دراسـات
الاجتهاد عند الزيدية
* اسماعيل بن علي الاكوع ( اليمن )يمكن أن يقال إن للمذهب الزيدي مزية
حميدة ، ومنقبة مشكورة، وهي فتح باب الاجتهاد
لمن حذق علومه ، واتقن فنونه، ولا غرابة في
ذلك ; فقد كان زيد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب(عليهم السلام) الذي نسب إليه هذا
المذهب من كبار ائمة الاجتهاد ، وله فقهه
المدون المعروف الذي لا يخرج عن نطاق ما كان
عليه السلف الصالح ، من الاقتصار على العمل
بكتاب اللّه وسنة رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) «ففقه زيد قريب من فقه الائمة المشهورين
في وقته والمأثور من آرائه أنها لا تخرج عن
آراء فقهاء الامصار ، ومنهاجه في الاستنباط
لا يبعد ايضاً عن مناهج الائمة الذين عاصروه
كأبي حنيفة وابن أبي ليلى والزهري وغيرهم من
ائمة الفقه . والزيدية يأخذون بالكتاب ثم
بالسنة . ونصوص الكتاب مراتب والسنة مراتب ،
فإن لم يكن كتاب ولا سنة يكون القياس ،
ويدخلون الاستحسان والمصالح المشتركة في
القياس ويتمسكون بفتح باب الاجتهاد ولا
يقولون بالتقية ولا بعصمة الائمة ، والايمان
بصحة خلافة أبي بكر وعمر»( 1 )
.
سوى أن الزيدية خالفت أهل السنة في
امرين :
أحدهما : نزوعها في العقيدة إلى
الاعتزال تبعاً لزيد بن علي الذي كان قد أخذه
عن واصل بن عطاء الغزال رأس المعتزلة ، حينما
اجتمع به في رحلته العلمية إلى البصرة فتتلمذ
في الاصول على يديه «مع اعتقاد واصل أن جده
علي بن أبي طالب(عليه السلام) في حروبه التي
جرت بينه وبين اصحاب الجمل واهل الشام ما كان
على يقين من الصواب ، وأن احد الفريقين منهما
كان على الخطأ لا بعينه»( 2 )
.
والامر الاخر : الامامة التي هي مدار
اهتمام فرق الشيعة ، ومحور عقائدهم السياسية
، فقد كان زيد بن علي يرى أن علي بن أبي طالب(عليه
السلام) أحق بها بعد وفاة رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) لمكانته وقربه منه نسباً وصهراً ،
وأن تكون بعده في ولديه الحسن ثم الحسين(عليهم
السلام) ثم في من تناسل منهما إلى يوم القيامة
، «وترى الزيدية أن الامامة فرع من النبوة ولا
يجوز أن تكون إلاّ في موضع مخصوص معروف للخلق
، والنبوة لا تكون إلاّ في ارفع المواضع
وأشرفها . وتعلل الزيدية حق الامامة في آل
البيت بقولها : ولا أقرب إلى النبي من أولاده
وذريته مع ما خصهم اللّه به من الشرف والفضل ،
فكانوا أحق بالامامة من غيرهم . وإمامة علي هي
زمن محتوم بالادلة التي اقتضت تعيينه بالوصف
لا بالنص»( 3 )
.
ومع هذا فأنها ترى جواز إمامة المفضول
مع وجود الافضل ، وإذا كان رأي زيد بن علي أن
علياً اولى بالامامة بعد رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) واحق بها من الخلفاء الذين سبقوه ،
فإنه يعتقد من باب أولى أنه احق بها من خلفاء
بني امية الذين حولوا الخلافة إلى ملك مخصوص .
هذا وقد اشترط في الامام الخروج على
الظالم عند اعلان دعوته ، وهو ما فعله حينما
أعلن الخروج على حكم هشام بن عبد الملك ،
وقالت الزيدية : «ليس بإمام من جلس في بيته
وأرخى ستره وثبط عن الجهاد ، بل الامام من قام
من آل البيت يدعو إلى كتاب اللّه وسنة رسوله(صلى
الله عليه وآله) وجاهد على ذلك فاستشهد ومضى ،
وقام آخر بعده يدعو إلى ما دعى إليه حجة اللّه
عزوجل على أهل كل زمان إلى أن تنقضي الدنيا»( 4 ) .
