دراســات - رشد الاسلامی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رشد الاسلامی - نسخه متنی

مرتضى المطهری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراســات

الرشد الاسلامي

* الشهيد الشيخ مرتضى المطهري

يدور البحث ـ في هذه الدراسة ـ حول (الرشد الاسلامي).
والرشد من المفاهيم الاسلامية التي ذُكرت في بعض مجال الأحكام والوظائف .

هناك عدّة شروط للتكليف ، ومنها العقل ، فإذا لم يكن
الانسان عاقلاً ، بأن كان مجنوناً ،
مثلاً فلا يتوجه التكليف له ، ومنها البلوغ ، وغير البالغ كالمجنون لم يكلّف بأي تكليف
. ولم يُطالب بأيّ وظيفة من الوظائف .

والرشد من المفاهيم التي تضمنته القوانين والتعاليم
الاسلامية ، وهو يعبّر عن عمق التعاليم الاسلامية . فانه وان لم يعتبره الاسلام من
شروط التكليف ، وينطوِ ذلك على مغزى
كبير ـ ولكنّه باصطلاح الفقهاء يعتبر شرطاً لبعض الأحكام الوضعية ، وشرطاً لقبول
بعض الوظائف والمسؤوليات .

والرشد ـ في المصطلح الاسلامي ـ يقع في الجهة المقابلة لما
يسمّى بالسفاهة ، فالانسان الرشيد هو الذي لا يكون سفيهاً ، وفرقه عن العقل ، أن
العقل يقابل الجنون ، والمجنون لا يكلّف بشيء ، وحتى لا يمكن أن يكلّف بعلاج نفسه
، واصلاح عقله ، لأنه أدنى مستوى من ذلك ، ولكن الرشد لم يقع مقابل الجنون ، فالانسان
الرشيد رغم كونه عاقلاً ـ وليس بمجنون ـ لأنه لو كان مجنوناً فلابّد من نقله لمستشفى المجانين ، لمعالجته ، ولكن
لا يملك القابلية على تحمل المسؤوليات والوظائف ، والقرآن الكريم يقول حول اليتامى
(حتى اذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم) .

والاسلام يقول : لا يكفي البلوغ لوحده في اليتيم ، ليستقل
في تصرّفاته ، ولا يكون مشمولاً للوصاية عليه ، ولذلك يمكننا وضع أمواله باختياره
بحجّة أنه قد بلغ السن القانوني للبلوغ ، فالقرآن الكريم يؤكد على ضرورة توافر شرط
آخر وهو (الرّشد) ، فبعد وصوله لمرحلة البلوغ ، فلابّد من تعريضه للامتحان
والتجربة ، لنكتشف من خلال ذلك ، هل أنه يتّسم بميزة الرّشد أم لا فإذا وضعت في
يديه رصيداً مالياً . فهل يتمكن من تدبيره ، واستثماره استثماراً سليماً أم لا
فهناك الكثير من الأفراد قد بلغوا ، سن البلوغ القانوني . ولكنهم يفتقدون ميزة
الرّشد ، أي أنهم لا يتمكّنون من الحفاظ على ثروتهم .

والاستفادة المثمرة منها ، فيمكن أن يقعوا عرضة لخداع الآخرين
واستغلالهم .

ويتوضّح مما سبق أن الجنون والعقل مسألة ، والرشد وعدم
الرشد مسألة اُخرى ، فالجنون مرض ولا علاج له الاّ الطبيب والدّواء ، وأما عدم
الرّشد فهو ناشئ من سوء التربية والتعليم ، وعدم الرشد يعني عدم المعرفة لا عدم
العقل .

والاسلام في مسألة الزواج ، لا يرى كفاية البلوغ والعقل ،
في البنت والولد ليتمكنا من عقد العلاقة الزوجية بينهما ، بل يرى ضرورة وصولهما
لمرحلة اُخرى ، عقب مرحلة العقل والبلوغ ، وهي مرحلة الرشد ، ولا نهدف من الرشد ،
الرّشد البدني فحسب ، بل الرشد الفكري والروحي ، أي أن الولد يفهم ماذا تعني
العلاقة الزوجية ، وما هي متطلبات قوله (نعم) في عقد الزواج ، فلابّد أن يكون
واعياً بما تفرضه (نعم) من وظائف ومسؤوليات ، وأنه لا بد أن يكون قادراً على
تحمّلها وممارستها ، وكذلك الأمر في البنت ، فلا يكفي العقل والبلوغ فيها ، وذلك
بأن تصل الى السن الذي تتمكن معه من الانجاب ، فهل يكفي قولها (نعم) لتشكيل الجو
العائلي كلا ، بل لا بد من توافر شرط آخر ، وهو الرشد ، فلا بد أن تفهم ماذا
تفعل ، وعلى بصيرة بالوظائف ، والمسؤوليات التي تُلقى على عاتقها عقب قولها (نعم).

هذا هو مفهوم الرشد ، الذي يعتبر شرطاً ضرورياً لأكثر
المسؤوليات ، وفرقه عن العقل والبلوغ ، أن البلوغ له مسار طبيعي ، وليس في
اختيارنا وارادتنا ، حتى يمكننا التسريع ببلوغه ، أو تأخيره، وعدم العقل مرض ، ومن
كان مصاباً به ، فهو غير مسؤول عنه ، ولكن الآخرين مسؤولون ومكلفون بعلاجه ، ان
كان يقبل العلاج ، وأمّا الرشد فهو أمر مكتسب ، أي بما أننا عُقلاء بالغون ، فيلزم
علينا تحصيله واكتسابه.

الرشد تعريفه وأقسامه

والآن لنذكر تعريفاً جامعاً مانعاً للرشد ، وبعد ذلك نتحدث
عن المسائل التي تدور حول (الرشد الاسلامي) ، ومما تجدر معرفته أن للرشد أنواعاً
عديدة ، وكل مسؤولية ومهمة تفرض نوعاً معيناً من الرشد ، وعلى ضوئه يمكن تعريف
الرشد بأنه : (عبارة عن القابلية ، والقدرة على المحافظة . والاستفادة المثمرة
من الامكانات والثروات ، التي وضعت بيد الانسان ، وفي نطاق اختياره) .

هذا هو تفسير الرشد ، فإذا تميز الفرد في مجال معين بمثل
هذه القابلية والقدرة ; يمكننا القول بأنه يمتلك هذا النوع الخاص من الرشد، فمثلاً
لو أردت أن تعيّن مديراً لمؤسسة اقتصادية . حيث تضع بعهدته المسؤوليات والوظائف
الداخلية ، المرتبطة بشؤون المؤسسة فلابدّ أن تتوفر في هذا الشخص ، الكفاءة
والقدرة على المحافظة والاستفادة المثمرة والادارة في هذه المؤسسة ، ويمكن أن
يمتلك الشخص ذلك . فمسألة الادارة ، التي يتحدّثون اليوم عنها كثيراً ، هي في واقعها
من مسائل الرشد ، اذن فاذا كان مثل هذا الشخص متّسماً بالقدرة والقابلية على المحافظة
والادارة ومتمكناً من استثمار القدرات والامكانات والثروات ، بصورة أفضل ، يمكننا القول
بأنه يمتلك هذا النوع من الرشد ، أي رشد الادارة ، واذا لم يمتلك مثل هذه الكفاءة فلا
يكون رشيداً في هذا المجال ولا يسوغ لنا تكليفه بهذه المهمة .

