حوار الحضارات أم صراع الحضارات نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حوار الحضارات أم صراع الحضارات - نسخه متنی

فؤاد کاظم المقدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

كلمة التحرير

حوار الحضارات أم صراع الحضارات ؟!

* بقلم رئيس التحريـر

إن التوجه العام الذي بدأ يلوح في
الافق الفكري والثقافي للامم والمجتمعات في
مختلف انحاء العالم المعاصر ، نحو المطارحات
الفكرية والثقافية في إطار ما سمي مؤخراً
بحوار الحضارات ، كانت له جذورٌ وارهاصاتٌ
أفرزته كمقولة دون أن نلحظ له حقيقة واقعية ،
لا في النوايا ولا في الممارسات باستثناء طرف
المنظومة الاسلامية الرسالية ، وعلى رأسها
القيادة الاسلامية ونظامها في ايران ، حيث
بقي الطرف الاخر المتمثل بدول الاستكبار
بزعامة اميركا والصهيونية ، ومن يدور في
فلكهما من دول اوربا والعالم الثالث تُحكم من
سيطرتها الثقافية والاعلامية وتنحو بالشعوب
والاُمم المحكومة لها نحو التعصب السلبي
والنظرة العنصرية المتشنجة ، ولا تسمح بتكوّن
أجواء الانفتاح السليم للتلاقح الثقافي
والحوار الصادق في أوساطها بل تسوقها من خلال
تحديث خططها وبرامجها المزدوجة بباطن الصراع
والنفي للاخر وظاهر الحوار البرّاق ، نحو
صورة جديدة من صور صراع الحضارات بلباس
الحوار الخادع .

ولو استعرضنا سير الاحداث في الربع
الاخير من القرن العشرين لا تضح لنا صحة
هذه الحقيقة .

إن من أبرز تلك الاحداث المتوالية
التي أفرزت اوضاعاً واتجاهات جديدة في
التماسِّ والتزاحم (سلباً وايجاباً) بين
الحضارات المعاصرة وكشفت عن النوايا
والحقائق الواقعية لدى حملة ألويتها هي :

اولاً : بروز مخطط استكباري منظم وشامل
لقوى الصهيونية العالمية النافذة في مركز
القرار الاميركي وكثير من حكومات دول اوربا ،
بل وحكومات بعض الدول الاقليمية يهدف إلى
تطويع وتطبيع دول منطقة الشرق الاوسط في
عملية تثبيت إسرائيل وتقويتها كقاعدة
استراتيجية في قلب العالم الاسلامي ، وذلك من
خلال الشروع بما يسمى باتفاقية السلام ،
والتي كانت أولى خطواتها المعلنة هي اتفاقية
كامب ديفيد بين اسرائيل ومصر في عهد أنور
السادات .

ثانياً : الانتصار العظيم للثورة
الاسلامية الرائدة في ايران ، واعلان أول
دولة حديثة تقوم على أساس الاسلام المحمدي
الاصيل .

ثالثاً : صحوة الامة الاسلامية
وحركتها نحو إبراز هويتها الاسلامية والتحرر
من الاستكبار في أشكاله الثقافية والسياسية
والاقتصادية ، وبروز حركات اسلامية ثورية على
سطح الميدان السياسي والجهادي ، كحزب اللّه
في لبنان وحركة حماس في فلسطين وحركات
اسلامية في الجزائر والعراق ومصر وأمثالها .

رابعاً : انفتاح العالم اللاإسلامي
على الاسلام باُفقه الشامل والسعي للتعرف على
معالم اطروحته لبناء الانسان والمجتمع
والدولة .

خامساً : التحرك الاستكباري المحموم
اعلامياً وثقافياً واقتصادياً ، وسياسياً
وعسكرياً لاحتواء الثورة الاسلامية وآثارها
الجذرية في العالم الاسلامي وخصوصاً في منطقة
الشرق الاوسط .

