دراسات - مسجد نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مسجد - نسخه متنی

عباس علی فرهتی؛ مترجم: عباس الأسدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسات

المسجد ـ مفهومه وبعض أحكامه

في القرآن والحديث

* عباس علي فراهتي

المترجم : عباس الاسدي

المقدمة :

المسجد في اللغة : هو اسم المكان من
الفعل « سجد يسجد » بمعنى مكان السجود ومحل
العبادة ، وهو مستثنىً من القاعدة المعروفة
في اسم الزمان والمكان في الفعل الثلاثي
المجرد مضموم العين . وبالطبع فان بعض كبار
اللغويين امثال الفرّاء اجازوا فتح العين في
المسجد ، بالرغم ان الكلمة لم تستعمل بهذه
الصورة حتى الان([1])
. ويقول سيبويه : ان هذه المفردة تُقرأ مفتوحة
بالقياس متى ما اُريد الفعل والعمل([2])
.

ولقد وردت في المعاجم وقواميس اللغة
تعابير عديدة للمسجد ، تعود جميعها إلى
معنى واحد .

يقول الزجاج في تعريف المسجد :« كل
موضع يُتعبّد فيه فهو مسجد »([3])
، ويعرف ابن الاعرابي الكلمة كالتالي : «
المسجد بفتح الجيم ، محراب البيوت ومصلى
الجماعات »([4])
، وجاء في مفردات الراغب الاصفهاني : « المسجد
موضع الصلاة اعتباراً بالسجود »([5])
.

اذن ، فالمسجد هو اسم مكان مشتق من فعل
مصدر ثلاثي مجرد هو

« سجد » ، وقد اطلق على محل
العبادة ومكان الصلاة ، ذلك ان السجود هو أهم
اركان الصلاة واشرفها ، يقرب المرء إلى
ربه اكثر من أفعال الصلاة الاخرى ، ولهذا
اتُّخذ اسم المكان من الفعل واطلق على محل
العبادة والصلاة([6])
.

وفي الاصطلاح العرفي يعتبر المسجد
مكان العبادة الخاص بالمسلمين ، غير ان
القرآن الكريم اطلق الكلمة على معابد أهل
الكتاب أيضاً :

(قال الّذين غَلَبوا على امرهم
لنتّخِذَنَّ عليهم مسجداً)([7])
.

(سبحان الذي اسرى بعبده ليلاً من
المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا
حوله لنريه من آياتنا ...)([8])
.

وفي الاصطلاح الشرعي اُطلق المسجد على
المكان المحدد الموقوف للصلاة ، إذ جاء في
النصوص الفقهية بهذا الشأن :

« المراد بالمسجد المكان الموقوف على
كافة المسلمين للصلاة »([9])
.

ومضافاً إلى كلمة المسجد يطلق على
هذا المكان احياناً «الجامع» ، وهو في
الحقيقة صفة للمسجد الكبير الذي تقام فيه
صلاة الجمعة . ويقال ان الخليفة الثاني هو أول
من استخدم هذه الكلمة حينما اصدر تعليماته
إلى الولاة في الحواضر الاسلامية لبناء
المساجد الجامعة التي تقام فيها صلوات الجمعة
. وتذكر الروايات التاريخية ان عمر بن الخطاب
طلب من عماله على الاراضي المفتوحة والمدن
الجديدة بناء مساجد خاصة بصلاة الجمعة ،
ومساجد اخرى بين القبائل لاقامة الصلوات
اليومية([10]) .

لكن بعض المؤرخين يقولون ان الناس هي
التي استخدمت هذا المصطلح بادئ الامر ،
واطلقت على المساجد التي تقام فيها صلوات
الجمعة اسم المسجد الجامع أو الجامع . ولما
توسع نطاق الحكم الاسلامي وازداد عدد
المسلمين ، ازداد ايضاً عدد المساجد في
البلاد الاسلامية ، كما كثر عدد الالفاظ التي
تطلق على اماكن العبادة ، بحيث بات يطلق بمضي
الزمان على كلّ مسجد يصلّى فيه المسجد الجامع
أو الجامع([11])
.

وقد وردت كلمة المسجد في القرآن
الكريم (28) مرة ; (22) منها بصورة مفردة([12]) ، و(6) على صورة
الجمع([13])
وتشير هذه الايات إلى أهمية المسجد ومكانته
الرفيعة في الاسلام ، وبعض احكامه ، والاحكام
الخاصة أيضاً بالمسجد الحرام ، كما تشير إلى
المسجد الاقصى ومسجد أصحاب الكهف .

وثمة آيات اخرى في كتاب اللّه المجيد
تحوم حول المسجد وأهميته ، رغم انها لم تستخدم
هذا اللفظ صريحاً ، ولكن مفهومها واجماع
المفسرين يؤكد ذلك . واننا في هذا المقال إذ لا
يسعنا ان نأتي على جميع هذه الايات تفسيراً
وتحليلاً وتبييناً ، نكتفي بذكر الايات التي
تبرز اهمية المسجد بمختلف ابعاده في المجتمع
الاسلامي ، ونتطرق باختصار إلى تفسيرها
وتوضيحها .

المسجد أول بيت للتوحيد

:

(إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة
مباركاً وهدىً للعالمين)([14])
.

(وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً
واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى وعهدنا إلى
ابراهيم واسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين
والعاكفين والركع السجود)([15])
.

يبدو من الايتين اعلاه ان الكعبة في
مكة المكرمة هي أول بيت للتوحيد ، وأول مكان
مركزي اقيم لعبادة اللّه الواحد الاحد .

وقد اختلف المفسرون في زمان بناء هذا
البيت ، فمنهم من قال ان ابراهيم(عليه السلام)هو
مؤسس البيت ولم يكن له أي وجود زمن آدم(عليه
السلام)([16])
. واعتقد آخرون ان آدم(عليه السلام)هو أول من
بنى البيت ، ثم جدد بناءه ابراهيم(عليه السلام)([17])
، بيد ان القرائن المستلّة من الايات
القرآنية والروايات النبوية تؤيد الرأي
الثاني ، إذ جاء في القرآن الكريم على لسان
ابراهيم(عليه السلام) : (ربّنا اني اسكنت من
ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتكَ المحرّم ...)([18])
، حيث يُفهم من الاية الشريفة ان ابراهيم(عليه
السلام) لما جاء مع ولده اسماعيل(عليه السلام)
وزوجه هاجر إلى مكة كان فيها اثر من الكعبة
. وجاء في آية اخرى : (وإذ يرفع ابراهيم القواعد
واسماعيل ...)([19])
; ففي الاية اشارة إلى وجود اسس الكعبة قبل
ابراهيم ، وانه وولده(عليهما السلام) رفعا هذه
القواعد والاسس .

