من آفاق القیادة الاسلامیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

من آفاق القیادة الاسلامیة - نسخه متنی

السید علی الخامنئی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


من آفاق القيادة الاسلامية

ذكرى ولادة الكوثر

* ولي
أمر المسلمين آية اللّه العظمى السيد الخامنئي «دام ظلّه»

من خطبة الجمعة لقائد الأمة الاسلامية وولي أمر المسلمين
سماحة آيةاللّه العظمى السيدعلي الخامنئي «دام ظلّه» بالجموع
الغفيرة للمؤمنين المصلين بمناسبة ذكرى ولادة كوثر أهل البيت(عليهم السلام)
الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام) .

قال اللّه الحكيم في كتابه الكريم : بسم اللّه الرحمن
الرحيم (إنّا أعطيناك الكوثر * فصلّ لربك وانحر * إنّ شانئك هو الأبتر) .

أوصيكم أيّها الأخوة والأخوات المصلين ونفسي
بتقوى اللّه ونيل رضاه وترك معصيته وعدم الخروج عن دائرة الورع .

يوم ولادة الكوثر الزهراء
يوم عظيم

اليوم يوم عظيم ، فهو يوم ولادة سيّدة نساء العالمين وبضعة
الرسول المكرمة والعظيمة وقدوة النساء والرجال على امتداد تاريخ الاسلام ، وولادة
الصديقة الكبرى والمجاهدة في سبيل اللّه والشهيدة المظلومة . تقترن معها ولادة
واحدة من الشخصيات الكبرى اللامعة التي برزت في تاريخ الاسلام من تلك الذرية
الطاهرة . فهو يوم ولادة كوثر الزهراء ، وولادة كوثر روح اللّه .

بعد أن توفي أبناء الرسول في مكة الواحد تلو الآخر ، شمت
الشامتون ـ الذين انحصرت الفضائل عندهم في المال والثروة والأولاد والجاه والجلال
الدنيوي ـ برسول اللّه ونعتوه بالأبتر ; أي الذي لا عقب له ولا ذرية ، وأنه إذا
مات ستندثر بموته كل معالمه وآثاره ، فأنزل اللّه عليه هذه السورة لسلوى قلب
الرسول ولإيضاح حقيقة كبرى له وللمسلمين ، فقال سبحانه وتعالى :
(إنّا أعطيناك الكوثر)
أي تلك الحقيقة العظيمة والكثيرة والمتزايدة .

ومصداق الكوثر بالنسبة للرسول(صلى الله عليه وآله) يمثل
أشياء مختلفة ، وأحد أبرز المصاديق هو الوجود المقدس لفاطمة الزهراء التي جعلها
اللّه خلفاً مادياً ومعنوياً للرسول . وخلافاً لأوهام الأعداء الشامتين أصبحت هذه
الابنة المباركة والوجود السخي سبباً لتخليد اسم الرسول وذكره ونهجه ومعارفه بشكل
لم يشهد له نظير لدى أي ولد بارز وعظيم ، فمن ذريتها أحد عشر إماماً وكوكباً
مشرقاً شعّوا بالمعارف الاسلامية على قلوب أبناء البشرية ، وأحيوا الاسلام ،
وبيّنوا القرآن ، ونشروا المعارف الالهية ، وأزالوا التحريف عنها ، وأغلقوا سبل
استغلالها .

أحد هؤلاء الائمة الأحد عشر هو الامام الحسين بن علي(عليهما
السلام) الذي قال عنه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
«أنا من حسين» و «حسين
سفينة النجاة ومصباح الهدى» ، الذي ترتبت على شخصيته وثورته وشهادته آثار
وبركات جمّة في تاريخ الاسلام . هو أحد ذراري فاطمة الزهراء . ومن جملة تلك الشموس
المنيرة الامام الباقر(عليه السلام) ، والآخر هو الامام الصادق(عليه السلام)
اللذين يعود إليهما الفضل في نشر المعارف الاسلامية . لا المعارف الشيعية فحسب ،
بل حتى أن مشاهير أئمة أهل السنة قد اقتبسوا من فيض علومهم بشكل مباشر أو غير
مباشر . وأخذ هذا الكوثر المتدفق الذي يزداد تألقاً يملأ أقطار العالم الاسلامي
بنسل الرسول ; حيث توجد اليوم آلاف بل آلاف الآلاف من الأسر البارزة المعروفة في
العالم الاسلامي كلّه ، وهي تعكس بقاء ذرية تلك العظيمة . كما أن وجود الآلاف من
مشاعل الهداية في العالم ينمّ عن البقاء المعنوي لهذا النهج وذلك الوجود المقدس .
إنها كوثر فاطمة الزهراء . فسلام اللّه وأنبيائه وأوليائه وملائكته وخلائقه عليها
إلى قيام يوم الدين .

