من آفاق القیادة الاسلامیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

من آفاق القیادة الاسلامیة - نسخه متنی

السید علی حسینی الخامنه ای

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


مـن آفاق القيادة الاسلامية

الاصلاحـات ماهيتها ، سبل تحقيقها ، أولويتها

* ولي أمر المسلمين آية اللّه العظمى السيد الخامنئي «دامظلّه»

من حديث لقائد الامة الاسلامية وولي أمر
المسلمين آية اللّه العظمى السيدعلي الخامنئي «دام ظلّه » في لقاء
لسماحته مع كبار مسؤولي النظام الاسلامي في ايران .

قال
اللّه الحكيم في كتابه (بسم
اللّه الرحمن الرحيم * الذين قال لهمالناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم
فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من اللّه وفضل لم
يمسسهم سوء واتبعوا رضوان اللّه واللّه ذو فضل عظيم) .

ماهي الاصلاحات ؟

إن
الذي بدا لي أن أتحدث فيه اليوم هو كيفية التغلب على العيوب والنقائص والقضاء على
مظاهر الفساد ، أو بالمعنى الصحيح للكلمة ، تحقيق الاصلاح في البلاد . فهذا هو
السؤال المهم الذي يستحق أن يشغل أذهان المهتمين بمصير هذه البلاد وهذا الشعب . إن
قضية الاصلاحات اليوم هي موضوع الساعة في هذا البلد ، وهناك الكثيرون ممن يتحدثون
حول الاصلاحات ويعملون على تحقيقها . فما هي الاصلاحات ؟ وماهو السبيل لتحقيقها ؟
وماهي أولوياتها ؟ فهذه كلها قضايا فائقة الاهمية .

وأما
القضية الاخرى ذات الاهمية في هذا المجال فهي : ماهو الذي يصبو إليه العدو من خلال
دعاياته التي يرفع فيها شعار الاصلاحات ؟ إن الاصلاحات من القضايا التي تخص الشعب
، فما هو السبب في تركيز وسائل الاعلام العالمية على قضية الاصلاحات في إيران كما
تلاحظون؟ إن هذه الدعايات تبثها مراكز لا يمكن لها الزعم بأنها تريد الخير للشعب
الايراني . فهل يعود السبب في وجود الفساد وحالة الكبت وخراب الاوضاع في هذا البلد
إلاّ إلى تسلط ونفوذ قوى الاستكبار الانجليزي في المرحلة الاولى والاميركي في
المرحلة الثانية ؟ وهل يوجد سبب آخر غير ذلك ؟ وإلاّ فما هي القوى التي أوجدت
الكبت في هذا البلد ؟ وماهي القوى التي أقامت الاجهزة الوطنية والحكومية في هذا
البلد على أساس الفساد ؟ وماهي القوى التي كافحت الاخلاق العامة والانسانية على
مدى خمسين عاماً ؟ وماهي اليد التي أوصلت رضا خان إلى سدة الحكم ؟ وماهي العناصر
التي نفذت انقلاب 28 مرداد ؟ ومن هو الذي قام بأسوأ حركة دعائية على مدى أكثر من
خمسين عاماً لجعل الجماهير تنقاد نحو الفساد والانحلال والتنكر للمبادئ الاخلاقية
والدينية ؟ إن شبابنا اليوم لا يتذكرون شيئاً عن صحافة العهد البهلوي ، ولكنكم أنتم
مازلتم تتذكرون. فمن الذي كان يشجع تلك الصحف الفاسدة ، أو الملونة ، على حد تعبير
أحد المثقفين المسلمين المعروفين ؟ ومن الذي كان يموّلها ويعضدها ؟ وبمن كانت
تقتدي وتتأسّى ؟ فهل هناك سوى تلك الاجهزة السلطوية التي جاءت بالنظام البائد وظلت
تدعمه بكل وجودها ؟!

وهل
لدينا اليوم ما يجعلنا نعارض اسم ورسم السلطة الاميركية بكل ما نملك من وجود سوى
أن ذلك النظام الغابر أكبّ على بعثرة وتضييع كافة مصادرنا الانسانية والمادية
والاخلاقية والكفائية على طول خمسين عاماً ؟ فما الذي حققه النظام البهلوي لايران
طوال هذه الاعوام الخمسين ؟ وكم نحتاج من الجهود والوقت لاصلاح ما أوجدوه من خراب
، وكيف ؟ فمن الذي مهّد لكل ذلك ؟ ومن الذي قدّم الدعم والمساندة؟ ومن الذي خطط
لذلك النظام ؟ ومن الذي قام بتقوية جهازه التجسسي؟ ومن الذي أعطاه الخط ؟ ومع ذلك
، فإن حكومة أميركا وانجلترا ورؤساءهما وما هنالك من سياسيين ومراكز إعلامية هم أنفسهم
الذين يدعمون ويساندون اليوم ما يسمى بالاصلاحات والحرية في إيران ! وهذا هو ما
يدفع كل عاقل إلى إعمال فكره ، ويحثّ كل غافل على اليقظة والانتباه . فما هي
القضية ؟ إنه لحديث في غاية الاهمية ، وسؤال في منتهى الموضوعية .

مشروع أميركي لاسقاط النظام الاسلامي

إنني ، وبصفتي قد عاصرت الكثير من
الاحداث والقضايا في الميادين المختلفة لهذا النظام منذ بداية الثورة وحتى الان ،
وأعرف طبيعة الاشخاص وفحوى الكلام ، وعلى دراية باتجاهات الاعلام العالمي ، قد
توصلت إلى استنتاج عام وهو : أن ثمة مشروعاً أميركياً شاملاً لاسقاط نظام
الجمهورية الاسلامية ، وهو مشروع مدروس من كل الجهات ، وقد أُعدّ على غرار ذلك
المشروع الذي استخدم لاسقاط الاتحاد السوفيتي ، ويصبو العدو إلى تنفيذه ثانية في
إيران . وإنني لو أردت استعراض قرائن وشواهد هذا المضمون ، فكلها ماثلة في ذهني ،
ولا يحتاج الامر إلى تقصي دلائله ، لان هناك العديد من الشواهد الواضحة في
تصريحاتهم . وإن صحة هذا الادعاء تبدو واضحة تماماً من خلال تصريحاتهم المنطوية
على الغرور والاستعلاء طوال الاعوام الاخيرة ـ والتي يصفون هم أنفسهم بعضها بأنها
كانت متعجّلة ـ وهذه التصريحات التي تبدو محسوبة أحياناً تشير إلى أنهم قد أعدّوا
مشروعاً كالذي نفّذوه لاسقاط الاتحاد السوفيتي السابق ولكن بالشكل الذي يتناسب مع
طبيعة الاوضاع في إيران ، لاسقاط هذا النظام بزعمهم ، ولكنهم قد ارتكبوا العديد من
الاخطاء ، وهذا من الالطاف الالهية .

إن أعداءنا يرتكبون الاخطاء في حساباتهم
في المواقف الحساسة . وهذه الاخطاء ليس بمقدورهم إصلاحها حتى لو تحدثت عنها ،
لانها أخطاء في إدراك الحقائق ، وهم يخططون انطلاقاً من هذه الاخطاء فتأتي خططهم خاطئة
، ويتعرضون للفشل . لقد كانوا قد أعدّوا الخطط لمساندة النظام البهلوي ، ووقفوا
خلفه بكل قواهم ، سوى أنهم أخطأوا في التعرف على قضايا إيران ، والتعرف على شعب
إيران ، والتعرف على علماء الدين، والتعرف على الدين ، فكان نصيبهم الفشل ، وحتى
الان أيضاً فلن يكون مصيرهم سوى الفشل والهزيمة .

لقد تعرضوا للعديد من الاخطاء . وأولها
أن السيد الخاتمي ليس كالسيد غورباتشوف . وثانيها هو أن الاسلام ليس كالشيوعية .
وثالثها أن النظام الشعبي في الجمهورية الاسلامية ليس كالنظام الدكتاتوري
البروليتاري . ورابعها هو أن إيران المكونة من نسيج واحد ليست كالاتحاد السوفيتي
الذي كان يمثل عدداً من البلدان التي وصّلوا بعضها ببعض بالدبوس . وأما خامسها فهو
أن الدور الذي لا بديل له للقيادة الدينية والمعنوية في إيران ليس أمراً من قبيل
المزاح . ولسوف أوضح كل هذه الاخطاء بالتفصيل فيما بعد .