يقول الامام علي(عليه السلام) بهذا
الشأن : « ألا ترون ان اللّه سبحانه اختبر
الاولين من لدن آدم الى الاخرين من هذا العالم
بأحجار ... فجعلها بيته الحرام ، ثم امر آدم(عليه
السلام) وولده أن يُثَنّوا اعطافهم نحوه ...»([20])
.

اذن ، فالكعبة بنيت أول ما بنيت بواسطة
آدم(عليه السلام) ثم تصدعت واندرست بمرور
الزمان ليجدد بناءَها من بعد ابراهيم(عليه
السلام) . ومهما يكن من أمر ، فان هاتين
الايتين وغيرهما تؤيد كما تؤيد الروايات ان
المسجد هو أول مكان ومركز وضع على الارض
لعبادة اللّه الواحد ، ولم يكن قبله أي معبد
آخر مخصص للدعاء والعبادة عند الموحدين .

وروى ابو ذر عن الرسول(صلى الله عليه
وآله) : « ان بناء المسجد الحرام سبق بناء
المسجد الاقصى »([21])
، وروي عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) في ذيل
الاية الاولى حينما سأله رجل : أهو أول
بيت ؟ ، فقال : لا قد كان قبله بيوت ، ولكنه أول
بيت وضع للناس مباركاً ، فيه الهدى والرحمة
والبركة([22])
.

العبادة ، الهدف الرئيسي لبناء
المساجد:

(وان المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه
أحداً)([23])
.

المراد بالدعاء في هذه الاية الكريمة
العبادة ، فقد ورد الدعاء بمعنى العبادة
أيضاً في الاية : (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم
ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم
داخرين)([24])
.

اما المراد بالمساجد في الاية ، فهناك
اختلاف بين المفسرين ; فقال بعض ان المساجد في
الاية جميع الاماكن التي يسجد فيها لِلّه ،
ومن مصاديقه المسجد الحرام وسائر المساجد([25])
. وقال بعض آخر ان المساجد هي أماكن السجود
السبعة ، مستندين على رواية من الامام النقي(عليه
السلام) في ان المقصود بالمساجد الاعضاء
السبعة للجسم التي توضع على الارض عند السجود([26])
. وقال الميبدي : ان المراد بالمساجد
الاماكن التي بنيت للصلاة والذكر . وروي عن
قتادة في تفسير هذه الاية ان اليهود والنصارى
كانوا يشركون باللّه عند دخولهم معابدهم ،
ولهذا قال تعالى للمؤمنين : (وان المساجد للّه
فلا تدعوا مع اللّه أحداً)([27])
.

يستفاد من مجموع آراء المفسرين في هذا
المجال ان المراد من المساجد هو الامكنة التي
تبنى لعبادة اللّه ، ومن مصاديقها المسجد
الحرام وغيره من المساجد ، اما التفسير الذي
يشير إلى أنها المواضع السبعة في الانسان
التي توضع على الارض عند السجود ، فربما اريد
منه التوسعة في مفهوم الاية .

ولاهمية المساجد وفضلها على بقية
الاماكن ، فقد نسبها اللّه تبارك وتعالى إليه
، ليميزها عن الامكان الاخرى ، ذلك ان اختصاص
المساجد باللّه المنزه عن الصفات الحسية
ينطوي على بعد رمزي ، واشارة إلى انها موضع
اهتمام خاص من لدنه تعالى . وعليه فان الاعمال
التي تُمارس فيها يجب ان تكون مرتبطة باللّه
تعالى ، وان لا يطرح فيها أي أمر سوى ما يتعلق
بمصالح المسلمين ، كما ان النية في تأسيسها
ينبغي ان لا تخرج عن هذا الاطار ، اي في سبيل
اللّه ، وفي سبيل إعلاء كلمة التوحيد لا غير .

التوحيد والتقوى أساسان لقيام
المساجد :

(والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً
وتفريقاً بين المؤمنين وارصاداً لمن حارب
اللّه ورسوله من قبلُ وليحلِفُنَّ إن اردنا
الاّ الحسنى واللّه يشهد إنهم لكاذبون * لا
تقم فيه أبداً لمسجد أُسس على التقوى من أول
يوم أحقُّ أن تقوم فيه فيه رجال يحبّون أن
يتطهّروا واللّه يحبّ المُطَّهرين)([28])
.

نزلت هاتان الايتان في رهط من
المنافقين اقدموا على بناء مسجد في المدينة
عرف فيما بعد بمسجد ضرار بتحريك من أبي عامر
النصراني لتحقيق اهداف مشؤومة ومخططات
شيطانية ، حيث آلمه ظهور الاسلام في المدينة
بهذه القوة والقدرة وتأسيس الدولة الاسلامية
فيها ، فاتصل بمنافقي الاوس والخزرج من أجل
توجيه الضربة للاسلام ، فلما عرف رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) بنواياه لاحقه ، إلاّ أنه فرّ
من المدينة إلى مكة فالطائف ومن ثمَّ إلى
الشام ، ليقود من هناك المنافقين في المدينة ،
فكتب اليهم : ان استعدوا بما استطعتم من قوة
وسلاح وابنوا لي مسجداً فاني ذاهب إلى
قيصر فآتي بجند الروم فأُخرج محمداً وأصحابه .
فبنوا مسجداً إلى جنب مسجد قباء ، فلما
فرغوا منه أتوا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
وهو يتجهز إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول
اللّه ! إنّا قد بنينا مسجداً لذي العلة
والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ،
وإنّا نحب ان تأتينا ، فتصلي لنا فيه ، فقال(صلى
الله عليه وآله) : « انّي على جناح سفر ، وحال
شغل ، » وقال ايضاً « ولو قد قدمنا ان شاء
اللّه لاتيناكم ، فصلينا لكم فيه ».

