من آفاق لقيادة الاسلامية
* ولي أمر المسلمين ية اللّه العظمىلسيد الخامنئي «دام ظلّه»
الكلمة التاريخية التي ألقاها قائد
الامة الاسلامية وولي أمر المسلمين سماحة آية اللّه
العظمى السيد علي الخامنئي «مد ظلّه»
في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القمة
الاسلامية الثامن والذي عقد في العاصمة
الاسلامية طهران في 8 شعبان 1418 هـ
. ق بحضور قادة وزعماء 55 بلداً اسلامياً تلك
الكلمة التي نالت اهتمام ابناء الامة
الاسلامية والمحافل العالمية وخلّفت ردود
فعل ايجابية لعمقها وصراحتها ولما تميزت به
من تشخيص نقاط القوة والضعف الاساسية في
الواقع المعاصر للمسلمين وكيان الامة
الاسلامية وحركتها العالمية .
الامة الاسلامية متعطشة إلى حالة
تسودها
الثقة بالنفس والعزة والاستقلال
في هذا التجمع الاخوي الذي يريد أنيصدح بلسان المسلمين في العالم ، أود أن أبدأ
حديثي بحمد اللّه وشكره ، حمداً لك اللّهم على
نعمة المعرفة والتوحيد والعبودية والمحبة .
حمداً لك اللّهم على أخوة الاسلام ، وعلى
تكريم الانسان ، وعلى تعليم الصبر والتوكل ،
وعلى التوصية بالاحسان والمروءة .
وأُصلي وأُسلم على محمد المصطفى(صلى
الله عليه وآله) عبدك ورسولك الذي نشر راية
التوحيد والعدل ورفع صوت تكريم الانسان ،
فحرره من عبودية كل شيء وكل شخص سواك . وأسلّم
على آل بيته الطيبين وصحبه المنتجبين ومن
اهتدى بهداهم ، وعلى جميع عباد اللّه
الصالحين .
وأُرحب ترحيباً أخوياً من الصميم بكل
الضيوف الاعزاء قادة وزعماء العالم الاسلامي
ورؤساء الوفود وكل الاعضاء والامين العام لمنظمة
الامم المتحدة والامين العام لهذا المؤتمر
وسائر الضيوف الاجلاء .
أيها الاخوة والاخوات ! لقد تجمعتم
الان في بيت من بيوت الاسلام وقاعدة من
قواعده ، ومضيفكم وإن كان هو رئيس الجمهورية
رسمياً ، فان كل ايراني يرى نفسه مضيفاً
لكم في بلد الايمان .
أيّها الاعزّة ! جمعنا هذا ليس جمع
أصحاب ربطتهم مصالح معينة وتستطيع مصالح
أُخرى يوماً أن تفك رباطهم .. لا ، نحن أُخوة
ربط بيننا القرآن رباطاً أبدياً ليس له
انقطاع ، وجعل منا رغم الفواصل التاريخية
والجغرافية والسياسية جسداً واحداً هو الامة الاسلامية
. لقد اعتنقنا هذه الرابطة من يوم ان اعتنقنا
الاسلام وليس أمامنا خيار آخر .
الاختلافات والخلافات بل حتى النزاعات ليست
سوى غبار يمس وجه هذه الحقيقة ويمكن غسله
بزلال الحكمة والعقل والحلم .
لنتطلع إلى هذا التجمع العظيم وهذا
اللقاء التاريخي بهذا المنظار كي نستطيع أن
نستثمره لصالح شعوبنا وأمتنا الاسلامية
الكبرى .
أيها الاخوة ! أيّها الاعزاء ! حديثي في
افتتاح هذا المحفل أُركزه على ثلاثة موضوعات
لاخرج منه بنتيجة ، وهذه الموضوعات هي :
الاسلام ، والامة الاسلامية ، والمؤتمر
الاسلامي وآفاق المستقبل .
1 ـ الاسلام :
الاسلام في فجر بزوغه وفي يومنا هذاطريق نحو عالم جديد مقرون بحياة سعيدة تتضمن
كل ما يتطلبه صلاح الانسان وفلاحه . آلام
البشر الاصلية التي سعى الاسلام لازالتها
كانت على مر العصور والازمان ولا تزال واحدة
لا تتغير ، وهي : الفقر ، والجهل ، وألوان
التمييز ، والنزاعات ، وانعدام الامن ، ثم
الوقوع في شراك المادية والخصال الدنيئة .
