دراسـات - استعاذة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

استعاذة - نسخه متنی

محمد مهدی الآصفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسـات

الشيخ
محمد مهدي الاصفي

الاستعاذة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

(وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ
باللّه إنه سميع عليم * إن الذين اتقوا إذا
مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)(1)
.

من المفاهيم الاصيلة في الثقافة
الاسلامية الاستعاذة من الشيطان.

وفيما يلي نتحدث إن شاء اللّه عن هذا
الموضوع ضمن ثلاث محاور : الاستعاذة ،
والمستعاذ منه ، والمستعاذ به .

1 ـ الاستعاذة

عندما يواجه الانسان خطراً لا يقوى
على دفعه عن نفسه ، يلجأ إلى نقطة آمنة قويّة
تقوى على حمايته ودفع الضرر عنه ، ويفرّ من
منطقة الخطر التي يتعقبّه فيها العدو إلى
منطقة آمنة لا يستطيع العدو أن يتعقبه فيها .

وهذا اللجوء والفرار من منطقة الخطر
إلى منطقة الامان هي الاستعاذة ، وهي طلب
اللجوء والحماية والامن .

والاستعاذة مفهوم شائع قديماً
وحديثاً ، فقد كان من عادة العرب أن يحموا من
يحتمي بهم ويدخل في حمايتهم ويدافعوا عنه ،
واشتهر فيما بينهم المثل العربي الشائع (احمى
من مجير الجراد) في قصة معروفة .

وهو اليوم مفهوم شائع في العلاقات
الدولية في حالات اللجوء السياسي والانساني ،
وهو مشتق من نفس المفهوم والمعنى بتطبيقات
معاصرة وحديثة .

وكما يلجأ الانسان من العدو الذي
يتعقبه ليفتك به إلى ملاذ يحميه، كذلك جعل
اللّه تعالى للانسان ملاذاً يلوذ به وملجأً
يحتمي به من سائر الشرور والاخطار المحدقة ،
والتي تهدد حياته وسلامته .

فالامراض والاوبئة من الشرور التي
تهدد حياة الانسان ، وقد جعل اللّه تعالى في
الطب والتعليمات الصحية ملجأً للانسان يحتمي
به من فتك الامراض والاوبئة .

وجعل اللّه الزراعة والصناعة والجهد
الاقتصادي مساحة آمنة للانسان يحتمي به من
الفقر والجوع والحاجة .

وجعل اللّه تعالى العازل الفيزياوي
وسيلة للانسان يحتمي به من صعقة الكهرباء
وحريق النار ، كما جعل القوة العسكرية
والسلاح والقلاع والحصون ملجأ للانسان يحتمي
به من فتك العدو وبطشه .

وكل هذه نماذج من اللجوء وطلب الحماية
والامن من الاخطار والشرور التي تهدد أمن
الانسان وسلامته ، وهذه الشرور والاخطار على
نحوين :

1 ـ شرور كونية خارج النفس ، كالامراض
والاوبئة والصواعق والزلازل والفقر والجذب
والازمات الاقتصادية والهزائم العسكرية .

2 ـ شرور تعمل داخل النفس ، وهي الاهواء
والشياطين التي توسوس داخل النفس . وقد ورد
ذكر الاستعاذة في القرآن الكريم في آخر
سورتين من القرآن الكريم ، وهما سورة الفلق
وسورة الناس ، وفيهما يأمرنا اللّه تعالى
بالاستعاذة من هذين النوعين من الشرور ، وهما
الشرور الكونية خارج دائرة النفس ، والشرور
التي تعمل داخل النفس وهي شرور الشيطان الذي
يوسوس في صدور الناس .

وسورة الفلق تختص بالاستعاذة من القسم
الاول من الشرور : (قل اعوذ برب الفلق * من شر ما
خلق * ومن شر غاسق اذا وقب * ومن شر النفاثات في
العقد * ومن شر حاسد إذا حسد) .

وسورة الناس تختص بالاستعاذة من النوع
الثاني من الشرور ، وهي الشرور العاملة داخل
النفس البشرية : (قل اعوذ برب الناس * ملك الناس
* إله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي
يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس) .