وقد خُذل زيد من قبل أكثر اتباعه الذين
اصروا عليه باعلان تبرئه من الشيخين ابي بكر
وعمر ، فلم يوافقهم على ذلك فرفضوا اتباعه
والسير وراءه . وأما الذين تمسكوا بعقيدته في
الشيخين فقالوا بقوله وحاربوا معه( 5 )
، وواجه بهم خصمه حتى استشهد في كناسة الكوفة
في الثاني من صفر سنة 122 هـ( 6 )
. أما الذين رفضوا اتباعه والسير وراءه فقد
ذكر الطبري في تاريخه أنهم سألوه فقالو : «رحمك
اللّه : ما قولك في أبي بكر وعمر ؟ قال زيد :
رحمهما اللّه وغفر لهما ، ما سمعت أحداً من
أهل بيتي يتبرأ منهما ولا يقول فيهما إلاّ
خيراً ، قالوا : فلم تطلب إذن بدم أهل هذا
البيت؟ إلاّ أن وثبا على سلطانكم فنزعاه من
ايديكم . فقال لهم زيد : إن أشد ما أقول فيما
ذكرتم أنا كنا أحق بسلطان رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) من الناس أجمعين ، وأن القوم
استأثروا علينا ، ودفعونا عنه ، ولم يبلغ ذلك
عندنا بهم كفراً ، وقد ولوا فعدلوا في الناس ...
قالوا : فلم يظلمك هؤلاء ، وإن كان اولئك لم
يظلموك فلم تدعو إلى قتال قوم ليسوا لك
بظالمين ؟ فقال : وإن هؤلاء ليسوا كاولئك ; إن
هؤلاء ظالمون لي ولكم ولانفسهم ; وإنما ندعوكم
إلى كتاب اللّه وسنة نبيه(صلى الله عليه وآله)
، وإلى السنن أن تُحيا وإلى البدع أن تُطفأ ;
فإن انتم أجبتمونا سعدتم ، وإن أنتم أبيتم
فلست عليكم بوكيل . ففارقوه ... »( 7 )
.
ولما قتل زيد بن علي وصلب قام بالامامة
بعده يحيى بن زيد ، ومضى إلى خراسان ، واجتمعت
عليه جماعة كثيرة . وقد وصل إليه الخبر من
الامام الصادق(عليه السلام) بانه قتيل كما قتل
أبوه ويصلب كما صلب أبوه ، فجرى عليه الامر
كما اُخبر( 8 )
.
ثم لم ينتظم للزيدية بعد ذلك أمر حتى
ظهر في خراسان صاحبهم الناصر الاطروش سنة 230
هـ فدعا الناس دعوة إلى الاسلام على مذهب زيد
بن علي ، فدانوا بذلك ونشأوا عليه ، وبقي
الزيدية في تلك البلاد ظاهرين . ولكنهم مالوا
بعد ذلك عن القول بامامة المفضول ولا سيما بعد
ظهور الدولة البويهية (320 هـ ـ 447 هـ) .
وظهر في اليمن يحيى بن الحسين بن
القاسم الرسّي الذي قدم إليها من الحجاز سنة
(284 هـ) ، فدعا إلى نفسه بالامامة ، وتلقّب
بالهادي . وكان عالماً مجتهداً كبيراً ، أخذ
الاصول ـ علم الكلام ـ عن شيخه ابي القاسم
البلخي المعتزلي ، وأقواله في الاصول متابعة
له في الغالب . وأما في الفروع فقد استقل فيها
باجتهاده ، فخالف زيد بن علي في مذهبه ، ولم
يتقيد بأقواله التي تضمنها «مجموع الفقه
الكبير» لزيد بن علي و «الجامع الكافي»
لاقوال زيد بن علي ، ولم يبق لمذهب زيد بن علي
الاول في الاصول والفروع منهم (الزيدية) متابع( 9 )
.
