معالم النظام الاجتماعی الإسلامی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

معالم النظام الاجتماعی الإسلامی - نسخه متنی

السید منذر الحکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسـات

معالم
النظام الاجتماعي الاسلامي

* السيد منذر الحكيم

تمهيد

1 ـ يمتاز النظام الاجتماعي الاسلامي عن غيره من
الانظمة الاجتماعية بأنه وليد الوحي الالهي ، بينما تكون الانظمة الاخرى وليدة
المجتمعات البشرية والتجارب الاجتماعية المتغيرة .

2 ـ لكل نظام هدف أو أهداف يراد له تحقيقها ، كما أن
له (قيماً) يرتكز عليها وينطلق منها .

وعلى اساس هذه القيم تتحدّد الاهداف التفصيلية أو
الخطوط العامة للنظام الاجتماعي ، والتي تتحكّم في جميع الاحكام التفصيلية وعناصر
النظام الاجتماعي واجزائه واركانه .

3 ـ ولكل نظام خصائص وسمات يتسم بها ،وهي تنتزع من
اهدافه ومصادره ومجالات نفوذه وطبيعته ومجموع ارصدته .

4 ـ وحينما يُطبَّق النظام الاجتماعي في مجتمع ما فإنه
سوف يفرز مجموعةً من النتائج التي تلقي بظلّها على سماته وخصائصه ، كما أنه يكشف
عن مدى واقعيته واصالته وشموله وقدرته على التطور أو التطوير للمجتمع الذي يتحكم
فيه .

اهداف وقيم النظام الاجتماعي الاسلامي

يستهدف النظام الاجتماعي الاسلامي ايصال الانسان إلى
الكمال اللائق به عن طريق تحديد طريق الكمال الانساني المتمثل في العبودية التامة
للّه سبحانه على اساس حرية الارادة والسعي الحثيث في سلوك هذا الطريق .

ويمكن اعتبار صفات الكمال للّه سبحانه اهدافاً للانسان
ينبغي له أن يسعى للوصول إليها قال تعالى : (وللّه الاسماء الحسنى فادعوه بها) وجاء في الحديث قوله(صلى
الله عليه وآله) : تخلّقوا بأخلاق
اللّه .

وهذه الصفات تعتبر قيماً يستند اليها النظام الاسلامي
وينطلق منها في جميع تشريعاته ويسعى لايصال الانسان اليها .

وقد لخّص القرآن الكريم هذه القيم التي تجسّدت في
شخصية القائد الاعظم ـ محمد بن عبداللّه(صلى الله عليه
وآله) ـ بقوله تعالى (إنّك لعلى خلق عظيم)(1) وفسّر ذلك الرسول
الكريم بقوله(صلى الله عليه وآله) : (انّما بُعثت لاتمم مكارم الاخلاق) .

فرسالة الدين الحنيف الذي يريد تنظيم الحياة
الاجتماعية للانسان تتلخّص في تحقيق هذه المكارم في النفوس البشرية عبر الكدح
والسعي المتواصل في جميع مجالات الحياة على اساس تطبيق الاحكام التي جاء بها الدين
والتي تنظّم كل مرافق الحياة الفردية والاجتماعية، للانسانية جمعاء .

أركان
النظام الاجتماعي الاسلامي

يعتمد النظام الاجتماعي الاسلامي على مجموعة من
الاركان ويتقوّم بها بنحو يكون التخلّي عن أحدها أو تناسي واحد منها مزعزعاً لروح
النظام ومغيرّاً لما هيّته وأصالته .

ويمكن تلخيصها فيما يلي :

1 ـ التوحيد الذي يمثّل وحدة السيادة اللّه سبحانه
وتعالى والذي منه يستمّد النظام شرعيّته وحقّانيته ، وهو الذي يسري في جميع عروق
النظام ويهيمن على جميع الاحكام والتشريعات الكلّية والجزئية ، واليه تعود جميع
الاركان الاخرى وتتواشج معه وتتناسق على أساسه ، فهو الروح السارية في كل أصل وفرع
.

2 ـ خلافة الانسان عن اللّه تعالى . وتتمثّل هذه
الخلافة الالهية في مسؤولية الحكم والامانة تجاه هذه المسؤولية التي اُلقيت من قبل
اللّه تعالى على عاتق الانسان في هذه الحياة .

3 ـ الانسان المعصوم هو حلقة الوصل بين اللّه وبين
عباده من خلال تلقيّه للوحي الالهي المتضمّن للشريعة الالهية والهدي الربّاني الذي
يُراد ترشيد حركة الانسانية على أساسه .

والمعصوم هو الذي يضمن وصول الوحي الالهي بشكل كامل
الى الانسانية كما يضمن تحققّ النظام الربّاني في المجتمع البشري ، وهو الذي
تتحقق أهداف النظام من خلال سعيه وتوجيهه
وجهاده .

واذا كانت الشريعة تمثّل تياراً معرفياً وثقافياً
وتتطلّب ثورة شعبية لارساء النظام في المجتمع البشري فالمعصوم هو القيادة الامينة
والمستمرة التي تحرس الرسالة والامة والدولة الربانية المطلوبة .

4 ـ الحرية الانسانية المحدودة بالحدود الالهية التي
تمكّن الانسان من اختيار المصير الذي يسعى نحوه .

قال تعالى : (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)(2) .

5 ـ المساواة أمام اللّه وأمام الشريعة الالهية تمثّل
ركناً من أركان القوّة والديمومة والعالمية للشريعة والنظام الالهيين فإن نسبة
اللّه وارتباطه بعباده على حد سواء ولا يتحقق القرب الى اللّه الا بمقدار الانتماء
الواقعي اليه والاخلاص في هذا الانتماء ، بل لا يتحقق الانتماء بشكل واقعي وموضوعي
الاّ بمقدار الجهد والاخلاص المبذولين في سبيل نيل رضاه ، ذلك الرضا المتمثل في
أحكامه وتعاليمه والمتمثل بمقدار تجسيد هديه والتحقق بصفات كما له .

فالامام والمأموم والحاكم والمحكوم كلهم سواء ولايتفاوتون إلاّ
بمقدار التقوى التي هي التعبير الواقعي عن درجةالالتزام
بالتعاليم والاحكام الالهية ، قال تعالى (انّ اكرمكم عند الله اتقاكم)(3) .

6 ـ العدالة الالهية ركن مهم في التشريع والتقنين ،
وفي تقسيم الحقوق والواجبات بين جميع عناصر المجتع وافراده قادةً ومقودين .

والعدالة في الجزاء تبع للعدالة في التشريع ، فالنظام
الاجتماعي الاسلامي يرتكز على الاعتدال والوسطية ومراعاة الحقوق والواجبات لكل عضو
من أعضاء الاسرة الاجتماعية تبعاً للدور الذي يقوم به والحيّز الذي يملاهُ في
المسيرة الاجتماعية التكاملية .

قال تعالى : (لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب
والميزان ليقوم الناس بالقسط)(4) .

7 ـ الكرامة الانسانية المستمّدة من الكرامة والعزّة
الالهية هي دعامة من دعائم النظام الاسلامي وتتضمّن التشريعات الاجتماعية تحقيق
الكرامة والعزة التي استحقها الانسان المؤمن لارتباطه باللّه سبحانه الذي هو مصدر
العزة والعظمة والكمال .

قال تعالى : (وللّه العزة ولرسوله وللمؤمنين)(5) .

ولعل من مظاهر هذه العزة ما جاء في قوله تعالى :
(هو الذي ارسل
رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)(6) وقوله تعالى :
(ولن يجعل الله
للكافرين على المؤمنين سبيلاً)(7).

الخصائص
العامة للنظام الاجتماعي الاسلامي

يتميز النظام الاجتماعي الاسلامي بمجموعة من السمات
التي تميّزه عمّا سواه من الانظمة الاجتماعية ، وإليك بعض هذه السمات :

1 ـ إنه نظام إلهي يستمد روحه ومضمونه واطاره وصبغته
وحقيقته من اللّه سبحانه ، مصدر الوجود وخالق الكون ومكوّن الانسان وفاطره العالِم
بكل اجزائه وحاجاته والاهداف التي خلقه من أجلها وجاء به من أجلها إلى هذه الحياة .

قال تعالى : (قل إن هدى اللّه هو الهدى)(8).

(ذلك
هدى اللّه يهدي به من يشاء)(9) .

