من فقه مدرسة أهل البیت (ع) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

من فقه مدرسة أهل البیت (ع) - نسخه متنی

حسن محمدتقی الجواهری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

من فقه مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)

* الشـيخ حسـن الجـواهـري

الاستتآم والاستنساخ

إن الثورة العلمية المعاصرة قد أتحفت
البشر بما ليس في الحسبان في عالم النبات
والحيوان ، وستفضي في المستقبل القريب أو
البعيد بما تحمله من تقنية عالية إلى ثورة في
المعرفة تقلب الموازين خصوصاً في عالم
التكاثر البشري ، فالعلم والعقل لابدّ لهما
من انطلاق ، ولا يجوز أن يحجر على العقل في
التفكير وعلى العلم في المواصلة والارتقاء
وتقصي الاحتمالات للتوصل إلى الممكن .

ولكن لابدّ من أن يحكم العلم نظام
ويهيمن عليه دستور ليكون في صالح البشرية لا
في ضررها وفنائها ، ولهذا احتجنا إلى الفقه أو
القانون لاجل أن يصرّح بكلمته تجاه هذه
الثورة المعاصرة التي لابدّ لها من الاستمرار
لصالح المجتمع ، فإن الدين قادر على مواجهة
ومسايرة الحياة وانضباطها بالشكل الصالح
للمجتمع .

ومن الطبيعي أن يعتمد الفقه أو
القانون على اهل التخصص بالعلوم الطبيعية في
تشخيص الموضوع الموجود أو الذي يفترض أن يحدث
، لان الحكم على شيء فرع تصوره .

وهذا الذي ذكرنا هو الطريق الاصلح
للعلم الذي لابدّ ألاّ يترك وحده يمتطي
طغيانه في عالم البشرية الكبير ، ولهذا
سنعتمد على اهل التخصص في تصوير الموضوع الذي
حدث أو الذي يترقب أن يحدث ، ثم نعرضه أمام
الفقه ليقول كلمته من القرآن والسنة أو قواعد
الشريعة المستلهمة منهما .

توطئة : إن عملية التكاثر في الكائنات
الحيّة (بدءاً بالاوليات ونهايةً بالانسان)
تقسم إلى :

أ ـ التكاثر بالانقسام الثنائي ، وهو
يحصل في الاولويات ذات الخلية الواحدة مثل
الاميبا والبكتريا ، وفي بعض النباتات
كالصفصاف والتين والتوت ، حيث نتمكن أن نأخذ
جزءاً منها لنزرعه فنحصل على نبات كامل ،
ويسمى هذا التكاثر بالتكاثر اللاتزاوجي .

ب ـ التكاثر الجنسي ، ويحدث هذا في
النبات والحيوان والانسان ، ولابدَّ فيه من
لقاح يتم بين الذكر والانثى .

وعلى ما تقدم نفهم أن التكاثر
اللاجنسي (اللاتزاوجي) كان موجوداً في
الاوليات ذات الخلية الواحدة وبعض النباتات ،
ولكن هناك فكرة بدأت بدافع التمييز البشري في
المانيا في العقد الثالث من هذا القرن (العشرين)
، يوم قرر الحزب النازي بقيادة هتلر خلق عرق
متميز ، ولكن التقنية المتوافرة آنذاك قد
خذلته .

ثم جاءت نقطة التحول عام (1960م) يوم
استطاع العلماء استنساخ النباتات .

ثم في عام (1993م) حيث تمكن چيري هال
وروبرت ستلمان العالمان الاميركيان من انجاز
علمي كبير ، كشفا عنه خلال اجتماع جمعية
الخصوبة الاميركية بمدينة مونتريال بكندا في
اكتوبر ، وهذا الحدث قد تناول جنين الانسان
رأساً ، وقد حصل هذا الانجاز العلمي على جائزة
أهم بحث في المؤتمر ، ثم اعقبه زوبعة من
الاعتراضات .

وهذا الانجاز العلمي يطلق عليه اسم
الاستتآم ; لانه يحاول ايجاد التوائم البشرية
بطريقة علمية سيأتي شرحها .

ثم في عام (1995م) تمكن علماء يابانيون من
دمج خلية جنينية (بيضة) مع خلية جسدية عن طريق
تيار كهربائي ، ليحصلوا أول مرة في تاريخ
الانسان على نسل لم يتم بالمعاشرة الجنسية (أي
طريق تلقيح البويضة بالحيوانات المنوية) .

والخلاصة أنه في العشرة الاخيرة من
القرن العشرين شهد العالم حدثين مهمين :

الاول : ما حدث سنة (1993م) على يد
العالمين الاميركيين وهو الاستتآم.

والثاني : ما حصل سنة (1997م) من استنساخ
النعجة دولي على يد البروفسور آيان ويلموت
العالم الاسكتلندي مع خبراء من معهد روزلين
في مدينة أدنبره البريطانية ، وهذا يعتبر
تعميقاً لما عمله العلماء اليابانيون من دمج
خلية جنينية مع خلية جسدية عن طريق التيار
الكهربائي .

والان نشرح كلا الحدثين المهمين مع
رأي الفقه الاسلامي فيهما .

الاول : الاستتآم(

[1])
:

قبل البدء في بيان طريقة الاستتآم
يحسن بنا أن نبيّن الولادة التي تتم عن طريق
الخلايا الجنسية فنقول : الخلايا الجنسية هي
المنويات التي تفرزها الخصية ، والبيضات هي
التي يفرزها المبيض ، وهذه الخلايا الجنسية
تختلف عن بقية خلايا الجسم ، وتوضيح ذلك أن
خلايا الجسم غير الجنسية ، كخلايا الامعاء
والجلد والعظم وغيرها ، تشتمل على نواة في
داخل خلية هي سرّ النشاط الحيوي فيها ، ويحيط
بالنواة غشاء نووي ، وتحتوي النواة بداخلها
على شبكة مكونة من ستة وأربعين شريطاً تسمى
بالاجسام الصبغية (الكروموسومات) ، أما باقي
مساحة الخلية فيما بين النواة وبين جدار
الخلية فمليء بسائل يعرف بالسائل الخلوي أو «السيتوبلازم»
.

والاجسام الصبغية (الكروموسومات)
الستة والاربعون هي حوامل الصفات الوراثية،
وتسمى الجينات ، وهي التي تقرر الصفات
الوراثية للفرد.

وتتكاثر الخلية بالانقسام الذي
بموجبه ينشقّ كل شريط من هذه الاجسام طولياً
إلى نصفين ، يتمم كل منهما نفسه إلى شريط كامل
بالتقاط المواد اللازمة من السائل المحيط به
، وهكذا تتكوّن شبكتان صبغيتان تغلِّف كل
منهما نفسها بغلاف نووي لتصبح هناك نواتان
تقتسمان السائل الخلوي ، ويحيط بكل منهما
غشاء خلوي ، وتصبح الخلية خليتين وهكذا
أجيالاً بعد أجيال من الخلايا المتماثلة ،
فالخلية الجلدية مثلاً تنجب اجيالاً من
الخلايا الجلدية ، وخلية الكبد تعطي أجيالاً
من خلايا الكبد وهكذا .

أما الخلية الجنسية فلها خاصيتها التي
ليست لغيرها ; وذلك لانها في انقسامها الاخير
الذي تتهيأ به للقدرة على الاخصاب لا ينشطر
الشريط الكروموسومي إلى نصفين يكمّل كل منهما
نفسه ، بل تبقى الاجسام الصبغية سليمة ، ويذهب
نصفها ليكون نواة خلية والنصف الاخر ليكون
نواة خلية اخرى ، وحينئذ تكون نواة الخلية
الجديدة مشتملة على ثلاثة وعشرين من الاجسام
الصبغية لا على ثلاثة وعشرين زوجاً ، ولهذا
يسمى هذا الانقسام بالانقسام الاختزالي ،
فكأن النواة فيما يختص بالحصيلة الارثية نصف
نواة([2])
.

والقصد من ذلك أنه إذا أخصب منوي ناضج
بيضة ناضجة باختراق جدارها السميك ، تحوّلت
نواتاهما إلى نواة واحدة ذات ثلاثة وعشرين
زوجاً لا فرداً ، أي صارت النواة مشتملة على
(46) من الاجسام الصبغية كما في سائر خلايا جسم
الانسان ، فكأن المني مع البويضة نصفان
التحما إلى خلية واحدة هي البيضة الملقحة ،
وهي أول مراحل الجنين .