والاسلام دين الانسانية والاعتدال
والتعقل والتسليم أمام إرادة رب العالمين .
وهكذا كان شأن كل الاديان دون شك قبل أن تمسها
يد التحريف . لذلك قدم الدواء لهذه الادواء
الانسانية بطريقة عقلانية لا يشوبها الافراط
ولا التفريط ، ودعا الانسان إلى الذكر
والتضرع والارتباط الداخلي برب العالمين
، وعلمه وأوصاه أن يكافح الشرور والعدوان
والظلم والفساد ، وأن يواجه باستمرار
ما في نفسه من جموح الذات والانانية واستفحال
الاهواء .
أحكام الاسلام الاساسية تبلورت بهذا
الشكل ، ومنهج الاسلام للحياة الفردية
والاجتماعية والاخلاقية والسياسية نما من
هذه الجذور .
وعلى هذه الاُسس بالذات ولمعالجة تلك
الادواء المزمنة الدائمة يقيم الاسلام نظامه
السياسي حيث العدالة الاجتماعية ، والحريات
المختلفة ، والسلام العادل ، ومكافحة الظلم
والعدوان ، والعلاقات بين الجنسين ،
والعلاقات بين كل أفراد المجتمع وبين
المجتمعات ، وهكذا تزكية النفس ، والعلاقة
الداخلية بين الانسان وربه .
البشرية اليوم ـ رغم الظواهر البراقة
الجذابة المعيشية ـ تعاني من نفس الالام التي
عانت منها على مر التاريخ ; أكثر شعوب العالم
فقيرة وتسيطر أقلية قليلة على أكثر ثروات
المعمورة .. أكثر الشعوب محرومة من التطور
العلمي ، وتتخذ فئة علمها وسيلة للسيطرة على
غيرهم .. لظى الحروب تستعر في بقاع عديدة من
العالم ويتوجس الناس في غيرها خيفة من
اندلاعها ، والتمييز بين بلدان العالم على
الساحة العالمية وبين الطبقات في أغلب
البلدان ظاهرة مشهودة .. مادية الغرب تكتسح
الاجواء ، واغراءات المال والبطن والشهوة طغت
على النفوس ، ثم ان مظاهر الصفاء والبساطة
والسماحة والايثار قد تركت مكانها في قسم
عظيم من العالم للخداع والتآمر والحرص والحسد
والبخل ولغيرها من الخصال الدنيئة .. العالم
تطور بشكل واسع وسريع في حقول العلم والتقنية
والالة لكن الادواء المزمنة القديمة لا تزال
تفتك بالبشر ، والعقبات الاساسية لا تزال
قائمة دونما تغيير .
الليبرالية الغربية والشيوعية
والاشتراكية وغيرها من المدارس جربتها
البشرية وثبت فشلها ، والاسلام اليوم ـ كما في
السابق ـ هو شاطىء النجاة والبلسم الوحيد ،
وصوت الاسلام اليوم لا يزال كما كان قبل أربعة
عشر قرناً يدعو البشرية ، إذ يقول : (قد جاءكم
من اللّه نور وكتاب مبين * يهدي به اللّه من
اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات
إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)( 1 )
.
المهم الكشف عن الوجه الناصع للاسلام
، ومعرفة جهود الاعداء الحقودين خلال قرون
التقت مع تصرفات الاصدقاء الجهلة الغافلين
لتشوه وجه الاسلام النير ، ولتزيد عليه أو
تنقص منه عن غرض أو عن ذوق جاهل . ولان كانت
الاذواق المريضة والمصالح الدنيوية لا تزال
تفعل فعلها في تعتيم صورة الاسلام من قبل أهله
، فان الهجوم الاعلامي لاعدائه يزيد على ذلك
بكثير بطرق مدروسة خبيثة .