فلما عاد من تبوك ، أتوه ، ودعوه
للصلاة فيه ، فدعا بقميصه ليلبسه فيأتيهم ،
فنزل عليه القرآن واخبره خبر مسجد ضرار ، وما
همّوا به ، فدعا رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) ، جماعة من أصحابه وأمرهم بهدم المسجد
وحرقه ، وان يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف
والنتن والقمامة([29])
.

يفهم من هذه الايات ان مؤسسي هذا
المسجد كانوا يتوخون تحقيق اهداف مشؤومة تحت
واجهة هذا الاسم المقدس ، لكن اللّه سبحانه
وتعالى امر رسوله(صلى الله عليه وآله) بعدم
القيام في هذا المسجد الذي يراد منه تفريق
المسلمين ونشر الكفر والالحاد ، وطلب منه
القيام في المسجد الذي يؤسسس على التقوى
والهدف الالهي . ويعتقد المفسرون ان المقصود
هو مسجد قبا الذي ورد لمقارنته بمسجد ضرار([30])
، وثمة احتمال آخر مبني على بعض الروايات
الواردة عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)([31])
ان المقصود هو مسجد النبي(صلى الله عليه وآله)
، ولكن بلحاظ التعبير الوارد في الاية : «اول
يوم » فان الاحتمال الاول هو الانسب باعتبار
ان مسجد قبا هو أول مسجد اُسس بعد الهجرة
النبوية المباركة .

ثم ان القرآن الكريم يشير إلى خصيصة
اخرى لهذا المسجد : (فيه رجال يحبّون أن
يتطهروا ...) ، حيث اختلف المفسرون بالمراد من
الطهارة في الاية ; فمنهم من قال بانها
الطهارة الظاهرية ، ومنهم من اشار إلى
أنها الطهارة المعنوية([32])
. فهناك بعض الروايات التي تؤيد المفهوم الاول
، أي الطهارة الظاهرية([33])
، وبالطبع فان هذه الروايات لا تدل على انحصار
مفهوم الاية في هذا المصداق ، بل يمكن ان يكون
المعنى الطهارة من كل دنس ظاهراً كان أو
باطناً .

ومهما يكن من أمر ، فاننا نستنتج من
البحث ان المسجد يجب ان يؤسس على التقوى
والطهارة باعتباره مركزاً لتبلور العبودية
والدعاء والخضوع للّه تعالى ومحيطاً للطهارة
والقداسة ، ومحطة اشعاع للايمان والتقوى ،
وأي بناء يقام تحت اسم المسجد لتحقيق اغراض
دنيئة ، فيجب السعي لهدمه ، كما أمر رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) بهدم مسجد ضرار
واحراقه .

منع المشركين من بناء المساجد :

(ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد
اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر اولئك حبطت
أعمالهم وفي النار هم خالدون * انما يعمر
مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الاخر
واقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلاّ اللّه
فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين)([34])
.

قال بعض المفسرين في سبب نزول الاية ،
ان الاية الاولى نزلت في شأن سدنة الكعبة بني
عبد الدار الذين حاولوا البقاء في منصبهم
بالرغم من أنهم لم يؤمنوا بالدين الحق([35]) .

وقال آخرون : إنها نزلت في العباس بن
عبد المطلب قبل اسلامه حينما كان يعدد مفاخره
في عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج يوم بدر
بعد ان عاتبه المسلمون على كفره([36]) .

على أية حال ، فان الاية تبين حكماً
كلياً ، مفاده أنه لا يمكن للمشركين
المعارضين للاسلام المبادرة باعمار مساجد
اللّه ، وانما هي مسؤولية المؤمنين باللّه
ورسوله .

بالنسبة للاية الثانية ، يعتقد بعض
المفسرين ان المراد بالاعمار ليس التعمير
الحسي والظاهري فحسب ، بل تدل ايضاً على
الاعمار المعنوي بالحضور في المساجد والصلاة
فيها وممارسة الاعمال النافعة الاخرى داخلها
، كما قال الميبدي : عمارة المسجد دخوله
والقعود فيه ، وقيل : عمارته رفع بنائه واصلاح
ما استلزم منه ، وقيل : عمارته التعبد فيه
والصلاة والطواف([37])
.

وقال الزمخشري في تفسير هذه الكلمة :
والعمارة تتناول رَمّ ما استرم منها وقمّها
وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وتعظيمها
واعتيادها للعبادة والذكر ، ومن الذكر درس
العلم بل هو اجلّه واعظمه ، وصيانتها مما لم
تبن له المساجد من أحاديث الدنيا([38]) .

ثم أورد الزمخشري رواية عن رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) فيها دلالة على الاعمار
المعنوي ، جاء في جانب منها : « ان بيوتي في
الارض المساجد ، وان زواري فيها عمارها ...»([39])
. وفي رواية اخرى عن النبي(صلى الله عليه وآله)
وردت في ذيل هذه الاية فسرت العمارة بالحضور
المتتابع في المساجد : « إذا رأيتم الرجل
يعتاد على المسجد أو يتعاهد المسجد فاشهدوا
عليه بالايمان »([40])
.

إذن ، فالعمارة هنا هي بشقيها الظاهري
والباطني ، وعليه فان من يسعى إلى تأسيس
المساجد وعمارتها هم المؤمنون باللّه واليوم
الاخر والمقيمو الصلاة والمؤتو الزكاة الذين
لا يخشون إلاّ اللّه .

المسجد مركز الايمان والهداية :

(في بيوت أذن اللّه أن تُرفع ويُذكر
فيها اسمه يُسبَّح له فيها بالغدو والاصال ...)([41]).

قال الزمخشري في ذيل الاية الكريمة : «
في بيوت » يتعلق بما قبله ، أي : كمشكاة في بعض
بيوت اللّه وهي المساجد([42])
.

وقال العلامة الطباطبائي([43])
: « في بيوت » متعلق بقوله في الاية السابقة : «كمشكاة»
أو قوله : «يهدي اللّه» الخ ، والمآل واحد ،
ومن المتيقن من هذه البيوت المساجد فانها
معدة لذكر اسمه فيها ممحضة لذلك ، وقد قال
تعالى : (ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيراً)([44])
.

