إمام خمینی و نظام القوی العالمی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام خمینی و نظام القوی العالمی - نسخه متنی

فؤاد کاظم المقدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

كلمة التحرير


الإمام الخميني (قدس سره) و نظام القوى العالمي

بقلم رئيس التحرير

جاءت كلمة التحرير هذه مساهمةً و استجابة من مجلة رسالة الثقلين، لإعلان ولي أمر المسلمين
سماحة آية اللّه العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظله) العام الحالي (عام 1378 ه. ش المصادف
1420 ه. ق)، عام الإمام الخميني (قدس سره) مفجر و قائد الثورة الإسلامية الكبرى في إيران.

إن نظام القوى الذي يحكم العالم أغلب سني القرن الأخير، يُدّعى أنه مقوّم بمجموعة فواعل
أساسيّة، تصوغ المعادلة السياسية العالمية وفق مبدأ يصطلح عليه ـ في عالم السياسة ـ
بمبدأ التوازن الدولي، و يعرّفون هذا المبدأ بأنه نظام لاتحاد القوى، وفق نظرية سياسية
تقوم على أساس مبدأ الحفاظ على ميزان القوة بين دول العالم، بالشكل الذي يحقق السلام
و الاستقلال لجميع هذه الدول، و يمنع من استئثار دولة معينة أو محور دولي متحالف سيطرة
على الدول الأخرى من خلال القوة العسكرية المتفوقة.

لقد تطورت هذه النظرية، و تبلور مبدؤها المسمى بتوازن القوى الدولي، ضمن الظاهرة التأريخية
للسياسة الأوربية المليئة بالحروب و المآسي. و كانت أولى بوادرها هي معاهدة وستفاليا
عام 1648م حيث برز مبدأ المفاوضات السياسية إلى جانب أسلوب الحرب في حسم الخلافات بين
الدول الأوربية، ثم أعقبتها صيغة أخرى أكثر تطوراً في حرب القرم عام 1851م، عند ما تحالفت
فرنسا و انجلترا و سردينيا، لمساعدة الدولة العثمانية ضد التوسع الروسي باتجاه المضايق،
و كذلك ما حدث عام 1870م بعد هزيمة فرنسا و نشوء الإمبراطورية الألمانية من مجموعة الممالك
و الأمارات الجرمانية،
و تحالفها مع النمسا و إيطاليا، الأمر الذي أدّى بدوره إلى تكوين
تحالف في مقابل ذلك، جمع كلاً من روسيا و فرنسا و بريطانيا. و قد حصل هذا إبّان الحربين
العالميتين الأولى و الثانية.

و لعل الدعوى التي دفعت المجتمع الدولي لالتزام نظام توازن القوى، و التمسك به كمبدأ
في ضبط العلاقات الدولية، هي السيطرة على حالة الصراع المستمرة بين الدول، بسبب عوامل
الاختلاف بينهما، المتمثلة فيما يسمى بالمصالح القومية من جهة، و اندفاع كل دولة لامتلاك
تفوق متميز في القوة للحفاظ على مصالحها القومية تلك من جهة أخرى. و من هنا تضطر الدول
المحددة القوى، إزاء خطر تحدي القوة الكبرى، إلى الدخول في ائتلافات و تحالفات مع قوى
أخرى، تشكل بمجموعها قوة موازنة أو شبه موازنة لتحدي تلك القوة الكبرى. و هكذا يفترض
بهذا المبدأ تحقيق أثرين هامين على الصعيد الدولي العام :

الأثر الأول : حفظ السلام الدولي.

الأثر الثاني : حماية استقلال الدول الأعضاء في تلك المحاور و التكتلات.

و من هذا يتضح أن الصورة التقليدية لمبدأ توازن القوى يستند على ركيزتين أساسيتين :

1ـ أن الدول الأطراف في تجمعات و محاور القوى المضادة يجمعها هدف واحد، هو الإبقاء على
الاستقرار السائد في علاقات القوى، و ردع العدوان.

2ـ أنه في أي موقف دولي يُحقّق هذا التوازن عن طريق قدرة هذا النظام ـ أي نظام القوى
ـ على توليد ضغوط متعادلة و متعاكسة، و بذلك يمكن تفادي حدوث أي اختلال غير مرغوب فيه
في علاقات القوى هذه.

