نقد حول الدراسات المنهجیة للعلوم الإسلامیة (1) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نقد حول الدراسات المنهجیة للعلوم الإسلامیة (1) - نسخه متنی

السید هاشم الهاشمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

نقـد
وتقويـم

حول الدراسات المنهجيةللعلوم
الاسلامية

( 1 )

في البحث عن دلالة النصوص

*
السيد هاشم الهاشمي

ن خلال تتبعنا لمقالات وبحوث بعض المجلات المتعلقة بالعلوم الاسلامية ودراساتها ومناهجها ، التي تضمنت آراء
نقدية وتقويمية ، وجدنا من الضروري إبداء بعض الملاحظات والتوضيحات حولها ، وسنشير
بمقدار ماهو المطلوب إلى الموضوعات التالية :
أولاً : ما قيل في البحث عن
دلالة النصوص .
ثانياً :حول فلسفة علم
الفقه .
أولاً : أما البحث عن دلالة النصوص

ربما يتساءل البعض عن مدى
امكان وصول القارئ أو الباحث إلى الواقع ، أي إلى المراد الحقيقي للنص والمؤلف ;
لان الواقع دائماً يغيب خلف الكثير من الحجب التي تفصل بينه وبين القارئ ، يغيب
خلف ركام من ذاتيات القارئ والباحث وعصره ، ورؤيته الكونية وطبيعة وعيه ومكوناته
الذهنية والثقافية ، والمعلومات التي يحملها عن مختلف الاوضاع السياسية
والاجتماعية وغيرها من حوله ، وميوله أو تجاربه الشخصية ، وما يعيشه من اجواء
نفسية أو اجتماعية ، وعوامل اخرى ، وبما أن النص لا يفهم إلاّ إذا كان القارئ يحمل
بعض المعلومات والقبليات عن فكرته ، وهي تفرض نفسها على فهمه ، ولا يعلم مدى صحتها
أو خطأها ، وكذلك لا يقرأ نصاً إلاّ وهو يتوقع منه بعض التوقعات ويستهدف بعض
الاهداف ، وربما اختلفت عن توقعات الكاتب والمعلومات التي يريد طرحها من خلال النص
، وربما اختلف عصر المؤلف عن عصر القارئ وما يفرضه هذا الاختلاف من اختلاف في
التصورات عن الكون والحياة ، واختلاف تجربة الكاتب عن القارئ ، وهذه العوامل
وامثالها ربما ابعدته مسافات عن المؤلف ومراده الحقيقي أو فهم الفكرة المحورية
التي تدور حولها النصوص ، فما العمل من اجل الوصول إلى مراد النص وتوقعات الكاتب ؟
أم لابد من الرضا والقناعة بهذا الواقع ، وإن مدى قدرتنا هو الوصول لما يفهم من
النص ، لا ما يريد أن
يقوله النص حقاً ، فهناك حاجز دائم بين النص والمؤلف والقارئ وفهمه ، هو القارئ
ومعلوماته وشخصيته وذاتياته . فكيف نرفع هذا الحاجز لنتوصل إلى مراد النص حقيقة ؟.

إن هذه المسائل لابد من
معالجتها قبل الدخول في دراسة النص ، أو حتى قبل الدخول في دراسة العلم . وقد أطلق
البعض عليها وامثالها اسم فلسفة العلم ، كما في فلسفة الفقه ، فهي مسائل خارجة عن
العلم وعصره ولكنها مؤثرة فيه ، ولابد من معالجتها قبل الخوض في مسائل العلم ، كما
سنشير لبعضها مما يتعلق بالفقه . وكذلك هناك بعض المسائل لها تأثيرها في فهم النص
، ولعلها تشكل عقبات في طريق فهمه ، نشير إليها بإيجاز حيث نلخّص فيها آراء البعض
في هذا المجال :

1 ـ لابد من وجود معلومات
مسبقة في فهم أي نص وتفسيره . ولا
يمكن دراسة النص بدون تلك المعلومات المسبقة أو القبليات وإن كانت مجملة ، فربما
لا ينتبه القارئ لفكرة النص ، إذا لم يكن يحمل في ذهنه شيئاً من هذه المعلومات .
ولكن كيف يمكن أن نتجنب تأثيرها السلبي ؟ فربما اكتفى
بها القارئ في فهم النص ، وتوقف معها عن محاولة الوصول للفكرة المحورية للنص ، أو
لمراد المؤلف حقاً . وكيف يمكنه أن يتجنب هذه الحقيقة ، وهي فرض معلوماته على النص
ليفهم منه نفس المعلومات المسبقة التي يحملها ؟ واخيراً ، كيف يمكن للانسان اختزان
معلومات مسبقة صائبة وغير خاطئة ؟ والمفروض أنه على القارئ البحث عن المراد
الواقعي للمؤلف ، لا التوصل لمعلوماته المسبقة .

2 ـ لا يمكن الاقتراب من النص
بدون نوع من العلاقة والتوقعات ، التي ينشدها القارئ أو المفسر منه ، فإن من يريد
فهم النص ، فهو يهدف لتحقيق بعض توقعاته منه ، وله علاقة شدته به . ولكن يبرز هذا
السؤال الصعب : ماذا يُعمل ، حتى لا يفرض المفسر توقعاته وعلاقته على توقعات
المؤلف وعلاقته ؟ بمعنى أن يعتقد المفسر قبل بحثه ، أن توقعات المؤلف وعلاقته هي
نفسها توقعاته وعلاقته ، فربما كانا في الواقع مختلفين ، والمفروض على المفسر
التوصل لتوقعات المؤلف من النص لا توقعاته هو .

3 ـ يلزم على المفسر البحث
عما يقوله النص حقاً ، فلابد أن يتوصل لما يريد صاحب النص تفهيمه لمخاطبيه ولاجل
الوصول لهذا الهدف ، لابد أن يتعرف على توقعات المؤلف وعلائقه ، والظروف التي
عاشها حين كتابة النص ، وظروف مخاطبيه آنذاك ، وادواته ووسائله اللسانية
والتعبيرية وامثالها .