وبالشرح الذي قدمنا لمعنى الاستعاذة
واللجوء وطلب الحماية والامن ، يتضح لنا أن
الاستعاذة من مقولة الفعل وليست من مقولة
القول .

فلا تحقق الاستعاذة في حياة الانسان
شيئاً اذا اقتصر على القول ، ولم يكن في هذا
القول طلب أو فعل .

2 ـ المستعاذ منه

يعوذ الانسان باللّه في حياته من
ثلاثة :

1 - الفتن .

2 ـ الهوى .

3 - الشيطان .

مثلث الابتلاء

وهذا هو مثلث الابتلاء في القرآن .

والفتن(2)
هي كل المغريات الموجودة في واقع حياة
الانسان خارج النفس ، كالمال والموقع
والازواج والبنين والبنات والمراكب .

وقد جمع اللّه تعالى طائفة من الفتن في
آية آل عمران يقول تعالى: (زيّن للناس حب
الشهوات من النساء والبنين والقناطير
المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة
والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا
واللّه عنده حسن المآب)(3)
.

وهذا هو الضلع الاول من مثلث الابتلاء
.

والضلع الثاني من هذا المثلث هو
الاهواء ، وهي مجموعة الغرائز والشهوات
والرغبات الكامنة في نفس الانسان ، كالميل
نحو الجنس الاخر وحب المال وحب الدنيا وحب
الموقع وحب الازواج والبنين وما اشبه
ذلك .

يقول تعالى : (واتل عليهم نبأ الذي
آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان
فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه
اخلد إلى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب
ان تحمل عليه يلهت او تتركه يلهت ذلك مثل
القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم
يتفكرون)(4)
.

وبين الفتنة والهوى تجاذب ، فإن الفتن
تجتذب الاهواء ، والاهواء تنجذب إلى الفتن ،
وهذا التجاذب يجعل من الفتنة والهوى عاملاً
قوياً وفاعلاً في حياة الانسان ، يدفعه إلى
تجاوز حدود اللّه تعالى وارتكاب المعاصي ،
والانحراف عن صراط اللّه المستقيم والسقوط في
مخالفة اللّه تعالى .

وقد ورد في الدعاء في الاستعاذة من
الاهواء باللّه : «اللهم إنا نعوذ بك من هيجان
الحرص ، وسورة الغضب ، وغلبة الحسد ، وضعف
الصبر ، وقلة القناعة ، وشكاسة الخلق ، وإلحاح
الشهوة ، وملكة الحمية ، ومتابعة الهوى ،
ومخالفة الهدى ، وسنة الغفلة ، وتعاطي الكلفة
، وإيثار الباطل على الحق ، والاصرار على
المآثم ، واستكثار الطاعة ، واستقلال المعصية
، ومباهاة المكثرين ، والازراء بالمقلّين ،
وسوء الولاية لمن تحت ايدينا ، وترك الشكر لمن
اصطنع العارفة عندنا، وأن نعاضد ظالماً ، وأن
نخذل ملهوفاً ، أو نروم ماليس لنا بحق، أو
نقول في العلم بغير علم ...»(5) .

والضلع الثالث من هذا المثلث هو
الشيطان ; ودور الشيطان الاساسي هو الوساطة
بين الفتنة والهوى ، فيزين الفتن للاهواء ،
ويهيج الاهواء ويثيرها تجاه الفتن ; وهذه هي
مهمة الشيطان الرئيسية في تضليل الانسان
وانحرافه . يقول تعالى : (يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم
الشيطان إلاّ غروراً)(6)
. (الشيطان سوّل لهم وأملى لهم)(7)
. (وقيّضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين ايديهم
وما خلفهم)(8)
.

وسلطان هذا المثلث رهيب على الانسان
إذا وقع في محاصرته .

ويعلمنا اللّه تعالى في كتابه أن نعوذ
به تعالى من كل واحد من هذه العوامل الثلاثة
التي تعصف بحياة الانسان . وفيمايلي نتحدث عن
العامل الثالث في هذا المثلث وهو الشيطان .

الشيطان

يقرر القرآن أن الشيطان عدو للانسان : (ألم
أعهد إليكم يا بني آدم ألاّ تعبدوا الشيطان
إنه لكم عدوّ مبين)(9)
.

