ثقلان المبارکان محورا الحرکة التغییریة للإمام الخمینی (قدس سره) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ثقلان المبارکان محورا الحرکة التغییریة للإمام الخمینی (قدس سره) - نسخه متنی

فؤاد کاظم المقدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

كلمة التحرير

الثقلان المباركان

محورا الحركة التغييرية للإمام
الخميني(قدس سره)

[1]

* بقلم رئيس التحريـر

إذا كان التعرف على الإمام الخميني
الكبير(قدس سره) يتم من خلال النظر إلى تاريخه
الجهادي سيرةً ومواقف وخطابات ، فإن تقفّيه
وتلمّس أبعاد شخصيته ومنهجه التغييري من خلال
وصيته الإلهية السياسية أمر غير عسير ، سيما
إذا لاحظنا طبيعة الوصية التي اتصفت بالسعة
والشمول ، وتعدّ في محتواها خلاصة لخطه
الإسلامي الرائد ، وصورة مجسّدة لمنهجه
التغييري الأصيل ، حيث حرص الإمام الخميني(قدس
سره) على أن يخلّف في الاُمة وثيقة تصلح أن
تكون برنامجاً فكرياً وسياسياً وأخلاقياً .
ليس للجيل الذي عاش في كنفه ونهل من معينه
وحسب ، بل وللأجيال القادمة التي سوف تجد
قائدها وسرّ نهضتها وديمومة حركتها في نفحات
هذه الوصية الإلهية السياسية ، ولسوف تعي
ربانية القائد الذي لم تدركه في حياته ، ولكنه
استطاع أن يتواصل معها ويحمل همومها وآمالها
بجدارة لا نظير لها . كما تجده في كل كلمة أو
نداء موجَّه إليها . فقد أكّد الإمام الراحل
في وصيته على «الأجيال القادمة» بشكل يدلّ
على بعد مهم من أبعاد شخصيته ، وعمق نظرته
وسعة اُفقه واهتماماته الكبيرة ، فالقيادات
بلحاظ الامتدادات يمكن أن يكون بعضها منحصراً
بحدود الزمان والمكان الذي تعيش فيه ، وربما
تكون ناجحة بلحاظ هذه الحدود بيد أن القيادات
الأكثر عمقاً ومساحة هي تلك التي تتجاوز
المكان والزمان في وجدانها وتأثيراتها ،
والأكفأ من النموذجين السالفين القيادة التي
تمثل في حركيّتها ومحتواها حالة الامتداد
والوصل بين الأزمنة الثلاثة (ماضياً وحاضراً
ومستقبلاً) ، وهي بطبيعة مهمتها ورسالتها
العالمية مستوعبة لجميع المساحات ولبني
البشر كافة .

والإمام الخميني(قدس سره) يعدّ
نموذجاً فريداً في عصرنا الراهن للقيادة
الناجحة التي استطاعت أن تسبر غور التأريخ
دون أن تتجمد فيه أو تتكلس في موروثاته بقدر
ما استلهمته في معانيه وإشراقاته وتجاربه ،
واستثمرت ذلك كله في عملية توفيق متحرك نحو
الأهداف الكبيرة لم يغفل فيها الحاضر
وخصوصياته ، ولم يتوقف عنده أو ينصهر به ، ومن
هنا استطاع الإمام أن ينطلق إلى المستقبل
ببصيرة رسالية تخاطب الحياة والأجيال
والمستقبل ، وهي حاضرة في كل آن ومكان .

بالإضافة إلى ذلك كان الإمام في
رتبة النيابة العامة عن المعصوم(عليه السلام)
، صلة السماء بالأرض ، في وقت انقطع الإنسان
في غيبوبة جهل وعزلة عن تعاليم السماء، فظنّ
أن لا إبداع لها ولا أثر، فجاء الإمام ليؤكد
هذه الصلة فيها، تحدوه غايات وأهداف الرسول(صلى
الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرون(عليهم
السلام).

فهو إذن وعيٌ تشكّل واختمر في كل
هذه العوالم والمساحات ، فأطلّ عملاقاً آتياً
من كبد السماء ومن رحم التاريخ وسكون الحاضر
ومن انتظار المستقبل وآفاقه ، ومن هنا كان
قائداً فذّاً ملك قلوب الملايين الأحرار (المسلمين
والمحرومين) حبّاً وولاءً ، وقدوة واُسوة ،
ومثلاً معاصراً قلّ نظيره .