وهناك خصيصة للبيضة الملقحة تنفرد بها
دون سائر خلايا الجسم ، وسرّ هذه الخصيصة
مركوز في السائل الخلوي السيتوبلازم الذي
يحيط بالنواة ، إذ بينما تتكاثر خلايا الجسم
إلى أجيال لا نهاية لها من الخلايا المتماثلة
، تشرع البيضة الملقحة في الانقسام إلى خلايا
متماثلة لعدد محدود من الاجيال ، فما تكاد
تفضي إلى كتلة من اثنين وثلاثين خليّة([3])
حتى تتفرع خلايا الاجيال التالية إلى اتجاهات
وتخصصات شتى ذات وظائف متباينة ، وتتخلق إلى
خلايا الجلد والاعصاب والامعاء وغيرها ، أي
تنحو إلى تكوين جنين ذي أنسجة واعضاء مختلفة
ومتباينة ، رغم أنها لازالت تشبه خلايا الام
التي ينشق الشريط الكروموسومي فيها إلى نصفين
يكمل كل منهما نفسه ، ولكن طوائف من الجينات
تنطفيء ، فتبقى موجودة لكنّها غير فعالة في
تمايز يتيح لكل مجموعة من الخلايا أن تفضي إلى
نسيج أو عضو من أنسجة الجسم واعضائه المتعددة
. هذا كله هو الطريق المألوف للولادة الذي يتم
عن طريق التلاقح الجنسي .

أما الاستتآم فهو انجاز علمي كشف عنه
العالمان چيري هال وروبرت ستلمان خلال اجتماع
جمعية الخصوبة الاميركية بمدينة منتريال
بكندا في اكتوبر عام (1993م) ، تناول جنين
الانسان رأساً ، وحصل هذا الانجاز العلمي على
جائزة أهم بحث في المؤتمر .

وخلاصة هذا الانجاز العلمي هو أن
البيضة الناضجة التي تحتوي على (23) كروموسوماً
إذا اخترق جدارها السميك منوي ناضج يحتوي على
(23) كروموسوماً ، تلتحم النواتان في نواة تحمل
الكروموسومات الستة والاربعين (23 زوجاً) وهي
صفة خلايا الانسان .

ثم يحدث انقسام النواة إلى جيل بكر من
خليتين ، والى جيل حفيد من أربع خلايا ،
واجيال تالية من ثمان ، ثم أجيال من ست عشرة ،
ثم اجيال من اثنين وثلاثين ، ثم يحدث الشروع
في التخصص لتكوين أنسجة واعضاء .

وبما أن الانقسام الاول للخليّة الام
إلى خليتين يحتوي على تمزّق الجدار الخلوي
السميك ، فيكون عندنا خلية أمّ أصلية واحدة
يتم انقسامها لتكوين جنين واحد ، فقد كشف
العلماء أن الانقسام الاول إذا لم يمزّق
الجدار السميك فإن كلاًّ من الخليتين
الناتجتين عن الانقسام الاول تعتبر نفسها
أمّاً أصلية من جديد ، وتشرع في الانقسام
لتكوين جنين وحدها ، وهذا ما يحدث في الطبيعة
في حالات التوائم المتشابهة (أي التي تنتمي
إلى خلية أُم واحدة).

وقد استطاع العلماء أن يركّبوا من بعض
الحشائش البحرية مادة صناعية تؤدي وظيفة هذا
الجدار الخلوي السميك فيما إذا تمزّق بعد
الانقسام الاول ، فإذا كُسيت به كل خلية من
خلايا الجيل الاول (الاثنتين) أو الثاني (الاربع)
أو حتى الثالث (الثماني) ، فإنها تعتبر نفسها
خليّةً أُمّاً من جديد ، وتشرع في النمو إلى
جنين ، وحينئذ تكون تلك التوائم متطابقة في
مادتها الوراثية ، فهي كالنُسخ المتشابهة
تماماً .

وبهذه الطريقة استطاع العالمان هال
وستلمان أن يفصلا خلايا الاجيال الاولى
ويكسواها بالجدار الخلوي الاصطناعي ، فحصلا
من سبعة عشر جنيناً باكراً على ثمانية
واربعين جنيناً كل منها نسخة من الخلية الاُم
(بواقع ثلاثة لكل جنين أصيل في المتوسط) ،
ولكنّ العالمين لم يحاولا زرع تلك الاجنّة في
أرحام النساء ، فحسبهما أنهما أثبتا نجاح
التجربة وهي الاستتآم وسلامة المنهاج([4])
. والرسم التوضيحي في الصفحة التالية يبين ذلك
.

وحينئذ نقول : قد يتمكن العلم من زرع
هذه التوائم المتشابهة المنتسبة أصلاً إلى
بيضة واحدة ملقحة في ارحام النساء ، وقد تنجح
هذه العملية بإيجاد (8) أفراد أو (16) فرداً أو (32)
فرداً توأماً ، وعلى رأي آخر (128) توأماً ، فإن
هذا عبارة عن استنساخ الاجنّة البشرية كما
عُبّر عنه ، وصحبته ضجة في الصحف وغيرها نعرض
عنها الان .

وجهة نظر العالمين :

قالا إنهما قصدا به تحديداً فائدتين :

الاولى : أن يكون اسهاماً في علاج
حالات العقم التي تحتاج إلى تقنية أطفال
الانابيب ، والمتّبع في مسألة أطفال الانابيب
أن تعطى المرأة دواءً منشِّطاً للاباضة ، ثم
تسحب من مبيضها البيضات الناضجة من خلال

منظار يخترق جدار البطن وإبرة تلتقط
البيضات ، ثم يضاف إليها المني بغية تلقيح عدد
منها ، ثم تودع البيضات الملقحة رحم المرأة
لتنغرس فتنمو إلى جنين . ووجد أن أنسب عدد يودع
الرحم هو ثلاث أو أربع بيضات ، إن انغرست منها
واحدة فخير ، وإن انغرس اكثر من واحدة فزيادة
خير .

ولكن هناك نساء تعاني مبايضهن نوعاً
من الفقر البُييضي ، فلا تنتج إلاّ بيضة ملقحة
واحدة ، وهذا يهبط بفرصة الحمل هبوطاً كبيراً
، وحينئذ يكون من الافضل أن نفصل بيضها في
بواكير انقسامها إلى جنينين لا واحد وهو
الاستتآم ، ونفصل كلاً منهما إلى اثنين ،
وهكذا حتى نوفر عدداً كافياً من الاجنّة يودع
في رحم المرأة منها اربعة ويحفظ مازاد من
الاجنّة (أي النسخ) في التبريد العميق ، ليكون
رصيداً احتياطياً يستعمل في مرة قادمة (أو
مرات) إذا لم تسفر الزرعة الاولى عن حمل .

الثانية : والفائدة الثانية تكمن في
مجال تشخيص المرض الجنيني المحتمل قبل أن
يودع الجنين الباكر المكوّن من عدد صغير من
الخلايا إلى الرحم لينغرس ، فقد جرى الامر على
فصل خلية من هذا الجنين لاجراء التشخيص عليها
، فإن كان الجنين معافىُ غُرس وإلاّ أُهمل .
ولكن اخذ خلية من جنين باكر ذي عدد محدود من
الخلايا فيه خطر على الجنين ، بينما إذا فصلنا
هذا الجنين إلى توأمين بطريقة الاستتآم هذه ،
فإننا نستعمل واحداً للتشخيص والاخر للزرع
كاملاً غير منقوص .

هذا ما قاله العالمان عن الاستتآم .

الاشكال على ما قاله العالمان :

يرتكز على علاج العقم ، فإن الطريقة
التي وصل إليها العالمان تفضي إلى وجود أجنّة
فائضة ليس امامها إلاّ طريقين :

الاول : الموت فيما إذا غرست الاجنّة
الاولى ونمت .

الثاني : زرعها في أرحام نساء أخريات .

أما الطريق الاول فينتج عنه أن تُسلم
الحياة إلى الموت ، وأما الطريق الثاني
فمعناه أن امرأة ما ستحمل جنيناً غريباً ليس
من زوجها ولا منها ، وليس هو في نطاق عقد زواج .

واذا علمنا أن بالامكان حفظ الاجنّة
الفائضة في التبريد آماداً طويلة ، فربما
تشترى هذه الاجنّة التي رؤيت توائمها
مستقبلاً بالاطلاع على صور النسخ الاصل التي
تكبرها بسنوات .

فوائد الاستتآم :

وقد ذكر للاستتآم فوائد هي :

1 ـ إن من فوائد الاستتآم وحفظ الاجنّة
هو أن الام إذا حملت بطفل واختزنت منه نسخة
تحفظ بالتبريد ، فإن هذه النسخة قد تدعو
الحاجة إليها إن مات الطفل واراد والداه أن
يعوّضاه بطفل مماثل له تماماً ، فإن الجنين
سوف يوضع في رحم أمّه بعد اخراجه من التبريد
فينمو .

2 ـ وقد يحتاج الطفل الذي حُفظ توأمُه
في المستقبل إلى زرع عضو أو نسيج وتعوق ذلك
مشكلة المناعة إن عزّ العثور على الزرعة
الموائمة ، فحينئذ تزرع النسخة التوأم
الاحتياطية وتنمو ليؤخذ منها العضو أو النسيج
المطلوب ، ومن المؤكد ، للتطابق بينهما ، أن
الزرعة سيقبلها الجسم المنقولة إليه دون
احتمال رفضها مناعياً .