(صبغة
اللّه ومن احسن من اللّه صبغة)(10) .

2 ـ إنه نظام انساني يريد السعادة والكمال للانسانية
جمعاء فلا يختص بفئة أو طائفة أو عنصر بشري أو منطقة معينة أو فصيلة بشرية خاصة .

قال تعالى : (يا أيها الناس إني رسول اللّه إليكم جميعاً)(11) .

(هدى
للعالمين)(12) .

(ليكون
للعالمين نذيراً)(13) .

(لمن
شاء منكم أن يستقيم)(14) .

3 ـ إنه نظام عقائدي يبتنى على اُسس عقائدية ثابتة
رصينة ، وليس هو وليد تجربة اجتماعية خاصة أو حاجة انسانية محدودة أو ظرف معين ،
بل هو نظام أملته العقيدة التوحيدية الابراهيمية الحنيفية التي آمنت بها الفطرة
وأيّدها العقل السليم .

4 ـ إنه نظام أخلاقي ، يسعى لتحقيق مكارم الاخلاق
وتتوكأ جميع تشريعاته على القيم الاخلاقية العالية . وتهيمن الاخلاق الكريمة على
مجمل أحكامه وتفاصيلها .

5 ـ إنه نظام واقعي لا يغفل عن الواقع الانساني في كل
عصر ، ولا يتمادى في المثالية ولا ينحدر في الحيوانية المقيتة ، بل يأخذ واقع
الانسان في كل مراحل حركته بعين الاعتبار .

قال تعالى : (الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)(15) .

6 ـ إنه نظام شامل لكل جوانب حياة الانسان : الفرد
والمجتمع البشري معاً ، فلا يترك جانباً دون حكم أو قانون ولا تشذ حالة من حالات
الانسان عن تشريعاته .

7 ـ إنه نظام متطوّر بتطوّر الزمن رغم اصالته وعمقه
ورغم ثبات خطوطه العامة فانه ينسجم مع تطور الحياة ويأخذ بالمجتمع نحو التطوّر
والكمال .

سمات
المجتمع الاسلامي

1 ـ انه مجتمع عقائدي : فلا تحدّده حدود جغرافية أو
عنصرية بل تحدّده العقيدة الاسلامية، ومن هنا لا نجد حدوداً جغرافية واقعية
بين ابناء المجتمع الاسلامي .

2 ـ انه مجتمع متعبّد للّه سبحانه ، فهو يتجه في كل
نشاطه نحو اللّه سبحانه ، قال تعالى : (يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه)(16) .

ويتمثّل هذا النشاط في الخضوع للنظام الالهي وتطبيق
هذا النظام بشكل دقيق . قال تعالى : (واتقوا اللّه حق تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون)(17) .

3 ـ والتوجه إلى اللّه لا ينفك عن التوجه إلى الحياة
الاخرة ، فالدنيا تستثمر من أجل إعمار الاخرة . قال تعالى :
(وإن الدار الاخرة
لهي الحيوان)(18) .

وينعكس هذا الشعورويتجلى في كل مرافق الحياة سياسياً
واقتصادياً وتعليمياً وفي الادب والفن بل وفي كل نشاط فردي أو اجتماعي .

4 ـ إن الكدح المستمر واعتبار الدنيا مزرعة للاخرة
والتزوّد من العمل الصالح الذي يُثمر الصلاح والسعادة للانسان على طول الخط يجعله
مجتمعاً جادّاً في الحياة الدنيا ، مؤثِراً للجد على اللهو واللعب . فهو بيعد عن
النشاط العابث واللهو الفارغ ، وإنما يستروح بالحكمة واللذائذ التي أحلّها اللّه
لصالحي عباده .

5 ـ ولا يتوانى هذا المجتمع عن استثمار كل ما يمكن
استثماره في الحياة الدنيا من أجل الوصول إلى السعادة الابدية . والحرص في كسب
العمل الصالح لا يؤدي به إلى الحرص على المادة والتهالك عليها أو حبس الثروات
واكتنازها وإنما ينسجم هذا الاستثمار مع روح الزهد وعدم الاغترار بالحياة المزخرفة
الفانية ، بل يعتبر الزهد انطلاقاً من أثقال المادة وعدم القنوع بالسعادة المحدودة
الزائلة بدل الحياة السعيدة الابدية الخالدة .

فالحرص على العمل الصالح والاصرار على اكتساب الخير
يجتمع مع الزهد في كل شيء يعيق الحركة الرشيدة في هذا المجتمع الانساني المؤمن.

6 ـ إن الاعتدال والتوازن والاستواء سمات تخص المجتمع
الاسلامي باعتبار اعتدال الشريعة واستواء احكامها وتوازن مقاصدها وانسجام اطرافها
ووسطية طريقها . قال تعالى : (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً)(19) .

7 ـ المجتمع الاسلامي مجتمع متماسك باعتبار انضواء
جميع اعضائه تحت راية واحدة والتزام كل فرد منهم بحبل اللّه الواحد كما قال تعالى
: (واعتصموا بحبل
اللّه جميعاً ولا تفرّقوا)(20) فهو ينبذ الخلاف
والتفرّق والتشتّت بالرغم من وجود اسباب الاختلاف ولكنه يتحد على اساس وحدة
العقيدة والطريق والهدف .

8 ـ ويتمتع المجتمع الاسلامي بنوع من الانشداد العاطفي
الذي أوجده الاسلام من خلال عملية التآخي التي دعا إليها الاسلام بقوله تعالى :
(إنما المؤمنون
اخوة)(21) . ومن خلال
التكافل والتراحم الذي زرع بذوره الاسلام العظيم بقوله تعالى :
(رحماء بينهم)(22)،
(وفي اموالهم حق
معلوم للسائل والمحروم)(23) ،
(قد افلح المؤمنون
... الذين هم للزكاة فاعلون)(24) .

9 ـ كما يتمتع المجتمع الاسلامي بالاستقلال الثقافي
والسياسي والعسكري والاقتصادي .. ولا يخضع لاي نوع من انواع التبعية . قال تعالى :
(وكذلك جعلناكم أمة
وسطاً)(25) .

(شجرة
زيتونة لا شرقية ولا غربية)(26) .

(لن
يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً)(27) .

10 ـ ويتميز المجتمع الاسلامي عما سواه بأصالته
الفكرية وقدرته السياسية والعسكرية وفي كل مجال من مجالات الصراع الدولي
والاجتماعي ، قال تعالى : (لتكونوا شهداء على الناس)(28) .

11 ـ إن الارضية التي يوجدها النظام الاسلامي تسير
بالمجتمع الاسلامي نحو قمم الابداع والابتكار واستنفار كل الطاقات الخيرة
والاستعدادات الكامنة واستثمارها في طريق الخير والهدى والكمال .

12 و 13ـ ويتميز المجتمع الاسلامي بفاعليته ونشاطه
وانفتاحه على المجتمعات الاخرى لما يتميّز به النظام من اسس منطقية وعلمية رصينة
ولما يدعو إليه من السير نحو الاحسن والاكمل ، قال اللّه تعالى :(الذين يستمعون
القول فيتبعون أحسنه اولئك الذين هداهم اللّه واولئك هم اولوا الالباب)(29) .

14 ـ ويتصف المجتمع الاسلامي بصفات الانفاق والايثار
والكرم قال تعالى : (ومما رزقناهم ينفقون)(30) .

(ويؤثرون
على انفسهم ولو كان بهم خصاصة)(31) .

(وللّه
العزة ولرسوله وللمؤمنين)(32) .

16 ـ وهو مجتمع لا يحابي ولا يداهن على حساب الاهداف
العليا ولا يتنازل عن الشريعة الالهية رغم قساوة الظروف ، فهو شديد على اعداء
اللّه واعدائه بالرغم من تماسكه وتراحمه فيما بينه . قال تعالى :
(اشداء على الكفار
رحماء بينهم)(33) .

17 ـ وهو مجتمع مجاهد على طول الخط لاعلاء كلمة اللّه
ولتحقيق السلم الحقيقي قال تعالى : (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله للّه)(34) ،
(يا أيها الذين
آمنوا ادخلوا في السلم كافة)(35).