وخصيصة اُخرى ارتسمت في وصية
الإمام وفي جميع آثاره . تلك هي عالمية النظرة
لديه والخطاب حيث تتساوى عنده الشعوب
المستضعفة ، ويكون الإنسان في وجدانه هو
الإنسان أينما كان ، ومظلوميته واستضعافه هما
مظلومية الحقيقة التي كرّمها اللّه وأحسن
خلقتها ، وفي نظرته هذه التي جاءت تخاطب
الإنسان بمطلقة دون استثناء ، تأصل واندكاك
بطبيعة الرسالة التي أخذ الإنسان في خطابها
مركزاً حيوياً وأساسياً ، وتعد هذه الخصيصة
من أبرز خصائص القيادات الرسالية الناجحة ،
والتي تدلّ على عظمة النفوس التي حملت في
دواخلها مآسي البشرية واستغاثات المظلومين ،
لا فرق بين أسودهم وأبيضهم ، عربيهم
وأعجميهم، كما تدلّ على وحدة العوامل التي
استضعفت البشرية وعلى وحدة الرؤى والنظرية
التي تنقذها من هذا الاستضعاف.

وفي ضوء ذلك يرى الإمام الناس من
خلال كونهم فئتين : فئة مستكبرة واُخرى مظلومة
مستضعفة ، وبينهما أفكار ومناهج وأنظمة هي
سبب البلاء ، فحينما يدّون نظريته إنما يدوّن
الأسباب التي تنقذ الإنسان من عبوديته ورقّه
لغير اللّه «والقرآن والسنّة مشحونان
بالنصوص المعيّنة المرتبطة بدور الإسلام
الكبير في الشؤون السياسية، ولقد أسس نبيّ
الإسلام(صلى الله عليه وآله) حكومة كسائر
حكومات العالم ، ولكنها تمتاز عنها بدافع
إقامة العدالة الاجتماعية وبسطها»[2]
، ويحتاج الأمر معه إلى ذكر الوسيلة وشمول
الخطاب ، وبطبيعة الحال ينفذ وعي الإمام
الراحل(قدس سره) إلى أعماق الحقيقة الإنسانية
المقهورة ، ليأخذ دوره في التحريك والتحريض
المقدّس «فانتفضوا يا مستضعفي العالم وأيتها
البلدان الإسلامية ويا أيها المسلمون
وانتزعوا الحق بقوة»[3] .

وعن ديمومة منهج الإمام وقدرته على
الاستمرار والمواكبة نعتقد بأنه مادام يمثل
في خطاباته (الفكرية والسياسية) وفي غاياته ،
ذلك الانبثاق الحي للرسالة وغاياتها .

ومادام ينتزع مقولاته من حقيقة
الشرع الإسلامي والشمولية المتصف بها ،
ومادام يتعاطى مع ثوابت الواقع ، فإنه ودون شك
يحمل معه مقومات الحياة والاستمرار ، وسيحكم
عليه بالبقاء يلاحق الزمن ويلبّي حاجات
الإنسان في مستوى أهدافه الكبيرة وحاجاته
الملحة تماماً كما اتصفت به سيرة الأئمة
الأطهار لأن سيرته من سيرتهم(عليهم السلام) ،
ولهذا فإن استمرارية خط الإمام ومنهجه ليس
شيئاً نحاول أن نفرضه أو نتلمس الاستدلال
عليه ، وإنما هو حقيقة ملازمة لطبيعة فكره
ومحتواه ، فمنهجه مستمد من الطبيعة الرسالية
للثقلين (القرآن والعترة الطاهرة) حيث كتب
لهما البقاء والديمومة والرسوخ ، ونموذج ذلك
وصيته الإلهية السياسية التي لخّصت منهجه في
كافة المجالات وبالخصوص السياسية منها .

والثقلان اللذان أوصى بهما رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) في الحديث المشهور
عند المسلمين سنّة وشيعة ، هما كتاب اللّه
وعترته أهل بيت النبوة والعصمة الأئمة الاثنا
عشر(عليهم السلام) . وقد قرن الرسول(صلى الله
عليه وآله) في الحديث التمسك بهما بعدم الضلال
، وبعكسه يكون الضلال .

