أو لهذا[20]؟

3 ـ واخرج مالك وعبدالرزاق عن عروة بن
الزبير: أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن
الخطاب فقالت: إن ربيعة بن اُميّة استمتع
بامرأة مولَّدة فحملت منه. فخرج عمر بن الخطاب
يجرّ رداءه فزعاً فقال: هذه المتعة! ولو كنت
تقدّمت فيها لرجمت[21].
أي لو أعلنتُ بالمنع قبل ذلك.

وأخرج أبو جعفر الطبري في تاريخه
بالاسناد إلى عمران بن سودة، قال: صلّيت الصبح
مع عمر، ثم انصرف وقمت معه، فقال: أحاجة؟ قلت:
حاجة! قال: فالحق، فلحقت، فلما دخل أذن لي،
فإذا هو على سرير ليس فوقه شيء. فقلت: نصيحة!
فقال: مرحباً بالناصح غدواً وعشيّاً، قلت:
عابت امّتك عليك أربعاً. فوضع رأس درّته في
ذقنه ووضع أسفلها على فخذه ثم قال: هات.

فذكر أولاً: أنه حرّم العمرة في أشهر
الحج[22]

ولم يفعل ذلك رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
ولا أبو بكر، وهي حلال.

فاعتذر عمر: أنهم لو اعتمروا في اشهر
الحج لرأوها مجزية عن حجّهم.

والثاني: أنه حرّم متعة النساء، وقد
كانت رخصة من اللّه. نستمتع بقبضة ونفارق عن
ثلاث.

فاعتذر عمر: أن رسول اللّه أحلّها في
زمان ضرورة، والان قد رجع الناس الى السعة.

والثالث: أنه حكم بعتاق الامة إن وضعت
ذا بطنها بغير عتاقة سيدها[23].

فقال عمر: ألحقت حرمة بحرمة، وما أردت
إلا الخير واستغفر اللّه.

والرابع: أنه يأخذ الرعيّة بالشدّة
والعنف.. فأجاب عمر بما حاصله: أن ذلك مما لا
بدّ منه في انتظام الرعية[24].

قصّة المنع من المتعتين

والذي يُبتّ أن عمر هو الذي حال دون
دوام شريعة المتعة، وأنها كانت محلّلة حتى
أصدر الخليفة المنع منها، لا عن سابقة نسخ أو
تحريم. وتلك قولته المعروفة: «متعتان كانتا
على عهد رسول اللّه، وأنا محرّمهما ومعاقب
عليهما: متعة النساء ومتعة الحج».

وهذا الكلام وإن كان ظاهره منكراً ـ
كما قال ابن أبي الحديد المعتزلي[25]
ـ فله مخرج وتأويل اختلف الفقهاء فيه:

يقول الامام الرازي: ظاهر قول عمر: «وأنا
أنهى عنهما» أنهما مشروعتان غير منسوختين،
وأنه هو الذي نسخهما، وما لم ينسخه الرسول فلا
ناسخ له أبداً. ثم أخذ في تأويل كلامه بأن
المراد: أنا أنهى عنهما لما ثبت عندي أن النبي
نسخهما قال: لانه لو كان مراده أن المتعة كانت
مباحة في شرع محمد(صلى الله عليه وآله) وانا
أنهى عنها، لزم تكفيره وتكفير كل من لم
يحاربه، ويفضي ذلك إلى تكفير أمير المؤمنين
حيث لم يحاربه ولم يرد عليه ذلك القول[26].

واَغْرَبَ القسطلاني في شرحه على
البخاري في قوله: إن نهي عمر كان مستنداً إلى
نهي النبي(صلى الله عليه وآله) وكان خافياً
على سائر الصحابة، فبيّنه عمر لهم ولذلك
سكتوا أو وافقوا[27]!!

وأشدّ غرابة ما ذكره القوشجي ـ في شرحه
على «تجريد الاعتقاد» للخواجه نصير الدين
الطوسي ـ قال: إن عمر قال على المنبر: أيها
الناس ثلاث كنّ على عهد رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) وأنا أنهى عنهنّ واُحرمهنّ
واُعاقب عليهنّ: متعة النساء، ومتعة الحج،
وحيّ على خير العمل. ثم اعتذر بأنّ ذلك ليس مما
يوجب قدحاً فيه، فإن مخالفة المجتهد لغيره في
المسائل الاجتهادية ليس ببدع[28]!!

فكيف يجعل صاحب الرسالة الذي لا ينطق
الاّ عن وحي يوحى إليه، عدلاً لفرد من آحاد
أمّته؟

وهذه بعض من أدلة العمل بالمتعة على
عهد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وبعده إلى
زمان عمر:

1 ـ أخرج البيهقي في سننه بالاسناد إلى
أبي نضرة قال: قلت لجابر بن عبداللّه الانصاري:
إن ابن الزبير ينهى عن المتعة وإن ابن عباس
يأمر بها! قال: على يديّ جرى الحديث، تمتّعنا
مع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ومع أبي
بكر، فلما وُلّي عمر خطب الناس فقال:

«إنّ رسول اللّه هذا الرسول، وإنّ
القرآن هذا القرآن. وإنهما كانتا متعتان على
عهد رسول اللّه، وأنا أنهى عنهما وأعاقب
عليهما، إحداهما: متعة النساء، ولا أقدر على
رجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ غيّبته
بالحجارة. والاخرى: متعة الحج»[29].