4 ـ لا يتيسر تفسير أي نص
بدون اكتشاف الفكرة المحورية والمركزية له ، التي على ضوئها يمكن تفسير النص كله ،
لان كل نص له فكرة محورية تدور حولها مطالبه ، فلابد للباحث الوصول إليها .
ولكن كيف يتوصل إليها ؟ .

والسؤال الرئيس في هذا المجال هو هل يمكن للمفسر
أن يكتشف الفكرة المحورية للمؤلف نفسه ،
متجرداً عن اسئلته الاساسية . وعن فهمه ورؤيته للكون ولنفسه ؟ أم إن المفسر مهما حاول فسوف ينظر للنص من خلال رؤيته هو ،
فهناك حجاب دائم بين المفسِّر والمتن وهو المفسَّر نفسه .

5 ـ كيف يمكن للانسان
(المفسر) الذي يعيش آفاقاً وعالماً معيناً كالقرن العشرين مثلاً ، أن يفهم نصاً
كتبه انسان عاش آفاقاً وعالماً آخر كالقرن العاشر ، مع الاختلاف الواسع بينهما في
الكثير من الرؤى والتصورات حول الكون والحياة والطبيعة وما وراءها ؟ فالنص إنما
يفهم حقاً فيما لو تفاعلت الفكرة المحورية للنص مع آفاق تجربة المفسر ومخاطبيه ،
والاسئلة والعناصر الدائرة فيها .

لابد أن نفهم مدى علاقة
النص بالمفسر ومخاطبيه ، وكيف يرتبط النص بهم . والمفسر في هذا المجال يقوم بدور
المترجم ، ولكن ليس ترجمة الفاظ ومصطلحات فحسب ، وإنما ترجمة افق تجربة وفهم لافق
تجربة وفهم آخر ، عن طريق الربط بين الافقين . وهذه المرحلة اشق مراحل التفسير .

وهناك مسائل أو عقبات اخرى
تعرضوا لها تقف امام النص ويلزم معالجتها ، امثال : ملاحظة مدى تأثير الزمان
والمكان في فهم النصوص ، وزمان القارئ ومكانه واختلافه عن زمان المؤلف ومكانه
ولذلك لابد من معرفة زمان صدور النص ومكانه ; لتأثيرها في فهمه ، ومن هنا ذهب البعض
لضرورة التعرف على العصر الجاهلي المعاصر للرسالة الاسلامية ; لتأثيرها في فهم
الايات والاحاديث الشريفة ، وكذلك ظروف صدور الروايات عن المعصومين(عليهم السلام) ، ولكن الظروف لها تأثيرها في فهم النص
ومحتواه واحكامه بدقة وبصيرة ، دون أن يكون له تأثيرها في تغيير الاحكام الثابتة
أو تشريع احكام اخرى من قبل البشر انفسهم ، حسب تغير هذه الظروف ، وكذلك يجدر
التعرف على آراء اهل السنة ورواياتهم ، من اجل تأثيرها الكبير في فهم رواياتنا
وآرائنا ، والبحث عن مدى تأثير فهم الباحث للاسلام ومعرفته به في فهمه للنصوص ;
فإن فهم الصوفي للدين مثلاً ربما اختلف عن فهم غيره ، والبحث عن مدى تأثير الاجواء
النفسية والاجتماعية للباحث في فهمه ، فمن يعيش جو الارهاب ربما اختلف في فهمه عمن
يعيش جو الانفتاح ، فمثلاً ربما اختلف كل منهما في فهم روايات التقية والجهاد
والادلة عليهما ، وامثالها من المسائل ، وربما يبحث عن مدى تأثير ظروفه الشخصية،
وعوامل الوراثة والتربية ، ومزاجه النفسي
والاجتماعي ، وامثالها . واخيراً لابد من البحث عن مناهج البحث ، والتعرف على
المنهج الافضل ; لاختلاف الافراد في منهج البحث حسب اهتماماتهم وامزجتهم وظروفهم ،
من اتباع مدرسة الاجتهاد ، أو المدرسة الاخبارية أو الفهم العقلي ، أو الفلسفي
الدقيق أو الفهم العرفي وغيرها ، ومدى تأثير
الاستفادة من علم المنهج الحديث في تطوير منهج البحث الكلامي ، أو البحث الفقهي
والاصولي ، وغيرها من المسائل والاراء التي يطرحها بعض الباحثين .

ولعل بعض هذه الاراء متأثر
بما كتبه بعض الكتاب العرب المتأثرين بالبحوث الغربية الحديثة وخاصة علم اللغة
والدلالة أو البحوث الدينية والقانونية ، ففي كتاب مفهوم النص (إن تحديد المعنى
المرجوح من المعنى الراجح في الظاهر والمؤل تحديد مرهون بافق القارئ وعقله .. وهذا
كله مفهوم للدلالة يقترب إلى حد كبير من المفهوم المعاصر الذي يرى أن فعل القراءة
. ومن ثم التأويل ، لايبدأ من
المعطى اللغوي للنص . أي يبدأ من المنطوق ، بل يبدأ قبل ذلك من الاطار الثقافي
الذي يمثل افق القارئ الذي يتوجه لقراءة النص)(1) .
ومما يلزم التأكيد عليه أن
الغربين غير متفقين على هذا الرأي وهو تأثير قبليات المفسر وميوله وظروفه في فهم
النص والوصول لمراد المؤلف وفكرته المحورية ، فهناك من يذهب منهم لعدم تأثير هذه
العوامل في فهم النص لمن راجع هذه الاراء حول الهرمينوطيقا عندهم من القائلين بها
والمنتقدين لها ، لذلك لا يصح نسبة هذا الرأي لجميع الغربيين(2)
.

وقد اثيرت بعض الشبهات حول
نصوص القرآن الكريم والسنة ومحتوياتها وتعاليمها . ومدى الهيتها أو حجيتها
وصلاحيتها لمختلف العصور والمجتمعات . ومن الجدير التعرف عليها وتقويمها وخاصة
للباحثين عن هذه النصوص ، ونشير هنا بايجاز لبعض هذه الشبهات. وما يمكن أن يلاحظ
عليها ، ونترك التوسع لفرصة اخرى .

