فنــون وآداب
قصيدة : الغدير
* ابن حمادهو أبو الحسن علي بن حمّاد بن عبيد
اللّه بن حماد العدوي البصري . ولد في اوائل
القرن الرابع الهجري . يعدّ من مشايخ الرواة
واساتذة حَمَلة الحديث اضافة إلى كونه من
وجوه شعراء عصره .
امتاز شعره باقتصاره على ذكر فضائل
الرسول(صلى الله عليه وآله) واهل بيته(عليهم
السلام)ومدحهم والدفاع عنهم .
شعره بعيد عن صور الخيال قريب من لسان
الحجج والبراهين . توفي أواخر القرن الرابع
الهجري .
« قالها يذكر فضائل امير المؤمنين علي
بن أبي طالب(عليه السلام) »
ألا قل لسلطان الهوى( 1 )
: كيف أعملُ لقد جار( 2 )
من أهوى وأنت المؤمَّلُ( 3 )؟!
أاُبدي إليك اليوم ما أنا مضمرٌ( 4 )
من الوجد( 5 )
في الاحشاء أم أتحمَّلُ ؟!
وما أنا إلاّ هالكٌ إن كتمته
ولا شكَّ كتمان الهوى سوف يقتلُ
فخذ بعض ما عندي وبعض أصونه( 6 )
فإن رمتُ( 7 )
صون الكلِّ فالحال مشكلُ
لقد كنتُ خلواً من غرام وصبوة
أبيت ومالي في الهوى قطُّ مدخلُ
إلى أن دعاني للصبابة شادنٌ( 8 )
تحيّرُ فيه الواصفون وتذهلُ
بديع جمال لو يَرى الحسنُ حسنَه
لفرَّ اختياراً انه منه أجملُ( 9 )
فسبحان من أنشاه( 10 )
فرداً بحسنه فلا تعجبوا فاللّه
ما شاء يفعلُ !
دعاني فلم ألبث( 11 )
ولبَّيتُ( 12 )
عاجلاً وما كنت لولا ذلك الحسن
أعجلُ
بذلتُ( 13 )
له روحي وما أنا مالكٌ وفي مثله
الارواح والمال تُبذلُ
وصرتُ له خدناً( 14 )
ثلاثون حجَّة( 15 )
اُعانق منه الشمس( 16 )
والليل أليلُ( 17 )
بسمعي وَقرٌ( 18 )
إن لحا( 19 )
فيه كاشحٌ( 20 )
كذاك به عن عذل( 21 )
من راح يعذُلُ
إذا انتضاه( 22 )
واعتزى( 23 )
وسط مأزق تزلزل خوفاً منه رضوى
ويذبلُ( 24 )
به مرحبٌ( 25 )
عضَّ التراب معفَّراً وعمرو بن
ودّ راحَ وهو مجدَّلٌ( 26 )
وقام به الاسلام بعد اعوجاجه
وجاء به الدين الحنيف يُكمَّلُ
هو الضارب الهامات( 27 )
والبطل الذي بضربته قد مات في
الحال نوفلُ( 28 )
وعرَّج جبريل الامين مصرِّحاً
يُكبِّرُ في اُفق السما ويُهلّلُ
أخو المصطفى يوم «الغدير» وصنوه
ومضجعه في لحده( 29 )
والمغسِّلُ
إلى أن بدا شيبي ولاح بياضه
كما لاح قرنٌ( 30 )
من سناالشمس مسدلُ( 31 )
وبدَّل وصلي( 32 )
بالجفا( 33 )
متعمِّداً وما خلته للهجر
والصدِّ( 34 )
يفعلُ
فحاولته وصلاً فقال لي ابتدئ
وإلاّ يميناً( 35 )
إنه ليس يقبلُ
وفرَّ كما من «حيدر» فرَّ قرنه( 36 )
وقد ثار من نقع السنابك قسطلُ( 37 )
غداة( 38 )
رأته المشركون وسيفه بكفّيه منه
الموت يجري ويهطلُ
حسامٌ كصلِّ الرّيم( 39 )
في جنباته دبيبٌ كما دبَّت على
الصخر أنملُ( 40 )
له الشمس رُدَّت حين فاتت صلاته
وقد فاته الوقت الذي هو أفضلُ( 41 )
فصلّى فعادت وهي تهوي كأنّها