2 ـ وأخرج مسلم في صحيحه أيضاً عن أبي
نضرة، قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان
ابن الزبير ينهى عنها، فذكرت ذلك لجابر، فقال:
على يديّ دار الحديث. تمتّعنا مع رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) فلما قام عمر قال: «إنّ اللّه
كان يُحلّ لرسوله ما شاء بما شاء، وان القرآن
قد نزل منازله فأتمّوا الحج والعمرة للّه كما
أمر اللّه، وأبتّوا نكاح هذه النساء، فلن
أوتى برجل نكح امرأةً إلى أجل إلاّ رجمته
بالحجارة»[30].

3 ـ وأخرج أبو بكر الجصّاص باسناده إلى
شعبة عن قتادة قال: سمعت أبا نضرة يقول: كان
ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى
عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر فقال: على يديّ دار
الحديث، تمتّعنا مع رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) فلما قام عمر قال: «إنّ اللّه كان يُحلّ
لرسوله ما شاء بما شاء، فأتموا الحج والعمرة
كما أمر اللّه، وانتهوا عن نكاح هذه النساء،
لا أُوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته».

قال الجصاص: فذكر عمر الرجم في المتعة،
وجائز أن يكون على جهة الوعيد والتهديد
لينزجر الناس عنها[31].

4 ـ وذكر بشأن متعة الحج، وهي إحدى
المتعتين اللتين قال عمر بن الخطاب: «متعتان
كانتا على عهد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
أنا أنهى عنهما وأضرب عليهما: متعة الحج ومتعة
النساء»[32].

وهكذا رواه الحافظ أبو عبداللّه بن
قيم الجوزية قال: ثبت عن عمر أنه قال[33].

وقال شمس الدين السرخسي: وقد صحّ أن
عمر نهى الناس عن المتعة فقال: متعتان كانتا[34].

وذكره القرطبي بنفس اللفظ[35]
والفخر الرازي بلفظ: «متعتان كانتا مشروعتين...»[36].

إلى غير ذلك من تصريحات أعلام الفقه
والتفسير، التي تدل على تواتر حديث منع
المتعتين منعاً مستنداً إلى عمر بالذات، وليس
مستنداً إلى الشريعة. الامر الذي دعا
الكثيرين أن يأخذوا من قولة عمر هذه دليلاً
على الجواز استناداً إلى روايته، إذ لا حجية
لرأي في مقابل الشريعة، كما لا اجتهاد في
مقابل النصّ.

وذكر الراغب أن يحيى بن أكثم ـ وكان
قاضياً في البصرة نصبه المأمون ـ قال لشيخ
بالبصرة: بمن اقتديت في جواز المتعة؟ قال:
بعمر بن الخطاب! قال: كيف وعمر كان أشد الناس
فيها؟ قال: لانّ الخبر الصحيح أنه صعد المنبر
فقال: إن اللّه ورسوله قد أحلاّ لكم متعتين
وإني محرّمهما عليكم ومعاقب عليهما. فقبلنا
شهادته ولم نقبل تحريمه[37].

وهناك من الصحابة والتابعين من ثبتوا
على القول بالتحليل الاول منذ عهد الرسول(صلى
الله عليه وآله) ولم يستسلموا لنهي عمر،
وجاهروا في مخالفته إما في حياته أو بعد
مماته، من أمثال: جابر بن عبداللّه الانصاري
وأبي سعيد الخدري وعبداللّه بن مسعود واُبي
بن كعب وسعيد بن جبير، وطاووس، وعطاء،
ومجاهد، وسائر فقهاء مكة وأضرابهم حسبما تقدم
الكلام عنهم.

قال الامام أمير المؤمنين(عليه السلام):
لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شفىً ـ
أو إلاّ شقيّ ـ[38]،
على ما سبق بيانه.

وقال ابن عباس: يرحم اللّه عمر، ما
كانت المتعة إلاّ رحمة من اللّه رحم بها اُمة
محمد(صلى الله عليه وآله) ولولا نهيه ما احتاج
إلى الزنى إلاّ شقي ـ أو إلاّ شفىً ـ[39].

وأخرج أحمد في مسنده عن أبي الوليد قال:
سأل رجل ابن عمر عن المتعة وانا عنده متعة
النساء، فقال: واللّه ما كنّا على عهد رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) زانين ولا مسافحين[40].

وروى الترمذي بإسناده إلى ابن شهاب
أنّ سالماً حدّثه أنه سمع رجلاً من أهل الشام
وهو يسأل عبداللّه بن عمر عن التمتع بالعمرة
إلى الحج. فقال عبداللّه: هي حلال. فقال الشامي:
إن أباك قد نهى عنها! فقال عبداللّه: أرأيت إن
كان أبي نهى عنها، وصنعها رسول اللّه، أأمر
أبي نتّبعُ، أم أمر رسول اللّه؟ فقال الرجل:
بل أمر رسول اللّه(صلى الله عليه وآله). فقال:
صنعها رسول اللّه[41].