فقد ذهب البعض لانكار حجية
القرآن وسنّة المعصوم بما يشمل النبي(صلى الله عليه
وآله) والائمة المعصومين(عليهم السلام) ،
وعدم امتداد وثبات احكامها وتعاليمها ومحتوياتها لسائر الازمنة ، بل تتحدد وتنحصر
حجية القرآن والسنة بما يشمل تفسير المعصوم وفهمه للقرآن ، بزمان نزول القرآن أو
صدور السنة والتفسير ، فتتحدد احكامها وتعاليمها في تلك الظروف ، وذلك اعتماداً
على تأثير الظروف في الاحكام وأن تلك الاحكام إنما بعثت لتلك الظروف دون سواها ولو
كانت تبعث لظروف اخرى لتغيرت الشريعة باحكامها وتعاليمها ، أو لاجل التوصل لمقاصد
الشريعة والمبادئ والاهداف الاسلامية والالهية ، التي تتغير الاحكام بما يلاءمها
ففي كل زمان ومكان هناك احكام مختلفة عن الاخرى تتلاءم ومقاصد الشريعة واهدافها ،
أو لاجل التقيد بشأن النزول ومورده ، وقد ذكر البعض أن هذا النص أو الحكم القرآني
(للذكر مثل حظ الانثيين) هو نص تأريخي بمعنى أنه يتوجه إلى المجتمع الزراعي مثلاً
وليس نصاً مطلقاً ولعله يريد أنه مختص بالعصر الذي كانت فيه المرأة قابعة في بيتها
، ولا تشمل العصر الذي تخرج فيه المرأة للعمل والحياة ، وذلك لان هذا الحكم لا
يتلاءم والظروف الجديدة ، والمقاصد والاهداف الاسلامية والالهية العامة ، لذلك لابد
من تغيير شكل الحكم وتشريع اشكال جديدة للاحكام تتلاءم والظروف الجديدة ، والمبادئ
والاهداف الاسلامية .

(وإذا كان النص في مفهومه
الاساسي من حيث كونه وحيا انطلق من حدود ومفاهيم الواقع ، فلا نشك أنه في تطوره
كان لابد أن يراعي هذا الواقع ، ولا يصح أن يكون هذا الفهم محجوجاً بتصور أن اللّه
لا يجوز عليه التغير ، وأن علمه الشامل للماضي والحاضر والمستقبل وللكليات
والجزئيات يمنع من أن يحكم بحكم ثم يغير هذا الحكم ، فالتغير صفة ثابتة في الواقع
لازمة له من حيث هو حركة مستمرة سيالة دافعة .. إن الاحكام الشرعية خاصة بالبشر في
حركتهم داخل المجتمع ، ولا يصح اخضاع الواقع المتغير لاحكام وتشريعات جامدة لا
تتحرك ولا تتطور)(3)
.

(إن منهج الوحي هنا ـ رغم
وضوحه من حيث دلالته على الارتباط الوثيق بالواقع الانساني ـ يغيب تماماً في الفكر
الرسمي المعاصر ، وهو في فكر دعاة (تطبيع احكام الشريعة) اشد غيابا لانهم يريدون
الوثب على قوانين الواقع بالفرض وبقوة الحديد والنار)(4) .
إذن فليس هناك احكام وشريعة
ثابتة معينة ، وإنما يجب أن تتغير الاحكام حسب تغير الظروف والواقع ، وكما يؤكد
غيره ، بأن جوهر الاسلام وروحه وحقيقته تلك المقاصد والقيم العليا ، وأما الاحكام
فهي شكليات تتجسد بها تلك القيم لذلك حينما تتغير الظروف فإن ما يصلح لتجسيد تلك
المقاصد والقيم احكام اخرى ، غير الاحكام الاولى ، إذن فلابد أن تتغير الشريعة ، ولابد أن تتغير الاحكام ، حسب الظروف من
اجل تجسيد القيم والمقاصد العليا ; إن بعض هؤلاء يذهبون إلى نسبية الاحكام
والتعاليم الدينية والاسلامية جميعها ، وان الاسلام إنما كان بهذه الصورة في
احكامه وتعاليمه لانه بعث في زمان أو مكان معين ، ولو كان يبعث الرسول(صلى الله عليه وآله) في زمان أو مكان آخر لتغيرت صورة
الاسلام ، كما أن البعض ايضاً يذهب إلى أنه حتى معرفة النبي(صلى الله عليه وآله) بالوحي ، أو علم المعصوم ليست
مطلقة ، وما يتلقاه من الوحي ، أو ما يتوصل إليه المعصوم استنباط بشري ظني ، يمكن
وقوع الخطأ فيه .

ويمكن أن يلاحظ على امثال
هذه الاراء ايضاً :

إن ظروف النص لا تقيد حكمه
ومحتواه بتلك الظروف مع اطلاق النص وحكمه وموضوعه ، وعدم تقييدها أو تخصيصها بزمان
أو حالة خاصة إذ لم تجعل الاحكام الاسلامية لجماعة معينة أو لفترة خاصة ولا يتلاءم
هذا الرأي مع ما ثبت بالضرورة من خلود الرسالة وعالميتها ، نعم لهذه الظروف تأثيرها
في فهم النص ومعرفة حكمه بدقة ، ولكن هذا لا يعني الغاء النص وحكمه حسب الظروف ،
وحصره في ظرفه ، وكذلك فإن هذه المقاصد إذا كانت عللاً منصوصة لنفس الاحكام ،
فتدور الاحكام مدارها وجوداً وعدماً ، وإلاّ كانت ظنية ، ويكون اعتمادها في
التشريع والاستنباط والتفسير من الاعتماد في التفسير والفتوى والاستنباط على الرأي
والظن وامثالها . وقد دلت الكثير من الايات والروايات على النهي عن الاعتماد وعلى
الظن ، وأمثال هذه الادلة الظنية (إن
الظن لا يغني من الحق شيئا) . والمفروض أن
الشارع المقدس الذي يحيط علمه بالانسان والاشياء يعرف مدى ملائمة الاحكام
والتعاليم التي شرعها باشكالها المحددة مطلقة دون أن تتحدد بزمان لتلك المقاصد
والاهداف الاسلامية ، لان هذه الاحكام باشكالها المعينة هي التي تتلاءم مع اهدافه
ومقاصدة ، ومع اطروحته المعينة لسعادة البشر في الدنيا والاخرة ، ومع تصوراته في
مجال الرؤية الكونية والايديولوجية ، وتغييرها لا يكون إلاّ بالنسخ وكذلك لا يتقيد
النص والحكم بشأن نزوله وصدوره ، كما لا يتقيد
بظرفه مع كون النصوص واحكامها وموضوعاتها مطلقة غير مخصصة وغير مقيدة .

