من آفاق القيادة الاسلامية - من آفاق القیادة الاسلامیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

من آفاق القیادة الاسلامیة - نسخه متنی

السید علی حسینی الخامنه ای

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

من آفاق القيادة الاسلامية

* ولي أمر المسلمين آية اللّه العظمى السيد الخامنئي"دام ظلّه"

من خطبة صلاة الجمعة لولي أمر
المسلمين وقائد الامة الاسلامية سماحة آية
اللّه العظمى السيد علي الخامنئي "مد ظلّه"
بتاريخ 11 محرم 1419 هـ . ق .

العبر المستقاة من عاشوراء

محاور البحث في واقعة عاشورء

هناك ، فيما يتعلق بمباحث واقعة
عاشوراء ، ثلاثة محاور أساسية :

الاول : دراسة علل ودوافع ثورة الامام
الحسين(عليه السلام) والاسباب التي حدته على
الثورة ; أي تحليل الدوافع الدينية والعلمية
والسياسية لهذه الثورة . وسبق لنا أن تحدثنا
فيما مضى عن هذا الموضوع بالتفصيل .

الثاني : هو بحث الدروس المستقاة من
عاشوراء . وهو طبعاً بحث حيّ وخالد على مر
الزمن ، ولا يختص بزمن معين دون سواه ; فدرس
عاشوراء هو درس التضحية والشجاعة والمواساة ،
ودرس القيام للّه ، والايثار والمحبّة . واحد
دروس عاشوراء هي هذه الثورة الكبرى التي
فجرتموها أنتم ابناء الشعب الايراني
امتثالاً لنداء حسين العصر وحفيد أبي عبد
اللّه الحسين(عليه السلام) . وهذا بحد ذاته
واحد من دروس عاشوراء . ولا أُريد حالياً
الدخول في هذا الموضوع .

الثالث : هو العبر المستقاة من عاشوراء
. وقد سبقت لنا إثارة هذا الموضوع قبل عدّة
سنوات ، وأشرنا إلى أن لعاشوراء ـ فضلاً عن
الدروس المستقاة عنه ـ عبراً أيضاً .

والبحث في عبر عاشوراء يختص بالزمن
الذي تكون فيه الحاكمية للاسلام . ويمكن القول
ـ على ادنى الاحتمالات ـ إن مثل هذا البحث
يختص الجانب الاساسي منه بمثل هذا الزمن الذي
يوجب علينا وعلى بلدنا أخذ العبرة .

ورأينا طرح هذه القضية وفقاً للصيغة
التالية ، وهي كيف وصل المجتمع الاسلامي الذي
التف حول الرسول وأحبّه وآمن به ، امتلا
بالدين حبّاً وشغفاً ، ونشأ وتنامى في ضوء
الاحكام التي سنتحدث لاحقاً عن شي منها ، وفيه
مَن أدرك عصر رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ،
كيف وصل به الحال بعد خمسين سنة أن يجتمع
ويقتل سبط الرسول أبشع قتله ؟ وهل هناك ارتداد
ونكوص وانحراف أشد من هذا ؟ !

كل مجتمع إسلامي معرّض لمثل هذا الخطر
. لقد كانت أكبر مفخرة لامامنا الخميني أنه
حفز الامة إلى العمل بأحاديث الرسول . وهل
يمكن مقارنة غير الانبياء وغير المعصومين
بشخصية عظيمة كشخصية الرسول الذي بنى ذلك
المجتمع ؟ ! ولكن انتهى الحال بذلك المجتمع
إلى اقتراف تلك الجريمة . فهل كل مجتمع إسلامي
معرّض للانسياق لمثل هذه الخاتمة ؟

من الطبيعي أنه إذا اعتبر لا ينتهي إلى
مثلها ، ولكنه إذا لم يعتبر فمن الممكن أن
يتسافل إلى هذا الحد . فهذه عبر عاشوراء .

أما نحن فقد وفّقنا في هذا العصر بحمد
اللّه وفضله لاقتفاء السبيل من جديد ، واحياء
اسم الاسلام في العالم ، ورفع راية الاسلام
والقرآن عالية . وكانت هذه المنقبة من نصيب
الشعب الايراني المسلم الذي مر على ثورته
عشرون سنة تقريباً ، وهو ما انفكَّ مرابطاً
وصامداً على هذا النهج . إلا إننا إذا
انتابتنا الغفلة ، ولم نحترس أو نحاذر ونثبت
على المسار كما ينبغي ، فمن الممكن أن ننتهي
إلى نفس ذلك المصير . وهنا يتضح معنى العبرة من
عاشورء .

يجب أولاً وقبل كل شي ادراك مدى فداحة
تلك الواقعة حتى نتحرك ونتتبع أسبابها . لا
يقصر نظر أحد على أنّ واقعة عاشوراء كانت ـ في
النهاية ـ مذبحة قتل فيها مجموعة . كلا ، بل
إنها كما عُبّر عنها في زيارة عاشوراء : "لقد
عظمت الرزية وجلّت وعظمت المصيبة" .

ثلاثة مراحل من حياة الحسين(عليه
السلام) :

ولاجل أن يتضح مدى عظم تلك الفاجعة ،
أستعرض بصورة اجمالية ثلاثة مراحل قصيرة من
حياة أبي عبداللّه الحسين(عليه السلام) ، لنرى
شخصية الحسين(عليه السلام) في هذه المراحل
الثلاثة ، وهل من الممكن أن يتحمل أحد أنه
ينتهي بها المآل يوم عاشوراء إلى أن تحاصره
حشود من أمّة جدّه ، وتقتله أشنع قتلة هو
وأصحابه وأهل بيته وتسبي عياله ؟

تتلخص تلك المراحل الثلاثة في :

أولاً : مرحلة الطفولة ، وتبدأ منذ
نعومة أظفاره إلى تاريخ وفاة الرسول(صلى الله
عليه وآله) .

ثانياً : مرحلة شبابه أي خمس وعشرين
سنة من وفاة جده إلى خلافة علي أمير المؤمنين(عليه
السلام) .

ثالثاً : المرحلة التي استمرت عشرين
سنة من بعد استشهاد أمير المؤمنين(عليه
السلام) إلى واقعة كربلاء .

ففي المرحلة الاولى ، أي في عهد رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) ، كان الحسين(عليه
السلام)طفلاً مدللاً ومحبوباً عند رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) ; فقد كان لرسول اللّه(صلى
الله عليه وآله)بنت ، وكان المسلمون يعلمون
جميعاً آنذاك أنه(صلى الله عليه وآله) قال :
"إني لاغضب لغضب فاطمة وأرضى لرضاها" ،
فانظروا عظيم منزلة هذه البنت بحيث أن رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) يبجّلها بهذه
الكلمة وأمثالها في محضر المسلمين والملا
العام . وليس هذا بالامر العادي .