وروى ابن اسحاق عن الزهري عن سالم قال:
إني لجالس مع ابن عمر في المسجد، إذ جاءه رجل
من أهل الشام فسأله عن التمتّع بالعمرة إلى
الحج، فقال ابن عمر: حسن جميل. قال: فإنّ أباك
كان ينهى عنها! فقال: ويلك، فإنْ كان أبي نهى
عنها وقد فعله رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
وأمر به، أفبقول أبي آخذ أم بأمر رسول اللّه؟
قم عني[42]!..

ونرى سعد بن أبي وقّاص لم يأبه بمنع
عمر تجاه سنّة سنها رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله)، عن محمد بن عبداللّه بن الحارث: أنه سمع
سعد بن أبي وقّاص والضحاك بن قيس، وهما يذكران
التمتّع بالعمرة إلى الحج، فقال الضحّاك: لا
يصنع ذلك إلا من جهل أمر اللّه! فقال سعد: بئس
ما قلت، يا ابن أخي! فقال الضحاّك: فإن عمر قد
نهى عن ذلك، فقال سعد: قد صنعها رسول اللّه،
وصنعناها معه!.

وقد حذا عمران بن الحصين حذوهما بقوله:
«إنّ اللّه أنزل في المتعة آية وما نسخها بآية
اُخرى. وأمرنا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
بالمتعة وما نهانا عنها. قال رجل فيها برأيه
ما شاء»، يريد عمر بن الخطاب، على ما صرّح به
الرازي[43]
وابن حجر[44].

أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم[45].

وأخرجه ايضاً أحمد في مسنده عنه قال: «نزلت
آية المتعة في كتاب اللّه تبارك وتعالى،
وعملنا بها مع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
فلم تنزل آية تنسخها، ولم ينه عنها النبي حتى
مات»[46].

وعمران هذا من فضلاء الصحابة
وفقهائهم، وقد بعثه عمر ليفقّه أهل البصرة،
ثقة بفقهه وأمانته. قال ابن سيرين: كان أفضل من
نزل البصرة من الصحابة[47].

قال الشيخ أبو عبداللّه المفيد في
جواب من سأله عن قول مولانا جعفر بن محمد
الصادق(عليه السلام): «ليس منّا من لم يقل
بمتعتنا»: إنّ المتعة التي ذكرها الامام
الصادق(عليه السلام) هي النكاح المؤجّل الذي
كان النبي(صلى الله عليه وآله) أباحها لامّته
في حياته ونزل بها القرآن أيضاً، فيؤكّد ذلك
بإجماع الكتاب والسنّة فيه، حيث يقول اللّه: (واحلّ
لكم ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين
غير مسافحينَ فما استمتعتمْ به منهنّ فآتوهنّ
اُجورهنّ فريضةً)، فلم يزل على الاباحة بين
المسلمين لا يتنازعون فيها حتى رأى عمر بن
الخطاب النهي عنها، فحظرها وشدّد في حظرها
وتوعّد على فعلها، فتبعه الجمهور على ذلك،
وخالفهم جماعة من الصحابة والتابعين،
فأقاموا على تحليلها إلى أن مضوا لسبيلهم،
واختص بإباحتها جماعة من الصحابة والتابعين
وأئمة الهدى من آل محمّد(عليهم السلام)، فلذلك
أضافها الصادق(عليه السلام) بقوله: متعتنا[48].

لا نسخ ولا تحريم

وبعد تحريم عمر للمتعة التمس البعض له
تعاليل وتأويلات منها:

قال الشيخ محمد عبده: والعمدة عند أهل
السنة في تحريمها وجوه:

أولها: ما علمت من منافاتها لظاهر
القرآن في أحكام النكاح والطلاق والعدّة، إنْ
لم نقل لنصوصه.

ثانيها: الاحاديث المصرّحة بتحريمها
تحريماً مؤبّداً إلى يوم القيامة، وقد جمع
متونها وطرقها مسلم في صحيحه.

ثالثها: نهي عمر عنها في خلافته
وإشادته بتحريمها على المنبر وإقرار الصحابة
له على ذلك.

قال: وكان إسناد التحريم إلى نفسه (أنا
محرمهما) مجازاً ومعناه: أنه مُبيّن
لتحريمهما. وقد شاع مثل هذا الاسناد، كما يقال:
حرّم الشافعي النبيذ وأحلّه أو أباحه أبو
حنيفة. لم يعنوا أنهما شرّعا ذلك من عند
أنفسهما، وإنّما يعنون أنهم بيّنوه بما ظهر
لهم من الدليل. قال: وقد كنا قلنا: إن عمر منع
المتعة اجتهاداً منه، ثم تبيّن لنا أن ذلك خطأ
فنستغفر اللّه منه[49].

ولننظر في هذه البنود باختصار:

اما التنافي مع ظاهر الكتاب أو نصّه
فلم يتبيّن وجهه بوضوح. إذ المتمتع بها زوجة
عند القائل بها، ولها أحكام تغاير أحكام
الدائمة، فطلاقها انقضاء أجلها، وعدّتها
كعدّة الامة[50]
نصف عدة الحرّة الدائمة.

قال المحقق: ولا يقع بها طلاق، وتبين
بانقضاء المدّة، وعدّتها حيضتان أو خمسة
وأربعون يوماً. ولا يثبت بينهما ميراث إلاّ
إذا شُرط على الاشهر. ولو أخلّ بالمهر مع ذكر
الاجل بطل العقد. ولو أخلّ بالاجل بطل متعة
وانعقد دائماً[51].