و يُدّعى أيضاً أن لتوازنات القوى ـ بالمفهوم التقليدي المذكور ـ سواء في الإطار الإقليمي
أو الإطار العالمي نوعين :

1ـ التوازنات البسيطة للقوى : و هي حالة التكافؤ النسبي القائمة بين دولتين أو بين مجموعتين
من الدول متعادلتي القوى.

2ـ توازنات القوى المعقدة أو المتعددة الأطراف : و هي التوازنات القائمة بين مجموعات قوى
كثيرة، و تعمل هذه التجمعات على موازنة بعضها البعض، و لا توجد حدود قصوى يقف عندها
عدد هذه المحاور و التجمعات في ظل النظام المتعدد لتوازن القوى.


حقيقة توازن القوى الدولي

رغم ما سيق من جوانب إيجابية لسياسة توازن القوى في العلاقات الدولية، تكشف الحقيقة
على أرض الواقع لنا، أن فكرة التوازن هذه جنحت عن صورتها التي نظّرت بها، و لم تصبح
إلاّ لعبة لمراكز القوى المتفوقة في المجتمع الدولي، و بذلك فقدت هذه السياسة منطقها
الذي أسست عليه، رغم ما ورد عليه من مؤاخذات، و هو الاعتقاد بوجود علاقة ارتباط إيجابي
بين سياسات توازن القوى من جهة، و تحقيق الاستقلال و السلم الدولي من جهة أُخرى.

ثم إن أبرز الأسباب وراء ذلك ـ سواء كانت كامنة في طبيعة هذا المبدأ أو مقترنة بالواقع
الحقيقي له ـ هي :

1ـ أن الطريقة التي يُفترض سلوكها لتحقيق توازن القوى، قائمة على أساس حساب القوة في
كل دولة و في كل تحالف، و هذا الحساب ليس كمياً و حسب، بل هو مركب من العوامل الكمية
و الكيفية في وقت واحد، و على ضوء ذلك يتم إعادة التوازن بين القوى كلما حدثت حالة اختلال
فيها، و عليه لا بد أن تكون مقاييس الحساب و معايير التقدير واحدة لدى كل هذه الدول
و التحالفات، سواء في النواحي السكانية أو الجغرافية أو التسليحية أو غيرها. الأمر الذي
يحتاج إلى الدقة و اليقين، و هذا ما لا يمكن توفره في حالات الصراع البسيطة، فكيف يتم
في حالات الصراع المعقدة و المتطورة ؟ خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار عامل التسليحات
السريّة.

و على هذا ستبنى التقييمات على التخمين لا على الحقيقة و الواقع، فلا يتحقق التكافؤ
الفعلي أو الحقيقي في توزيعات القوى، و ستكون النتيجة عبارة عن توازن وهمي، لا يلبث
أن تظهر آثاره على شكل امتداد في النفوذ، و بسط السيطرة بأشكال تتناسب و طبيعة القوى
المتفوقة من جهة، و مع طبيعة القوى المستضعفة و أهميتها الاستراتيجية من جهة أخرى. إذن
لا استقلال و لا سلام دولي؛ لأن التوازن المحقق لهما حسب الفرض وهمي، فنتائجه وهميّة
أيضاً.