أحد محاور هذه الجهود الضخمة التي
يبذلها الاعداء في هذا المجال هو الهجوم
الاعلامي الشرس الضاري على ايران الاسلام بعد
اقامة دولة الاسلام في هذا البلد . وللتعتيم
على نداء هذه الثورة الكبرى جندوا طاقاتهم
لتوجيه التهم لها ونشر الاخبار الكاذبة عنها .
ما قالوه كذباً عنا وما نسبوه إلينا أصبح بسبب
تكراره مملاً ثقيلاً على الاسماع .
وكان أكثر المرجفين نشاطاً الصهاينة
ووسائل الاعلام الصهيونية العالمية المعروفة
وعملاء الاستكبار ، وفاقهم جميعاً
الاميركيون ! أي كل أولئك الذين تضرروا من هذه
الثورة أكثر من غيرهم .
أيّها الاخوة المسلمين انطلاقاً من
هذا ، فان مهمتنا الكبرى هي معرفة الاسلام
ونشره وترسيخ ما بيننا من أواصر التعارف .
2 ـ الامة الاسلامية :
الامة الاسلامية هي الثمرة الاولىلنهج الاسلام السياسي الانساني .. هذه الامة
بدأت من مدينة النبي على منوّرها أفضل الصلاة
والسلام ، وشقت طريقها بصورة مدهشة اعجازية
نحو تكونها الكمي والنوعي . لم يمض نصف قرن على
هذه الولادة المباركة حتى ضرب الاسلام بجرأته
في ما يقرب من نصف اصقاع الحضارات القديمة
المجاورة ، أعني ايران وروما ومصر . ثم بعد قرن
أقامت حضارة باهرة وحكومة عزيزة مقتدرة في
قلب العالم تمتد من سور الصين شرقاً حتى
المحيط الاطلسي غرباً واحراش سيبيريا شمالاً
والمحيط الهندي جنوباً .
في القرنين الثالث والرابع الهجريين
وما بعدهما قامت حضارة باهرة لا تزال بركاتها
العلمية والثقافية مشهودة بوضوح في الحضارة
العالمية الراهنة . ولان حاول المغرضون
الغربيون في سردهم لقصة تاريخ العالم
والحضارة أن ينظروا بعين الاجمال والاهمال
لهذه النهضة العلمية والحضارية العظيمة ، وأن
يؤرخوا للعلم بدءً باليونان والرومان
وينتقلوا مباشرة إلى النهضة الاوربية حتى
وكأن الموت عفا على العلم والحضارة لالف سنة
ثم عاد إلى الحياة من النهضة الاوربية فجأة !!
لكن الحقيقة أن القرون الوسطى كانت عصر جهل
وظلام ووحشية للغرب وأوربا فقط ، وكانت
للعالم الاسلامي بأصقاعه التي تفوق أوربا
أضعافاً وتمتد من الاندلس حتى الصين ، عصر
سطوع ويقظة وعروج علمي .
الهدف من هذه العودة إلى التاريخ ليس
تفاخراً بالماضي ، بل الهدف هو التأكيد على أن
الطاقة التي أوجدت هذه الحضارة متمثلة
بالاسلام ، ومعارفه الحياتية لا يزال بين
ظهرانينا وينادينا بقوله : (يا أيها
الذين آمنوا استجيبوا للّه وللرسول إذا دعاكم
لما يحييكم)( 2 )
. الاسلام أثبت قدرته على دفع أبنائه نحو
الاعتلاء المدني والعلمي والعزة والاقتدار
السياسي . الايمان والمثابرة والحذر من
التفرقة شروط ثلاثة لازمة لتحقق هذا الهدف
الكبير ، والقرآن الكريم يعلمنا بقوله : (ولا
تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم
مؤمنين)( 3 )
، وبقوله : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم
سبلنا وإن اللّه لمع المحسنين)( 4 )، وبقوله : (وأطيعوا
اللّه ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب
ريحكم واصبروا ان اللّه مع الصابرين)( 5 ).
عدم توفر هذه الشروط الثلاثة ساق
الامة الاسلامية اليوم إلى وضعها المؤسف ،
خلال القرنين الماضيين على الاقل كان للاعداء
المتربصين المخططين ، وبعض الحكومات
الاسلامية الهزيلة ، إلى جانب عوامل وظروف
تاريخية وسياسية مختلفة السهم الاوفى في
ايجاد هذا الوضع ، ونحن اليوم نرث هذه التركة
الثقيلة .