وعالمنا اليوم ، يهتم اهتماماً كبيراً بمسألة الادارة ، سواء
الادارة التجارية أو الصناعية ، أو الدينية ، ويُعبّر عن العصر الحديث بعصر
الادارة ، أي العصر الذي تنبّه فيه
الانسان ، الى ضرورة توافر القائمين بمختلف المهمات والوظائف على ميزة الرشد
(بالتعبير الاسلامي) ، ومن لم يمتلكها ، فلا يكون معذوراً ، بل عليه اكتسابها
وتحصيلها ، مهما بذل من جهود .

الرشد الحيواني الغريزي ، والرشدالانساني المكتسب

وهناك فارق بين الانسان والحيوان في خصوص هذه المسألة ، بأنّ
رشد الحيوانات ، رشد غريزي طبيعي ، وأما الرشد الانساني ، فهو رشد مكتسب ، أي أن الحيوان
، يعرف بصورة غريزية ، الثروات والامكانات ، والقدرات ، التي جعلها اللّه تعالى ،
لتدبير حياته ومعيشته ، وكذلك يعرف ثرواته الخاصة به .

وكما أن الحيوان يمتلك المعرفة الغريزية بثرواته وامكاناته
وكذلك يمتلك القدرة والقابلية على الحفاظ عليها ، والاستفادة السليمة منها بصورة
غريزية ، أيضاً فهو غريزياً ـ يعرف ، كيف يتصرّف وينتفع من ثرواته . وكيف يتمكن من
المحافظة عليها .

فالنحلة تعرف ، غريزياً ، امكاناتها وقدراتها وثرواتها ، وتعرف
غريزياً كيف تحافظ عليها ، وكيف تستثمرها .

وأما الانسان ، خليفة اللّه ، فان نشاطاته في هذا المجال
ارادية ، فعليه القيام ، باختياره بالفعاليات والممارسات التي يقوم بها الحيوان غريزاً
، وبتوجيه من قانون الخلقة والطبيعة . وعليه اختيار المهمة والقيام بها ، وهو
مسؤول عن كل أعماله ، فلا بد أن ينشط بنفسه ، لتحصيلها ; أجل ، ان الرشد ، لكل
انسان هو أمر مكتسب ، فعلى الانسان أن يتعلم أنواع الرشد بنفسه .

وتخطر ببالي ، جملة تدور على ألسنة أبناء بعض القرى
والأرياف، اذ أننا نسمع من عامة الناس ، أحياناً ، بعض الكلمات والتعابير
والأمثله، غريزة المحتوى ، ففي بعض قرى خراسان ، حين يريدون التعبير عن بلوغ الطفل
، يقولون عنه : بأنه (قد عرف نفسه) وهذه الجملة ببساطتها، ذات مضمون عميق ، فانهم
يفترضون ، بأن هذا الانسان ، لم يكن قد عرف نفسه ، قبل هذا السن ، هو نفسه قبله كان
جاهلاً بنفسه ، والآن قد وصل الى المرحلة التي يعرف بها نفسه ، مع أنه كان يعرف
اسمه ، ولقبه ، سابقاً ، واسم أبيه ، ومدينته ، وبلاده ، ان هذه العبارة تشير الى نوع آخر من المعرفة ، فان
الطفل ، ابّان طفولته ، لم يكن يعرف نفسه ، والملاحظ أن هناك الكثير من الأفراد يصلون
لسن السبعين أو الثمانين أو التسعين ويرحلون عن الدنيا ، دون أن يعرفوا أنفسهم ، فلم يعرفوا شخصيتهم
الفردية ، أو شخصيتهم الاجتماعية ، أو هويتهم الانسانية أو هويتهم الاسلامية . نستهدف
من ذلك كله ، الى القول بأن الناس ، متنبهون ، بصورة مجملة الى نوع آخر من المعرفة،
حول أنفسهم وشؤون ومجالات شخصيتهم .

شروط الرشد

مما سبق عُلم أن الشرط الأول لتوفير الرشد ، هو المعرفة ،
فإذا أردنا رشدنا ورغبنا في تحصيل القدرة على المحافظة والاستفادة من الثروات
والطاقات والتوصل الى الكفاءة في هذا المجال ، اذا أردنا أن نعرف بأننا نمتلك في
أي مجال كان النوع الخاص به من الرشد من أين نعرف ذلك الشرط الأول هو : المعرفة
الصحيحة . ففي المرحلة الاولى ، لا بد أن نعرف هل أننا على علم كاف بوجود
الامكانات والقدرات التي جعلها اللّه تعالى في نطاق اختياراتنا ، وبالثروات التي
توصّلنا اليها خلال التأريخ الطويل للبشرية ، أو أننا نفتقد هذا الشرط الأول من
الرشد

وبعد مرحلة المعرفة ، تأتي مرحلة الكفاءة ، والقدرة ، على
المحافظة والاستفادة .

وبعد أن تعرّفنا على مفهوم الرشد ، ورأينا بأن الاسلام قد
اهتم إهتماماً بالغاً بمسألة توافر الرشد في المهمات والوظائف والمسؤوليات
الإسلامية وأن الرشد أمر مكتسب ومسؤولية مستقلة يُفرض على الانسان تحصليها والتوصل
إليها ; يلزمنا أن نعرف بأن هناك أنواعاً مختلفة من الرشد ، الرشد الأخلاقي ، والرشد
الاجتماعي، والرشد السياسي ، والرشد الشعبي .

الرشد الاسلامي

هناك نوع من الرشد ، نطلق عليه (الرشد الاسلامي) وبحثنا
اليوم يدور حوله :

فنحن مكلّفون بالقيام بكثير من المسؤوليات ومنها مسؤوليتنا
في خصوص الاسلام نفسه ، ولكن أية مسؤولية مسؤولية المعرفة ومسؤولية المحافظة ،
ومسؤولية الاستفادة المثمرة منه ، فلابد أن نتفحص أنفسنا ، هل يمتلك المسلمون هذا
النوع من الرشد هل يعرف المسلمون اسلامهم معرفة صحيحة فمادمنا لم نعرف ثروتنا،
وكنا نجهل وجودها وقيمتها ، فاننا لا نكون متوفرين على الشرط الأول من الرشد ،
وكنا عاثرين من الخطوة الاُولى .