وكان أبرزها فرض الحصار السياسي
والاقتصادي على الجمهورية الاسلامية في
ايران ، ودفع النظام العراقي لشن حرب عدوانية
شاملة عليه دامت حوالي ثماني سنوات ; وكذلك
إسناد وتبني حركات المنافقين المسلحة داخل
الجمهورية الاسلامية في ايران لشن حملات
التصفية الجسدية لقادة الثورة ورجالها
المخلصين ، والعمل على إسقاط نظامها الاسلامي
. وتعبئة دول المنطقة وخصوصاً دول الجوار على
الحذر من ايران الاسلام وتصويرها بأنها تنتهج
سياسةَ تهديد خطرة للامن والسلام في المنطقة
والعالم الاسلامي ، ودفع وسائل اعلامها
لاختلاق أجواء سوء الظن والتهمة للنظام
الاسلامي في مختلف جوانب التماس والتعامل .

سادساً : انهيار المعسكر الشرقي
بقيادة الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته
واستقلالها ، وقيام مجموعة دول ذات الغالبية
الاسلامية في آسيا الوسطى ، وانتهاء عصر
الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي
.

سابعاً : بسبب الاثار التي تمخضت في
المنطقة والعالم المذكورة أعلاه بدأ العمل
على وضع وتنفيذ المخطط الاستكباري بقياده
أميركا وحلفائها الاوربيين لاعادة توضيب
أساليب وأنظمة السيطرة وإحكامها على مناطق
العالم الاسلامي (منطقة الشرق الاوسط ، منطقة
آسيا الوسطى ، منطقة جنوب شرق آسيا ، مناطق
شمال وجنوب افريقيا ... الخ ) ، وقد بدأ تنفيذ
هذا المخطط الكبير في إطار الخطوات التالية :

الخطوة الاُولى : تهيئة الاجواء
السياسية والارضية العملية لقيام حرب
إقليمية ثانية بين العراق وبعض الدول العربية
المطلة على الخليج الفارسي ، وذلك بعد الحرب
العدوانية للعراق على ايران ، وقد سميت بحرب
الخليج الثانية ، وكان من أبرز أهدافها :

1 ـ خلق الارضية النفسية والاعلامية
إقليمياً وإيجاد الغطاء القانوني دولياً
لعسكرة القوات الاميركية وقوات حلفائها في
منطقة الشرق الاوسط ، وخصوصاً في الدول
العربية المطلّة على الخليج الفارسي . وذلك من
خلال اختلاق بؤرة خطر دائمة تمثلت بالنظام
العراقي الذي احتل الكويت وضمَّها إليه
بالقوة ، والتلويح المستمر بضرب دول الخليج
العربية الاُخرى ، وما اعقبها من مسرحيات
تحرير الكويت ; وإيجاد خطوط عرض محرّمة على
الطيران العراقي في شماله وجنوبه ; وإزالة
الاسلحة العراقية المدمِّرة ; والنفظ مقابل
الغذاء والدواء ; وصلاحيات لجان التفتيش
التابعة للامم المتحدة ... وغير ذلك .

ولعل من أبرز الاسباب التي ألجأت
أميركا وحلفائها لاختيار النظام العراقي
الحاكم كبؤرة خطر جديدة في المنطقة هي :

أ ـ ثبات النظام الاسلامي في ايران
ونجاح سياسته الخارجية وخصوصاً في المجال
الاقليمي من تخفيف حدة التوتر في المنطقة ،
ومد جسور التفاهم وحسن النية مع دول المنطقة
مما جعل المقولة الاميركية بالخطر الاسلامي
الايراني الذي يهدد دول المنطقة ، يفقد
مصداقيته السياسية والاعلامية .

ب ـ تراكم كمٍّ هائل من الاسلحة
الاستراتيجية المدمِّرة في خزانات الاسلحة
العراقية وهو خطر بحد ذاته ، قد يخلّ بحسابات
الاستكبار في المنطقة لو فقدت السيطرة عليها
بسبب أو آخر . الامر الذي اقتضى دفع النظام
العراقي لارتكاب حماقة عسكرية تكون عاملاً
مباشراً في جانب ، وغير مباشر في جوانب أخرى
لتحقيق أهداف المخطط الاميركي في المنطقة .

جـ ـ إيجاد حالة من التكافؤ والموازنة
السلبية في حكاية الخطر المزعوم بين النظام
العراقي والجمهورية الاسلامية في ايران بهدف
تضخيم دعوى الخطر ومن ثم تطبيق ما تسميه
اميركا بسياسة الاحتواء المزدوج لكلا
النظامين ; للحفاظ على أمن المنطقة والتوازن
الاقليمي فيها .