وورد في كشف الاسرار في ذيل هذه الاية
، ان ابن عباس قال : المساجد بيوت اللّه في
الارض وهي تضيء لاهل السماء كما تضيء النجوم
لاهل الارض([45])
.

ثم يقول الميبدي في تفسير معنى «الرفع»
في الاية : المراد من «تُرفَع» رفع الاقدار
وليس رفع الابنية ، لان من الكراهية في الشرع
رفع جدران المساجد ، وقد جاء في الخبر : «
واُمرنا أن نبني المساجد جماً » . ورفع
الاقدار هو تعظيمها ، وعدم التحدث فيها بما لا
يليق ، وذكر اسم اللّه دون غيره ، كما قال
تعالى : (ويذكر فيها اسمه ...)([46])
. اذن ، فالمساجد هي من المصاديق البارزة
للبيوت .

المسجد قاعدة ضد الظلم والاستغلال :

(ومن اظلم ممّن منع مساجد اللّه أن
يُذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ...)([47])
.

اعتبر بعض المفسرين نزول هذه الاية
مرتبطاً بحادث الحديبية ، حينما رفض المشركون
دخول النبي(صلى الله عليه وآله) وأصحابه إلى
مكة([48])
. وقال آخرون : ان الاية تشير إلى خراب بيت
المقدس (70 سنة بعد السيد المسيح) حين دخول تيطس
الروماني بيت المقدس حتى صارت المدينة تلاً
من التراب ، وهدمه هيكل سليمان(عليه السلام) ،
واحراقه ما كان عند اليهود من نسخ التوراة([49])
.

وايّاً كان ، فان ظاهر الاية لا يدل
على حادثة محددة ، ولا توجد أية قرائن لمثل
هذه الاراء ، فالاية تبين حقيقة كلية تشمل
الاحداث الماضية كخراب بيت المقدس ، والحاضرة
(زمان نزول الاية) كحدث الحديبية ، والتالية ،
كتخريب المساجد على يد الصليبيين القرامطة ،
وعليه يفهم من الاية ان أهل الشرك والنفاق
عدّوا هذه المراكز خطراً حقيقياً لانها كانت
على مر التاريخ قواعد للوحدة والعبودية
وحصوناً للجهاد ضد الفساد والطاغوت ، ولهذا
سعى اعداء اللّه دائماً وبشهادة التاريخ إلى
التقليل من شأن المساجد وتحجيم اهميتها
بمختلف المخططات والدسائس . وعلى هذا الاساس
اعتبر القرآن الكريم الدفاع عن حرمة المساجد
وقداستها احد أهم دلائل تشريع الجهاد : (ولولا
دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع
وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم اللّه كثيراً
ولينصرن اللّه من ينصره إن اللّه لقوي عزيز)([50])
.

المسجد في الحديث :

ثمة روايات كثيرة وردت عن النبي(صلى
الله عليه وآله) والائمة(عليهم السلام) في
أهمية المساجد ومكانتها الرفيعة ، ولزوم
احترامها ، واعمارها بالحضور المستمر فيها
لاداء الصلاة وطلب العلم وغير ذلك من الامور
المفيدة . نشير فيما يلي إلى بعضها :

المساجد بيوت اللّه على الارض :

روي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
ان اللّه سبحانه قال : « الا ان بيوتي في الارض
المساجد تضيء لاهل السماء كما تضيء النجوم
لاهل الارض »([51])
.

المساجد مجالس الانبياء وبيوت
المتقين :

قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : «
المساجد مجالس الانبياء »([52])
، وقال(صلى الله عليه وآله) : « المساجد بيوت
المتقين ، ومن كانت المساجد بيته ضمن اللّه له
بالروح والراحة والجواز على الصراط »([53])
، وقال(صلى الله عليه وآله) أيضاً : « خير
البقاع المساجد ([54]) .

احترام المسجد :

قال الامام الصادق(عليه السلام) ليونس
بن يعقوب : « ملعون ملعون من لم يوقر المسجد ،
أتدري يا يونس لِمَ عظّم اللّه تعالى حق
المساجد وانزل هذه الاية : (وإن المساجد للّه
فلا تدعوا مع اللّه أحدا) ؟ . كانت اليهود
والنصارى إذا دخلوا كنائسهم اشركوا باللّه
تعالى ، فأمر اللّه سبحانه نبيه أن يوحد اللّه
تعالى فيها ويعبده »([55])
. وجاء في حديث آخر للامام الصادق(عليه السلام)
: « انما أُمرنا بتعظيم المساجد لانها بيوت
اللّه في الارض »([56])
.

فضيلة بناء المسجد :

قال النبي(صلى الله عليه وآله) : « من
بنى مسجداً ولو مَفْحَص قطاة بنى اللّه له
بيتاً في الجنة »([57]).

وقال(صلى الله عليه وآله) : « من بنى
مسجداً في الدنيا اعطاه اللّه بكلّ شبر منه (أو
قال بكلّ ذراع منه ) مسيرة اربعين ألف
عام مدينة من ذهب وفضة ودر وياقوت وزمرد
وزبرجد ولؤلؤ »([58])
.

تلاوة القرآن وطلب العلم في المسجد :

ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) انه
قال : « ما جلس قوم في مسجد من مساجد اللّه
تعالى يتلون كتاب اللّه يتدارسونه بينهم إلاّ
تنزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم
اللّه فيمن عنده »([59])
.

وقال(صلى الله عليه وآله) : « انما نصبت
المساجد للقرآن »([60])
.

وورد في كتب حديث أهل السنة ان رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) قال : « من غدا او
راح الى المسجد لا يريد غيره ليعلم خيراً أو
يعلمه ثم رجع الى بيته الذي خرج منه كان
كالمجاهد في سبيل اللّه رجع غانماً »([61])
.

وروي عن أصحاب رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) انهم قالوا : « كنا في مسجد رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله)حلقاً نتحدث إذ خرج
علينا رسول اللّه من بعض حجره فنظر إلى
الحلق ثم جلس إلى أصحاب القرآن فقال : بهذا
المجلس أُمرت »([62])
.