وزوّجها الرسول الكريم(صلى الله عليه
وآله) لشخص كان ذروة في المآثر زوّجها علي بن
أبي طالب(عليه السلام) الذي كان شاباً شجاعاً
شريفاً أكبر الناس إيماناً واسبقهم إلى
الاسلام ، وأكثرهم مشاركة في كل ميادينه ،
عليّ من قام الاسلام بسيفه ، ومن كان يُقدم
حيث يُحجم الاخرون ، ويَحلّ المستعصي من
العقد . هذا الصهر العزيز المحبوب الذي لم تكن
محبته منطلقة من وازع القرابة وما شاكلها من
الوشائج ، وإنما كانت انطلاقاً من عظمة
شخصيته ، ولهذه الاسباب زوّجه ابنته ، فكان من
نسلهما الحسين .

وهذا الكلام يصدق كله أيضاً على
الامام الحسن(عليه السلام) . إلا إن كلامي هنا
يدور حول الامام الحسين(عليه السلام) عزيز
الرسول(صلى الله عليه وآله) ، الذي كان زعيم
العالم الاسلامي وحاكم المسلمين ومحبوب كل
القلوب يضمه بين ذراعيه ويصطحبه إلى المسجد .
والمسلمون كانوا يعلمون أن هذا الطفل هو
محبوب قلب الرسول الذي تذوب القلوب جميعاً في
محبته وحينما كان الرسول يلقي خطبة له من فوق
المنبر ، علقت رجل هذا الطفل بعائق فسقط على
الارض ، فنزل الرسول من فوق المنبر واحتضنه
ولاطفه . لاحظوا ، هكذا كانت محبة الرسول(صلى
الله عليه وآله)للحسين(عليه السلام) .

قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) عن
الحسن والحسين وهما آنذاك في السابعة
والسادسة من عمريهما : "الحسن والحسين سيدا
شباب أهل الجنة" . قال فيهما هذا القول وهما
لازال طفلين . أي إنهما وإن كان في تلك السن
فإنهما يفهمان ويدركان ويعملان كمن هو في سن
الشباب ، ويفوح الادب والشرف من جنبيهما .

ولو قال قائل حينذاك إن هذا الطفل
سيقتل على يد أمّة هذا الرسول بلا جرم أو
جريرة ، ما كان ليصدّقه أحد ; مثلما صرّح رسول
اللّه نفسه بتلك الحقيقة المرّة وبكى لها ،
وتعجب في وقتها الجميع ، مستنكرين إمكانية
حدوث عمل كهذا .

المرحلة الثانية : هي الفترة التي
استمرت خمساً وعشرين سنة من وفاة الرسول إلى
خلافة أمير المؤمنين(عليه السلام) ، إذ كان(عليه
السلام) شاباً متوثّباً وعالماً وشجاعاً ،
شارك في الحروب وخاض شدائد الامور . كان
معروفاً عند الجميع بالعظمة ، وعندما يأتي
ذكر الكرام تشخص إليه الابصار وتحوم حوله
الاذهان ، واسمه يسطع بين جميع مسلمي مكة
والمدينة وحيثما امتد الاسلام بكل فضيلة
ومكرمة ، والكل ينظر إليه وإلى أخيه باحترام
وتكريم . حتى خلفاء ذلك العصر كانوا يبدون
لهما التعظيم والاجلال .

وكان مثالاً مقتدىً به لشباب ذلك
العهد . وهكذا لو أن شخصاً قال آنذاك إن هذا
الشاب سيقتل على يد هذه الامّة ، لما صدّقه
أحد .

المرحلة الثالثة : هي تلك المرحلة التي
حلَّت من بعد شهادة أمير المؤمنين(عليه
السلام) وكانت دور غربة أهل البيت ، وكان
الامامان الحسن والحسين يقيمان خلال تلك
المدّة في مدينة الرسول(صلى الله عليه وآله) ،
بعد مقتل أمير المؤمنين بعشرين سنة انحصرت
الامامة في الحسين على جميع المسلمين وإن لم
تكن الخلافة في يده ، وبدا مفتياً كبيراً ،
وزاد احترامه عند الجميع ، وأضحى عروة يتمسك
بها كل من يريد التمسّك بأهل البيت ، فكان ذا
شخصية محبوبة ورجلاً شريفاً نجيباً اصيلاً
عالماً . حتى إنه بعث في ذلك الوقت بكتاب إلى
معاوية ، لو كان غيره كتبه لاي حاكم لكان
جزاؤه القتل . إلا إن معاوية حينما وصله
الكتاب تلقاه بكل تكريم وقرأه متغاضياً عما
جاء فيه . ثم لو أن أحداً كان يقول في ذلك الوقت
إن هذا الرجل الشريف الكريم العزيز النجيب
الذي يجسّد الاسلام والقرآن في نظر كل ناظر ،
سيقتل عمّا قريب على يد أمة الاسلام والقرآن
قتلة شنيعة ، لم يكن أحد ليتصور صحّة ذلك .
إلاّ إنَّ هذه الواقعة العجيبة البعيدة عن
التصور قد حصلت فعلاً .

ولكن من الذين فعلوا ذلك ؟ فعله أُولئك
الذين كانوا يترددون عليه ويوالونه ويعربون
له عن محبتهم واخلاصهم . فما معنى هذا ؟ معناه
أن المجتمع الاسلامي أُفرغ طوال هذه الخمسين
سنة من قيمه المعنوية وجُرّد من حقيقة
الاسلام ، فكان ظاهره إسلامياً وباطنه خاوياً
، وهنا هو مكمن الخطر ، فالصلوات تقام وصلاة
الجماعة موجودة ، والامة توصف بالامة المسلمة
حتى إن البعض منها يوالي أهل البيت(عليهم
السلام) .

أؤكد لكم أن العالم الاسلامي كله كان
وما زال يؤمن بأهل البيت(عليهم السلام) ، وليس
من أحد يشك في هذا . إن حب أهل البيت(عليهم
السلام)ظاهرة مشتركة بين جميع المسلمين في
الماضي والحاضر . وأينما تذهب اليوم في أرجاء
العالم الاسلامي تجد المسلمين يحبّون أهل
البيت(عليهم السلام) ; فالمسجد المسمى باسم
الامام الحسين(عليه السلام) ، والمسجد الاخر
المسمى باسم السيدة زينب في القاهرة ، تجدهما
حاشدين على الدوام بجموع الزوار ، حيث
يرتادهما المسلمون ويزورون القبر ويقبّـلونه
ويتوسلون به الى اللّه .

جاءوني في الفترة الاخيرة ، أي قبل سنة
أو سنتين ، بكتاب جديد ـ الكتب القديمة مشحونة
بهذا المعنى ، وإنما ذكرته لكونه جديداً ـ عن
أهل البيت(عليهم السلام) حقّقه أحد الكُتّاب
في الحجاز ، يثبت أن أهل البيت هم علي وفاطمة
والحسن والحسين(عليهم السلام) . وهذا المعتقد
جزء من أرواحنا نحن الشيعة ، إلا إن هذا الاخ
المسلم الذي لا ينتمي للشيعة ، كتب هذا الكتاب
ونشره . والكتاب موجود ولدي نسخة منه ، ولا بدّ
أن آلاف النسخ منه طبعت ووزّعت .