المشروع الاميركي لاسقاط الاتحاد السوفيتي

ولكن دعوني الان أشر إلى المشروع
الاميركي لاسقاط الاتحاد السوفيتي . وإن ما يدور الان في ذهني هو لبّ مذكراتي
اليومية التي سجلتها عام 1370 هـ . ش ]1991م[ حول أحداث الاتحاد السوفيتي . ولقد أضفت إلى هذه المذكرات فيما
بعد الكثير من المعلومات التي جمعها ونظمها أصدقاؤنا عن مصادر مهمة روسية وغير
روسية ، وهو ما لا أريد الخوض فيه الان ، سوى أنها كانت أحداثاً خطيرة .

وعندما أقول «المشروع الاميركي لاسقاط
الاتحاد السوفيتي» فلابد وأن أضيف إلى هذا الاسم نقاطاً ثلاثاً :

الاولى : هي أنه عندما أقول «مشروع
أميركي» ، فلا يعني هذا أن سائر الكتلة الغربية لم تتعاون مع أميركا بهذا الصدد .
وذلك لان كافة الدول الغربية والاوربية قد تعاونت مع أميركا في هذا المجال بكل ما
لديها من طاقة . فمثلاً دور المانيا وانجلترا وبعض الدول الاخرى بارز في هذا الامر
، حيث تعاون هؤلاء بشكل جدي مع أميركا .

والثانية : هي أنه عندما نقول «مشروع
أميركي» ، فلا يعني هذا أننا نتجاهل العوامل الداخلية لسقوط الاتحاد السوفيتي .
كلا ، فلقد كانت عوامل السقوط ماثلة في النظام السوفيتي ، ولقد استغل أعداؤه هذه
العوامل على أفضل وجه . فما هي تلك العوامل ؟ إنها الفقر الاقتصادي المدقع ،
وممارسة الضغوط على الجماهير ، والكبت القاتل ، والفساد الاداري ، والبيروقراطية ،
علاوة على العوامل القومية والوطنية التي برزت في الاثناء .

وأما الثالثة : فهي أن هذا المشروع
الاميركي أو الغربي ـ أيّاً كان الاسم ـ لم يكن مشروعاً عسكرياً ، بل كان إعلامياً
بالدرجة الاولى ، وتم تنفيذه أساساً عن طريق اللافتات واليافطات والصحف والافلام
وسواها . والذي يدقق في هذا الموضوع سيلاحظ أن خمسين أو ستين بالمائة من المشروع
قد نُفّذ نتيجة لوسائل الاعلام والاساليب الثقافية . فليكن اهتمامكم كبيراً أيها
الاعزاء بموضوع الغزو الثقافي الذي أثرته قبل سبع أو ثماني سنوات ، فالهجمة
الثقافية ليست مزاحاً . ومن ثم كان العامل السياسي والاقتصادي بالدرجة الثانية بعد
العامل الاعلامي والدعائي ، وأما العامل العسكري فلا أثر له مطلقاً .

ولكن ماهو ذلك المشروع ؟ إن غورباتشوف
عندما تسلم مقاليد السلطة عام 1985م كان من العناصر الشابة إذا قورن بأي سكرتير
عام عجوز سبقه ، كما كان مثقفاً وحسن السلوك ، وكان الشعار الذي طرحه هو
البروستريكا بالدرجة الاولى والغلاسنوست بالدرجة الثانية . والبروستريكا تعني
إعادة البناء والاصلاحات الاقتصادية ، وأما الغلاسنوست فتعني الاصلاحات في
الميادين الاجتماعية ، وحرية التعبير ، وما إلى ذلك . ولقد غمروا غورباتشوف في
العام الاول والثاني بالابداعات الاعلامية من أحاديث وتحليلات وإطراءات وتوجيهات
واقتراحات حتى وصل الامر إلى أن المراكز الاميركية قدمته على أنه رجل العام ! وكان
هذا في مرحلة الحرب الباردة ، أي عندما كان الاميركيون يجهضون أية محاولة للنجاح
في الاتحاد السوفيتي ! فقبل غورباتشوف كانوا يتنكرون بشدة لكل ما قد يحدث في
الاتحاد السوفيتي من خطوات موفقة ويشنون عليها الهجمات الاعلامية الشرسة ، ولكن
الحال تغير فجأة مع غورباتشوف ، ولقد كان هذا الترحاب الغربي الشديد المنطوي على
التشجيع هو الخدعة التي انطلت على غورباتشوف ، إنني لا أستطيع الزعم بأن أجهزة
الاستخبارات الغربية أو الاميركية هي التي جاءت بغورباتشوف إلى سدة الحكم ـ كما
يدعي البعض في أنحاء العالم ـ لانني حقيقةً لا أملك أدلة على ذلك ، ولم يطرق سمعي
أيضاً خبر من وراء الستار ، ولكن الشيء المسلّم به هو أن الترحاب والانبساط والرضا
والاحترام والتبجيل والتشجيع والتقدير من قبل الغربيين هو الذي خدع غورباتشوف .
لقد منح ثقته للغربيين والاميركيين ، ولكنه وقع في شباك الخديعة . وإن المرء
ليلاحظ آثار هذه الخديعة في الكتاب الذي أصدره غورباتشوف تحت عنوان (البروستريكا ـ
الثورة الثانية) .

لقد كانت هذه الشعارات مدوية في ذلك
اليوم الذي كانت أجواء الكبت فيه تخيم على الاتحاد السوفيتي . وإنني كتبت في
مذكراتي لعام 1369 أو 1370 هـ ش ]1991م[ أن غورباتشوف رفع تصريح التنقل من مدينة إلى أخرى في الاتحاد
السوفيتي ، أي أنه وبعد ثلاثة وسبعين عاماً من قيام الاتحاد السوفيتي ، وبعد
انتهاء فترة حكم ستالين التي استغرقت ثلاثين عاماً ، ومدة سلطة بريجنيف التي امتدت
على مدى ثمانية عشر أو تسعة عشر عاماً ، كان ما أنجزه السيد غورباتشوف ضمن ما أنجز
على صعيد الغلاسنوست هو رفع لتصريح التنقل .

وفي مثل هذه الاجواء يمكنكم إدراك ما
تتضمنه فكرة ومشروع قضية حرية الرأي من معنى ، وكم أنه مدهش ومذهل بالنسبة للجماهير
أن يقول : حرية التعبير ؟ ففي خلال كل تلك الفترة لم يكن هناك في الاتحاد السوفيتي
سوى صحيفة واحدة مهمة وهي صحيفة برافدا والتي كانت صحيفة عامة ، كما لم يكن هناك
سوى صحيفة واحدة تتعلق بالشباب ، إضافة إلى بعض المطبوعات المتخصصة ، وأما تعدد
الصحف وإصدار الكتب ذات المحتوى المثير للاهتمام فلم يكن له وجود على الاطلاق . وعندما
قام أحد الكتّاب بنقد بعض أصول الاشتراكية ـ وليس كلها ـ فإنه ظل ممنوعاً من
الخروج من الاتحاد السوفيتي لمدة طويلة . وبالطبع فإن الاميركيين روّجوا كثيراً في
إعلامهم لصالحه وظلوا طويلاً يتحدثون عنه ، حيث مازلت أتذكر هذا الموضوع منذ مرحلة
ما قبل الثورة .

وفي أجواء كهذه جاء غورباتشوف وأطلق
شعاره المثير ، سوى أنه ارتكب أخطاءً لا أبغي الحديث عنها الان ، ولسوف يتضح بعضها
في مطاوي هذا الخطاب . وخلال مدة قصيرة عمت الدعايات الغربية والعادات والمثل
الغربية الاتحاد السوفيتي ، ومنها موديلات الملابس ، ومكدونالد ، وسوى ذلك من
التقاليد التي كانت في الحقيقة بعضاً من الرموز الاميركية . ولا تحسبوا أن هذه
أفكار لطالب حوزوي منعزل ، ففي تلك الايام قرأت في المجلات الاميركية ـ كالتايم
والنيوزيك ـ بأن انتشار مقاهي مكدونالد في موسكو يُذكر على أنه خبر مهم ويحلّل على
أنه طليعة ذيوع الثقافة الغربية والاميركية في الاتحاد السوفيتي !