18 ـ إنه مجتمع حريص على سعادة الانسانية وحرّيتها
ومسؤول عن كرامتها وعزتها باعتباره مجتمعاً شاهداً وشهيداً على غيره فهو القدوة
التي اُوكلت لها مهمة تحقيق سعادة الانسانية من خلال رفع الاغلال والموانع الفكرية
أو السياسية التي تحول بينها وبين الهداية الالهية والمتطلبات الفطرية والحاجات
الحقيقية .

النظم
الاسلامية

عناصر النظام الاجتماعي الاسلامي

يتكفّل النظام الاجتماعي الاسلامي تنظيم وتقنين
العلاقات الاجتماعية فهو الذي يحدد نوع العلاقة المطلوبة بين اطراف العلاقة في
المجتمع .

واتضح مما سبق(36) أن اطراف
العلاقة ، بحسب الرؤية الاسلامية هي: (اللّه والانسان والطبيعة) . فالانسان له علاقة
بربّه ومالكه وصاحب الامر والنهي في وجوده ، ولابد للنظام الاسلامي أن يلاحظ هذه
العلاقة التي هي الاساس الاول لسائر العلاقات الاجتماعية كما أوضحناه في مفهوم
الخلافة والاستخلاف والاستئمان الذي طرحه القرآن الكريم وبيّن أبعاده ، وإليه يشير
ما جاء في رسالة الحقوق للامام زين العابدين(عليه
السلام) حيث قال : «اعلم رحمك اللّه
أن عليك حقوقاً محيطةً بك ، في كل حركة تحركتها أو سكنة سكنتها ، أو منزلة نزلتها
، أو جارحة قلّبتها ، وآلة تصرّفت بها ، بعضها اكبر من بعض» .

«واكبر حقوق اللّه
عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقّه الذي هو أصل الحقوق ومنه تفرّع» .

وعلى هذا الاساس تتضح وتتحدد أنواع العلاقة المطلوبة
فيما بين الانسان ونفسه . وهذه هي النقطة المهمة التي أغفلتها سائر الانظمة ولم
تُعِر لها أيّة أهمية بينما اعتنت بها الشريعة الاسلامية أيّما اعتناء .

فالانسان مسؤول عن نفسه أمام ربه ، كما هو مسؤول عن
مجتمعه وبني نوعه أو أية نعمة أنعم اللّه بها عليه في هذه الحياة .

قال تعالى : (إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولاً)(37) .

وقال : (لتسئلنَّ يومئذ عن النعيم)(38) .

وجاء في الحديث الشريف : أن الانسان يُسأل في يوم
القيامة عن امور : «عن عمره فيما
افناه، وعن شبابه فيما ابلاه وعن
ماله من اين اكتسبه وأين صرفه وعن حبّه لاهل البيت(عليه
السلام)»(39) .

وباعتبار تعدد اطراف العلاقة الاجتماعية تتعدّد
المجالات ويكون لكل مجال نظام يخصه . ففيما يرتبط بتنظيم علاقة الانسان بالطبيعة
والاموال يلزم البحث عن النظام الاقتصادي وفيما يرتبط بعلاقة الانسان بالانسان ،
تتعدّد الانظمة باعتبار الحيثية المختلفة فعلاقة الحاكم بالمحكومين والقائد
بالمقودين حينما يراد تنظيمها يأتي البحث عن النظام السياسي ، ونظام الحكم والادارة
. وباعتبار علاقة الفرد بأرحامه يأتي البحث عن العائلة ونظام الاسرة وباعتبار حاجة
الانسان إلى المعرفة ومصادر التشريع يأتي البحث عن الدين والنظام التعليمي أو
النظام الثقافي .

والمفردات الخمسة التي تكوّن بمجموعها النظام
الاجتماعي ومنه تتفرّع سائر المفردات هي:

1 ـ الدين .
2 ـ الثقافة .
3 ـ الحكم .
4 ـ الاقتصاد .
5 ـ الاسرة .

وقد اعتاد الباحثون الاجتماعيون على البدء باصغر
المفردات أو أقلها عبئاً وإثارةً وهي العائلة والاسرة فقدّموا بحثها ثم ينتهون إلى
الاقتصاد فالحكم فالثقافة فالدين .

ولكن المفروض أن يبدأ البحث من الاساس ومن ما هو أوسع
وأشمل لتتحدّد أنواع العلاقات وتترتّب بشكل منطقي . فالمفروض اذن أن يبدأ البحث
بالثقافة التي تعتبر هي المصدر لكل الانظمة المذكورة أو يبدأ البحث بالدين
باعتباره أحد مصادر الثقافة أو أهمها في المنظار الاسلامي .

الدين
ونظامه
والنقاط التي تستحق البحث هي :

1 ـ تعريف الدين .

2 ـ اهدافه .

3 ـ مجالاته .

4 ـ مصادره .

5 ـ كيفية تحصيله .

6 ـ خصائصه وسماته .

7 ـ مصادر البحث عنه .

1 ـ الدين ـ بالمصطلح القرآني ـ هو الهدي الالهي
والثقافة الربانية للبشرية . والتي لا بديل لها ولا مثيل لها . قال تعالى :
(قلنا اهبطوا منها
جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(40) وقال تعالى :
(اولئك الذين هدى
اللّه فبهداهم اقتده)(41) .

وقال تعالى : (قل إن هدى اللّه هو الهدى)(42) ، وقال أيضاً :
(من يهد اللّه فهو
المهتدي)(43).

2 ـ وظيفة الدين وهدفه انتشال الانسان من الخسران
والشقاء . قال تعالى (إن الانسان لفي خسر إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات
...)(44). ويتمثل ذلك في
اخراجه من الظلمات إلى النور بإذن اللّه وتخليصه من كل خوف وحزن يطرأ على الانسان
نتيجة الضلال والانحراف عن المسيرة الطبيعية للانسان نحو الكمال .

فالدين بتقديمه الثقافة المطلوبة والمعرفة اللازمة
للانسان يسير بالانسان نحو الكمال عبر قيادة معصومة توصل إليه المعرفة الالهية
بشكل مأمون وتساعده في تطبيق احكام الدين بالشكل اللائق بالانسان .

فالدين يقوم بالهداية والارشاد المتمثل في تربية
ربانية للانسان الذي ربّاه اللّه بيديه وعلى عينه ، قال تعالى لموسى(عليه السلام) :
(ولتصنع على عيني)(45) .

وقال تعالى : (قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين يهدي به اللّه من
اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور باذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)(46) .

3 ـ إن الثقافة الوضعية تختزل الدين وتحدّد مجالاته
وتلخّصه في علاقة بسيطة وجزئية بين الانسان وربه ولا تشغل أي مجال من مجالات حياته
سوى بعض الطقوس التي يقوم بها الانسان في بعض الاوقات أو في بعض الامكنة .

لكنّ الدين بالمنظار القرآني يملا كل مجالات حياة
الانسان ويرتبط بكل شؤونه ويحدد له كل علاقاته الاجتماعية والفردية فيما 4بينه
وبين ربه وفيما بينه وبين نفسه وفيما بينه وبين ما يحيط به من كائنات .

ولا تجد مجالاً لا يُدلي فيه الدين برأيه ، بل يعتبر
الدين علاقة الانسان بربّه أساس العلاقات كلّها ، وذلك لان اللّه هو الخالق والرب
والحاكم والقيوم الذي منه تُستمد المعرفة والشريعة والنظام .

فعلاقة اللّه بمخلوقاته هي أعمق العلاقات وأوسعها من
حيث المساحة . ولا يوجد مجال يمكن أن يشذ عن هذه العلاقة بل الانسان مسؤول أمام
ربه بالنسبة لكل شيء يحيط به أو يرتبط به .

4 ـ والدين ـ في المنظار القرآني ـ له مصدر واحد وهو
اللّه سبحانه وتعالى ولا يصلح غيره لان يقدّم للانسان الدين الذي هو منهاج الحياة .

قال تعالى : (شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً ... والذي اوحينا
إليك)(47) .

وقال تعالى : (قل أاللّه اذن لكم أم على اللّه تفترون)(48).

فما لم يأذن به اللّه يكون بدعة وافتراءً عليه . كما
قال أيضاً : (قل
إن هدى اللّه هو الهدى)(49).

وقد جعل اللّه (القرآن) مصدراً مأموناً وجامعاً لهديه
الذي جاء به خاتم الانبياء(صلى الله عليه وآله) وقد
ارجع القرآن الكريم المسلمين جميعاً لاخذ تفاصيل هذه الشريعة إلى رسوله والذين
عندهم علم الكتاب .