ومعنى هذا أن أهل البيت يحظون
بالاحترام والقبول لدى جميع المسلمين ،
وكانوا في ذلك العصر يلقون غاية التكريم
والمحبة . ولكن في الوقت ذاته حينما يصبح
المجتمع خاوياً تقع مثل تلك الحادثة . ولكن
أين العبرة من هذا ؟ تكمن العبرة فيما ينبغي
عمله لكي لا ينزلق المجتمع إلى مثل ذلك المآل
، وهذا ما يوجب علينا فهم الظروف التي ساقت
المجتمع إلى تلك النهاية . وهذا هو البحث
المطوّل الذي أُريد أن أقّدم لكم موجزه .

ركائز بنية النظام النبوي :

أُشير أولاً مقدمة للموضوع إلى أن
الرسول(صلى الله عليه وآله) أرسى أُسس نظام
كانت بُناه الاساسية تقوم على عدّة ركائز ،
تعتبر أربعة منها الثقل في ذلك البناء ، وهي :

الاول : المعرفة المتقنة الخالية من
الغموض في شؤون الدين ، ومعرفة الاحكام ،
والمجتمع ، والتكليف ، ومعرفة اللّه والرسول
، ومعرفة الطبيعة . وهذه هي المعرفة التي
انتهت إلى تراكم العلوم ، وبلغت بالمجتمع
الاسلامي في القرن الرابع للهجرة ذروة
المدنية والحضارة العلمية . فالرسول الكريم(صلى
الله عليه وآله) لم يترك أي ابهام وغموض .
ولدينا في هذا الصدد آيات مدهشة من القرآن
الكريم لا مجال هنا لذكرها . وحيثما كان هناك
موضوع غموض أو التباس ، كانت تنزل آية تجلّيه .

الثاني : العدالة المطلقة التي لا
محاباة فيها ، سواء في حقل القضاء ، أم في حقل
الاستحاقاقات العامّة ـ لا ما يتعلق بحقه
الشخصي ، إذ كان(صلى الله عليه وآله) يعفو عن
حقّه ـ أي العدل التام فيما يتعلق بعامة الناس
ويجب تقسيمه بينهم بالعدل ، وكذا العدالة في
تطبيق حدود اللّه ، وفي توزيع المناصب وتفويض
المسؤوليات ، وتحمل المسؤولية .

ومن البديهي أن العدالة غير المساواة .
لا يلتبس الامر عليكم ، فقد يكون في المساواة
ظلم أحياناً ، بينما العدالة تعني وضع كل شيء
في نصابه ، واعطاء كل شخص حقّه ، فقد كان العدل
حينذاك عدلاً مطلقاً لا تشوبه شائبة ، ولم يكن
في عهد الرسول استثناء لاي شخص يجعله خارج
اطار العدالة .

الثالث : العبودية الخالصة للّه
والخالية من أي شرك ; أي العبودية للّه في
العمل الفردي . العبودية في الصلاة حيث يجب أن
يكون فيها قصد التقرب إليه ، وكذلك العبودية
له في بناء المجتمع ، وفي النظام الحكومي وفي
نظام الحياة ، والعلاقات الاجتماعية بين
الناس . وهذا موضوع يستلزم بحد ذاته شرحاً
مستفيضاً .

الرابع : المحبّة الغامرة والعاطفة
الفياضة . وهذه من السمات الاساسية للمجتمع
الاسلامي . حبّ اللّه ، وحبّه تعالى للناس : (يحبّهم
ويحبّونه) . (إن اللّه يحبّ التوابين ويحبّ
المتطهرين) . (قل إن كنتم تحبّون اللّه
فاتّبعوني يحببكم اللّه) . حب الزوجة وحب
الاولاد . وإن من المستحب تقبيل الاولاد ،
وتستحب محبتهم ، ويُستحب حب الزوجة ، ويُستحب
حبُّ الاُخوة المسلمين والتحبب إليهم ،
والاعظم هو حب الرسول وأهل بيته . قال تعالى : (إلاّ
المودة في القربى) .

لقد رسم الرسول هذه الخطوط العريضة
وأرسى ركائز المجتمع على أساسها ، ووضع معالم
الحكومة عشر سنوات على هذا المنوال . ومن
الواضح طبعاً أن تربية الناس تأتي على نحو
تدريجي ولا تتحقق جملة واحدة . وبذل الرسول
قصارى جهده على امتداد هذه السنوات العشرة
لترسيخ تلك الاُسس ، والعمل على مد تلك الجذور
في أعماق الامة . إلا إن فترة العشر سنوات
تعتبر قصيرة جداً إذا ما أريد بها تربية الناس
على خلاف ما كانوا قد ترعرعوا عليه من سجايا
وخصائص ، فقد كان المجتمع الجاهلي في كل شؤونه
على النقيض تماماً من مضامين هذه الركائز
الاربعة ; لانه كان فارغاً من أية معرفة
وغارقاً في حيرة الجهل والضلال ، ولم تكن لديه
أية عبودية للّه ، بل كان مجتمع تجبّر وطغيان
، وكان مجتمعاً بعيداً عن العدالة ومليئاً
بألوان الظلم والتمييز .

رسم أمير المؤمنين(عليه السلام) في
الخطبة الثانية من نهج البلاغة صورة فنية
رائعة عمّا كان سائداً في العصر الجاهلي من
ظلم وتمييز ، جاء فيها : "في فتن داستهم
بأخفافها ووطئتهم باظلافها" . كان المجتمع
آنذاك مجرداً من معاني المحبّة ، فكانوا
يئدون بناتهم ، وكانت كل قبيلة تثأر لقتيلها
من أي رجل تجده من قبيلة القاتل ، سواء كان
مستحقاً للقتل أم غير مستحق ، وسواء كان
مجرماً أم بريئاً ، وسواء كان عالماً بتلك
القضية أم لا . كان يسودهم الاضطهاد والقسوة
والغلظة والفضاضة المطلقة .

مَن نشأ في تلك الحالة يمكن أن يصلُح
ويتهذّب على مدى عشر سنوات إن تحققت شروط ذلك
ويمكن ادخاله في الاسلام ، ولكن لا يمكن غرس
هذه القيم والمفاهيم في أعماق نفسه ، إلى الحد
الذي يجعل لديه القدرة على ايجاد نفس هذا
التأثير في الاخرين .

دخل الناس في الاسلام أفواجاً ، ودخل
في الاسلام اُناس لم يعايشوا الرسول ولم
يدركوا تلك السنوات العشرة مع النبي . وهنا
تتجلّى أهمية مسألة الوصية التي يعتقد بها
الشيعة ، ويكمن منشأ الوصية والنص الالهي من
أجل ديمومة ذلك النهج التربوي ; وإلا فمن
الواضح أنّها ليست من سنخ أنواع الوصايا
الاُخرى المتداولة في هذا العالم ، فكل إنسان
يوصي قبل وفاته لابنه إلا إن القضية هناك تعني
لزوم استمرارية نهج الرسول من بعده .

لا أُريد الدخول في المباحث الكلامية
، بل أُريد تناول التاريخ بشيء من التحليل ،
ولتتناولوه أنتم أيضاً بمزيد من التحليل .
لهذا البحث طبعاً صلة بالجميع ولا يختص
بالشيعة وحدهم ، فهو للشيعة وللسنّة ولجميع
الفرق الاسلامية على حد سواء . ونظراً لما
يتصف به من الاهمية يجب أن يحظى بالاهتمام من
قبل الجميع .