أيها الاخوة ! تعالوا نترك للاجيال
القادمة ارثاً أكثر فخراً مما وصلنا .
في استقراء العوامل الخارجية للوضع
الحالي ، أرى أن هجوم جبهة الاستكبار ذو أثر
أكبر من غيره .
نحن نطلق كلمة الاستكبار على منظومة
تستند إلى قدراتها السياسية والعسكرية
والعلمية والثقافية والاقتصادية ، وإلى نظرة
تمييزية للنوع البشري ، فتنطلق لفرض سيطرة
مقرونة بالاستخفاف والاستهتار على المجموعات
الانسانية الكبرى أعني الشعوب والحكومات
والبلدان ، فتضغط عليها وتستثمرها وتتدخل في
شؤونها وتنهب ثرواتها . تتعنت في تعاملها مع
الحكومات وتظلم في تصرفها الشعوب ، وتستهين
بمقدساتهم وتقاليدهم .
المثال البارز لهذه الظاهرة :
الاستعمار ثم الاستعمار الجديد ، وأخيراً
الهجوم السياسي والاقتصادي والاعلامي بل حتى
العسكري الشامل الذي يشنه أساطين الاستعمار
القديم وورثتهم ، فارضين علقمه على الشعوب
جهاراً بدون قناع . القوى الغربية في هذا
الهجوم الفاعل استثمرت تطور العلم والتقنية
وبعض الخصال القومية لشعوبها . نحن لا نلوم
العدو ، انما اللوم على أولئك الذين يوفرون
فرصة انتصار العدو وعوامل اندحارهم بما
يحملونه من انانية وحب عافية وضيق نظر .
الغرب في هجومه الشامل قد استهدف
أيضاً ايماننا وخصالنا الاسلامية ، وفي ظل
متاعه العلمي الذي يحس الجميع بحاجتهم إليه ،
يصر على تصدير ما ابتلى هو به إلى مجتمعاتنا
من ثقافة التسيب والاباحية وعدم الالتزام
بالدين والاخلاق . وهذا المستنقع الاخلاقي
الاسن سيبتلع دون شك في مستقبل ليس ببعيد
حضارة الغرب القائمة ويبيدها من الجذور .
العالم الاسلامي على أثر الغزو
المعادي والعوامل الداخلية الموروثة من
الاجيال السابقة في وضع مأساوي لا يحسد عليه .
الفقر والجهل والتخلف العلمي والضعف الخلقي
وأفظع من كل هذا سيطرة الاعداء الثقافية
وأحياناً السياسية من جهة ، والمشاكل الكبرى
مثل قضية فلسطين ومسألة افغانستان ولبنان
والعراق وكشمير والبوسنة والهرسك والقوقاز
وغيرها من جهة أُخرى تشكل قائمة طويلة من
المسؤوليات الالهية والانسانية أمام
الحكومات والشخصيات السياسية وقادة العالم
الاسلامي .
يجب أن نأخذ زمام المبادرة بأيدينا .
لقد كان الزمام حتى الان بيد العدو ،
وكان دورنا ترديد المزيد من الشكوى والعتاب .
فلسطين على الساحة التاريخية تبدلت
إلى اقطاعية صهيونية على اثر عشرات المبادرات
التي أقدم عليها العدو . بدأت بشراء أرض
الفلسطينيين ثم تواصلت عبر تسليح الصهاينة
المهاجرين ، ثم اثارة الحرب الداخلية واعلان
تقسيم فلسطين ، ثم احتلال أجزاء جديدة من هذا
البلد الاسلامي العربي ، ثم احتلاله بأجمعه ،
واضافة أجزاء من مصر وسوريا والاردن إليه .