وقيل ان النبي(صلى الله عليه وآله) خرج
من منزله يوماً ، فرأى في المسجد مجلسين ،
أحدهما يتداول أمور الدين ، والاخر منهمك في
الدعاء ، فقال : « كلا المجلسين الى خير ; اما
هؤلاء فيدعون اللّه ، واما هؤلاء فيتعلمون
ويفقهون الجاهل ، هؤلاء أفضل . بالتعليم
اُرسلت »([63])
.

فضل زيارة المساجد :

روي عن الرسول(صلى الله عليه وآله) أنه
قال : « من مشى الى مسجد من مساجد اللّه تعالى
فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع الى منزله عشر
حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات »([64])
.

وقال(صلى الله عليه وآله) : « بشر
المشّائين الى المساجد في ظُلَم الليل بنور
ساطع يوم القيامة »([65])
.

وقال الامام الصادق(عليه السلام) : « من
مشى الى المسجد لم يضع رجلاً على رطب ولا يابس
إلاّ سبحت له الارض الى الارضين السابعة »([66])

الحضور المستمر في المسجد :

عن الامام علي(عليه السلام) قال : « من
اختلف الى المساجد أصاب احدى الثمان : أخاً
مستفاداً في اللّه ، أو علماً مستطرفاً ، أو
آية محكمة ، أو يسمع كلمة تدل على هدى ، أو
رحمة منتظرة ، أو كلمة تردّه عن ردى ، أو يترك
ذنباً خشية أو حياء »([67])
.

فضل الجلوس في المسجد :

قال اميرالمؤمنين(عليه السلام) : «
الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنة ،
لان الجنة فيها رضا نفسي والجامع فيه رضا ربي
»([68])
.

وعن عثمان بن مظعون أنه قال لرسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) : اني اردت ان أترهب
.

قال : « لا تفعل يا عثمان فان ترهب امتي
القعود في المساجد انتظار الصلاة بعد الصلاة
»([69])
.

النهي عن ترك المساجد :

قال الامام علي(عليه السلام) : « لا
صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد إلاّ أن يكون
له عذر أو به علّة . فقيل : مَنْ جار المسجد يا
اميرالمؤمنين ؟ فقال : من سمع النداء »([70])
.

وروي أنه رفع إلى أميرالمؤمنين(عليه
السلام) بالكوفة ان قوماً من جيران المسجد لا
يشهدون الصلاة جماعة في المسجد ، فقال(عليه
السلام) : « ليحضرن معنا صلاتنا جماعة ، أو
ليتحولن عنا ولا يجاورونا ولا نجاورهم »([71])
.

وقال الامام الصادق(عليه السلام) : «
شكت المساجد الى اللّه تعالى الذين لا
يشهدونها من جيرانها ، فأوحى اللّه اليها :
وعزتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة ، ولا

أظهرت لهم في الناس عدالة ولا نالتهم رحمتي
ولا جاوروني في جنتي »([72])
.

عمارة المساجد ونظافتها :

من وصية رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
لابي ذر : « ... يا أبا ذر من أجاب داعي اللّه
وأحسن عمارة مساجد اللّه كان ثوابه من اللّه
الجنة . فقلت : كيف يعمر مساجد اللّه ؟ قال :
لا ترفع الاصوات فيها ، ولا يخاض فيها
بالباطل ، ولا يشترى فيها ولا يباع ، واترك
اللغو مادمت فيها »([73])
.

وروي عن النبي(صلى الله عليه وآله) في
نظافة المساجد : « من قمَّ مسجداً كتب اللّه له
عتق رقبة ومن أخرج منه ما يُقذى عيناً كتب
اللّه عزّوجل له كفلين من رحمته »([74])
.

اضاءة المساجد :

قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : «
من اسرج في مسجد من مساجد اللّه سراجاً لم تزل
الملائكة وحملة العرش يستغفرون له مادام في
ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج »([75])
.

وقال(صلى الله عليه وآله) : « من أحب أن
لا يظلم لحدُهُ فلينور المساجد »([76])
.

تعطير المساجد :

روى الامام علي(عليه السلام) عن رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) أنه قال : « جنبوا
مساجدكم مجانينكم... الى أن قال : وجمّروها في
كلّ سبعة أيام »([77])
. وورد في رواية اخرى أنه(صلى الله عليه وآله)
قال : « وجمّروها في الجمع »([78])
.

بعض الاحكام الفقهية للمسجد :

وضع الفقه الاسلامي احكاماً للمساجد
حفظاً لقداستها وحماية لحرمتها ، وقد اُدرجت
هذه الاحكام في النصوص الفقهية تحت عنوان
احكام المساجد على ثلاثة محاور : المكروهات
والمستحبات والمحرمات ، حيث تناولها الفقهاء
بالشرح والتفصيل والاستدلال ; منها ما يتعلق
بكيفية بناء المساجد ، ومنها بآداب الدخول
اليها ، وبعضها الاخر حول ما ينبغي اجتنابه
فيها .

وإذ يتطلب ذكر جميع الاحكام المتعلقة
بالمساجد بحثاً مطولاً وشرحاً مسهباً ودراسة
فقهية مستفيضة ، فاننا نقتصر في بحثنا هذا على
بعض الجوانب ، وتناول الموضوع باختصار .

آداب الدخول الى المسجد :

يلزم المرء حينما ينوي الذهاب إلى
المسجد والحضور في بيت اللّه ان يسعى ما أمكنه
إلى ان يعرف آداب الحضور ، لان العمل
بالقيم والاداب مع المعرفة تقرب العبد إلى
اللّه تعالى اكثر مما لو كان عملاً دون معرفة .

فقد روي عن الامام الصادق(عليه السلام)
أنه قال : « إذا بلغت باب المسجد فاعلم انك
قصدت باب بيت ملك عظيم لا يطأ بساطه إلاّ
المطهرون ، ولا يؤذن بمجالسة مجلسه إلاّ
الصديقون ، وهب القدوم الى بساط خدمة الملك
فانك على خطر عظيم ان غفلت هيبة الملك ، واعلم
أنه قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك
، فان عطف عليك برحمته وفضله قبل منك يسير
الطاعة ، وآجرك عليها ثوباً كثيراً ، وان
طالبك باستحقاقه الصدق والاخلاص عدلاً بك ،
حجبك ورد طاعتك وان كثرت ، وهو فعال لما يريد .

