كلمة التحرير - تطرف نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تطرف - نسخه متنی

فؤاد کاظم المقدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

كلمة التحرير

بقلم رئيس التحريـر

التطرف الاسباب
والعلاج

التطرف كما يجري في عالم
الفكر يجري أيضاً في الحياة العملية ،
وخصوصاً في الواقع السياسي منها ، وفي عالم
السياسة هو اصطلاح يحمل في روحه المعنى
اللغوي الذي اشتق منه ، وهو ـ أي المعنى
اللغوي ـ "من تطرّف : صار طرفاً ، أي جاوز
حدّ الاعتدال ، ومنه تطرّف في آرائه فهو متطرف
أي جاوز حد الاعتدال فيها"(1)
.

ويقال أيضاً : "رجل طِرف
ومتطرف ومستطرف ، وهو الذي لا يثبت على أمر ،
ورجل طَرِف وامرأة طَرفة إذا كانا لا يثبتان
على عهد"(2) ، وهذا
يعني أن المتطرّف المتجاوز للحد قد بلغ ـ
رأياً أو عملاً ـ أحد الاطراف وهو جانب
الافراط ، وبذلك وصل حدّ النهاية واوشك على
السقوط والخروج من ذلك الجانب ، فهو غير ثابت
ولا مستقر ; إذ كل من يقف على طرف يوشك أن يسقط ;
بخلاف الامة الوسط فهي تكون ثابتة ومتوازنة ،
تلك هي أمة الاسلام : (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً
لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم
شهيداً)(3) .

ويتساءل الكثير من العاملين
في الحياة الثقافية والسياسية عن اسباب حصول
ظاهرة التطرف والتطرف المضاد في العمل
السياسي والثقافي ، وذلك بالانشداد مرةً إلى
أقصى اليمين ، ثم التحول بردِّ فعل معاكس إلى
أقصى الشمال مرةً اخرى ، ولا يحصل هذا في
الدوائر العامة للعمل الثقافي فحَسب ، بل قد
تجده حتى في اطار الدوائر الخاصة لحركة أو
جماعة معينة ، مهما كانت صغيرة ومحدودة ،
وتتعاظم خطورة هذه الظاهرة في حالتين رئيستين
:

الحالة الاولى : عندما يكون
المصاب بهذا المرض العضال من المتصدّين الذين
تبوّأوا منصباً أو موقعاً مؤثراً في الحياة
الثقافية والسياسية للامة ، الامر الذي سيؤدي
إلى تحرك الواقع المؤثر فيه باتجاه حركته
المتطرفة ، مرةً لهذا الجانب وأخرى للجانب
المعاكس ; لتبرز تبعاً لذلك حالات من التصادم
والخلاف الحاد ، فتصبح الجماعة الواحدة
جماعات ، والوجود الواحد وجودات متعارضة
متخالفة .

الحالة الثانية : عندما يكون
هذه المرض على شكل حالة اجتماعية نتجت بسبب
حدث استثنائي حاد ، كثورة عارمة عصفت بواقع
وسلبت وجوده من الحياة الثقافية والسياسية ;
لتبدأ حياة وجود جديد لمّا تظهر معالمه
الثقافية والسياسية في الواقع بعد ، وهنا
تبرز حالات كثيرة من التطرف في التعامل
والمواقف على الصعيد العام ، فمرة تظهر على
شكل آراء وشعارات حادّة ، أو فهم متطرف لها
باتجاه معين ثم لا تلبث بعد فترة أن تتحول إلى
اتجاه مضاد ، وهذا قد يحصل أيضاً في الوحدات
الحركية التي تتأثر كثيراً بالاحداث
الثقافية والسياسية الكبرى لمجتمعاتها ،
وغالباً ما تحدث هذه الظاهرة المرضيّة عند
فقدان القيادة المبدئية الحكيمة التي تمسك
بزمام الامور ، وتسير بالامة باتجاه الرشد
والتكامل الحركي في بناء حياتها الثقافية
والسياسية الجديدة ، ففرق كبير بين الثورة
الاسلامية في ايران ، والثورة في الجزائر ضد
الاستكبار الفرنسي ، التي فقدت قيادتها
الاسلامية الاولى وتحولت فيما بعد إلى واقع
لا اسلامي ، واظهر منها الثورة الفلسطينية ـ
قبل ظهور الحركات الاسلامية بعد انتصار
الثورة الاسلامية في ايران ، كحركة حماس
وامثالها ـ ، تلك الثورة التي بدأت اسلامية ثم
تحولت عن اسلاميتها وعاشت فصائلها أنواع
التطرف والتطرف المضاد ، عندما تجزأت على
اساس ذلك وغابت عنها قيادتها الاسلامية
الاولى ، فارتمى جزء منها في أحضان الشرق
والاخر في احضان الغرب ; فالثورة الاسلامية في
ايران سارت برشد قيادتها الاسلامية الفذّة ،
وتكاملت بفضل إمامها الحكيم الخميني الكبير(قدس
سره) . وواضح إن هذه الحالة تختلف عن سابقتها
بسعة شمولها للواقع الثقافي والسياسي ، وفي
بطء ظهور حالات التطرف المضاد فيها .