2 ـ إحكام اميركا وحلفائها السيطرة
المباشرة على منابع البترول في المنطقة
العربية المطلّة على حوض الخليج الفارسي ،
باعتبارها جزءاً من الدائرة الاستراتيجية
للامن القومي الاميركي ـ حسب المبدأ المعروف
بمبدأ كارتر ـ من خلال التواجد العسكري
الواسع في إطار عقد معاهدات وتحالفات عسكرية
مع الدول العربية في المنطقة .

3 ـ العمل من خلال أجهزة الاستخبارات
التي ترافق عادة القوات العسكرية المتواجدة
في المنطقة على إحكام الوضع الامني فيها ،
وامتلاك قدرة أكبر في حياكة المؤامرات وتوفير
عوامل تنفيذ المخططات الاستكبارية بدقة
واقتدار .

4 ـ إيجاد حالة من العداء السافر
والاختلاف الحادِّ بين دول المنطقة التي
انقسمت إلى مؤيد للنظام العراقي أو مشارك له
في غزوه للكويت بشكل أو بآخر ، ومعارض
له أو مشارك لردعه عسكرياً ، الامر الذي شتت
أوصال الدول العربية ، وأفقدها إجماعها ولو
شكلياً في القضايا المصيرية وخصوصاً قضية
فلسطين والقدس الشريف .

5 ـ من خلال دخول منظمة التحرير
الفلسطينية كطرف مساند ، ومشارك أحياناً
للعراق في عدوانه على الكويت ، فقد
الفلسطينيون وجودهم المعنوي والسياسي بل
وحتى السكاني في الكثير من الدول العربية ،
وخصوصاً الدول المطلّة منها على حوض الخليج
الفارسي ، كما قطعت هذه الدول مساعداتها
المالية للفلسطينيين ومنظماتهم الرسمية ;
وبذلك تهيأت الارضية المناسبة للدخول في
مفاوضات سلام بين دويلة إسرائيل المدعومة
استكبارياً ومنظمة التحرير الفلسطينية
المجردة من الاسناد والدعم وبالشروط
والاقتدار الاسرائيلي .

الخطوة الثانية : إعادة بناء مشروع ما
يسمى بالسلام مع الكيان الصهيوني الغاصب
وتقديم أطروحة جديدة تأخذ بنظر الاعتبار
المستجدات الحاصلة في الواقع الاقليمي
والعالمي ، وشاملة تستوعب جميع الفعاليات
السياسية والاقتصادية للبلاد العربية ،
أنظمة ومنظمات عربية وفلسطينية ، بهدف تكريس
الوجود الاسرائيلي ، وتمكينه من الهيمنة على
دول منطقة الشرق الاوسط ، والاستحواذ على
مقدراتها وثرواتها الغنيّة ، واحتواء وإجهاض
محاولات أسلمة القضية الفلسطينية ، والقضاء
على محاور وقوى الحركة الشعبية لتحرير فلسطين
على أساس مقولة الجهاد باعتباره أصلاً من
اُصول التشريع الاسلامي في التعامل مع الكافر
الحربي الغاصب لارض المسلمين ورقابهم .

الخطوة الثالثة : عقد اتفاقيات عسكرية
وأمنية جديدة بين أميركا واوربا من جهة ، ومع
العديد من دول المنطقة الاسلامية في شمال
افريقيا والشرق الاوسط وبعض دول شبه القارة
الهندية ، وآسيا الوسطى وغيرها من جهة أخرى ،
وذلك بهدف مواجهة ما يسمونه بالاُصولية
الاسلامية وتطلعاتها لاقامة الحكومة
الاسلامية على هدي ونهج الثورة الاسلامية في
ايران .