واعترف بعجزك وتقصيرك وفقرك بين يديه
، فانك قد توجهت للعبادة له ، والمؤانسة ،
واعرض اسرارك عليه ، ولتعلم أنه لا تخفى عليه
اسرار الخلائق اجمعين وعلانيتهم ، وكن كأفقر
عباده بين يديه ، وأخلِ قلبك عن كلّ شاغل
يحجبك عن ربك فانه لا يقبل إلاّ الاطهر
والاخلص .

وانظر من أي ديوان يخرج اسمك ، فان ذقت
من حلاوة مناجاته ولذيذ مخاطباته وشربت بكأس
رحمته وكراماته من حسن اقباله عليك واجابته ،
فقد صلحت لخدمته ، فادخل ، فلك الامن والامان
...»([79])
.

اذن ، يفترض بالانسان ان يسعى إلى
تحصيل الاداب الباطنية ما استطاع إلى ذلك
سبيلا ، ليتوفر على استعداد الحضور في هذا
المكان المقدس . فضلاً عن ذلك يتعين على المرء
ان يجد ويجتهد في مراعاة الاداب الظاهرية
للمسجد ومنها :

1 ـ الوضوء :

قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
قال اللّه تعالى : « ألا ان بيوتي في الارض
المساجد ... الا طوبى لعبد توضأ في بيته ثم
زارني في بيتي ، ألا ان على المزور كرامة
الزائر »([80])
.

وورد في الحديث : « لا تدخل المساجد
إلاّ بالطهارة »([81])
.

2 ـ اللباس :

روي عن الامام الصادق(عليه السلام) في
تفسير الاية الكريمة : (خذوا زينتكم عند كلّ
مسجد) أنه قال : : « اي خذوا ثيابكم التي
تزّينون بها للصلاة في الجمعات والاعياد »([82])
.

وروي ان علي بن الحسين(عليه السلام)
استقبله مولى له في ليلة باردة وعليه جبّة خز
ومطرف خز وعمامة خز وهو متغلف بالغالية ، فقال
له : جعلت فداك في مثل هذه الساعة على هذه
الهيئة . إلى اين ؟

فقال : « الى مسجد جدي رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) »([83])
.

3 ـ الدخول :

قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : «
تعاهدوا نعالكم عند ابواب مسجدكم »([84])
.

وقال الامام الصادق(عليه السلام) : «
اذا دخلت المسجد فادخل رجلك اليمنى وصلّ على
النبي وآله »([85])
.

4 ـ الدعاء:

روي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
أنه طلب قراءة الدعاء التالي عند دخول المسجد
: « بسم اللّه وعلى اللّه توكلت ولا حول
ولا قوة إلاّ باللّه »([86])
.

وقالت فاطمة الزهراء(عليها السلام) ان
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) كان يقرأ
الدعاء التالي عند دخول المسجد : « اللّهم
اغفر لي ذنوبي وافتح لي ابواب رحمتك »([87])
.

5 ـ صلاة التحية :

من آداب المسجد الاخرى اقامة صلاة
التحية ، فقد روي عن أبي ذر ، عن النبي(صلى
الله عليه وآله)أنه قال : « يا أبا ذر ! ان
للمسجد تحية ... ركعتان تركعهما »([88])
.

محظورات المسجد :

ثمة امور ينبغي اجتنابها في المسجد
باعتباره بيت اللّه ، وهي اما ان تحمل حكم
الحرمة أو الكراهة ، وفيما يلي نتطرق إلى
أهم الاحكام الواردة في هذا الباب بمحوريه
المحرم والمكروه :

1 ـ ادخال النجاسة الى المسجد :

اجمع الفقهاء على حرمة ادخال الاشياء
النجسة إلى المسجد لو ادى الامر إلى هتك
حرمته ، كما استُدل على ذلك بالاية الكريمة : (انما
المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام)([89])
، حيث يفهم من الاية أنه من غير الجائز السماح
للكفار والمشركين بدخول المساجد . كما ان من
المحرم تنجيس أرض المسجد وسقفه وجدرانه
وأثاثه ، وفي حال تنجسها ينبغي تطهيرها فوراً([90]) ، استدلالاً
بالاية الكريمة([91])
: « وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل أن طهّرا
بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود »([92])
.

ويحرم أيضاً لبث الجنب والحائض في
المسجد ، استناداً إلى الاية التالية
والرواية التي وردت في ذيلها : (يا أيها الذين
آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى
تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلاّ عابري سبيل
حتى تغتسلوا ...)([93])
يقول جميل : سألت أبا عبداللّه(عليه السلام) عن
الجنب يجلس في المسجد ، فقال : « لا ، ولكن يمر
فيها كلها إلاّ المسجد الحرام ومسجد رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) »([94])
.

2 ـ تزيين المساجد بالذهب ونقشها
بالصور :

قال العلامة الحلي في سبب حرمة تذهيب
المساجد : لانّ ذلك لم يفعل في زمن النبي(صلى
الله عليه وآله) ولا في زمن الصحابة فيكون
إحداثه بدعة([95])
.

كما وردت روايات بطرق العامة بهذا
الشأن ، استدل بها بعض الفقهاء على الحرمة([96]) . وقد حرّم
معظم الفقهاء الصور في المساجد ، فقال المحقق
الحلي : ويحرم زخرفتها ونقشها بالصور([97])
. وقال الشهيد الثاني : ولا ريب في تحريم تصوير
ذي الروح في غير المساجد ففيها أولى([98])
.

وقد احتاط بعض الفقهاء في نقش المساجد
بصور الاحياء ، حيث جاء في العروة الوثقى : بل
الاحوط ترك نقشه بالصور([99])
.

وهناك أحكام اخرى وردت في النصوص
الفقهية تحت عنوان محرمات المساجد ، نُعرض عن
ذكرها تجنباً للاطالة .

3 ـ البيع والشراء :

من الامور التي ينبغي اجتناب ممارستها
في المساجد البيع والشراء ، فقد روى الامام
علي(عليه السلام) عن رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) : « جنّبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم »
إلى ان قال : « وبيعكم وشراءكم ... »([100])
.