كما وأن حفيدها الجليل أصبح هو الآخر كوثراً
; إذ أنه نزل إلى ميدان الصراع وحده ،
واستطاع أن يستميل إليه القلوب بفضل الجاذبية الكبرى التي منّ اللّه بها عليه
انطلاقاً مما كان يتمتع به من خصائص ذاتية ومكتسبة . فأثار الحركة في الأيدي
والأرجل ، ودفع العقول إلى التفكير ، وأحدث هذه الحركة العظيمة في هذا البلد فضلاً
عن النهضة الاسلامية العالمية . ثم أن نهج الامام ومدرسته وفكره سيكون له من بعد
هذا دور فاعل في العالم كلّه وستجرّب الأجيال ذلك بنفسها .

أبعاد شخصية الامام (ره)

أودّ اليوم في الخطبة الأولى أن أبحث من زاوية أخرى في
أبعاد وبواطن هذه الشخصية الكبرى ولكن بصورة مختصرة . لقد قيل في هذا المضمار كلام
كثير ومن زوايا مختلفة ، وسبق لي أن أدليت بدلوي في هذا المجال أيضاً . ولكنني أريد
اليوم التحدث من زاوية أخرى حول هذه الشخصية التي قلّما تجد لها نظيراً في العالم
الاسلامي .

ففضلاً عن جميع الخصائص التي كانت فيها ، تميّزت هذه
الشخصية بثلاث خصال ممتازة مترابطة بينها ومتداخلة جداً ، جعلت منها شخصية جذابة
وذات تأثير مدهش .

الحكمة والمعرفة

الخصلة الأولى هي عبارة عن الحكمة والمعرفة ، فقد كان رجلاً
عارفاً وحكيماً وعاقلاً وعميقاً ، إذ كان يتوفر فيه جوهر المعرفة بالمعنى الحقيقي
للكلمة ، وكل من يتوفر فيه جوهر المعرفة تصبح لديه القدرة على كل شيء . ولهذا
السبب شوهدت معالم حكمته ومعرفته في كل موضع برز فيه . وقد برز هذا العمق في
المعرفة وهذا الجوهر الساطع في الحكمة في حقل اختصاصاته العلمية أي الفلسفة ،
والفقه ، والعرفان ، والأصول ، والأخلاق . ولم يكتف بتكرار كلمات القدماء وإنّما
طرح آراء وكلاماً جديداً في هذه الحقول .

التديّن والايمان الواعي

الخصلة الثانية التي تميّز بها ، هي التديّن والايمان
الواعي . فقد كان رجلاً متعبداً إلاّ أن تعبّده كان بعيداً عن الجمود والتحجّر ،
وكان واعياً ومتنوّراً ومجدداً في المباحث الدينية ولكن تجديده كان بعيداً عن
الانفلات الذي يتميّز به المجدّدون ; فكثير هم الذين طرحوا آراء جديدة في مجال
القضايا الدينية ، غير أن آراءهم كانت دليلاً على الانفلات وعدم التقيّد واللا
أبالية في التمسك بالنصوص الاسلامية . فجاء كلامهم معبّراً عن آرائهم الشخصية لا
عن رأي الدين . أمّا بصيرة الإمام وتجديده فقد كانت مرتكزة على الدين وعلى المباني
الدينية . ولهذا جاءت آراؤه التجديدية في العقائد والأخلاق والفقه ، على نحو أذعن
له أكثر الناس معرفة وتبحّراً في هذه العلوم ، واعتبروها آراءً قائمة على أسس
رصينة ، وليس كلاماً مجرّداً من الأسس والأصول . ومعنى هذا أنه كان متديّناً
ومتعبّداً ولكنه في الوقت ذاته كان بصيراً وواعياً ومتعقّلاً وذا نظرة رحبة الآفاق
في القضايا الاعتقادية والعملية . والحقيقة أن تديّنه يعيد إلى الأذهان أنماط
التدين التي كانت موجودة في عصر الرسول(صلى الله عليه وآله) أو معالم التديّن في
عصر المعصومين(عليهم السلام) .