وحينئذ يكون السؤال هنا (في حالة كون
الطفل لا يعيش بدون العضو المأخوذ منه) عن
جواز أن تُنشأ حياة ثم تهدر من أجل إنقاذ حياة
اخرى . وأما عن حالة كون الطفل يعيش مع الاخر ،
فقد حدث منذ ثلاثة أعوام أن طفلة في ولاية
كاليفورنيا مرضت باحد سرطانات الدم ، ولم
يمكن العثور على زرعه مناسبة من نخاع العظم (وهي
الوسيلة الوحيدة للعلاج المجدي) ، فقرر
والداها أن تحمل الام من جديد على أمل أن
الوليد القادم سيكون نخاع عظمه ملائماً ،
وفعلاً أنجبا طفلة وجاء نخاعها ملائماً ،
وبعد أشهر تم زرع نخاع منها لاختها المريضة
فشفيت . وحينئذ تكون النسخة التوأمة ملائمة
لاخذ نخاع العظم لتستفيد منه النسخة التوأمة
المريضة ، ويعيش كلا الطفلين ، وهنا ايضاً قد
يثور تساؤل عن جواز إنشاء حياة لا لذاتها ، بل
لانقاذ حياة اخرى .

ثم هل يوجد بأس في أن تحمل المرأة
بتوأمها إن فُصل عنها في الدور الجنيني
الباكر ، وبقي طيلة السنوات نسخة منها محفوظة
في التبريد ؟

ثم هل يوجد مانع من ايجاد جنينين
توأمين (استتآم) ، أو استنساخ جنينين يفصل بين
عمريهما سنوات ، فيرى الصغير مستقبله فيما
يعرض لتوأمه من أمراض وراثية يعلم أنها له
بالمرصاد ؟

وخلاصة الاسئلة المطروحة هنا التي
تحتاج إلى جواب فقهي أو قانوني هي :

1 ـ هل يجوز عمل أجنّة متعددة من لقيحة
واحدة بالصورة المتقدمة ، حتى إذا كانت تلك
الاجنّة قد وصلت إلى (32) جنيناً متشابهاً ؟ ،
أو إلى (128) جنيناً على الرأي الاخر ؟ .

2 ـ وإذا حفظت بعض الاجنّة في التبريد
العميق ، فهل يجوز قتلها في المستقبل إذا لم
يحتج إليها في صورة نجاح الزرعة التي وضعت في
رحم الام ، وكان المولود غير محتاج إلى دواء
موجود في توأمه ؟

3 ـ وهل يجوز إعطاء الاجنّة المبرّدة
إلى امرأة اخرى لوضعها في رحمها أو بيعها لها
؟ ومن هو الاب والام في هذه الحالة لو حصلت ؟

4 ـ وهل يجوز أن يستفاد من الاجنّة
المبردة لزرعها في رحم الام ، لاجل الاستفادة
من الاعضاء التي يتمكن الطفل الجديد من
الحياة بدونها ، في حالة اعطائها إلى أجنّة أو
إلى أي كائن آخر يحتاج إليها ؟

5 ـ وفي صورة كون العضو أو النسيج لا
يمكن أن يعيش الطفل بدونه ، فإن الحكم واضح في
عدم جواز إنشاء حياة لتهدر من أجل إنقاذ حياة اخرى .

6 ـ وهل يوجد مانع في ايجاد جنينين
توأمين يفصل بين عمريهما سنوات ، فيرى الصغير
مستقبله فيما يعرض لتوأمه من امراض وراثية
يعلم أنها له بالمرصاد ؟

وقد أجاب آية اللّه السيد كاظم
الحائري (حفظه اللّه) على هذه الاسئلة فقال :

«1 ـ تقسيم اللقيحة إلى عدة أجنّة جائز
بشرطين :

الاول : ألاّ تكون في ذلك مخاطرة بحياة
الجنين أو حياة ما سيُكسى جلداً ليصبح منشأً
لطفل جديد أو على صحتهما .

والثاني : ألاّ يستعمل ذلك بشكل يؤدي
إلى اختلال النظام ، كما لو وزّعت اللقيحة إلى
عدة أجنّة واستعملت في وقت واحد ضمن عدّة
أرحام ، فأوجب ذلك عدم تشخيص الظالم من
المظلوم والمحْرم من غير المحْرم ، وما إلى
ذلك من المشاكل التي أشير إليها في مسألة
الاستنساخ([5])
، فمع انتفاء هذين المحذورين لا دليل على
الحرمة .

2 ـ ما يحفظ في التبريد يجب أن يحفظ بلا
جدار ، كي يجوز قتله بعد ذلك، إذ بعد صنع
الجدار له يكون حاله ، احتياطاً ، حال الجنين
الاصلي الذي يحرم قتله ، أما قبل صنع الجدار
له فحاله حال المني الذي يجوز اهداره بمثل
العزل في وقت المقاربة ، أو قل : حال إسقاط
منشأ النطفة قبل انعقاد النطفة .

3 ـ لا دليل على حرمة ذلك بعد سقوط اسم
المني عن النطفة ، لان ادخال ذلك في رحم
المرأة لا يعني ادخال المني في رحم امرأة
محرَّمة كي يشمله دليل حرمة ذلك ، وابوه هو
الذي ولده أي صاحب المني ، وأمّه هي التي
والدته أي صاحبة البويضة ، وأما التي تضع
رحمها لخدمة هذا الجنين فهي الام الحاضن
وليست أمّا حقيقية ، نعم لا يبعد الافتاء
بمحرميتها له بالاولوية القطعية من الام
المرضعة .

4 و 5 ـ إن كانت هذه الاستفادة لا تؤدي
إلى موت الجنين الثاني أو الاضرار به جازت
وإلاّ فلا .

6 ـ لا دليل على حرمة ذلك» .

انتهى ما أجاب به السيد الحائري (حفظه
اللّه) .

ومن المناسب هنا أن نبيّن مدرك هذه
الاجابة من الادلة الشرعية فنقول:

أما الجواب الاول : فهو لِما ثبت من أن
اللقيحة المكوّنة من منيّ الرجل وبيوضة
المرأة ، هي عبارة عن الجنين الذي هو مبدأ
نشوء إنسان ، ومن الواضح فقهياً عدم جواز قتل
الانسان ، ولكن ورد أيضاً عدم جواز قتل مبدأ
نشوء الانسان ، ففي معتبرة اسحاق بن عمار قال :
«قلت لابي الحسن (الامام الكاظم(عليه السلام))
: المرأة تخاف الحبَل فتشرب الدواء فتلقي ما
في بطنها قال : لا ، فقلت : إنما هو نطفة ، فقال(عليه
السلام) : إن اول ما يخلق نطفة»([6])
.

بالاضافة إلى امكان استفادة الحرمة
ايضاً من الروايات الكثيرة الواردة في وجوب
الديّة على من اسقط النطفة الملقحة ، فمن تلك
الروايات صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا
جعفر (الامام الباقر(عليه السلام)) عن الرجل
يضرب المرأة فتطرح النطفة ، فقال(عليه السلام)
: عليه عشرون ديناراً ، قلت : يضربها فتطرح
العلقة ؟ فقال : عليه اربعون ديناراً ... »([7])
.

ولهذا الذي تقدم من الروايات فقد
اشترط في تقسيم اللقيحة إلى عدة أجنّة ألاّ
يكون في التقسيم مخاطرة بحياة الجنين ، أو
حياة ما سيكسى جلداً ليصبح منشأً لطفل جديد .

وكذا إذا كان هناك ضرر على حياة الجنين
في التقسيم ، فهو امر غير جائز لما ثبت عن
النبي(صلى الله عليه وآله) من طريق الفريقين
أنه قال : « لا ضرر ولا ضرار في الاسلام » ، فإن
التقسيم إذا كان فيه ضرر على حياة هذا الجنين
فهو أمر غير جائز .