الاسباب

ولو أمعنا النظر في هذه
الظاهرة وبحثنا عن جذورها واسبابها ، فإننا
نجدها لا تعدو الاسباب التالية متفرقةً
أحياناً ومجتمعةً أحياناً أخرى :

الاول : الجهل ، ولا نقصد به
هنا الجهل البسيط فإن أمره هيّن يسير ; إذ يكفي
فيه التنبيه على موارد الجهل والتصدّي
لبيانها وتعليم الجاهل بها ، وهذا شأن أغلب
سواد الامة ومن هو على سبيل النجاة ، وإنما
نقصد بالجهل هنا الجهل المركب الذي تصوّر
صاحبه أنه يعلم ، وهو يجهل أنه يجهل ، وهذا
السبب هو اقوى الاسباب واخطرها ; إذ منه يحصل
الانحراف المبدئي ، وفي باحته تحطّ رحال
البدع والضلالات ، ومنه تتشكل قوة المعارضة
الجاهلية لخط الاسلام الاصيل ، حين تبرز
ظواهر التطرف شيئاً فشيئاً ، حتى تسفر عن
وجهها الطالح في صور من العداء الذي قد يأخذ
صوراً من المواجهة العملية تخرجهم عن اصل
الدين ، كما هو شأن كثير من الفرق الاسلامية
المنحرفة ، كالخوارج ومن على شاكلتهم .

وفي مرحلتنا المعاصرة نجد أن
الجهل هو الذي مكّن الدعوات الاستعمارية بعد
الاحتلال العسكري المباشر ، وتقسيم بلاد
المسلمين بين دول الاستكبار ، من تغذية حالة
التطرف السلبية تجاه بعض مظاهر الدين في
الامة ، كالحجاب مثلاً ، وأن يزرع الوجودات
الثقافية والسياسية التي تتطرف نحو العرقية
والقومية ، مقوّماً انتماءها الديني على
اساسها ، فأصبحت الامة الاسلامية قوميات
متطرفة ، منها للعروبة واخرى للفارسية وثالثة
للتركية وهكذا .

وحتى بعد قيام الثورة
الاسلامية في ايران ، وبروز ظاهرة الصحوة
الاسلامية بين المسلمين ، نجد أن البعض من
الفئات والخطوط السياسية الاسلامية كابرت
واتخذت موقفاً سلبياً من الثورة الاسلامية ،
وذلك لان اجواء التطرف القائم على الجهل
المركب جعلها في شباك المخططات الاستكبارية
بشكل مباشر أو غير مباشر ، راكبة مركب العداء
السافر والمبطن من خلال ذلك . وصدق أمير
المؤمنين علي(عليه السلام) عندما قال : "...
فمن جهل شيئاً عاداه ، فأنزل اللّه (بل كذّبوا
بما لم يحيطوا بعلمه) "(4)
.