2ـ المفروض أن تقويم نظرية توازن القوى، يتم على أساس أن الحالة القائمة بين الدول،
و روابط بعضها مع البعض الآخر، متحركة و منفعلة بعوامل القوة المباشرة فقط (جغرافية،
سكانية، عسكرية)، و هذا سوف يحصرها في دائرة فرضيّة غير واقعية؛ حيث أن عوامل أساسية
أخرى تلعب دورها في التأثير على طبيعة العلاقات، و الروابط القائمة بين تلك الدول و
التحالفات، و من أبرزها العامل الاقتصادي، الذي تطور تطوراً كبيراً و معقداً، بشكل جعل
منه عاملاً حاسماً في أغلب الحالات، لتغيير موازين القوى، و الدخول في تحالفات جديدة
من أجل تحقيق أعلى درجات السيطرة على الاقتصاد العالمي، و من ثم بسط النفوذ و السيطرة
السياسية على بلدان العالم المستضعف. و نحن نشاهد اليوم كيف تهيمن مراكز القوة الاقتصادية
ـ كشركات النفط العالمية و الكارتلات الصناعية الكبرى ـ على السياسة الدولية، و تمارس
دورها في تسيير دفة سياسات كثير من الدول القوية لصالح أهدافها الاقتصادية. و هذا يعني
أن مسألة الاستقلال و السلام الدولي، مسألة ثانوية أمام المصالح الاقتصادية الكبرى،
بل إن التوازن في القوى سوف لن يتحقق؛ لأنه سيصبح تحت رحمة العامل الاقتصادي، الذي يبدو
أنه لا تحده
حدود دولية.

3ـ أن الأساس الإيديولوجي الذي تقوم عليه الدول و تتبناه مجتمعاتها، يشكل عقبة كبيرة
في طريق تحقيق توازن حقيقي للقوى، يثمر استقلالاً و سلاماً دولياً حسب الفرض، خصوصاً
إذا كانت التحالفات قائمة بين دول متعارضة، و متضادة في إيديولوجياتها الفكرية. إذاً
لا يخلو أن تسلك هذه الدول أحد مسلكين : إما قيام حكوماتها بقسر مجتمعاتها، و إجبارها
بالقوة على الرضوخ لهذه التحالفات الجديدة، أو العمل وفق خطة بعيدة المدى لتغيير مجتمعاتها،
و استيعابها ضمن الإيديولوجية الجديدة، و تغطيتها بزخم إعلامي هائل يخلق رأياً عاماً
يتسق و إياها، و ليس هذا إلاّ تبعيةً بأبشع صورها، و مسخاً لهوية المجتمعات و مبادئها،
و تهديداً في الصميم للسلام الحقيقي. و أبرز الأمثلة على ذلك ما نراه اليوم في واقع
أغلب حكومات عالمنا الإسلامي، حيث إنها في سبيل أن تدخل ضمن لعبة التوازن الإقليمي أو
الدولي، تعمد إلى تهيئة أرضية الاستجابة و التفاعل مع خطواته و مشاريعه، عن طريق تقويض
الأسس الفكرية و الأخلاقية للشعوب الإسلامية، و ربطها بالمسار الفكري و الخُلقي للدول
التي دخلت في تحالفات قوى معها. لذا تجد أن قوة كبرى قد جنّد كافة إمكاناته الإعلامية
و الثقافية،
للسيطرة على أكبر حجم ممكن من الرأي العام، في إطار المناطق الإقليمية الخاضعة
لها مباشرةً، أو في المناطق الإقليمية التي تحاول أن تمتد إليها، ضمن عملية الصراع من
أجل التفوق و الامتياز الدولي.

4ـ أن مجموعات دولية معينة حاولت أن تشكّل فيما بينها تكتلاً أو تحالفاً، يضمن لها القدرة
على تكوين القوة الموازنة للقوى الكبرى، و بذلك تساهم في تصحيح أي اختلال، أو ردع أي
عدوان يحصل عليها، خصوصاً في الأزمات الدولية الحادة، و لكنها وجدت نفسها ـ من خلال
الاستهداف الإيديولوجي و الاقتصادي الموجه نحوها ـ أنها لم تعُدْ قوة موازنة فعلية،
بل انحلت إلى قوى تابعة و ذائبة في إطار القوى الكبرى المهيمنة على الساحة الدولية.
و من أمثلة ذلك حركة عدم الانحياز، و منظمة الدول الإفريقية، و جامعة الدول العربية
. بل إن بعضها أصبح شكلاً و أسلوباً، تمارس القوى الكبرى من خلاله دورها في النفوذ و
السيطرة على الدول الأعضاء فيها، و بذلك فقدت هذه الدول قدرتها على تحقيق أمنها و استقلالها
الذاتي، و أصبحت تحت رحمة تلك القوى الكبرى.