ومما يؤسف له أن واقعنا كذلك ، إذ أننا نفتقد الشرط الأول من
الرشد الاسلامي وهو معرفة الاسلام، ومعرفة الثروات الاسلامية ، اننا نجهل الثقافة الاسلامية
بل اننا لم نعرف حتى اليوم ، بأن للاسلام ثقافة ، بل لا نعلم بأن لنا تأريخاً
مزدهراً جداً ، اننا لم نزل نجهل رجالنا وعظماءنا ، الذين كان لهم التأثير الكبير
في تمدن العالم وتطوره ، ولهذا السبب ، لا نثق بأنفسنا ، ويتملكنا الشعور بالنقص
والانسحاق ، بمعنى أننا نرى تأريخنا تأريخاً متخلفاً خاوياً ، واذا لم نعرف شيئاً
; فكيف يمكننا المحافظة عليه ، والاستفادة المثمرة منه

المصاحف النفيسة

وربما ذكرت هذه الحكاية في بعض محاضراتي ، ولعلي قرأتها في
بعض الصحف فقبل سنتين أو ثلاث ، أعلن أحد القائمين بشؤون حرم الامام الرّضا(عليه
السلام) ، بأنه قد اكتشف ما يناهز الثلاثمائة أو الأربعمائة من نسخ القرآن الكريم
المخطوطة النفيسة ، بين الأوراق الممزقة التي وضعت في بعض الصناديق ، ليذهبوا بها بعيداً
عن الحرم الشريف ، ويدفنوها في التراب ، وهذه النسخ النفيسة كانوا قد أودعوها في
هذه الصناديق كأوراق ممزقة مهملة ، ولكن بما أنها مشتملة على الأيات القرآنية
الشريفة ولا يجوز أن تتلاعب بها الأيدي، أو تطأها الأقدام ، لذلك أودعوها في هذه
الصناديق ، لدفنها في التراب، في فرصة مناسبة ، ولكن قبل دفنها اكتشفها انسان رشيد ، ومنع من دفنها .

والحكاية تبدأ من ذلك ، فان حرم الامام الرّضا(عليه السلام) كان عبر العصور مهوى الزوار
تقصده مختلف الفئات من الملوك والسلاطين ، والوزراء والأثرياء ، والفنانين
والخطاطين ، وغيرهم ، وكل واحد من هؤلاء ، كان يحتفظ في بيته بنسخة أو نسخ متعددة
نفيسة ، من المصحف الشريف ، والتي كتبت بخط بديع وبأروع الخطوط ، إذ أن الخطّاطين
والفنّانين كانوا يبذلون أقصى جهودهم في كتابة المصحف الشريف، وتذهيبه ، وتزيينه ،
ولذلك كان عليهم الاحتفاظ بمثل هذه النسخ التي بُذلت عليها الجهود المضنية ، في
مكان أمين لذلك كانوا يقدّمونها كهدايا لحرم الامام الرّضا(عليه السلام) ، ولكن
نتيجة لإهمال أبناء الأجيال اللاحقة ، هؤلاء غير الرشيدين ، هؤلاء الذين لا يدركون
قيمة أي شي ، حين يحل شهر رمضان المبارك حيث يجتمع الأطفال في الحرم الشريف ،
لتلاوة القرآن الكريم ، كانوا يضعون تحت تصرفهم هذه النسخ النفيسة الثمينة ، من
القرآن الكريم ليقرأها الناس ، أو تلاميذ المكتبة ، وهؤلاء الأطفال ، كانوا يحاولون
ـ بتعبيرهم ـ حفظ القرآن الكريم ، لذلك كانوا يأخذون بتجزئة المصحف الشريف الى أوراق
متعددة ليسهل حملها وقراءتها ، وحين تتمزق هذه الأوراق ، يقولون : بأن هذه المصاحف
لا يمكن الاستفادة منها بعد ذلك ، لذلك يدفنونها في التراب.

وهكذا ـ كانوا يدفنون مثل هذه النسخ الثمينة ، هذه
النسخ التي تعبّر عن أروع ما وصل
اليه الذوق ، والايمان ، والابداع والفن ، حيث تدل على تمدن المجتمع والجيل ، الذي
كُتبت فيه هذه المصاحف الشريفة ، وتدل على العلاقة المفرطة من قبل الناس بالكتاب
المقدس لدينهم ، ولكن ماذا فعل ورثتهم لقد جعلوها في متناول الأيدي العابثة وبعد
ذلك ، دفنوها في التراب ، وهم لا يدركون ، بأن عملهم هذا، يعبّر بوضوح عن عدم
رشدهم ويدل على جهلهم بما كان يمتلكه أجدادهم من فن وابداع وما تجيش به نفوسهم من أحاسيس ومشاعر ، ان هذا العمل
المزري منهم ، يدل على عدم ادراكهم لهذه القيمة الاجتاعية ، التي ترفع من شموخهم ،
و تزيد من احترامهم ، بين الشعوب الاُخرى.

واتذكر بأن استاذي الحكيم الكبير المرحوم ميرزا مهدي الاشتياني
أعلى اللّه مقامه ، وقد جاء الى قم وبقي فيها ما يناهز الخمسة والعشرين عاماً ، وأخذ
بالتدريس فيها ، وقد روى هذه القضية
قائلاً : بأني ذهبت يوماً الى أحد باعة الكتب ، لأشتري كتاباً ، وقد عرض البائع عليّ
، نسخة مخطوطة لكتاب أجهله ، في الرياضيات، وقال لي : اشتر هذا الكتاب لعله ينفعك
، وحين سألته عن ثمنه أجاب : عشرة توامين، وبالرغم من أن هذا المبلغ لم يكن آنذاك
، بالمال اليسير ، ولم أكن أمتلك مثل هذا المبلغ ، ولكن حين تصفّحت الكتاب ، أدركت
، بأن مؤلفه أحد الرياضيين المسلمين ، وربما كانت له قيمة كبيرة ، قلت : إنني أشتريه
بشرط أن تخفّض من ثمنه ولكن البائع رفض ذلك ، وبينما كنا نتناوب الحديث حول ثمن
الكتاب كان الكتاب موضوعاً أمام الأنظار اذ تقدّم الينا ، شخص أجنبي ، وحين رأى
الكتاب ، سأل عن ثمنه ، أجاب البائع : عشرة توامين ، وعلى الفور أعطاه المبلغ،
وخرج بسرعة مذهلة وغاب عن الأنظار وبعد ذلك علمنا ، بأن هذا الكتاب قد تناقلته
الأيدي، وقد دفع لثمنه مبالغ طائلة وأن هذا الكتاب من حيث المحتوى ، ثمين جداً ،
وأنه النسخة المخطوطة الوحيدة لهذا الكتاب ، وبعد ذلك ذهبوا بالكتاب إلى مكتبات
أوربا ، وعرفنا بأن هذا الرجل كان من أوربا ، وقد كُلّف من بعض المكتبات الاوربية
، أن يعثر على هذا الكتاب ، ولعل هناك غيره من الكتب قد كُلّف بإحضارها .

أجل .. هذا هو الفرق بين الأمة الرشيدة ، والتي تعرف ثروات
الآخرين وكنوزهم ، وبعد ذلك تجمع كتب الآخرين ، وتضمها لمكتباتها ، والأمة التي تمتلك
هذا التاريخ المزدهر ، ولكنها وصلت بعد ذلك إلى هذا المستوى من التخلّف ، حيث لا
تدرك ، بأنها تمتلك مثل هذه الثروات والكنوز ، وأنه يلزمها الحفاظ عليها الآن .