وأما إذا لم يكن في تقسيم اللقيحة ،
التي هي مبدأ نشوء الانسان ، مخاطرة على
الجنين أو على حياة ما سيكسى جلداً ليصبح
منشأً لطفل جديد ، وليس هناك شيءٌ يُخاف منه
على صحتهما ، فهو امر جائز ، ولكن بشرط ألاّ
تجري عملية الاستتآم بصورة تؤدي إلى اختلال
النظام ، كما إذا قسمت اللقيحة إلى قسمين ،
وكسي كل واحد منهما بالجدار الخلوي ، ثم قسما
إلى اربعة وكسي الجدار الخلوي ، وهكذا إلى
اثنين وثلاثين خلية أمّاً ، ففي هذه الصورة
إذا كانت النُسخ متشابهة تماماً فهو امر يؤدي
إلى اختلال النظام ; لعدم تشخيص الظالم من
المظلوم والمَحْرم من غيره ، وما إلى ذلك من
المشاكل التي أشير إليها (فيما يأتي في مسألة
الاستنساخ) ، فإن الشارع المقدس جرت حكمته على
اختلاف الالسنة والالوان حفظاً للنظام كما
صرح بذلك في قوله تعالى : (ومن آياته خلق
السموات والارض واختلاف السنتكم والوانكم)([8])
، فيلزم من هذه الحكمة أن يحرم كل ما يؤدي إلى
اختلال النظام ، ومنه أن يجري الاستتآم بصورة
واسعة تلزم منه الامور المتقدمة الفاسدة .

والخلاصة أن تقسيم اللقيحة إلى عدة
خلايا تكون كل خلية أمّاً لنشوء جنين ، مشروط
بعدم المخاطرة بالجنين أو الاجنّة حتى بصحتها
، فإن كان هناك أي حذر فهو أمر غير جائز ،
وبشرط ألاّ يؤدي الاستتآم إلى اختلال النظام

وأما جواب السؤال الثاني فإننا إذا
احرزنا عدم اختلال النظام وعدم الضرر
والمخاطرة بما يحصل من تقسيم اللقيحة ، فإنه
لا مانع من التقسيم كما تقدم ، أما بالنسبة
إلى حفظ بعض النُطف في التبريد العميق ، فإذا
لم يحتج إليها فسوف تقتل فيشملها دليل حرمة
قتل مبدأ نشوء الانسان ، ولهذا لا يجوز قتل
هذه النُطف بعد أن تصبح أجنّة ويكسى الجدار
الخلوي بالمادة الصناعية([9])
. اما إذا تمكن العلماء من تبريد اللقيحة
المقسومة قبل أن يصنع لها الجدار الصناعي ،
فيقتصر على كسو الجدار الخلوي للقيحة التي
يراد وضعها في الرحم ، أما الذي يراد تبريدها
فإن لم تكسَ بالجدار الخلوي فلا تكون مبدأ
نشوء انسان ، بل حالها حال المني الذي يحتوي
على 23 شريطاً ، وحال البويضة التي تحتوي على 23
شريطاً أيضاً ، وهذا لا دليل على حرمة اهداره
سواء كان منيّاً أو بيضة ، بل دلّ الدليل على
جواز اهدار المني كما في عملية العزل عن
المرأة (أما برضاها أو مطلقاً) ، كما يجوز
اهدار بويضة المرأة فيما إذا استعملت دواءً
للاسراع بالقائها إلى الخارج على شكل حيض.

واما الجواب الثالث فقد ثبت عندنا
حرمة ادخال النطفة في رحم يحرم على صاحب
النطفة ، وهذا شيء غير حرمة الزنى ، فقد روي في
المعتبرة عن الامام الصادق(عليه السلام) أنه
قال : « إن اشدّ الناس عذاباً يوم القيامة
رجلاً أقرّ نطفته في رحم يحرم عليه »([10])
.

وفي رواية اخرى رواها الصدوق عن النبي(صلى
الله عليه وآله) أنه قال : « لن يعمل ابن آدم
عملاً أعظم عند اللّه عزوجل من رجل قتل نبيّاً
أو إماماً أو هدم الكعبة التي جعلها اللّه
قبلة لعباده أو أفرغ ماءه في امرأة حراماً »([11]) .

ومعلومةٌ ارادة المني من النطفة التي
ذكرت في الحديث الاول لاضافتها إلى الرجل ،
بينما كان السؤال الثالث عن النطفة التي هي
لقيحة مكوّنة من ماء الرجل وبويضة المرأة
التي هي مبدأ نشوء انسان ، ولهذا كان الجواب
بجواز وضع هذه اللقيحة بحدِّ نفسها في رحم
امرأة أجنبية ، لعدم شمول دليل الحرمة
المتقدم له . ولعل من المستحب أن تحضن هذه
المرأة الاجنبية مبدأ نشوء الانسان وعدم تركه
للموت ، فإن الام الحاضن إذا لم يكن عملها
بحمل هذا الجنين (اللقيحة) مستحباً فلا أقلّ
من جوازه .

وأما ما قيل من التهويل لهذه العملية
من أن المرأة «ستحمل جنيناً غريباً لا هو من
زوجها ولا هو منها ولا هو في نطاق عقد زواج»([12])
فهو لا ينفع في الحرمة ، إذ ما هو البأس أن
تحضن امرأة ولداً ليس من زوجها ولا منها ولا
هو في نطاق عقد زواج ؟ فهل هو زنىً أو دلّ دليل
على حرمته من السنة الشريفة أو قواعد الشريعة
؟ بل قد يقال إن هذه المرأة ، التي انقذت هذا
الجنين (اللقيحة التي هي مبدأ نشوء الانسان)
من الموت وحملتها وحضنتها حتى الولادة ، قد
انقذت الجنين من الموت فتستحق الشكر .

وأما بالنسبة إلى الاب والام فهو واضح
، فإن الولد هو ما تولد من الشيء ونشأ منه ،
وقد تولّد هذا الولد من مني الرجل فهو ابوه ،
ومن بويضة المرأة فهي أُمّه ، أما التي وضعت
اللقيحة في رحمها فهي أم حاضن وليست أمّاً
حقيقية ، فإن القرآن الكريم قال : (إن أمهاتهم
إلاّ اللائي ولدنهم)([13]) ، والولادة
الحقيقية ليست هي الوضع وافراغ ما في البطن
إلى الخارج ، كما هو معنى ذلك عند غير العرب ،
بل الولد حقيقة هو ما تولد من الشيء ونشأ منه ،
وقد تولد هذا الولد ونشأ من مني الرجل وبويضة
المرأة فهما الابوان الحقيقيان له ، كما
تتولد الشجرة من البذرة ، أما المغذّية فهي
ليست أمّاً حقيقية ، ومع هذا فقد افتى السيد
الحائري بمحْرمية الام الحاضن ; لانه يرى
الاولوية القطعية من الام المرضعة التي يحرم
عليها الولد الذي اشتد عظمه ونما لحمه من
حليبها بواسطة الرضاع ، حيث إن هذا الولد قد
كبر بواسطة الام الحاضن وإن كان قد تولد من
غيرها .

ولكن ارى في هذه الاولوية القطعية
تأملاً ، حيث إن موضوع محرميّة الرضاع هي شيء
يختلف عن مجرد ترعرع الجنين من الام .

أما بالنسبة إلى الجواب الرابع
والخامس ، فإن الاستفادة من هذا الجنين
التوأم إنما تكون جائزة بشرط ألاّ تكون مؤدية
إلى موته أو الاضرار به ، فإن من الواضحات عدم
جواز إماتته لاجل انقاذ حياة اخرى ، وعدم جواز
الاضرار به من قبل الغير لاجل أن يستفيد منه
شخص آخر . أما إذا لم يكن في الاستفادة منه
للاخرين أي ضرر عليه ، فهو امر جائز يقوم به
وليه او نفسه إن كان قد وصل إلى مرحلة البلوغ
والرشد ، وهذا الحكم واضح من الشريعة
الاسلامية الغراء ، التي حرّمت قتل مبدأ نشوء
الانسان ، وحرمت الضرر على الكائن الحي بقوله(صلى
الله عليه وآله) : « لا ضرر ولا ضرار في الاسلام
» .

أما الجواب السادس فلا دليل على حرمة
أن يرى الصغير مستقبله فيما يعرض لتوأمه من
أمراض وراثية يعلم أنها له بالمرصاد ، فكم من
الاُسر المبتلية بامراض السُكّر أو السمنة أو
ضغط الدم أو غيرها من الامراض الوراثية ، ولا
احد يقول بحرمة ايجاد طفل لهذه الاُسر ، لان
الطفل سوف يعلم أنه سيبتلى بتلك الامراض
الوراثية .

نعم قد يحكم بعدم جواز اعلام الصغير أو
حتى الكبير فيما يعرض له من الامراض ; لانه
اذىً له ، وقد نهت الشريعة عن اذى المسلم ،
إلاّ أن هذا غير حرمة ايجاد طفل يعلم أنه
سيبتلى بامراض وراثية .

هذا خلاصة ما اردنا بيانه في بحث
الاستتآم .

* *
*

أما الاستنساخ فهو عبارة عن الحصول
على النُسخ طبق الاصل (في النبات أو الحيوان
أو الانسان) بدون حاجة إلى تلاقح خلايا جنسية
ذكرية وانثوية ، والنسخة التي تكون طبق الاصل
هي التي تحتوي على التراث الارثي الكامل
الموجود في خلايا صاحب الزريعة ، فيكون
المخلوق الناتج صورة منه تماماً ، كالكتاب
الذي نطبع منه آلاف النسخ فتجيء متشابهة تمام
الشبه .