وهذه حقيقة كبيرة يقررها القرآن في
علاقة الانسان والشيطان بعضهما ببعض : (إن
الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً)(10)
.

ويتبع الشيطان اساليب ماكرة وخبيثة
كثيرة لتضليل الانسان وإغوائه ; وفي الدعاء
المعروف الوارد عن اهل البيت(عليهم السلام) في
نهار شهر رمضان إشارة إلى طائفة من اساليب
الشيطان ووسائله الماكرة: «وأعذني من الشيطان
الرجيم ، وهمزه ، ولمزه ، ونفثه ، ونفخه ،
ووسوسته ، وبطشه ، وتثبيطه ، وكيده ، ومكره ،
وحبائله ، وخدعه ، وامانيه ، وغروره ، وفتنه ،
وحيله ، ورجله ، واعوانه ، واشياعه ، واوليائه
، وشركائه ، وجميع مكائده» .

ومعرفة اساليب الشيطان ووسائله في
إغواء الناس وتضليلهم مقيدة جداً ; فإن معرفة
أساليب العدو ووسائله في الفتك والبطش تفيد
في أحباط هذه الوسائل وتفنيدها وتعطيلها ;
ولذلك نجد أن القرآن يولي كشف اساليب الشيطان
ووسائله في تظليل الناس واغوائهم اهتماماً
ملحوظاً .

ونحن نذكر إن شاء اللّه بعض هذه
الاساليب والوسائل بقدر مايتسع له صدر هذا
الحديث .

اساليب الشيطان

من هذه الاساليب اسلوب التدرج الذي
يتبعه الشيطان في تضليل الناس ، فهو لا يدعوهم
إلى عبادته مرة واحدة ، وإنما يستدرجهم إلى
عبادته وطاعته خطوة خطوة ، فإذا وقعوا في شركه
استحوذ عليهم .

ويحذرنا اللّه تعالى من اتباع خطوات
الشيطان . يقول تعالى : (يا أيها الذين
آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع
خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر)(11)
، ويقول تعالى : (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا
في السلم كافّة ولا تتبعوا خطوات الشيطان)(12).

ومن أساليب الشيطان أنه يحاصر ضحيته
حتى يطوقه ويسد عليه سبيل الفرار ، فإذا حاصره
ضيّق عليه الحصار بالتدريج ، حتى تكون الضحية
في يده وتحت امره بشكل كامل لا يملك طريقاً
للفرار والخروج من الحصار .

ويوضح القرآن هذا الاسلوب من اساليب
الشيطان : (قال فيما أغويتني لاقعدن لهم صراطك
المستقيم * ثم لاتينّهم من بين أيديهم ومن
خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد
اكثرهم شاكرين)(13)
.

فالشيطان قاعد على طريق الانسان من كل
جانب ليسد عليه الطريق إلى اللّه . روى أحمد في
المسند عن سبرة ابن ابي فاكه أنه سمع رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول :«إن الشيطان
قعد لابن آدم بأطرافه ، فقعد له بطريق الاسلام
فقال : أتسلم وتذر دينك ودين آبائك ؟ فعصاه ،
فأسلم ، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال : أتهاجر
وتذر أرضك وسماءك ؟ وإنما مثل المهاجر كمثل
الفرس في الطول . قال : فعصاه فهاجر . قال : ثم
قعد له بطريق الجهاد فقال له : هو جهد النفس
والمال ، فتقاتل فتقتل ، فتنكح المرأة ويقسم
المال : قال : فعصاه فجاهد . فقال رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله): فمن فعل ذلك منهم فمات كان
حقاً على اللّه أن يدخله الجنة ، أو قتل كان
حقاً على اللّه عزوجل أن يدخله الجنة وإن غرق
كان حقاً على اللّه أن يدخله الجنة ، أو وقصته
دابته كان حقاً على اللّه أن يدخله الجنة»(14)
.

ومن أساليب الشيطان الرصد ، فهو يرصد
ضحيته من حيث لا تراه . ومهمة الراصد
استهداف الضحية حينما ينكشف له ويقع في مرماه
فيرميه ، وينكشف الانسان للشيطان ، ويتجرد من
كل شيء حتى من الدفاع والمقاومة في ساعات
الغفلة فيصيبه الشيطان . يقول تعالى : (إنه
يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم)(15)
.