وقال الامام الصادق(عليه السلام) : «
جنّبوا مساجدكم الشراء والبيع ... »([101])

كما نصّت كتب الفقه على كراهة هذا
الامر ، فقد قال العلامة الحلي : « فمحل البيع
والشراء وسائر المعاملات الاسواق لا المساجد
لانها بنيت للعبادة لا غير »([102])
.

4 ـ انشاد الشعر :

من مكروهات المسجد أيضاً ، انشاد
الشعر فيه ، فقد قال رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) : « من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد
فقولوا فضّ اللّه فاك . انما نُصبت المساجد
للقرآن »([103])
.

وبطبيعة الحال ، فان الكراهة لا تشمل
انشاد الاشعار المفيدة في باب الموعظة
والحكمة والنصيحة وامثال ذلك ، فقد نقل
الشهيد الثاني عن الشهيد الاول قوله : وليس
ببعيد حمل اباحة انشاد الشعر على ما يَقلّ
منهُ وتكثر منفعته ; كبيت حكمة أو
شاهد على لغة في كتاب اللّه تعالى وسنة نبيه(صلى
الله عليه وآله)وشبهة ، لانه من المعلوم ان
النبي(صلى الله عليه وآله) كان يُنشد بين يديه
البيت والابيات من الشعر في المسجد ولم ينكر
ذلك([104])
.

5 ـ حديث الدنيا :

قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : «
يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد
فيقعدون حلقاً ذكرهم للدنيا وحبّ الدنيا لا
تُجالسوهم فليس للّه فيهم حاجة »([105])
.

وجاء في رواية اخرى : « الحديث للبغي في
المسجد يأكل الحسنات كما يأكل البهيمة الحشيش
»([106])
.

وذكرت النصوص الفقهية كراهة مثل هذا
العمل ، فقد ذكر صاحب العروة : ويكره التكلم
بأمور الدنيا([107])
.

6 ـ رفع الصوت :

اجمع الفقهاء على كراهة رفع الصوت في
المساجد ، قال صاحب العروة في ذلك : ويكره رفع
الصوت إلاّ في الاذان ونحوه([108])
.

وقد استدل على هذا الامر ببعض
الروايات ، منها ماورد عن أبي ذر أنه سأل رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) عن كيفية اعمار
المساجد ، فقال(صلى الله عليه وآله) : « لا ترفع
فيها الاصوات ولا يُخاض فيها بالباطل ...»([109])
.

7 ـ تلويث المسجد بالبصاق والنخامة :

قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : «
من وقر المسجد من نُخامة لقي اللّه تعالى يوم
القيامة ضاحكاً قد اُعطي كتابه بيمينه »([110])
.

8 ـ النوم في المسجد :

قال معظم الفقهاء بكراهة النوم في
المسجد ، لانه يتنافى مع وجوب تعظيم المساجد
الامر الذي اشارت اليه الروايات ، ويؤدي إلى
هتك حرمة المسجد . قال النبي(صلى الله عليه
وآله) : « من نام في المسجد بغير عذر ابتلاه
اللّه بلاءً لا زوال له »([111])
.

وروي عن الامام الصادق(عليه السلام) في
تفسير الاية : (لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى
...) ، ان المراد من السكر النوم([112])
.

وبما ان المراد بالصلاة في هذه الاية
المسجد([113])
حسب مفاد الروايات وقول اكثر المفسرين ،
فيُستنبط من الاية أنه نُهي عن النوم في
المسجد .


([1])
فخر الدين الطريحي ، مجمع البحرين 3 : 65 ،
تحقيق السيد أحمد الحسيني ، المكتبة الرضوية
، طهران ، 1386 هـ.ق.

([2])
سعيد الخوزي الشرتوني، اقرب الموارد في فصح
العربية والشوارد:495. المكتبة الحجازية
،بيروت.

([3])
محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس (من جواهر
القاموس) 2 : 371، منشورات دار مكتبة الحياة ،
لبنان .

([4])
المصدر نفسه .

([5])
الراغب الاصفهاني ،

مفردات الفاظ القرآن :271،

تحقيق نديم مرعشلي،

دار الكتب العلمية .

([6])
محمد بن عبدالله الزركشي، اعلام الساجد
باحكام المساجد:28 ، تحقيق ابو الوفاء مصطفى
المراغي ، دار الكتب المصرية ، القاهرة ، 1403
هـ . ق .

([7])
الكهف : 21 .

([8])
الاسراء : 1 .

([9])
محمد حسن النجفي،

جواهر الكلام 14:61.

دار الكتب الاسلامية

طهران ،1392هـ.ق.

([10])
عبدالرحمن السيوطي ، حسن المحاضرة في اخبار
مصر والقاهرة 2 : 149 ، مطبعة الموسوعات ، مصر.

([11])
حسن عبدالوهاب، تاريخ

المساجد الاثرية : 8، دار

الكتب المصرية،القاهرة.

([12])
البقرة : 145 ، 150 ، 151 ، 191 ، 196 ، 217 ; المائدة :2;
الاعراف :29 ـ 31 ; الانفال : 34 ; التوبة : 7 ;
الاسراء : 1 ; الكهف : 21 ; الحج : 25 ; العنكبوت : 7 ;
الفتح : 25 ، 27 .


([13]) البقرة: 114 ، 187 ;

التوبة : 17 ـ 18 ;

الحج :40 ; الجن :18.

([14])
آل عمران : 96 .

([15])
البقرة : 120.

([16])تفسير
الرازي1:311،

تصحيح وحواشى مهدي الهي قمشه اى،انتشارات

علمي، طهران ، 1325

([17])
المصدر نفسه .

([18])
ابراهيم : 37 .

([19])
البقرة : 127 .

([20])
نهج البلاغة 794 .

الخطبة القاصعة.

([21])
الطبرسي، مجمع البيان

في تفسير القرآن:204،

انتشارات اسلامية، طهران،

1390 هـ.ق.

([22])
السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في

تفسير القرآن3:582،طهران.

([23])
الجن : 18 .

([24])
المؤمن : 60.

([25])
الميزان 20 : 206 .

([26])
المصدر نفسه .

([27])
رشيد الدين الميبدي، كشف الاسرار وعدة
الابرار 10 : 256، باهتمام علي اصغر حكمت ،
طهران ، 1339.