لقد ظلت شعارات غورباتشوف في الذروة
لمدة عام أو عامين ، ثم ما لبث أن ظهر بجواره شخص آخر يسمى يلتسين . وكان دور
يلتسين دوراً مصيرياً ، حيث كان عليه التأكيد بإصرار بأن هذه الشعارات لا جدوى
منها ، وأن هذه ليست سوى قفزة قصيرة ، وأن الوقت بات متأخراً ، وأن الاصلاحات لم
يُكتب لها التقدم . ولو كان هناك شخص عاقل ومدبّر في مكان غورباتشوف لاستطاع أن
يروج لهذه الاصلاحات لمدة عشرين عاماً ـ كما حدث في الصين ـ ، ولكن هذا المقدار
سلب غورباتشوف أناته وتمهله ، وتفاقمت الامور لدرجة عزل غورباتشوف لمعاونه يلتسين
، ولكن وسائل الاعلام الاميركية والغربية صعدت من دعمها له فضلاً عن عدم إقصائه .

وظلت وسائل الاعلام الغربية والاميركية
لمدة عام أو أكثر تظهر يلتسين على أنه شخصية بارزة متنورة وإصلاحية مظلومة ومغضوب
عليها . إلى أن حان وقت الانتخابات الرئاسية في روسيا ، وكما تعلمون فإن
الجمهوريين نادوا بانتخابات مستقلة ، وهو ما لم يحدث ; فلقد كان أحد انجازات
غورباتشوف هو ضرورة إجراء الانتخابات ، حيث لم تجر انتخابات مطلقاً في الاتحاد
السوفيتي بعد سقوط الحكم القيصري . وأما في الحقبة القيصرية فقد كانت الانتخابات
شبيهة بانتخابات عهد الشاه في إيران . حتى إن المشروطية عندهم تزامنت مع المشروطية
في إيران ولكن بفارق عام واحد . ففي عهد الحكم القيصري كان المجلس الوطني (الدوما)
مجلساً صورياً كمجلس الشورى الوطني عندنا في زمن النظام البهلوي . حتى إذا جاء الشيوعيون
فقد انتهى كل شيء ، فلا مجلس ، ولا انتخابات ! والان وبعد انقضاء ثلاثة وسبعين
عاماً تقرر إجراء انتخابات رئاسية في روسيا ، وليس في كافة الاتحاد السوفيتي . فمن
هو المرشح ؟ إنه السيد يلتسين ، وبحصول يلتسين ـ أي ذلك العنصر الاصلاحي ـ على
غالبية الاصوات ، فإنه أصبح رئيساً للجمهورية .

ومن هنا تبدأ القصة الظريفة ; فمنذ أن
تسلم يلتسين مقاليد الرئاسة في يونيو عام 1991م وحتى الاعلان الرسمي عن سقوط
الاتحاد السوفيتي لم يستغرق الامر سوى نحو سبعة أشهر ، أي أن كل تلك السنوات لم
تكن سوى مقدمات للانهيار . وقد حدثت بعض هذه المقدمات على يدي غورباتشوف ، حتى إذا
انتهى دوره ; اضطلع يلتسين بما تبقى منها ، فحقق المشروع الاميركي قفزته المرجوة
لدى وصول يلتسين بما تبقى منها ، فبعد أخذ يلتسين بزمام الرئاسة في روسيا ، وبعد
أن بات الرجل الثاني في الاتحاد السوفيتي ، فإن الابداع تحقق على يديه . فبمجرد أن
أصبح رئيساً في يوم 24 / 3 / 1370 هـ . ش ، وبعد ذلك بثلاثة أيام ، أي في يوم 26 /
3 / 1370 هـ . ش ، قام الرئيس الاميركي جورج بوش وأعلن أن جمهوريات منطقة البلطيق
الثلاث ـ أي لتونيا واستونيا وليتوانيا ـ لا تتعلق بالاتحاد السوفيتي ، وأن عليه
أن يمنحها الاستقلال ويعترف رسمياً باستقلالها ، وإلاّ فإن أميركا ستوقف مساعداتها
التي كانت مقررة . وإنني لا أتذكر الان هل كانت أميركا وعدت بهذه المساعدات في عهد
رونالد ريغان أو في زمن بوش ، ولكنها كانت قد وعدت بها السيد غورباتشوف على كل حال
؟ ولم يكد يمضي سوى زمن يسير حتى أعلن يلتسين عن الاعتراف الرسمي باستقلال
الجمهوريات الثلاث ! وبعد ذلك بشهرين ، ولكي يزداد تألق شخصية يلتسين ; فقد وقع
الانقلاب المعروف في الاتحاد السوفيتي والذي كان يبدو غامضاً تماماً في ذلك الوقت
. وعندئذ نشطت التلفزة الاميركية ـ سي إن إن وسواها ـ في موسكو ، وسلطت أضواءها
على يلتسين ، حتى أن شبكة التلفزة عندنا ، وعندما كانت تبث التقرير المصور لشبكة
سي إن إن ، فإننا شاهدنا يلتسين وهو يقطع الشوارع على دبابة ويطلق الشعارات بين
الجماهير ويقول : كلا ، إننا لن نستسلم للانقلابيين ، ثم توجه إلى البرلمان ، ولكن
الانقلابيين لم يمسوا يلتسين بسوء وهو الذي كان في متناول أيديهم عندما تحصن
بالمجلس الوطني (الدوما) ولم يمسكوا به ، بل توجهوا إلى غورباتشوف الذي كان يقضي
عطلته في شبه جزيرة القرم ، واعتقلوه ! وظل يلتسين أيضاً يطلق التصريحات ويرفع
الشعارات ! فأقاموا ضجة إعلامية في كل العالم ، ولكن دون أثر ملموس للحقيقة ، وظهر
عدد من الدبابات وهي تتجول في شوارع موسكو ، ولكنها اختفت بعد ثلاثة أيام ، ثم ما
لبثوا أن أعلنوا بأنهم قبضوا على المتمردين نياماً ، وانقشع غبار الانقلاب عن
يلتسين وقد أصبح الرجل الاول بعد أن كان الرجل الثاني . وفي تلك الايام قام وزير
خارجيتنا بزيارة لجمهوريات آسيا الوسطى ، فسألته عن الاخبار لدى عودته ، فقال :
إنه من الواضح أن رئيس الجمهورية هو يلتسين وليس غورباتشوف ، وكانت الامور جلية
على ما هي عليه أمام أنظار العالم . ثم أخذت الجمهوريات تطالب باستقلالها الواحدة
تلو الاخرى ; فمثلاً زعمت أوكرانيا أنها تطالب بالاستقلال ، فعارض غورباتشوف ووافق
يلتسين ، ثم ما لبث أن وافق غورباتشوف مرغماً بعد يومين أو ثلاثة ! وعلى هذا
الاساس فإن تلك الخطة قد دبّرت ليجد غورباتشوف نفسه مضطراً للتقدم ورفع نفس هذه
الشعارات حتى لا يتأخر عن الركب ، أو مرغماً على التبيعة بعد أيام قليلة ، حيث أن
ضغوط الاعلام العالمي لم تكن تفسح مجالاً إلاّ لما يقوله يلتسين دون سواه .
واستمرت الامور على هذا المنوال منذ أواخر شهر يونيو ، فجاء اقتراح إقالة
غورباتشوف من الامانة العامة للحزب الذي تبعه اقتراح حلّ الحزب الشيوعي ، ثم
الاعلان عن هزيمة الشيوعية ـ وهو ما أثلج صدور الاميركيين كثيراً ـ ، وأخيراً
انتشرت إشاعة استقالة غورباتشوف . وفي مقابلة أجريت مع غورباتشوف في ذلك الوقت
سُئل : هل ستقدم استقالتك أم لا ؟ فأجاب : إنني بانتظار مجيء وزير الخارجية
الاميركي إلى موسكو لارى ماذا سيحدث ، ووصل وزير الخارجية الاميركي إلى موسكو ،
لكنه التقى يلتسين قبل الاتصال بغورباتشوف ، وذلك في الكرملين حيث تتم اللقاءات
الرسمية ، مما يعني أن أمر غوباتشوف قد انتهى ، وبعد ذلك بثلاثة أيام قدّم
غورباتشوف استقالته ، وجاء الاعلان عن انهيار الاتحاد السوفيتي ، وكان هذا هو
مشروع أميركا الناجح في الاتحاد السوفيتي ، أي أنهم استطاعوا عن طريق خطة ذكية
تماماً ، وبإنفاق بعض الاموال ، وتجنيد بعض العناصر ، وباستخدام وسائل الاعلام ،
أن يسقطوا قوة كبرى ويقضوا عليها نهائياً في خلال ثلاث أو أربع سنوات تكللت
بالثمار المرجوة خلال ستة أو سبعة أشهر .