وقد ازدادت فعّالية أميركا وحركتها
المحمومة في توسيع وتأكيد إبرام هذه
الاتفاقيات بعد الانتصار الذي حققه
الاسلاميون في الانتخابات الجزائرية ،
وخوضهم جهاداً مريراً ضد الحكومة العلمانية
في الجزائر لاقرار حقهم في إقامة الحكومة
الاسلامية ، وكذلك نجاح المسلمين الافغان في
طرد الاستعمار الروسي من بلادهم وإسقاط
النظام الماركسي في أفغانستان وإعلانهم قيام
نظام اسلامي بديل عنه ، ومن ثم انتصار
السودانيين وإعلانهم إقامة الحكومة
الاسلامية في بلادهم . وكذلك اتساع وتصعيد
حركة المطالبة بتطبيق الشريعة الاسلامية
وإقامة الحكومة الاسلامية في الكثير من بلدان
العالم الاسلامي كمصر والعراق والاردن ودول
الحجاز وتركيا وبعض دول شبه القارة الهندية
وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا .

كما إن لبروز واتساع حركات حزب اللّه
الشعبية في العالم الاسلامي كالتي في لبنان
وفلسطين أثراً أساسياً في إحكام وسرعة عقد
هذه الاتفاقيات ; لما تشكله هذه الحركات
الاسلامية الثورية من عقبة كؤودة أمام
المخططات الاستكبارية والصهيونية في العالم
الاسلامي وتهديد كبير لمصالحهم الاستراتيجية
في المنطقة الاسلامية .

الخطوة الرابعة : مواجهة المد
الاسلامي العالمي بهدف تحجيم وشلّ فاعليته
الثقافية والحركية كاُطروحة ورسالة للحياة
أخذت الانسانية في الانفتاح عليها في أنحاء
العالم المختلفة ـ بعد انتصار الثورة
الاسلامية في ايران ـ ومحاولة التعرف على
معالمها الفكرية والثقافية خصوصاً بعد بروز
حركة واعية وهادفة في أوساط المسلمين
الاوربيين والمهاجرين في الغرب ، وتنامي الحس
الاسلامي في بلدان المسلمين ، وتوق شعوب آسيا
الوسطى لابراز هويتها الاسلامية الاصيلة بعد
انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط الشيوعية فيه
.

وقد اخذت هذه المواجهة مسارات مختلفة
كان من أبرزها شن حملة ثقافية وإعلامية
مبرمجة لاسقاط هيبة الاسلام والاستخفاف
بمقدساته وشعاراته المتميزة ; لعزل المسلمين
اجتماعياً وسياسياً ، ومحاصرتهم بألوان
التهم والافتراءات ، وكذلك العمل على إيجاد
جو من الارهاب الامني ، وخلق حالة سلبية حذرة
لدى المجتمعات الغربية من المسلمين ومراكزهم
الدينية ونشاطاتهم الاسلامية للحد من
حيويتها وخنق حركتها ، خصوصاً بعد بروز ظاهرة
الاقبال على الاسلام واعتناقه في أوساط
المجتمعات الاوربية . ومن مسارات المواجهة
للمد الاسلامي أيضاً التحرك الميداني الواسع
على كافة الاصعدة والابعاد ; لاحتواء شعوب
ودول آسيا الوسطى التي استقلت حديثاً بعد
انهيار منظومة الاتحاد السوفياتي ; وذلك
لعزلها عن باقي الشعوب والدول الاسلامية ،
والحد من درجة تأثرها بالصحوة الاسلامية
وحركتها الثورية الهادفة لنشر ثقافة الاسلام
، والدعوة إلى إيجاد دعائم تطبيقها وإرسائه
في بلدانهم . وفي هذا السبيل اندفعت دوائر
الاستكبار لدعم وتشجيع الحركات القومية
والعنصرية ، واختلاق صور من الصراع العرقي
والطائفي فيما بين بعض دولها والبعض الاخر ،
ودفع ودعم الاحزاب والجماعات العلمانية
الموالية لها للامساك بزمام السلطات وإدارة
دفة الحكومات في بلدانهم ، وعزل القوى
والجماعات الاسلامية النامية فيها ومنعها من
أداء أي دور حركي أو نفوذ سياسي في مواقع
السلطة وأوساط القرار .