وقد عرف مذهب الهادي في اليمن بالمذهب
الزيدي ; لان الهادي واتباع مذهبه يقولون
بإمامة زيد بن علي ، ووجوب الخروج على الظلمة
، ويعتقدون فضله وزعامته ، ويحصرون الامامة
فيمن قام ودعا من أولاد الحسنين ، وهو جامع
لشروط الامامة المدونة في كتبهم ، فمن قال
بإمامته فهو زيدي وإن لم يلتزم مذهبه في
الفروع ، فإن اكثر الزيدية على رأي غيره في
المسائل الاجتهادية ، والمسائل النظرية ،
وكذلك ائمتهم كالقاسم والهادي والناصر ، فهم
ينتسبون إلى زيد بن علي مع أنهم كانوا مثله في
الاجتهاد ، فهم يخالفونه في كثير من المسائل( 10 )
. ويجمع مذهبهم تفضيل علي على سائر الصحابة ،
وأولويته بالامامة ، وقصرها من بعد الحسنين
في البطنين ، واستحقاقها إنما يثبت بالفضل
والطلب لا بالوراثة ، ويرون القول بالتوحيد
والعدل والوعد والوعيد كالمعتزلة( 11 ) .
هذا ولم تكد تمر مئة عام على قدوم
الامام الهادي يحيى بن الحسين إلى اليمن حتى
افترق أتباع مذهبه إلى ثلاث فرق ، كما صرح
بذلك الامام المهدي احمد بن يحيى المرتضى
المتوفى سنة (840 هـ) بقوله : «وافترق متأخرو
الجارودية إلى مطرفية( 12 ) ، وحسينية( 13 )
، ومخترعة( 14 ) . ثم ذكر أن
المتأخرين انقسموا إلى قاسمية( 15 )وناصرية( 16 ) . وكان يخطيء
بعضهم بعضاً حتى خرج المهدي ابو عبد اللّه
الداعي( 17 ) ، وألقى بهم أن
«كل مجتهد مصيب» ، فرجعوا إلى قوله بعد
مناظرات كثيرة .
وكانوا من قبل يعتقدون أن المصيب في
الاجتهاديات واحد ، والحق معه إلى زمن الامام
المتوكل( 18 )
احمد بن سليمان ، وكذا زيدية الجيل( 19 )
يعتقدون ذلك إلى زمن الامام ابي عبد اللّه
الداعي ، فانفتح منذ ذلك الوقت باب الاجتهاد ،
فكان أن ولج هذا الباب عدد غير قليل من علماء
الزيدية ، فاشتغلوا بعلوم القرآن وتفاسيره ،
ودراسة امهات الحديث وعلومه ، فوجدوا في
الكتاب العزيز وصحيح السنة النبوية ما لا
يحتاج معهما إلى غيرهما من محض الرأي ، فنبذوا
التقليد ودعوا المقلدين إلى العمل بأحكام
الكتاب والسنة ليكونوا كما كان عليه السلف
الصالح ، مع أن الغالبية العظمى من المسلمين
في صدر الاسلام كانوا أميّين لا يقرؤون ولا
يكتبون ، ولكنهم مع ذلك كانوا يفهمون ما يُتلى
عليهم من القرآن الكريم ، ويفهمون ما يسمعون
من السنة النبوية ، وذلك قبل أن تظهر المذاهب
الدينية والسياسية التي فرقت المسلمين شيعاً
وطوائف .