إذا أردتم العثور على أفضل كتب الشرق ، أو النسخ الثمينة من
الكتب الاسلامية، فأين تعثرون عليها فهل تعثرون عليها في طهران أو اصفهان كلا بل
لابد أن تذهبوا إلى مكتبات أوربا ، وأميركا وروسيا، لتعثروا عليها بل أنكم ستعثرون
عليها هناك بصورة أفضل.

ومما يبعث على التفاؤل أن بعض الدول الاسلامية ، أمثال تركيا
والهند وإلى حدّ ما مصر وايران ، قد فتحت بعض المكتبات العامة القيمة وهذا ما
يستوجب الشكر والتقدير .

العمارات والمعالم التاريخيةالأثرية

قبل سنوات ، كانت العمارات والمعالم التاريخية ، الأثرية ،
تعيش وضعاً مؤسفاً ومزرياً ، فإنها كانت مفتوحة لكل عابر ، فيدخلها كل أحد ، وله
الخيار في أن يعبث ما يشتهي ومايريد فيها ، وحتى الأطفال، حين يدخلونها ، وتعجبهم
بعض الزخارف فإنهم يتمكنون من قلعها ، فيأخذون مسماراً أو أي شيء آخر ، ثم يأخذون
بتحطيم هذه الزخارف وكسرها ، ولا يردعهم أي أحد من هذه الأعمال العابثة الصبيانية ولكن
لو كانت اُمة أخرى ، تمتلك مثل هذه الزخارف ، والذخائر الأثرية ، التي أبدعتها
أجيالنا ، قبل ما يناهز الستمائة عام أو أقل أو أكثر ، والتي تدل بجلاء على مدى ما
وصلت إليه الثقافة والحضارة الاسلامية آنذاك ، لم تكن مستعدة أن تبيع حجارة واحدة
منها ، بمليون تومان ، إذن لماذا نحن كذلك لأننا لا نملك معرفة وادراكاً ،
والأمثلة كثيرة في هذا المجال .

وقد سمعت من شخصية محترمة ، موثوق بها ، أن الاهتمام
بالمحافظة على قبة مسجد شيخ فضل اللّه في اصفهان ، قد بدأ ، حين جاء إلى اصفهان
مستشرق معروف ، يبحث حول تاريخ ايران وحضارتها ، وهو البروفسور بوب ، وقد توفي
أخيراً ودفن في اصفهان ، وفقاً لوصيته ، وقد جاء إلى اصفهان ، ونبّه المسؤولين ،
للحفاظ على هذه القبة ، وان عدم المحافظة عليها ، أو خرابها ، خيانة للبشرية إن
هذه الآثار ليست ملكاً لفرد ، أو اُمة معينة ، إنها للبشرية جمعاء ، إنها تجسد جمال
الروح البشرية ، ومنذ ذلك التنبيه ، أخذنا نفكر في المحافظة عليها .

العلماء المسلمون

ومن ذخائرنا وكنوزنا الثمينة أيضاً ، علماؤنا الكبار ، فلست أعلم كيف وُلد فينا الشعور
بازدراء ماضينا ، ولعل هذه النظرة وليدة الشعور بالنقص والاحتقار حول ماضينا ، فإن
الكثير يتوهم ، بأنه لم يخلق منّا في الماضي عالم كبير يستحق الاهتمام به ، وقد يتخيل
البعض بأن طب ابن سينا إنما يفيد العجائز ، لاستخدامه في العلاج ، ويتخيلون أيضاً
، بأن رياضيات علماء الرياضة المسلمين ، أمثال ابن الهيثم والخوارزمي ، والخيام ،
لا تتجاوز نطاق معلومات الطالب الابتدائي اليوم .

لقد وصل الأمر بنا ، إلى التعرّف على قيمة علمائنا من
الآخرين فحين نقدر اليوم أو نحتفي بأمثال الخواجة نصير الدين الطوسي ، أو المولوي
أو سعدي ، أو حافظ ، لأن الغربيين يهتمون بهم ، وهم يحتلون جانباً مهماً من
كتاباتهم وتاريخ علومهم وآدابهم والبعض من علمائنا لهم المكانة الرفيعة بين نوابغ
العالم ، لذلك لم نجرؤ أن نذكر اسماً من علمائنا ، فيما إذا لم يهتم الغربيون بمثل
هذا الاسم .

وقبل سنوات ، لم يطرح اسم صدر المتألهين الشيرازي ، العارف
الحكيم الإلهي الشهير ، من قبل الاوربيين ، ولم يكن أبناؤنا ، يتوقعون بأن هذا الفيلسوف
الكبير يمتلك تلك الآراء المتعالية في مجاله الخاص، ولكن حين اكتشف بعض المستشرقين
، هذا الفيلسوف ، ونبّه عن اسمه ، ومكانته الفلسفية، في بعض المؤتمرات العلمية
العالمية ، ظهر بعد ذلك اسمه ، في كتاباتنا .

القوانين والتعاليم الاسلامية

وهي أهم الثروات كلها ، وأكبرها ، بل إنها المنبع والاُم لسائر
الثروات ، والأمثلة التي ذكرناها ، حتى الآن كانت تدور حول ما ورثناه من الثقافة ،
والمدنية والحضارة الاسلامية ، والآن لنضرب مثالاً من الاسلام نفسه ، أي من
القوانين والتعاليم الاسلامية :

فقد مرّت سنوات طويلة نتيجة لعدم رشدنا ، وعدم تعرّفنا على
الاسلام والفلسفة الاجتماعية والانسانية للاسلام ، كنا ننظر من خلالها باستهانة
للتعاليم الاسلامية ، وكنا نعتقد بأنه يلزم علينا اهمالها ، واقصاؤها عن واقعنا ،
وبالتدريج فقدت هذه القوانين تأثيرها الفاعل في حياتنا الاجتماعية والعملية ،
واحتلت موقعها القوانين والتعاليم التي وضعها الآخرون .

ولكن هل تدارسنا ذلك هل أننا تفحصنا هذه المسألة بصورة
جدّية وبنظرة موضوعية ، واكتشفنا من خلال ذلك ، بأن القوانين الجزائية الاسلامية
والقوانين القضائية الاسلامية ، والقوانين العائلية الاسلامية، بأنها تصلح لتوجيه
المجتمع والاُسرة توجيهاً سليماً ولعلنا لا نتألم كثيراً إذا كنا قد توصّلنا إلى
هذه النتيجة من خلال الدراسة الواعية الموضوعية ، ولكن مما يؤسف له ، إننا لم
نتدارسها جدّياً .

ولأضرب مثالاً ، لذلك ، من القوانين الجزائية الاسلامية ، وهذا
المثال إنما أذكره بالخصوص ، لأن الآخرين كثيراً ما يستهدفون مناقشته ، والاعتراض
عليه .