المجتمع الاسلامي بعد وفاة الرسول(صلى
الله عليه وآله) :

وأما عن الوقائع التي جرت من بعد رحيل
الرسول(صلى الله عليه وآله) ، فما الذي حدا
المجتمع الاسلامي خلال تلك الخمسين سنة على
النكوص عن تلك الحالة إلى هذه ؟ هذا هو أصل
القضية ، ويجب أن يلاحظ متن التأريخ فيها .

من البديهي أن البناء الذي بناه
الرسول(صلى الله عليه وآله) ما كان لينهار
بهذه السهولة . ولهذا نلاحظ أنّه من بعد رحيل
الرسول(صلى الله عليه وآله) ، استمرت عامة
الامور ـ باستثناء قضية الوصية ـ على ما كانت
عليه ، فكانت العدالة في وضع حسن ، والعبادة
على ما يرام . وإذا نظر المرء إلى الهيكل العام
للمجتمع الاسلامي في سنواته الاولى يجد
الامور كما كانت ولم يرجع شيء القهقرى . نعم
كانت تقع بعض الحوادث بين الفينة والاخرى إلا
إن ظواهر الامور كانت تعكس بقاء نفس الاُسس
والركائز التي وضعها الرسول(صلى الله عليه
وآله) . بيد أن ذلك الوضع لم يدم طويلاً ، فكلما
كان الوقت يمضي كان المجتمع الاسلامي ينحدر
تدريجياً صوب الضعف والخواء .

ثمة نقطة في سورة الحمد أشرت إليها
عدّة مرّات في لقاءات مختلفة ، فحينما يدعو
الانسان ربّه بقوله : (اهدنا الصراط المستقيم)
، يوضح بعدها معنى ذلك الصراط المستقيم بقوله
: (صراط الذين أنعمت عليهم) ، فهو تعالى قد أنعم
على كثير من الاقوام والامم ; فأنعم على بني
اسرائيل : (يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي
أنعمت عليكم) ، والنعمة الالهية لا تختص
بالانبياء والصالحين والشهداء : (أولئك مع
الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين)
، فهؤلاء أيضاً نالوا النعمة ، وكذلك بنو
اسرائيل نالوا النعمة .

والذين يُنعم عليهم فريقان : فريق
حينما ينال النعمة لا يتعرض لغضب اللّه ، ولا
يحقق دواعي الغضب الالهي ولا يضل سبيل
الهداية ، وهؤلاء هم الذين ندعو اللّه أن
يهدينا سبيلهم . وعبارة (غير المغضوب عليهم)
تمثل في الحقيقة صفة (الذين أنعمت عليهم) .

أما الفريق الاخر فهم الذين حينما
أنعم اللّه عليهم ، بدلوا النعمة وتمردوا
عليها ، ولهذا حلَّ عليهم غضبه ، أو إنهم
ائتموا بأولئك فضلّوا السبيل . وتشير
رواياتنا إلى أن المراد من (المغضوب عليهم) هم
اليهود ، وهذا البيان مصداق لتلك الحقيقة ;
لان اليهود حتى زمن النبي عيسى كانوا يحاربون
النبي موسى وأوصياءه عن علم وقصد . أمّا (الضالين)
فهم النصارى . إنهم ضلوا بدءَ بدء ، أو ضل
أكثرهم على أدنى الاحتمالات ، حينما أنعم
اللّه عليهم .

أمّا المسلمون فأنزل اللّه عليهم
نعمته . إنهم تحوّلوا ـ نتيجة لما اقترفوه ـ
صوب المغضوب عليهم وصوب الضالين . ولهذا ورد
عن الامام الصادق(عليه السلام) أنه قال : "لما
قتل الحسين اشتد غضب اللّه على أهل الارض" ;
وذلك لانه إمام معصوم . ويفهم من هذا أن
المجتمع الذي ينال النعمة الالهية قد يسير في
اتجاه يجلب عليه غضب اللّه . ولهذا يجب توخّي
اقصى درجات الدقّة والحذر في المسير، وهو أمر
عسير طبعاً ويستلزم الانتباه واليقظة .

أورد فيما يلي بعض الامثلة . فالخواصّ
والعوام أصبح لكل منهما وضعه الخاص به ، فإذا
ضلَّ الخواصّ فقد يحلّون في منزلة (المغضوب
عليهم) أما العوام فقد يصبحون في فئة (الضالين)
. وكتب التاريخ زاخرة طبعاً بالمصاديق
والامثلة . وسأنقل لكم ـ من هنا فصاعداً ـ مما
جاء في تاريخ ابن الاثير ، وأجتنب النقل من أي
مصدر شيعي ، بل ولا أنقل حتى من مصادر التاريخ
السنيّة التي يشكك السنّة في رواياتها ، مثل
ابن قتيبة الدينوري ; إذ جاء في كتابه الامامة
والسياسية أمور وقضايا تثير الحيرة .

حينما ينظر المرء إلى مضامين كتاب ابن
الاثير الموسوم بالكامل في التاريخ ، يشعر
بوجود عصبية أموية وعثمانية فيه وأحتمل أنه
انتهج ذلك الاسلوب مداراة لبعض الاعتبارات ،
فقد نقل هذا المؤرخ من أحداث مقتل عثمان ، أن
عثمان قتله أهل مصر والكوفة والبصرة والمدينة
وغيرهم . وبعدما نقل نصوص وأخبار تاريخية
مختلفة يقول : وقد تركنا كثيراً من الاسباب
التي جعلها الناس ذريعة إلى قتل عثمان ; لعلل
دعت إلى ذلك .

وعند نقله لقصة أبي ذر ، وكيف أن
معاوية حمله إلى المدينة من الشام بغير وطاء ،
ونفاه إلى الربذة بصورة شنيعة ، قال : وقد حصلت
أمور لا يصح نقلها . وعلى هذا فإمّا أن يكون
هذا المؤرخ قد انتهج أسلوباً من الرقابة
الشخصية ـ حسب التعبير المعاصر ـ وإمّا أن كان
متعصباً . وهو على كل الاحوال لم يكن شيعياً
ولا يميل إلى التشيع ، بل يحتمل أنه كان
أموياً عثماني الهوى . وأؤكد ثانية أن كل ما
سأورده بعد الان إنما أنقله عن ابن الاثير هذا
.

أنقل فيما يلي أمثلة عن الخواص كيف كان
الخواص على امتداد هذه السنوات الخمسين بحيث
وصلت الامور إلى هذا الحد ؟ وحينما أُدقق
النظر في أحدات وظروف ذلك العصر أُلاحظ أن هذه
الركائز الاربعة : العبودية ، والمعرفة ،
والعدالة ، والمحبة ، قد تزعزعت . وأضرب لكم
بعض الامثلة كما وردت في التاريخ عيناً .

كان سعيد بن العاص من بني أمية ومن
أقارب عثمان ، وقد تولى بعد الوليد بن عقبة بن
أبي معيط ليصلح ما كان قد أفسد الوليد .