وقد برز من هؤلاء العلماء أئمة في
الاجتهاد المطلق تجاوزت شهرتهم حدود أقاليم
اليمن على تفاوت بينهم في درجات الاجتهاد ،
وأبرزهم على الاطلاق هو الامام محمد بن
ابراهيم الوزير المتوفى سنة (840 هـ) صاحب كتاب
«العواصم والقواصم في الذب عن سنّة أبي
القاسم» والحسن بن أحمد الجلال المتوفى سنة
(1084 هـ) صاحب كتاب «ضوء النهار المشرق على
صفحات الازهار» وصالح ابن مهدي المقبلي
المتوفى بمكة سنة (1108 هـ) صاحب كتاب «العلم
الشامخ في ايثار الحق على الاباء والمشايخ»
وذيله «الارواح النوافخ وآثار إيثار الاباء
والمشايخ» و «الابحاث المسددة في فنون متعددة»
ومحمد بن اسماعيل الامير الصنعاني المتوفى
سنة (1182 هـ) صاحب كتاب «سبل السلام في شرح بلوغ
المرام في أدلة الاحكام» ، ومحمد ابن علي
الشوكاني المتوفى سنة (1250 هـ) صاحب كتاب «نيل
الاوطار شرح منتقى الاخبار» ولم أخص هؤلاء
بالذكر إلاّ لان الناس انتفعوا بمؤلفاتهم
اكثر من غيرهم ، وإلاّ فإن في ديار الزيدية من
أئمة الكتاب والسنة ـ كما يقول شيخ
الاسلام الشوكاني ـ «عدداً يجاوز الوصف
يتقيدون بالعمل بنصوص الادلة ، ويعتمدون على
ما صح في الامهات الحديثية وما يلتحق
بها من دواوين الاسلام المشتملة على سنة سيد
الانام ، ولا يرفعون إلى التقليد رأساً ، ... ،
مع كثرة اشتغالهم بالعلوم التي هي آلات علم
الكتاب والسنة ، من نحو وصرف وبيان وأصول ولغة
، وعدم اخلالهم بما عدا ذلك من العلوم العقلية»
ثم أضاف الامام الشوكاني قوله : «وإني لاكثر
التعجب من جماعة من أكابر العلماء المتأخرين
الموجودين في القرن الرابع الهجري وما بعده ،
كيف يقفون على تقليد عالم من العلماء ،
ويقدمونه على كتاب اللّه وسنة رسوله ؟ مع
كونهم قد عرفوا من علم اللسان ما يكفي في فهم
الكتاب والسنّة بعضه ، فإن الرجل إذا عرف من
لغة العرب ما يكون به فاهماً لما يسمعه منها
صار كأحد الصحابة الذين كانوا في زمنه(صلى
الله عليه وآله) ، وترك التعويل على محض
الاراء ، فكيف بمن وقف على دقائق اللغة
وجلائلها إفراداً وتركيباً ، وإعراباً
وبناءً ؟ وصار في الدقائق النحوية والصرفية ،
والاسرار البيانية والحقائق الاصولية بمقام
لا يخفى عليه من لسان العرب خافيه ، ولا يشذ
عنه منها شاذ ، وصار عارفاً بما صح عن رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله)في تفسير كتاب اللّه
، وما صح عن علماء الصحابة والتابعين ومن
بعدهم إلى زمنه ، وأتعب نفسه في سماع دواوين
السنّة التي صنفها أئمة هذا الشأن في قديم
الازمان ، وفيما بعده ، فمن كان بهذه المثابة
كيف يسوغ له أن يعدل عن آية صريحة أو حديث صحيح
إلى رأي رآه أحد المجتهدين ؟ حتى كأنه أحد
العوام الذين لا يعرفون من رسوم الشريعة
رسماً ، فيا للّه العجب إذ كانت نهاية العالم
كبدايته ، وآخر أمره كأوله» ... ثم ختم كلامه
بقوله : «والذي أدين اللّه به أنه لا رخصة لمن
علم من لغة العرب ما يفهم به كتاب اللّه ـ بعد
أن يقيم لسانه بشيء من علم النحو والصرف وشطر
من مهمات كليات أصول الفقه ـ في ترك العمل بما
يفهمه من آيات الكتاب العزيز ، ثم إذا انضم
إلى ذلك الاطلاع على كتب السنّة المطهرة التي
جمعها الائمة المعتبرون ، وعمل بها المتقدمون
والمتأخرون كالصحيحين ، وما يلحق بهما مما
التزم فيه مصنفوه الصحة أو جمعوا فيه بين
الصحيح وغيره مع البيان لما هو صحيح ، ولما هو
حسن ولما هو ضعيف ، وجب العمل بما كان كذلك من
السنّة، ولا يحل التمسّك بما يخالفه من الرأي
، سواءٌ كان قائله واحداً أو جماعةً أو
الجمهور ، فلم يأت في هذه الشريعة الغراء ما
يدل على وجوب التمسك بالاراء المتجردة عن
معارضة الكتاب أو السنّة ، فكيف بما كان منها
كذلك ؟ بل الذي جاءنا في كتاب اللّه على لسان
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) (وما آتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)( 20 )
، (لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة)( 21 )
إلى غير ذلك ، وصح عن رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله)أنه قال : « كل أمر ليس عليه أمرنا فهو ردٌ
» . فالحاصل أن من بلغ في العلم إلى رتبة يفهم
بها تراكيب كتاب اللّه ، ويرجّح بها بين ما
ورد مختلفاً من تفسير السلف الصالح ويهتدي به
إلى كتاب السنة التي يعرف بها ما هو صحيح ، وما
ليس بصحيح فهو مجتهد لا يحل له أن يقلد غيره
كائناً من كان في مسألة من مسائل الدين، بل
يروي النصوص من اهل الرواية ، ويتمرّن في علم
الدراية ، ويقتصر من كل فن على مقدار الحاجة .