عقوبة السارق

من القوانين الجزائية الاسلامية العقوبة التي تُفرض على
السارق ، وهي قطع الأصابع ، والذي يتعرض اليوم إلى هجوم مكثف واسع ، حيث يقولون : بأن
عالمنا اليوم لا يتذوّق ولا يتحمّل قطع يد السارق ويستهدفون من ذلك ، الايحاء إلينا
بأننا لا نملك رشدنا ، ولا نملك معرفتنا ، ولا نملك حق تقييم الأشياء وتحديدها ،
ولا نملك حق الوعي والاختيار بأنفسنا ، بل نحن مفروض علينا ، أن نتقبل ما يتذوقه
الآخرون وإننا يجب أن نكون تابعين مقلِّدين في تحدّينا ورؤيتنا ، وتقييمنا للأشياء
، فإذا التزمنا بأننا لا نملك بأنفسنا حق التفكير والتقييم ، بل أن الآخرين بدلاً
منا يضعون لنا الأفكار ، والمناهج ، ولا يحق لنا إلاّ التقليد والتبعية لهم ، فلا
أرى ضرورة للحديث ، وأمّا لو اعتقدنا بأننا نملك خيارنا ، ومنحنا لأنفسنا مقداراً
ضئيلاً من الجرأة والشجاعة ، وحينئذ يحق التساؤل لماذا نتقبل قطع يد السارق

هناك عدة صور واحتمالات لهذه المسألة : أمّا أن يترك السارق
دون مجازاة إذ لم يحدث أمر مهم وخطير ، يستوجب العقوبة، فمَن مارس السرقة ، يلزمنا
عدم التعرض له بسوء ، وعلى تقدير التفكير بمجازاته ، فيجب أن يكون الجزاء مرناً ناعماً
، بحيث يتشوّق معه ثانية لتكرار عملية السرقة ، وأمّا أن نقول بأنه لا تجب مجازاة
السارق، بل تجب تربيته ، وانقاذه ، من هذا الواقع السيىء المنحرف ، الذي يعيشه ، وهذا
الحديث خادع جداً ، ويتقبله السذّج ولكن الحديث ليس حول التربية والمجازاة ، بل
الحديث حول ماهو أعمق من ذلك فلو لم تثمر التربية شيئاً ، ولم تؤثر في السارق ،
فماذا نفعل أليست المجازاة حينئذ ، هي العلاج الأخير لاصلاحه وأمّا أن نقول
بأن قطع أصابع السارق عقوبة خشنة وقاسية ، وانه يلزم الاكتفاء بما هو أقل عنفاً ،
فمثلاً يستبدل القطع بعدة ضربات بالسوط ، ولكن : ماهو مقياس الخشونة والمرونة إن
السرقة بالأمانة تسيىء بنواميس المجتمع ومقدّساته ، بأننا نقرأ كثيراً ، بأن
السرقة نفسها ، قد أدّت الى قتل السارق نفسه أو قتل الآخرين أو جرحهم ، أو تشويههم
وغيرها من الاصابات الاُخرى. فلا بد أن نستخدم الجزاء الذي يكون مؤثراً ناجحاً في هذا المجال ، بحيث يكون
له تأثير العلاج النهائي . وقد أثبتت التجارب بأن ترك تنفيذ مثل هذه العقوبة في السارق
. قد أدّت إلى ارتفاع نسبة عمليات السرقة ، مما أدى ذلك الى دمار الكثير من الاُسر
والعوائل وقتل الكثير من الأفراد ، ولكن حين نُفذت هذه العقوبة ، حيث قطعت أصابع يد السارق ، فإن ظاهرة
السرقة قد إختفت ، واختفت معها كل آثارها ، ومضاعفاتها السيئة البشعة ، وليست هناك قسوة وخشونة في قطع اصابع
يد الخائن بل أنه يجتث الخشونة من أساسها ، إذ أنّ مكافحة الممارسات الخشنة والعنيفة الناجمة من السرقة ، أكثر
صعوبة ومشقة .

ويجدر بنا أن نشير الى هذه الملاحظة : بأن القوانين
الجزائية لا يمكن إجراؤها ، إلاّ بعد الاعلان الصريح عنها ، وأن من يقوم بعملية
السرقة يجب أن يجازى جيداً بالعقوبة التي تنتظره ، وبالرغم من ذلك فإنه يقترف هذه
الجريمة ، والملاحظة الاُخرى : يرى الاسلام بأن المجازاة هي العلاج الناجع الأخير
لتربية المجتمع واصلاحه ولكن لا يرى بأن الاسلوب الوحيد للحد من السرقة أو أي
جريمة أُخرى يتحدد بالمجازاة ، فإن الاسلام يتشبث بمختلف المحاولات والأساليب في
هذا المجال ، ومنها المجازاة.

وهناك إعتراض ، يكرره البعض دائماً ، ويقولون : بأننا لو
التزمنا بقطع يد السارق في بلد ما
، ولكن أيّ سارق فانما يقطعون يد الانسان الذي تعده القوانين الراهنة سارقاً ، مع
أنه من الممكن ، وجود آخرين في ذلك البلد نفسه يستغلون الأفراد الآخرين ، ويستولون
على أموالهم ، ويعتدون على حقوقهم ، ولكن بما أن القوانين السائدة ، لا تعتبراستغلالهم ،
واعتداءهم سرقة لذلك لا تنفّد عقوبة القطع في حقهم ، إذن فيفقد هذا القانون الجزائي قيمته الفاعلة
، إن هذا القانون سيؤدي الى قطع يد البائس المحروم
، الذي يمدّ يده أحياناً ، نتيجة لضغط الظروف التعيسة التي يعيشها
، ليسرق شيئاً ضئيلاً، ولكن السارق المحاط بالذهب والقوة ، والذي ينهب الآخرين ويسلبهم
، ويعتدي على الحقوق العامة للناس ،سوف يبقى مصوناً عن المجازاة ، محترماًمبجّلاً لدى القانون .

ولكن هذا الاعتراض من أكثر الاعتراضات تفاهةً وضحالة ، فهل
تعني مجازاة السارق أن تُعرض قضيته على القوانين الراهنة لنرى رأيها فيها وأنه لو كان يمتلك القوة والذهب فلا
يجوز التعرّض له، إن مسألة قطع يد أصابع السارق في الاسلام جزء من الاطروحة الكلية
الشاملة لتشريع وتطبيق القوانين العادلة .

عدم الاهتمام بالمسؤوليات

من المسائل الهامة والخطيرة جداً ، مسألة عدم الاهتمام
بمهمّة المحافظة على القوانين والتعاليم الاسلامية بسبب جهلنا بفلسفة الأنظمة
الاجتماعية والسياسية ، والحقوقية ، والجزائية والعائلية للاسلام ، وعدم القدرة
على حراستها ، والدفاع عنها .

ومما يبعث على التفاؤل أن انبثق نوع من اليقظة والوعي في السنوات الأخيرة .
والأفراد اليقظون حين يبحثون بعمق حول الأنظمة الاسلامية فسوف تصيبهم الدهشة من
جهتين : ـ

الاُولى : العمق المعجز للفلسفة الاجتماعية الاسلامية ، والتي لا يمكن صدورها من غير
الوحي .

الثانية : وضوح جهل المسؤولين عن القيام بمهمة المحافظة على
القوانين وعدم كفاءتهم وقدرتهم على ذلك .