قال ذات يوم رجل في مجلسه : "ما أجود
طلحة !" ـ ولا بدّ أن طلحة كان قد وهب أحداً
مالاً أو تكرم على شخص ـ فقال سعيد : "إن من
له مثل النشاستج لحقيق أن يكون جواداً" .
وكانت النشاستج ضيعة كبيرة قرب الكوفة يملكها
صحابي الرسول طلحة بن عبيد اللّه ، الذي كان
يعيش حينذاك في المدينة . ثم أردف قائلاً : "واللّه
لو أن لي مثله لاعاشكم اللّه به عيشاً رغداً"
.

قارنوا بين هذا الوضع وبين حالة الزهد
في عهد رسول اللّه والفترة الاولى من بعد
رحيله ، ولاحظوا طبيعة الحياة التي كان
يعيشها الاكابر والامراء والصحابة في تلك
السنوات ، وكيف كانوا ينظرون إلى الدنيا . لقد
وصلت الامور إلى هذا الحد من بعد مضي عشر
سنوات أو خمس عشرة سنة فقط .

المثال الاخر هو أبو موسى الاشعري
والي البصرة وهو صاحب الموقف الشهير في قضية
التحكيم ، فقد صعد المنبر ذات يوم حينما كان
والياً على البصرة ، وكان الناس يستعدون
لاحدى الغزوات ، فنادى في الناس وحضّهم على
الجهاد وذكر شيئاً في فضل الجهاد مشياً ، فترك
نفر دوابّهم وأجمعوا أن يخرجوا رجّالة طمعاً
في الثواب . إلاّ إن جماعة آخرين من العقلاء
فضلوا التأمل ومشاهدة حقائق الامور ، وقالوا :
لا نعجل في شيء حتى ننظر ما يصنع ; فإن أشبه
قوله فعله ، فعلنا كما يفعل .

جاء في نص عبارة ابن الاثير في هذا
الصدد : "فلما خرج أخرج ثقله من قصره على
أربعين بغلاً" . كانت تلك ممتلكاته الثمينة
، وكان مضطراً إلى إصطحابها حيثما حل وارتحل
حتى في ميادين الجهاد . وسبب ذلك أنه لم تكن
ثمة مصارف أو بنوك في ذلك العصر ، أضف إلى ذلك
أن الحكومات لا اعتبار لها ، فقد يأتيه الامر
من الخليفة وهو في ساحة الجهاد بعزله من منصبه
، وإذا حصل ذلك لا يمكنه الرجوع إلى البصرة
وأخذ تلك الاموال ، لذلك كان مضطراً لحملها
معه ، فحمل ممتلكاته الثمينة على اربعين
بغلاً وأخذها معه إلى ميدان الجهاد .

فلما خرج جاءه قوم وتعلّقوا بعنانه
وقالوا : احملنا على بعض هذه الفضول ، وارغب في
المشي كما رغّبتنا ، فضرب القوم بسوطه فتركوا
دابته فمضى ، ولم يتحملوا ذلك منه ، بل ذهبوا
إلى المدينة وشكوه إلى عثمان فعزله .

إن أبا موسى الذي كان من صحابة الرسول
ومن طبقة الخواص ، كان على مثل هذا الحال .

المثال الثالث هو سعد بن أبي وقاص الذي
عُيّن والياً على الكوفة ، اقترض سعد مالاً من
بيت المال . لم يكن بيت المال بيد الوالي ;
لانهم كانوا في ذلك العصر ينصبون الوالي
للقيام بأمور الحكومة وادارة شؤون الناس ،
وينصبون شخصاً غيره للشؤون المالية هو مسؤول
امام الخليفة مباشرة . وحينما عُيّن سعد بن
أبي وقاص والياً على الكوفة ، كان خازن بيت
المال عبد اللّه بن مسعود وكان صحابياً
جليلاً .

بعدما اقترض سعد من عبد اللّه بن مسعود
من بيت المال مالاً ، تقاضاه ابن مسعود بعد
مدة فلم يتيسّر له قضاؤه ، فارتفع بينهما
الكلام واشتد النزاع ، وكان هاشم بن عتبة بن
أبي وقاص حاضراً ـ وهو من اصحاب امير المؤمنين
وكان رجلاً شريفاً ـ فقال : إنكما لصاحبا رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) والناس ينظرون
اليكما . لا تتنازعا وحاولا حل القضية بينكما
على نحو ما . فخرج ابن مسعود ـ وكان رجلاً
أميناً ـ ثم استعان بأناس على استخراج المال
من دار سعد ، وهذا يعني أن المال كان موجوداً ،
ولما علم سعد استعان بأناس آخرين على منع
اولئك ، ونتجت عن مماطلة ابن أبي وقاص في رد
الاموال منازعة شديدة .

فإذا كان سعد بن أبي وقاص ، وهو من
اصحاب الشورى الستة ، قد وصل به الامر إلى هذا
الحد بعد بضع سنوات ، بحيث وصف ابن الاثير تلك
الحادثة بالقول إنه أول ما تنوزع فيه بين اهل
الكوفة . فأول نزاع يقع بين اهل الكوفة ـ
بتعبير ابن الاثير ـ سببه رجل من الخواص تغلب
عليه حب الدنيا إلى هذا الحد .

المثال الاخر هو أن المسلمين لما
فتحوا بلاد افريقية وقسموا الغنائم في الجيش
، كان يجب عليهم ارسال خمس تلك الاموال إلى
المدينة ، وكان مقدارها هائلاً . نقل ابن
الاثير في موضع آخر أن هذا المبلغ حينما ارسل
إلى المدينة اشتراه مروان بن الحكم بخمسمئة
ألف دينار ، وكان هذا المبلغ ضخماً جداً ،
اضافة إلى أن قيمة ذلك الخمس كانت اكبر من ذلك
المبلغ بكثير . وكان هذا مما أُخذ على عثمان
فيما بعد ، وكان عثمان يعتذر عن ذاك طبعاً
ويقول : إنه رحمي ، وأنا اصل به رحمي لانه يعيش
في ضنك وأنا اريد مساعدته . وخلاصة القول هي أن
الخواص كانوا يتهافتون على جمع الاموال .

والقضية الاخرى هي أنه عزل عثمان سعد
بن أبي وقاص عن الكوفة ، واستعمل الوليد بن
عقبة بن ابي معيط ، وكان هذا من أقارب الخليفة
، ولما دخلها تعجب اهلها من توليته عليهم ;
لانه كان معروفاً بالحماقة والفساد ، وفيه
نزلت الاية الشريفة : (إن جاءكم فاسق بنبأ
فتبيّنوا) . أي إن القرآن وصفه بالفسق ; لانه
جاء بخبر عاد بالضرر على البعض في عهد الرسول .

انظروا إلى المعايير والمقاييس
وتبدّل احوال الناس ، فهذا الشخص الذي سماه
القرآن ـ الذي كان الناس يقرؤونه يومياً ـ
فاسقاً اصبح والياً . حتى إن سعد بن أبي وقاص
نفسه ، وعبد اللّه بن مسعود ، تعجّبا حين
شاهداه قادماً إلى الكوفة والياً ، وقال له
عبد اللّه ابن مسعود لما وقع بصره عليه : ما
أدري اصلحت بعدنا أم فسد الناس ؟ . وكانت دهشة
سعد بن أبي وقاص من بُعد آخر ، حيث قال له :
أكِست بعدنا أم حمقنا بعدك ؟ ، فقال له الوليد
: لا تجزعن ابا اسحق . كل ذلك لم يكن . إنما هو
الملك يتغذّاه قوم ويتعشاه آخرون ، فتألم سعد
بن أبي وقاص من هذا الكلام وقال له : "أراكم
جعلتموها ملكاً" .