الشجاعة والتضحية

أمّا الخصلة الثالثة التي امتاز بها فهي الشجاعة والتضحية .
فقد كان على استعداد لمواجهة العالم كلّه من أجل كلمة الحق . وكلمته الشهيرة التي
قال فيها «إن الاستكبار إذا أراد الوقوف أمام ديننا فإننا سوف نقف بوجه دنياه»
كلمة صحيحة ، إذ كان بإمكانه الوقوف بوجه العالم كلّه . مثلما نادى بتلك الصرخة في
قم عام (1341 هـ . ش) كان في بداية الأمر وحده ، ثم التحقت الجماهير المؤمنة
والقلوب الطاهرة به أفواجاً أفواجاً في كل مكان . لكنه كان في بداية الأمر وحيداً
فريداً ، وكان يستشعر تلك الوحدة . بيد أنّه كان يملك الشجاعة على الإقدام . ولا
شك في أن الشرط الأول الذي يجب أن يتوفر لدى من يريد الدخول إلى ميدان تحف به
عساكر ومباحث مدجّجة بالسلاح ولا تحمل شيئاً من معاني الضمير والدين والتساهل من
جهة ، وتحظى بدعم من السياسات العالمية والاستكبارية من جهة أخرى ، هو الاستعداد
للتضحية . وكان الامام مستعداً للتضحية وبذل النفس وتحمل جميع المخاطر . أي أن
النفس والنفيس لم يكن لها أية قيمة بالنسبة له . قد يدّعي البعض أنه على استعداد
للتضحية بنفسه ، ولكن تراه عند العمل غير مستعد للتضحية ولا حتى بالجاه والاحترام
الفارغ ، فما بالك إذا كانت القضية تتعلق بالنفس ؟! وهو لا يضحي ولا حتى بشيء من
المال ولا من اللذة ، فكيف يضحّي بنفسه ؟! أمّا الامام الخميني فقد كان صادقاً في
دعواه ، وكان قد وضع نفسه على كفّه وتقحّم ساحة الصراع .

دخل الامام إلى الساحة وهو يحمل هذه الخصائص الثلاث
المنسوجة في كيانه . والنقاط الايجابية التي كان يحملها الامام ذات قائمة طويلة
طبعاً . إلاّ أنّ اختياري وقع على هذه الخصال الثلاث بسبب تأثيرها البارز والمتّسق
وترابطها في ما بينها .

استطاع الامام أن يطوي هذا الميدان إلى أن بلغ موضعاً
مشارفاً على الانتصار ، أي في عام (1357 هـ . ق) . حيث وجد نفسه أمام حادثة عجيبة
، وهي انتصار الثورة الاسلامية بفضل مساندة الشعب له بكل وجوده . لم يكن ذلك
الانتصار مجرّد انتصار على نظام رجعي فاسد ، ولكن بما أن ذلك النظام كان مدعوماً
من قبل جميع القوى الاستكبارية تقريباً يومذاك، لذلك كان هذا الانتصار بمثابة انتصار
على جميع تلك القوى . وكان على الامام حينها أن يدير البلد وفق رؤى ونظريات
الاسلام . ولكنه وجد أمامه بلداً كان خاضعاً لمدة تناهز المائتي سنة لضغوط من شتى
الجوانب من أجل تحطيمه وإضعافه وسلبه كافّة الخصائص الممتازة التي يتحلّى بها شعب
عظيم . ونحن لو راجعنا تاريخ ما حصل خلال هذه المائتي سنة ; لأدركنا على نحو أفضل
عظمة الانجاز الذي حقّقه الامام . وأؤكد هنا على الشباب بقراءة تلك المقاطع
التاريخية ، وعلى أجهزة الإعلام أن تبيّن للشعب حقيقة ما وقع للشعب طوال تلك
المدّة ; فالعمل الإعلامي الذي انجز في ما يخص هذا المجال ضئيل جداً .