قال تعالى : (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)(50) .

وقال تعالى : (فاسألوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)(51) .

5 ـ ولكيفية استحصال احكام الدين من مصادره فن خاص
وأدوات خاصّة تكفّل بها علم اصول الفقه ، ويمارس الفقهاء عملية استخلاص الشريعة
باصولها وفروعها من كتاب اللّه وسنة رسوله وأهل بيته ويتجلّى بعض جهدهم في رسائلهم
العملية .

وتنقسم احكام الدين وقوانينه إلى أحكام ضرورية ومسلمة
عند المسلمين لا حاجة للتقليد فيها واحكام اجتهادية غير ضرورية لابدّ للانسان أن
يتخصص فيها ويجتهد لتحصيلها أو يكتفي بالتقليد ممن هو متخصص فيها .

6 ـ وأمّا خصائص الدين الاسلامي وسماته ، فقد قال
تعالى عنها : (فاقم
وجهك للدين حنيفاً فطرة اللّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدين
القيّم)(52) .

فالاسلام دين الفطرة . وهو ما تتطلبه طبيعة الانسان
وفطرته من رؤى وأحكام وتعاليم ومعارف ، وهو الدين القيّم على سائر الاديان ولاناسخ
لتعاليمه بل هو الخاتم لسائر الشرايع .

ويتميّز بكونه شاملاً لجميع جوانب الحياة الانسانية ،
كما يتميز بعالميته ، قال تعالى : (هدىً للعالمين)(53) فهو للناس جميعاً
وعلى مدى العصور (لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)(54). فهو رباني
ومصدره هو اللّه تعالى ، أوحاه عن طريق جبرئيل وهو أمينه إلى رسوله الامين . فهو
الدين الحق الذي يأخذ واقع الانسان بنظر الاعتبار ويسير به نحو المُثُل العليا
التي ينبغي للانسان أن يتسلق سلّم الوجود باتجاهها في هذه الحياة الدنيا ، فهو دين
واقعي مثالي (نموذجي) انساني . قادر على إسعاف حاجات الانسان كلّما تطوّرت الحياة
وكلما تكامل الانسان اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً .

ويؤكد الدين الاسلامي على الاخلاق كرصيد أساسي لكل
أحكامه وينظّم حياة البشرية أكمل تنظيم بحيث يجعل الانسان في حركة دائمة متطوّرة
نحو المبدع العظيم والكمال المطلق سبحانه وتعالى .

7 ـ ويمكن مراجعة المصادر التالية لاستكمال الرؤية عن
الدين :

أ ـ الاسلام يقود الحياة : ج 4 و 5 ، الشهيد الصدر .

ب ـ الاسلام : ينابيعه ، مناهجه ، غاياته ، محمد امين
زين الدين .

جـ ـ الدين / القرآن ، د . محمد عبد اللّه درّاز .

د ـ الحياة جـ 1 و 2 (لايدولوجية الالهية + القرآن) .

هـ ـ ميزان الحكمة (الدين + الاسلام) .

و ـ المرسل الرسول الرسالة ، الشهيد الصدر .

الثقافة والنظام الثقافي
ويقع البحث في النقاط التالية :

1 ـ تعريف الثقافة .

2 ـ الاهداف الثقافية في الاسلام .

3 ـ المجالات الاولى للثقافة الاسلامية .

4 ـ المصادر الاولى للثقافة الاسلامية .

5 ـ كيفية الحصول على الثقافة الاسلامية من مصادرها .

6 ـ مبادئ الثقافة الاسلامية وخصائصها .

7 ـ مصادر البحث عن الثقافة الاسلامية ونظام التعليم
والتربية في الاسلام .

1 ـ تعريف الثقافة : تمثل الثقافة الخطوط التفصيلية
للمضمون العقائدي والاخلاقي للمجتمع . فالثقافة توحّد اهداف أبناء المجتمع كما
توحّد مسارهم ومواقفهم ، فعليها يرتكز البناء الاجتماعي سياسياً واقتصادياً
وأمنياً .

وللمنهج الثقافي دور مهم في ترسيخ الثقافة ونجاحها في
تحقيق أهدافها .

2 ـ تستهدف الثقافة الاسلامية تنشيط العقل الانساني
وتنمية روحه وملكاته الاخلاقية وسلوكه وكل نشاطه باتجاه الكمال الانساني اللائق به
.

فالثقافة هي العنصر الاول والاساس في تغيير الفرد
والمجتمع معاً.

3 ـ تستوعب الثقافة الاسلامية كل مجالات الحياة
باعتبار أن الاسلام دين يهتم بكل جوانب الحياة الانسانية . وإنما يتم ذلك عن طريق
رسم المعالم المطلوبة في كل مجال وتثقيف الانسان المسلم والمجتمع على ما يريده
الاسلام في كل مجال من مجالات الحياة .

ولم يحدد الاسلام التثقيف بزمان خاص أو مكان خاص بل
دعا كل المسلمين إلى التعلم والتثقّف قائلاً :
«طلب
العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، واطلبو العلم ولو بالصين ، والحكمة ضالة المؤمنن
يأخذها أينما وجدها ، واطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»(55) .

وقال اللّه تعالى مبيّناً فضيلة العلم والمعرفة :

1 ـ (يرفع اللّه الذين آمنوا منكم والذين اوتو العلم درجات)(56) .

2 ـ (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)(57) .

3 ـ (بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم)(58) .

4 ـ (إنما يخشى اللّه من عباده العلماء)(59).

وورد عن رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) أنه قال :

1 ـ «أقرب الناس من
درجة النبوة اهل العلم والجهاد».

2 ـ «من أراد الدنيا
فعليه بالعلم ومن أراد الاخرة فعليه بالعلم ، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم»(60).

وقد جمع الاسلام بين العلم والعبادة بل جعل العلم
طريقاً للعبادة ، كما جمع بينهما بأن جعل طلب العلم من افضل أقسام العبادة ، كما
جعل المسجد ومحل العبادة المركز الاول لطلب العلم ونشره .

بل نجد أنّ القرآن الكريم ومعجزة الرسول الخالدة معجزة
علميّة ثقافية ، ولا أدل على اهتمام الاسلام بالثقافة من هذه المعجزة التي جاءت
بثقافة جديدة للبشرية وهي معجزة خالدة حتى يومنا هذا ، ذات معين لا ينضب وعطاء لا
ينقطع .

وقد تكرم اللّه على البشرية بتقديم منهاج ثقافي يستوعب
البشرية ومراحل تطورها وتكاملها ويقوم بتطويرها وترشيد حركتها إلى اللّه سبحانه
وتعالى تطويراً لا يقف عند حد. قال تعالى لرسوله الكريم :
(وقل ربّ زدني
علماً)(61) ، وقال أيضاً :
(وفوق كل ذي علم
عليم)(62) .

4 ـ إن الدين الاسلامي باعتبار كماله وجامعيته يقدم للانسانية
كل ما تحتاجه من الثقافة ، فمصادر الثقافة الاسلامية إذن هي الكتاب المبين والسنّة
النبوية الشريفة المستمدّين من الوحي إلالهي . قال تعالى :
(قل إنّ هدى اللّه
هو الهدى)(63) ، وقال تعالى
لرسوله الكريم : (ولئن اتبعت
اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من اللّه من وليّ ولا(64) نصير) .

ويؤكد الاسلام على ضرورة الاستهداء بالهدي الرباني ،
فقد جاء في تفسير قوله تعالى : (فلينظر الانسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبّاً)(65): أن الانسان عليه
أن ينظر إلى علمه ، عمّن يأخذه ، ولا علم إلاّ من عالم رباني .

5 ـ وقد حثّ القرآن الكريم على تحصيل العلم ،
والاجتهاد في تحصيله ، وعبّر عن ذلك بالتفقه وهو الفهم والوعي والتدقيق الكافي في
مصادر الثقافة الاسلامية وتجلّت هذه الحقيقة في صريح قوله تعالى :
(وما كان المؤمنون
لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين ولينذروا قومهم
إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون)(66).

وللتفقه في الدين منهج علمي حدّدت معالمه آيات الكتاب
الحكيم ونصوص السنة الشريفة .