وهنا بادرت البلدان العربية المجاورة
لفلسطين لمرة واحدة فقط واخذت زمام المبادرة
بيدها وتمثل ذلك بحملة مصر وسوريا في رمضان 1394
هجرية . وهي وان لم تحقق النتائج المرجوة
كاملة بسبب التعاون الاميركي الاسرائيلي
وتهاون البلدان الاسلامية ، قد سجلت مفخرة
للجبهة العربية وحررت أجزاء من الاراضي
العربية . بعد ذلك عاد الصهاينة وحماتهم وعلى
رأسهم أميركا إلى أن يمسكوا بزمام حركة
الساحة في اطار شعارات التسوية وفي اتجاه
تثبيت الاحتلال الغاصب لفلسطين ، جارّين
وراءهم كل خصومهم حيثما استطاعوا إلى ذلك
سبيلاً .
كان ينبغي علينا نحن الدول الاسلامية
أن نقدم مساعدات اكثر جدية لدول المواجهة من
أجل انقاذ فلسطين . فيما مضى بعض حكوماتنا لم
تتوان حتى عن توجيه طعنة إلى ظهر دول المواجهة
، والمثال الابرز لذلك حكومة ايران في عهد
بهلوي . كانت ايران آنئذ مع الاسف مأمناً
للصهاينة ومساعداً حميماً للكيان الصهيوني .
أيها الاخوة الاعزاء ! هذا الوضع لا
يتناسب مع العزة الاسلامية ، وهو بعيد كل
البعد عن علاج ما يلمّ بالامة الاسلامية . كل
البلدان الاسلامية يجب أن تتحمل السهم
المناسب في استعادة الحق الفلسطيني ، وايضاً
لابد أن يخرج العالم الاسلامي من حالة
الانفعال إلى حالة المبادرة والاقدام . هاتان
المسؤوليتان يتحملهما فعلاً الشباب المؤمن
الغيور في فلسطين ولبنان بكل وجودهم ، فتحيّة
لهم .
معارضتنا لما يسمى بمحادثات السلام في
الشرق الاوسط إنما هي لانها غير عادلة ولانها
استكبارية ولانها مهينة ، ثم لانها غير
منطقية . مبدأ ما يسمى بالارض مقابل السلام
يعني أن الصهاينة يعيدون ارض البلدان
المجاورة لاخذ الاعتراف بملكيتهم لفلسطين .
أي كلام أكثر اجحافاً من هذا الكلام ؟ وما هو
الجواب الذي يمكن تقديمه للشعب الفلسطيني
العريق في معاملة الغبن هذه ؟
ومن سخرية الدهر أن العدو الصهيوني
رفض هذا أيضاً ، ولم يرض بتنفيذه !! ألم يحن
الوقت أن يكون للعالم الاسلامي رد مناسب لهذا
السلوك الاستكباري ؟ لو رتبنا علاقاتنا على
أساس من الاخوة لاستطعنا ذلك . ماذا تستطيع
اميركا أن تفعله أمام اتحاد جبهة اسلامية
تمتد من أندونيسيا حتى شمال افريقيا ؟ !
ان الاستكبار يراهن اليوم على حالة
التمزق في هذه الجبهة ، أما آن الوقت لكي نرصّ
الصف لصالحنا ؟ !
حضور عدو كالكيان الصهيوني في قلب
العالم الاسلامي كان بإمكانه أن يقرب بين
صفوفنا .. لكن الايدي الاستكبارية الخفية
أبعدت هذا الخطر من طريقها ، وعملت على أن
نخشى من بعضنا أكثر ممّا نخشى العدو ! الوساوس
والاكاذيب والاعلام المضاد ، جعلت البلدان
الاسلامية تخشى من بعضها خطأ ودونما مبرر .
منذ ثمانية عشر عاماً حتى الان يعمد مهندسو
السياسة الاستكبارية إلى بث سمومهم بتخويف
جيراننا في الخليج الفارسي من ايران
الاسلامية التي تحمل راية الاتحاد والاخوة .
إنني أعلن ان أي خطر لا يهدد أي بلد اسلامي من
ايران الاسلام .
ايران الاسلام ببركة حياتها في ظلال
أحكام القرآن الكريم تتطلع اليوم أكثر مما
مضى لاتحاد العالم الاسلامي وعزته واقتداره .