وحينئذ لو جئنا بنواة خلية من أي خلايا
الجسم (كالجلد مثلاً ، وهي تحتوي على
الكروموسومات الستة والاربعين ، ثم اودعناها
داخل بيضة ناضجة أُخليت من نواتها التي تحمل
(23) شريطاً ، فإن النواة الضيفة تشرع في انقسام
ليس في اتجاه تكوين خلايا جلدية ، بل في تكوين
جنين سيكون صورة طبق الاصل عمّن أخذنا منه
نواة الخلية ; لان الذي يحدد وجهة الانقسام هو
السيتوبلازم ، وبما أن السيتوبلازم هنا هو
لبيضة ناضجة ، فإن الانقسام للخلية سيكون
باتجاه تكوين جنين ، وبما أن الكروموسومات في
الخلية كاملة ، فمعنى ذلك أن الصفات الوراثية
للجنين ستكون مطابقة تماماً لصاحب النواة ،
إذ ليس عندنا (23) فرداً من الصفات الوراثية من
الزوج ، و (23) فرداً من الصفات الوراثية للانثى
حتى يكون الجنين حاملاً لصفات الاثنين معاً .

وبتكرار هذا العمل نستطيع أن نحصل على
أيّ عدد شئنا من النسخ التي تطابق صاحب النواة
في التكوين الوراثي .

ولقد أُنجز هذا العمل فعلاً في عدد
محدود من الاحياء الدنيا كالضفدعة([14])
، وأُنجز ايضاً في النعجة دولّي ـ التي ولدت
في انجلترا في يوليو من عام (1996م) وبقيت سراً
لا يعرفها أحد حتى أُعلن عنها في فبراير من
عام (1997م) ـ والنعجة هي من الحيوانات الثديية ،
فقد أُخذت من نعجة خليّة عزلت نواتها التي
تحمل المعلومات الوراثية ، وزرعت تلك النواة
في بيضة([15])أُنثى
بعد أن سُحبت نواتها التي تحمل المعلومات
الوراثية ، ثم وضعت البيضة الملقحة في رحم
النعجة ، فتولد جنين طبق الاصل عن صاحب النواة
. انظر الرسم في الصفحة التالية الذي يوضح
مراحل الاستنساخ .

وإذا كان هذا ممكناً بصورة نادرة الان
، حيث زرعت (277) نواة في (277) بيضة ناضجة مخلاّت
من نواتها فنجحت حالة واحدة ، فإن التقنية
العلمية العالمية قد تتمكن من زيادة نسبة
النجاح في المستقبل .

وإذا أمكن هذا في النعجة ، وهي من
الحيوانات الثديية ، فهو ممكن في الانسان ;
لان المرأة لها ثدي ترضع به ولدها .

وقد احدث هذا الحدث (للنعجة دولّي) ضجة
في العالم ، وسبب الضجة هو التخوّف من استخدام
نفس الاسلوب لانتاج بشر متشابهين في الشكل
والمظهر([16])
حسب الطلب ، وهو الموضوع الذي كان يحلم به
هتلر واشباهه في هذا الزمان . فقد يفاجئنا
العلم بانجاز نسخ للانسان ، فتؤخذ خلية من
الانسان من أي مكان أريد ، بشرط ألاّ تكون
جنسية ، وتعزل نواتها التي تحمل الصفات
الوراثية ، وتزرع تلك النواة في بيضة امرأة
بعد أن تسحب من البيضة الصفات الوراثية التي
فيها ، ثم توضع اللقيحة في رحم المرأة فيتولد
جنين طبق الاصل عن صاحب النواة .

وحينئذ بما أن الدين لابدّ له من أن
يقول كلمته في كل مورد من الموارد العلمية
لقدرته على مواجهة ومسايرة الحياة ، فحينئذ
نسأل عن عدة أمور :

اولاً : هل يوجد حرمة شرعية لهذا العمل
بحدِّ نفسه ؟

ثانياً : هل هذا الكائن الحي إذا وُجد
هو ولد شرعي ؟

ثالثاً : وإذا كان ولداً شرعياً فمن هو
ابوه ومن هي أمه ؟

رابعاً : هل في هذا العمل خطر على
البشرية ؟

وقبل الاجابة على هذه الاسئلة لابد أن
نستبعد اولاً ما قيل من أن الاستنساخ عبارة عن
تغيير لخلق اللّه تعالى ، وتغيير خلق اللّه
تعالى محرم بقوله تعالى : (إن يدعون من دونه
إلاّ إناثاً وإن يدعون إلاّ شيطاناً مريداً *
لعنه اللّه وقال لاتخذن من عبادك نصيباً
مفروضاً * ولاُضّلنّهم ولاُمنينّهم
ولامرنّهم فليبتكنّ آذان الانعام ولامرنّهم
فليغيرنّ خلق اللّه ... )([17]) .

فتغيير خلق اللّه تعالى محرم ; لانه
مما يأمر به الشيطان ، وهو لا يأمر إلاّ
بالفحش والمعاصي([18])
.

وواضح أن استبعاد هذا الكلام من حيث أن
الاستنساخ لم يكن تغييراً لخلق اللّه تعالى ،
بل هو كشف سر من اسرار خلق اللّه في الحيوان ،
وقد ينجح في الانسان ، فإن هذا السرّ لم يكن
مكشوفاً للانسان ، فتوصل إليه ، فلم يخلق
العلماء قانوناً ، ولم يوجدوا سرّاً في جسد
الانسان أو الحيوان . على أن المراد بتغيير
خلق اللّه في الاية هو الخروج عن حكم الفطرة
وترك الدين الحنيف ، وذلك بتحريم الحلال
وتحليل الحرام ، حيث يقول اللّه تعالى في مكان
آخر من كتابه الشريف : (فأقم وجهك للدين حنيفاً
فطرة اللّه التي فطر الناس عليها لا تبديل
لخلق اللّه ذلك الدين القيم ... )([19])
، فإذا أردنا تفسير القرآن بالقرآن ، والقرآن
اطلق خلق اللّه على حكم الفطرة وهو التدين
بدين اللّه ، فيكون تغيير خلق اللّه هو الخروج
عن حكم الفطرة ، وترك الدين والارتباط
بالطبيعة من دون خضوع للسماء في نتائج ما تصل
إليه العلوم الطبيعية .

وكذا لابد أن نستبعد الحجج غير
العلمية للتحريم ، فقد ذكرت الاكاديمية
الفرنسية للعلوم الاخلاقية والسياسية عندما
اعلنت موقفها من الاخصاب : «إن الاخصاب
الصناعي جريمة ضد قاعدة الزواج والاسرة
والمجتمع » ، فإن هذه ليست حجة علمية ; إذ إن
الاخصاب قد يكون في زواج واسرة ، ولكن يوجد
مانع منه بصورة طبيعية فيصار إليه بصورة
صناعية ، وهذا مما ينمّي الاسرة والزواج وليس
جريمة فيهما كما هو في اطفال الانابيب الذي هو
علاج لحالة العقم .

وكذا لابد أن نستبعد ثالثاً ، ما يُظن
من أن الاستنساخ هو محاولة من البشر أن يخلقوا
مثل خلق اللّه تعالى ، ومحاولة مثل ذلك ظلمٌ
وأىّ ظلم ; لانها لا تقع إلاّ ممن لا يقدّر
اللّه تعالى حق قدره ، فيدخل تحت قول النبي(صلى
الله عليه وآله) : « قال اللّه تعالى : ومن أظلم
ممن ذهب يخلق كخلقي ، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا
شعيرة »، أخرجه البخاري([20])
.

وقد رُدّ هذا بالقول بأن الاستنساخ
ليس من جنس الخلق الذي تفرّد اللّه به ، وهو
الخلق من العدم ، بل الاستنساخ هو من نوع
التركيب بوضع نواة الخلية التي خلقها اللّه
في بيضة منزوعة النواة ، وسرّ الخلق والحياة
موجود في النواة وسيتوبلازم البيضة ،
فالاستنساخ هو مخلوق للّه تعالى ، وهو ايضاً
من ذكر وانثى ; لان الخلية المأخوذة من الاصل
ناشئة في الاصل من تزاوج ذكر وانثى ، عندما
كان ذلك الاصل خلية واحدة ثم تكاثرت خلاياه
بالانقسام إلى أن صارت كثيرة ، وكل منها يحتوي
على (46) كروموسوماً ، نصفها من الذكر ونصفها من
الانثى .

وبعد أن استبعدنا هذه الاجابات
المحرّمة للاستنساخ ، نعود لنرى رأي علماء
الامامية (ادام اللّه بركاتهم) في عملية
الاستنساخ .