الثاني : الشبهات والرواسب
الفكرية المنحرفة ، وهذا السبب وإن كان يلتقي
بسابقه من حيث أنه نوع من انواع الجهل المركب
، ولكن صورته تختلف من جهة أن لتاريخ هذا
الشخص المتطرف أو الجماعة المتطرفة مضامين
وركائز فكرية أثرت على مسار تفكير كل منهما ،
وشابته بشوائب خلقت له سلوكاً ومنهجاً
متطرفاً بالنسبة إلى منهج الاسلام المستقيم
والتفكير السليم .

(1)
غافر : 83 .

والتاريخ بكافة فتراته
الغابرة والقريبة يحكي لنا صوراً كثيرةً عن
هذه الحالة ، فغني عن التعريف الرواسب
الجاهلية التي ضلّت عالقة في اعماق الكثيرين
ممن أعلن اسلامه ، سواء كان قبل فتح مكة أو
بعدها ، والتي برزت آثارها شيئاً فشيئاً منذ
حياة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) إلى
المرحلة التي اعقبت وفاته ، والتي تجسدت فيما
بعد بشكل واضح وجلي في جاهلية وانحراف دولة
بني أمية ومن لحقها من دول البدع والضلال ،
وفي تاريخنا القريب شيء كثير من ذلك تجده في
واقع الامة والعديد من رجالاتها ، ولعل أبرز
تلك الرواسب هي رواسب العصبيّة الاقليمية
والعرقية التي زرعها وغذّاها الاستكبار خلال
عشرات السنين من احتلاله للبلاد الاسلامية ،
تلك الرواسب التي وقفت عقبة كؤوداً دون تفاعل
الامة وذوبانها الفعلي في الاسلام ، وهكذا
بالنسبة لسائر موروثات الفترة الاستكبارية
التي حجبت النور والصحوة عن الامة طيلة سنين
مضت ، تركت آثارها على طريقة تفكيرها ،
وخصوصاً على طبقاتها المثقفة ، التي أُسرت
بالمنهج الغربي على كافة الاصعدة ، حتى إنهم
راحوا يقيسون مدى نجاح مجتمعهم الاسلامي على
ضوء ما يحاكيه من صور التقدم المدني والتقنين
الاجتماعي والثقافي والسياسي للغرب ،
واكتفوا من اسلامهم باسمه ومن قرآنهم برسمه ،
وقد اشار القرآن إلى ذلك بقوله عزّ من قائل : (قل
يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا
تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل واضلّوا
كثيراً وضلّوا عن سواء السبيل)(5)
، كما وصف حالهم قائلاً : (فلما جاءتهم رسلهم
بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم
ماكانوا به يستهزئون)(6)
.

ومثال على ذلك من تاريخنا
المعاصر ما اعلنه الكثير من العلماء في
العراق ، وخصوصاً في النجف الاشرف في الفترة
ما بعد اعلان ما سميت في حينه بالحكومة
الوطنية ـ أي حكومة الانتداب الانجليزي ـ عن
تعهدهم بعدم التدخل في الشؤون السياسية
للبلاد ، ولعل الهدف الرئيسي من ذلك كان لاجل
حماية الجامعة العلمية الاسلامية في النجف
الاشرف وكربلاء ، لئلا يُمعَن في تصفية
وجودها ، وهي الحصن العلمي الحصين للاسلام
والمسلمين ، خصوصاً بعد الموقف الثوري من
دخول الانجليز العراق عام 1917 م ، واعلان
الثورة في عام 1920 م من قبل علماء الاسلام في
النجف الاشرف وكربلاء . هذا التعهد أوحى بموقف
سلبي من التدخل في الشؤون السياسية ، وأنها
ليست من الدين الاسلامي ، الامر الذي خلق حالة
متطرفة تجاه أي تحرك سياسي اسلامي ظهر فيما
بعد ، وقد عاشت المرجعية الاسلامية الرشيدة
وحركتها المجاهدة ، خصوصاً عند بروز المفكر
العملاق آية اللّه العظمى الشهيد السيد محمد
باقر الصدر(قدس سره) ، حالة من العداء
والتشويه من قبل المتطرفين ضد العمل السياسي
، ولعبت الرواسب والشبهات الفكرية لتلك
الفترة دورها في الموقف العدائي من السيد
الصدر ، ومقاومة دوره الرسالي في التوعية
السياسية للامة ، ووضعها في موقعها الاسلامي
المطلوب ضمن عملية الصراع بين الاسلام والكفر
.