5ـ أثبتت التجربة على أرض الواقع، أن الدول المتصارعة التي تتبنى الإيديولوجية المادية
النفعية في صراعها الدولي، تنظر دائماً إلى الأزمات الدولية من منطلق ما يسمى بالمصلحة
القومية، أو الإقليمية الخاصة بها، و ليس من منطلق حفظ المصلحة العامة للمجتمع الدولي
و هذا يعني أن التوازن العالمي للقوى لا يمثل قيمة حقيقية متّفق عليها من قبل تلك الدول،
بل هو قيمة نسبية طردية في علاقته بالمصلحة القومية أو الإقليمية الخاصة. و ما نشاهده
اليوم من عمليات غزو و احتلال، تقوم بها دول كبرى متفوقة لدول أُخرى مستضعفة، أوضح دليل
على ذلك. إذاً فمسألة الاستقلال و السلام الدولي هي الأخرى لا قيمة حقيقية لها، بل هي
رهينة مصالح تلك الدول الكبرى المهيمنة على مقدرات الساحة الدولية.

6ـ لو بحثنا في تاريخ الحروب منذ طرح مبدأ توازن القوى الدولي، لوجدنا أن أغلبها نشأ
بسبب اعتقاد بعض الدول الأطراف في توازن القوى، بالامتياز و التفوق في بعض جوانب القوة
لديها، لذا لم تتردد عن إثارة الحرب كوسيلة للوصول إلى تحقيق أهدافها، في مزيد من بسط
النفوذ و السيطرة على دول العالم الأخرى، و بهذا الأسلوب يبدو أن مسألة الاستقلال و
السلام الدولي، لا تخضع للمعادلة النسبية من قبل بعض أطراف توازن القوى المزعوم. و لمّا
كانت حالات الاعتقاد بالتفوق و الامتياز، من المسائل المتحركة في إطار فرص التحولات
السياسية، المدعومة بعوامل الإثارة الإعلامية من الخارج، و الصراعات السياسية في داخل
كل دولة، إذاً فالحروب مستمرة، و الاستقلال و السلام الدوليان مهددان باستمرار. و الأمثلة
كثيرة على ذلك، منها الحرب الفيتنامية، و الحرب الكورية، و العدوان الثلاثي على مصر
عام 1956، و الغزو الإسرائيلي لأراضي ثلاثة بلدان عربية مجاورة لها (مصر و الأردن و
سوريا)، و احتلال أجزاء منها، و هو ما سمي بحرب الأيام الستة في حزيران عام 1967 م،
و كذلك الغزو السوفياتي لأفغانستان، و غيرها.


الخيارات المحددة في لعبة التوازن الدولي

إن الواقع الدولي اليوم يُقرأ لنا هكذا :

أولاً ـ هناك قوى مركزية كبرى أفرزها الصراع الدولي، و اعترفت بامتيازها و تفوقها كافة
دول العالم، و أقرّت لها بذلك في إطار المنظمات الدولية العامة ، و على رأسها منظمة
الأمم المتحدة و مجلس الأمن. و هذه الدول هي : الولايات المتحدة الأميركية، و بريطانيا،
و فرنسا، و روسيا، و الصين.

ثانياً ـ قوى ثانوية تدور في فلك هذه القوى الكبرى، ضمن احلاف و معاهدات عسكرية إستراتيجية،
كالدول المنظمة لحلف الناتو الذي تتزعمه أميركا، و الدول المنظمة للتحالفات الإقليمية
الخاصة.

ثالثاً ـ دول إما خاضعة من خلال تحولها إلى قواعد عسكرية للقوى الكبرى، و إما خاضعة لمعادلة
متوازنة بين المعسكرين على طريقة تقسيم النفوذ لأسباب إستراتيجية (عسكرية أو اقتصادية
أو سياسية أو مجتمعة كلاً أو بعضاً).

إذاً هناك طوق مضروب لا تستطيع أية قوة أو دولة في العالم أن تخرج عنه، و ليس لها أن
تختار إلاّ ضمن هذا الطوق، فإما أن ترتبط بالقوى الكبرى بشكل مباشر، أو تخضع لمعادلة
توازن نسبي لنفوذ هذه القوى الكبرى.