والمقدار الكافي من تلك الفنون هو ما يتصل به
إلى الفهم والتمييز»( 22 )
.
هذا وقد انتشرت مؤلفات هؤلاء العلماء
المجتهدين ، ولا سيما كتابي «سبل السلام» و «نيل
الاوطار» في العالم الاسلامي ، وصارا مرجعين
لا غناء عنهما لشيوخ العلم وطلابه والباحثين
المهتمين بدراسة فقه السنّة النبوية في
المدارس والمعاهد والجامعات الاسلامية ، كما
ترجما إلى بعض لغات المسلمين من غير العرب
للذين لا يحسنون قراءة اللغة العربية ، ذلك
لان الذين تيسّر لهم قراءتهما من المسلمين
على اختلاف مذاهبهم وجدوا فيهما ما أزال من
نفوسهم الفوارق المذهبية ، وجمعهم على كلمة
سواء .
ومن المصادفات العجيبة أن شيخ الازهر
سابقاً محمد مصطفى المراغي كتب رسالة بشأن
إصلاح نظام التعليم بجامع الازهر والمعاهد
الدينية ، نشرت مقتطفات منها في كتاب الدراري
المضيئة للامام الشوكاني لفائدتها ومناسبتها
للموضوع قال فيها : «يجب أن يدرس الفقه
الاسلامي دراسة حرة خالية من التعصب لمذهب ،
وأن تدرس قواعده مرتبطة بأصولها من الادلة ،
وأن تكون الغاية من هذه الدراسة عدم المساس
بالاحكام المنصوص عليها في الكتاب والسنة
والاحكام المجمع عليها ، والنظر في الاحكام
الاجتهادية لجعلها ملائمة للعصور والامكنة
والعرف وأمزجة الامم المختلفة ، كما كان يفعل
السلف الصالح من الفقهاء» . ثم عقب الناشر
لكتاب الدراري المضيئة للشوكاني على هذه
الرسالة بقوله : «وهذه الرغبة تنطبق على منهج
هذا الكتاب في الرجوع إلى ما كان عليه السلف
الصالح من الفقهاء . وفي ذلك إحياء لاحكام
الشرع الشريف في معاملات الناس وشؤونهم
الحاضرة ، والرجوع إلى الكتاب والسنة (فإن
تنازعتم في شيء فردوه إلى اللّه والرسول)( 23 )
، وبراءة من تعطيل أحكام اللّه في أرضه» ثم
قال : «فمن أراد أن ينهج منهج السلف ، ويعمل
بنصيحة الامام الاكبر بدراسة هذا الكتاب (الدراري
المضيئة) ، وما نسج على منواله ليعرف كيف يأخذ
أحكام الشرع فيما استجد ويستجد من المعاملات
آمناً من التخبط . فإن الذي يُخشى من فتح باب
الاجتهاد وهو أن يقول كل في دين اللّه تعالى
برأيه وهواه . نعوذ باللّه من ذلك ومنه
التوفيق» .
(1)
تاريخ الفرقة الزيدية: 329.
(2)
الملل والنحل، للشهرستاني، القسم الاول: 138.
(3)
الشيخ محمد خليل الزين ، تاريخ الفرق
الاسلامية : 177.
(4)
نفس المصدر : 178 .
(5)
سير أعلام النبلاء 5:39.
(6)
تاريخ الطبري 4:205، 206، ومروج الذهب 3: 218،
والكامل في التاريخ 5: 84 ـ 89 ، والحدائق
الوردية 1: 143.
(7)
تاريخ الطبري4:204.
(8)
الملل والنحل، للشهرستاني : 139 .