وذكر الشيخ محمد عبده وجهاً آخر
للتنافي مع القرآن، حيث قوله عزوجل في صفة
المؤمنين: )والذينَ هم لفروجهمْ حافظونَ *
إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنّهم
غير ملومينَ * فمن ابتغى وراءَ ذلكَ فاولئكَ
هم العادون([52].
قال: والمرأة المتمتّع بها ليست زوجة ليكون
لها مثل الذي عليها بالمعروف.. والشيعة أنفسهم
لا يُعطونها أحكام الزوجة ولوازمها، فلا
يعدّونها من الاربع، ولا يكون بها إحصان. وذلك
قطع منهم بأنه لا يصدق على المستمتعين «محصنين
غير مسافحين». وليس لها ميراث ولا نفقة ولا
طلاق ولا عدة[53].

لكن أسلفنا أنها زوجة وإن كانت
أحكامُها تخالف أحكام الدائمة. واستدل الشهيد
الثاني[54] على أنها زوجة
بنفس الاية، حيث عُدّ ابتغاء ما وراء الزوجة
وملك اليمين سفاحاً. والسورة مكيّة، نزلت قبل
الهجرة بفترة طويلة حيث نزلت بعدها ـ وهي برقم
74 ـ اثنتا عشرة سورة إلى تمام العدد 86 السورة
المكيّة. ولا شك أنها كانت محلّلة ذلك العهد،
وآخر تحريمها ـ على الفرض ـ بعد سنة الفتح (عام
أوطاس سنة 8 للهجرة). ولازمه أن المسلمين كانوا
مسافحين في تلك الفترة، إذا لم تكن
المتمتّع بها زوجة، إذ لم تكن ملك يمين أيضاً.

كما أن تحليل الامة عند القائل
بإباحته داخل في ملك اليمين بنفس دليل الحصر
في الاية[55].

نعم ذكرنا أن طلاقها انقضاء أمدها،
وأن لها عدة نصف عدة الدائمة، ونفقتها
اُجرتها والميراث حكم تعبّدي خاص، يمكن أن لا
يجعله الشارع في موارد، منها: القاتل، وخارج
الملّة، والمتقرب بالاب مع وجود المتقرب
بالابوين أو الام، وغير ذلك مما هو تخصيص في
عموم الكتاب.

على أنّ فقهاء أهل السنّة يجيزون نكاح
الكتابية ولا يقولون بالتوارث بينهما[56]،
وذلك تخصيص في عموم الكتاب كما هنا حرفاً بحرف
كما أنهم لا يرون الاحصان بملك يمين[57]

فكذلك المتعة عندنا. وهو حكم خاص ثابت في
الشريعة بالتعبّد.

أما مسألة العدّة فقد عرفت أن الشيخ
اشتبه عليه الامر فتدبّر.

وأما الاحاديث التي هي عمدة استدلالهم
على التحريم، فقد ادّعى ابن رشد الاندلسي
تواترها[58]، لكنه كلام
مُلقىً على عواهنه. إذ لا تعدو اسناد رواية
التحريم إلى ثلاثة من أصحاب النبي(صلى
الله عليه وآله):

1 ـ علي بن أبي طالب(عليه السلام).

2 ـ سَلَمة بن الاكوع.

3 ـ سَبْرة بن معبد الجهني.

أما الرواية عن أمير المؤمنين(عليه
السلام) فمفتعلة عليه بلا شك، لانه(عليه
السلام) كان من أشدّ الناقمين على عمر في
تحريمه المتعة، بقوله في عمر: «ولولا نهيه ما
زنى إلاّ شفىً». فكيف يؤنب على عمر أمراً سبقه
تحريم رسول اللّه، لا سيما وروايته هو بذلك؟!

على أن الراوي في ذلك ـ حسب اسناد
البخاري[59]
ـ هو سفيان بن عيينة المعروف بالكذب والتدليس
عن لسان الثقات[60].

وكذا الرواية عن سَلَمة أيضاً لا أصل
لها، وإنما هي فرية ألصقوها بصحابي كبير.. ومن
ثم لم يورد البخاري رواية التحريم عنه، بل
العكس أورد عنه رواية الاباحة، رغم عقد الباب
للتحريم[61].

فقد أسند عنه وجابر قالا: كنا في جيش
فأتانا رسول رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
فقال: إنه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا.
وأيضاً عنه قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله): أيّما رجل وامرأة توافقا فعِشْرَةُ ما
بينهما ثلاث ليال، فان أحبّا أن يتزايدا أو
يتتاركا تتاركا.

وهنا يأتي البخاري ليجتهد في الموضوع
قائلاً: قال أبو عبداللّه: وبيّنه عليٌّ عن
النبيّ أنه منسوخ!

وكذلك روى مسلم عن سلمة وجابر ـ إلى
قوله ـ : أذن لكم أن تستمتعوا، فقال مسلم: يعني
متعة النساء[62].

نعم تفرّد مسلم عن البخاري في إسناد
حديث النهي إلى سَلَمة، عن طريق فيه ضعف تركه
البخاري لذلك.

روى مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن
يونس بن محمد عن عبدالواحد بن زياد عن أبي
عميس عن إياس بن سَلَمة عن أبيه قال: «رخّص
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) عام أوطاس في
المتعة ثلاثاً ثمّ نهى عنها»[63].

