باطن الإثم نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

باطن الإثم - نسخه متنی

محمد مهدی الآصفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسات


باطن الإثم

الشيخ محمد مهدي الآصفي

بسم الله الرحمن الرحيم

(و ذروا ظاهر الإثم و باطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون) (1) .

(و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن) (2) .

هاتان الآيتان صريحتان في أن الإثم على قسمين : ظاهر، و باطن. و ظاهر الإثم معروف، فما
هو باطن الإثم؟

فيما يلي نحاول أن نلقي نظرة على هذه المسألة.


السلوك الظاهر و الباطن للإنسان

بحياة الإنسان وجهان : ظاهر، وباطن. والوجه الظاهر من حياة الإنسان هو السلوك المرئي
والظاهر، ويشمل هذا السلوك حركته وعلاقاته ونشاطه المرئي.

طن من حياة الإنسان هو سلوكه النفسي من حب وبغض وعزم وإقبال وإعراض ورضا وسخط، وما يتصل
بذلك من أنماط السلوك النفسي.

ومهمة الدين في حياة الإنسان هي تنظيم وجهي حياة الإنسان الظاهر والباطن، ضمن مجموعة
من التعليمات الإيجابية و السلبية (الأوامر والنواهي).

ويشكّل السلوك الباطن للإنسان مساحة واسعة من سلوكه العام، ويوليه الإسلام اهتماما خاصا
وعناية كبيرة.

ولا تقتصر الأوامر والنواهي في الشريعة على السلوك الظاهر فقط، وإنما تشمل وجهي سلوك
الإنسان الظاهر والباطن على نحو سواء.

فمن الأوامر التي تخص الوجه الظاهر من حياة الإنسان الصلاة، والصيام، والحج، والجهاد،
و الأوامر التي تخص احوال الإنسان الشخصية من الزواج والطلاق والميراث والنفقة وما يتصل
بذلك.

ومن الأوامر التي تخص الوجه الباطن من حياة الإنسان الإخلاص واليقين، والشكر، والخشوع،
والإقبال على الله، والزهد، والحب في الله، والبغض في الله، والولاء، والبراءة، وغير
ذلك من أنماط السلوك النفسي للإنسان.

؟ومن
النواهي التي تخص الوجه الظاهر من حياة الإنسان اللهو، والإسكار، والفاحشة، والغيبة،
والكذب، وقول الزور، والعدوان، والسرقة، والخيانة.

ومن النواهي التي تخص الوجه الباطن من سلوك الإنسان الحسد، والطمع، والجشع، والحرص،
وبغض المؤمن، والشك والريب، والنفاق، والكفر، والشرك، والكبر، والعجب، وحب الدنيا، وما
يتصل بذلك من أنماط السلوك الباطن.

وهذا الاخير هو (باطن الإثم) الذي نريد أن نتحدث عنه في هذا البحث.


العلاقة بين السلوك الظاهر و السلوك الباطن

و بين السلوك الظاهر والباطن للإنسان علة و صلة قوية، والسلوك الباطن هو الأساس للسلوك
الظاهر، وقيمة السلوك الظاهر بالباطن، فلا قيمة للصلاة من دون الإقبال على الله، وحضور
القلب بين يدي الله، إلا بقدر ما يسقط الواجب بها عن عهدة المكلف، وليس للإنسان من صلاته
إلا ما أقبل فيها بقلبه على الله.

وليس للإنسان من صلاته وصيامه وحجه وجهاده وهجرته إلا ما اراد به وجه الله تعالى، وأخلص
فيه لله تعالى، وتقرب به إلى الله تعالى، مما لم يكن كذلك فلا قيمة له عند الله، ولا
يعبأ فيه الله، مهما كان حجه ووزنه المحسوس الذي يملأ أعين الناس، فإن الله تعالى يرى
من أعمالنا ما أخلصنا فيه لله، وما تجردنا فيه عن أهوائنا وأنفسنا، فمن كانت هجرته إلى
دنيا يقتنيها كانت هجرته إليها. هذا في الجانب الإيجابي من تعليمات الإسلام (الأوامر)،
وكذلك الأمر في الجانب السلبي (النواهي)، فإن : «حب الدنيا رأس كل خطيئة»، كما ورد في
الحديث الشريف، وحب الدنيا من (الإثم الباطن)، وإذا أشرك الإنسان سلب الله تعالى عنه
العصمة من كل ذنب، فلا يردعه عاصم من ذنب.