إن هذه المستجدات العالمية أفرزت
واقعاً جديداً على صعيد نظام العلاقات
الدولية وعلى صعيد توازن القوى العالمية
الكبرى من جهة وعلى صعيد تطلعات الشعوب
والاُمم وفاعلية الحركات الرسالية الرائدة
في أوساطها من جهة أخرى . وكان من لوازم هذا
الواقع الجديد إبراز مقولات ودعوات من شأنها
أن تعيد بل تكرس نفوذ القوى الاستكبارية ،
وتضمن المزيد من مصالحها الاستراتيجية ، كما
تمكنها من احتواء تطلعات الشعوب والاُمم التي
استنقذتها حركة الصحوة الاسلامية أو
التحررية ، وتدمير رغبتها الشديدة في
الاستقلال وابراز هويتها وبناء ذاتها . ومن
أبرز تلك المقولات المطروحة الدعوة المعسولة
للحوار بين الحضارات ، ولكن بطريقتها
الاستكبارية ، أي أن يكون طرفها الاول حملة
حضارة من موقع الاستكبار ، وطرفها الثاني
حملة حضارة من موقع الاستضعاف .

ونحن هنا في الوقت الذي نعتبر فيه
الحوار بين الحضارات أصلاً أولياً ومنهجاً
مبدئياً أرشد إليه القرآن الكريم واعتمده
الاسلام في الدعوة إليه نرفض ـ كما يرفض العقل
السليم والوجدان الصادق ـ أن يكون الحوار من
موقع التحميل والاستكبار ، بل لابد من توفر
شروطه الموضوعية والانسانية والسياسية
بعيداً عن منطق القهر والاستضعاف ، لذا نجد أن
الواقع العالمي اليوم قد تبلورت فيه ـ في إطار
مقولة الحوار بين الحضارات ـ الحقائق التالية
:

أولاً : بروز إرادة حقيقية صادقة نحو
الحوار السليم بين الحضارات العالمية
المختلفة تقوده المنظومة الاسلامية وفي
مقدمتها القيادة الراشدة للمسلمين المتمثلة
بآية اللّه العظمى السيد الخامنئي (دام ظله) ،
ومعه تيار العلماء الواعين والمفكرين
الرساليين والتي عملت على تجنيد كل القوى
الواقعة تحت نفوذها وعلى رأسها قوى الجمهورية
الاسلامية في ايران لخوض غمار حوار هادف بين
الاُطروحة الاسلامية بكل أبعادها الحضارية
وبين الحضارات الاُخرى المطروحة في عالم
اليوم .

ثانياً : إن أغلب الشعوب والاُمم على
اختلاف انتماءاتها الثقافية والحضارية أخذت
تشرئبٌّ نحو مزيد من الانفتاح للتعرف على
الاخر ـ فكراً ومنهجاً ونظاماً ـ
يدفعها في ذلك شعورها بالاحباط واليأس مما هي
عليه من ضياع وتناقض وفساد ، إضافة إلى حبها
للاطلاع ومعرفة حقيقة الحضارات الاُخرى التي
تلوّح للبشرية بالخلاص والسعادة .

ثالثاً : إن العقبة الكؤود أمام حركة
الشعوب والاُمم ، باتجاه الحوار والتفاعل
الفكري والثقافي بروح البحث عن الحقيقة
والوصول إلى الحق والصواب ، هي قوى الاستكبار
المتحكمة بمقدرات أكثر شعوب العالم واُممه ،
وفي مقدمتها اميركا وصنيعتها إسرائيل ومن
ورائها قوى الصهيونية العالمية وأدواتها
النافذة في عمق الاجهزة الحاكمة في اوربا
وبعض دول العالم الثالث . وما لم تتحرر هذه
الشعوب والاُمم بشكل أو بآخر من ربقة هذه
القوى المستكبرة ، وتخرج من أسر عبوديتها إلى
رحاب الحرية الانسانية ، فإن سداً منيعاً
سيبقى يحول بينها وبين الوصول إلى جوهر
وحقيقة الحضارات الاُخرى ومن ثم معرفة الحق
والصواب من بين ذلك .

أما الدجل الذي تمارسه هذه القوى
الاستكبارية في رفع شعار الحوار الثقافي من
خلال ما يُطلقه بين الفينة والاُخرى قادتها
السياسيون ووسائل اعلامها ما هو إلاّ غطاء
وستار تستر به نواياها الخبيثة وارادتها
الاجرامية لارضاخ ونفي الاخرين ، وخصوصاً
المنظومة الاسلامية الاصيلة التي تحمل لواء
تحرير الانسانية من نير الاستكبار والظلم
والسير بها نحو الحق والعدل حيث السعادة
الحقيقية .