كان عمر سأل سلمان ذات مرة : "أملك
أنا أم خليفة ؟" . وكان سلمان شخصية كبيرة
ومحترمة ، وهو من الصحابة الكبار ولرأيه وزن
كبير ، فقال له سلمان : إن أنت جبيت من ارض
المسلمين درهماً أو أقل أو أكثر ووضعته في غير
حقّه ، فأنت ملك لا خليفة .

لقد بيّن له المعيار . قال ابن الاثير :
فبكى عمر . لقد كانت موعظة عميقة المغزى حقّاً
; فالقضية قضية خلافة ، والولاية والخلافة
معناهما الحكومة المقرونة بالمحبّة
وبالتلاحم مع الجماهير ، ويواكبها عطف وحنو
على ابناء الشعب ، وهي ليست تسلطاً أو تحكماً
، في حين لا تحمل الملكية مثل هذا المعنى ، ولا
شأن لها بشؤون الناس ; فالملك حاكم متسلط يفعل
ما يشاء .

هكذا كان حال الخواصّ ، وإلى هذا الحد
انتهى بهم المآل خلال تلك السنوات . وهذا ما
حصل طبعاً في عهد الخلفاء الراشدين الذين
كانوا يولون أهمية للتمسك بالاحكام ، بسبب
معايشتهم فترة طويلة لعهد الرسول الذي لا زال
صداه(صلى الله عليه وآله) يدوي في المدينة حتى
ذلك الحين ، وكان شخص كعلي بن أبي طالب حاضراً
في ذلك المجتمع . ولكن بعد انتقال مركز
الخلافة إلى دمشق تجاوزت القضية تلك الحدود
كثيراً .

كانت هذه أمثلة بسيطة لما كانت عليه
أحوال الخواصّ . ولو نقّب شخص في تاريخ ابن
الاثير أو المصادر التاريخية الاُخرى
المعتبرة لدى الاخوة المسليمن ، لعثر على
آلاف الامثلة من هذا القبيل ; لانه من الطبيعي
حينما تضيع العدالة ، وحينما تزول عبودية
اللّه ، يصبح المجتمع مجتمعاً خاوياً وتفسد
النفوس . فذلك المجتمع حين يصل به التهافت على
حطام الدنيا واكتناز الثروة إلى ذلك الحد ،
ويكون الشخص الذي ينقل فيه المعارف للناس هو
كعب الاحبار اليهودي ، الذي أسلم لاحقاً ولم
يدرك عهد الرسول ; فهو لم يدخل الاسلام في عهد
الرسول ولا في عهد أبي بكر وإنّما في عهد عمر ،
وتوفي في عهد عثمان ، فما بالُك بذلك المجتمع
؟ !

يقول البعض إن تسمية هذا الرجل بكعب
الاخبار خطأ ، وإنما هو كعب الاحبار ،
والاحبار جمع حبر ، والحبر هو العالم ، فهذا
الرجل كان قطب علماء اليهود . دخل في الاسلام ،
ثم أخذ يتحدث في مسائل الاسلام . وكان ذات يوم
جالساً في مجلس عثمان اذ دخل أبو ذر ، فقال
قولاً أغضب أبا ذر ، فقال أبو ذر : مالك هاهنا ؟
أتعلّمنا الاسلام وأحكامه ونحن سمعناها من
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ؟

حينما تُفتقد المعايير وتضيع
المقاييس وتتقوّض القيم ، وتفرغ القضايا من
المحتوى وتقتصر على الظواهر ، وحينما يستولي
حب الدنيا وجمع المال على أُناس قضوا عمراً
مديداً في العزة والزهد في زخارف الدنيا
وقُيّض لهم نشر تلك الراية عالياً ، حينها
يتصدى لشؤون الثقافة والمعرفة مثل ذلك الشخص
الذي اعتنق الاسلام لاحقاً ، ويطرح باسم
الاسلام ما يراه هو شخصياً لا ما يقوله
الاسلام، ثم يريد البعض تقديم قوله على قول
مسلم لهُ سابقة في الايمان .

هذا هو حال الخواصّ .

ثم إن العوام يتبعون الخواص ويسيرون
وراءهم حيثما ساروا . ولهذا فإنَّ من أكبر
الجرائم التي ترتكبها الشخصيات البارزة
المتميّزة في المجتمع هو انحرافها ; لان
انحرافها ينتهي إلى انحراف الكثير من الناس
الذين إذا رأوا القيم قد خُرقت ، وأن الاعمال
تناقض الاقوال وتناقض ما جاء في سنة الرسول ،
تجدهم يسيرون هم أيضاً في هذا المسار أُسوةً
بالخواص .

وأنقل لكم مثلاً عن عامة الناس . كتب
والي البصرة إلى الخليفة يذكر له كثرة أهل
البصرة وعجز خراجهم عن المصارف ، وسأله أن
يزيد أهل البصرة خراج مدينتين ، ولم بلغ أهل
الكوفة ذلك سألوا واليهم عمار بن ياسر ـ الرجل
النبيل الذي بقي صامداً كالطود الشامخ ، ولا
شك في أنه كان هناك أشخاص لم تهزّهم الهزاهز
إلا إن عددهم كان قليلاً ـ سألوه أن يكتب
للخليفة يطلب منه أن يزيدهم خراج مدينتين .
إلا إنه رفض تلبية طلبهم ، فأبغضوه لذلك وشكوه
إلى الخليفة ، فعزله عن الولاية .

ووقع مثل هذا لابي ذر ولاخرين ، ولعل
عبداللّه بن مسعود كان أحدهم . فحينما لا
تراعي مثل هذه الجوانب يتجرد المجتمع حينها
من القيم . وهنا تكمن واحدة من تلك العبر .

أهمية التقوى :

إن المرء لا يقف على حقيقة مثل هذه
التطورات الاجتماعية إلا بعد مرور وقت طويل ،
وهذا ما يوجب علينا الانتباه والحذر
والمراقبة ; وهو معنى التقوى ، فالتقوى معناها
أن يقي نفسه من ليس له سلطان إلا على نفسه ،
وان يقي نفسه غيره من له سلطان على غيره أيضاً
. أما الذين يقفون على رأس السلطة فيجب عليهم
وقاية أنفسهم والمجتمع كلّه ; لكي لا ينزلق
نحو التهافت على الدنيا والتعلق بزخارفها ،
ولا يسقط في هاوية حب الذات .

وهذا لا يعني طبعاً الانصراف عن بناء
المجتمع ، بل يجب بناء المجتمع والاستكثار من
الثروة ، ولكن لا لانفسهم ، فهذا مستقبح . كل
من لديه قدرة على زيادة ثروة المجتمع والقيام
بانجازات كبرى ، يكسب ثواباً عظيماً .