والسر يرجع في ذلك إلى أن إرادة
اللّه تعالى وحكمته ومعرفته بمصالح عباده قد
تجلّت بهذين المظهرين الكتاب والعترة ، ولهذا
السبب أمسى وجودهم مرادفاً لوجود الرسالة
والأصالة ، ومن هنا لا نفهم من موقف رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) بعد آخر حجّة ،
حينما أحسّ بقرب الرحيل بتأكيده على الثقلين
في خطابه أمام جمهور المسلمين وصفوفهم
العائدين توّاً من أداء فريضة الحج ، إلاّ
كونهما أساس الإسلام وسرّ بقائه وبدونهما
تنحرف الاُمّة وينتشر الضلال ، وهذا ما حدث
بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ، عندما
اقصيت العترة الطاهرة عن دورها الإلهي في
قيادة المسيرة ، وتبعاً لذلك اُقصي الإسلام
عن دوره الحضاري الرائد ، حتى صارت الاُمة
الإسلامية غثاء كغثاء السيل تتهاوى عليها
الاُمم تنال منها ومن كرامتها .

ولا نشك في أن الإمام(قدس سره) في
ذكره حديث الثقلين في مقدمة وصيته ، ومن ثم
تأكيده على المظلومية التي لحقت بهما من حكام
الجور آنذاك وحثه الشعوب الإسلامية على
التمسك بهما بعد شرحه وتبيانه لآثارهما على
مسيرة الثورة والإسلام من ايران ، يقع تحت نفس
الغاية والاهتمام اللذين دفعا برسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) على التأكيد عليهما قبل رحيله
في حجة الوداع ، بفارق أن الإمام حينما صدع
بذكر أهمية حديث الثقلين أراد أن يؤكد ـ
بالإضافة إلى ما أراده الرسول(صلى الله عليه
وآله) ـ بأن التشيّع لأهل البيت(عليهم السلام)والثورة
الإسلامية والتأريخ الجهادي لأبناء الإسلام
... كلها من ثمرات هذه الحقيقة التي تدعو دوماً
للاعتزاز وتهدي إلى الرشد والكمال ، حيث يقول
الإمام في وصيته الإلهية السياسية : «نحن نفخر
بأننا أتباع مذهب وضعت اُسسه بأمر من اللّه
ورسوله الأكرم ، فيما كلف أميرالمؤمنين علي
بن أبي طالب ، هذا العبد المُحرر من جميع
الأغلال ، بتحرير البشرية من كافة القيود
والعبوديات ... نحن نفخر بأن أئمتنا هم
الأئمة المعصومون بدءاً من علي بن أبي
طالب وختماً بمنقذ البشرية الإمام المهدي
صاحب الزمان ـ عليه وعلى آبائه آلاف التحية
والسلام ـ وهو بمشيئة اللّه القدير حيّ يراقب
الاُمور ..

نحن نفخر بأن مذهبنا هو المذهب
الجعفري ، ففقهنا هذا البحر الزاخر الذي لا
ينضب هو من آثار جعفر الصادق(عليه السلام) ..
نحن نفخر بأن أئمتنا المعصومين ـ صلوات اللّه
وسلامه عليهم ـ قضوا حياتهم سجناً ونفياً
وتشريداً في سبيل رفعة الإسلام وتحقيق أهداف
القرآن الكريم»[4] .

والإمام بهذا التأكيد أراد أن يثبت
أهداف الأئمة التي هي أهداف القرآن الكريم ،
وبالتالي أهداف شيعتهم بعدهم ، ومن هنا نجد
الإمام يحث الشعوب الإسلامية على التمسك بحبل
العترة وسيرة أهل البيت(عليهم السلام)بغرض
إيقافها على فواعل الانعتاق والثورة والرقي ،
حيث يقول(قدس سره) : «والتمسك ـ بكامل التأكيد
ـ من الشعوب الإسلامية أن تسير على نهج الأئمة
الأطهار ، فلا تألوا جهداً في التضحية
بالغالي والنفيس والأعزة واتّباع هؤلاء ،
هداة البشرية العظام ، في المجالات الثقافية
والسياسية والاجتماعية والاقتصادية
والعسكرية ، وكمصداق على ذلك أن لا يتخلوا ولا
ينحرفوا ولو قيد أنملة عن الفقه العريق ، وهو
مرآة تبيان مدرسة النبوة والرسالة والإمامة
وهو ضمانة رقي وعظمة الشعوب بأحكامه الأولية
والثانوية»[5] .