إذن الباطن اساس الظاهر.


اهتمام القرآن بباطن الإثم

و للقرآن اهتمام كبير بهذه المساحة الواسعة من سلوك الإنسان، وهي مساحة الباطن، وعن
باطن الإثم يقول تعالى : (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) (3) .

ويقول تعالى : (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن) (4) .

وبناء على هذه الآية الكريمة يكون للفواحش ظاهر وباطن، وباطن الفحش هو السلوك النفسي
الفاحش للإنسان، وظاهر الفحش هو السلوك الظاهر الفاحش للإنسان.

ويقول تعالى : (و لكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) (5) ، فليس يؤاخذنا الله تعالى فقط بما كسبت جوارحنا، وإنما يؤاخذنا أيضا بما كسبت قلوبنا
.

ويقول تعالى : (و لا تكتموا الشهادة و من يكتمها فإنه آثم قلبه و الله بما تعملون عليم) (6) ، فالقلب يأثم كما تأثم الجوارح، ولا يختص الإثم بالجوارح.

ويقول تعالى : (إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) (7) ، إن الله تعالى يحاسب عباده على ما في أنفسهم، أظهروا ذلك أو أخفوه، أعلنوه أو كتموه،
فإذا كره المؤمن أخاه و أبغضه يحاسبه الله تعالى على ذلك، أضمر ذلك أو أعلنه.

ويقول تعالى : (إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)
(8) ، وفي هذه الآية الكريمة تقع المسؤولية على السمع و البصر (و هما من الجوارح)، و على
الفؤاد، وهو من الجوانح بمعنى القلب، فيكون الفؤاد مسؤولاً، كما يكون السمع والبصر مسؤولين
.

ويقول تعالى : (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) (9) ، وهذا العذاب الأليم ليس على إشاعة الفاحشة، فإن إشاعة الفاحشة من الكبائر، وليس في
ذلك خلاف، وإنما العذاب الأليم في هذه الآية الكريمة على حب إشاعة الفاحشة : (يحبون أن
تشيع الفاحشة)، وهو من باطن الإثم.


الاضطرار بالاختيار لا ينافي الاختيار

ويعتقد البعض أن أمثال هذا الإثم الباطن لا يمكن أن يقع في حيّز الأمر و النهي، فإن
الأمر والنهي في الشريعة لا يردان إلا فيما يقع في دائرة اختيار المكلف وقدرته، والسلوك
النفسي من الحب والبغض والحسد والاحتيال والإعراض، و أمثال ذلك، يخرج عن دائرة إرادة
المكلف وقدرته، فإن الإنسان لا يملك من أمر نفسه أن يحسد أو لا يحسد، ويبغض أو لا يبغض،
ولكن يملك من أمر جوارحه إعمال هذا الحسد وعدم إعماله، وإعمال هذا البغض وعدم إعماله،
وهذا هو الذي يقع في دائرة التكليف والمسؤولية و الأمر والنهي.

ولذلك فإن هؤلاء يفسرون أمثال هذه النصوص من الكتاب والسنّة بما يقع منه تحت اختيار
الإنسان من أعمال الجوارح.