أوضاع ايران قبل الثورة

فمنذ أوائل القرن التاسع عشر الميلادي ، أي في عهد حكومة فتح
علي شاه القاجاري حين عبر الضابط البريطاني «السرجون ملكوم» من الحدود الهندية إلى
ايران حاملاً معه الكثير من الهدايا المغرية والنفيسة إلى رجال البلاط والساسة
الفاسدين في ايران ، منذ ذلك الحين أخذ الاستعمار البريطاني أو لنقل بتعبير أدق
النفوذ البريطاني المدمّر ـ لأن الاستعمار المعنى المتداول للكلمة لم يحصل في
ايران ، ولكن حصل ماهو أسوأ منه ـ على الحكومات الايرانية المتعاقبة سيطرة تامّة
وينفذ من خلالها ما يشاء تنفيذه . واستمر الوضع على تلك الحالة منذ ذلك اليوم وإلى
حين انتصار الثورة الاسلامية مستغرقاً مدّة تقارب مائة وثمانين سنة .. وقد عملت
طوال تلك المدّة جميع القوى العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية
في العالم من أجل اضعاف وتمييع وتحطيم هذا الشعب العريق والأصيل والمجيد وبث اليأس
فيه لكي لا يكون مصدر خطر عليها . وكان الدور في أغلب تلك الفترة للانجليز ، ثم
انتقل إلى الأمريكيين منذ عام (1332 هـ . ش) وفي أواسط ذلك كان النفوذ للحكومة
الروسية وللصراع بين الروس والانجليز . وقد اتخذت تلك الهيمنة الأجنبية شكلاً معيناً
في العهد القاجاري ولكنها أصبحت أشد وطأة وأكثر خطورة في العهد البهلوي .

لقد فعلوا بهذا الشعب كل ما استطاعوا فعله . وهكذا وجد
الامام نفسه أمام هذا الواقع ; وجد أمامه بلداً مرتبطاً سياسياً بعجلة الاستكبار .
حيث فعلت أميركا خلال تلك البرهة كل ما أرادت فعله في هذا البلد ، فقد كانت طليقة
اليد لتفعل ما تشاء في المجال الاقتصادي وفي قطاع النفط وفي مجال تنصيب كبار
المسؤولين وتعيين الحكومات أو اسقاطها ، وفي مجال العلاقات الدولية ، وفي مجال
العادات والتقاليد التي كانت تفرضها على أبناء الشعب ، وفي مجال الجامعات . ومعنى
هذا إنّها كانت قادرة على فعل ما تريد في ايران .

كان هذا البلد مرتبطاً ارتباطاً تاماً بالدول الأخرى ; فعلى
الصعيد الاقتصادي كان بلدنا مستهلكاً وفقيراً ، وكان يجب استيراد كل شيء من الخارج
. لقد ذكرت ذات مرّة أن بلدنا كان يستورد حتى «مقبض المسحاة» لكن البعض لم يصدق
هذا الكلام ، وليعلموا أنَّ هذه هي الحقيقة ، وكنا نستورد حتى الابرة وأنواع الأطعمة
وأنواع المنتجات الصناعية ، وكان كل شيء يذهب للاستهلاك . أي أن هذا الشعب بكل ما
لديه من قدرات وخيرات وطاقات لم تكن لديه القدرة أو الفرصة لتوفير بعض احتياجاته
الأساسية وليقول أنه في غنىً عن الخارج . وحتى أنهم إذا استوردوا معدّات صناعية من
قبيل أجهزة صناعة السيارات أو معامل الحديد والصلب وما شابه ذلك ، فإنهم كانوا
يستوردونها بشكل ناقص ، وكانت تلك الصناعات مرتبطة من أوّلها إلى آخرها بالدول
الأخرى . وحتى الأجهزة والمعدّات المتطوّرة التي كانوا يبيعونها لايران ـ
كالطائرات الحربية مثلاً ـ لم يسمحوا حتى بتصليحها في الداخل ، وإنّما كان يجب
تصليحها في الخارج .