الثالث : التعصب العاطفي ،
ونقصد به عدم قبول الحق عند ظهور الدليل
والبرهان ، بسبب ميل إلى جانب أو تعاطف مع جهة
، ولهذا تشير الاية الكريمة : (وقالوا قلوبنا
في أكنّة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن
بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون)(7)
، وقوله عزّ من قائل : (وإن تدعوهم إلى الهدى لا
يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون)(8)
.

ولعل هذا الداء من أكبر
الادواء واكثرها شيوعاً بين العاملين ، وهو
يشكل نقطة ضعف اساسية على صعيد الفرد
والجماعة ، ومنها تنشأ ظواهر المحورية على
مستوى الجماعات ، وظواهر الذاتية الانانية
على مستوى الافراد .

وقد لا يقف حد التعصب هذا عند
حدود الموقف السلبي من قبول الحق ، وإنما قد
يتخذ صوراً من الفعل الايجابي ، كالتخطيط
لتكريس حالة ذاتية أو محورية قائمة على اساس
التعصب العاطفي ، وتتجسد الخطورة لا بالتجسيد
الظاهري لهذه الحالة فقط ، وإنما تكمن أيضاً ،
وبصورة خفية ، في زوايا الممارسات والمواقف ،
ومقدمات الاعمال ، والاعداد في ما وراء
الستار . إن مثل هذا التعصب المخطط هو الذي
يصادر جهود المجاهدين ، وثمرات العاملين
الرساليين ، ويهدد مصير حركتهم بالاُفول
والانحراف عن سبيل اللّه المستقيم . وتاريخنا
الاسلامي مملوء بمصاديق تحكي هذه الانتكاسات
، سواء في حياة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
أو ما بعد وفاته ، بل طيلة حياة الائمة(عليهم
السلام) إلى يومنا هذا ، فكثير من العقبات
التي ظهرت في طريق الثورة الاسلامية المعاصرة
، وخصوصاً في ايران الاسلامية ، كان بفعل
العناصر التي تتحرك على اساس التعصب المحوري
والذاتية الانانية ، وكثيراً ما انبرى امام
الامة الخميني الكبير(قدس سره) ، ومن بعده
ربيبه آية اللّه العظمى السيد علي الخامنئي (دام
ظله) ، بحكمتهما ونفاذ بصيرتهما ليُشخّصا
مواطن هذا المرض الخبيث ، ويعرضا لاسبابه ،
والموقف المناسب منه ، معبرين في ذلك عن حقيقة
قول الامام علي(عليه السلام) : "غير منتفع
بالحكمة عقل مغلول بالغضب والشهوة"(9)
.

الرابع : ضعف التجربة والتخلف
الحركي ، فقد يتصور البعض أن الاحاطة النظرية
بالعلوم والمعارف كافية في تأهيل المرء لخوض
معترك العمل الثقافي والسياسي ، والانطلاق في
حركته نحو هدفه الكبير ، متغافلين عن أن الجزء
الاساسي الاخر لنضج القدرة العلمية والكفاءة
الحركية للعاملين السياسيين ، هو رسوخ وتكامل
التجربة من خلال تدرج طبيعي في سلّم العمل
والحركة الثقافية والسياسية الهادفة ، لذا
قال أمير المؤمنين علي(عليه السلام) : "رأي
الرجل على قدر تجربته"(10)
، وقال أيضاً : "العقل غريزة يزيد بالعلم
والتجارب"(11) ،
وهذا لا يعني أن يؤخذ الزمن مجرداً عن مستوى
التجربة وسعتها ، بل إن الزمن بما هو ظرف
يستوعب في أجزائه تلك التجارب المتواصلة
والمتراكمة والمتكاملة ، "فالايام تفيد
التجارب"(12) كما
يقول أمير المؤمنين(عليه السلام) ، ويقول
أيضاً : "لولا التجارب عميت المذاهب ، وفي
التجارب علم مستأنف"(13)
.