وإلاّ ، كيف تنسجم دعوة هذه القوى
الاستكبارية للحوار مع ممارساتها وسعيها
المتواصل لتدمير الاخرين ؟

فهل يصب في الدعوة للحوار الصادق
إسناد ودعم حرب مدمرة شنها النظام العراقي
على الجمهورية الاسلامية في ايران دامت حوالي
ثماني سنوات دمرت العشرات من المدن وشرّدت
وقتلت وجرحت الملايين من المسلمين الابرياء ؟

وهل يحقق أرضية الحوار السليم اسناد
دويلة مختلقة ودعمها عسكرياً وسياسياً
واعلامياً واقتصادياً وفرضها بالقوة والقهر
في أرض المسلمين فلسطين بعد تشريد أهلها
واستقدام مجاميع عنصرية من شذاذ الافاق من
مختلف أنحاء العالم بعد اختلاق أزمات سياسية
واقتصادية في بلدانهم وإلجائهم للهجرة إلى
أرض فلسطين المغتصبة وتشكيل دويلة منهم
مدعومة بجيش ارهابي مسلح بأحدث أنواع الاسلحة
العصرية الفتاكة ، يلوّح بعصاه الغليظة
لترويض المسلمين الفلسطينيين وإرهابهم
والتنكيل الوحشي بهم ، وبدول وشعوب المنطقة
الاسلامية واغتصاب أراض جديدة منهم وإرغامهم
على التسليم والخضوع لسلطتهم وسياساتهم
العنصرية وبرامجهم الاستكبارية في المنطقة ؟

وهل من الحوار والانفتاح الثقافي
العمل على مجي نظام عسكري دموي في الجزائر بعد
فوز الاسلاميين في الانتخابات البرلمانية
واسناده سياسياً وإعلامياً واقتصادياً ليقود
حملات الذبح المرعبة التي طالت لحد الان
حوالي مئة ألف جزائري مسلم أمام مرأى ومسمع
دول الحضارة العلمانية والمدنية الاوربية من
دعاة حقوق الانسان دون أي رادع ومانع ؟ .

وهل من الحوار الحضاري رعاية مشروع
حرب الابادة العنصرية والتصفية الدموية
للمسلمين في البوسنة والهرسك على الرغم من
كونهم مصنفين ضمن منظومة الشعوب الاوربية ؟ .

وهل من مقدمات الحوار الذي تنادي به
دول الاستكبار عسكرة قواتها المدججة
بالاسلحة المدمرة في الدول العربية المطلّة
على حوض الخليج الفارسي وسلب أمنها والسيطرة
على ثرواتها وحبك المؤامرات لسحق إرادة
شعوبها وإرضاخهم لسطوة عملائها ؟

وهل من مفردات الحوار الحضاري
المناورة الازدواجية مع نظام صدام حسين
بإطالة عمر طغيانه لاطالة مبررات ضخ المزيد
من أساطيل اميركا وحلفائها ، وتقوية قواعدها
العسكرية ولو كان ذلك بتجويع شعب العراق
المسلم ، وفناء مئات الالاف من الاطفال
وغيرهم مرضاً وجوعاً ، وتشريداً وتعذيباً ،
وقتل مئات الالاف من أبناء العراق المجاهدين
؟

وهل إن مسار الحوار الحضاري المزعوم
يقتضي فرض الحصار الاقتصادي على الجمهورية
الاسلامية في ايران وتشريع القانون المسمى «داماتو»
لارغام بقية دول العالم وخصوصاً الدول
الاوربية وإرضاخها للمشاركة في هذا الحصار
وإحكامه لتدمير البلد وتجويع الشعب المدعو
للحوار ؟

ونفس السؤال يتكرر حول فرض الحصار
الاقتصادي والسياسي على السودان الاسلامية
وتشجيع وتدعيم المنشقين عن نظامها وتأليب دول
الجوار عليها لتخرج من دائرة القرار الاسلامي
المستقل إلى الرضوخ للقرار الاستكباري
والتبعية له .