وهكذا يبين الإمام للشعوب المسلمة
أسباب وموجبات الرقي والعظمة ، ويحثهم على
التمسك بفقه مدرسة أهل البيت العريقة ، هذه
المدرسة التي نهل من علومها إمامنا الراحل
وتشكّلت شخصيته ضمن أبعادها ومعطياتها ،
فأمسى في كل سماته صدوراً واعياً وتجسيداً
حياً لملامحها في شتى الجوانب الأخلاقية
والسلوكية والمنهجية والفكرية ، وهكذا «لم
يكن الإمام الخميني في طرحه لشعار الجمهورية
الإسلامية إلاّ استمراراً لدعوة الأنبياء
وامتداداً لدور محمد وعلي(عليهما السلام) في
إقامة حكم اللّه في الأرض»[6]
.

وفي هذا المعنى وفي إطار التأثيرات
التي تركت بصماتها على نهج الإمام ونظريته
التغييرية نلقي الضوء على مفردة كان لها
الوجود المميز في نظرية الإمام التغييرية ،
وهي تعود في اُصولها إلى تراث العترة الطاهرة
التي جسّدت المعاني الحقيقية للإسلام .

تلك هي رفض الظلم والظالمين ونصرة
الحق والمظلومين والإصرار على ذلك ، والذي
يُعدُّ مَعْلماً بارزاً وسمة تميّز بها
الإمام(قدس سره) وشكّلت بعداً صارخاً من أبعاد
نهجه ونظريته السياسية قبل نجاح الثورة
الإسلامية وبعدها ، لا فرق عنده بين أن يعلنها
بوجه الشاه المقبور أو بوجه عملاء أميركا أو
القوى الكبرى في العالم ، كما أنه لا فرق عنده
بين أن يساند الشعوب المستضعفة والمحرومة
كلها ، دونما تمييز بين شعب وآخر .

فالاستضعاف عنده حالة عالمية
تماماً كالاستكبار ، ومهما تنوعت وتشعبت
مصاديق كلا الحالتين في الواقع الإنساني فأنه
يظل حيالهما ذا موقف يتميز بالثبات والمبدئية
.

هذه الخاصية إنما هي في حقيقتها
مستلّة من واقع الأئمة الأطهار فيما سجّلوه
في عصورهم من مواقف بطولية مشرّفة بوجه الظلم
والظالمين والمستكبرين ، بحيث شكّلت هذه
السمة أساساً ارتكزت عليه سيرتهم وجهادهم ،
حتى كلّفهم ذلك حياتهم ، فقضوا شهداء ، إمّا
مقتولين بحدّ السيف أو مسمومين ، فضلاً عمّا
أصابهم من أذى ومطاردة وسجن .

وكان ذلك رائداً فكرياً وسلوكياً
للإمام ، دعاة غير مرّة للافتخار والاعتزاز :
«نحن نفخر بأن أئمتنا المعصومين (صلوات اللّه
وسلامه عليهم) قضوا أعمارهم سجناً ونفياً
وتشريداً في سبيل رفعة الإسلام وتحقيق أهداف
القرآن الكريم وأحدها تأسيس الحكومة العادلة
واُستشهدوا في جهادهم لإسقاط حكومات الجور
والطغيان في عهودهم»[7] .

ولا يخفى ما لواقعة الطف وثورة
الإمام الحسين(عليه السلام) من أثر بارز
وكأنّه تلك الصرخة التي أطلقها الإمام الحسين(عليه
السلام) في الثورة بوجه الظالمين والمستكبرين
، ومن هنا يؤكد الإمام(قدس سره) غير مرّة على
إحياء شعائر العزاء والولاء للإمام الحسين(عليه
السلام) ويؤكد أيضاً على ممارسة وإعلان
البراءة من آل اُمية وظالمي آل محمد واللعن
عليهم ، وفي مثل هذه الممارسة استحضار دائم
للثورة وللأهداف وتقويم دائم للواقع على أساس
معادلة الحق والباطل ومصاديقهما في كل عصر .