وقد عمل الائمة من أهل البيت(عليهم
السلام) على إرساء دعائم هذ المنهج الرباني الفريد في المجتمع الاسلامي من
خلال تربيتهم للفقهاء والعلماء والمفسرين ، وشقّت النظرية القرآنية طريقها إلى
الحياة وتبلورت في تيار ثقافي ومعرفي عرف بمدرسة اهل البيت(عليهم السلام).

وتمتاز هذه المدرسة الثقافية باعطاء العقل دوراً
فاعلاً في العملية الثقافية إلى جانب استجلاء نصوص الوحي واستخراج درره الكامنة
كما جاء بيان ذلك في الحديث الشريف : «بالعقل استخرج
غور الحكمة وبالحكمة استخرج غور العقل» .

وتبتني الثقافة الاسلامية على الهداية أولاً وتركّز
على الاهداف التربوية التي تركِّز القيم الاخلاقية الايجابية في الوجود الانساني
فرداً ومجتمعاً ، كما تبتني على إعطاء العقل دوراً متميزاً وجديراً به ، بالاضافة
إلى الموضوعية والنزاهة في البحث عن الحقيقة والركون إلى الحق في المعتقد والسلوك
، كما تجلّت هذه الحقيقة في الحديث الشريف القائل :
«تواضع
للحق تكن أعقل الناس» .

ومن هنا يربط الاسلام بين التعليم والتزكية كما يربط
بين التزكية والتعليم ، فالعلم المقبول والمفيد والنافع شأنه تربية الانسان وترشيد
حركته باتجاه الصراط المستقيم ، كما أن حركة الانسان في الطريق السوي تؤدي إلى
تكامل المعرفة الانسانية وتناميها قال تعالى :
(واتقوا اللّه ويعلّمكم اللّه)(67).

وقال أيضاً :(ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً)(68) ، وجاء هذا
المعنى في الادب المنظوم :

لو كان للعلم من دون التُقى شرفٌ
لكان أشرف خلقِ اللّه
ابليس

فالثقافة الاسلامية ذات سمة ربانية ، بالاضافة إلى
سمات اُخرى هي : الواقعية ، الانسانية ، الموضوعية ، القيمية (الاخلاقية) ،
الهدفية ، النمو والتكامل المستمر باتجاه المصدر الوحيد للعلم والمعرفة وهو اللّه
سبحانه وتعالى الذي علّم الانسان ما لم يعلم .

وقد خصّصت كتب الحديث أبواباً عديدة ترتبط بالمسألة
الثقافية مثل باب العقل وباب العلم ، بالاضافة إلى أن المحتوى الذي تضمّنته كتب
الحديث يشكل المحتوى الثقافي للمجتمع الاسلامي فضلاً عن ما احتواه القرآن الكريم
من حقائق في المنهج والمضمون المعرفي بالاضافة إلى المنهج التربوي والمضمون
التربوي .

7 ـ راجع للتوسع كتاب الحياة الجزآن الاول والثاني :
مباحث المعرفة والعقيدة والقرآن الكريم ، وراجع أيضاً النظام التربوي في الاسلام
للاستاذ باقر شريف القرشي ، وراجع ميزان الحكمة : المفردات التالية : العقل والعلم
والمعرفة .

نظام الحكم والادارة في الاسلام

أطروحة
البحث :

تمهيد : يتضمن تاريخ الدولة
وسر الحاجة إلى الحكم .

ثمّ البحث عن :

اركان النظام الخمسة : الحكم . القانون . الحاكم .
الجهاز الاداري . الامة كما يلي :

1
ـ الحكم في الاسلام :

1 ـ حقيقته . 2 ـ مصدره . 3 ـ اهدافه . 4 ـ شكله . 5 ـ
مجالاته 6ـمبادؤه وركائزه .
7 ـ خصائصه .

2
ـ القانون الاسلامي :

1 ـ مصدره . 2 ـ خصائصه . 3 ـ مجالاته .

3
ـ الحاكم الاسلامي :

1 ـ سماته وصفاته . 2 ـ كيفية تعيينه . 3 ـ صلاحياته .
4 ـ واجباته.

5 ـ حقوقه .

4
ـ الجهاز الاداري الاسلامي :

1 ـ شكله واجزاؤه . 2 ـ صفات اعضائه . 3 ـ صلاحياتهم .
4ـواجباتهم . 5 ـ
حقوقهم .

5
ـ الامة المسلمة :

1 ـ علاقتها بالحاكم والجهاز الاداري . 2 ـ واجباتها .
3 ـ حقوقها .

نظام
الحكم والادارة في الاسلام

تمهيد : «الدولة ظاهرة
اجتماعية اصيلة في حياة الانسان ، وقد نشأت هذه الظاهرة على يد الانبياء ورسالات
السماء واتخذت صيغتها السوية ومارست دورها السليم في قيادة المجتمع الانساني
وتوجيهه من خلال ما حققه الانبياء في هذا المجال من تنظيم اجتماعي قائم على اساس
الحق والعدل يستهدف الحفاظ على وحدة البشرية وتطوير نموها في مسارها الصحيح»(69)
.

قال اللّه تعالى : (كان الناس أمة واحدة فبعث اللّه النبيين مبشرين
ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفو فيه)(70).

«واستطاع خاتم الانبياء(صلى
الله عليه وآله) أن يتوج جهود سلفه الطاهر باقامة انظف واطهر دولة في
التاريخ شكلت بحق منعطفاً عظيماً في تاريخ الانسان وجسّدت مبادئ الدولة الصالحة
تجسيداً كاملاً ورائعاً»(71).

وتتكون الدولة من مجموعة من العناصر هي :

1 ـ نظام الحكم .

2 ـ الجهاز الحاكم .

3 ـ الشعب .

4 ـ الارض التي يعيش عليها الشعب ويطبّق فيها نظام
الحكم .

ويتقوّم نظام الحكم بالقانون الذي يراد تطبيقه بواسطة
الجهاز الحاكم ، ويتكفل القانون تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين من خلال
تحديد الواجبات والحقوق لكل منهم .

ولمعرفة نظام الحكم في الاسلام يلزم البحث عن نفس
الحكم في الاسلام ثم البحث عن القانون الاسلامي ثم البحث عن الحاكم والجهاز
الاداري الذي يتكوّن من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية ، ثم
البحث عن الامة أو الشعب الذي يراد تحكيم النظام في حقه .

الحكم

في الاسلام

1 ـ حقيقته : يعتبر الحكم
مسؤولية الهية جعلها اللّه على عاتق الانسان الذي نصبه اللّه لهذه المهمة بما
اعطاه من حق الحكم أي حق الامر والنهي في المجتمع . نيابةً عنه تعالى . ولهذا أسبغ
عليها مصطلح (الخلافة) .

والحكم بالمفهوم الاسلامي أمانة الهية ووظيفة ربانية
يجب فيها مراعاة الاهداف التي عيّنها اللّه تعالى لها .

قال تعالى : (واذ قال ربّك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة)(72) .

وقال أيضاً : (إنا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فأبين
أن يحملنها وحملها الانسان)(73) .

وقال تعالى : (يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس
بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه)(74) .

وقال مخاطباً رسوله الامين محمد(صلى الله عليه وآله) :
(لتحكم بين الناس بما أراك اللّه) .

وإذا كان الحكم الاسلامي متقوّماً بالخلافة والنيابة
عن اللّه الذي هو صاحب الحق المطلق في الحكم على الانسان ، وكان القانون الالهي هو
القانون الذي بيّنه اللّه لرسله وأراد منهم تطبيقه ، صحّ أن يقال : إن الحكم في
الاسلام منصب الهي ، وتفويض رباني يتقوّم بمهمة ومسؤولية تطبيق القانون الالهي ،
فالحاكمية هي حاكمية القانون قبل حكومة الاشخاص بل هي حكومة القيم باعتبار أن
القوانين الالهية تعبّر عن المسارات المحدّدة والمنطقية للقيم الالهية .

2 ـ إذن مصدر الحكم أو مصدر السلطة في الاسلام هو
اللّه المالك الحقيقي للانسان وشؤونه . «وهذه الحقيقة الكبرى تعتبر أعظم ثورة
شنّها الانبياء ومارسوها في معركتهم من أجل تحرير الانسان من عبودية الانسان .
وتعني هذه الحقيقة أن الانسان حر ولا سيادة لانسان آخر أو لطبقة أو لايّ مجموعة
بشرية عليه ، وإنما السيادة للّه وحده ، وبهذا يوضع حدّ نهائي لكل ألوان التحكّم
وأشكال الاستغلال وسيطرة الانسان على الانسان»(75).