ولكن الذي يقرأ هذه الآيات من كتاب الله، يخرج بنتيجة تختلف عن ذلك، وليس معنى ذلك أننا
نقول : إن الله تعالى يعاقب عباده على ما لا يقع تحت اختيارهم من باطن الإثم، ويحملهم
مسؤوليته، فهذا مالا يصح ولا يجوز، ولكننا نقول : إن باطن الإثم إذا كان يقع في مقدماته
تحت اختيار المكلف وقدرته وسلطانه، فلا يقبح بالتشريع أن يتناوله بالأمر والنهي، و إن
كان قد خرج بالنتيجة من تحت قدرة المكلف وسلطانه، كمن يلقي بنفسه باختياره وإرادته من
شاهق لينتحر، فلا يملك أمر نفسه بعد ذلك إذا أراد أن يرجع عن قراره، فإن الله تعالى
يعاقبه على ذلك، وإن كان الأمر قد خرج عن يده واختياره بعد أن القى بنفسه من الشاهق،
لأن (الاضطرار بالاختيار لا ينافي الاختيار)، كما يقول علماء الأصول، فإن الإنسان إذا
أوصل نفسه باختياره و إرادته إلى حالة الاضطرار إلى الحرام، فلا يسلب عنه هذا الاضطرار
المسؤولية، ولا يبرّؤه عن العقاب والمؤاخذة، ولا ينفي عنه صفة الاختيار، ويكون مثله
كمن عوّد نفسه باختياره و إرادته على شرب المسكر، حتى أصبح بحكم العادة مضطرا إليه،
فإن الاضطرار لا ينفي عنه الاختيار، ولا يرفع عنه المسؤولية، ولا يعفيه من العقوبة والمؤاخذة
.

وكذلك الأمر في باطن الإثم، فإنه يتم في مقدماته وبداياته باختيار الإنسان، فإذا تمادى
في هذا الاختيار ولم يكف نفسه عنه، خرج أمر نفسه عن اختياره، ولم يعد يملكه في الحب
والبغض والحسد والطمع و التعلق بالدنيا، و ما أشبه ذلك.


مصدر الإثم الباطن

ومصدر باطن الإثم القلب المريض، كما أن مصدر العمل الصالح و النية الصالحة القلب السليم،
فكل إناء بالذي فيه ينضح.

وبين القلب وصادراته علاقة و صلة، فكلما سلم القلب سلمت صادراته، وكلما مرض القلب فسدت
صادراته، فلا يصدر عن القلب المريض غير الإثم، ولا يصدر عن القلب السليم إلا الصلاح
.

وهذه حقيقة من حقائق النفس والسلوك، كما أن مآل القلب السليم إلى الجنة (يوم لا ينفع
مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم) (10) ، فإن الجنة (دار السلام).

يقول تعالى : (لهم دار السلام عند ربهم)، ولايدخلها إلا السلام، و السليم و الأمان و
الأمين.

ومآل القلب المريض، إذا لم يبرأ من مرضه، النار. يقول تعالى : (في قلوبهم مرض فزادهم
الله مرضا) (11) .

فإذا مرض القلب و تمادى صاحبه في ذلك، ولم يبرأ من مرضه، زاده الله مرضا، عقابا لصاحبه
عليه، فيكون هذا القلب بتراكم مرضه سببا في دخول صاحبه النار.

ويقول تعالى : (و إذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله و رسوله إلا
غرورا)
(12) ، و هذه العاقبة هي التي يؤول إليها امر مرضى القلوب، فيكذّبون الله ورسوله، ويقولون
للناس في نهاية الشوط : (ما وعدنا الله و رسوله إلا غرورا).

إذن مآل القلوب المريضة النار، إلا أن تبرأ من مرضها، و مآل القلوب السليمة الجنة :
(يوم لا ينفع مال و لا بنون).


باطن الإثم مرض

و إن كان باطن الإثم لا يصدر إلا من القلب المريض، فإن باطن الإثم في حد نفسه نحو من
مرض القلب، وقد ورد تأكيد هذا المعنى في النصوص الإسلامية، فالحسد مرض، والحقد مرض،
والطمع مرض، وحب الدنيا مرض.

عن أمير المؤمنين (ع) : «لا وجع أوجع من الذنب» (13) .