ومن هنا يشير الإمام ويوصي الشعوب
الإسلامية بأن «لا يغفلوا حتى للحظة عن إقامة
شعائر مراسم العزاء للأئمة الأطهار لا سيما
سيد المظلومين ورائد الشهداء أبي عبداللّه (صلوات
اللّه الوافرة وصلوات أنبيائه وملائكته
الصالحين من عباده على روحه الملحمية العظيمة)
، وليعلموا أن تأكيدات الأئمة(عليهم السلام)
على إحياء هذه الملحمة التأريخية الإسلامية
وأوامرهم بإدامة اللعن على ظالمي آل البيت
نابعة من كونها تمثل كل الصرخات الأبية
الشجاعة للشعوب بوجه الظالمين على مدى
التأريخ منذ الأزل إلى الأبد ، واعلموا بأن
اللعن الدائم على بني اُمية (لعنة اللّه عليهم)
يمثل ورغم انقراضهم وورودهم جهنم وبئس الورد
المورود صرخة اللعن والرفض لظالمي العالم ،
ففي إحياء هذه الصرخة إبادة للظلم»[8]
.

وهكذا يصبح الامتداد حيّاً .. آخذاً
صوراً بطولية وملحمية شاخصة في الصراع
والتحدي المريرين للشعوب المستضعفة المظلومة
وقضاياها الحقة ، وبين القوى الطاغوتية
الكبرى والمحلية ، كظالمين مستكبرين ،
والمحصلة النهائية تكون في انتزاع الحقوق
المهضومة . «وضروري أن نبين جرائم الظالمين في
كلّ عصر ومصر وبصورة معبرة قاصمة ضمن مراسم
العزاء ومراثي أئمة الحق(عليهم السلام) ، وفي
أشعار مناقبهم أيضاً ، ويتأكد الأمر من هذا
الزمان وهو زمان تعرّض العالم الإسلامي فيه
لشتى أشكال الظلم على أيدي أميركا وروسيا
وسائر عملائهم عليهم لعنة اللّه وملائكته
ورسله»[9] ذلك بالإضافة
إلى أن المراثي الحسينية ومراثي أئمة أهل
البيت(عليهم السلام) التي يقيمها الموالون
تتحول تلقائياً بحكم وضعيتها والدوافع التي
تأسست من أجلها إلى منابر إعلامية تصنع الرأي
العام وتحفّز الهمم والأفكار ضمن مفهومين
أساسيين ، هما سرّ الثورات والوعي السياسي
والإباء الذي يتميز به أتباع أهل البيت(عليهم
السلام) عمّا سواهم :

الأول ـ الظالمون وجرائمهم .

الثاني ـ المظلومون ومآسيهم .

ويظل البحث عن مصاديق هذين
المفهومين في كل عصر ومصر ليس عسيراً ، فنجد
أن الموقف اللازم اتخاذه ازاء الظلم كامن في
طبيعة هذه المراسيم والشعائر ولن يكون غير
الثورة والتحدي والجهاد المرير.

ولا يشك أحد في أن العترة الطاهرة
ظُلمت أيّما ظلم واضطهدت وعوملت بتعسّف يندى
له الجبين ، وتعتصر له القلوب ألماً ومرارة ،
ولم يكن لهم من ذنب سوى أنهم كانوا الامتداد
الإلهي لخط الرسالة وكانوا أمناءَها
والرقباء عليها . وكانوا بحق ، وبما يمتلكون
من صلة قربة ونسب مع الرسول(صلى الله عليه
وآله) ، الثقل الذي لا يوازيه غير ثقل القرآن
الكريم ، وكلاهما يمثلان الرسالة والدين وهذا
ما أراده اللّه تبارك وتعالى ، ومن هنا فأنّ
أيّ تجاوز لأحدهما ينسحب على الآخر : «إن كل ما
ألمّ بأيٍّ من الثقلين بعد الوجود المقدس
لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قد أصاب
الثقل الآخر وأن هجر أيٍّ منهما هجرٌ للآخر»[10]
.