وكيف يمكن استنباط علة
الحكم من سبب النزول ، بحيث يدور الحكم مدار تلك العلة ، ويعمم الحكم إلى موارد
اخرى غير مورد النزول ، تتوفر فيها تلك العلة ، وكيف يتيقن أن هذا السبب هو بالذات
علة الحكم ، وأنه الباعث للشارع المقدس على تشريع الحكم وجعله ما لم يكن بنصه
وتصريحه ، هناك فرق بين عموم الحكم والموضوع المذكور في الدليل وعدم تخصصه بسبب
النزول . كما يقول به ، واستنباط علة ظنية من سبب النزول ثم تعميم الحكم حسب تلك
العلة المستنبطة الظنية وهذا ما لا نقول به .

ثم هناك فرق بين العلة
المنصوصة والعلة المستنبطة الظنية وبين العلة والحكمة ، كما فرق علماؤنا بينها ،
وأن الحجة هي العلة المنصوصة دون غيرها ، لان غيرها يشمله حكم الظن (والظن لا يغني
من الحق شيئا) مع توضيح يذكر في محله ـ ثم أنه مع اختلاف الروايات في سبب النزول ،
ذكر هؤلاء ، أن الباحث يمكنه تشخيص الحق ، وبعد ذلك يستنبط العلة منها ، ثم يرتب
الاثر عليها وتعميمها إلى غير مورد النزول ، اليست مثل هذه الاساليب ظنية في
الاستنباط ، والحكم ما لم يتيقن بأنه من الشارع المقدس ، أما بنفسه أو دليله ، بأن
يكون نفس الحكم قطعياً أو دليله ، فيكون ظناً ونسبته للشارع المقدس من قبيل
التشريع والافتراء المحرم ،وكان من اللازم على البعض قراءة الكتاب والسنة ، وجهود
علماؤنا المحققين وخاصة المعاصرين في الفقه والاصول والكلام والتفسير وغيرها قراءة
موضوعية منصفة لا مستخفّة مستنكرة لتزول الكثير من الشبهات عن الاذهان في هذه
المجالات .

وما ذكروه بأن روح الاسلام
وجوهره هو تلك القيم والمقاصد العليا ، وأما الاحكام فهي شكليات خاضعة لتغير
الظروف .

ولكن نتساءل ، كيف نتوصل
لمعرفة تلك القيم والمقاصد ، وكيف نحدد انها بالذات هي ملاكات الاحكام ، أي بواعث
الشارع المقدس على تشريع هذا الحكم أو ذاك ، لان كل حكم أمر أو نهي ، لا يشرعه
الشارع المقدس عبثاً ، بل لما فيه من مصلحة أو مفسدة للبشر لا للّه تعالى لانه غني
عن العالمين ، وهذه المصالح والمفاسد الباعثة على التشريع ، لا تتحدد بامور معينة فهي قد تكون شخصية واجتماعية ، أو مادية ومعنوية ،
أو دنيوية واخروية ، وقد تجتمع كلها في تشريع حكم واحد ، وكيف يمكن لنا التوصل
لمعرفة هذه الملاكات ، وكيف نتعرف على دوافع الشارع من تشريعاته ، ما لم تكن بمدد
منه تعالى وتنصيصه ، ثم كيف نعرف أن هذه الاحكام التي وضعها الشارع ، غير ملائمة
لتلك المقاصد والاهداف والقيم ، ولا تتناسب وتصورات الشارع عن الكون والحياة
والفرد والمجتمع والدنيا والاخرة ، ونظامه المقدس ، واطروحته المعينة للبشرية ،
فربما كان خروج المرأة للحياة هذا الخروج السافر والمنحرف ، لا يتلاءم وتصورات
الاسلام عن المرأة، فكيف نغير احكام الاسلام عن المرأة حسب هذه الظروف الجديدة
التي تعيشها المرأة ، والتي لا تتلاءم واطروحة الاسلام عنها أليس في هذا التغيير
مخالفة صريحة لمقاصد الاسلام وقيمه ثم كيف نتوصل لاحكام معينة بديلة ناسخة لاحكام
الشارع المقدس ، تكون ملائمة لتلك المقاصد ، وهل يحق لنا التشريع ، أو النسخ ،
وإذا كان الحكم يدور مدار ملاكه ، أي المصالح والمفاسد الباعثة على تشريعه ، وأن
الحكم الشرعي لو فقد ملاكه ودوره الفاعل في اسعاد البشر ، لنسخه تعالى ، كما نسخ
بعض احكام الشرائع السابقة ، فعدم نسخه دليل على بقاء ملاكه وفاعليته ، ومعنى
النسخ في حقه تعالى ، ليس كمعنى النسخ في البشر والقوانين الوضعية ـ كما ذكره
علماؤنا في بحث النسخ ـ فان معناه أن يشرع حكماً يعلم بأنه محدود ، وملاكه محدد ،
بفترة زمنية معينة ، ولكنه يشرعه بصورة مطلقة غير محددة لبعض المصالح ، وحين ينتهي
دور الحكم وملاكه وفاعليته ، فانه يكشف عن تحديده ، وانتهاء امده ، حيث لا يتصور
الجهل في حقه تعالى ، كما يتصور في البشر والمقنن الوضعي ، لان البشر لعوامل
القصور فيهم ، ربما يشرعون حكماً لا ملاك فيه ، أوله ملاك ولكنه مؤقت مع جهلهم
بتوقيته ، وبعد ذلك حينما ينكشف لهم عدم الملاك أو توقيته ، ينسخون هذا الحكم لحكم
آخر ، وهكذا نرى ظاهرة التغير في الاحكام والقوانين الوضعية والبشرية ، فتشريع
الشارع للحكم مطلقاً دون تحديد وتوقيت ، وعدم صدور نسخ منه لذلك الحكم دليل على
بقائه وبقاء ملاكه وفاعليته ، إذن كيف نعرف أن تلك الاحكام فقدت ملاكاتها
وفاعليتها ، حتى ننسخها لاحكام اخرى ، أليست هذه الاحتمالات ناشئة من الظن وعدم
العلم (ولا تقف ما ليس لك به علم) ; ولا يحق لغير الشارع المقدس نسخ الحكم الشرعي
وتبديله لحكم آخر .