ومن موارد ضعف التجربة
وضآلتها هو الانغلاق على الذات والاستغناء
بتجاربها عن تجارب الاخرين ، في حين أن نظرية
تراكم التجارب وتكاملها تقوم على اساس اكتساب
تجارب الاخرين ، واضافتها إلى التجارب
الذاتية ، والاستفادة منها ، وإثراء الحركة
الهادفة بها ، ففيما اوصى به أمير المؤمنين(عليه
السلام) ابنه الحسن(عليه السلام) : "ولتستقبل
بجدّ رأيك من الامر ما قد كفاك اهل التجارب
بُغيته وتجربته ، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب
وعوفيت من علاج التجربة"(14)
. وضعف التجربة هذا سيفرز بطبيعته تخلفاً
حركياً لا لدى الافراد العاملين بما هم افراد
وحسب ، بل إن ذلك سيلازم العمل الحركي ككل ،
فتراه يسير وراء الاحداث وكأنه ليس في خضمّها
، وتراه يتأخر عن مسيرة الامة وكأنه ليس منها
، وبمرور الزمن لن تجد رجاله إلاّ ركاماً من
المتقاعدين والمتقاعسين ، ليس لهم إلاّ أن
يجلسوا على قارعة المسيرة يلسعون العاملين
الدائبين في جهادهم بالسنتهم الحداد ،
ويخرمون الهمم بتثبيطها وتوهينها ، فيحق فيهم
قول صادق اهل البيت(عليهم السلام) : "لا
يطمعنّ ... القليل التجربة المحجب برأيه في
رئاسته"(15) .

الخامس : ضعف التقوى وغلبة
الهوى ، فالمعروف أن هناك عاملان اساسيان
شهيران يحقّقان الاستقامة في المسيرة في
دائرة الفرد وفي دائرة الجماعة وهما العلم
والعدالة ، وقد أشرنا في سياق ذكر اسباب
التطرف إلى عامل الجهل بما يؤشر إلى ضرورة
العدالة في التخلص من حالات التطرف والشذوذ ،
فقد أكد علماء الاخلاق أن التوازن والحكمة
والعلم تفتقر في حصولها وفي ثباتها ورسوخها
إلى مدى نقاء النفس وطهارتها بالورع والتقوى
عن كل ما يخالف احكام اللّه ، وما يخرق نظام
الاسلام المقدس ، وقد أكد القرآن الكريم هذه
الحقيقة بقوله عزّ من قائل : (واتقوا اللّه
ويعلمكم اللّه واللّه بكل شيء عليم)(16)
، وقوله : (ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة)(17)
، فقدّم التقوى والتزكية على العلم والتعليم
، وفي قوله التالي أيضاً دلالةً على المراد : (يا
أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وآمنوا برسوله
يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون
به)(18) . أما كيف يكون
من نتائج ضعف التقوى وغلبة الهوى ظهور حالات
التطرف ، فهذا ما تكفينا الاشارة فيه إلى بعض
تلك الحالات ، فمنها حالة النفاق في حمل
الشعارات ، والمزايدة من خلالها ، والغلو في
تحميلها مفاهيم وتفسيرات تبعدها عن روحها
الحقيقية وحدودها الواقعية ، مما يحصر الواقع
في زاوية هذه التحميلات الضيقة ، لتكون وسيلة
للسبق الثقافي والسياسي والامتياز الشكلي
على اخوة الدين والمصير ، ثم لا تلبث في ظرف
معاكس أن تنقلب الاية ، وبتطرف يصبح ما كان
تهمة وشيناً امتيازاً وزيناً ، وما كان
ضرورةً ووعياً انحرافاً وتخلفاً ، فلو كانت
التقوى في البين ، والخلق الاسلامي ضابطاً
حقيقياً للعمل الثقافي والسياسي ، لما لاح كل
ذلك في افق العاملين ، ولوجدت العقل إماماً
يُحتكم إليه ، "ومن لم يُهذّب نفسه لم ينتفع
بالعقل"(19) .