لقد استطاع البعض خلال هذه السنوات
بناء البلد ورفع راية العمران عالياً وانجاز
اعمال كبرى ، وهذه مفخرة لهم ، ولا يدخل عملهم
هذا في اطار حب الدنيا ، وإنما يصدق حب الدنيا
لو كان المرء يطلب النفع لذاته ويعمل لنفسه ،
أو يفكر في جمع الثروة لنفسه من بيت مال
المسلمين أو من غيره . وهذا هو التصرف القبيح .

يجب إذن الحذر من الوقوع في مثل هذه
المنزلقات ، وإذا انعدم الحذر ينحدر المجتمع
تدريجياً نحو التخلي عن القيم ، ويبلغ مرحلة
لا تبقى له فيها سوى القشرة الخارجية ، وقد
يأتيه على حين غرّة ويفاجئه ابتلاء شديد ـ
كالابتلاء الذي تعرض له ذلك المجتمع حين
اندلاع ثورة أبي عبداللّه ـ فلا يخرج منه
ظافراً .

عُرضت على عمر بن سعد ولاية الري ،
وكانت الري في ذلك الوقت ولاية شاسعة وغنيّة ،
ولم يكن منصب الامارة على عهد بني أُمية كمنصب
المحافظ في الوقت الحاضر ; المحافظون اليوم
موظفون حكوميون يتقاضون مرتبات ويبذلون
جهوداً شاقّة ، ولم يكن الامر حينذاك على هذا
النحو . الشخص الذي يُنصب والياً كان مطلق
اليد في التصرف بجميع الثروات الموجودة في
تلك المدينة ، يتصرف فيها كيف يشاء بعد أن
يرسل مقداراً منها إلى عاصمة الخلافة ، ولهذا
كان لمنصب الوالي أهمية عظمى .

ثم شرطوا تولّيه الري بمحاربة الحسين(عليه
السلام) .

من الطبيعي أن الانسان النبيل وصاحب
القيم لا يتردد لحظة في رفض مثل هذا العرض . ما
قيمة الري وغير الري ؟ فلو وضعت الدنيا بين
يديه لما عبس بوجه الحُسين ! فما بالك بالنهوض
لمحاربة عزيز الزهراء وقتله هو وأطفاله ؟ !

هكذا يقف الانسان الذي يحمل قيماً .
ولكن حينما يكون المجتمع خاوياً ومجرداً من
القيم ، وحينما تضعف هذه المبادئ الاساسية
بين أفراد المجتمع ، ترتعد الفرائص عند ذاك ،
وأكثر ما يستطيع المرء عمله في مثل هذا الموقف
هو أنه يستمهلهم ليلة واحدة للتفكير في الامر
. وحتى لو فكر سنة كاملة لوصل إلى نفس النتيجة
ولاتخذ نفس القرار ; إذ لا قيمة لمثل هذا النمط
من التفكير . لقد فكر الرجل في الامر ليلة ،
وأعلن في اليوم التالي عن موافقته على ذلك
العرض . إلا إن اللّه تعالى لم يمكنه من بلوغ
تلك الغاية .

وكانت نتيجة ذلك أن وقعت فاجعة كربلاء
.

الوجه الاخر لملحمة عاشوراء :

أُشير هنا بكلمة في تحليل واقعة
عاشوراء . شخص كالحسين(عليه السلام) ـ والحسين
تجسيد لكل القيم الالهية والانسانية ـ ينهض
بالثورة حتى يقف بوجه استشراء الانحطاط الذي
أخذ يتفشى في أوصال المجتمع، وأوشك أن يأتي
على كل شي فيه . بلغ الانحطاط حداً أن الناس لو
ارادوا عيش حياة إسلامية كريمة ، لوجدوا
أيديهم خالية من كل شيء . وفي ظرف كهذا ثبت
الامام الحسين ووقف بكل وجوده أمام ذلك
الخواء والفساد المتصاعد ، وضحى من أجل القيم
الالهية بنفسه وبأحبّائه ، وبإبنيه علي
الاصغر وعلي الاكبر ، وبأخيه العباس ، ثم وصل
إلى النتيجة المطلوبة .

أحيى الحسين جده رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) ، وهو معنى قول النبي(صلى الله عليه
وآله) : "وأنا من حسين" . هذا هو الوجه
الاخر للقضية ، فواقعة كربلاء الزاخرة
بالحماسة ، وهذه الملحمة الخالدة ، لا يمكن
ادراك كنهها إلاّ بمنطق العشق وبمنظار الحب ،
فهي واقعة لا يتيسر النظر إليها إلاّ بعين
العشق ليُفهم ما الذي صنعه الحسين بن علي(عليهما
السلام) من بطولة ومجد خلال يوم وليلة ، أي من
عصر يوم التاسع من المحرم حتى عصر العاشر منه
، بحيث خلّده في هذه الدنيا وسيخلّده إلى
الابد ، ولهذا اخفقت جميع الجهود التي بذلت
لمحو حادثة الطف من الاذهان وطيّها في أدراج
النسيان .

صور من واقعة الطف :

أقرأ عليكم مقتطفات من كتاب المقتل ـ
المعروف باللهوف ـ لابن طاووس . نمر على بعض
تلك المشاهد العظيمة لذكر مصيبة الحسين(عليه
السلام) . وكتاب المقتل هذا كتاب معتبر جداً ،
ومؤلفه السيد علي ابن طاووس عالم فقيه وعارف
كبير ، وصدوق موثّق ، وموضع احترام لدى الجميع
، واستاذ فقهاء كبار ، وكان أديباً وشاعراً
وذا شخصية بارزة ، كتب أول مقتل معتبر وموجز .
وقبل كتاب اللهوف كتب الكثير في مقتل الحسين(عليه
السلام) ، حتى إن أستاذه ابن نما له كتاب في
المقتل ، والشيخ الطوسي أيضاً له كتاب في
المقتل ، وغيرهما . إلاّ إنه حينما كتب غطّى
على جميع الكتب الاُخرى في المقتل ، لانه كتاب
قيّم اختيرت عباراته بدقّة وايجاز .

من جملة المشاهد التي يصورها في كتابه
هذا هو بروز القاسم بن الحسن إلى الميدان ،
وكان فتىً لم يبلغ الحلم . ليلة عاشوراء أعلم
الحسين أصحابه بأن المعركة ستقع ، وأنهم
سيقتلون جميعاً ، فأحلهم واذن لهم بالانصراف
، فأبوا إلاّ أن يكونوا إلى جنبه . وفي تلك
الليلة سأل هذا الفتى عمّه الامام الحسين(عليه
السلام) ، هل سيقتل هو ايضاً في ساحة المعركة ؟
فأراد الامام الحسين اختباره ـ على حد
تعبيرنا ـ فقال له : كيف ترى الموت ؟ قال : أحلى
من العسل .

لاحظوا . هذا نموذج من طبيعة القيم
التي كان يحملها اهل بيت الرسول ومن تربى في
حجورهم(عليهم السلام) ، فقد ترعرع هذا الفتى
منذ نعومة اظفاره في حجر الامام الحسين(عليه
السلام) ، فقد كان عمره حين شهادة أبيه ثلاث
سنوات أو أربعاً ، فتكفل الامام الحسين
بتربيته . وفي يوم عاشوراء وقف هذا الفتى إلى
جانب عمّه .