وبودي أن أقول لكم هنا بأن روسيا ، وبعد
سقوط الاتحاد السوفيتي لم تتحول إلى برازيل ثانية كما كانوا يريدون ; فلقد كانوا
يطمعون في تحويل روسيا لتصبح كالبرازيل ، أي دولة من دول العالم الثالث ذات كفاءة
إنتاجية عالية ولكنها تعاني من الفقر الشديد وليس لها دور في السياسية العالمية .
فهل هناك في العالم من يسمع بالبرازيل من حيث الموقف والرأي والحضور في الساحة
الدولية ؟ لقد كانوا يريدون أن تصبح روسيا هكذا ، وهو ما لم يحدث ، فلماذا ؟ لان
في روسيا شعباً قوياً وعريقاً ومتماسكاً ، فضلاً عن التقدم الصناعي والنووي
والعلمي والفكري وسوى ذلك من الامكانيات المثيرة للاهتمام . وإن الذين انهمكوا في
صياغة مثل هذه المشاريع كانوا يحلمون بأن يحدث مثل هذا الشيء في الجمهورية
الاسلامية . إنهم يتصورون بأن الجمهورية الاسلامية ستصبح مثل روسيا اليوم إذا ما
لاقت نفس المصير . كلا . ويفكرون بأن إيران ستعود إلى ما كانت عليه في العهد
البهلوي ، أي في الدرجة العاشرة بعد تركيا ، وذلك لانهم يعتقدون بأنه مادمنا لا
نمتلك الطاقة النووية ; فلن نحقق التقدم العلمي المطلوب ، علاوة على أن عدد سكاننا
لا يبلغ ثلاثمائة مليون ، ولسنا من طراز روسيا من حيث المساحة ، حيث مازالت من
أكبر دول العالم حتى الان .

نقاط الاختلاف بين الجمهورية الاسلامية في إيران
والاتحاد السوفيتي

ولكن ماهي الحقيقة الان ؟ إن الحقيقة
تجافي ما خططوا له بقدر ابتعاد السماء عن الارض ، لقد ارتكبوا خطأً فاحشاً ، وإنني
في الواقع أشعر بالمرارة من مقارنة السيد الخاتمي العزيز مع غورباتشوف ـ وهو السيد
المؤمن سليل الشرفاء والعاشق للعلوم الدينية والمحب للامام والذي هو مثلنا من طلبة
العلوم الدينية ـ كما فعل الغربيون . فلقد عقدوا هذه المقارنة وقالوا بصراحة بأن
شخصاً شبيهاً بغورباتشوف وصل إلى السلطة في إيران . ولا ننسى طبعاً أن البعض هنا
في الداخل شعروا بالغبطة من ذلك ، وللاسف ، ولم يفهموا هذه الاهانة ، كما لم
يدركوا ما تستتبعه من مؤامرة من حيث المبدأ ، إنه لا شأن بالمغرضين ولا بالذين
يتابعون الاحداث ويعلمون بما يجري وماذا يريدون أن يفعلوا ، ولكن بعضاً من غير
المغرضين أيضاً لم يفهموا ماذا يحدث ولا ما الذي يزمع عليه العدو .

فلنعد إلى نقاط الاختلاف : النقطة
الاولى هي الفرق بين رئيس جمهوريتنا والسيد غورباتشوف ; لقد كان غورباتشوف متنوّراً
، وربما لم يكن يؤمن كثيراً بأصول ومبادئ الشيوعية ، ولم يكن على وفاق أبداً مع هيكلية
الاتحاد السوفيتي ، ولقد عبر هو بنفسه عن ذلك بأساليب مختلفة . وبالطبع فإنه لم
يكن بمقدوره أن يعلن ذلك بصراحة كبيرة عندما أخذ بزمام الحكم ، إلاّ أنه كان يصرح
بذلك بالقدر الميسور . وأما رئيس جمهوريتنا ، فالجمهورية الاسلامية هي دينه
ومعتقده ، والامام هو مراده وأسوته ، وهو رجل دين . لقد كانوا يتحدثون في البداية
من وحي خيالهم، ومازال سياسيّوهم وأشرافهم يتحدثون بنفس ذلك الاسلوب ، ولكن بعضاً
منهم ساوره الهلع في العامين الاخيرين ، وقالوا في وسائل إعلامهم : كلا ، إنه
مثلهم ، وإنه واحد من هؤلاء الاصوليين ، وهذا هو الشيء الذي فهموه على حقيقته ،
كما أن غورباتشوف لم يكن مؤمناً بأصول الماركسية ، وكان متولّهاً بالغرب ، وكان
يردد كلام الغربيين ولكن باللغة الروسية ، وإلاّ فشعاراته لم تكن تختلف عن
شعاراتهم ، وكان من مريديهم ، وثمة أيضاً بعض الاشياء المنمّقة جداً كالزيارات والوعود
الكاذبة والفارغة ، وسوى ذلك مما لا مجال له في هذا الحديث والذي بوسعكم استنتاجه
بأنفسكم .

وأما الفرق الثاني فهو أن الاسلام غير
الماركسية ، فالشعب السوفيتي لم يكن على وفاق مع الشيوعية وإن كانت دين الحزب
الشيوعي . وكان الحزب الشيوعي السوفيتي مؤلفاً من بضعة ملايين فقط ، ربما تصل إلى
عشرة أو خمسة عشر مليوناً ، من أصل جميع السكان البالغ عددهم نحو ثلاثمائة مليون .
كما كان أعضاء الحزب الشيوعي يتمتعون دائماً بامتيازات خاصة ، وهو ما يجعلنا نخمن
بأن الحصول على هذه الامتيازات كان هو الهدف الاول لهؤلاء الاعضاء ، ولهذا لم تكن
الشيوعية تمثل ديناً لهم . وأما الاسلام فهو دين شعبنا ومناه وإيمانه ، والاسلام
هو الذي من أجله دفع هذا الشعب العظيم بأعزائه وأبنائه إلى ساحات القتال حتى إذا عادوا
أجساداً مخضبة بالدماء ، فإنه لم يذرف عليهم الدموع ، بل توجه بالشكر إلى اللّه
تعالى ! فهل رأيتم مثل هؤلاء الاباء والامهات ؟ ! لقد شاهد كل واحد منا المئات من
هذه الحالات ، حيث شاهدت أنا بنفسي الالاف منها عن قرب . واليوم وعندما يأتي إلينا
آباء وأمهات ضحّوا بأربعة شهداء من أبنائهم ، فإنهم حتى وإن اشتكوا من بعض المشاكل
، فإنهم يشعرون بالحبور والرضا للتضحية بأبنائهم في سبيل الاسلام ، إن هذا الشعب
ذائب في الاسلام بكل وجوده ، فبعد خمسين عاماً من محاولات ضرب الدين اصطف منتظماً
خلف إمامه العظيم ومرجعه الديني وأقام بعظمة هذا النظام الاسلامي . إن الاسلام هو
ذلك الدين الذي إذا علا اسمه ورفرفت رايته في سماء إيران ; فإن المسلمين الواعين
أحسّوا بهويتهم وشخصيتهم وكرامتهم حيثما كانوا في شتى أنحاء العالم . ثم جاء هؤلاء
ليقارنوا بين الاسلام والماركسية . فالحمد للّه الذي جعل أعداءنا من الحمقى .