ومعنى هذا أن بلدنا كان في حالة تبعية اقتصادية تامّة ،
وكان بلداً مستهلكاً . أمّا على الصعيد العلمي فقد كُنّا في حد الصفر تقريباً ،
ولم يكن لهذا الشعب أي انجاز يقدمه للعالم في مجال العلوم الحديثة . وأمّا بالنسبة
إلى الجامعات والتي كانت قليلة من حيث العدد وكان عدد طلبة الجامعات في السنوات
الأخيرة من العهد البهلوي لا يتجاوز عشر العدد الحالي ، فالدروس التي كانت تدرّس
فيها ـ سواء على صعيد العلوم الانسانية ، أم العلوم الفنية والصناعية ، أم العلوم
الطبيعية ـ كانت مقتبسة من الآخرين ، ولم يكن هناك من جديد . وفي مجال الثروة
الوطنية كان بلدنا عرضة للنهب ; حيث كانوا ينهبون نفطه ومعادنه وكل شيء وبالأسعار
التي يحدّدونها هم . أمّا على الصعيد الاجتماعي فقد كانت حالة الفقر مزرية جداً في
البلد ، وكانت هناك الآلاف بل عشرات الآلاف من القرى في هذا البلد لم تصلها
الكهرباء ولا الماء المصفّى ، ولم تكن تأمل ذلك ، ولم تكن السلطات تهتم حينذاك
إلاّ بطهران وبعض المدن الكبيرة ، ومع ذلك كانت طهران تعتبر واحدة من أقذر وأسوأ
العواصم في العالم . كانوا لا يهتمون إلاّ بأنفسهم ، فحيثما كان لهم موطأ قدم
كانوايبنون هناك المطارات ويوفّرون وسائل الراحة ، أما الأماكن غيرالمهمة
لهم فقد كانت مهملة كلياً . وكانت الفوارق الطبقية على أشدّها.

وأمّا على صعيد الأخلاق فكانت هناك إشاعة للفساد . وكثيراً
ما كنت أقول في الاجتماعات الشبابية التي كانت تعقد قبل انتصار الثورة ; أي في
عقدي الستينات والسبعينات ، استناداً إلى الشواهد والأدلة ، إن حالة الفساد
والتحلل الخلقي الموجود في بلدنا لا يوجد له مثيل حتى في الدول الأوربية . وكنت
على اطلاع بأنّ ذلك الفساد لم يكن له مثيل هناك حقّاً . من المحتمل طبعاً أن توجد
في البلدان الأوربية بؤر للفساد إلاّ أن أعراف الناس هناك ـ من حيث وضع وسلوك
وحجاب النساء مثلاً ـ كانت أفضل مما كان يراه الانسان في بعض مدننا . فقد كان
الناس مصابين بأنواع الأوبئة الأخلاقية وليس ما يتعلّق منها بالشهوات فقط . بل
أنّهم عملوا على تخريب علاقات الناس في ما بينهم وسلب الثقة المتبادلة بينهم .
وكان كل ذلك يجري عمداً .

كانوا يريدون أن يكون الشعب يائساً وخاملاً وضيّق الصدر ;
لأن الخصال التي تساعد على تقدّم الشعب هي الأمل والنشاط والجد . والشعب الذي يشعر
باليأس والحقارة لا يمكن له أن يتقدّم . والسلعة التي كانت تنتج في الداخل ;
يعتبرونها سلعة بائرة وسبب ذلك هو مجرّد أنها تنتج في الداخل . وحتى المتعلّمين
كان أحدهم يقول للآخر : إن الايراني لا يستطيع أن يصنع ابريقاً من خزف ; أي حتى
الجيل المتنوّر علمياً كان يائساً من المستقبل العلمي لهذا البلد . وهذه الحالة
ناجمة طبعاً عن تلك الصفة الأخلاقية .

كان بلدنا متخلفاً عن ركب التقدم العلمي والحضارة العالمية
. أما من حيث النظام الحكومي ، فقد كان هذا البلد محكوماً من قبل واحدة من أكثر الحكومات
رجعية ، فكان الحكم وراثياً ; فإذا مات الأب كان الشعب مرغماً على قبول ابنه كملك مطلق
بغض النظر عن سنّه ومؤهلاته وقدراته وصفاته الأخرى ، بدون معيار من العلم والتقوى
والعقل أو أي شيء آخر. وأقرّوا هذا النظام حتى في الدستور ، ذلك الدستور الذي تمت
المصادقة عليه في طهران تحت وطأة أقدام رضا خان وتحت إشراف جلاوزته .

كانت ايران ذليلة في العالم كله ، ولم تكن تذكر في الأوساط
الدولية كبلد له سمعته ووجوده ، وانما كان ينظر إليها كبلد يتلقّى الصدقات وكموضع
اختيار للآخرين ، حيث كانوا يطبّقون فيها بعض الآراء والنظريات الاقتصادية ليروا
مدى فاعلية تلك الآراء . أي أن ايران كانت بلداً فقيراً مادياً ومعنوياً وسياسياً
. وهكذا وجد الامام نفسه مقابل هكذا مجتمع وهكذا بلد .