عن الحق الالهي الذي استغله الطغاة والملوك والجبابرة
قروناً من الزمن للتحكم والسيطرة على الاخرين فإن هؤلاء وضعوا السيادة إسمياً للّه
لكي يحكروها واقعياً وينصبوا من انفسهم خلفاء للّه على الارض»(76).

«وأما الانبياء والسائرون في موكب التحرير الذي قاده
هؤلاء الانبياء والامناء من خلفائهم وقواعدهم فقد آمنوا بهذه السيادة وحرّروا بها
أنفسهم والانسانية من اُلوهية الانسان بكل اشكالها المزوّرة على مرّ التاريخ لانهم
اعطوا لهذه الحقيقة مدلولها الموضوعي المحدد المتمثل في الشريعة النازلة بالوحي من
السماء فلم يعد بالامكان أن تستغل لتكريس سلطة فرد أو عائلة أو طبقة بوصفها سلطة
الهية»(77)
.

3 ـ إن أهداف الحكم في الاسلام هي الاهداف التي خُلق
الانسان من اجلها وبُعث الانبياء من اجل ضمان تحقيقها .

وقد عبّر القرآن عنها في عدة آيات كريمة ، منها :

أ ـ قوله تعالى : (هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم احسن عملا)(78) .

ب ـ وقوله تعالى : (وما خلقت الجن والانس إلاّ ليعبدون)(79) .

جـ ـ وقوله تعالى :(هو الذي بعث في الاُميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)(80) .

د ـ وقوله تعالى : (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين
كله)(81).

هـ ـ وقوله تعالى : (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله للّه)(82) .

و ـ وقوله تعالى : (قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين يهدي به اللّه من
اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور باذنه ويهديهم إلى صراط
مستقيم)(83) .

ز ـ وقوله تعالى : (وعد اللّه الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات
ليستخلفنّهم في الارض وليمكنّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم
أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً)(84).

ح ـ وقوله تعالى : (الذين إن مكّناهم في الارض اقاموا الصلاة وآتوا الزكاة
وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر)(85) .

طـ ـ وقوله تعالى : (هو انشأكم من الارض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا
إليه)(86) .

إذن عمارة الارض اجتماعياً وطبيعياً من خلال التعبّد
المطلق للّه على اساس الهدى الرباني والدين الحق الذي يتكفّل السعادة الواقعية
للانسانية هي عصارة اهداف الحكم الاسلامي بلا ريب .

4 ـ واما شكل الحكم الاسلامي فليس استبدادياً ولا
ديمقراطياً وإنما يحمل ضمانات تصون الحاكم من الحكم بحسب الهوى ، ويتقيد بالقانون
على اروع وجه ; لان الشريعة تسيطر على الحاكم والمحكومين على حدّ سواء .

والحكومة الاسلامية ترفض النظام الملكي كما ترفض
الحكومة الفردية بكل اشكالها وترفض الحكومة الارستقراطية وتختلف عن الحكومة
الديمقراطية كما أنها تطرح شكلاً موضوعياً تتوافر فيه ضمانات عدم الانحراف حتى في
حالة غياب المعصوم ووصول الحكم شرعاً إلى الفقيه الكفوء الجامع للشرائط(87)
.

5 ـ وتتلخص وظيفة الدولة في تطبيق شريعة السماء التي
وازنت بين الفرد والمجتمع وحمت المجتمع بقدر ما يعبّر عن افراد وما يضمّ من جماهير
تتطلب الحماية والرعاية .

فالدولة الاسلامية ترفض المذهب الفردي كما ترفض المذهب
الاشتراكي والشيوعي على حد سواء .

إن الشريعة الاسلامية باعتبار شمولها واستيعابها لكل
جوانب حياة الانسان (الفرد والمجتمع) تتطلب سعة مجالات الحكم وشمولها شمولاً
يتناسب مع شمول الشريعة وسعتها . ومن هنا كانت الحكومة الاسلامية مسؤولة عن سلامة
افرادها روحاً وجسماً ، فهي مسؤولة عن سلامة العقيدة وسلامة الخُلُق وسلامة السلوك
بالاضافة الى سلامة الجسم اللازم توفيرها لابناء المجتمع .

ومن هنا كان الحكم بما انزل اللّه تعالى واجباً ، والتفريط
ببعض ما انزل اللّه محظوراً ، ويجب الحذر منه ، قال تعالى مخاطباً رسوله الامين :
(وان احكم بينهم
بما انزل اللّه ولا تتبع اهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما انزل اللّه إليك)(88) .

استظهر الشهيد الصدر سعة المجالات للحكم الاسلامي من
آية الاستخلاف بقوله : «واستخلاف كل ما للمستخلِف سبحانه وتعالى من اشياء تعود
إليه وهو رب الارض وخيرات الارض ورب الانسان والحيوان وكل دابة تنتشر في ارجاء
الكون الفسيح . وهذا يعني أن خليفة اللّه في الارض مستخلف على كل هذه الاشياء ،
ومن هنا كانت الخلافة في القرآن اساساً للحكم ، وكان الحكم بين الناس متفرّعاً على
جعل الخلافة كما يلاحظ في المقطع الاخير(89) ، وهو قوله تعالى
: (ياداود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق)(90).

أما ركائز الحكم الاسلامي ومبادؤه فيمكن استلهامها من
مفهوم الاستخلاف بمعناه الواسع الذي اشير إليه ; وذلك لان عملية الاستخلاف
والاستنابة تعني :

أولاً ـ انتماء الجماعة
البشرية إلى محور واحد وهو المستخلف بدلاً عن الانتماءات الاخرى ، والايمان بسيّد
واحد ومالك واحد للكون وكل ما فيه ، وهذا هو التوحيد الخالص الذي قام على اساسه
الاسلام وحملت لواءه كل ثورات الانبياء تحت شعار لا إله إلاّ اللّه .

ثانياً ـ اقامة العلاقات
الاجتماعية على اساس العبودية المخلصة للّه وتحرير الانسان من عبودية الاسماء التي
تمثّل الوان الاستغلال والجهل والطاغوت .

ثالثاً ـ تجسيد روح الاخوة
العامة في كل العلاقات الاجتماعية بعد محو الوان الاستغلال والتسلط ، فمادام اللّه
سبحانه وتعالى واحداً أو لا سيادة إلاّ له ، والناس جميعاً عباده ومتساوون بالنسبة
إليه فمن الطبيعي أن يكونوا اخوةً متكافئين في الكرامة الانسانية والحقوق كأسنان
المشط . ولا تفاضل ولا تمييز في الحقوق الانسانية . ولا يقوم التفاضل عند اللّه
إلاّ على اساس العمل الصالح تقوىً أو علماً أو جهاداً» .

رابعاً ـ إن الخلافة
استئمان ، والامانة تفترض المسؤولية والاحساس بالواجب ، إذ بدون ادراك الكائن أنه
مسؤول لا يمكن أن ينهض باعباء الامانة أو يختار لممارسة دور الخلافة .

والمسؤولية علاقة ذات حدّين : فهي من ناحية تعني
الارتباط والتقيّد ... ولهذا فهي غير مخوّلة أن تحكم بهواها أو باجتهادها المنفصل
عن توجيه اللّه سبحانه ... وإنما تحكم بالحق وتؤدي إلى اللّه أمانته بتطبيق احكامه
على عباده وبلاده ، وبهذا تتميز خلافة الجماعة بمفهومها القرآني والاسلامي عن حكم
الجماعة في الانظمة الديمقراطية الغربية ، فإن الجماعة في هذه الانظمة هي صاحبة
السيادة ولا تنوب عن اللّه في ممارستها ويترتب على ذلك أنها غير مسؤولة بين يدي
احد وغير ملزمة بمقياس موضوعي في الحكم . بل يكفي أن تتفق على شيء ولو كان هذا
الشيء مخالفاً لمصلحتها ولكرامتها عموماً أو مخالفاً لمصلحة جزء من الجماعة
وكرامته مادام هذا الجزء قد تنازل عن مصلحته وكرامته ، وعلى العكس من ذلك حكم
الجماعة القائم على اساس الاستخلاف فإنه حكم مسؤول ، والجماعة فيه ملزمة بتطبيق
الحق والعدل ورفض الظلم والطغيان وليست مخيرة بين هذا وذاك ، حتى ان القرآن الكريم
ليسمّي الجماعة التي تقبل بالظلم وتستسيغ السكوت عن الطغيان بأنها ظالمة لنفسها
ويعتبرها مسؤولة عن هذا الظلم ومطالبة برفضه ولو بالهجرة إذا تعذّر التغيير .