وأما الفرق الثالث فهو أن النظام
الاسلامي ليس نظاماً شيوعياً ، بل هو نظام إسلامي ويتمتع بالشباب والحيوية
والمرونة والسعي الدؤوب والشعبية . لقد كنت أقول للسيد الخاتمي في ذلك اليوم : بأن
أي نظام في العالم ـ حتى في الغرب الديمقراطي ، أو في أميركا ، أو في فرنسا ، أو
في بلدان أخرى ـ لا يتمتع بالشعبية كما عندنا ، وذلك لانه في الديمقراطيات الغربية
يتوجه البعض إلى صناديق الاقتراع ، ثم يصوتون لصالح الشخص الذي رشحه الحزب مثلاً ،
حتى إذا أدلى المواطن بصوته انتهى كل شيء ثم إن الذين تشملهم شروط التصويت يمثلون
غالباً نسبة 37% من مجموع المواطنين . فمثلاً لم يتجاوز هذا العدد 37% في
الانتخابات الاميركية الاخيرة . ولم يصل عدد المشاركين في الانتخابات إلى ستين أو
سبعين بالمائة أبداً كما حدث هنا في انتخابات رئاسة الجمهورية أو انتخابات المجلس
في دورته الخامسة أو السادسة . وبإختصار فإن كل الذين يشاركون في الانتخابات هناك
يدلون بأصواتهم ثم يذهبون وانتهى الامر . وأما هنا فالوضع يختلف ، حيث يحب الشعب
المسؤولين وتربط بينهم أواصر عاطفية ، وليست علاقات انتخابية فحسب ، وعندما يتعرض
أحد المسؤولين هنا للمرض فإن الجميع يرفعون أيديهم بالدعاء طلباً لشفائه كما لو
كان أحد أبنائهم ، كما أنه إذا لوّح أحد المسؤولين بالاشارة فإن الجماهير تتدافع
إلى ميادين الاخطار مضحية بحياتها ، وهذا مما لا أثر له عند الديمقراطيات الغربية
، فما بالنا بنظام البروليتاريا الدكتاتوري ؟ إنهم يصرحون بأنفسهم بأن الدكتاتورية
أحد مبادئهم الضرورية ، أي عدم الانتخابات . فعلى طول أكثر من سبعين عاماً
استغرقها النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي وحتى الانتخابات الروسية الاخيرة لم
تجر أية انتخابات مطلقاً ، بينما أجري عندنا واحد وعشرون انتخاباً خلال واحد
وعشرين عاماً ، فهل ثمة مجال للمقارنة ؟ إن حياة ممثلي البروليتاريا هناك هي حياة
القصور وبذخ الكرملين ، وأما هنا فإننا نجلس على بساط بكل فخر . كما أن المسؤولين
هنا يسعون جاهدين بإعتزاز للاقتراب من حياة الجماهير . وأما في النظام الشيوعي ،
وعندما كان ستالين متربعاً على أريكة الحكم ، فإنه لم يكن هناك علاج آخر إلاّ
بموته ، فلقد ظل يحكم لمدة ثلاثين عاماً ، حتى إذا وافته المنية إثر حادث ، أو
بدون حادث ، أو على أثر إدمان المشروبات الكحولية الروسية المعتّقة ، جاء خَلفه
خورتشوف ، ثم بريجنيف الذي عاجلته المنية بعد ثمانية عشر أو تسعة عاماً ، فخلفه
شخص آخر ! فهذا النظام يختلف عن نظام الجمهورية الاسلامية القائم على الانتخابات
وصوت الشعب وتجرى فيه انتخابات برلمانية ورئاسية كل أربع سنوات .

وأما على مستوى القيادة فنظامنا أسمى
درجة ورتبة ، لان القيادة لدينا قيادة معنوية وتترتب عليها التزامات معنوية ، ولا
يتوقع الخبراء أو الشعب من القائد أن تبدر عنه حتى زلة واحدة ، وإلاّ فسيكون قد
عُزل تلقائياً ، كما أن كلامه لا يعد حجة لا بالنسبة له ولا بالنسبة للشعب . فهل
يمكن مقارنة هذا النظام المرن والحيوي والفعال والمتطور بنظام مغلق ومتزمّت وتتمثل
فيه هشاشة الدكتاتورية البروليتارية ؟ !

النظام الاسلامي هو نظام الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر

كما وأود أن أبدي ملاحظة أخرى ، وهي أن
النظام الاسلامي هو نظام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر . والامر بالمعروف
والنهي عن المنكر واجب حتمي على الجميع ، سوى أن مسؤوليتنا أنا وأنتم في باب الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر أكبر من الاخرين نظراً لما يقع على عاتقنا من واجبات
ثقيلة . فينبغي علينا استخدام الاساليب والوسائل المناسبة ، ولكن على أبناء الشعب
أن يتحملوا أيضاً ما عليهم من مسؤوليات . وإن أداء واجب الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر لا يسقط ببضع مقالات في الصحف ولا تنتهي قيمته المؤثرة . فالنهوض والنضج
والكمال والصلاح كلها من متعلقات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهي التي
تحافظ على النظام شاباً على الدوام . والان فإن نظامنا البالغ من عمره واحداً
وعشرين ربيعاً مازال شاباً ، وحتى إذا قورن بالنظام الشيوعي الهزيل والعجوز
والبالغ أكثر من سبعين خريفاً ، فإنه سيبدو شاباً بطبيعة الحال . ولكن حتى إذا مرت
مائة عام على وجود هذا النظام فسيظل واجب الامر قائماً ، واعلموا أن من واجبكم نهي
أي شخص عن المنكر إذا رأيتم منه منكراً ، وحينئذ يبقى هذا النظام الاسلامي أكثر
رونقاً وطراوة وازدهاراً . ولا ينحصر المأمورون بالمعروف والمنهيون عن المنكر في
طبقة العوام فحسب ، بل ربما كانوا من الخواص أيضاً ، فعليكم بأمرهم بالمعروف ،
وإياكم أن تتوجهوا بالرجاء إلى شخص من النخبة ، بل عليكم أن تنهوه قائلين : لا
تفعل هذا الشيء أو لا تقل هذا الكلام فهو غير صحيح . فالحالة الاستعلائية لابد من
تمثلها في الامر والنهي ، ولا يعني هذا الاستعلاء بالضرورة أن يكون الامر أو
الناهي أرفع درجة من المأمور أو المنهي ، كلا ، فروح وقالب الامر بالمعروف والنهي
عن المنكر تنأى عن الرجاء والخضوع والتضرع ، فلا يمكن أن يقال : أرجوك أن لا تفعل
هذا الشيء ، بل يجب أن يقال : لا تفعل هذا الخطأ ، لماذا تخطئ؟ فالجميع مخاطبون
بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لو كان الشخص أكثر أهمية مني ، وإن كنت لست
سوى طالب حوزوي صغير .

وأما الخطأ التالي فيتعلق بنظرتهم إلى
هذا البلد . إن إيران بلد منسجم ، حتى إنكم لو تحسستم مشاعر تلك الاجزاء التي
انفصلت عن إيران في القرون السابقة فستجدونها تنبض بالرغبة في الانضمام إلينا
«فكلّ يحنّ إلى أصله» ، وهؤلاء أيضاً يحنون إلى أصلهم . فأين إيران من الاتحاد السوفيتي
؟ لقد وصلوا عشرة أو أحد عشر بلداً بعضها بالبعض الاخر بدبوس ـ أو بمعنى آخر
بالسوط ـ ثم جعلوا منها ما يسمى ببلد واحد ، ومن الواضح أنهم إذا رفعوا عنها السوط
فستنفصل ، وقد انفصلت .

طبعاً ينبغي أن أقول هنا أيضاً : بأنهم
يركزون على موضوع القوميات في إيران ، فالبعض يحاول نفي العامل الحقيقي للوحدة ـ
أي الاسلام والدين ـ عن طريق إثارة النعرات القومية . إن الذين يتصورون أن اللغة الفارسية
هي عامل الوحدة في هذا البلد ; لا يحبّون اللغة الفارسية كما أحبها أنا بالتأكيد ،
ولم ولن يقدّموا لها واحداً بالمائة مما قدّمته . فاللغة الفارسية ليست عامل
الوحدة الوطنية في إيران ، بل إنه الاسلام ، ذلك الدين الذي تجسّد في الثورة
والنظام الاسلامي ، فكانت نتيجة ذلك أن المتحدث بالتركية يقول «آذربيجان أُياختي ،
إنقلابا داياختي» أي «آذربيجان قائمة ، وللثورة داعمة» وهو ما يقوله الكردي
بالكردية ، والبلوشي بالبلوشية ، والعربي بالعربية . ولكن البعض يحاولون التقليل
من أهمية العامل القويّ للتأليف بين قلوب أبناء الشعب الايراني ، وهو الايمان
بالاسلام . وهذا خطأ ، فالبلد والشعب منسجمان صحيح أن هذا الانسجام يعود إلى
التاريخ والجغرافيا والعادات والتقاليد والثقافة ، ولكنّ مردّه أساساً إلى الدين
وموضوع القيادة ، وهو ما ألّف بين أجزاء هذا الشعب وجعل الجميع يشعرون بالوحدة
والانسجام .

كما أن ثمة مسؤولية تقع على عاتق
القيادة ، وهي الحفاظ على النظام والثورة . وأما إدارة شؤون البلاد فتقع على
كاهلكم أنتم أيها السادة المسؤولون ; فكل منكم يدير البلاد من موقعه ، والواجب
الاساس للقيادة هو مراقبة كل هذه المواقع حتى تظل متناغمة مع النظام والاسلام
والثورة . فإذا حدث نشاز جاء دور القائد . والقائد ليس شخصاً بعينه ، وليس طالباً
حوزوياً يسمى علي الخامنئي أو ما أشبه من الكثيرين من أمثاله ، بل إنه عنوان
وشخصية وحقيقة نابعة من إيمان وحب وعاطفة الشعب ، وهو كرامة وماء وجه . وإن للمئات
من أمثال علي الخامنئي أن يضحوا بحياتهم وكرامتهم في سبيل هذه الحقيقة ، ولا أهمية
لذلك . ودعوكم مني فأنا لست بشيء ، ولكن إمامنا العظيم ـ الذي كان بحق إماماً
لافئدة هذا الشعب ـ لم يخرج عن هذا المعنى . فلقد كان مستعداً لاراقة ماء وجهه
حفاظاً على النظام وقيادة هذا النظام . وهذه حقيقة لها حضور ، ولن يستطيعوا
تشويهها مهما قالوا ومهما فعلوا .