نحن الايرانيون ، ببركة ايماننا بالاسلام
ورغم مؤامرات العدو الاعلامية ، حافظنا على
وحدتنا الوطنية بشكل فريد ، وخلاف ما يدعيه
العدو ويرغب فيه وسعنا دائرة الحضور
الجماهيري ، والانتخابات الباهرة التي جرت
هذا العام لاختيار رئيس الجمهورية نموذج لهذا
الحضور المتزايد . الحكومة منسجمة ،
والمسؤولون تربطهم علاقات حميمة ، وبين
الحكومة والشعب روابط عاطفية مفعمة بشعور
الثقة .
كل مساعينا العلمية والسياسية
والاقتصادية والثقافية تقوم على أساس ما
علمنا الامام الخميني من الاعتماد على النفس
بعد التوكل على اللّه سبحانه . ونحن ببركة هذه
الثقة بالنفس استطعنا أن نعيد إلى بلد خرب
متخلف ورثناه من العصر البهلوي وازداد خراباً
خلال الاعوام الثمانية من الحرب المفروضة ،
البناء والنماء والنشاط الفعال . هذه الظاهرة
نشاهدها في بعض البلدان الشقيقة أيضاً ، لكن
الاهم من ذلك كله هو العزة والاقتدار السياسي
. شعبنا وحكومتنا بفضل التمسك بالاسلام
والمشاركة السياسية الجادة استطاعا أن
يقتلعا جذور التدخل الاجنبي في بلادنا .
الامة الاسلامية بأجمعها ايضاً
متعطشة إلى حالة تسودها الثقة بالنفس والعزة
والاستقلال ، وعلينا أن نسعى جميعاً على هذا
الطريق . هذه مسؤولية تاريخية وكل الاجواء
متوفرة ليستعيد العالم الاسلامي عزته
واقتداره وكامل استقلاله .
لو أن تنسيق المساعي على هذا الطريق
بحاجة إلى مجمع متمركز فنحن نمتلكه ، انه
منظمة المؤتمر الاسلامي ، فلنلق نظرة على هذه
المنظمة وآفاق المستقبل المرتقب .
3 ـ منظمة المؤتمر الاسلامي وآفاق
المستقبل :
27 عاماً مضت على حريق المسجد الاقصىالذي أدى إلى ولادة هذه المنظمة . ظروف عالمنا
المعاصر جعلت هذه المنظمة أمام مسؤوليات أكثر
جدية من قبل ، فهي تستطيع أن تكون مظهر اتحاد
حقيقي بين البلدان المسلمة في مسائلها
ومصالحها المشتركة . باسم أعضائها تنطق
وتطالب وتنفذ ، وبدعمهم المالي والاقتصادي
والسياسي تتحرك لتكون بين أعضائها رابط لحل
مشاكلهم ، ولتكون مركز لقاء وعنصر تنسيق
حيثما استوجب مشروع كبير وهدف مشترك حشد
الهمم والطاقات ; تقضي حيثما لزم التحكيم ،
وتنصح حيثما نفع النصح .
العالم الاسلامي اليوم رغم أن حصته في
التجارة العالمية أقل بقليل من 20% وهي نسبة
سكانه إلى سكان العالم غير أن المقدار الخاص
بتجارته الداخلية بين البلدان الاسلامية أقل
بكثير من هذه الحصة أيضاً . هذه المنظمة
تستطيع أن يكون لها دور فعال في هذه المسألة
الاقتصادية الحساسة ذات التأثير على سياسة
هذه المجموعة أيضاً . بعض بلداننا تحظى
بامكانات طبيعية وانتاجية وطاقات علمية
وصناعية وثقافية قيمة مما تحتاجه بلداننا
الاخرى احتياجاً مبرماً ، هذه المنظمة تستطيع
أن تنهض بدور فاعل في تبادل منطقي عادل لهذه
الامكانات .
جماعات كبيرة من المسلمين اليوم
ودائماً يعانون من آلام مضنية تتطلب حلاً
عاجلاً . على سبيل المثال تتعرض الان بعض
الولايات الافغانية مثل باميان إلى مجاعة
عامة وتقترب من برد قارس شديد ، والشعب
العراقي يعيش واحدة من أكبر محنه التاريخية
ويعاني من نقص في الغذاء والدواء ، وأرواح
الملايين من أبنائه وخاصة الاطفال في خطر .