ومن اساليب الشيطان الاغراء والتحريك
. يقول تعالى : (ألم تر أنّا أرسلنا الشياطين
على الكافرين تؤزّهم أزّاً)(16)
.

والاز كما يقول ابن عباس هو الاغراء .
والاز : التحريك الشديد ; والتهييج الشديد ;
ولذلك يقال لغليان القدر الازيز .

والشيطان يهيج ضحيته ويحرّكه ويثيره
إثارة شديدة بالغضب والشهوة حتى يستحوذ عليه .

ومن اساليب الشيطان أنه يعد ضحيته
ويمنّيه ويخدعه بالوعود والامنيات الكاذبة
فيدفعه إلى السقوط ، فإذا سقط لا يجد من وعود
الشيطان وامانيّه شيئاً . يقول تعالى : (يعدهم
ويمنّيهم وما يعدهم الشيطان إلاّ غروراً)(17)
.

وروى الصدوق في المجالس عن الصادق(عليه
السلام) ، أن إبليس لما نزلت هذه الاية (والذين
إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه
فاستغفروا لذنوبهم) قال : «فمن لها ؟ فقال
الوسواس الخناس : أنا لها . قال : بماذا ؟ قال :
أعِدهم وأمنّيهم حتى يواقعوا الخطيئة ، فإذا
واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار ، فقال :
أنت لها»(18) .

وعن ابن مسعود «أنّ للشيطان لَمّة ،
وهي الايعاد بالشر ، وللملك لمّة وهي الوعد
بالخير ; فمن وجد ذلك فليعلم أنه من اللّه ،
ومن وجد الاول فليتعوذ باللّه من الشيطان
الرجيم»(19)
.

وعن أمنيات الشيطان يقول القرآن : (ولاضلنّهم
ولامنينّهم ولامرنّهم فليبتكنّ آذان الانعام
ولامرنّهم فليغيرنَّ خلق اللّه ومَن يتخذ
الشيطان وليّاً من دون اللّه فقد خسر خسراناً
مبيناً)(20)
، ويقول تعالى : (وَعدهم وما يعدهم الشيطان
إلاّ غروراً)(21)
.

ومن أساليب الشيطان الاستفزاز وهو
الاستخفاف ، وإذا استخف الشيطان ضحيته هان
عليه أن يحركه ويوجهه كيفما يريد ، فإنما يمسك
الانسان عقلُه ووعيُه وضميرُه وخبرتُه
وحكمتُه ، فإذا جرده الشيطان منها واستخفه
سهل عليه أمره وامكنه الانسان من نفسه ،
وعندئذ يثيره ويحركه ويهيجه كما يحب ويستحوذ
عليه كما يريد .

يقول تعالى :(واستفزر من استطعت منهم
بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في
الاموال والاولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان
إلاّ غروراً)(22)
.

ومن اساليب الشيطان التسويل والاملاء
. يقول تعالى : (الشيطان سوّل لهم وأملى لهم)(23)
.

والتسويل : التسهيل والتزيين والاغراء
، والاملاء : الامداد في الامال والاماني .

ومعنى الاية الكريمة أن الشيطان يسهّل
لهم اقتراف الذنوب ومعاصي اللّه عزّوجل
ويزيّنها لهم ويغريهم بها ، ويمُدُّ في
أمانيهم ، ويطوّل في نفوسهم الامال ، حتى
ينسوا الموت فتستهويهم عندئذ الدنيا ،
وتصرفهم عن هموم الاخرة وما بعد الموت .

ومن اساليب الشيطان النزغ يقول تعالى :
(وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ باللّه)(24)
. والنزغ : الافساد ، ومنه (نزغ الشيطان بيني
وبين اخوتي) . وإذا افسد الشيطان الانسان
أمكنه أن يستحوذ عليه ، وتمكن منه .

ومن اساليب الشيطان التزيين ، فيزين
الفتن للاهواء ، كما يهيج الاهواء تجاه الفتن
. والتزيين من وسائل الشيطان الخبيثة
والغريبة .