وكلام الوحي وسنة المعصوم
بنفسه حجة ، ثابتة ، وهناك احكام ومعتقدات ومبادئ دينيه اسلامية ثابتة مقدسة لا
يمكن تجاوزها مع انتهائها للوحي والمعصوم ، فان انكار ثباتها وقداستها يستلزم
انكار العلم الالهي بالواقع ، نعم قد يختلف العلماء في فهم بعض الروايات والايات ،
ولكن لا يختلفون في حجية وقداسة الوحي وكلام المعصوم نفسه وفي ثبات الكثير من
الاحكام الثابتة والضرورية المسلّمة .

إن امثال هذه الاراء عن عدم
ثبات الشريعة ، تستلزم القول بعدم خلود الرسالة الاسلامية بنفسها وبأحكامها
المعينة ، حيث تدل على خلودها بالاضافة لكونه من ضروريات الدين الكثير من الايات
والروايات ، وأن حلال محمد حلال ليوم القيامة وحرامه حرام ليوم القيامة ، وتستلزم
انكار الروايات والاحاديث المعتبرة الدالة على لزوم التمسك بالقرآن والسنّة والعترة
بصورة مطلقة غير محددة بزمان معين وغيرها من الادلة التي ذكرها علماؤنا في مختلف
العلوم مستدلين على ذلك بمختلف الادلة النقلية والعقلية المسلّمة .

أو تستلزم الاحتياج لبعث
شريعة في كل مرحلة تنسخ الشريعة السابقة لمعالجة التطورات الجديدة ، وهو ينافي
(خاتمية النبوة والرسالة) .

وأما إذا قلنا ـ على ضوء
هذه الاراء ـ بعدم الحاجة لشريعة جديدة من السماء ، فهذا يعني أما بقاء الدين أو
البشر بلا شريعة ، وبلا تكاليف ، كالبهائم ، أو الاعتماد على البشر انفسهم في
التشريع ، وهذا يستلزم عدم جدوى بعث الرسالة والشريعة من البداية ، بل يوكل مهمة
الشريعة للبشر انفسهم ، ولكن نتساءل هل يتمكن البشر بدون الاستمداد من السماء ، أن
يضع شريعة كاملة لحياته ، تستجيب بصورة متوازنة وسليمة لكل حاجاته المادية
والمعنوية والفردية والاجتماعية والدنيوية والاخروية ، مع ما يذكر من قصور القانون
الوضعي والعلم البشري ، للكثير من العوامل منها عدم احاطته بالمصالح والمفاسد
الواقعية وموانعها ، كشرط ضروري للحكم الصحيح لان الحكم في قضية متوقف على العلم
باجزاء القضية ، فلابد أن يعرف الانسان والاشياء تماماً ، والمصالح والمفاسد
الواقعية تماماً ـ ليصح منه الحكم الصائب ، بينما اللّه تعالى ، هو الخالق للبشر ،
فيعرف البشر تماماً ، وهو خالق الاشياء فيعرفها ، وهو اللطيف بعباده ، فلا يضع لهم إلاّ الاحكام
الصالحة لهم ، ولا يتأثر بعوامل القصور البشري ، وعوامل الوراثة والتربية والمحيط
، والكثير من الاهواء والميول التي لها تأثيرها الوجداني في التشريع ،
(ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) .

أن امثال هذه الاراء ربما
استلزمت القول بتأثر الشارع بعوامل القصور البشري في التشريع ، ومنها عدم علمه بما
يصلح لكمال البشر وسعادتهم في الدنيا والاخرة ليوم القيامة ، مع أن علمه المحيط
بالماضي والحاضر والمستقبل ، والبشر مهما بلغ من علم لا يصل لعلم الشارع ، وأن
للاسلام نظامه المعين في الاصول والفروع في الرؤية الكونية والايديولوجية ، مستمد
من اللطيف الخبير ، والذي بعث هذه الرسالة الخاتمة المشتملة على ما يصلح للبشرية
في كل زمان ومكان ليوم القيامة ، بما تتضمنه من ثوابت ومتغيرات ، بمعناها الصحيح
الذي فسره علماؤنا ، وخاصة المعاصرين ، وحددوا مجالات الثابت والمتغير حيث لا ننكر
تغير الاحكام وتأثير الزمان والمكان فيها ولكن لا بصورة مطلقة بمعنى النسخ وتشريع
شريعة اخرى ، بل محدودة ، وذلك في مجالات الاحكام الولائية وتأثير العناوين
الثانوية كالضرر والحرج واختلال النظام ، وتغير خصوصيات الموضوعات . وتغير
المصاديق أو امتداد الحكم لموضوعات اخرى حسب امتداد العلة المنصوصة وغيرها من
المجالات التي تمثل الجانب المتغير والمرن من الشريعة وتأثير الزمان والمكان
وذكرها علماؤنا وخاصة المعاصرين وذكرناها في مقال حول النسخ .