(9)
المستطاب .
(10)
هداية الراغبين، الرحيق.
(11)
المنية والامل:96.
(12)
المطرفية : نسبة إلى مطرف بن شهاب من أعلام
أواخر المئة الرابعة، وأوائل المئة الخامسة
للهجرة، كانوا من شيعة الامام الهادي وأتباع
مذهبه، ويعتقدون الحق في الاجتهاديات مع
واحد، ولما تبين لهم أن الامام المنصور عبد
اللّه بن حمزة المتوفى سنة (614هـ) قد خالف
الهادي في بعض مسائل الفروع ، أنكروا عليه
فكان ذلك من دواعي الشقاق بينه وبينهم ، مع
أنه (المنصور) القائل : «اننا نهاب نصوص
الهادي كما نهاب نصوص القرآن» . كما أظهروا
القول بخلق العناصر الاربعة : الماء والتراب
والهواء والنار، وبالافعال في ماعدا ذلك
لانهم يعتقدون أن التأثير للّه في أصول
الاشياء دون فروعها . كما خالفوا الزيدية في
أهم مبادئهم الاصولية وهي الامامة، فلم
يشترطوا فيها النسب ، وجوّزوها في جميع
الناس، فاستوجب هذا الامر أن حكم عليهم
الامام عبد اللّه بن حمزة بالكفر بالالزام ،
وشنّ عليهم حرباً لا هوادة فيها حتى أبادهم
على بكرة أبيهم ، كما أتلف تراثهم وخرّب
مساجدهم لانها في نظره مساجد ضرارية.
(13) الحسينية : نسبة إلى الحسين بن
القاسم بن علي العياني، دعا إلى نفسه
بالامامة سنة (393 هـ)، وتلقب بالمهدي. وقد زعم
أنه المهدي المنتظر. وله آراء ومعتقدات
باطلة. احترب مع قبيلة همدان حتى قتلته سنة
(404 هـ) واعتقد اتباعه أنه حي لم يمت، ولا يموت
أبداً حتى يملا الارض عدلاً.
(14)
المخترعة : فرقة عرفت بهذا الاسم لقولهم
باختراع اللّه الاعراض في الاجسام، وأنها لا
تحصل بطبائعها ـ كما تقول المطرفية ـ وكان
رئيسهم في عقيدتهم علي بن شهبر من قرية «بيت
اكلب» من حقل «البون» في الشمال من «الصنعاء»
، وكان بينها وبين المطرفية نزاع شديد،
وحروب عنيفة حتى تغلبت على يد الامام عبد
اللّه بن حمزة عليها.
(15) القاسمية : نسبة إلى القاسم بن
ابراهيم بن اسماعيل بن الحسن بن الحسن. دعا
إلى نفسه بالكوفة سنة (220 هـ) ، ولم تنجح دعوته
فسكن «الرسّ» بجوار المدينة فلقب بالرسّي.
توفي سنة (242 هـ).
(16)
نسبة إلى الناصر بن الحسن بن علي الملقب
بالاطروش. دعا إلى نفسه بالامامة في الجيل
والديلم. توفي سنة (304 هـ).
(17)
ابو عبد اللّه الداعي: هو الامام المهدي محمد
بن الحسن. بويع بالامامة بهوسم، ثم كاتبه اهل
الديلم فوصل إليهم سنة (353 هـ)، ثم قصد هوسم
فاستولى عليه بعد محاصرة طويلة وأسر مراراً،
وهو الذي أظهر في الديلم أن «كل مجتهد مصيب».
توفي بهوسم مسموماً سنة (360 هـ)، وقيل سنة (359
هـ) .
(18)
الامام المتوكل احمد بن سليمان. أعلن دعوته
من الجوف سنة (532 هـ)، وهو من كبار علماء
الهادوية. توفي سنة (566 هـ).
(19)
الجيل ـ بالياء ـ مُعرّب ومخفّف كلمة گيلان ـ
بالگاف الفارسية: إقليم في شمال ايران.
(20)
الحشر : 7 .
(21)
الاحزاب : 21 .
(22)
البدء الطالع 2:81 ، استطراداً في ترجمة محمد
بن ابراهيم الوزير.
(23)
النساء : 59 .