وأبو بكر بن أبي شيبة هذا، هو
عبدالرحمان بن عبدالملك الحزامي.. ضعّفه أبو
بكر بن أبي داود، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس
بالمتين عندهم. وابن حبّان مع عدّه في الثقات
وصفه بأنه ربّما أخطأ[64].
وفي لفظ ابن حجر: ربّما خالف. قال: ولم يخرج عنه
البخاري سوى حديثين[65].

وكذا عبدالواحد بن زياد، كان مدلّساً،
يدلّس في حديثه عن الاعمش. قال أبو داود
الطيالسي: عمد إلى أحاديث كان يرسلها الاعمش
فوصلها كلها، وقد ليّنه القطاني. وقال ابن
معين: ليس بشيء وكانت له مناكير نقمت عليه.
ووصفه الذهبي بأنه صدوق يُغرب[66]!

وهكذا حديث سبرة الجهني، لم يروه عنه
سوى ابنه الربيع، ومن ثَمَّ لم يخرجه البخاري[67] وإنما أخرجه
مسلم باسناده إلى عبدالملك بن الربيع بن
سبرة، عن أبيه عن جدّه قال: أمرنا رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) بالمتعة عام الفتح حين دخلنا
مكة، ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها[68].

كما لم يخرج مسلم للربيع عن أبيه
حديثاً غير حديث المتعة، ولم يأت ذكره في غير
هذا الباب[69] الامر الذي
يثير الريب بشأن الربيع وحديثه ذلك عن أبيه
حديثاً لم يروه عنه غيره إطلاقاً.

قال ابن قيّم الجوزية ـ بعد تقسيمه
للناس إلى طائفتين بشأن حديث المتعة، طائفة
تقول: إن عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها ـ قال:
ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد
في تحريم المتعة، فإنه من رواية عبدالملك بن
الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده. وقد تكلّم فيه
ابن معين، ولم ير البخاري إخراج حديثه في
صحيحه، مع شدّة الحاجة إليه وكونه أصلاً من
اُصول الاسلام، ولو صحّ عنده لم يصبر عن
إخراجه والاحتجاج به[70].

قال ابن حبّان ـ في ترجمة عبدالملك هذا
ـ : منكر الحديث جدّاً. يروي عن أبيه ما لم
يتابع عليه. قال: وسئل يحيى بن معين عن أحاديث
عبدالملك عن أبيه عن جدّه، فقال: ضعاف[71].

هذه حالة الاحاديث التي استند إليها
القوم دليلاً على التحريم، وقد بان بطلانها.

محاورة مفيدة

ومن المناسب هنا أن ننقل محاورة وقعت
بين الشيخ أبي عبداللّه المفيد، وشيخ من
الاسماعيلية كان على مذهب الجماعة يعرف بابن
لؤلؤ. قال المفيد: حضرت دار بعض قوّاد الدولة،
وكان بالحضرة شيخ من الاسماعيلية، فسألني: ما
الدليل على إباحة المتعة؟

فقلت له: الدليل على ذلك قول اللّه
عزوجل: (وأحلّ لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا
بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به
منهنّ فآتوهنّ أُجورهنّ فريضةً ولا جناح
عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إنّ
اللّه كان عليماً حكيماً)[72].
فأحلّ جلّ اسمه نكاح المتعة بصريح لفظها
وبذكر أوصافها من الاجر عليها والتراضي بعد
الفرض له، من الازدياد في الاجل وزيادة الاجر
فيها.

فقال: ما أنكرت أن تكون هذه الاية
منسوخة بقوله: (والذينَ هم لفروجهمْ حافظونَ *
إلاّ على أزواجهمْ أو ما ملكت أيمانهم فإنهمْ
غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلكَ فاُولئكَ هم
العادونَ)[73].
فحظر اللّه تعالى النكاح إلاّ لزوجة أو ملك
يمين. وإذا لم تكن المتعة زوجة ولا ملك يمين،
فقط سقط من أحلّها.

فقلت له: قد أخطأت في هذه المعارضة من
وجهين:

أحدهما: أنّك ادّعيت أن المستمتع بها
ليست بزوجة، ومخالفك يدفعك عن ذلك ويثبتها
زوجة في الحقيقة.

والثاني: أن سورة المؤمنون مكيّة،
وسورة النساء مدنية، والمكي متقدم على
المدني، فكيف يكون ناسخاً له وهو متأخر عنه؟
وهذه غفلة شديدة!

فقال: لو كانت المتعة زوجة لكانت ترث،
ويقع بها الطلاق.

فقلت له: وهذا ايضا غلط منك في
الديانة، وذلك أن الزوجة لم يجب لها الميراث
ويقع بها الطلاق من حيث كانت زوجة فقط، وإنّما
حصل لها ذلك بصفة تزيد على الزوجية[74]
والدليل على ذلك أن الامة إذا كانت زوجة لم
ترث ولم تورّث[75]. والقاتلة لا
ترث، والذميّة لا ترث. والامة المبيعة تبين
بغير طلاق[76].
والملاعنة أيضاً تبين بغير طلاق[77].
وكذلك المختلعة[78].
والمرتدّ عنها زوجها[79].
والمُرضَعَةُ قبل الفطام بما يوجب التحريم من
لبن الام والزوجة تبين بغير طلاق[80].