أما النقطة الأساسية التي يجب الاشارة إليها في هذا الصدد
فهي أن الشعب الايراني شعب عظيم وكفوء . أما الوضع الذي خلقوه فيه ، فقد كان
طارئاً وعارضاً . لهذا انتفض الشعب على نفسه حينما ارتفع صوت الإمام . وقد استغرقت
الفترة منذ أن تحرك الامام إلى أن انطلق هذا الموج الهادر المتلاطم مدّة خمس عشرة
سنة كانت زاخرة بالآلام والعناء . فالشعب شعب عريق وكفوء وأصيل ومثقف وغيور ومتديّن
، واستطاع النهوض وانتشال نفسه من حالة الخدر والسبات ، وتمكن من إبراز شخصيته
خلال عهد النهضة وخاصة في السنتين الأخيرتين قبل انتصار الثورة . وهذه هي نقطة
القوّة الموجودة فيه . بيد أن الواقع الذي فرض على هذا الشعب طوال تلك السنوات
المتمادية قد ترك آثاره في حياته ، وظهرت تلك الآثار مقابل الإمام(قدس سره) .

الأولويات التي ركّز عليها
الإمام(قدس سره) في بناء المجتمع الاسلامي

ولكن ماذا كان ينبغي على الإمام أن يفعل من أجل بناء
المجتمع على النحو المطلوب والمثالي ؟ لاحظوا كيف كانت مهمة الإمام على قدر فائق
من الصعوبة . لابد وأنكم لاحظتم في بعض الأماكن وجود المواد الانشائية والمستلزمات
الضرورية والمساحة الكافية لتشييد بناء ضخم وشاهق على أنقاض بناء قديم مهدّم . من
الطبيعي أنّ مثل هذا العمل لا يستطيع أن يقوم به أي مهندس كان . وهنا تبرز براعة
وعظمة تلك الشخصية . لقد نظر الامام إلى هذا الشعب وهذا البلد ، وإلى هذا الواقع
وهذه الظروف . وكان على معرفة تامّة بالإسلام ومُثله ، وأراد أن يبني بلبنات
اسلامية وبأيدي أبناء الشعب أنفسهم بناءاً شامخاً لحكومةعظيمة ومستقلة
، تجلب للشعب الرفعة والسعادة والتقدّم ، وتعوّضه عمّا فات . فما هي الأولويات
التي ينبغي التركيز عليها أكثر منغيرها ؟

لقد حدّد الامام تلك الأولويات وأخذ يحثّ السير باتجاهها .
وأعتقد أن تلك الأولويات تلخّصت في شيئين ; ونحن نستطيع أن نفهم ذلك من خلال
معايشتنا القريبة منذ اليوم الأول للكثير من توجيهاته وأفكاره وأحكامه وكيفية
تعامله مع القضايا والأمور . وأنتم كذلك لو نظرتم اليوم إلى كلمات الامام وسلوكه
ووضعتم أمامكم ما تعرفونه عنه ; ستشاهدون أيضاً هذين الأمرين بشكل واضح ، وهما :

الأول : إحياء روح الاستقلال والثقة بالنفس في قلوب أبناء
الشعب .

في الماضي تلقّى أبناء الشعب تلقيناً متواصلاً يوحي إليه
بالعجز . وكلما تحدّث أحد من علماء الدين أو الجامعيين أو أي شخص آخر إلى أبناء
الشعب عن ذلك الواقع ; كان الجواب يأتيه بأننا لا نستطيع ولا جدوى من أي عمل .
وكان أول ما يجب تغييره هذه الحالة النفسية . ومن الطبيعي أن مثل هذه الصفات الاجتماعية
ليست على غرار الخصال والسجايا الفردية .