الجهل بما يحدث في العالم الاسلامي

المثال الآخر يدور حول عدم رشدنا : من مشخصات المجتمع الحي ،
إنه اذا تألم بعض أعضائه ، أن تفزع الأعضاء الاُخرى كلها ، الى التعرف على ألَمه ،
بل ومشاركته في محنته ، وتقديم المعونة له ولعل الجميع ، سمع وقرأ هذا الحديث
الشريف عن النبي(صلى الله عليه وآله) (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل
الجسد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر أعضاء جسده بالحمّى والسهر) والمجتمع
الحي كذلك ، فإنه لا يظل جاهلاً بالأحداث والأزمات التي تتهدد بعض أعضائه ولا يبقى
مكتوف الأيدي تجاهها ولا أقل من التعرّف عليها .

وفي محاضرتي عن (الخطابة) بحثت حول مسألة صلاة الجمعة ، ونقلت
، هناك الرواية المعروفة عن الامام الرضا(عليه السلام) : «وانما جعلت الخطبة
يوم الجمعة لأن الجمعة مشهد عام فأراد أن يكون للأمير سبب الى موعظتهم وترغيبهم في
الطاعة وترهيبهم من المعصية وتوفيقهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم ويخبرهم
بما ورد عليهم من الآفاق» .

وموضع الشاهد ، الجملة الأخيرة من هذه الرواية
(ويخبرهم بما
ورد عليهم من الآفاق) أي إنما وجبت صلاة الجمعة ، ليكون المسلمون على علم بالأحداث
التي تمرّ على العالم ، وبالخصوص العالم الاسلامي .

ولكن حين نتفحص وندرس تأريخ القرون الستة ، أو السبعة
الأخيرة فلا نرى إلا الجهل المطبق ، فقد اُجتث من جسد الاُمّة الاسلامية ، أعز أعضائه وأهمها ، ولكن سائر الأعضاء
بقيت سادرة في جهلها، و حكاية الأندلس الاسلامي أحد المراكز الثلاثة للتمدن الاسلامي
العظيم ، والغرب بنفسه ، يعترف بأنه مدين بحضارته ومدنيته للتمدن الاسلامي في
الأندلس ـ مثال واضح على هذه الحقيقة المرّة لقد قُطع هذا العضو العزيز ، بأبشع
صورة ، ولكن الشرق الاسلامي بقي جاهلاً ، بما حدث ، ولقرون عديدة بعد ذلك .

واليوم نعاني ، مثل هذه المأساة ، فتمر الكثير من الأحداث
المؤلمة والعواصف المهولة على العالم الاسلامي ، ولكن الملاحظ ، أن لا يكون هناك أدنى
معرفة بها ، فضلاً من مشاطرتها فيمحنها كأحداث الفلبيين وغيرها .

دور التعليم والتربية في الرشد

قلنا سابقاً ، أن الحيوانات تمتلك نوعاً من الرشد في نطاق
حياتها الخاصة فهي بصورة غريزية ، تحدّد ما ينفعها وما يضرّها ، وبصورة غريزية
،تمتلك القابلية والقدرة في المحافظة
على امكاناتها والاستفادة منها ، والشي الذي لا تعرفه أو لا تمتلك القدرة على
الاستفادة منه ، وهو الذي لم يكن من مختصّاتها في نظام الخليقة . ولكن الرشد
الانساني ، إكتسابي ، والقدرة على المحافظة ، والانتفاع المثمر من الامكانات
والطاقات ، التي اعتبرت في نظام الخليقة من مختصاته ، هي بدورها اكتسابية ،
والتعليم والتربية يهتمان بهذين المجالين ، فإن التعليم يوفّر المعرفة ، التي هي
الرّكيزة الاُولى للرشد ، والتربية توفر القدرة التي هي الركيزة الثانية .

اتساع ميدان الرشد الانساني

وهناك فارق آخر بين رشد الانسان ، ورشد الحيوان ، وهو أن
رشد الحيوان آني ، موضعي ، وأمّا رشد الانسان فهو غير محدّد بزمان وحال ، بل هو
شامل للماضي والمستقبل ، وغير محدّد بالموضع الذي يعيش فيه ، بل أنه يشمل المواضع الاخرى
أيضاً .

القدرة على التنبؤ

رشد الانسان بالنسبة لماضيه ، كما ذكرناه ، أي المعرفة
بماضيه وتأريخه والاستفادة المثمرة من الامكانات والقدرات التأريخية ، وأمّا رشدهبالنسبة للمستقبل ،
فيعني القدرة على التنبؤ عن المستقبل، أي التنبؤ بالحوادث المستقبلية ، ووضعها تحت قيادته
وتوجيهه بقدر إمكانه بمعنى قيادة الزمان وهدايته وتوجيهه على ضوء القوانين والسنن الحاكمة على الزمان
والتأريخ .

مثاله : ما يلاحظ اليوم في بعض الدول المتطورة ، كيف تتنّبا
بالحوادث ثم تتأهب لمواجهتها . وتوجيهها بقدر الامكان .

فالتأهب لمواجهة المستقبل ، وقيادته وتوجيهه ، التي هي من
مؤشرات الرشد الاجتماعي ، تنشأ بدورها من القدرة على التنبؤ ، ومن الطبيعي أن
التنبؤ العلمي هو الذي يخضع للقوانين العلمية ، فلا يشمل تنبؤات المدّعين للغيب ،
حيث يتكهنون من أول السنة (فروردين) بحوادث السنة المقبلة ، ثم ينشرونها ، لأجل
إشغال الاذهان ، ولتكون مادة للأحاديث الفارغة ، ولكن بعد نهاية السنة ، لا يتحدث
أحد عن مصير هذه المهملات . والتنبؤ العلمي يعتمد في أساسه على معرفة المؤثرات
والعوامل الفاعلة في المرحلة الراهنة ومتطلباتها فمعرفة الحاضر له دوره الكبير في
القدرة على التنبؤ ، اذن فشرط الرشد ، معرفة الزمان ومتطلباته ، والأفراد الذين لا
يعرفون جيداً عصرهم وزمانهم ; لا يمكنهم التنبؤ عن المستقبل ، وهدايته وتوجيهه
وقيادته .

وحتى الآن كان حديثنا يدور حول الدلالات التي تؤشر على عدم
الرشد وهي اللامبالاة ، وعدم المعرفة ، وعدم الاطلاع على العوامل الفاعلة في
الزمان ، وعدم القدرة على التنبؤ ، وعدم الرؤية لما لا يتجاوز موطئ القدمين.

دلالات الرشد

ونتحدّث هنا عن بعض الدلالات التي تؤشر على وجود الرشد ،بصورة موجزة جداً :

1 ـ المطبوعات

والمطبوعات لدى كل اُمّة دليل على مستواها . ونظرة واحدة
لمطبوعاتنا والتي تظهر اليوم باسم الاسلام والدين . تدلنا على مستوى الرشد في
مجتعنا ولأجل أن نلمس بأيدينا الحقيقة المرة ; أضع نصب أعينكم مقارنتين : ـ

المقارنة الاولى : بين المطبوعات الدينية والاسلامية في
عصرنا ، والآثار والكتب التي آلفها المسلمون في العصور الاسلامية السابقة ، وهذه
المقارنة تثير فينا الأسف على واقعنا وحاضرنا ، يقول الغربيون : إذا أردت مراجعة
الكتب الغربية ، فاقرأ الكتب التي هي أكثر قرباً من عصرنا ، لأن الكتب الغربية
كلما تقارب زمن تأليفها من عصرنا ، إزدادت نضجاً وعمقاً واتقاناً ، وغزارة في المحتوى
، ولكن الأمر بالعكس في الكتب الاسلامية ، والشرقية ، فاذا أردت مراجعتها فراجع
الكتب التي هي أكثر قدماً وتباعداً عن عصرنا ، حتى تصل للقرون الاسلامية
الاُولى ، لأنها كلما تقارب زمن تأليفها من عصرنا ، ازدادت ضحالة
وتخلفاً وتضاءلت قيمتها العلمية ، وكلما تباعدت عن عصرنا ، كانت أفضل ،
وأكثر عمقاً ، وابداعاً وتكاملاً .