وكل ما عدّدناه زوجات في الحقيقة،
فبطل ما توهّمت. فلم يأت بشيء.

فقال صاحب الدار ـ وهو رجل أعجمي، لا
معرفة له بالفقه وإنما يعرف الظواهر ـ :
أنا أسألك في هذا الباب عن مسألة: هل تزوّج
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) متعة؟ أو تزوج
أمير المؤمنين؟ فلو كان في المتعة ما تركاها!

فقلت له: ليس كل ما لم يفعله رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) كان محرماً. وذلك أن رسول
اللّه والائمة(عليهم السلام) لم يتزوجوا
الاماء ولا نكحوا الكتابيات ولا خالعوا ولم
يفعلوا كثيراً من أشياء كانت مباحة[81].

متعة الحج

تنقسم فريضة الحج إلى تمتّع وقِران
وإفراد.. والاوّل فرض من نأى عن مكة ولم يكن
أهله حاضري المسجد الحرام.. فيُهلّ بالعمرة
إلى الحج، فإذا طاف وسعى قصّر وخرج عن إحرامه.
حتى إذا كان يوم التروية أهلّ بالحجّ وذهب إلى
عرفات. وكان له بين تحلّله وإحرامه هذا أن
يتمتّع بما كان قد حرم عليه لاجل إحرامه. ومن
ذلك جاءت هذه التسمية.

ولا زال يعمل بها المسلمون على مختلف
مذاهبهم جرياً مع نصّ الكتاب وسنة الرسول
وعمل الاصحاب.

غير أن عمر حاول المنع منه، لما
استهجنه من توجّه الناس إلى عرفات ورؤوسهم
تقطر ماءً! اجتهاداً مجرّداً في مقابل النصّ
الصريح.

وقد عرفت تشديده بشأن المتعتين، لكنّ
تعليله لذلك يبدو أغرب!

أخرج مسلم باسناده عن أبي موسى أنه كان
يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك،
فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في
النُسُك بعدُ، حتى لقيه بعدُ فسأله. فقال عمر:
كرهت أن يظلّوا مُعْرِسين بهنّ في الاراك[82]
ثم يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم[83].

ولعلّها بقية من عقائد قديمة[84]

وقع مثلها في حياة الرسول(صلى الله عليه وآله)
مما أثار غضبه:

فقد أخرج مسلم باسناده عن عطاء: أن
جماعة من صحابة النبي(صلى الله عليه وآله)
أهلّوا بالحج مفرداً، فقدم النبي صباح رابعة
مضت من ذي الحجة، فأمرهم أن يحلّوا ويصيبوا
النساء. قال عطاء: لم يعزم عليهم ولكن أحلهنّ
لهم. فقال بعضهم لبعض: ليس بيننا وبين عرفة
إلاّ خمس، فكيف يأمرنا أن نُفضي إلى نسائنا
فنأتي عرفة تقطر مذاكِرنا؟

فبلغ ذلك النبي(صلى الله عليه وآله)
فقام فيهم وقال ـ مستغرباً هذا الفضول من
الكلام ـ : قد علمتم أني أتقاكم للّه وأصدقكم
وأبرّكم، ولولا هديي لحللتُ كما تحلّون. ولو
استقبلت من أمري ما استدبرت لم اسق الهدي.
فحلّوا. قال جابر: فحللنا، وسمعنا وأطعنا.

وفي رواية: فكبر ذلك علينا وضاقت به
صدورنا. وفي أخرى: كيف نجعلها متعةً وقد سمينا
الحج؟ فقال(صلى الله عليه وآله): افعلوا ما
آمركم به، ففعلوا[85].

وفي حديث طويل أخرجه مسلم باسناده إلى
الامام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)عن
أبيه عن جابر، يشرح حجّ رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) حتى ينتهي إلى قوله(صلى الله عليه
وآله): «فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ
وليجعلها عمرة» قال: فقام سراقة بن مالك بن
جُعْشُم، فقال: يا رسول اللّه، ألِعامِنا هذا
أم لابد؟ فقال(صلى الله عليه وآله): بل لابد
أبد[86].

قال العلامة الاميني: ولم يكن نهي عمر
عن المتعتين إلاّ رأياً محضاً واجتهاداً
مجرّداً تجاه النصّ، أما متعة الحجّ فقد نهى
عنها لما استهجنه من توجّه الناس إلى الحج
ورؤوسهم تقطر ماءً. لكنّ اللّه سبحانه أبصر
منه بالحال، ونبيّه(صلى الله عليه وآله) كان
يعلم ذلك حين شرّع إباحة متعة الحج حكماً
باتّاً أبديّاً[87].