وهل من برنامج حوارهم المنشود إعلان
أن دفاع الشعوب عن حريتها واستقلالها يعدٌّ
إرهاباً يجب مواجهته دولياً والقضاء عليه
كدفاع حزب اللّه في لبنان والحركات الاسلامية
الفلسطينية عن حرية واستقلال الشعبين
اللبناني والفلسطيني في مواجهة الاحتلال
الاسرائيلي واغتصاب أراضيهم وهدر حقوقهم
ومقدساتهم بالقوة والارهاب ؟

وهل حوارهم الحضاري يعني إسناد وتدعيم
حركات متطرفة اصطنعت من مجاميع الجهلة
المتعصبين كحركة الطالبان لادامة إراقة
الدماء في أفغانستان ومنع استقرار نظام
اسلامي فيها ، بل العمل على طرح صورة مشوَّهة
للاسلاميين المجاهدين من خلال هذه الحركات
المتخلفة ثقافياً وحضارياً ؟

وهل يعدّ حواراً حضارياً تحريك دول
الاستكبار صنائعها من العسكر المتعصبين
للعلمانية الاتاتوركية ومحاصرة الحالة
الاسلامية ومظاهرها الدينية والتي كان
أكثرها فضاضة وفضاعة ، وتناقضاً مع ضجيج شعار
الديمقراطية المرفوع هو إزاحة حزب الرفاه
الاسلامي من السلطة عن طريق تهديده بانقلاب
عسكري ومن ثم حلّه دستورياً رغم كون هذا الحزب
قد فاز بالاغلبية في البرلمان من خلال انتخاب
أكثر من ستة ملايين من أبناء الشعب التركي
المسلم له ؟

وهل من حوارهم الحضاري اختلاق الازمات
السياسية وزرع النعرات القومية والعنصرية
وتشجيع الصراعات الاقليمية بين دول آسيا
الوسطى ذات الغالبية الاسلامية ؟

وهل هو حوارٌ أم أرضية حوار حضاري دعم
المنظمات الارهابية في الباكستان لزعزعة
الاستقرار في هذا البلد المسلم وزرع وتعميق
حالة الفرقة بين المسلمين من خلال حمامات
الدم التي تقوم بها عصابات جيش الصحابة
المزعوم صنيعة المخابرات الاميركية وعملائها
في المنطقة ؟ .

وهل إن الدعوة للحوار الحضاري يجب أن
تتم في موقع الاستكبار والهيمنة من طرف ،
والاستضعاف والخضوع من الطرف الاخر ؟ والذي
من مصاديقه الاخيرة العمل على ضرب القدرة
المالية والاقتصادية للبلدان التي تحاول
التحرر من هيمنة دول الاستكبار ، والاستقلال
عنها ثقافياً وسياسياً واقتصادياً ، كالذي
قامت به كارتلات المال والاقتصاد لدول
الاستكبار من إسقاط قيمة عملات النقد لدول
شرق آسيا مقدمةً لتدمير اقتصادها وتحطيم
تكافلها واستقلالها ومعاهداتها الاقليمية
واخضاعها للارادة الاستكبارية ، وبذلك يكون
حوارهم حوار المستكبر المهيمن مع المستضعف
الخاضع .

وهناك عشرات من علامات الاستفهام
والتعجب الاخرى ، نترك للمتتبع الواعي
استقصاءها من واقع الصراع الذي تؤجج صورته
السلبية قوى الاستكبار ومَن يدور في فلكها .

وعلى الرغم من كل ذلك تبقى دعوتنا
أصيلة ومبدئية لحوار حضاري هادف بشروطه
الموضوعية والانسانية والسياسية المتكافئة ،
إلاّ أننا نرفض كل حوار من موقع الاستكبار
ومنطق القوة والارهاب مهما كانت التسميات
برّاقة وجميلة ; لانه خلاف الرشد والتكامل في
مسيرة الانسان والبشرية .

وهذا ما أرشد إليه القرآن الكريم في
قوله تعالى : (كيف يكون للمشركين عهدٌ عند
اللّه وعند رسوله إلاّ الذين عاهدتم عند
المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا
لهم إن اللّه يحبٌّ المتقين * كيف وإن يظهروا
عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمَّةً
يُرضُونكم بأفواههم وتأبى قلوبُهم وأكثرهم
فاسقون)(1)
.

صدق اللّه العلي العظيم والحمد للّه
رب العالمين


(1)
التوبة : 7 ـ 8 .


/ 1