إلى الغرب نجمٌ للشياطين مُرسلُ( 42 )
أما قال فيه أحمد وهو قائمٌ
على منبر الاكوار( 43 )
والناس نُزَّلُ؟( 44 )
عليٌ أخي دون الصحابة كلّهم
به جاءني جبريل إن كنت تسألُ
عليٌ بأمر اللّه بعدي خليفةٌ
وصيّي عليكم كيف ما شاء يفعلُ
ألا إنّ عاصيه كعاصي محمَّد
وعاصيه عاصي اللّه والحقُّ أجملُ( 45 )
ألا إنّه نفسي ونفسيَ نفسه( 46 )
به النصُّ أنبا( 47 )
وهو وحيٌ منزَّلُ
ألا إنّني للعلم فيكم مدينةٌ
عليٌ لها بابٌ لمن رام يدخلُ( 48 )
ألا إنه مولاكمُ ووليّكم( 49 )
وأقضاكمُ( 50 )
بالحقِّ يقضي ويعدلُ
فقالوا جميعاً : قد رضيناه حاكماً
ويقطع فينا ما يشاء ويوصلُ
ويكفيكمُ فضلاً غداة مسيره
إلى «يثرب»( 51 )
والقوم تعلو وتسفلُ( 52 )
وقد عطشوا إذ لاح في الدير قائمٌ
لهم راهبٌ جمُّ العلوم مكمَّلُ
فناداه من بُعد وأعلا بصوته
فكاد على خوف من الرُّعب ينزل
فأشرف( 53 )
مذعوراً( 54 )
فقال : فهل ترى بقربك ماءً أيها
المتبتِّل
فقال : وأنّى بالمياه( 55 )
وأرضنا جبالٌ وصخرٌ لا ترام
وجندل( 56 )
ولكنَّ في الانجيل إنَّ بقربنا
على فرسخين لا محالة منهل( 57 )
ولم يَره إلاّ نبيٌ مطهَّرٌ
وإلاّ وصيٌ للنبيِّ مُفضَّلُ
فسارَ على اسم اللّه للماء طالباً
وراهب ذاك الدير بالعين يأملُ
فأوقف والفرسان حول ركابه( 58 )
ونار الظما في أنفس القوم تشعلُ
فقال لهم : يا قوم هذا مكانكم
فمن رام( 59 )
شرب الماء للحفر ينزلُ
فما كان إلاّ ساعةً ثمَّ أشرفوا
على صخرة صمّاء( 60 )
لا تتقلقلُ( 61 )
لُجينيَّةً( 62 )
ملساً كأنَّ أديمها( 63 )
اُذيب عليها التِّبر أو ريف( 64 )
منخلُ
فقال : اقلبوها فاعتزوا عند أمره
على ذاك كُلاًّ وهي لا تتجلجلُ( 65 )
فقالوا جميعاً يا عليُّ فهذه
صفاتٌ بها تعيى( 66 )
الرِّجال وتذهلُ
فمدَّ إليها ما انحنى فوق سرجه
يميناً لها إلاّ غدت وهي أسفلُ
وزجَّ( 67 )
بها كالعود في كفِّ لاهب( 68 )
فبان لهم عذبٌ من الماء سَلسلُ( 69 )
فأوردهم حتّى اكتفوا ثمَّ عادها
على الجبِّ( 70 )
لا يعيى ولا يتململُ( 71 )
فلمّا رآها الراهب انحطَّ( 72 )
مُسرعاً لكفّيه ما بين الانام
يُقبِّلُ
وأسلم لمّا أن رأوا هو قائلٌ
أظنّك آليّا( 73 )
وما كنت أجهلُ
(1)
الهوى : الحب .
(2)
جار : ظلم ولم يعدل.
(3)
المؤمَّل: الذي فيه الامل وعليه المعوّل.
(4)
مضمر : مخفي .
(5)
الوجد : الشوق .
(6)
اصونه : أخفيه فلا أبديه.
(7)
رمت : شئت ورغبت.
(8)
الشادن : الظبي الصغير.
(9)
أراد القول إن جمال الحبيب أجمل من الجمال
ذاتِه .. وهو مبالغة في الوصف.
(10)
انشاه : خلقه، والنشأة الاولى: أي الخلق
الاول.
(11)
ألبث: ابقى وأتأخّر.
(12)
لبّيت: صحت لبيك لبيك .. أي أجبتك.
(13)
بذلت : أرخصت.