وقد اجاب على مجمل هذه الاسئلة آية
اللّه العظمى الشيخ ميرزا جواد التبريزي (حفظه
اللّه) فقال : «لا يجوز الاستنساخ البشري ، لان
التمايز والاختلاف بين ابناء البشر ضرورة
للمجتمعات الانسانية اقتضتها حكمة اللّه
سبحانه . قال تعالى : (ومن آياته خلق السموات
والارض واختلاف السنتكم وألوانكم)([21])
، وقال : (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)([22])
، وذلك لتوقف النظام العام عليه . بينما
الاستنساخ البشري ـ اضافة إلى استلزامه
محرمات أخرى كمباشرة غير المماثل والنظر إلى
العورة ـ يوجب اختلال النظام وحصول الهرج
والفوضى ... ففي النكاح يختلط الامر بين الزوجة
والاجنبية وبين المَحْرم وغيره ، وفي
المعاملات كافة لا يمكن تمييز طرفيها ، فلا
يعرف الموجب والقابل ، وفي القضاء والشهادات
لا يمكن تمييز المدعي عن المدعى عليه ، وهما
عن الشهود ، والمُلاّك عن غيرهم ، وفي المدارس
والمشاغل والادارات والامتحانات حيث يسهل
ارسال النسخة بدل الاصل فتذهب الحقوق ، وفي
الانساب والمواريث حيث لا يتميّز الولد عن
الاجنبي ـ إضافة إلى كون النسخة لايعدّ ولداً
شرعياً لوالده صاحب الخلية ـ فتضيع الانساب
والمواريث ... وهذا غيض من فيض ، وعليه فقس سائر
الامور حيث لا يبقى نظام أو مجتمع ... واللّه
العالم» .

أقول : إن هذه الفتوى المتقدمة قد نظرت
إلى العنوان الثانوي اللازم لنفس العملية ،
وهو اختلال النظام ، ولم تنظر إلى نفس العملية
بعنوانها الاولي ، وهو أمر صحيح إذا طبّق هذا
الاستنساخ بصورة واسعة أدّت إلى اختلال
النظام ، أما إذا طبّق بصورة ضيقة بحيث لا
يلزم منه المحاذير التي ذكرت فلم تتعرض
الفتوى له .

ولكن الامر الذي يجب أن نتوقف عنده هو
التصريح بعدم عدّ الولد ولداً شرعياً لوالده
صاحب الخلية ، حيث إن الولد لغةً وشرعاً ما
تولّد من الشيء ، وقد تولد هذا الولد ـ حسب
الفرض ـ من الخلية والبيضة ، فهو ولد شرعي
وعرفي ، إذ لا نهي عن لحوقه بابيه صاحب الخلية
أو بامّه صاحبة البيضة ، كما ورد النهي في
الزنى حيث قال الحديث النبوي الشريف : « الولد
للفراش وللعاهر الحجر » .

وقد أجاب آية اللّه السيد كاظم
الحائري على هذه الاسئلة بصورة مفصّلة فقال :
«إن نفس عملية الاستنساخ البشري بعنوانها
الاولي لو نجحت لا بأس بها إن لم تقارن محرماً
.

وأما مسألة الابوة والامومة فمتعينة
من باب أن الفهم العرفي للاب هو صاحب الخلية([23])
، والام هي صاحبة البيضة ، لان الولادة
الحقيقية تنصرف إلى البيضة والخلية اللتين
ولدتا الولد .

ولكن نفهم من الاية الشريفة في قوله
تعالى : (ومن آياته .... واختلاف السنتكم
وألوانكم) أن حكمة اللّه البالغة جرت على
اختلاف الالسنة والالوان حفظاً للنظام ، وبما
أن هذا الاستنساخ يؤدي حتماً إلى اختلال
النظام لو طبق بصورة شاملة وواسعة ، لعدم
معرفة البائع من المشتري ، والمدعي من المدعى
عليه ومن الشهود ، وعدم معرفة الظالم من
المظلوم وامثال هذه الامور في العقود
والايقاعات والجنايات وغيرها ، فيلزم تحريم
هذه العملية في صورتها الواسعة لهذا اللازم
الباطل حتماً» .

وهذا الجواب كما هو واضح قد تعرّض
بصورة مفصلة لحكم المسألة في عنوانها الاولي
والثانوي ، وقد تعرّض لمسألة الابوة والامومة
لهذا الكائن لو وُجد ، وهو جواب متين ومقبول
عرفاً ; لان الولد قد نشأ من الخلية والبيضة ،
ولولاهما لما نشأ ، وبما أن معنى الولد
والتولّد الحقيقي هو تولد الشيء من الشيء ،
وقد تولد هذا الولد من طرفين (خلية + بيضة) كما
هو المفروض ونشأ منهما ، فإن العرف ينسب هذا
الولد إلى صاحب الطرفين وهما صاحب الخلية
وصاحبة البيضة . وقد ذكر في مجمع البحرين أن
التفسير المفهوم من الوالدية هو أن يتصور من
بعض اجزائه حيّ آخر من نوعه على سبيل
الاستحالة لذلك الجزء ، وهذا الولد قد تصور ،
وتكوّن من الخلية والبيضة([24])
.

وعلى هذا فلو وضعنا هذه اللقيحة في رحم
طرف ثالث (امرأة اجنبية عن صاحبة البيضة)
، فإن الام تبقى هي صاحبة البيضة والاب هو
صاحب الخلية ; لان التولد غير التغذي ،
فإن هذا الولد قد نشأ ووُجد من طرفين
(خلية وبيضة) ، فلو وضع في رحم حاضن فهو قد تغذى على
طرف ثالث ، والمغذّية ليست هي الام الحقيقية
كما أن المغذّية للطفل بلبنها وهي
المرضعة ليست أمّاً حقيقية ، بل هي أُم مرضع ومجازية
.

نعم قد يحكم بمحْرمية هذه الام الحاضن
للطفل للاولوية من الاُم المرضع التي ترعرع
الطفل على لبنها .

وحتى لو تكوّن نسيخ من خلية امرأة
وبيضتها ، كما في النعجة دولّي حيث كانت
الخلية من نعجة حامل ، فإن الولد ينسب إليها
لانها هي التي ولدته .

تحريم ولي الامر :

إن نفس عملية الاستنساخ البشري
بعنوانها الاولي الذي به ذكرت حليّتها ، لو
نجحت في الانسان إن لم تقارن محرماً آخر ،
يمكن لولي الامر تحريمها بالحكم الولائي (الحكومي)
وذلك إذا اخذنا بنظر الاعتبار أن الدول
الغربية التي تجري فيها ابحاث الاستنساخ على
اقسام ، فمنها من منعت ابحاث الاستنساخ
البشري ، ومنها من حرمتها من معونة ميزانية
الدولة ، ومنها من جمّدتها سنوات حتى تبحثها
اللجان المتخصصة ثم يُنظر في أمرها من جديد ،
لهذا فقد يرى ولي الامر تحريم ذلك ; لئلاّ يسعى
اصحاب رأس المال الخاص وشركات الادوية إلى
تخطي هذا الخطر بتهيئة الاموال واستمرار
الابحاث في دول العالم الثالث ، واستغلالها
حقلاً للتجارب البشرية ، كما كان ديدنها في
كثير من السوابق ، ولكن مع ذلك نقول : إن هذا
التحريم ليس حكماً شرعياً لا يتبدل ، بل هو
حكم ولائي حكومي قد يتبدل في زمان ما أو مكان
ما .

تحفُّظ من القول بالاباحة بالعنوان
الاولي :

إن الفتوى المتقدمة بحلية عملية
الاستتآم والاستنساخ بالصورة المتقدمة ،
لابدّ من تقييدها بعدم الضرر ، كما مرّ في
صورة الاستتآم ، ولكن لما كانت بعض المضار لا
تظهر قبل مرور وقت طويل ، فلابدّ من عدم
التسرع قبل التثبت والتأكد قدر الاستطاعة من
عدم الضرر عند العامل لعمليتي الاستتآم
والاستنساخ البشري ، ولهذا قد نرى الارشاد
لاجراء التجارب على الحيوان لاستنساخه أو
استتآمه ، فإن سَلم من التبعات والاضرار
وتأكد عدم الاضرار لو طبق على الانسان ، أجيز
ذلك بصورة لا تؤدي إلى الاخلال بالنظام «ولا
ينبغي أن تنسى الانسانية درسها الكبير بالامس
القريب في مجال انشطار الذرة ، إذ ظهر له بعد
حين من الاضرار الجسيمة ما لم يكن معلوماً
ومتوقعاً» ، إذن لابد أن يستمر زمن نتائج
التجارب النباتية والحيوانية زمناً طويلاً ;
لنأمن من الاضرار والتبعات ، فإن حصل قطع بعدم
الاضرار بتطبيقها على الانسان ، سُمح بذلك
بصورة لا تؤدي إلى الاخلال بالنظام . واللّه
العالم .