وهذا القول وان كان مبالغاً فيه ، ولكن ممّا لا يشك فيه أحد
، أن الكتب الاسلامية التي تصدر اليوم باسم الارشاد والدفاع عن الاسلام، هي كذلك ،
فان النتائج السيئة التي تنتج من أغلبها ، أكثر من نفعها ، فبدلاً من أن تؤدي الى
تنمية الوعي ، والمعرفة واليقظة ; نلاحظ أنها تؤدي الى التخدير والانحراف ، وبدلاً
من توفير الهداية والتوجيه نلاحظ أنها تؤدي الى الضياع والضلال ، ولعل أهم الأسباب
في ذلك هو عدم التنظيم في محيط رجال الدين ، فكل من تحلو له الكتابة ، يمسك بالقلم
ثم يكتب عن الاسلام ، وبعد ذلك يطلب من شخصية مرموقة تقريظ كتابه ، ثم يركبه
الغرور .

2 ـ القوى والطاقاتالفكرية

القوى والطاقات الفكرية لدى كل اُمّة ـ حيث يمكن لها
التعبير عن أفكارها ومعطياتها ـ من جملة الثروات القيمة لتلك الاُمّة ، ولكن لا بد
أن نعرف ما هي المسائل والموضوعات التي يجب استثمار هذه القوى فيها وماله علاقة
بالرشد وعدم الرشد ، ليس وجود أو عدم وجود العقول والأدمغة الكبيرة ، بل المهم
ملاحظة المسائل التي يلزم أن تستثمر هذه الطاقات فيها . ان الذهن القوي نظير
الساعد القوي ، فإن الساعد القوي لا يعتبر منتجاً ومثمراً بنفسه ، فأي فائدة مثمرة
لذلك الساعد القوي والعضلات المفتولة التي تحفر التراب ، ثم تنقله من موضوع الى
آخر

والملاحظ ، أن بعض المجتمعات ، تبدد القدرات والكفاءات
الذهنية ـ أي أشرف وأعز الثروات البشرية ـ في المسائل العديمة الفائدة ، أو أنها
ضئيلة الفائدة ، على الرغم من وجود الآلاف من المسائل والمشاكل الشائكة والمعقدة
سواء كانت نظرية أو عملية ، والتي تطالب ، وبالحاح بالحل ، ولكن هذه القوى
والطاقات الفكرية تستنزفها معالجة بعض المسائل المكررة ، التي لو كانت تقبل الحل، فانها
قد حلت آلاف المرات ، ولكن المتعارف استخدام الكفاءات ، والطاقات الذهنية ، في المسائل
نفسها ، دون أن يكون لها أي ثمرة وعطاء . فمثلاً ـ قد اعتدنا على تبديد الكثير من
القوى الفكرية في معالجة شبهة إبن قبة ، أو أمثالها من الشبهات التي
قد بُحثت ، وحُلّت ، مرات عديدة ـ بالرغم
من وجود المسائل والمشاكل الهامة التي هي أكثر ضرورة من شبهة إبن قبّة ، وأكثر فاعلية ، وأشد إحتياجاً
للعلاج ، ولكن لم يفكر فيها أي أحد ، وكانت مشكلتنا ، إلى يوم القيامة والتي
يلزمنا التكفير فيها ، هي هذه المشكلة فحسب ، وبعض المشاكل الاُخرى التي تماثلها ،
ولا يمكن أن نوضّح هذه المسألة أكثر من ذلك .

المواقف العاطفية

ومن الدلالات الاُخرى للرشد وعدم الرشد . المواقف العاطفية
الاجتماعية ، فإن المجتمعات تتفاوت فيما بينها في مواقفها العاطفية ، إننا في وهم
كبير ، حين نعتقد بأن المواقف العاطفية للمجتمعات الدينية ـ بإصطلاحنا ـ متلونة
دائماً باللون والطابع الديني ، أو أنها منبثقة في واقعها من دوافع دينية، ولكن لو
كانت تلك المواقف العاطفية ، تدور حول مسائل وموضوعات دينية ; فهل يكفي ذلك لنعتبر هذه المواقف
بنفسها ، دينية ، ومتطابقة مع المصالح الدينية والجواب ، كلا وهذه هي الملاحظة
التي لها أهميتها في هذا المجال .

فنرى أحياناً بعض الناس ـ ولعوامل إجتماعية معينة ـ يفقدون
موقفهم العاطفي ، من بعض الاُصول والاُسس الدينية ، وكأنما قد تحجّر احساسهم تجاه
هذه الاُصول ، فيشاهدون نصب أعينهم ، بأن هذه الاُصول . تستحق الاهتمام ، دون أن
يحرّكوا ساكناً ، ولكنهم في بعض المسائل الاُخرى ، التي لا تعتبر من اُصول الدين بل من فروعه، وربما لا تكون
من الفروع أيضاً ، بل من الشعائر ، أو أنها من الاُصول ولكنها كبقية الاُصول
الاُخرى ، ولكنهم يتخذون تجاهها موقفاً عاطفياً متشدّداً بحيث يتملكهم الغضب
الشديد من النقد الطفيف أو الاشاعة الكاذبة عنه .

وأحياناً ، تسود المجتمع بعض المواقف العاطفية الكاذبة ، أي
أن الناس يتخذون تجاه بعض القضايا موقفاً عاطفياً حادّاً ، دون أن يعتمد هذا
الموقف على دليل منطقي .

يروي أحد الفضلاء بأنه كان يعيش في بعض المدن الايرانية أحد
التجار المقدسين ، ولم يتفضّل اللّه عليه إلا بولد واحد ، وكان هذا الولد عزيزاً
وأثيراً لديه جداً ، ولذلك نشأ هذا الولد مُدللاً ، وشب الولد وأصبح شاباً رشيقاً
، و الشباب ، والفراغ ، والثروة ، والدلال ، أدّت كلّها بهذا الشاب إلى ما لا يحمد
عقباه ، وقد تألّم الأب كثيراً لمصير ابنه ، ولم يصغ الولد أبداً لنصائح أبيه وتوجيهاته
، وبما أنه كان الولد الوحيد ، لم يكن الأب مستعداً لطرده ، كان يعتصره الألم ، من
سلوك الابن الشائن ، وقد وصل الانحراف بالولد الى أن يعقد مجالس الخمرة في بيت
أبيه ، الذي لم يشهد إلاّ المجالس الدينية، وبالتدريج فتح البيت أيضاً لدخول الفحشاء
وكان الأب البائس يعيش معاناة قاتلة، دون أن ينبس ببنت شفة .