و عنه (ع) : «الحسد داء عياء لا يزول إلا بهلاك الحاسد أو موت المحسود» (14) .

و عنه (ع) أيضا : «الحقد داء دوي و مرض موبئ» (15) .

و عنه (ع) : «الشهوات أعلال قاتلات، و أفضل دوائها اقتناء الصبر عنها» (16) .

و عنه (ع) في موت القلوب و أثره في سلوك الإنسان و هو يصف الزهاد : «يرون أهل الدنيا يعظمون
موت أجسادهم، و هم أشد إعظاما لموت قلوب أحيائهم» (17) .

و إذا عرفنا أن باطن الإثم نحو من المرض، عرفنا كيف نعالجه، وكيف نواجهه، و كيف نستأصله
من النفس والمجتمع.


كيف نتعامل مع مرضى القلوب

النقطة الأولى في التعامل هي أن نعرف أن أمراض القلوب معدية، و إذا كانت أمراض الأجسام
منها معدية ومنها غير معدية، فإن أمراض القلوب كلها معدية، و على الإنسان إذا كان غير
واثق من مناعته وقدرته على تصحيح الانحرافات، أن يجتنب مصاحبة مرضى القلوب، ويبتعد عنهم
جهد الإمكان.

عن الإمام الصادق (ع) قال : «قال أمير المؤمنين (ع) : لا ينبغي للمسلم أن يؤاخي الفاجر،
فإنه يزيّن له فعله، ويحب أن يكون مثله» (18) .

وعن أمير المؤمنين علي (ع) : «لا تصحب الشرّير، فإن طبعك يسرق من طبعه شرّا وأنت لا تعلم» (19) .

و عن الإمام الجواد (ع) : «إياك ومصاحبة الشرّير، فإنه كالسيف المسلول، يحسن منظره، ويقبح
أثره» (20) .

و النقطة الثانية في التعامل مع مرضى القلوب هي عدم التشهير بأصحاب المعاصي الذين يستترون
بمعاصيهم، لئلاّ تأخذهم العزة بالإثم، والرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي
هي أحسن، لئلاّ يؤدي ذلك بهم إلى العزة بالمنكر.

عن علي بن الحسين (ع) : «كان آخر ما أوصى به الخضر موسى بن عمران (ع) أن قال له : لا تعيّرن
أحدا بذنب»
(21) .

وعن الصادق (ع) : «إذا وقع بينك وبين أخيك هنة فلا تعيّرنه بذنبه» (22) .

فإذا جاهروا بالذنب، و أعلنوا المعصية، اختلف الأمر و لزم ردعهم بقوة، وتحذير الناس
منهم، وعزلهم عن الناس، لئلاّ يفسدوا المجتمع، وقد أمرنا أن نلقاهم بوجوه مكفهرة.

عن أمير المؤمنين (ع) : «أمرنا رسول الله (ص) أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة» (23) .

و عنه (ع) : «أدنى الإنكار أن يلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة» (24) .

و عن عيسى بن مريم (ع) : «تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، و تقربوا إلى الله بالتباعد
عنهم، و التمسوا رضا الله بسخطهم» (25) .


بعض النماذج من باطن الإثم

من نماذج باطن الإثم :

1ـ العزم على الذنب، وهو محرم إذا بلغ حد الإقدام على الذنب، لأن العزم على الذنب من
الجرأة على الله تعالى ويحرم التجرّؤ على الله.

يقول السيد العاملي؛ في المدارك : «لا خلاف في حرمة إرادة الذنب».

ويدعي الشيخ البهائي العاملي؛ الإجماع على ذلك.

2ـ الرضا بالذنب، وقد آخذ الله تعالى اليهود المعاصرين لرسول الله (ص) على جرائم أسلافهم
من بني إسرائيل، من قتلهم الأنبياء بغير حق، وتحدّيهم لهم، وتكذيبهم إياهم من قبل، وقد
جاءوا بالبينات من عند الله، وبالكتاب المنير، فقال تعالى لهم : (الذين قالوا إن الله
عهد إلينا ألاّ نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات
و بالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين) (26) .