إن القيادة لم يكن لها هذا التجسيد في
عصر الكبت ; فلقد كانت هناك قيادة تستأثر بقلوب الجماهير المتدينة ، إلاّ أنها لم
تكن ذات تشخص وهوية خارج النطاق القانوني ، وكانت تتمثل في مراجع التقليد والعلماء
الكبار حيث ظهر تأثيرها لعدة مرات . ولهذا فإن تلك القيادة عندما كانت تحتج على
معاهدة استعمارية فإنها كانت تُلغى ، وعندما كانت تستنكر حادثة غير مناسبة فإن
جماهير الشعب كانت تندد أيضاً بهذه الحادثة . ففي حادثة 15 خرداد ـ وكما نقل ـ
ضحّى الالاف بحياتهم واستشهدوا على أيدي جلاوزة النظام البائد ، مع أن إمامنا
العظيم لم يكن في ذلك الوقت قائداً بالمعنى القانوني للكلمة ، فلقد كان عالماً بارزاً
، وهذا ما لا يمكن تجاهله ، وهي ظاهرة لم تكن موجودة في الاتحاد السوفيتي ، وإلاّ
لما حدث كل ذلك . فلو كانت موجودة لاخذت (هذه القيادة) بخناق يلتسين وأبعدته عن
الساحة عندما شعرت بأنه دخل الميدان ليقفز نحو المستقبل بحركة مجنونة ومتعجلة ،
ولكانت الجماهير قد التفت حولها ، وهو ما لم يكن موجوداً .

الاصلاحات حقيقة ضرورية ولازمة

إنني أعتقد بأن الاصلاحات حقيقة ضرورية
ولازمة ، ولابد من تحققها في بلادنا . ولكن الاصلاحات عندنا لا تأتي اضطراراً حتى
يجد أحد الحكام نفسه مرغماً على القيام بإصلاحات فرعية تحت ضغوط المطالبات العنيفة
، كلا ، فالاصلاحات هي من ذات الهوية الثورية والدينية لنظامنا . وإذا لم تتحقق
الاصلاحات بالتدريج ; فلسوف يؤدي ذلك إلى فساد النظام ووصوله إلى طريق مغلق . إن
الاصلاحات فريضة ، فما هي ميادين الاصلاحات ؟ هذا بحث آخر . ولكن الاصلاحات أمر
ضروري من حيث المبدأ ، ولابد من القيام بها . فعندما لا تجري الاصلاحات ستسفر
الامور عن نتائج كالتي نعاني منها اليوم : كعدم التعادل في توزيع الثروات ، وتسلط
الجشعين الافظاظ على جوانب النظام الاقتصادي في المجتمع ، وانتشار الفقر ،
والمعيشة الضنكة القاسية ، وعدم الاستفادة من مصادر البلاد بالشكل الصحيح ، وهجرة
العقول ، وعدم الاستفادة كما ينبغي من العقول الباقية . فعندما تكون هناك إصلاحات
فإننا لن نتعرض لكل هذه الافات والاضرار ، ولسوف نتلافى حدوث العشرات من أمثالها .
فالنقطة الاولى إذن هي كون الاصلاحات أمراً ضرورياً ولازماً .

إعطاء تعريف واضح للاصلاحات

وأما النقطة الثانية ، فهي أنه لابد وأن
يكون هناك تعريف للاصلاحات، أولاً لنا نحن الذين نريد القيام بالاصلاحات حيث ينبغي
أن نعرف ونشخص ماذا نريد أن نفعل ، وثانياً للشعب الذي من حقه أن يعرف ماهو
مقصودنا بالاصلاحات ؟ وذلك حتى لا يقوم كل واحد بتعريفها كما يحلو له ، لان هذا من
شأن مسؤولي الحكومة ، والجهاز القضائي ، والمجلس ، وسواهم . فلابد من العثور على
تعريف واضح للاصلاحات حتى تتضح الصورة والوضع الذي نريد الوصول إليه في نهاية
الطريق أمام كافة أبناء الشعب والمسؤولين ويعرفوا غاية المسير . لقد كانت إشكالية
السيد غورباتشوف أنه وضع أصبعه على الكثير من المساوئ والمشاكل ، ولكنه كان يفتقر
إلى تصور واضح لما يجب القيام به ، وحتى لو كان يمتلك هذا التصور الواضح ، فإن
شعبه كان مفتقراً إليه. وعلى هذا فإنه إذا لم نعرّف الاصلاحات تعريفاً واضحاً ;
فلسوف تكون الغلبة للنماذج المفروضة كما حدث في الاتحاد السوفيتي لانهم لم يكونوا
يدرون ماذا يفعلون ، فقلدوا بكل سذاجة الاصلاحات في نموذجها وقالبها الغربي
واعتمدوا على ذلك . لقد شخّص إمامنا العظيم ، بكل ما كان عليه من وعي هذا الضعف في
التجربة السوفيتية ، وذكّرهم بها في رسالته إلى غورباتشوف ; فكتب يقول : إنكم لو
أردتم التغلب على المعضلات المحيرة في الاقتصاد الاشتراكي والشيوعي بالاعتماد على
الرأسمالية الغربية ، فإنه لابد للاخرين من أن يأتوا لاصلاح أخطائكم أنتم فضلاً عن
فشلكم في علاج أدواء مجتمعكم ، وذلك لانه إذا كانت الشيوعية قد وصلت إلى طريق مغلق
في أساليبها الاقتصادية والاجتماعية ; فإن العالم الغربي يعاني من نفس هذه المشكلة
وسواها ولكن بشكل آخر . وهذا هو ما يجعلني أردّد باستمرار بأن الامام كان حكيماً
حقيقياً . فلقد شخّص الامام موضع الداء في خضم كل تلك الضجة الدعائية والاعلامية
العالمية .

ولحسن الحظ فإن العديد من المسؤولين ،
وفي مقدمتهم رئيس جمهوريتنا العزيز ، قالوا مراراً : بأن إصلاحاتنا هي إصلاحات
إسلامية وثورية ، وإن الهدف هو الوصول إلى «مدينة النبي» . وهي تعريفات جيدة ،
ولكن لابد من تعريفات أكثر دقة ووضوحاً . فهي جيدة لانها تحبط مساعي التضليل
الغربية والاجنبية وتبرز خطأ ما يدّعون . وهذا ما يدركه الجميع ، ولكن لابد من
توضيح أكثر وتصوير أوضح .

وجود مركز مقتدر وحكيم يرشد الاصلاحات

والنقطة الثالثة هي أن الاصلاحات لابد
وأن تسير وفق إرشادات مركز مقتدر وحكيم حتى لا تتعرض للانحراف ، فلو أردتم أن
تنجزوا في عامين ما يمكن إنجازه بدقة وعناية خلال عشر سنوات ، فإن الاصلاحات
ستتفتق عن أضرار لا يمكن تعويضها ، وذلك كالسيارة التي تنطلق بسرعة بالغة على طريق
شاق وخطر ، فإن العجب هو من عدم تعرضها لحادث اصطدام أو إصابتها بخلل وإعطال . فلابد
من وجود مركز قوي وحكيم حتى يحول بين هذه الحركة وأن تتقدم بسرعة فائقة عن الحد
اللازم والمفيد ، وحتى تسير الامور بصورة متعادلة وصحيحة .