فقد يكون الحلال والحرام من نسخ واحد
فيزين الشيطان الحرام لضحيته دون الحلال ،
كما يهيّج الشيطان اهواء الانسان وشهواته
تجاه الفتن بشكل قوي ومؤثر .

يقول تعالى عن التزيين : (وقيّضنا لهم
قرناء فزيّنوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم)(25)
، ويقول (قال رب بما اغويتني لازيننَّ لهم في
الارض ولاغوينهم اجمعين * إلاّ عبادك منهم
المخلصين)(26)
.

وفي قبال التزيين التحريك والتهييج .
والشيطان يزين الفتن للاهواء كما يثير
الاهواء ويهيجها ويحركها باتجاه الفتن .

وعن التهييج والتحريك والاثارة يقول
تعالى : (الم تر أنا ارسلنا الشياطين على
الكافرين تؤزّهم أزاً)(27)
.

وقد تحدثنا عن هذه النقطة من قبل .

ومن اساليب الشيطان الوسوسة والخنوس .

يقول تعالى : (قل اعوذ برب الناس * ملك
الناس * إله الناس * من شر الوسواس
الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة
والناس) .

وتكون الوسوسة بأن ينفذ الشيطان إلى
نفس الانسان من المسالك والدروب الخفية بخفاء
وتكتم لا يثير انتباه الانسان وحذره ، ويستتر
في باطن الانسان فيثير في نفسه من دون أن
ينتبه إلى موقع الشيطان منها .

يقول تعالى : (ولقد خلقنا الانسان
ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب إليه من حبل
الوريد)(28)
، ويقول تعالى : (فوسوس لهما الشيطان ليبدي
لهما ما ووري من سوآتهما)(29)
، ويقول تعالى في وصف الشيطان: (الوسواس
الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس) .

فالوسوسة هي النفوذ الهادئ والزاحف
للشيطان إلى نفس الانسان ، واستتاره وتأثيره
الخفي فيها .

والخنوس هو رجوع الشيطان وتأخره إذا
انتبه الانسان إلى موقعه من نفسه ، لئلا ينبه
الانسان على الخطر ويثير في نفسه الحذر .

فالشيطان يدخل في نفس الانسان بخفاء
وتكتم لا يثير انتباهه وحذره ، فإذا
انتبه الانسان إلى موقع الشيطان في نفسه قفل راجعاً
وتأخر ، فإذا غفل عاد إلى موقعه الاول من
النفس ، وهذا هو الخنوس .

وقد روي عن رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) : «إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم
فإذا ذكر اللّه خنس ، وإذا نسي التقم ، فذلك
الوسواس الخناس»(30)
.

وعن تفسير العياشي بإسناده عن ابان بن
تغلب عن جعفر بن محمد(عليهما السلام) قال : «قال
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : ما من مؤمن
إلاّ ولقلبه في صدره اذنان: أُذن ينفث فيها
الملك ، واذن ينفث فيها الوسواس الخناس ،
فيؤيد اللّه المؤمن بالملك وهو قوله سبحانه (وأيدهم
بروح منه)» .

ومن اساليب الشيطان الهَمز ، وهو
الطعن السريع الذي يتم بخفة وسرعة . وفي كتاب
اللّه (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين *
وأعوذ بك رب أن يحضرون)(31)
.

وللشيطان بالاضافة إلى هذه الاساليب
وسائل كثيرة يتوسل بها إلى إغواء الناس
وتضليلهم وله جند يقوي بهم على ذلك . يقول
تعالى : (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب
عليهم بخيلك ورَجلك وشاركهم في الاموال
والاولاد)(32)
.

ويصف اللّه تعالى جند الشيطان بأنهم (من
الجنة والناس) .

سلطان الشيطان على الانسان

ورغم كل هذه الاساليب والوسائل التي
يملكها الشيطان لاغواء الناس وتضليلهم ، لم
يجعل اللّه تعالى للشيطان سلطاناً على
الانسان ، إلاّ إذا اتبعه الانسان ودخل في
شركه وحوزة قوته وسلطانه .