هل تنجح عملية الاستنساخ ؟

إن اللّه تعالى صرح في كتابه الكريم
بأنه بدأ خلق الانسان من طين ، ثم جعل نسله من
سلالة من ماء مهين ، وهي الحيامن الذكرية ،
فقال تعالى : (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من
طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا
النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا
المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم
انشأناه خلقاً آخر فتبارك اللّه أحسن
الخالقين)([25])
.

أقول : إذا كانت هذه الاية ، وامثالها
التي هي في صدد خلقة الانسان الاول وخلقة نسله
، للحصر ، وقلنا إن الخلية التي تؤخذ من الذكر
(غير الخلية الجنسية) لن تتحول إلى مني حين
صعقها وتلقيحها ببويضة المرأة كما هو الفرض ،
فسوف لن تنجح طريقة الاستنساخ الانفة الذكر
في الانسان . أما إذا لم يكن الحصر مراداً من
الاية ، أو افترضنا أن الصعق الكهربائي أو
التلقيح الذي يحدث يستخرج من الخلية حيمناً ،
أو قلنا إن المراد من الماء المهين هو ماء
المرأة (البويضة) ، فتكون عملية الاستنساخ
المفروضة غير منافية للايات القرآنية ويحتمل
أن تقع في الخارج([26])
.

خلاصة البحث :

بالنسبة إلى الاستتآم هناك عدة نقاط :

أولاً : أن عمل الاجنّة المتعددين أو
التوائم من لقيحة واحدة جائز بشرطين :

أ ـ ألاّ يكون في ذلك العمل مخاطرة
بحياة الجنين أو حياة ما سيُكسى جلداً خلوياً
ليكون منشأ لحياة جنين ، وألاّ يكون خطر على
صحتهما .

ب ـ ألاّ يكون عمل التوائم بصورة واسعة
بحيث يؤدي إلى اختلال النظام لعدم التمييز
بينهم .

ثانياً : إذا عملنا اجنّة متعددين
بإيجاد الجدار الخلوي الاصطناعي للخلايا
المقسَّمة ، بحيث تكون كل خلية هي خلية أُمّ ،
ففي هذه الصورة لا يجوز قتل هذه الاجنة
ولو كانت فائضة ، لانها مبدأ نشوء انسان ولا
يجوز قتل مبدأ نشوء الانسان . نعم إذا حفظنا
الخلية المقسّمة في التبريد العميق قبل أن
نعمل لها جداراً خلوياً ونلام ما تمزق من
الجدار ، فإن قتل هذه الخلية لا بأس به ، لان
حال هذه الخلية حال المني الذي يجوز اهداره
بمثل العزل ، أو قل لانه ليس مبدأ نشوء انسان
حتى يحرم قتله .

ثالثاً : يجوز اعطاء الاجنّة المبرّدة
إلى امرأة اخرى لوضعها في رحمها ، بل لعل هذا
العمل مستحب لما فيه من المحافظة على الجنين
ورعايته إلى حين الولادة ، نعم ثبت حرمة أن
يفرغ الرجل ماءه في رحم يحرم عليه ، ولكن وضع
اللقيحة ليست ماءً للرجل ، إذ بعد التلقيح لا
يطلق على اللقيحة أنها ماءٌ للرجل .

رابعاً : إن الاب هو صاحب المني والام
هي صاحبة البيضة ، وإن وضع الجنين في رحم غير
صاحبة البيضة ، لان القرآن الكريم يقول : (إن
امهاتهم إلاّ اللائي ولدنهم) ، والوالد
الحقيقي هو ما تولّد منه الشيء ، ونحن نعلم
بأن الولد قد تولّد من المني والبيضة حقيقة .

خامساً : لا يبعد أن تكون الام الحاضن
محْرماً للجنين الذي سيولد من باب أولويتها
من الام المرضعة عرفاً ، فيتعدى من المحْرمية
الرضاعية إلى محْرمية الجنين لامّه إذا حضنته
في رحمها حتى الولادة .

سادساً : إن الاستفادة من الجنين
الثاني (الطفل الثاني التوأم) للطفل الاول ،
إنما تكون جائزة بشرط ألاّ تؤدي إلى موت الطفل
الثاني ، ولا إلى الاضرار به ، وأما إذا أدّت
إلى موته أو الاضرار به فهي غير جائزة .

سابعاً : لا حرمة في أن يرى الطفل
الثاني ، الذي يفصل بينه وبين اخيه المشابه له
عدة سنين ، مستقبله وما يعرض لاخيه من امراض
هي له بالمرصاد .

ثامناً : لا يجوز اذى الطفل الثاني أو
الولد الثاني باعلامه بمصيره الذي سوف ينتهي
إليه ، فيما إذا اُعلمنا بذلك نتيجة لابتلاء
الولد الاول به .

أما بالنسبة إلى الاستنساخ : فخلاصته
عدة نقاط أيضاً :

أولاً : أن عملية الاستنساخ في البشر
بعنوانها الاولي ـ لو نجحت ـ لا بأس بها إن لم
تقارن محرّماً آخر ، من قبيل كشف العورة امام
الاجنبي .

ثانياً : أن الاب في عملية الاستنساخ
هو صاحب الخلية ، والام هي صاحبة البيضة ،
فبالاضافة إلى أن مفهوم الولد هو ما تولد من
الشيء ، وهذا الولد تولّد منهما ، يفهم العرف
أن صاحب الخلية هو الاب ، إذ لا يفهم العرف أن
هذا الولد نشأ من غير أب كعيسى(عليه السلام) .

ثالثاً : إذا أدّى الاستنساخ البشري
إلى اختلال النظام كما لو طبق بصورة واسعة فهو
أمر محرّم ; لان الشارع المقدّس جرت حكمته على
حفظ النظام باختلاف الالسنة والالوان .

وبهذا الذي تقدم يتبين لنا أن العلماء
الذين قاموا بالاستنساخ أو الاستتآم لو
اداموا عملهم هذا ونجحوا في الانسان ، فإن
عملهم هذا سيكون عبارة عن اكتشاف سرٍّ من
اسرار الخلق التي اوجدها اللّه سبحانه وتعالى
في الجسد ، فلم يكن لاحد الحق في القول بأنهم
قد خلقوا قانوناً أو أوجدوا سرّاً في جسد
الانسان أو الحيوان ، بل هم كشفوا هذا السرّ
الذي اودعه اللّه في الجسد ، فلم يأتوا بشيء
جديد غير الاكتشاف ، والخلاصة أنه ليس في هذين
العنوانين أىّ تحدّ للّه ، كما يحب البعض أن
يسميه اهتزاراً بين العلم والدين .

* *
*



([1])
إن توضيح موضوع الاستتآم اعتمدنا فيه على
بحث الاستاذ الدكتور حسّان حتحوت في بحث له
تحت عنوان استنساخ البشر، ولكن هناك معلومات
اخرى اضيفت من علماء آخرين نشرت الصحف
والمجلات العالمية تصريحات لهم.

([2])
إن الايات القرآنية تشير إلى هذه الحقيقة،
فقد قال تعالى: (خلقكم من نفس واحدة ثم جعل
منها زوجها) (الزمر: 6)، وهذا خطاب لكل البشر
حيث قال اللّه تعالى لهم لقد خلقت هذا النوع
من البشر وكثر افراده من نفس واحدة (الزوج،
أو آدم ابو البشر) وزوجها الذي هو الانثى
مثلاً، فقد قال الراغب: الزوج يقال لكل واحد
من الفريقين من الذكر والانثى من الحيوانات
المتزاوجة. وقد قال تعالى: (ومن آياته أن خلق
لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها) (الروم:
21)، أي خلق لاجلكم من جنسكم قرائن، لان كل
واحد من الرجل والمرأة مجهز بجهاز تناسلي
يتم فعله بمقارنة الاخر، فكل واحد منهما
ناقص في نفسه مفتقر إلى الاخر، ويحصل من
المجموع واحد تام له أن يلد وينسل، ولهذا
النقص والافتقار يتحرك الواحد منهما إلى
الاخر، حتى إذا اتصل به سكن إليه. (راجع تفسير
الميزان 16:166).

([3])
ذكر بعض الاطباء المتخصصين في علم الوراثة
أن البيضة الملقحة تشرع في الانقسام إلى
خلايا متماثلة حتى تبلغ (128) خلية، ثم تتفرع
الخلايا إلى اتجاهات وتخصصات شتى.

([4])
إن بعض العلماء الاميركيين استنسخوا توأماً
من القردة بواسطة خلية جنينية واحدة، والقرد
أقرب الحيوانات الثديية للانسان.

([5])
ستأتي هذه المشاكل في بحث الاستنساخ الاتي.

([6])
وسائل الشيعة، ج19، باب 7 من ابواب القصاص في
النفس، ح1.

([7])
م.ن، باب 19 من ابواب ديات الاعضاء، ح4.