فإن هذه الشريعة باشكالها
المعينة وبمجالاتها الثابتة والمتغيرة تتلاءم وتصورات الاسلام عن الكون والحياة
والانسان ، ولا مبرر لاستعارتها من الفهم البشري ، والقانون الوضعي ، بل على البشر
انفسهم الاستمداد من النظام الالهي . وعدم تفاعل بعض النفوس معه ، أو عدم استيعاب
بعض اسراره . أو تغير ظواهر الظروف بشكل يوهم متطلبات لا تتلاءم واطروحة الاسلام ،
لا يستلزم رفض احكام القرآن والسنّة ، ولابد من رجوع البشر إلى الدين الالهي ، من
اجل خلاصه من السقوط والضياع ، وخاصة الغرب لما يعيشه من ازمات حضارية ، فهل يمكن القول مثلاً بأن
الحج أو بعض ممارساته بما أنه لا يتقبّلها الفهم المتطور ، أو أنها كانت تناسبُ
الظروف السابقة ، يلزم الغاءها أو تغييرها لاساليب اخرى ؟ مع أن الحج باساليبه
وممارساته الشرعية هي التي تتناسب والنظرة الاسلامية ومقاصده الكلية مهما تغيرت
الظروف وكذلك الامر في سائر الاحكام الثابتة بالضرورة في العبادات والمعاملات ،
كالصلاة والزكاة والخمس والارث والحدود والديات والتعزيرات واحكام القضاء وامثالها
.

إن هذه الاراء حول الوحي أو
معرفة المعصوم وأنه استنباط بشري تؤدي إلى أن يفقد القرآن اعتباره لانه سيكون نتاج
الفكر البشري ، وبذلك تلغي حجية القرآن والسنّة ، وتفقد هذه المصادر مرجعيتها
للاستنباط ، ولا يبقى مصدر للاحكام ، إلاّ عقل الانسان وعلمه ، وذوقه وميوله
والظروف المتغيرة .

وإذا تغيرت الاحكام حسب
المقاصد ، فيلزم أن تكون الشريعة تابعة لذوق الانسان وتفكيره ومزاجه ، بأن يضع كل
فرد أو مجتمع احكاماً ملائمة لتلك المقاصد ، بما يتناسب وتركيبه النفسي ، فلا
تكون لنا شريعة معينة .

إن الاسلام جاء ليوجه
البشرية إلى رسالة السماء ، ويصلح حياتهم ، ويواجه تقاليدهم وانظمتهم المنحرفة
والجاهلية القديمة والحديثة ، لا أنه بعث من اجل أن يتبع انظمتهم واهواءهم
(ولو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السموات والارض
ومن فيهن بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون)(5)
(ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا
تتبع اهواء الذين لا يعلمون)(6) .

ومما يجدر التأكيد عليه أن
القيم لوحدها لا تكفي في اسعاد البشر، ما لم تكن هناك احكام وممارسات متناسبة مع
تلك القيم ، كما لا تكفي طهارة الضمير ما لم تكن اعمال الانسان ملائمة لها ، وهذا
التأكيد على القيم وطهارة الضمير وحدها ـ دون تعيين الممارسات الملائمة لها ، ربما
يؤدي بالبعض للميكافيلية والغاية تبرر الوسيلة ، كما دفعت بعض الاحزاب والتيارات
لارتكاب ابشع الممارسات بحجة التوصل للاهداف العيا . وتجسيد القيم ، أن من يدعي
الاعتقاد بالقيم ، أو الضمير النظيف ، ثم يمارس الاعمال المنكرة ، فهو غير صادق في
ادعائه وإلاّ لم يتخلف المراد عن ارادته لو كانت أو أن صوت القيم فيه ضعيف باهت ،
بحيث لا يقاوم الاهواء الجامحة ، أن معرفة ملائمة الاحكام والممارسات لتلك القيم
يحتاج لعلم شامل ومحيط بالقيم والافعال والانسان والاشياء . ومدى تناسب الاحكام
لتلك القيم أو عدم تناسبها ، ومعرفة جميع الملاكات والمصالح والمفاسد الدنيوية
والاخروية ، المادية والمعنوية الفردية والاجتماعية وغيرها ، وعدم التأثر بعوامل
القصور في التشريع ، ولعل التغير الدائم للقوانين الوضعية ، والمبادئ والتيارات ،
أو وصولها بالتالي لتيارات وقوانين هدامة ، أو مجرمة ، دليل على كذب المدعين لها ،
أو جهلهم في هذا المجال ، أو تأثير الاحكام الوضعية التي صنعوها واثارها الوضعية
في الفرد والمجتمع .

وقد رأينا حزب البعث ،
وربما غيره من الاحزاب والتيارات ، يردد دائماً في ادبياته بأن جوهر الاسلام وروحه
هي تلك القيم والاهداف الاسلامية العليا ، كالعدالة والحرية والوحدة وامثالها ،
وأما الاحكام الشرعية فهي شكليات ومظاهر تجسد تلك القيم ، وهي تتغير حسب الظروف
بما تتمثل بها تلك القيم ، وأن حزب البعث ـ برأيهم السخيف المنحرف ـ يجسد الصورة
المتطورة العصرية لتلك الاهداف والقيم الاسلامية ، والالهية السماوية ، حيث يؤكدون
(ان البعث يستوحي قيم السماء ، أو بتعبير آخر يزاوج قيم السماء بفعاليات الارض
باستلهام تلك القيم ودروسها المركزية وجوهرها الاساسي في صياغة نظرية العمل على
ارض الواقع بما يحقق التواصل الحي بين حاضر الامة وماضيها الزاهر ، وفي هذا يقول
صدام حسين (نحن ندعو إلى الايمان بقيم السماء واحترامها ، مستندين في هذا على
التقاط الجوهر الانساني للقضايا الدينية وما توحي من دروس بليغة تساعدنا على بناء
مجتمعنا الجديد وتعزيز القيم الانسانية الجديدة ورفدها بعوامل الخلق الرفيع)(7)
.