وفي الجزائر مذابح رهيبة ترتكبها أيد خفية
لتتهم بها الاسلاميين ولتشوه بها وجه الاسلام
، وفي البوسنة وكشمير والصومال وقره باغ
وبقاع اُخرى يواجه المسلمون مشاكل حادة .
منظمة المؤتمر الاسلامي تستطيع أن تشكل
لجاناً خاصة وتضع مشاريع عمل فاعلة يشترك
فيها كل الاعضاء لحل هذه المشاكل . لتنشيط هذه
المنظمة في المسائل المرتبطة بين الاعضاء لا
تحتاج إلى شيء ولا إلى أحد سوى الارادة
الجماعية والمساعدات المالية من الدول
الاسلامية الغنية ، المعارضة المحتملة من
البلدان التي تتضرر من اتحاد المسلمين لا
تستطيع أن تقف في طريقنا اللّهم إلاّ إذا
أوجدت تزلزلاً في ارادتنا .
حين كان المسلمون في منطقة البلقان
يتعرضون لابادة وحشية وكان اولئك المسلمون
يدافعون لوحدهم عن هويتهم الاسلامية أمام
جموع عسكرية منظمة ومهاجمة وجموع متفرجة ،
كان من المفروض أن يكون مثل هذا المركز
متواجداً ليخفف عن بعض آلام اولئك الاخوة ،
وليكون ثقلاً في ميزان المعادلات العالمية
لصالح ذلك الشعب المظلوم .
والان ، فان حضور الاساطيل الاجنبية
وخاصة اميركا بعددها وعدتها في الخليج
الفارسي ـ وهو بحر اسلامي ومركز هام للطاقة في
كل العالم ـ يؤدي إلى انعدام الامن . وجود
منظمة اسلامية مقتدرة يستطيع من جهة أن يرغم
الاجانب على سحب شرورهم بمنطق العزة
والاقتدار الاسلامي ، ويستطيع من جهة أُخرى
أن يزيل مبررات هذا الحضور ، كما انه بامكانه
أن يرسل متى اقتضى الامر قوات من نفس البلدان
الاسلامية لصيانة أمن هذه المنطقة وسلامتها .
والان تعاني أقليات مسلمة في بعض
بلدان العالم من التمييز والظلم والسلوك
المتعصب اشد المعاناة . مساعدة هؤلاء واجب كل
المسلمين . غير أن المساعدة الجادة المطلوبة
في اطار العلاقات الدولية بحاجة إلى مركز
اسلامي دولي . وأي مركز أنسب من منظمة المؤتمر
الاسلامي ؟ ! عشرات المهام تنتظر التنفيذ ،
وكل واحدة منها تلقي مسؤولية على جميع
البلدان الاسلامية . وما ذكرناه نموذج لذلك .
وفي كل هذه المواضيع لا تستطيع أية حكومة
اسلامية أن تؤدي ما يؤديه مركز دولي اسلامي .
أيها الاخوة ! أيها الضيوف الاعزاء !
تعالوا نغتنم الفرص متكلين على حول اللّه
وقوته ونتقارب ونقوي مركز الاتصال بيننا .
المؤتمر الاسلامي يجب أن يتابع
قراراته حتى التنفيذ الكامل كي يكون لهذه
الاجتماعات عطاء لشعوبنا . ولابد أن يستطيع
تأسيس برلمان لمجلس البلدان الاسلامية ، وأن
يخطط لديوان عدالة اسلامي وأن يكون نيابة عن
خمسة وخمسين بلداً اسلامياً ومليار وبضع مئات
الملايين من السكان ، ومن الاعضاء الدائمين
في مجلس الامن التابع للامم المتحدة ، وطالما
كان حق الفيتو قائماً فليكن العضو السادس من
الاعضاء الذين يملكون هذا الحق في ذلك المجلس
.
هذه آفاق مستقبل هذا المؤتمر ، وبهذا
يستطيع أن يرسم آفاق مستقبل الامة الاسلامية .
والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته
(1)
المائدة: 15 ـ 16.
(2)
الانفال : 24.
(3)
آل عمران : 139.
(4)
العنكبوت : 69 .
(5)
الانفال : 46 .