ففي الاتحاد السوفيتي عندما أقدموا على
هذا العمل ; انفسح المجال أمام الافلام والكتب والصحف والملابس والتقاليد الغربية
، أي أن تلك الادعاءات كانت تجسد في الحقيقة مصاديق غربية بارزة ، وهذه الحالة
كانت من الخطورة بمكان . وعليكم هنا بملاحظة دور وسائل الاعلام لانها مسؤولة ولان
الصحف حساسة . ومن هنا ينبع الجزء الاكبر من حساسيتي إزاء الصحف . إن الحديث حول
الصحف والصحافة ليس حديثاً عن الحرية ، فلا يحاول البعض أن يعرّف لنا الحرية ، فلا
مانع لدينا، ولنستفد من ذلك ، ولكننا نعرف معنى الحرية ، وأفئدتنا تنبض لها بشدة .
إن المراد من الحرية هو نفس حرية التعبير وحرية الفكر ، ولكن إذا أقدمتم على إغلاق
محل أحد تجار التهريب طبقاً لما يقتضيه الواجب منكم ; فإنه لا ينبغي لهذا الشخص أن
يقول لكم : بأنكم ضد حرية العمل والتكسب ، كلا ، فالموضوع لا يتعلق بالتكسب والعمل
، لان العمل والتكسب مشروعان ، ولكن تجارة التهريب هي الممنوعة . فالحديث ليس حول
حرية التعبير ، لان حرية التعبير والفكر مكفولة ، ولكن الممنوع هو الاثارة
والتضليل والتمويه ، ولا سيما في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها بلادنا اليوم .

لقد قلت لبعض المسؤولين الاعلاميين
عندنا مرات : إنه إذا أتى ذلك اليوم الذي تملكون فيه القدرة والاستعداد للوقوف
بوجه هجمات العدو الاعلامية ، فإنني سأكون أول السباقين إلى تعدد المطبوعات والصحف
والكتب والافلام وما إلى ذلك ، ولكن أخبروني كم فيلماً أنتجتم في مقابل عشرات
الافلام التي تعمل على زعزعة أركان الثقافة والعقيدة والدين والروح الثورية
والتضحية والشهادة في نفوس أبناء هذا الشعب ؟ !

ومن هنا فإنني أشعر بالخطر . وبديهي فإن
العمل الاساسي والبعيد الامد هو أن نفكر في إنتاج كل ما هو جيد ، ولكن إلى أن ينزل
هذا الجيد إلى الميدان فإنه ليس بمقدورنا تقبل هذا الفيضان الاسن حتى يغرق الشباب
والاطفال ومختلف الفئات الشعبية في هذا البلد . إنهم يستخدمون الاساليب العدائية
البغيضة والهدامة لمواجهة الفكر الثوري ، فإذا ما هبّ أحد في وجههم ; أتهموه
مباشرة بما يريدون ، إن هذه ليست حرية ، وليس هذا تعقلاً أو حكمة ، وليس هذا هو
الاسلوب الذي تدار به البلاد .

إنكم مسؤولون عن الاهتمام بدور وسائل
الاعلام ، وهذا في غاية الاهمية. وإن الشعور بالحساسية إزاء وسائل الاعلام
المكتوبة وتجاه الصحف ـ وخصوصاً في ظروفنا الراهنة ـ لمن الامور الفائقة الاهمية .

وبهذا الشكل الذي وصفته لكم تتضح خطورة
الدور الذي يمكن أن يلعبوه لصالح العدو . فينبغي أن تكون كافة الاجهزة وجميع
الجبهات المتآلفة الموالية للنظام وكذلك مسؤولو السلطات المختلفة ومسؤولو المؤسسات
العامة المتعددة خصماً لهم . بل يجب أن يكون الجميع خصماً لهم في هذه القضية وليس
فقط الجهاز القضائي أو أحد علماء الدين .

المحافظة على هيكلية الدستور في مجال الاصلاحات

والنقطة الرابعة هي المحافظة على هيكلية
الدستور في مجال الاصلاحات . إن دور الاسلام وكونه منبعاً ومنشأً للقوانين
والابنية والوظائف يتجلى في الدستور أكثر من أي شيء آخر . فلابد من الحفاظ بدقة
على هيكلية الدستور . انظروا كيف يتعامل العدو مع دستورنا ، إنه ينفي بعضه ويثبت
البعض الاخر ، ويتمسك به أحياناً ، وأحياناً أخرى يحمل عليه ، إن الدستور هو
ميثاقنا الوطني والديني والثوري العظيم . وإن الاسلام ـ الذي يمثل كل شيء بالنسبة
لنا ـ يتجسد ويتبلور في الدستور . وإن الاصل الرابع من الدستور يوضح كل شيء ، فلو
كان في القوانين العادية ـ وحتى في الدستور نفسه ـ ما يتعارض مع الاسلام في مقام
التنفيذ أو التشريع ، فإن هذا الاصل يكون حاكماً عليه ، أي حكومة بمعنى المصطلح
الاصولي والعلمي السائد في الحوزات العلمية . وهذا هو ما لا حاجة لترديده لان
حاكميته واضحة بلا كلام ، ولكنهم صرحوا بهذه الحاكمية . وعلى هذا فلابد من الحفاظ
بدقة متناهية على هيكلية الدستور في حركة الاصلاحات .

مواجهة ما هو حاد ومتعجل في الاصلاحات

والنقطة الخامسة هي المواجهة بلا هوادة
لكل ما هو حاد ومتعجل مما يمهد السبيل أمام الاعداء ، أي الطراز اليلتسيني . فعلى
كل الاجهزة مواجهة الطراز اليلتسيني بشدة ، وألا تمنح الفرصة لكل من هو وصولي
ومخدوع ومغرض وغافل ليحرّف المسيرة عن طريقها الصحيح حتى لا يسفر الموقف عن حالة
من التنافس والتعارض .

المجابهة الجادة لتدخلات الاجانب

والنقطة السادسة هي المجابهة الجادة
لتدخلات الاجانب والغربيين ، وعدم الاهتمام بايحاءاتهم ، وعدم حسن الظن بهم . وأما
فيما يخص المواضيع الدبلوماسية والعلاقات الخارجية فهذا بحث آخر . ففي العمل الدبلوماسي
يعطي المرء ، ويأخذ ، ويعقد الاتفاقيات ، ويقوم بكل شيء . وأما في القضايا
الاساسية للنظام فلا ينبغي أن تنظر بحسن ظن لايحاءاتهم ، على خلاف ما نشاهده في
موقف غورباتشوف . إنهم يفتقرون تماماً إلى حسن النية ; فلقد وجدنا في حرب السنوات
الثماني كيف أن كافة أوربا ، من فرنسا إلى المانيا إلى انجلترا إلى يوغوسلافيا
السابقة إلى الكتلة الشرقية في ذلك الوقت قد قاموا جميعاً بمساعدة صدام . وبالطبع
فإننا في العمل الدبلوماسي لا نقول لهم : بأننا سنقطع علاقاتنا معكم لانكم ساعدتم
صدّاماً . كلا ، فعالم الدبلوماسية عالم آخر . إننا موافقون على إزالة التوتر
المطروح اليوم في سياستنا الخارجية ، فلا داعي لاثارة التوتر ، ولكن تجنب التوتر
شيء والثقة في الغرب شيء آخر. كلا ، فنحن لا نثق به ، لانه لا يثق بنا . وإن الذين
يعملون في الحقل الدبلوماسي يدركون تماماً ما أقول ، فالساحة الدبلوماسية ميدان
لحرب حقيقية ، ولكنها معركة قائمة خلف الموائد وسلاحها الابتسامة وتحية الصباح
وتحية المساء ، فلا يجب أبداً أن تفهم العلاقات الدبلوماسية على أنها ثقة بالعدو ،
إذ لا ينبغي الثقة بالاعداء .

تناغم الاصلاحات في المجالات المختلفة

والنقطة السابعة هي تناغم الاصلاحات في
المجالات المختلفة ، وهذه نقطة مهمة . انظروا يا أعزائي ! إن الاصلاحات أمر معقّد
وشائك وبحاجة إلى تأن في بعض المجالات ، كما في المجال الاقتصادي مثلاً ، فإن
الامور تسير بأناة شديدة ، وكذلك عدالة التوزيع بالنسبة للعائدات ، فهذا أمر عسير
جداً وليس باليسير . كما أن اجتثاث جذور الفقر وتغطية المناطق المحرومة تعد جزءاً
من الاصلاحات أيضاً . وكذلك إصلاح النظام الاداري فإنه عمل في غاية الصعوبة والتعقيد
والجسامة ، فلابد أن يحدث بأناة وتمهّل . وأما في المجال المشابه لغلاسنوست السيد
غورباتشوف فالامر يختلف تماماً ، لانه من الممكن منح ترخيصات لصدور عشرين صحيفة في
يوم واحد ، وهذا مما لا تناغم فيه ، ولا تسير الامور على هذه الصورة ، فلابد لنا
أن نتحرك بتناسق وبما يتناسب مع الميادين الشاقة خطوة بخطوة . ولهذا فإنني أشدد
دائماً على أولوية موضوع المعيشة لانه موضوع شاق . فلو استنفرتم كافة ما تملكون من
طاقات ، وعملتم بكل إخلاص وحماس ورغبة ، وتحركتم بسرعة معيّنة ; فعليكم أن تتحروا
في بقية المجالات بنفس السرعة . فإذا لم تتحروا التعادل والتناسق في هذه السرعة ;
فإنكم ستواجهون الكثير من المتاعب الاساسية جداً ، فبعضها يمكن أن يكون بالحسبان ،
والبعض الاخر لا يمكن ، وبعضها يمكن التكهن به ، والبعض الاخر لا يمكن التكهن به .