قال ابن قيّم: ومنهم من يعدّ النهي
رأياً رآه عمر من عنده، لكراهته أن يظلّ
الحاجّ مُعرسين بنسائهم في ظلّ الاراك. قال
أبو حنيفة عن حمّاد عن ابراهيم النخعي عن
الاسود بن يزيد، قال: بينما أنا واقف مع عمر بن
الخطاب بعرفة عشيّة عرفة، فإذا هو برجل
مرجَّل شعره يفوح منه ريح الطيب، فقال له عمر:
أمحرم أنت؟ قال: نعم. فقال عمر: ما هيأتك بهيئة
محرم، إنّما المحرم الاشعث الاغبر الاذفر[88]!
قال: إني قدمت متمتعاً وكان معي أهلي، وإنّما
أحرمت اليومَ. فقال عمر عند ذلك: لا تتمتّعوا
في هذه الايّام، فإنّي لو رخّصت في المتعة لهم
لعرّسوا بهنّ في الاراك ثم راحوا بهنّ حجاجاً.
قال ابن قيم: وهذا يبيّن أنّ هذا من عمر رأيٌ
رآه[89].



([1])
النساء: 24.

([2])
تفسير ابن كثير 1: 474.

([3])
زاد المعاد لابن قيم 2: 184 ـ 185.

([4])
المؤمنون: 5 ـ 6 .

([5])
تفسير القرطبي 6: 130 ـ 132.

([6])
تفسير الطبري 5: 9 .

([7])
قال ابن الاثير: من قولهم: غابت الشمس إلاّ
شفىً أي قليلاً من ضوئها عند غروبها. وقال
الازهري: «إلاّ شفىً» أي إلاّ أن يُشفي، يعني
يُشرف على الزنى ولا يواقعه. فأقام الاسم وهو
الشفى مقام المصدر الحقيقي، وهو الاشفاء على
الشيء.

([8])
أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده: 227.


([9]) يأتي الحديث عنه، وهو الذي أعلن
صريحاً أنها كانت مباحة منذ عهد الرسول إلى
النصف من خلافة عمر، حتى نهى عنها عمر لاسباب
يأتي ذكرها. ويفنّد رأي من زعم أنه كان بمنع
رسول اللّه أيام حياته.

([10])
فقد ذكر النووي عنه أنه قرأ «فما استمتعتم به
منهنّ إلى أجل» «شرح مسلم 9: 179».

([11])
وهو المشتهر بفتواه الاباحة في ربوع مكة،
وسارت عنه الركبان في سائر البلدان «فتح
الباري 9: 148».

([12])
وهو الذي استمتع بمولاة فأحبلها في أيام عمر.
«فتح الباري 9: 149».


([13]) وهو الذي واكب جابراً في الاعلان
بإباحة المتعة منذ عهد الرسول. «عمدة القاري
للعيني 8 : 310».

([14])
المحلّى لابن حزم 9: 519 ـ 520 رقم 1854.

([15])
صحيح مسلم 4: 131.

([16])
المصدر: 130. والاية من سورة المائدة: 87 .

([17])
فتح الباري بشرح البخاري لابن حجر 9 : 149.
واخرجه عبدالرزاق في مصنّفه عن ابن جريج «الغدير
6: 206 ـ 207».

([18])
فتح الباري 9 : 151.

([19])
الاصابة في تمييز الصحابة 2: 63 رقم 3363.

([20])
فتح الباري 9 : 151.

([21])
الدر المنثور 2: 141.

([22])
كان العرب في الجاهلية يرون العمرة في أشهر
الحج من أفجر الفجور «البخاري 2: 175» و«مسلم 4:
56». وقد كافح النبي(صلى الله عليه وآله) هذه
العادة الجاهلية وأصرّ على معارضتها ونقضها
قولاً وعملاً. راجع الغدير 6 : 217 تجد
الدعوة إلى الاعتمار في غير أشهر الحج عوداً
إلى الرأي الجاهلي، عن قصد أو غير قصد..

([23])
الامة ذات الولد لا تُباع ولا تنتقل، لتحرّر
بعد موت سيّدها وتكون من نصيب ولدها في الارث.

([24])لخّصناه
عن الطبري 4: 225 حوادث سنة 23.

ونقله ابن أبي الحديد في شرح
النهج 12: 121 عن الطبري، وشرح الغريب من ألفاظه
روايةً عن ابن قتيبة.

([25])
شرح النهج 1: 182.

([26])
التفسير الكبير 10: 53 ـ 54 .

([27])
ارشاد الساري بشرح البخاري للقسطلاني 11: 77.

([28])
شرح التجريد، آخر مباحث الامامة.

([29])
السنن الكبرى للبيهقي 7: 206.

([30])
صحيح مسلم 4: 38.

([31])
أحكام القرآن للجصاص 2: 147 واستند السرخسي في
المبسوط «5 : 153» إلى ما روي عن عمر أنه قال:
«لا أوتى برجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ
رجمته ولو أدركته ميّتاً لرجمت قبره».!

([32])أحكام
القرآن للجصاص 1: 290 ـ 291.

([33])
زاد المعاد 2: 184.

([34])
المبسوط للسرخسي 4: 27.

([35])
تفسير القرطبي 2: 392.

([36])
التفسير الكبير 10: 52 ـ 53 .

([37])
محاضرات الراغب الاصفهاني 2: 94 (الغدير 6: 212).

([38])
فتح الباري 5 : 9 .

([39])
الدر المنثور 2: 141.

([40])
مسند الامام أحمد 2: 95 .

([41])
جامع الترمذي 3: 185 ـ 186 رقم 824 كتاب الحج.

([42])
تفسير القرطبي 2: 388.

([43])
أورده الامام الرازي بشأن متعة النساء:
التفسير الكبير 10: 53 .