ولعل هذه الشبهات وامثالها
ناشئة من التأثر بموقف الفكر الغربي من دين الكنيسة ، ولكن لا يقاس بدين الاسلام
كما هو واضح ، فلماذا هذا القياس ، ولماذا التأثر بهذا الموقف الغربي من الدين ؟ .

أو أنها ناشئة من نظرة
الانبهار والتفوق للفكر المعاصر الغربي ، ولعلمائه وجهودهم وارائهم ، ونظرة التخلف
والاستهانة للفكر والتراث الاسلامي ، وجهود علمائه ، لعدم اعتمادهم منهج الغرب
وآرائه ، مع امكان الصحة والاستفادة من جميع الجهود العلمية تراثية ومعاصرة ، وبكل
ما يكون له دوره الفاعل في تطوير البحث العلمي ، مع الحفاظ على اصالة الاسلام ،
ومعتقداته وتعاليمه ، ألم يكن للاسلام تأثيره في تطور العرب والمسلمين علمياً
وفكرياً ، ألم يعترف الغرب بتأثرهم بالتطور العلمي والفكري للمسلمين ؟ إذن فالكثير
من هذه الشبهات كما ذكرنا ناشئة من عدم استيعاب المفاهيم الاسلامية المستمدة من
الكتاب والسنة والتي تحتاج في فهمها الصحيح إلى دراسة علمية تخصصية في مختلف
العلوم الاسلامية وعدم الاكتفاء بالعلوم أو الثقافات الاخرى ، أو القراءة السطحية
غير التخصصية للثقافة والعلوم الاسلامية ، وربما كانت هناك عوامل اخرى وراء اثارة
امثال هذه التشكيكات حول عقائد الاسلام واحكامه ومعالمه وشعائره ، وان تلبست بلباس البحث
العلمي الاكاديمي احياناً ، تستهدف زرع الشبهات في اذهان بعض المسلمين الذين لا
يملكون الثقافة الاسلامية الاصيلة ، وكان من نتائج ذلك هذه التشكيكات والانتقادات
المصرة للكثير من المعتقدات والاحكام والاحداث في الاسلام الاصيل والتشيع ، بالرغم
من وجود الاجوبة المقنعة والعلمية لها ، ولكنهم يحاولون التغاضي عنها والاصرار على
انكارها أو التشكيك فيها .

والملاحظ أن علماءنا قد
استفادوا ويستفيدون في بحوثهم العلمية من تجارب الاخرين وعلومهم ، مع تقويمها
وتطويرها والاخذ بالصائب منها ، ولكن فيما إذا لم يترتب عليه الاساءة للاسلام
والمسلمين ، فيتبعون احسن الحديث ، وهي طريقتهم عبر التاريخ ، وإن كنا نتوقع
المزيد اكثر بالنسبة للبحوث العلمية المعاصرة بما يتصل منها بالبحث العلمي ، ولكن لا
يمكن الاستسلام المطلق للفكر الغربي ، وخاصة بما يتصل منه بالمجالات الاسلامية ،
مع عدم استيعابهم أو ايمانهم بها ، بل ربما كان البعض مغرضاً في محاربة الاسلام
والمسلمين كبعض المستشرقين كما دلت عليه الشواهد ، فلابد من النظرة الموضوعية
للثقافة الاسلامية وغيرها ، وقراءة الثقافة الاخرى ، وخاصة المعاصرة ، بما يمكن
الاستفادة منها في البحث العلمي ، ولكن يلزم أن يسبق أو يقارن ذلك قراءة الثقافة
الاسلامية الاصيلة ، وعدم الاكتفاء بالثقافة المعاصرة ، وخاصة بما يتصل بالمجالات
الاسلامية ليكون البحث والقراءة اكثر موضوعية ، لذلك فإن علماءنا ـ لانهم قرأوا
التراث ـ أقدر تمييزاً بين الخطأ والصواب فيما لو قرأوا الثقافة الاخرى .

ولعل بعض هذه الشبهات إنما
نشأت عند اولئك الذين لا يؤمنون بمدرسة اهل البيت ، ولا يستفيدون من معارفها
وثقافتها ، لذلك اتجهوا للرأي والادلة الظنية غير المعتبرة ، كما تدل على هذه
الحقيقة بعض الروايات عن المعصومين ، فكانت لهم هذه الاراء التغييرية ولو اعتمدوا
هذه المدرسة لما ولدت في نفوسهم امثال هذه الاراء ، ولما اضطروا للتمسك بالادلة
والاراء الظنية .

ويلزم أن نؤكد على أن
الاسلام دين العقل ، فإن اللّه تعالى من خلال دينه يكشف للعقل الانساني من باب
اللطف ما لو ادركه العقل بنفسه لحكم به ، ومن هنا قال علماؤنا (الاحكام الشرعية
الطاف في الاحكام العقلية) ، ولذلك كانت النبوة وارسال الشريعة لطفاً من اللّه على
البشر ، ولكن العقل لاجل قصور علمه ، وبعض الموانع الاخرى ، لا يدرك المصالح
والمفاسد أو موانعها كلها ، وادراكه لها شرط ضروري للحكم الصائب ، ولكن العقل لو
ادرك احياناً المصلحة أو المفسدة الواقعية تماماً ، وعدم المانع من تأثيرها فيلزمه
حكم الشارع المقدس ، وقاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع مما قال بها العلماء،
فلابد من تعاون الوحي والعقل في هداية الناس ، فلو لا العقل لما اهتدوا للايمان
باصول الدين وإلى الكثير من الحقائق الضرورية ، فالدين لا يرفض العقل ، مع كونه من
الادلة الاربعة في مصادر الاحكام ، وللبحث اكثر حول هذا الموضوع ومجالات العقل
وحدوده يراجع ما كتبه علماؤنا في مبحث الدليل والحكم العقلي وخاصة في علم الاصول
والكلام .