المواجهة الحاسمة لعناصر التجزئة القومية في البلاد

وأما النقطة الثامنة فهي المواجهة
الحاسمة لعناصر التجزئة القومية في البلاد . وإنني أخاطب المعنيين في هذا المجال
بصفة خاصة ، سواء في وزارة الداخلية ، أو في الاماكن الاخرى . فاعلموا أن إثارة
النعرات القومية باتت مطمحاً جاداً اليوم ، وهذا ما يلحظه المسؤولون المعنيون
الذين يريدون متابعة الاحداث عندنا . إن كافة القوميات الايرانية تعشق إيران
والجمهورية الاسلامية وتعتبر إيران وطناً لها . إن انتمائي للمنطقة التركية شيء
معروف ، كما عشت مدة طويلة في منطقة بلوشتان وتربطني أواصر حميمة بأهاليها ، كما
كانت لي علاقة بعيدة وقريبة مع أهالي المناطق الاخرى ، ولديّ معلومات ليست
بالقليلة عن أهالي المناطق التي لم أحظ باتصالات معها وأعرف روحهم المعنوية جيداً
. فلقد قمت بزيارات متعددة إلى تلك المناطق طوال حقبة مسؤولياتي المختلفة . إن القوميات
الايرانية قوميات مسلمة ، وتنبض أفئدتها بحب ماء وتراب هذا الوطن ، وتجد عزتها
ورفاهيتها في إيران مجيدة وحرّة ، ولكن العدو لا يكف عن إثارة المشاعر ، فلا ينبغي
التقليل من خطورة هذه الاثارات . واعلموا أن هذا الموضوع في غاية الاهمية ، ويبدو
أن بعض الايادي تحرك الخيوط حتى تفقد الحكومة سيطرتها على الاوضاع . فلو حدث مثل
ذلك ـ لا قدر اللّه ـ فسنواجه العديد من المشاكل مما يقتضي الكثير من النفقات
والطاقة والوقت ، مما يحول بين المسؤولين والقيام بواجباتهم الاساسية .

عهدي مع كافة المسؤولين هو عهد الدين والثورة

لقد انتهى حديثي ، ولكنني أريد أن أقول
: أنني أدعم بشدة كافة المؤسسات القانونية في البلاد . والذي يهمنا بالنسبة
للافراد والشخصيات والمؤسسات هو الدفاع عن مواقعهم ومسؤولياتهم جميعاً ، ومد يد
العون لهم ليؤدوا واجباتهم على أفضل وجه . كما أن رئيس الجمهورية ، ورئيس السلطة
القضائية ، ورئيس مجلس الشورى الاسلامي ، والمؤسسات التي يديرونها ، وكذلك الاجهزة
القانونية المختلفة كلهم سواء بالنسبة لي من هذه الجهة ، وإنني أعلن عن دعمي
ومساندتي لمسؤوليتهم جميعاً . ولعل السبب في ذلك هو أنني أعرف كافة المسؤولين
رفيعي المستوى عن قرب ، وألمح فيهم الاخلاص والتدين والالتزام . وبالطبع فإن هذا
الدعم ليس دعماً مطلقاً ، فعهدي مع كافة الاخوة الاعزاء هو عهد الدين والثورة .

وكما أسلفت ، فإن الغاية والهوية
والمسؤولية الاساسية للقائد هي الدفاع عن مجموع النظام والحفاظ عليه . وإنني ليس
لديّ ما أبذله من متاع سوى حياتي وماء وجهي ، وهو متاع زهيد أضحي به في هذا الطريق
، وإنني على استعداد تام لبذل هذين الشيئين . لقد
أمضينا مرحلة الشباب ـ والتي هي فترة الاستمتاع بالحياة ـ في
هذا السبيل ، وها نحن اليوم في مرحلة الشيخوخة . وإن الحياة لا تمثل لذة لي في مثل
هذه السن ، فلذة الحياة لم تعد لذة اليوم . وإنه لا تعلق بالحياة في أواخر العمر
وموسم إنحطاطه وفي فصل ضعف القوى البدنية وسائر القوى البشرية الاخرى. فكل ما
أملكه من متاع ـ أي الحياة والكرامة ـ رهن هذا السبيل ، ولست أملك مالاً والحمد
للّه .

وأما بالنسبة لهذه المسؤولية الراهنة
فليست مما أهواه مطلقاً ، ولعل الكثيرين منكم لا يعرفون هذا ، ولكن الكثيرين من
الحضور في هذا المكان على علم بذلك . إنني لا أهفو إلى مسؤوليتي الحالية مطلقاً ،
إلاّ أن تكون أداءً للواجب . والان ، وقد تحملت هذه المسؤولية ، فليس إلاّ قياماً
بالواجب ، ولم يخرج الامر من ذلك منذ اليوم الاول . ولقد واجه السادة في مجلس
الخبراء مقاومتي وامتناعي ومخالفتي الشديدة والمتوالية منذ اليوم الاول لاختيارهم
لي ، ولكن عندما آن أوان تحمل المسؤولية قلت : «خذها بقوة» . فليست ممن يبدي وهناً
إزاء ما يلقى على كاهلي من مسؤوليات ، كلا ، فهذا واجبي ، ولسوف أقوم بأداء هذا
الواجب بفضل اللّه وهدايته وتوفيقه .

إن الاية التي تلوتها عليكم في بداية
هذا الحديث تتعلق بإحدى غزوات الرسول(صلى الله عليه
وآله) وهي (الذين قال لهم الناس إن الناس
قد جمعوا لكم فاخشوهم) ، فكان جوابهم (حسبنا
اللّه ونعم الوكيل) .

وبالتأكيد فإن (حسبنا
اللّه ونعم الوكيل) لا يتأتّى مع القعود والراحة
.

فليس من المعقول أن نعقد أيدينا على
صدورنا ، ولا نبذل جهداً ، ولا نقوم بحركة ، ولا نحمل أرواحنا على أكفنا ، ولا
نريق ماء وجوهنا ، ثم نقول (حسبنا اللّه ونعم
الوكيل) ! وليس اللّه بكاف عبده إلاّ أن يجاهد في
سبيله في ساحة النزال .. وإننا اليوم في ساحة للقتال حتى لو لم تكن معركة عسكرية
ولا حرب حياة أو موت . ولان المستكبرين في العالم يعادون الاسلام والنظام الاسلامي
بضراوة ، فكل إجراء جيد نقوم به ، وكل قانون جيد نشرّعه ، وكل تطبيق جيد نقدم عليه
، وكل حكم جيد نصدره ، وكل حركة جيدة تبدر منا ، وكل عمل تكون غايته تقوية هذا
النظام وتقوية الاسلام ، فإننا في الواقع نكون قد وجهنا ضربة للعدو ، وعندئذ نقول
(حسبنا اللّه ونعم الوكيل)
. ويكون الجواب الالهي (فانقلبوا بنعمة من اللّه
وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان اللّه واللّه ذو فضل عظيم) .

ولحسن الحظ فإن لدينا أدياناً مختلفة
تتعايش في بلادنا ، فاليهود ، والمسيحيون ، والزردشتيون ، يعيشون معاً بجوار الاسلام
وفي ظل النظام الاسلامي ، وهم متعاونون ومتعايشون معنا ، ويقوم كل منهم بدوره .
وطبعاً فإن عليهم واجبات ، كما أن على الحكومة الاسلامية أيضاً واجبات إزاءهم
بصفتهم مواطنين إيرانيين ، فعليهم بالقيام بهذه الواجبات ، وأن لا يتقاعسوا عن
أدائها . إنه لا توجد لدينا أية شكوى من مواطنينا من الاقليات الدينية . وإنكم
تلاحظون أن اليهود الايرانيين يصدرون البيانات عندما تأخذ دعايات الاعداء شكلاً حاداً
ضد الجمهورية الاسلامية .

وكذلك الارامنة مع الطوائف المسيحية
الاخرى فإنهم أصدروا بياناً عبّروا فيه عن دعمهم للجمهورية الاسلامية في إحدى
القضايا ، وهذا يعدّ من مفاخر الجمهورية الاسلامية .

/ 1