وفي النتيجة تنعكس الآثار السلبية
على الرسالة والاُمة لا بل وعلى مستقبل
البشرية جمعاء : «وينبغي القول بأن ما أصاب
وديعتي الرسول(صلى الله عليه وآله) من ظلم
الطواغيت ظلم للاُمة الإسلامية ، بل للبشرية
جمعاء ويعجز القلم عن تبيانه»[11]
.

وفي السياق التأريخي للظلم الذي
لحق بالثقلين كانت البداية مع العترة ، حيث
أقصيت من منازلها التي أنزلها اللّه إيّاها
وأبعدت عن دورها في سياسة العباد وإدارة
الحكم ، ومن ثم محاولة إبعادهم عن مواقعهم في
الحياة وطمس معالمهم وتشويههم وانتهى الأمر
بكل واحد منهم إلى المحاصرة في البيت أو في
طوامير السجون حتى الشهادة ، وكان طبيعياً أن
يسري الانحراف في الاُمة . وتشوّه معالم الدين
ويتربّع على مناصب الحكم وإدارة المسلمين
اُناس جاهلون ومنحرفون امتدت أيديهم القذرة
إلى الثقل الآخر بعد أن فرغت من العترة ظلماً
وتزويراً وإجحافا : «ولنرى ما جرى على القرآن
، هذه الوديعة الإلهية ، وما تركه موت رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) من نوائب مفجعة
حريّ أن نبكي عليها دماً ، بدأت بعد استشهاد
الإمام علي(عليه السلام) .

فقد أستغلّ عبّادُ الأنا
والطواغيت القرآن الكريم واُتخذوه وسيلة
لتأسيس حكومات معادية للقرآن وأبعدوا مفسري
القرآن الحقيقيين والعارفين بالحقائق
الثابتة ممن تعلموا القرآن كله من الرسول
الأكرم(صلى الله عليه وآله)أبعدوهم بذرائع
شتى ومؤامرات معدّة في وقت لم يزل فيه نداء «إني
تارك فيكم الثقلين» مدوّياً ، في أسماعهم ،
وعطّلوا القرآن الذي كان وما يزال الدستور
الأعظم لحياة البشر وشؤونهم المادية
والمعنوية حتى يردوا الحوض ، وأبطلوا حكومة
العدل الإلهي ، وهي أحد أهداف هذا الكتاب
المقدس ، وأسسوا أساس الانحراف عن دين اللّه
وكتابه والسنّة الإلهية ، فبلغ الأمر حداً ـ
يخجل القلم عن تبيانه»[12]
.

هذا الظلم الذي لحق بالثقلين
والعواقب الناجمة عنه ، خلّف بصمات مؤثّرة
على مستقبل الاُمة وأهدافها ضمن اتجاهين :

الأول ـ إيجابي ، تميز به أتباع أهل
البيت طيلة تاريخهم ، وتبلور في قياداتهم ،
سيما في القيادة الحكيمة لإمام الاُمة الراحل(قدس
سره) ، وهو الوعي التأريخي الصحيح ، حيث يختزن
أتباع أهل البيت(عليهم السلام) في وعيهم جميع
التداخلات والملابسات التأريخية التي انتهت
بإقصاء الثقلين عن دورهما في الحياة ،
بالإضافة إلى وعيهم لحجم الانحراف
وامتداداته في واقع الاُمة ومستقبلها ، ومن
هنا يمتزج الألم والوعي في نفوسهم على طول
الخط ، وتكون المحصلة النهائية دائماً هي
الثورة والجهاد .

الثاني ـ سلبي ، حيث تمادى
الانحراف وبلغ أمداً طال حتى الأجيال
المعاصرة ، ولن يكتب له التوقّف قبل أن تعي
الاُمة أدوارها وتفهم أصالتها وطبيعة
المؤامرة المحاكة ضد مقدساتها وجذورها
الضاربة في أعماق التأريخ الإسلامي .