أما إذا قرأنا نحن هذا الواقع بتجرد و موضوعية، فنجده يتمثل بظاهرتين رئيسيتين :

1ـ ظاهرة تمركز الاستكبار الدولي، من خلال محورية القوى بكل أشكالها (سلاح، و تكنولوجيا،
و إعلام متطور، و اقتصاد، إلخ) في إطار التحالفات الإستراتيجية للقوى الكبرى.

2ـ السيطرة على دول ما يسمى بالعالم الثالث، بطريقة توزيع الأدوار للقوى و التوازن، ضمن
معادلة تقسيم أحجام النفوذ في إطار المحاور الاستكبارية، و تكريس ذلك من خلال عوامل
التجزئة السياسية إلى دول صغيرة، و مسخ الجانب الفكري و الحضاري الذي تتميز به، و افتعال
الصراعات فيما بينها إمعاناً في إضعافها، و تقنين أنظمتها على أسس الاستبداد و القمع
لشعوبها؛ منعاً من بروز أية ظاهرة تمرد مباشر أو غير مباشر للخروج عن سيطرتها، و تحديد
القدرات العلمية و الاقتصادية لها، إلى المستوى الذي لا تستطيع أن تفلت به عن عجلة الاستكبارية
في كل مقومات وجودها.


محاولات اختراق نظام توازن القوى العالمي

إن هناك ادعاءات عدم انحياز، و تحرر من أطر هيمنة المحاور الاستكبارية، لا تعدو مجال
الشعار و النظريات السياسية في سوق الدعاية و الإعلام، لامتصاص انفعالات الشارع السياسي
لحركة الشعوب التواقة للحرية و الاستقلال. و لكن هذا لم يعدم وجود محاولات جادة، كان
لها صدىً أوسع من الدائرة القطرية التي انطلقت فيها، و من أبرزها ما يلي :

أـ محاولة ماوتسي تونغ

لقد شخص هذا الزعيم الصيني طبيعة هذه الثنائية في المعادلة السياسية للمجتمع الدولي،
و اعتبرها وهماً و خداعاً، و دعا إلى رفضها مؤكداً أن كل ما تتمخض عنه حركة التحرر العالمية،
من انتفاضات و ثورات و حروب و معاهدات و أزمات، ما هي إلّ نتاج صراع شامل بين فكرين
و حضارتين متنافرتين تنافراً حاداً، هما فكر و حضارة الشرق، و فكر و حضارة الغرب، و
صنّف كلاً من أميركا و حلفائها و الاتحاد السوفياتي و حلفائه في الخانة الغربية الاستعمارية،
و ميّز الشرق بالتاريخ الحضاري المعطاء، و النزعة الإنسانية السامية. أما الغرب فعقيم
جدب روحياً، و تأريخه عبارة عن تجسيد عملي لقهر الإنسان و استغلال الآخرين. إلاّ أن
نظرية ماوتسي تونغ هذه لم تلبث أن توارت، و طويت في خضم الفواعل الأساسية للسياسة الدولية
القائمة؛ لأنها لم تخرج عن أصول الفكر المادي الذي يتقوم به أطراف المحاور الاستكبارية،
ثم إنها بقيت أسيرة الطرح النظري، الذي تجاوزه الواقع بعد هزيمة المادية الماوية في
الصين.

بـ التجربة الرائدة للإمام الخميني (قدس سره) في الثورة الإسلامية

لقد برز الإمام الخميني قائداً للأمة الإسلامية، و رائداً إنسانياً لكل الشعوب التي
ترنو إلى الحرية و الكرامة و الاستقلال، و انطلق بثورته هذه من ثوابت حقيقية، استطاع
بكفاءته النادرة أن يركّب منها قوة جبارة، أطاحت بأكبر نظام سياسي عسكري يعتمد عليه
الاستكبار في تنفيذ مخططاته، فيما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط، بل نظام يعتبر نقطة ارتكاز
في السيطرة على هذه المنطقة، و أحد العوامل الأساسية في حفظ التوازن الدولي القائم بين
المحاور الاستكبارية. و أبرز هذه الثوابت هي :

1ـ تعميق الإيديولوجية الإسلامية الضاربة في عمق وجدان الشعب المسلم في إيران، و رفعها
إلى سطح العمل السياسي الشامل، من خلال أطروحة الحكومة الإسلامية.