صحيح أن الخصال الفردية لا تتغيّر بسهولة ، إلاّ أنّ الصفات
الاجتماعية أصعب منها بكثير . كان على الامام أن يستبدل تلك الحالة بحالة أخرى من
الثقة بالنفس وروح الاستقلال والاعتماد على الذات . ولهذا كان يرفض أي تدخل أو
هيمنة على شؤون الشعب ، ممّا عدا الشعب نفسه . وهذا هو العامل الذي مكّن الإمام من
الوقوف بوجه أميركا وبوجه الاتحاد السوفيتي . فالأميركيون قد هيمنوا على شؤون هذا
البلد مدّة خمس وعشرين سنة ، حيث وجدوا أمامهم مائدة مبسوطة عاثوا بها فساداً كيف
يشاؤون هم وحفنة من عملائهم ، ولم ينقطع أملهم إلىأشهر من بعد انتصار
الثورة . وتوجد في ذهني قضايا كثيرة حولهذا الموضوع ، ولكن الوقت لا
يسمح بالتحدث فيها . فالامام قد قلّمأظفار جميع المتبجّحين . ولو ندّت
عن الامام أدنى ; غفلة لعاد مننوافذ متعددة جميع الذين اُخرجوا من
الباب . فالامام وقف بصلابةأمام أي نفوذ أو تسلط أجنبي على أي نحو كان
. وكانت هذه هي النقطة الأولى .

القضية الثانية التي اهتم بها الامام غاية الاهتمام هي
إحياء الروح الدينية وتقوية ايمان أبناء الشعب ، ذلك الايمان الذي كان لديه .
وانطلاقاً من هذه الرؤية كان يركز إلى أبعد الحدود على كل ما يتعلّق بالدين ، ولم
يكن على استعداد للتساهل في هذا المضمار ; لأنه كان يرى في الدين علاجاً . وحينما
تكون الروح الدينية موجودة لدى الشعب ، فلن ينعكس أثرها على التقوى والصلاح
والطهارة والأخلاق الفردية فقط بل يتعدّاها إلى الحياة الاجتماعية ، فيما إذا كان
الدين صحيحاً طبعاً . ولهذا فقد هبَّ جميع الأعداء في الخارج وأذنابهم في الداخل
إلى معارضة الدين الذي دعا إليه الإمام وأطلق عليه اسم الإسلام الأصيل ، بصفته
ديناً للسياسة وللحكم . ولهذا نلاحظهم يظهرون أحياناً وكأنهم أحرص منّا على الدين
، فيزعمون أن الدين إذا أخذ طابعاً حكومياً وسياسياً سيفقد مكانته في نفوس الناس
وسيضعف ايمان الناس به . وهذا على العكس من الواقع تماماً . فحينما يكون للدين
وجود في مجتمع ما تجد اندفاعاً نحو التضحية ، ووعياً وشعوراً بالمسؤولية في ذلك
المجتمع . وما تلاحظونه اليوم في مجتمعنا وبلدنا من شعور بالمسؤولية والغيرة إزاء
المسائل الدينية ـ إلى الحد الذي يطّلع الشعب عليه ـ فهو يعزى إلى وجود الروح
الدينية ، والعدو يحاول اضعاف هذه الروح . بينما كان الامام يقوّي هذه الروح في
جميع الأركان ; سواء على المستوى الحكومي أو المستوى الشعبي ; أي أنه كان يؤكد
الايمان والتعبّد والالتزام بالدين لدى الحكومة، ولدى مجلس الشورى ، ولدى السلطة
القضائية ، ولدى مجلس صيانة الدستور ، وفي القوانين والانتخابات وفي كل شيء،
وكان يولي اهتماماً خاصاً لهاتين الأولويّتين . وكل التعليماتالتي
وضعها الامام في مقابل أبناء الشعب تتعلق بهذين الأمرين .

طرح الامام الجمهورية الاسلامية ، أي نمط جديد من النظام
الحكومي لا يشبه أيّاً من الأنظمة المتعارفة في العالم ، لكنه يحمل كافة الخصائص
الايجابية الموجودة في أي نظام ; ففيه الاسلام ، وفيه آراء الشعب ، وايمان الشعب ،
والتعبد ، والشعور بالعزّة ، وأحكام الاسلام وقوانينه بما تعنيه هذه الأحكام
والقوانين من إحياء للانسان . ولو أننا طبّقنا الاسلام بالمعنى الذي فهمه الامام ;
أي بالمعنى الصحيح والأصيل والمستند إلى الأصول والمبادئ ، سنجده كفيلاً بالاستجابة
لجميع المتطلّبات ; مثلما وجدناه قد لبّى جميع المتطلبات في ميادين الصراع
والمقاومة والصمود . وقد لبّى الاسلام المتطلبات المطروحة على صعيد النظام الحكومي
. ولا يوجد المجال الكافي حالياً لأشرح لكم كيف أن هيكلية النظام الحكومي الموجودة
في ايران اليوم تناسب حرية وتقدّم أي شعب أكثر من أي نظام حكومي موجود اليوم في
العالم ، سواء الأنظمة الديمقراطية الغربية أو أنماط الأنظمة الأخرى ، فما بالك
بالأنظمة الاستبدادية المنغلقة على نفسها والمفروغ منها أصلاً ؟ .