يقول تعالى : (وقال الشيطان لما قضي
الامر إن اللّه وعدكم وعد الحق ووعدتكم
فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلاّ أن
دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا
انفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي)(33)
.

فليس للشيطان سلطان على الانسان إلاّ
أن يدعوه ، فإذا استجاب له فقد استجاب له بكل
ارادته ، وأوقع نفسه في شركه باختياره ، وليس
يقهر الشيطان الانسان في دعوته على الاستجابة
.

وهذه حقيقة كبيرة وذات اهمية في علاقة
الشيطان والانسان ، بعضهما ببعض ، يقررها
القرآن .

وإنما الانسان هو الذي يخرج باختياره
وارادته من حوزة ولاية اللّه تعالى إلى حوزة
ولاية الشيطان ، فإذا فعل ذلك دخل في سلطان
الشيطان وجعل على نفسه للشيطان سلطاناً .

فهناك ثلاث قضايا يقررها القرآن بوضوح
:

1 ـ أن الشيطان ليس له سلطان على
الانسان : (ما كان لي عليكم من سلطان)(34)
.

2 ـ وأن الانسان هو الذي يخرج من حوزة
ولاية اللّه ويدخل في حوزة ولاية الشيطان : (إنهم
اتخذوا الشياطين أولياء من دون اللّه)(35)
.

3 ـ وأنه هو الذي يجعل عندئذ للشيطان
عليه سلطاناً ، يقول تعالى : (إنما سلطانه على
الذين يتولونه)(36)
، و (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاّ من
اتبعك من الغاوين)(37)
، و (إن الشياطين ليوحون إلى اوليائهم)(38)
، و (قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم)(39)
، و (إنما يدعو حزبه)(40)
.

وعن الامام الصادق(عليه السلام) : «لا
يتمكن الشيطان بالوسوسة من العبد إلاّ وقد
أعرض عن ذكر اللّه ، واستهان بأمره ، وسكن إلى
نهيه ، ونسي اطلاعه على سره» .

3 ـ المستعاذ به

المستعاذ الاول

المستعاذ الاول في حياة الانسان هو
اللّه تعالى ، يعوذ به ويلوذ به، فإن اللّه
تعالى هو السلام الذي يهب الامان لمن يهرب
إليه من الشيطان ، ولا يستطيع الشيطان أن يمس
الانسان بسوء أو شر إذا عاذ الانسان باللّه
تعالى من شره ، وهو المهيمن القوي المقتدر
الذي لا يعجزه الشيطان .

قال تعالى : (هو اللّه الذي لا إله إلاّ
هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن
العزيز الجبار المتكبر سبحان اللّه عما
يشركون)(41)
.

وقد امرنا اللّه تعالى أن نعوذ به من
الشيطان الرجيم . يقول تعالى : (وقل رب اعوذ بك
من همزات الشياطين)(42)
و (قل اعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس *
من شرّ الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور
الناس * من الجنة والناس) .

المستعاذ الثاني

المستعاذ الثاني في حياة الانسان هو
التقوى .

يقول تعالى : (إن الذين اتقوا إذا مسّهم
طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)(43)
.

والتقوى منطقة آمنة في حياة الانسان
لا يدخلها الشيطان ، وهي أن يعيش الانسان
ويتحرك ويعمل في مساحة الحلال داخل حدود
اللّه تعالى ، لا يتجاوزها ولا يتعداها ، وليس
بإمكان الشيطان أن يتبع الانسان في هذه
المساحة ، فإذا احتمى الانسان بالتقوى حمته
من الشيطان .

يقول امير المؤمنين(عليه السلام) : «اعلموا
عباد اللّه أن التقوى دار حصن عزيز ، والفجور
دار حصن ذليل ، لا يمنع اهله ، ولا يحرز من لجأ
إليه . ألا وبالتقوى تُقطع حُمة(44) الخطايا ...»(45)
.