2ـ الاعتماد الرئيس على تعبئة القطاع الواسع للشعب المسلم في إيران، في التصدي و الثورة
بقيادة علماء الدين المجاهدين المنتشرين في البلاد، دون الاقتصار على القوى السياسية
التقليدية، التي قد تتعرض للضغوط و التحريف أو الإبادة و التصفية.

3ـ الرفض القاطع لنفوذ و هيمنة أي من المحاور الاستكبارية، على مقدرات و ثروات الشعب
المسلم في إيران، و رفض كل أنواع الخضوع التي كرّستها هذه المحاور من خلال لعبة التوازن
الدولي، منذ دنّست أقدامهم أرض المسلمين. و قد جسّد ذلك فعلاً سياسياً بشكل حاسم و جذري،
من خلال الشعار السياسي الهادر من أفواه الملايين من أبناء الشعب المسلم في إيران، و
من خلال قطع كل عوامل النفوذ (سياسية و اقتصادية و عسكرية و إعلامية و غيرها)، في واقع
النظام الإسلامي الجديد. و لعل أبرز الخطوات في هذا المجال، هي سيطرة الشعب على السفارة
الأميركية في طهران، باعتبارها وكراً للتجسس، و تصفية عملاء الاستخبارات السوفياتية
و البريطانية في إيران.

و بعد الانتصار الإسلامي الرائع و الفريد، الذي أثار إعجاب كافة شعوب العالم و سياسييه،
و قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، انتقلت نفس الرؤية البعيدة للإمام الخميني
(قدس سره) ، و بنفس الثوابت الحقيقية لها، إلى دائرة الأمة الإسلامية و العالم المستضعف، و بذلك
برزت فكرة الصراع مع الاستكبار العالمي بكل صوره و أشكاله، كمشروع يجب أن يتم، و هو
ما سمى فيما بعد بتصدير الثورة الإسلامية، و عُنونت فكرة هذا الصراع على أساس أن طرفيه
هما عالم المستكبرين و المترفين و الطواغيت، و في قباله عالم المستضعفين و المحرومين
و المقهورين. و تجسدت رؤية الإمام الخميني في هذا المشروع بضرورة تعبئة الجماهير المستضعفة،
و دفعها للثورة على طواغيت الاستكبار و عملائه، و هو بذلك يدعو إلى إسقاط كل محاور الاستكبار
العالمي، و تحطيم كل مرتكزاته و لعبه الدولية، و في مقدمتها لعبة توازن القوى الدولي
على الطريقة الاستكبارية.

4ـ الأسلوب الثوري الواقعي الذي يعتمد ـ بعد اليقين ـ الإقدام بقوة إلى الأمام، و عدم
التراجع خطوة واحدة إلى الخلف.

5ـ اعتماد طريقة تكثيف الجهود نحو أهداف مركزية مرحلية في واقع الصراع السياسي، و عدم
الدخول في أية إثارات تتعدى هذه الأهداف، إمعاناً في تضليل العدو، و تعجيزه عن التخطيط
لاحتواء الثورة و إحباطها، و تجميع أكبر حجم من الجهود و القوى السياسية، و وقايتها
من التشتت و الاختلاف فيما لم يحن وقته. و يكفي للإيضاح الإشارة إلى سلوك الإمام الخميني (قدس سره) قبل الانتصار، فقد كان يمتنع عن الخوض في دائرة أوسع من بيان ظلم الشاه، و فساد النظام
و عمالته للاستكبار ، و ضرورة خروج الشاه من إيران.