([28])
التوبة : 107 ـ 108 .

([29])
علي الواحدي النيشابوري، اسباب النزول : 175 ـ
176، انتشارات بنياد علوم اسلامي، طهران; ابن
هشام، السيرة النبوية 1 : 530، مصر ، 1355 هـ.ق .
الواقدي المغازي 3 : 790 ـ 797، انتشارات
دانشگاهها ، طهران ، 1366 هـ.ش.

([30])
الميزان 9 : 622 .

([31])
تفسيرالرازي 5:253.

([32])
مجمع البيان : 5 : 73 .

([33])
الميزان 9 : 622 .

([34])
التوبة : 17 ـ 18.

([35])
كشف الاسرار 4 : 102 .

([36])
تفسيرالرازي 5:140.

([37])
كشف الاسرار 4 : 103 .

([38])الزمخشري،الكشاف6:

179،دار المعرفة بيروت.

([39])
الكشاف 2 : 179 .

([40])
محمد رشيد رضا،المنار

1:214، دار المعرفة بيروت.

([41])
النور : 36 .

([42])
الكشاف 3 : 68 .

([43])
الميزان 15 : 178 .

([44])
الحج : 41 .

([45])
كشف الاسرار 6 : 536 .

([46])
المصدر نفسه 6 : 537 .

([47])
البقرة : 114 .

([48])
المنار 1 : 431 .

([49])
المصدر نفسه .

([50])
الحج : 40 .

([51])
الميرزا حسين النوري الطبرسي، مستدرك
الوسائل 3 : 313، تحقيق مؤسسة آل البيت لاحياء
التراث ، مطبعة سعيد ، مشهد ، 1407 هـ.ق.

([52])
المصدر نفسه : 359 .

([53])
المصدر نفسه 359.

([54])
المصدر نفسه : 554 .

([55])
اسماعيل المعزّيّ، جامع

الاحاديث 4 : 452،مطبعة

مهر ، قم .

([56])
الحر العاملي، وسائل الشيعة3:556،

دار احياء التراث

العربي، بيروت.

([57])
مستدرك الوسائل 3:366.

([58])
جواهر الكلام 14 : 73 .

([59])
مستدرك الوسائل 3:363.

([60])
جواهر الكلام 14 : 112.

([61])
مالك بن انس ، الموطأ:56 ، تعليق وتحقيق
عبداللطيف ، لجنة احياء التراث الاسلامي ،
مصر ، 1387 هـ.ق.

([62])
الكاندهلوي ، حياة

الصحابة 3 : 106، دار القلم،

بيروت 1968.

([63])
زين الدين العاملي، منية المريد :26، اعداد
السيد أحمد الحسيني ، مجمع الذخائر
الاسلامية ، مطبعة الخيام ، رقم ، 1402 هـ.ق.

([64])
يوسف البحراني، الحدائق الناظرة في أحكام
العترة الطاهرة 7 : 264، دار الكتب الاسلامية ،
النجف ، 1379 هـ.ق.

([65])
مستدرك الوسائل 3:364.

([66])
وسائل الشيعة 3 : 480 .

([67])
المصدر نفسه:480.

([68])
المصدر نفسه : 482.

([69])
المصدر نفسه : 85 .

([70])
مستدرك الوسائل 3:356.

([71])
وسائل الشيعة 3 : 479 .

([72])
جواهر الكلام 14 : 138 .

([73])
وسائل الشيعة 3 : 507 .

([74])
المصدر نفسه 3 : 115 .

([75])
جواهر الكلام 14 : 88 .

([76])
مستدرك الوسائل 3:386.

([77])
المصدر نفسه .

([78])
السيد محمد مهدي الكاظمي، تحفة الساجد في
أحكام المساجد :50، بغداد ،

1376 هـ . ق .

([79])
المجلسي ،بحار الانوار

82 : 374، مؤسسة الوفاء

بيروت 1403 هـ.ق .

([80])
مستدرك الوسائل

3 : 352 .

([81])
المصدر نفسه : 380.

([82])
وسائل الشيعة 3 : 333 .

([83])
المصدر نفسه :503.

([84])
المصدر نفسه : 505.

([85])
مستدرك الوسائل 3:392.

([86])
المصدر نفسه : 393.

([87])
وسائل الشيعة 3 : 518 .

([88])
المصدرنفسه .

([89])
تحفة الساجد في احكام

المساجد : 68 .

([90])
السيد محمد كاظم الطباطبائي، العروة الوثقى
: 212 ، تعليق الامام

الخميني(قدس سره) ، مكتبة الوجداني،

قم، 1400 هـ.ق.

([91])
تحفة الساجد في أحكام

المساجد : 68 .

([92])
البقرة : 125 .

([93])
محمود شهابي، ادوار فقه (ادوار الفقه) 1 : 61،
وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي ، طهران ،
1368 هـ.ش.

([94])
وسائل الشيعة 1 :الباب 1 ، ح 2 .

([95])
تحفة الساجد في

أحكام المساجد: 87 .

([96])
جواهر الكلام 14 : 89 .

([97])
المحقق الحلي، شرائع الاسلام 1 : 117، تحقيق
عبدالحسين محمد علي بقال ، انتشارات
اسماعيليان ، قم 1409 هـ.ق.

([98])
زين الدين العاملي ،

الروضة البهية في شرح

اللمعة الدمشقية 1 : 554،

جامعة النجف الدينية،

1398 هـ.ق.

([99])
العروة الوثقى : 212 .

([100])
مستدرك الوسائل

3 : 381 .

([101])
وسائل الشيعة 3 : 507 .

([102])
تحفة الساجد في احكام المساجد : 117، نقلاً عن

المنتهى : 388 .

([103])
المصدرنفسه : 141 .

([104])
الروضة البهية 1 : 548 .

([105])
مستدرك الوسائل 3:371.

([106])
تحفة الساجد في احكام

المساجد : 177 .

([107])
العروة الوثقى : 213 .

([108])
المصدرنفسه .

([109])
بحار الانوار 3 : 37 .

([110])
مستدرك الوسائل 3:375.

([111])
المصدر نفسه 3:372.

([112])
مستدرك الوسائل:158.

([113])
المصدر نفسه : 159 .


/ 1