وتعني المسؤولية من ناحية اخرى أن الانسان كائن حر اذ
بدون الاختيار والحرية لا معنى للمسؤولية(91) .
«والكائن الحر المختار بامكانه أن يصلح وبامكانه أن
يفسد ايضاً ومن هنا جعل اللّه للانسان شكلاً آخر للرعاية والهداية وهو خط الشهادة
الذي يسير إلى جانب خط الخلافة والذي يمثّل القيادة الربانية والتوجيه الرباني على
الارض من خلال التعليم والتنمية المترتبة عليه .

قال تعالى : (قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينّكم منّي هدى فمن
تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(92) .

إذن هذه الركائز هي : التوحيد والعبودية والاخوة
والمسؤلية والحرية والهداية المباشرة على يد الانبياء والائمة وخلفائهم .

7 ـ وعلى هذا الاساس يمكن تلخيص مجموعة الخصائص التي
يتميز بها الحكم الاسلامي عما سواه بما يلي .

أ ـ الحكم الاسلامي مسؤولية وليس طعمة .

ب ـ وهو وسيلة للارتقاء المعنوي في الاخرة وامتحان
وابتلاء رباني وسبب من اسباب نيل الفضائل وليس هو هدفاً في هذه الحياة الدنيا .

جـ ـ فالحكم حين يستهدف تربية الانسان الحاكم والمحكوم
معاً سوف يأخذ لون القيم الخيرة التي يراد تحقيقها من خلاله .

د ـ يتصف الحكم الاسلامي بأنه حكومة القانون أوالقيم
دون حكومة الاشخاص والاهواء(93).

هـ ـ يمتاز هذا الحكم عن النظامين الديمقراطي
والاشتراكي في الاهداف والمحتوى والاساليب والنتائج . ولا يكون الحكم اسلامياً
إلاّ إذا كانت الاهداف اسلامية والقانون الذي يطبّق اسلامياً والحاكم والجهاز
الاداري جامعاً للمواصفات والسمات المطلوبة اسلامياً وفي امة مسلمة تلتزم بالاسلام
ديناً للحياة .

القانون

الاسلامي (الشريعة الاسلامية)

1 ـ تتكفل الشريعة الاسلامية هداية الانسان في جميع
ابعاد وجوده ، ولهذا فهي تهتم بالفكر والعقيدة ، كما تهتمّ بالعاطفة والخُلق
والعمل والسلوك الفردي والاجتماعي بنحو يقنن للفكر والعاطفة والارادة نشاطها
وفعالياتها باتجاه الرشد والتكامل الواقعي الذي يمكن أن يبلغه الانسان في هذه
الحياة .

2 ـ «ومادام اللّه هو مصدر السلطات وكانت الشريعة هي
التعبير الموضوعي المحدّد عن اللّه تعالى ، فمن الطبيعي أن تحدّد الطريقة التي
تمارس بها هذه السلطات عن طريق الشريعة الاسلامية» .

قال تعالى :

أ ـ (إن الحكم إلاّ للّه أمر ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه ذلك
الدين القيم..)(94) .

ب ـ (ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فاولئك هم الكافرون)(95) .

جـ ـ (أفحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من اللّه حكماً لقوم
يؤقنون)(96) .

د ـ (ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع اهواء
الذين لا يعلمون)(97) .

3 ـ وتمتاز الشريعة الاسلامية بمميزات فريدة منها :

أ ـ أنها تقوم على اساس الحق اتساقاً مع نظام الكون ،
قال تعالى : (وبالحق
انزلناه وبالحق نزل)(98) .

ب ـ أنها تقوم على اساس العدل ، قال تعالى :
(إن اللّه يأمر
بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم
تذكّرون)(99) .

جـ ـ أنها تأخذ فطرة الانسان وكلّ واقعه واستعداداته
بنظر الاعتبار قال تعالى : (فاقم وجهك للدين حنيفاً فطرة اللّه التي فطر الناس
عليها)(100) . وقال تعالى :
(ألا يعلم من خلق
وهو اللطيف الخبير)(101) .

د ـ سموّ الاهداف ووضوحها فالشريعة الاسلامية تستهدف
من خلال قوانينها ايصال الانسان إلى آخر ما يمكن أن يصل إليه من اهداف ، قال تعالى
: (يا أيها الانسان
إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه)(102).

وقال : (وإن إلى ربّك المنتهى)(103) .

وتحاول الايات القرآنية أن تشير إلى الاهداف المتوخّاة
من التشريع والتقنين وبذلك تشير إلى فلسفة الاحكام من قريب أو بعيد . ونلاحظ أن
التقوى والطهارة والتسليم والتقرب إلى اللّه والفوز بلقائه قد ذكرت اهدافاً نهائية
أو مرحلية في الايات التشريعية المباركة .

وهذا التصريح للاهداف يبين لنا الروح الحاكمة على
الشريعة وعلى احكامها حيث يخرجها من حالة الجفاف الذي تتسم به كتب القانون عادةً.

و ـ ويمكن القول بصراحة أن الشريعة الاسلامية ذات
قوانين تطغى عليها القيم الخلقية أو أنها قد حدّدت القيم الاخلاقية في مسارب
وقنوات قانونية وبذلك تكون الشريعة قد لاحظت مجموعة الحقوق التي اعترفت بها للفرد
والمجتمع معاً ، فلم تفرّط في حق أو تزيغ عن جادة الصواب .

قال تعالى :(ولو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السموات والارض ومن فيهن)(104) .

وقال : (فلا تك من مرية منه إنه الحق من ربك ولكن اكثر الناس
لا يؤمنون)(105) .

و ـ ومن هنا فالشريعة الاسلامية تتسع لكل مجال من
مجالات الحياة فهي شاملة باحكامها لكل ما تحتاج البشرية في هذه الحياة بنحو تستحق
أن توصف بالكمال ، قال تعالى : (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم
الاسلام دينا)(106) .

ز ـ ولا تختص احكام الشريعة بعصر دون عصر ولا بمجتمع
دون مجتمع . قال تعالى واصفاً القرآن العظيم وما احتواه من تشريعات بأنه :
(هدىً للعالمين)(107) . وقال أيضاً :
(يا أيها الناس إني رسول اللّه إليكم جميعاً)(108) ، كما قال أيضاً
: (ولكن رسول اللّه
وخاتم النبيين)(109) . وجاء في الحديث
الشريف أن : «حلال محمد حلال إلى يوم
القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة»(110) .

ومن هنا فالشريعة الاسلامية قادرة على مسايرة العصور
وتقديم الحلول اللازمة لما يستجد من امور بما دعت إليه من انفتاح باب الاجتهاد
وضرورة الاجتهاد والتخصص في علوم الدين إلى مرتبة التفقه واستنباط الاحكام .

وعلى هذا الاساس قسمت الاحكام الشرعية إلى ثابتة
ومتغيرة كما اوضح ذلك استاذنا الصدر في اكثر من كتاب ومن هنا يلزم مراجعة ما كتبه
عن منطقة الفراغ لمن أراد التفصيل.

(111)

الحاكم
الاسلامي

بعد أن آمنّا بأن الحكم الاسلامي يستهدف تحقيق القيم
الايجابية العليا والملكات الانسانية الفضلى والصفات الكريمة في الحياة الفردية
والاجتماعية كان من الطبيعي أن يكون الامين على هذا النظام ـ والمسؤول عن تنفيذ
القوانين التي تصدّ عن المنكر وتؤدي إلى اقامة المعروف ـ شخصاً صالحاً لهذه المهمة
الكبرى .

وصلاح الحاكم يعني اتصافه بالعلم بالقانون وبالشكل
المطلوب وكيفية تطبيقه ، بالاضافة الى اتصافه بما يضمن العمل بعلمه وهو ما اصطلح
عليه بالعصمة عن الخطأ والانحراف أو بالعدالة التي تعني عدم الانحراف عمداً وإن
امكن الانحراف سهواً .