([44]) قال ابن حجر: لانه أول من نهى عنها.
وكأنّ من بعده (عثمان ومعاوية) كان تابعاً له
في ذلك. فتح الباري 3: 345.

([45])
الدر المنثور 1: 216. وصحيح مسلم 4: 48 ـ 49.
والبخاري في تفسير سورة البقرة باب فمن
تمتّع 6 : 33 وفي كتاب الحج باب التمتع على
عهد رسول اللّه 2: 176.

([46])
مسند الامام أحمد 4: 436.

([47])
الاصابة لابن حجر 3: 26 ـ 27.

([48])
المسائل السروية المطبوعة ضمن رسائل المفيد:
207 ـ 208.

([49])
تفسير المنار 5 : 15 ـ 16.

([50])
راجع شرايع الاسلام للمحقق الحلي 3: 41. وبداية
المجتهد لابن رشد 2: 101.

([51])
شرايع الاسلام 2: 306 ـ 307.

([52])
المؤمنون: 5 و6 .

([53])
تفسير المنار 5 : 13 ـ 14.

([54]
ـ 55) راجع الروضة بشرح اللمعة لزين الدين
الشهيد الثاني 5 : 299 و336 ط النجف.


([56]
ـ 57) راجع ابن رشد في بداية المجتهد 2: 381 ـ 470.


([58])
بداية المجتهد 2: 63 .

([59])
راجع صحيح البخاري 7: 16 (ط مشكول) اقتصر عليه
باعتباره أحسن الاسانيد.

([60])
قال ابن حجر: وكان ربّما دلّس لكن عن الثقات (تقريب
التهذيب 1: 312 رقم 318). وهكذا قال عنه الذهبي في
ميزان الاعتدال (2: 170).

([61])
قال ابن حجر: وليس في أحاديث الباب التي
أوردها التصريح بذلك، لكن قال في آخر الباب:
إن علياً بيّن أنّه منسوخ! (فتح الباري 9 :
143).

([62])
صحيح مسلم 4: 130.

([63])
صحيح مسلم 4: 131.

([64])
ميزان الاعتدال للذهبي 2: 578 رقم 4914. والمغني
في الضعفاء أيضاً له 2: 383 رقم 3598.

([65])
تهذيب التهذيب 6 : 222.

([66])
المغني في الضعفاء 2: 410 رقم 3867. وميزان
الاعتدال 2: 672 رقم 5287 .

([67])
تهذيب التهذيب 3: 453 و6 : 336.

([68])
صحيح مسلم 4: 132 ـ 133.

([69])
راجع: الجمع بين رجال الصحيحين 1: 135.

([70])
أوردنا تمام كلامه فيما تقدّم. راجع: زاد
المعاد لابن قيم 2: 184.

([71])
كتاب المجروحين والضعفاء لابي حاتم محمد بن
حبّان 2: 132 ـ 133. وتهذيب التهذيب. 3: 245.

([72])
النساء: 24.

([73])
المؤمنون: 5 ـ 7.

([74])
يعني أن مسألة الطلاق ليست من لوازم الطبيعة
للزوجيّة، بل لكونها دائمة أو نحو ذلك مما هو
خارج الطبيعة.

([75])
بناءً على أن المملوك لا يتملك.

([76])
يعني إذا بيعت الامة المزوّجة ولم يأذن
مالكها الجديد بالزواج، فإن الزوجية تنفسخ
حالاً بغير طلاق.

([77])
بناءً على أن اللعان يوجب الفرقة من غير حاجة
إلى طلاق.

([78])
بناءً على عدم الحاجة إلى الطلاق وكفاية
صيغة الخلع.

([79])
إذا ارتد الزوج تبين منه زوجته بغير طلاق.

([80])
إذا أرضعت اُم الزوجة وليدتها أي وليدة زوجة
الرجل، حرمت عليه، إذ لا ينكح أبو المرتضع في
أولاد صاحب اللبن. وكذا لو أرضعت الزوجة
الكبيرة المدخول بها الزوجة الصغيرة حرمتا،
لان الاولى أصبحت اُم الزوجة والثانية بنت
المدخول بها.

([81])
الفصول المختارة: 119 ـ 123 (ط النجف).

([82])
يقال: أعرس الرجل بامرأته إذا بنى بها.
والاراك موضع قرب نمرة.

([83])
صحيح مسلم 4: 45 ـ 46 باب نسخ التحلل.

([84])
قال ابن قيم الجوزية: كانت العرب في الجاهلية
تكره العمرة في أشهر الحج. وكانوا يقولون:
إذا أدبر الدبر، وعفي الاثر، وانسلخ صفر،
فقد حلّت العمرة لمن اعتمر (زاد المعاد 1: 214) و(البخاري
2: 175) و(مسلم 4: 56).

([85])
راجع صحيح مسلم في عدة روايات 4: 36 ـ 38 وصحيح
البخاري 2: 175 ـ 176.

([86])
صحيح مسلم 4: 39 ـ 43. وفي المحلّى لابن حزم (7: 108):
بل لابد الابد.

([87])
الغدير 6 : 213.

([88])
الاذفر: ذو الرائحة الكريهة (المنجد).

([89])
زاد المعاد لابن قيم 1: 214. وهكذا ذهب ابن حزم
أن هذا رأي رآه عمر (المحلّى 7: 102).

/ 1