قدرة الاسلام في الاستجابة
لجميع متطلّبات العصر

لقد أثبت مقترحات النظام الاسلامي ، أياً كانت ، مقدرة في
الاستجابة لجميع المتطلبات في جميع الميادين ; فقد استجابت في مجال الالتزام
بالشؤون الثقافية ، وفي مجال التصدي للثقافات الأجنبية . فإلى ما قبل الثورة كان
شعبنا وبلدنا أسيرين للثقافة الغربية . ولكن بفضل موقف الامام أصبح التأثير
الثقافي متبادلاً ; وكذا بدأ هناك تيار ثقافي يتحرك من مجتمعنا الاسلامي نحو
الخارج وبشكل بعث الرعب مرّات عديدة في قلوب زعماء الاستكبار ، ولا زالوا يعبّرون
عن رعبهم ذاك في تصريحاتهم التي يدلون بها في الوقت الحاضر ويتهموننا فيها بمحاولة
تصدير الثورة في حين أننا لم نعلّب ثورتنا حتّى نصدّرها إلى مكان ما . إلاّ أن هذه
التصريحات أخذت تتضاءل تدريجياً . غير أن هذا كلام يقصد به هذا التيار الثقافي
الذي أخذ ينتشر في البلدان الاسلامية وحتى غير الاسلامية ويثير فيها الوعي .

ولو أنّنا طبّقنا تعاليم الاسلام بشكل دقيق في المجالين
الاقتصادي والاداري ; لكُنّا حتماً في وضع أفضل مما نحن عليه حالياً . ومن المؤسف أن
ما فعلناه في المجال الاقتصادي كان وصفة خليطة من الاسلام وغيره ، ولم يعد علينا
بأي خير أو فائدة ، فالنظريات الاقتصادية الغربية التي كانت تعتبر إلى ما قبل فترة
وجيزة من المسلمات ، أصبحت في الوقت الراهن موضع نقاش بينهم .

ولكن ماهو تقصير الشعوب التي يرغمها زعماؤها على اتّباع تلك
الأساليب الاقتصادية ؟ لقد أسّسنا في أواخر حياة الامام مصرفاً اسلامياً لا ربوياً
ولكن كانت فيه بعض النواقص ، وأحد مساعي الحكومة الحالية هو النهوض بهذه المهمة ،
وأرجو أن يحالفها النجاح في ايجاد مصرف اسلامي لا ربوي بشكل كامل . وقد بذلت في
هذا المجال جهود كثيرة طبعاً ، والمطلوب حالياً هو إنجاز الخطوات اللاحقة .

إنّنا اليوم بحاجة إلى
تعاليم الامام (ره)

هذا هو الأساس الذي يدفعنا اليوم إلى أن ننادي بنهج الامام
ووصية الامام وتعليماته . والقضية هي ليست إننا نتمسك بشيء ما عن جمود وتحجّر وبعيداً
عن التعقّل ، ولكن القضية هي أن هذا العارف الحكيم الخبير بالاسلام المطّلع على
شؤون الدنيا ، اختار لهذا الشعب منهجاً يتناسب مع متطلّباته ، ووضع له معالم
بيّنات ، وأصدر بشأنه التعاليم والتوصيات . وحيثما تم تطبيق تلك التعاليم وجدناها
آتت اُكُلها . ونحن اليوم بحاجة إلى تلك التوصيات البيّنة . ونحمد اللّه أن الشعب
والمسؤولين لديهم عزم راسخ على مواصلة هذا النهج . وسنواصل السير بعون اللّه على
هذا الطريق ـ وهو طريق اللّه والرسول ، وطريق تحقق الكوثر ، وطريق الخلاص والعزة
والمجد ، وطريق حل جميع المشكلات الموجودة في البلد ـ رغم إرادة الأعداء .


/ 1