علما بأن اليهود المعاصرين لرسول الله (ص) لم يقتلوا الأنبياء، ولم يكذبوهم من قبل رسول
الله (ص)، وإنما استحقوا الذم من عند الله تعالى بما رضوا به من فعل أسلافهم، من قتل
الأنبياء وتكذيبهم و إيذائهم.

وعن الإمام الرضا (ع) في عيون الأخبار : «من رضي شيئا كان كمن أتاه، ولو أن رجلاً قتل
بالمشرق، فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند الله عزّ و جل شريك القاتل».

و عن أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة برواية الشريف الرضي رحمه الله : «أيها الناس،
إنما يجمع الناس الرضا والسخط، وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد، فعمهم الله بالعذاب لما
عموه بالرضا، فقال سبحانه : (فعقروها فأصبحوا نادمين)»
(27) .

و يقول الشيخ محمد حسن النجفي في موسوعته الفقهية الجليلة جواهر الكلام في كتاب الأمر
بالمعروف و النهي عن المنكر، في باب الإنكار القلبي : «إن الرضا بالحرام حرام، ويجب بغض
الحرام والنفور منه».

3ـ التفكير بالحرام، وهو حرام إذا كان الإنسان يخشى منه أن يوقعه في الحرام، وهو في
غير هذه الحالة أمر شديد الكراهة يفسد القلب، ويذهب بصفائه.

4ـ حب الدنيا بمعنى التعلق بها والانصراف إليها من غيرها. وقد روى عن رسول الله (ص)
: «حب الدنيا أصل كل معصية و أول كل ذنب».

و عن علي أمير المؤمنين (ع) : «حب الدنيا رأس الفتن و أصل المحن».

و عن الصادق (ع) : «حب الدنيا رأس كل خطيئة».

و هو من خصال الكافرين الذين يتوعدهم الله تعالى بالعذاب الشديد.

يقول تعالى : (و ويل للكافرين من عذاب شديد * الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة
و يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد)
(28) .

و ليس حب الدنيا من أسباب الكفر فقط وإنما قد يؤدي بالإنسان إلى ما هو أضر به من الكفر،
فيشرح صدره بالكفر. يقول تعالى : (و لكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم
عذاب عظيم * ذلك بأنهم استحبّوا الحياة الدنيا على الآخرة و أن الله لا يهدي القوم الكافرين) (29) .

5ـ الغل و الحقد على المؤمن، و هما من أمراض القلوب.

يقول تعالى في الدعاء : (و لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) (30) .

و ينزع الله تعالى الغل من صدور المؤمنين في الجنة، جزاء ما فعلوا من انتزاع الغل من
صدورهم في الدنيا : (و نزعنا ما في صدورهم من غلّ تجري من تحتهم الأنهار و قالوا الحمد
لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله) (31) .

و يقول تعالى : (إن المتقين في جنات و عيون * ادخلوها بسلام آمنين * و نزعنا ما في صدورهم
من غلّ إخوانا على سرر متقابلين * لا يمسّهم فيها نصب و ما هم منها بمخرجين).
(32)

و قد ورد في السنّة روايات كثيرة في حرمة الحقد و البغضاء للمؤمنين، و في حرمة هجر المؤمن
و مقاطعته.

عن رسول الله (ص) : «لا هجرة فوق ثلاث. لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث».

و عن الصادق (ع) : «لا يزال إبليس فرحا ما اهتجر المسلمان، فإذا التقيا اصطكّت ركبتاه،
و تخلّعت أوصاله، و قال : يا ويله».

و عن مفضل بن عمر قال : «سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : لا يفترق رجلان على الهجران إلا
استوجب أحدهما البراءة و اللعنة، و ربما يستحق ذلك كلاهما. فقال له معتب : جعلني الله
فداك، هذا الظالم، فما بال المظلوم؟ قال : لأنه لا يدعو أخاه إلى صلته، و لا يتغاضى له
عن كلامه».