(14)
الخدن : العشيق.
(15)
ثلاثون حجة: ثلاثون سنة.
(16)
الشمس: كناية عن وجه الحبيب المشرق.
(17)
اليل : مظلم .
(18)
وقر : صمم .
(19)
لحا : لامَ .
(20)
كاشح : حاسد .
(21)
العذل : اللوم .
(22)
انتضاه: جرّده من غمده.
(23)
اعتزى : قصد أمراً.
(24)
رضوى ويذبل: جبلان في الجزيرة العربية.
(25)
مرحب: قائد يهود خيبر.
(26)
مجدّل : مطروح على الارض مقتولاً.
(27)
الهامات : جمع هامة وهي قمة الرأس.
(28) نوفل: هو نوفل بن خويلد بن أسد
القرشي وهو عم الزبير بن العوام من أشد قريش
شجاعة وأذىً للمسلمين، كان النبي(ص)يدعو يوم
بدر : «اللّهم اكفنا ابن العدوية» يريد به
نوفلاً، قتله الامام علي(ع) يوم بدر.
(29)
مضجعه في لحده: اشارة إلى دفن الامام علي(ع)لرسول
اللّه(ص) فيما يجتمع قومٌ في السقيفة لنصب من
يخلف الرسول(ص).
(30)
قرن الشمس : شعاعها.
(31)
مسدل : مرسل أو مُرخى.
(32)
الوصل: ضد الهجر وهو اللقاء.
(33)
الجفا: الجفاء أي الترك والهجر.
(34)
الصد : الترك .
(35)
إلاّ يميناً : عهداً وقسماً .
(36)
قرنه : خصمه.
(37)
القسطل : الغبار الغليظ الساطع الذي تثيره
حوافر الخيل.
(38)
غداة : صبيحة .
(39)
صلّ الريم: افعى الرمل.
(40)
أنمل : جمع نملة.
(41)
اشارة إلى قضية ردّ الشمس وهي قضية مشهورة
تأريخياً.
(42)
اشارة إلى الاية :(زينا السماء الدنيا
بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين).
(43)
الاكوار: جمع كور وهو الرحل، ومنبر الاكوار:
اشارة إلى يوم الغدير حين صنع للنبي منبره من
الرحول والسروج وارتقى عليه ليخطب.
(44)
نُزّل : مقيمون بعد حجة الوداع.
(45)
الحق أجمل : أي الحق اجمل ما يقال من أمر.
(46)
اشارة إلى آية المباهلة: (تعالوا ندعوا
أبناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا
وانفسكم). وذلك ما صرحت به جميع التفاسير.
(47)
أنبأ: أنبأ أي أخبر.
(48)
اشارة إلى الحديث النبوي الشريف : «أنا مدينة
العلم وعلي بابها».
(49)
اشارة إلى قول النبي(ص) «من كنت مولاه فهذا
علي مولاه» .
(50)
اقضاكم: اعرفكم بالقضاء والاحكام إشارة إلى
قول النبي(ص): «أقضاكم علي».
(51)
يثرب : اسم المدينة قبل الهجرة النبوية إليها.
(52)
تعلو وتسفل: تصعد مرتفعاً وتهبط وادياً.
(53)
أشرف: أطلّ من علوٍّ.
(54)
مذعوراً : خائفاً.
(55)
انّى بالمياه: من اين لنا المياه؟
(56)
الجندل : الصخور.
(57)
منهل : مورد ماء.
(58)
الركاب : ما يضع به الفارس قدمه عند ركوبه
الفرس .
(59)
رام : أراد .
(60)
صمّاء : صلبة وقوية.
(61)
تتقلقل : تتحرك.
(62)
لجينية: لها لون اللجين أي الفضة.
(63)
أديمها : وجهها.
(64)
ريف منخل : نُسجَ عليها بالمعدن (كالمنخل).
(65)
تتجلجل : تتحرك.
(66)
تعيى : تتعب .
(67)
زجَّ : رمى .
(68)
اللاهب : النار، أي رمى بها كما يرمى العود في
النار فيغدو رماداً.
(69)
سلسل : رقراق وعذب.
(70)
الجب : البئر.
(71)
يتململ : يتأوه من التعب.
(72)
انحطَّ: نزل من شرفته مسرعاً.
(73)
آليّا: إيليا وهو اسم الامام علي(ع) في الكتب
الاولى.