ولعله لاجل ذلك حكم العلماء
، بأنه لو حصل الاجماع على حكم شرعي دون أن يكون المعصوم احد المجمعين فليس حجة ،
أما لو اتفقت جماعة قليلة عليه مع كون المعصوم احدهم كان حجة وذلك لاجل معرفة
الواقع ، ولاجل ذلك كان تعيين الامام وخليفة الرسول(صلى
الله عليه وآله)الخاص بنص الرسول(صلى الله عليه
وآله) وبتعيين من اللّه ، لانه الذي يعلم بما يلزم توفره في الخليفة
والامام من خصائص باطنية ، لا يعرفها إلاّ العالم بالواقع ، ولاجل ذلك كان تعيين
المرجع الفقيه ، بتعيين اهل الخبرة الثقات ، للزوم توفر مقاييس معينة فيه لا
يعرفها إلاّ اهل الخبرة .

وليست الكثرة هي الحق في
جميع المجالات فللشورى ، ولرأي الناس حدوده المعينة شرعياً ، تتصل كثيراً بتعيين
المصداق والموضوع . دون مجال تشريع الاحكام الكلية ، فهل اتفاق الاكثر على حسن
السفور وقبح الحجاب من الحق والصواب ؟ وللبحث عن ذلك موضع آخر ; فالانبياء
والمصلحون واتباعهم بدأوا قلة لوجود الطغاة وعوامل الفتنة والقصور التي تمنع من
ايصال الحق للنفوس ، وتقمع النظرة الموضوعية ، وتشدد من وجود الانحراف ، فإذا زالت
عوامل الفتنة والقصور ، وطرح الاسلام بصورة علمية وموضوعية ، فلا يفرض الدين
بالقوة (لا اكراه في الدين) ، وتوضيح هذه الفكرة اكثر ذكرناها في موضوع مبررات
الجهاد الابتدائي ، ويبحث عن مدى الرجوع لاهل الخبرة وللناس والعرف والعقلاء
والشورى في مواضع عديدة من الفقه والاصول بحثها علماؤنا بدقة وعمق مستفيدين من
الكتاب والسنة .

واخيراً نقول ، إن ما ذكره
البعض من تغير جميع الاحكام حسب الظروف ، وعدم امكان فهم النصوص ، والوصول للواقع
من خلالها ، واختلاف القراءة حولها ، وامثالها من الاراء ، وان تقبلناها في بعض
الاحكام والنصوص ، ولكن لا نتقبلها في الجميع ، فإن الوجدان والواقع الخارجي ،
بالاضافة لبحوث علماؤنا الموضوعية والعميقة في مختلف العلوم ، تدحض هذه الشبهات
والاراء ، فهناك الكثير من المجالات في الدين والمذهب ، وخاصة اصول العقائد ،
كالايمان باللّه ، واصول الاحكام ، كوجوب الصلاة والحج ، لا تقبل التغير والاجتهاد
ـ بمعناها المصطلح ـ واختلاف الرأي والقراءة حولها ، وخاصة بالنسبة للمؤمن باللّه
والمعصوم ، لانها من الضروريات والمسلمات واليقينيات كالمتواترات أو المقترنة
بالقرينة القطعية . والنصوص المتفق على صدورها سنداً ، ووضوحها دلالة من الايات
والاحاديث الشريفة ، بحيث كانت من المحكمات وتدل بالنص والصراحة لا بالدلالة
الظنية على المعنى ، فيكون الاجتهاد في مقابلها من الاجتهاد في مقابل النص ، حيث
نتيقن أنها من كلام اللّه أو المعصوم ، فهذه احكام ومبادئ أو معتقدات ثابتة لا
يمكن تغييرها ، أو الاجتهاد والتأمل فيها ، فهل يمكن تغيير الايمان باللّه إلى
القول بانكاره أو تعدده من خلال قراءة جديدة ؟ وهل يمكن تغيير وجوب الصلاة ، أو
قطع يد السارق ، أو الارث ، من خلال قراءة جديدة تؤدي لنفيها ، وامثالها من
الاحكام الضرورية ، كما أن الوحي ، وسنة المعصوم نفسه ، لا كلام الراوي أو رأي المجتهد
، حجة يقينية ثابتة ، لا يحق لنا تغييرها ، أو النظر فيها ، لانها ليست استنباطاً
ظنياً بشرياً كما توهمه البعض ، لان المعصوم عالم بالحق وبالحكم الالهي الواقعي ،
لا أنه يستنبط الحكم ظنياً ، وامثال هذه الاحكام الضرورية واليقينية ، ليس البحث
عنها والتعرف عليها من الاجتهاد والمصطلح بل هو من طرق المعرفة ووسائل العلم بها .

ويبقى مجال الاجتهاد
المصطلح في الاحكام الجزئية والمسائل الظنية والخلافية ، حيث يحق للمجتهدين
المتخصصين فحسب ابداء الرأي فيها ، حتى لو كان مخالفاً للاخرين ، ولا يحق لغير
المتخصصين كما هو الامر في سائر العلوم ، كما أن هناك مجالات لتغير الاحكام وتأثير
الزمان والمكان ذكرها علماؤنا واشرنا إليها بايجاز .

لذلك لا يمكن الاستدلال على
عدم ثبات الاحكام جميعها باختلاف آراء المجتهدين ، وذلك لانه من الواضحات عند
المجتهدين وغيرهم القول بثبات الضروريات والمسلّمات من الاحكام والعقائد ، وحجية
قول المعصوم نفسه وثباته ، وكذلك القيم الاخلاقية القائمة على الفطرة ، كحسن العدل
وقبح الظلم ، فإنها ثابتة لا تتغير ، وإنما الذي يتغير القيم القائمة على التقاليد
والاعراف الاجتماعية.


(1) مفهوم النص ص 18 .

(2) راجع مقال الهرمينوطيقا المقتضيات والنتائج، الدكتور احمد بهشتي، مجلة قضايا اسلامية معاصرة العدد السادس
1420هـ ـ 1999م.

(3) مفهوم النص 120 ـ 121.

(4) ن . م : 125 .

(5) المؤمنون : 71 .

(6) الجاثية : 18 .

(7) الثورة العربية ـ العدد
السادس ، السنة الثالثة عشر حزيران 1981.

/ 1