وحالات اخرى لا نستطيع في هذه
الكلمة المقتضبة التفصيل فيها ، ولكننا نشير
إليها على سبيل التذكرة ، كالدعوة إلى
العناوين الثانوية بتطرف ينسي صاحبه عنوان
دعوته الاول ، وهو اللّه وسبيله الوحيد
الاسلام العظيم ، حتى تجده في نهاية المطاف قد
استغرق في عالم الدعوة إلى الذات الفردية أو
الفئوية من حيث يشعر أو لا يشعر ، عندها يكون
مصداقاً لقول امير المؤمنين علي(عليه السلام)
: "... الهوى شريك العمى "(20)
، فيصاب بهوى الذات ، وتعمى بصيرته عن هدفه
الاساسي وهو اللّه والاسلام ، ومنها أيضاً
غلبة الجانب الذاتي في العمل الثقافي
والسياسي على الجانب الموضوعي ، فهو لا يرى
مصلحةً للعمل إلاّ من خلال نظرته الذاتية
للواقع ، وأفقه الخاص في العمل ، ولا مصلحة
عليا فوق كل ذلك ، ولا وجود للاخرين إلى جنبه
من اخوة الدين والطريق يشاطرونه الهم
والاجتهاد في تحقيق الاهداف العليا لمسيرة
العاملين كل العاملين ، بحيث تجدهم يُنكرون
ذواتهم في سبيل المصلحة العليا والهدف الكبير
، فيجعلونها في خدمتها ومن اجلها ، وليس العكس
، وهو أن تتكبّر نفسه ، وتتعاظم ذاته ، فيصبح
كالذين حكت عنهم الاية الكريمة : (إن الذين
يجادلون في آيات اللّه بغير سلطان أتاهم إن في
صدورهم إلاّ كِبر ماهم ببالغيه فاستعذ باللّه
إنه هو السميع البصير)(21)
.

العلاج

بقي الحديث فيما يحدّ هذا
التطرف ويعالج امره . قد يقول قائل إن الجواب
واضح من خلال ما تمّ عرضه من اسباب حصوله
وعوامل سريانه ، لكننا نقول إن الوقاية منه
شيء ـ وذلك بالاقلاع عن مقدماته واسبابه ـ
وعلاجه شيء آخر ، وفي الجواب على ذلك نميز بين
أمرين :

الاول : الجواب على ماهو
العلاج ؟ ، والثاني الجواب على ما الذي يحدُّ
سريانه؟

وهذان الامران يترتب احدهما
على الاخر ، فلو لم ينفع العلاج لاصل الداء ،
وجب الحدّ من السريان ، مَثَله بالضبط كمثل
المصاب بالتعفن في عضو من أعضائِهِ الحسّاسة
، فإن لم ينفع معها العلاج المبرئ من الداء ،
وجب ايقاف سريان العفونة ببتر الجزء المتعفّن
حفاظاً على باقي أجزاء الجسم واعضائه ، وهكذا
ما نحن فيه ; فعلاج التطرف يكمن في إرشاد
العناصر المصابة به إلى خطر ما هم فيه ، وإلى
ضرورة اخضاع العقل والنفس إلى عملية تطهير
وخلق جديد ، وإلى مراجعة نقدية شاملة لكل
المواقف والتصرفات ، في ظرف مناخ يضفي على
عملية التطهير والخلق هذه جواً من الفعل
والانفعال والشد والتحريك باتجاه التوازن
والحكمة في الفكر والعمل . ومما نقل عن الامام
علي(عليه السلام) في هذا المجال قوله : "ولا
تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ، ولا التماس
إعظام لنفسي ; فإنه من استثقل الحق أن يقال له
أو العدل أن يُعرض عليه ، كان العمل بهما أثقل
عليه ، فلا تكفّوا عن مقالة بحق ، أو مشورةً
بعدل"(22) ، على أن
يتم ذلك في اجواء اجتماعية تعكس واقع هذا
السلوك التغييري نحو الحق والعدل ، وتحكيه
صورة حيّة ناصعةً ، وهذا المعنى نلمسه في
ارشادات الامام الكاظم(عليه السلام) لهشام بن
الحكم قائلاً له: "... يا هشام ، مجالسة اهل
الدين شرف الدنيا والاخرة ، ومشاورة العاقل
الناصح يُمنٌ وبركة ورشد وتوفيق من اللّه ،
فإذا أشار عليك العاقل فإيّاك والخلاف ; فإن
في ذلك العطب"(23) .