النظرة التقويمية للمشروع

إن النظرة التقويمية لهذا المشروع على أرض الواقع، تلاحظ من زاويتين رئيسيتين :

1ـ أن النظام الدولي القائم «المحاور الاستكبارية» رغم احتكاره للساحة الدولية، و استئثاره
بالمصالح النهائية في حركتها، و تمركز وسائل القوة (سلاح، و تكنولوجيا، و إعلام متطور،
و اقتصاد، و غيرها) في قبضتها، لا يعني أنه مطبق على كل جزئيات الواقع السياسي المتحرك،
بدليل انتصار الثورة الإسلامية، و قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، التي استطاعت
أن تخترق هذه المعادلة، و بدليل النهضة العالمية للشعوب المستضعفة، التي نشاهدها اليوم
و هي تدعو للأصالة و التحرر من كل أنواع الاستعباد، ثم الصحوة الإسلامية التي تدعو للأصولية
الإسلامية، الرافضة لكل أنواع التبعية و السيطرة بطريقة الاستعمار و الاستعباد.

2ـ إدراك دوائر المحاور الاستكبارية لخطر هذه الثورة و قيادتها الرسالية، و تأكيدها
على أنها قد اختُرقت بالثورة الإسلامية، و أنها مهددة بصراع حضاري و إيديولوجي، يستهدف
تقويض كل ما بنته و شيّدته فكرياً و سياسياً و اقتصادياً على حساب الشعوب المستضعفة
. و فعلاً وقع التهديد المرتقب، و بدأ الصراع بين معسكر المستضعفين و معسكر المستكبرين،
و هو صراع جذري من أجل الوجود و البقاء، و لا بد أن يندحر أحدهما و يسقط صريعاً في الميدان
. إننا نرى أن نهاية معسكر الاستكبار ليست كامنة في تناقض تركيبته الداخلية و حسب، بل
إن تحولات جذرية حصلت في الاتجاه العام لفهم الشعوب، و إدراكها لمصلحتها و حقوقها المشروعة،
و تأثرت تبعاً لذلك طريقة ارتباط هذه الشعوب بأنظمتها الحاكمة، و بالتالي في الموقف
من مسار هيمنة الدول المستكبرة عليها، و أسلوب التعامل معها.

إن أهم المؤشرات على ذلك هو بروز الإسلام من أفق الثورة الإسلامية في إيران، كحركة و
ثورة على المسرح السياسي، و تعامله على أنه القوة الحقيقية القائمة على أساس قدرات الأمة
الإسلامية، و إرادة الشعوب المستضعفة التواقة للحرية. و لهذه القوة كلمتها و موقفها
في شؤونها الخاصة، و في كل ما يجري في الأوساط الدولية و إيجاباً، و هذا يعني أن آثاراً
ستترتّب على ممارسة هذه القوة الجديدة لدورها الرسالي، من أبرزها :

1ـ ضرب مبدأ توازن القوى الدولي الاستكباري في الصميم، و هذا يعني الخروج عن نفوذ جميع
القوى الكبرى و لعبها الدولية، فتضطرب المعادلة، و تختل الموازنة القائمة بين نفوذ و
مصالح هذه القوى، و عندها ستضطرب العلاقات، و تزداد حدّة الحرب الباردة بينها، بل إن
التأزم الدولي لقوى الاستكبار سيزداد، كلما ازداد إصرار و عزم الثورة الإسلامية على
الرفض و التحدي له، و مدّ قوى المستضعفين في العالم بكل عوامل الثورة و الصمود.

2ـ طرح نموذج و مثل أعلى تنشدّ نحوه كافة الشعوب المستضعفة، و تستهدي تجربته الرائدة
و انتصاراته المتوالية. و قد ساعد على تغذية هذا التوجه دخول الأسلوب الثوري الإسلامي
في أهم المحافل الدولية «كالأمم المتحدة، و حركة عدم الانحياز، و منظمة الأوبك، و غيرها»،
كما برز الأسلوب الثوري في اصطباغ أداء أغلب الشعائر و الممارسات الإسلامية به، كصلاة
الجمعة (العبادية السياسية) و مسيرة البراءة من المشركين في الحج، و يوم القدس العالمي
و نحوها، و هكذا الحال في وسائل الإعلام المتنوعة و المؤتمرات العلمية و الثقافية. و
هذا يعني أن تياراً جديداً سيطغى على الواقع السياسي، و منطقاً جديداً سيظهر في التعامل
. ذلك هو منطق الثورة الإسلامية و تيار الشعوب الثائرة.

(و كذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيداً)(البقرة
: 143).

/ 1