وجاء في هذا المقتل ذكر هذه الواقعة
على النحو التالي : "قال الراوي : وخرج غلام
كأن وجهه شقّة القمر وجعل يقاتل" . لقد دوّن
الرواة كل احداث ووقائع عاشوراء بتفاصيلها ;
فذكروا اسم الضارب والمضروب ومَن ضرب أولاً ،
واسم أول من رمى ، ومن سلب ، ومن سرق . فالشخص
الذي سرق قطيفة أبي عبد اللّه ذكروا اسمه ،
وكان يُطلق عليه فيما بعد لقب سارق القطيفة .
ومن الواضح أن اهل البيت ومحبيهم لم يتركوا
هذه الحادثة تضيع في مجاهل التاريخ .

"فضربه ابن فضيل الازدي على رأسه
ففلقه ، فوقع الغلام لوجهه وصاح : يا عمّاه .
فجلّى الحسين(عليه السلام) كما يجلّي الصقر ،
وشد شدّة ليث أُغضب ، فضرب ابن فضيل بالسيف
فاتقاها بساعده فأطنّها من لدن المرفق ، فصاح
صيحة سمعه اهل العسكر ، فحمل اهل الكوفة
لينقذوه، فوطئته الخيل حتى هلك" .

دارت معركة عند مصرع القاسم ، هزمهم
الحسين(عليه السلام) فيها بعد أن قاتلهم .

قال الراوي : "وانجلت الغبرة ، فرأيت
الحسين(عليه السلام) قائماً على رأس الغلام
وهو يفحص برجله ، والحسين يقول : بعداً لقوم
قتلوك" . ياله من مشهد مؤثر يعكس رقّة
الحسين وحبّه لهذا الفتى من جهة ، وصلابته إذ
اذن له في القتال والتضحية من جهة أخرى . كما
يدل على ما لهذا الفتى من عظمة روحية ، وما
يتصف به الاعداء من قسوة تجعلهم يتصرفون مع
هذا الفتى بمثل هذا السلوك .

ويصوّر كتاب اللهوف مشهداً آخر من
مشاهد تلك الواقعة ، وهو بروز علي الاكبر
للقتال ، وكان مشهداً مثيراً حقّاً من جميع
ابعاده وجوانبه ; فهو مثير من جهة الامام
الحسين ، ومثير من جهة هذا الشاب علي الاكبر ،
ومثير من جهة النساء وخاصة عمّته زينب الكبرى
. وذكروا أن عليّاً الاكبر كان بين الثامنة
عشرة والخامسة والعشرين سنة من عمره ، أي إنه
كان في الثامنة عشرة من عمره على أقل التقادير
، أو ما بينها وبين الخامسة والعشرين ، أو في
الخامسة والعشرين على أعلى التقادير .

قال الراوي : "خرج علي بن الحسين ،
وكان اصبح الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً ،
فاستأذن أباه في القتال ، فأذن له".

لما جاءه القاسم بن الحسن واستأذنه ،
لم يأذن له في بداية الامر ، وبعد أن الحّ
الغلام أذن له . أما بالنسبة لعلي بن الحسين ،
بما أنه ابنه ، فما إن استأذن حتى أذن له . "ثم
نظر إليه نظرة آيس منه وأرخى(عليه السلام)عينيه
وبكى" .

هذه هي احدى الخصائص العاطفية التي
يتميز بها المسلمون ، وهي البكاء عند المواقف
والاحداث المثيرة للعواطف ، فأنتم تلاحظون
أنه(عليه السلام) بكى في مواقف متعددة ، وليس
بكاؤه عن جزع ، ولكنه لشدّة العاطفة .
والاسلام ينمّي هذه العاطفة لدى الفرد المسلم
.

ثم قال : "اللّهم اشهد فقد برز إليهم
غلام اشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً
برسولك" .

أريد أن أبيّن لكم هنا مسألة ، وهي أن
فترة الطفولة التي عاشها الحسين إلى جنب جدّه
، كان النبي(صلى الله عليه وآله) يحبه فيها
كثيراً ، وكان هو بدوره أيضاً شديد الحب لرسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) ، وكان تقريباً في
السادسة أو السابعة من عمره عند وفاة الرسول ،
فبقيت صورته عالقة في ذهنه ، وبقي حب الرسول(صلى
الله عليه وآله) متجذراً في اعماق قلبه ، ثم
رزقه اللّه فيما بعد ولداً هو علي الاكبر . مضت
الايام وشبّ هذا الفتى وإذا به يشبه في خلقته
رسول اللّه تمام الشبه ، فترسّخ حبّه في قلب
الحسين كحبّه للنبي ، فكان هذا الفتى يشبه
النبي في شكله وشمائله وفي صوته وكلامه وفي
أخلاقه ، ويحمل نفس ذلك الكرم وشرف المحتد .

ثم قال(عليه السلام) : "وكُنا إذا
اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه" ، ثم صاح
الحسين(عليه السلام) : "يا ابن سعد قطع اللّه
رحمك كما قطعت رحمي" .

فتقدم على الاكبر نحو القوم فقاتل
قتالاً شديداً وقتل جمعاً كثيراً ، ثم رجع إلى
أبيه وقال : "يا أبة العطش قد قتلني ، وثقل
الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل ؟"
.

فقال له الحسين(عليه السلام) : "قاتل
قليلاً فما اسرع ما تلقى جدّك محمداً(صلى الله
عليه وآله)فيسقيك بكأسه الاوفى شربة لا تظمأ
بعدها" ، فرجع إلى موقف النزال وقاتل أعظم
القتال ، وبعد أن ضُرب نادى : "يا أبتاه عليك
السلام . هذا جدي يُقرئك السلام ويقول لك عجل
القدوم علينا" .

هذه مشاهد مروّعة من تلك الواقعة
الخالدة .

وجرت أيضاً في يوم الحادي عشر من
المحرم ، الذي يعتبر يوم زينب الكبرى(عليها
السلام) ، مصائب فاجعة ; فهي قد أخذت على
عاتقها منذ لحظة استشهاد الحسين ثقل الامانة
، وقطعت ذلك الشوط بكل شجاعة واقتدار كما هو
خليق ببنت أمير المؤمنين(عليه السلام) ; وهم
الذين استطاعوا تخليد الاسلام وصيانة معالم
الدين . ولم تكن واقعة الطفوف هذه استنقاذاً
لحياة شعب أو حياة أمة فحسب ، وإنما كانت
استنقاذاً لتاريخ بأكمله ; فالامام الحسين(عليه
السلام) ، واخته زينب(عليها السلام) ، واصحابه
واهل بيته ، انقذوا التاريخ بموقفهم البطولي
ذاك .

السلام عليك يا أبا عبد اللّه وعلى
الارواح التي حلّت بفنائك . عليك مني سلام
اللّه أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ، ولا
جعله اللّه آخر العهد منّي لزيارتك . السلام
على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد
الحسين وعلى أصحاب الحسين .


/ 1