وآنذاك كانت الطماطة الفرنسية جديدة العهد بايران ، وكان
البعض يشيعون عنها ، بأنها مستوردة من فرنسا ، وانها محرّمة ، ولذلك امتنع الناس من
استعمالها ، بالتدريج ، وجد موقف عاطفي حاد من قبل أهالي المدينة تجاه هذه الطماطة
، وأنها أشدّ حرمة من سائر المحرّمات ، وكانوا يطلقون عليها بعض التعابير التي تدل
على مدى ما تضمره نفوسهم أمثال (الباذنجان الارمني) فإن تعبير الطماطة الفرنسية
يدل على وطن هذه الطماطة ، ولكن التعبير الثاني يحدّد دينها ومبدأها ، ومن هنا
أصبح موقفهم العاطفي من هذه الطماطة أكثر حدة وضراوة .

وفي يوم ما قالوا لذلك الأب ، الذي يقترف ابنه أكثر
المحرّمات بشاعة ، دون أن يحرّك ساكناً ، أخبروه : بأن ابنه قد أدخل اليوم لبيته،
الطماطة الفرنسية .

وفقد الأب أعصابه ، وصاح على إبنه ، وأحضره بغضب ، وقال له
: أي بني لقد شربت الخمر فصبرت ، واقترفت الفاحشة فصبرت ، ولعبت القمار فصبرت ،
وفتحت البيت للخمرة والفاحشة فصبرت ، ولكن الآن ، وقد وصل الانحراف بك أن تدخل
لبيتي الطماطة الفرنسية ، إنني لا أتحمّل ذلك أبداً ، فمن هذا اليوم أنت لست بولدي
، ولا بد أن تخرج مطروداً من البيت .

هذا مثال من المواقف العاطفية التي تتخذ في بعض المسائل
التافهة ، فيصل الأمر بهذا الأب أن يكون موقفه العاطفي من الطماطة الفرنسية أشد بكثير
من موقفه تجاه الخمرة والقمار والفحشاء .

أما المواقف العاطفية الكاذبة تجاه المسائل الأساسية
والاُصولية ، ولعل البعض تتملكه الدهشة والعجب، من قولنا ، بوجود المواقف العاطفية
الكاذبة تجاه المسائل الأساسية ، ولكن واقعنا يصادق على قولي ، والدليل عليه ، ما
نراه بوضوح من أن الاُصول تُسحق ، دون أن يُتخذ أي موقف عاطفي ، فنعلم من ذلك أن المواقف
العاطفية تجاه الكثير من الاُصول مواقف كاذبة .

ألم تلاحظوا الضربات الموجعة الموجهة للاسلام ، وللمقدسات
الاسلامية بالخصوص ، فمثلاً قد وُجهت الاهانة الصريحة لشخص الرسول(صلى الله عليه
وآله) وحيكت الاتّهامات والافتراءات ، وقد انحرف البعض من خلال ذلك ، ولكن لم
يُتخذ تجاه ذلك أي موقف عاطفي ، واكتفينا بالتحسر والتأسف القلبي فحسب ، ولكنهم حول
مسألة ، ولعلها نتجت غفلةً واشتباهاً ، دون أن يكون صاحبها متعمداً مغرضاً وربما
كان يمكن معالجتها بالحوار الأخوي ، كيف كان موقفهم العاطفي حادّاً ملتهباً وكيف
أثاروا الأجواء حولها ، بحيث لم ينتفع منها إلاّ أعداء الاسلام .

النفقات والمبرّات

المثال الآخر للتعرف على الرشد وعدم الرشد ، أنواع الانفاق
والأموال التي يدفعها الناس باسم الانفاق في سبيل اللّه ، وأنواع المصارف التي
يتخيرونها لأموالهم ، تدل على مستوى الرشد الاسلامي بين المسلمين ، وللقرآن الكريم
بعض التعابير حول تأثير أنواع الانفاق ، ونذكر مثالين ، أحدهما للانفاق المُثمر
النافع والآخر للانفاق المنحرف والخاطئ:

الأول قوله تعالى (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل
اللّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة واللّه يضاعف لمن يشاء
واللّه واسع عليم) وهذه آثار الانفاق السليم الذي ينفق في سبيل المصالح
العامّة حيث سيتضاعف نتاجه إلى السبعمائة مرة .

وأمّا مثال الانفاق المنحرف (مثل ما ينفقون في هذه
الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم
اللّه ولكن أنفسهم يظلمون) .

وفي كلتا الآيتين كان الحديث حول الانفاق ، الانفاق السليم
الذي يتضاعف نتاجه ، والانفاق المنحرف ، الذي يكون له نتائج معكوسة ، حيث سيجلب
الدمار والهلاك حتى للآخرين .

والقرآن الكريم يرى بأن المؤمنين انفاقهم دائماً من النوع
الأول ، وأما إنفاق الكفار فهو من النوع الثاني .

وكما هو الأمر في بعض الكتابات ، فبدلاً من أن تكون موجهة ،
وهادية وباعثة على الحركة والنشاط ، تنتج أثراً مضادّاً فإنها ستؤدي الى الانحراف
والتخدير والجمود ، والانفاقكذلك ،
فبعض أنواعه ، كما أنه لا ينتج أثراً مفيداً بل مخرباً لصاحبه ، وكذلك ، فإنه يحمل
الدمار لنتاج الآخرين أيضاً ، نظير بعض الأغذية التي تدمر البدن وتغذي الجراثيم
التي تعيش في البدن ، وتستنزف قوته .

فيلزم علينا أن نتدارس جيداً أنواع الأموال التي ينفقها
الناس باسم الخيرات والمبرّات ، حتى نتعرف على القوى التي تتغذى بها ، هل هي القوى
الصاعدة والبنّاءة . أم القوى المخرّبة الهدّامة

الموقف من الفرص

والمؤشر الآخر للرشد وعدمه ، المواقف من الفرص ، أي اسلوب
الاستفادة من الفرصة ، لئلاّ تذهب أدراج الرياح ، ولا مجال لنا للتفصيل حول هذه
المسألة .

وممّا سبق ، يتوضح لنا مدى ما نملكه من الرشد الاسلامي ، فهل
نحن مجتمع إسلامي رشيد حقاً هل نعرف ثرواتنا ، هل نمتلك القدرة على الحفاظ
عليها والاستفادة منها فان هذه الثروات أمانة أودعها تارخينا
بأيدينا ، فما هو
مدلول المؤشرات في هذا المجال

ولكن يجب أن لا يصيبنا اليأس والقنوط ، ولا بد أن نوجّه إهتمامنا لمسؤولياتنا وكما قلنا
بأن الرشد مما يمكن تعلمه ، واكتسابه ، فعلينا أن نبذل أقصى الجهود لتحصيله
والتوصيل اليه ، يجب أن نرفع من مستوى الرشد في مجتعمنا ، وليست مهمة قادة الدين
إلاّ ذلك.

/ 1