فالتقوى اذن حرم آمن للّه تعالى في
حياة عباده لا يدخله الشيطان ، ودار حصن
عزيز ـ كما يقول امير المؤمنين(عليه السلام) ـ
لا ينفذ إليه الشيطان ، والحصن
العزيز هو ما لا يمكن النفوذ إليه . والذنب
والمعصية دار حصن ذليل ـ كما يقول امير المؤمنين(عليه
السلام) ـ والحصن الذليل ما يسهل النفوذ
إليه ; فإذا اطاع الانسان اللّه
تعالى حمته التقوى من نفوذ الشيطان ، وإذا عصى
الانسان اللّه اذلَّ نفسه بالمعصية فنفذ إلى
صدره وقلبه الشيطان .

والتقوى لباس للانسان ، تحفظ الروح من
الهوى والشيطان . يقول تعالى : (يا بني آدم قد
انزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً
ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات اللّه لعلهم
يذكرون)(46)
.

فكما يحفظ اللباس جسم الانسان من
البرد والحر والاذى وعيون الناس ، تحفظ
التقوى روح الانسان وتوجّه أهواءه وتهذّبها
وتعدّلها .

وكما يحفظ اللباس الانسان يجب على
الانسان أن يحفظه ; وكذلك التقوى نحفظها
وتحفظنا . يقول امير المؤمنين(عليه السلام) : «أيقظوا
بها التقوى نومكم ، واقطعوا بها يومكم ،
واشعروها قلوبكم ... ألا فصونوها وتصوّنوا بها»(47)
.

المستعاذان الثالث والرابع

المستعاذان الثالث والرابع هما
الايمان والتوكل على اللّه .

يقول تعالى : (فإذا قرأت القرآن فاستعذ
باللّه من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان
على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما
سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به
مشركون)(48)
.

المستعاذ الخامس

المستعاذ الخامس في حياة الانسان هو
الخلوص للّه تبارك وتعالى : (قال رب بما
أغويتني لازيننّ لهم في الارض ولاغوينهم
أجمعين * إلاّ عبادك منهم المخلصين) (49) .

والحمد للّه رب العالمين



(1)
الاعراف : 200 ـ 201.

(2)
تطلق الفتنة في القرآن على العوامل المغرية
كالمال والجنس الاخر، كما تطلق على العوامل
الضاغطة كالفقر والظلم. يقول تعالى: (ونبلوكم
بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون)الانبياء:
35.

(3)
آل عمران : 14 .

(4)
الاعراف : 176 .

(5)
الدعاء الثامن من ادعية الصحيفة السجادية .

(6)
النساء : 120 .

(7)
محمد : 25 .

(8)
فصلت : 25 .

(9)
يس : 60 .

(10)
فاطر : 6 .

(11)
النور : 21 .

(12)
البقرة : 208 .

(13)
الاعراف : 16 ـ 17.

(14)
مسند احمد 4:533 ، ح 15528.

(15)
الاعراف : 27 .

(16)
مريم : 83 .

(17)
النساء : 120 .

(18)
بحار الانوار 63 : 197.

(19)
راجع بحار الانوار 63 : 142.

(20)
النساء : 119 .

(21)
الاسراء : 64 .

(22)
الاسراء : 64 .

(23)
محمد : 25 .

(24)
الاعراف : 200 .

(25)
فصلت : 25 .

(26)
الحجر : 39 ـ 40 .

(27)
مريم : 83 .

(28)
ق : 16 .

(29)
الاعراف : 20 .

(30)
الميزان 20:397، وبحار الانوار 60:194.

(31)
المؤمنون 97 ـ 98 .

(32)
الاسراء : 64 .

(33)
ابراهيم : 22 .

(34)
ابراهيم : 22 .

(35)
الاعراف : 30 .

(36)
النحل : 100 .

(37)
الحجر : 42 .

(38)
الانعام : 121 .

(39)
الاسراء : 63 .

(40)
فاطر : 6 .

(41)
الحشر : 23 .

(42)
المؤمنون : 97 ./

(43)
الاعراف : 200 .

(44)
الحُمة في الاصل هي سُم كل شيء يلدغ أو يلسع،
والابرة التي يضرب بها العقرب والزنبور
ونحوهما. وحمة البرد: شدته.

(45)
نهج البلاغة ، خ 157.

(46)
الاعراف : 26 .

(47)
نهج البلاغة، خ 191.

(48)
النحل : 98 ـ 100.

(49)
الحجر : 39 ـ 40 .

/ 1