وورد في روايات أهل البيت (ع) تأكيد الإصلاح و تأليف القلوب فيما بين المؤمنين.

عن الإمام الباقر (ع) : «إن الشيطان يغري بين المؤمنين، فإذا فعلوا ذلك قال : فزت فرحم
الله امرءاً ألّف بين وليّين لنا. يا معاشر المؤمنين، تآلفوا و تعاطفوا».

و قد ورد التأكيد في قبول العذر من المؤمن إذا اشعر بخطأه مع أخيه، و جاء إليه بعذره
.

عن زين العابدين (ع) : «إن شتمك رجل من يمينك، ثم تحول إليك عن يسارك، فاعتذر إليك، فاقبل
عذره».

6ـ غش المؤمن، و هو من المحرمات، و قد ورد في الرواية عن رسول الله (ص) «من بات و في
قلبه غش لأخيه المسلم بات في سخط الله، و أصبح كذلك و هو في سخط الله حتى يتوب و يرجع»
.

و عن الصادق (ع) : «لا يقبل الله من مؤمن عملاً، وهو مضمر على أخيه المؤمن سوءا».


الخلاصة

من الشرح المتقدم نستخلص المسائل التالية :

1ـ القرآن هو الرائد الأول لمنطقة الباطن في شخصية الإنسان، وعلى هذا الأساس يؤكد القرآن
مسائل من قبيل باطن الإثم، و باطن الفواحش.

2ـ يعتبر القرآن الإنسان مسؤولاً عن سلوكه الظاهر والباطن على نحو سواء، و يعتبر القلب
أو الفؤاد مسؤولاً، كما يعتبر الجوارح مسؤولة عن أعمالها : (إن السمع والبصر والفؤاد
كل أولئك كان عنه مسؤولاً).

3ـ يعمم القرآن النهي على الإثم والفواحش ما ظهر منها وما بطن : (و ذروا ظاهر الإثم و
باطنه)، (و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن).

4ـ العلاقة بين الظاهر والباطن من أوضح العلاقات، وباطن الإثم هو أساس ظاهر الإثم، كما
أن النية هي الأساس في كل عمل صالح، و لا قيمة لعمل صالح عند الله تعالى من دون النية
.

5ـ باطن الإثم و الفواحش نحو من مرض القلب، وكما أن باطن الإثم لا يصدر إلا عن القلب
المريض، كذلك لا تصدر النية الصالحة إلا عن القلب السليم : (قل كل يعمل على شاكلته).

و هذه العلاقة بين القلب و العمل من المسائل التي تؤكدها الثقافة الإسلامية.

6ـ مآل القلب السليم الجنة، و مآل القلب المريض النار.

(1) الأنعام : 120.

(2) الأنعام : 151.

(3) الأنعام : 120.

(4) الأنعام : 151.

(5) البقرة : 225.

(6) البقرة : 283.

(7) البقرة : 284.

(8) الإسراء : 36.

(9) النور : 19.

(10) الشعراء : 88 ـ 89.

(11) البقرة : 10.

(12) الأحزاب : 11.

(13) البحار : 73 ـ 342.

(14 ـ 17) غرر الحكم للآمدي.

(18) نهج البلاغة : الخطبة 230.

(19) وسائل الشيعة : 2 : 269.

(20) البحار : 74 : 198.

(21) البحار : 13 : 294.

(22) وسائل الشيعة 2 : 105.

(23) الكافي 5 : 58.

(24) التهذيب 6 : 176.

(25) جامع السعادات 3 : 187.

(26) آل عمران : 183.

(27) نهج البلاغة : الخطبة 201.

(28) إبراهيم : 2 ـ 3.

(29) النحل : 106 ـ 107.

(30) الحشر : 10.

(31) الأعراف : 43.

(32) الحجر : 45 ـ .48


/ 1