والكفاءة هي الشرط المكمّل أو المحقق للصلاح فالعلم
والعدالة أو التقوى قد لا يسلتزمان تحقق الاهداف وتطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً
إلاّ إذا كان الحاكم كفوءاً وقادراً على تحقيق سائر مستلزمات الحكم الصالح .

وباعتبار أننا نؤمن بأن الانبياء(عليهم السلام) هم القادة الذين اختارهم اللّه لابلاغ
رسالاته وتطبيقها وهم معصومون بطبيعة الحال وعالمون بمحتوى رسالاتهم وقد نصبهم
اللّه تعالى لهذه المهمة ، إذن فهم يمتلكون الكفاءة اللازمة في كل عصر .

فإذا كان العصر عصر النبي(صلى
الله عليه وآله) أو عصر الامام الذي هو امتداد رباني للنبي(صلى الله عليه وآله) للنص عليه كانت الشروط والصفات
اللازم توفرها في الحاكم الاسلامي هي :

1 العلم ، 2 ـ العصمة ، 3 ـ الكفاءة ، 4 ـ النصب الخاص
.

وفي عصر غيبة الامام المعصوم حيث تنتقل المهمة إلى
الفقهاء العدول تكون المواصفات اللازمة كما يلي : 1 ـ العلم والاجتهاد في فهم
احكام الدين، 2 ـ ملكة العدالة والتقوى
بدرجة جيدة ومتناسبة مع مقام القيادة العليا للدولة الاسلامية ، 3ـالكفاءة والنصب
العام .

ومن هنا كان التعيين تارة ربانياً محضاً وتارة ربانياً
بشرياً باعتبار ارجاع مهمّة تشخيص مصداق الفقيه الجامع للشرائط إلى عامة المؤمنين .

ومهمة النبي المعصوم تتلخص في تلقي الوحي الالهي
وابلاغه وتبيينه وتطبيقه في أُمة مؤمنة وحفظه عن الضياع ، وتكون مهمة الامام هي
مهمة النبي(صلى الله عليه وآله) ماعدا تلقي
الوحي وابلاغه .

وتتلخص مهمة الفقيه الجامع للشرائط في فهم الدين فهماً
صحيحاً وتبيينه للامة بشكل مطلوب ثم تطبيقه وحراسته من كيد المعتدين .

وللفقيه أن يتدخل في تعديل مسيرة الخلافة إذا وجد
انحرافاً لم يمكن قلعه إلاّ بذلك .

وعلى الحاكم الاسلامي أن يقوم بتوفير كل ما تحتاجه
الامة المسلمة في مجال صيرورتها أمة وسطاً وشعباً أمثل واسوة حسنة لسائر الشعوب والامم
.

وللحاكم أن يتدخل في شؤون الامة ولا سيما في المجالات
العامة . وله أن يتدخل في غير ذلك إذا قلنا بأن له الولاية المطلقة التي هي للامام
المعصوم والنبي المعصوم .

وحق الحاكم أن يُطاع ويُعان على أداء مهمته وذلك
بتقديم النصيحة والمشورة له وبالرقابة من خلال (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)
إذا لم يكن معصوماً .

وتجب على الناس بيعة الامام المعصوم وغير المعصوم ، إذ
الحاكم من حقه ألاّ يمارس عملاً في الامة إلاّ إذا احرز دعم الامة واستسلامها
لاوامره والقبول بولايته ; لئلاّ تذهب جهوده سدى ولئلاّ تصبح قراراته حبراً على
ورق .

وهكذا تتناسق وتتكامل حقوق وواجبات كلٍّ من الامام
والامة (الحاكم والمحكومين) في نظام شامل .

ويجدر بنا أن نجعل عهد الامام علي بن أبي طالب(عليه السلام) لمالك الاشتر حين ولاّه مصر ، نبراساً
للجهاز الاداري الامثل وواجباته في الدولة الاسلامية .


(1) القلم : 4 .

(2)الكهف : 29 .

(3) الحجرات : 13 .

(4) الحديد : 25 .

(5) المنافقون : 8 .

(6) التوبة : 33 .

(7) النساء : 141 .

(8) البقرة : 120 .

(9) الانعام : 88 .

(10) البقرة : 138 .

(11) الاعراف : 158 .

(12) آل عمران : 96 .

(13) الفرقان : 1 .

(14) التكوير : 28 .

(15) الملك : 14 .

(16) الانشقاق : 84 .

(17) آل عمران : 102 .

(18) العنكبوت : 64 .

(19) البقرة : 143 .

(20) آل عمران : 103 .

(21) الحجرات : 10 .

(22) الفتح : 29 .

(23) المعارج : 24 .

(24) المؤمنون : 4 .

(25) البقرة : 143 .

(26) النور : 35 .

(27) النساء : 141 .

(28) البقرة : 143 .

(29) الزمر : 18 .

(30) البقرة : 3 .

(31) الحشر : 9 .

(32) المنافقون : 8 .

(33) الفتح : 29 .

(34) الانفال : 39 .

(35) البقرة : 208 .

(36) سبق وأن أوضحنا ذلك في المدخل إلى النظام الاجتماعي الاسلامي; في العدد 25 من
رسالة الثقلين.

(37) الاسراء : 36 .

(38) التكاثر : 8 .

(39) حياة الامام زين العابدين للقرشي: 265 عن رسول اللّه(ص).

(40) البقرة : 38 .

(41) الانعام : 90 .

(42) البقرة : 120 .

(43) الاسراء : 97 .

(44) العصر : 2 .

(45) طه : 39 .

(46) المائدة: 15 ـ 16.

(47) الشورى : 13 .

(48) يونس : 59 .

(49) البقرة : 120 .

(50) الحشر : 7 .

(51) الانبياء : 7 .

(52) الروم : 30 .

(53) آل عمران : 96 .

(54) فصّلت : 42 .

(55) الكافي 1:3 .

(56) المجادلة : 11.

(57)الزمر : 9 .

(58) العنكبوت : 49 .

(59) فاطر : 28 .

(60) راجع النظام التربوي للقرشي: 155 .

(61) الكهف : 114 .

(62) يوسف : 76 .

(63) البقرة : 120 .

(64) البقرة : 120 .

(65) عبس : 25 .

(66) التوبة : 122 .

(67) البقرة : 282 .

(68) الطلاق : 2 .

(69) الاسلام يقود الحياة: 3ـ 4 .

(70) البقرة: 213.

(71) الاسلام يقود الحياة :5.

(72) البقرة : 30 .

(73) الاحزاب : 72 .

(74)ص : 26 .

(75) الاسلام يقود الحياة : 9 .

(76) الاسلام يقود الحياة : 9 .

(77)م . ن : 9 ـ 10.

(78) الملك : 2 .

(79) الذاريات : 56 .

(80) الجمعة : 2 .

(81) التوبة : 33 .

(82) البقرة : 193 .

(83) المائدة: 15 ـ 16.

(84) النور : 55 .

(85) الحج : 41 .

(86) هود : 61 .

(87) قال السيد الشهيد الصدر: والمرجع معيّن من قبل اللّه تعالى بالصفات والخصائص،
ومعيّن من قبل الامة بالشخص إذ تقع على الامة مسؤولية الاختيار الواعي له. راجع
الاسلام يقود الحياة صفحة170، وقال: فالامة محط الخلافة ومحط المسؤولية امام اللّه
تعالى فيالنظام الاسلامي. المصدر: 18 .

(88) المائدة : 49.

(89) الاسلام يقود الحياة: 134.

(90) ص : 26 .

(91) الاسلام يقود الحياة : 135 ـ 139.

(92) البقرة: 38 .

(93)ويتضح هذا المعنى من خلال اشتراط العصمة أو العدالة في الحاكم والغزالة بمجرد
افتقاده لهذه الصفة.

(94) يوسف : 40 .

(95) المائدة: 44 .

(96) المائدة: 50 .

(97)الجاثية : 18 .

(98) الاسراء: 105 .

(99) النحل : 90 .

(100) الروم : 30 .

(101) الملك : 14.

(102) الانشقاق : 6 .

(103) النجم : 42 .

(104)المؤمنون : 71.

(105) هود : 17.

(106) المائدة : 3 .

(107) آل عمران : 96 .

(108) الاعراف : 158 .

(109) الاعراف : 158 .

(110) راجع اصول الكافي.

(111) الاسلام يقود الحياة : 38 ، وراجع اقتصادنا.

/ 1