ويجب أن يكون علاجنا هذا
كعلاج الطبيب للمريض مليئاً بالعطف ، صبوراً
على ما يصدر منه ، حسناً كان أو قبيحاً ، ولا
يكلّ من المضي بالعلاج حتى مراحله النهائية ،
وفي قول الامام علي(عليه السلام) إشارة إلى
ذلك : "المسلم مرآة أخيه ، فإذا رأيتم من
أخيكم هفوة فلا تكونوا عليه إلباً ، وكونوا له
كنفسه ، وأرشدوه ، وأوضحوا ، وترفقوا به"(24)
، حتى إذا رأينا أن الداء بلغ مداه وعوامل
العلاج قد استنفدت اغراضها ، ولا ثمرة محسوسة
منه ، فهنا لا مناص من حماية الجماعة والامة
من خطر هذا المنحرف وتخريبه ، وذلك بالحجر
عليه وقطع كل سبيل له على الامة ، ومقاطعته
حتى يعود إلى رشده أو يكون عبرةً لمن اعتبر ،
ليمتاز الخبيث من الطيب والمصلح عن المفسد ،
وصدق رسول اللّه ومرشد الانسانية النبي محمد(صلى
الله عليه وآله) فيما قال : "لا تجلسوا عند
كلِّ داع مُدّع يدعوكم من اليقين إلى الشك ،
ومن الاخلاص إلى الرياء ، ومن التواضع إلى
الكبر ، ومن النصيحة إلى العداوة ، ومن الزهد
إلى الرغبة ، وتقربوا إلى عالم يدعوكم من
الكبر إلى التواضع ، ومن الرياء إلى الاخلاص ،
ومن الشك إلى اليقين ، ومن الرغبة إلى الزهد ،
ومن العداوة إلى النصيحة ، ولا يصلح لموعظة
الخالق إلاّ من خاف هذه الافات بصدقه ، واشرف
على عيوب الكلام ، عرف الصحيح من السقيم ،
وعِلل الخواطر ، وفِتن النفس والهوى"(25)
.

أما حالات التطرف العامة التي
تظهر على الامة أو بعض فئاتها وفصائلها ، فلا
يختلف علاجها في الجوهر عن علاج الحالات
الفردية ، من ضرورة الترشيد الاجتماعي إلى
المدى الذي لابد فيه من الحجر وقطع دابر الجزء
الفاسد منه ، ويبرز هنا بشكل اساسي دور
القيادة الرشيدة في العلاج وحسم الموقف ،
وادارة دفة الواقع باتجاه التكامل على صعيدي
الوعي والرشد التطبيقي للرسالة . وتبقى
الحقيقة القرآنية الخالدة درساً وضابطاً
لعملية الهدم والبناء في منهج التغيير للامة :
(واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة
واعلموا أنّ اللّه شديد العقاب)(26)
.

ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه
العلي العظيم والحمد للّه رب العالمين

* * *

(1) المنجد،
حرف الطاء، كلمة طرف .

(2) لسان
العرب، حرف الفاء كلمة طرف .

(3) البقرة :
143 .

(4) البحار
104 : 370 .

(5) المائده
: 77 .

(6) غافر : 83 .

(7) فصلت : 5 .

(8) الاعراف
: 198 .

(9) غرر
الحكم : 223 .

(10) م . ن .

(11) م . ن .

(12) م . ن .

(13) البحار
71 : 342 .

(14) البحار
77 : 201 ـ 221 .

(15) البحار
78 : 195 .

(16) البقرة
: 282 .

(17) الجمعة
: 2 .

(18) الحديد
: 28 .

(19) غرر
الحكم : 293 .

(20) نهج
البلاغة، كتاب 31 .

(21) غافر :
56 .

(22) نهج
البلاغه ، خ 216 .

(23) تحف
العقول : 293.

(24) البحار
10 : 97.

(25) البحار
2 : 52 .

(26)
الانفال : 25 .


/ 1