([8])
الروم : 22 .

([9])
أقول: لقد افتى الامام الخوئي بعدم حرمة قتل
الاجنّة خارج الرحم، وتبعه على ذلك آية
اللّه العظمى الميرزا جواد التبريزي،
لانهما رأيا حرمة قتل الجنين مختصة بكون
الجنين في الرحم، فقالا في جواب سؤال عن قتل
الاجنّة التي تلقح خارج الرحم وتكون زائدة: «في
الصورة المذكورة لا بأس باتلاف تلك الاجنّة،
فإن قتل الجنين المحرّم إنما هو فيما إذا كان
في الرحم، أما في الخارج فلا دليل على حرمة
اتلافه» راجع صراط النجاة 1:351، م965.

ولعل دليلهما ما روي في تحديد
النطفة كما في رواية سعيد بن المسيب قال : «سألت
الامام زين العابدين(عليه السلام) عن رجل ضرب
امرأة حاملاً برجله فطرحت ما في بطنها
ميتاً، فقال(عليه السلام): إن كان نطفة فإن
عليه عشرين ديناراً. قلت فما حدّ النطفة؟
فقال: هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه
اربعين يوماً». راجع وسائل الشيعة، ح19، باب 19
من ابواب ديات الاعضاء، ح8.

أقول: إن السائل وإن سأل عن حدّ
النطفة التي هي مبدأ نشوء الانسان والتي
بسقوطها يتحمل المعتدي (الجاني) الديّة، فإن
الجواب لم يكن تعريفاً منطقياً، بحيث يكون
كل ما عداه خارجاً عن حدّ النطفة التي هي
مبدأ نشوء الانسان، وإنما كان الجواب عبارة
عن التعريف بالمثال، ولا يعني الجواب أن غير
هذا التحديد ليس بنطفة، والدليل على ذلك أن
العرف إذا ألقي إليه رواية سعيد بن المسيب لا
يفهم خصوصية للرحم، كما لا يعرف خصوصية
للضرب بالرجل، بل يفهم أن الحرمة والديّة هي
لمبدأ نشوء الانسان.

([10])
وسائل الشيعة، ج14، باب 4 من ابواب النكاح
المحرم، ح1.

([11])
م . ن، ح2. ويرى بعض الفقهاء أن المراد من
الروايتين (في حرمة ادخال النطفة في رحم يحرم
على صاحب النطفة) هو كناية عن حرمة نفس عملية
الزنى التي هي ملازمة عادة لالقاء المني في
الرحم.

([12])
استنساخ البشر، د. حسان حتحوت : 8 .

([13])
المجادلة : 2 .

([14])
لخص هذا من بحث استنساخ البشر للاستاذ
الدكتور حسان حتحوت، وابحاث اخرى لعلماء
آخرين ذكرتهم الصحف والمجلات العالمية،
منهم العالم الاسكتلندي الذي انتج النعجة
دولّي آيان ويلموت.

([15])
إن الخلية الثديية متخصصة بإنتاج الحليب
ومكوناته، أما المورِّثات (الجينات) في هذه
الخلية فهي في حالة سكون وعاطلة عن العمل،
ولكنها بمجرد وضعها في سيتوبلازم البيضة
تتحرك هذه العوامل الوراثية الساكنة وتبدأ
في العمل، فالسيتوبلازم الذي في البيضة له
دخل في العملية.

([16])
إن الفرق بين النسخة الاصل والتابعة موجود
بحكم الفرق الزماني والتطور الثقافي
والعلمي، ويمكن باختلاف البيئة والتربية.
وهذا الاختلاف يمكن أن يكون بين النسخ
المتطابقة في الزمن الواحد، فإن البيئة إذا
اختلفت واختلف التعليم والتربية فسوف يكون
اختلاف السلوك واضحاً، كما نشاهد الاختلاف
بين التوأمين الذين نشآ في بيت واحد ومن اب
واحد وام واحدة، ولكن التشابه التام يكون في
الشكل والمظهر كما قلنا. ثم إنه لحد الان
بالنسبة لاستنساخ الحيوان لا يعلم مقدار
عُمر خلايا النسخة، ففي النعجة دولّي لا
يُدرى هل عمر خلاياها عندما ولدت هي نفس عمر
خلايا صاحبة الخلية، أم عمرها جديد كعمر
الحمل حين يولد في حمل جنسي؟، فإن كان الاول،
فمعنى ذلك أن النسخة ضحية لاعراض شيخوخة
مبكرة، ثم لا يعلم أيضاً، هل ستكون هذه
النسخة قادرة على التناسل كغيرها من
الحيوانات أم أنها ستكون عقيماً لا تلد؟.

([17])
النساء : 117 ـ 119.

([18])
ذكر ذلك الشيخ محمد مهدي شمس الدين في مجلة
الشراع. وراجع الاستنساخ في ميزان الشريعة
الاسلامية، د. محمد الاشقر: 16.

([19])
الروم : 30 .

([20])
د. محمد سليمان الاشقر، الاستنساخ في ميزان
الشريعة الاسلامية: 17 و 18.

([21])
الروم : 22 .

([22])
الحجرات : 13 .

([23])
فيما إذا كان صاحب الخلية ذكر، اما إذا كان
صاحب الخلية انثى، فتُتصور على نحوين :

أ ـ صاحب الخلية انثى وهي غير
صاحبة البيضة .

ب ـ صاحب الخلية انثى وهي نفس
صاحبة البيضة .

ففي هذين النحوين لا يوجد عنصر
ذكري، فالعرف وكذا الشرع لا يقول بوجود اب
لهذا الولد، نعم له أُم وهي صاحبة البيضة.
اما صاحبة الخلية فهل هي أُم ؟.

نعم لا يبعد أن تكون أُمّاً
لانه نشأ منها ايضاً.

([24])
كان السؤال المقدم للاجابة يفترض أن الخلية
من الذكر والبيضة من الانثى، ولكن بما أن
الذي وقع في الخارج هو كون الخلية من نعجة
حامل، فلو حصل في الانسان أن الخلية من انثى
والبيضة من غيرها فالولد الحاصل من هذه
العملية يكون بلا اب; لان الفهم العرفي للاب
أن يكون ذكراً، وكذا لو حصل الولد من خلية
انثى وبيضتها.

([25])
المؤمنون: 12 ـ 14.

([26])
هناك فروض واحتمالات على مصطلح الارأيتيون
لابدّ من طرحها لنرى إجابة الشرع المقدّس
حولها، منها :

أ ـ لو تمّ الاستنساخ بين امرأة
وأخرى وغيّب العنصر الذكري، فما هو حكم
الشارع في هذه العملية؟ أقول: إن هذه العملية
ـ وإن كان هناك تصريح من قبل العلماء
باستحالتها الان في النبات والحيوان فضلاً
عن الانسان ـ لو أصبحت ممكنة، كما لو كانت
الايات القرآنية التي هي في صدد أصل الخلقة
لغير الحصر، وكان المراد من الماء المهين هو
بويضة المرأة، فلابدّ من معرفة الحكم من
الناحية الشرعية.

ب ـ امكان تنوع الاستنساخ
الواحد ليصبح نصفه من الانسان ونصفه من
الحيوان، كما لو أخذنا نواة خلية من إنسان
وزرعناها في بويضة غزال أو فيل أو ذئب أو اسد
أو طائر منزوعة النواة، فما هو حكم الناتج
الذي قد يكون إنساناً بسرعة غزال أو قوة فيل
أو انياب ذئب أو اسد أو اجنحة طائر؟

اقول: إن هذين الفرضين (إن
امكنا) فإن الفقه لا يتوقف في حكم ما أُنتج،
حيث إن احكام اللّه تعالى تابعة لما يصدق
عليه هذا الموجود عرفاً من كونه انثى أو
انساناً ذكراً في الشكل والمظهر، وبما أن
المولود سيكون نسخة طبق الاصل عن صاحب
النواة، فإن حكمه واضح وإن كانت له سرعة
الغزال أو أنياب الفيل، وإن كنا قد نتوقف في
صحة فرض أن يأخذ المولود من صاحب البيضة، إذا
كانت الصفات الوراثية هي لصاحب النواة.

جـ ـ إذا صنعت عذراء نسخة لها
من احدى خلاياها ثم اودعت الزريعة رحمها
لتنمو حتى الميلاد، فهل هذا الحمل شرعي، وهي
لا زوج لها؟، وهل هي بنتها أو توأمها؟ .

د ـ لو أخذت خلية من الزوج بقصد
اصدار نسخة وراثية طبق الاصل مع بويضة
الزوجة، وحفظت في التبريد حتى مات الزوجان،
ثم وضعت في رحم وصارت ولداً، فهل يستحق ارثاً
مع بقية الورثة، حتى إذا كان الارث قد قسم
وانتهى؟ .

/ 1