ومن هنا يقول الإمام في وصيته : «وبلغ
الانحراف درجة أن الحكومات الجائرة ،
والخبثاء من فقهاء البلاط ـ وهو أسوأ من
الطغاة ـ اتخذوا من القرآن وسيلة للظلم
وترويج الفساد وتسويغ أعمال الظلمة
والمعاندين لإرادة الحق تعالى ووا أسفاه ! أن
القرآن وهو كتاب الهداية لم يعد له من دور سوى
المقابر والمآتم بسبب الأعداء والمتآمرين
والجهلة من الأصدقاء ، كان الحال كذلك وما زال
، فأصبح الكتاب الذي ينبغي أن يكون محوراً
لتوحيد المسلمين والعالمين ودستوراً لحياتهم
، أصبح وسيلة للتفرقة وإثارة الخلاف أو عُطّل
دوره كلياً ، وقد رأينا كيف يعتبر مرتكباً
الكبائر من ينادي بالحكومة الإسلامية ويتحدث
باسم السياسة ، في حين أن سيرة الرسول(صلى
الله عليه وآله) والقرآن والسنّة مشحونة
بالنصوص المعنية بدور الإسلام الكبير في
الشؤون السياسية ، وأصبح وصف عالم الدين
السياسي مرادفاً لوصفه بالفاسق ، وما زال هذا
الوصف موجوداً ، وأخيراً آل الأمر إلى أن تعمد
القوى الشيطانية الكبرى من أجل محو القرآن
وحفظ مطامعها الشيطانية إلى أن طبع القرآن
بخط جميل ، وتمّ توزيعه على نطاق واسع ، وتنفذ
ذلك بأيدي الحكومات المنحرفة التي تتظاهر
بالإسلام زيفاً ، وهي بعيدة عن تعاليمه ،
وبهذا المكر الشيطاني تعطل القرآن»[13]
.

وهكذا فالفهم الصحيح ، والوعي
التأريخي لمظلومية ودور الثقلين يشكل مقدمة
أساسية للشعوب المسلمة لكي تعي استمراريّة
وحجم المؤامرة المحاكة ضدها ، ولن يكون ذلك
كافياً بمفرده للانعتاق والتقدم قبل أن تلتزم
الاُمة الإسلامية بالنهج الأصيل للإسلام .

وذلك باتباعها ما أوصى به رسول
اللّه ونبيّها محمد(صلى الله عليه وآله) وما
أكّده إمامها الخميني العظيم(قدس سره) «والتمس
بكامل التأكيد من الشعوب الإسلامية أن تسير
على نهج الأئمة الأطهار ،فلا تألوا جهداً في
التضحية بالغالي والنفيس والأعزّة واتباع
هؤلاء هداة البشرية العظام في المجالات
الثقافية والسياسية والاجتماعية
والاقتصادية والعسكرية كافة ، وكمصداق على
ذلك أن لا يتخلفوا ولا ينحرفوا ولو قيد أنملة
عن الفقه العريق ، وهو مرآة تبيان مدرسة
النبوة والرسالة والإمامة وهو ضمانة رقي
وعظمة الشعوب بأحكامه الأولية والثانوية
وجميعها من مدرسة الفقه الإسلامي»[14]
.

وهكذا يبقى نهج الإمام الخميني
الكبير(قدس سره) هو نهج الثقلين المباركين
وستستمر ثورته التغييرية على هذا النهج
الإلهي في خلفه الصالح الإمام الخامنئي (دام
ظله) وستبقى الاُمة في نهضتها عزيزة كريمة
مجاهدة مادام محورها ثقلا الرسالة المجيدين «القرآن
الكريم والعترة الطاهرة» حتى يحقق اللّه وعده
الحق : (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في
الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)[15]
صدق اللّه العلي العظيم .

والحمد للّه رب العالمين .


[1] بمناسبة الذكرى
السنوية لرحيل قائد الاُمة الكبير ومفجر
الثورة الإسلامية الإمام الخميني(قدس سره).

[2] الوصية الإلهية
السياسية لإمام الاُمة الراحل(قدس سره) .

[3] م . ن .

[4] م . ن .

[5] م . ن .

[6] الشهيد الصدر،
في بيان بعثه للاُمة الايرانية بعد انتصار
الثورة الإسلامية.

[7] الوصية الإلهية
السياسية لإمام الاُمة الراحل(قدس سره).

[8] م . ن .

[9] م . ن .

[10] م . ن .

[11] م . ن .

[12] م . ن .

[13] م . ن .

[14] م . ن .

[15] القصص : 5 .



/ 1