أضواء علی معالم الدراسة والبحث فی الحوزات العلمیة لمدرسة أهل البیت (ع) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أضواء علی معالم الدراسة والبحث فی الحوزات العلمیة لمدرسة أهل البیت (ع) - نسخه متنی

محمدعلی التسخیری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

من فقه مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)

التأمين الصحي واستخدام البطاقات
الصحية

* الشـيخ محمد علي التسخيري

التعريف بالتأمين الصحي

ونقصد به العقد الذي يتم بين شخص أو
مؤسسة (مؤمّن له أو لها) مع مؤسسة تأمينية ،
يتعهد فيه الطرف الاول بدفع أقساط محددة لمدة
محددة ، ويتعهد فيه الطرف الثاني بتأمين قسط
معين مما يتطلبه علاج الامراض ، التي يصاب
الطرف الاول بها خلال المدة المحددة .

ومن الطبيعي أن يتم الاتفاق على
تفاصيل العقد من تعيين المؤمّن له ، وطرفي
التعاقد ، والمبلغ المدفوع من قبل المؤمّن له
، ونوع الاصابة ، وزمان التأمين (ابتداءً
وانتهاءً) وامثال ذلك من أمور تفصيلية .

والملاحظ أن هذا العقد يختلف عما يسمى
بعقد التأمين ضد المرض ، حيث يتعهد الطرف
الثاني (المؤمّن) بأن يدفع مبلغاً معيناً لقاء
مرضه ، بالاضافة إلى ردّ مصروفات العلاج
والادوية(1)
، فلا يوجد هنا مبلغ لقاء المرض ، كما أن
المدفوع في عقد التأمين الصحي المتعارف لا
يشمل كل المصروفات بل قسطاً منها ، يصل
أحياناً إلى 80% أو يقل عنه ، وربما كان ذلك
للاحتياط من التساهل في مثل هذه الموارد .

هذه هي الصورة البسيطة لمثل هذا العقد
. وقد راجعت اللوائح ـ وهي كثيرة ـ التي
اصدرتها الحكومة الاسلامية الايرانية حول
هذا الموضوع ، فلم أر فيها ما يخرج عن روح هذا
العقد ، وإن كانت تحفها شروط إجرائية كثيرة
تلزم الدولة أو الموظف أو المؤسسات التي
تزاولها أن تقع طرفاً للتعاقد ، بشروط لم أرَ
فيها ما يخالف الضوابط الشرعية(2)
إجمالاً .

ثم إن الطرف الاول (المؤمّن له) قد يكون
شخصاً يدخل في العقد بصفته الشخصية ، وقد تكون
مؤسسة تؤمّن موظّفيها ، وقد يكون شركة تأمين
تتعاقد مع مؤسسة أخرى نيابة عن اشخاص أو مؤسسات
.

كما أن الطرف (المؤمّن) قد يكون فرداً
يملك مؤسسة صحية أو لا يملكها ، وقد
يكون مؤسسة صحية ، وقد يكون شركة تأمين تجارية
، كما قد يكون مؤسسة حكومية . وهناك شقوق كثيرة
أُخرى متصورة ، والمهم هو
التركيز في محل التساؤل المطروح في الدورة
العاشرة لمجمع الفقه الاسلامي ، وأهم ما فيه
مبحثان :

المبحث الاول : حكم التأمين الصحي
والبطاقات الصحية وتفريعاته .

المبحث الثاني : حكم اشتراط البرء
لاستحقاق المقابل .

هذا وسوف لن ندخل أيضاً في تحليل
البطاقات الصحية التي قد تختلف من بلد لاخر ،
ومن مؤسسة لاخرى ، مشيرين إلى أن المهم هو
علاج أصل التأمين الصحي . أما الشروط الاخرى
فيجب أن تدرس على حدة ، فقد تكون شروطاً ربوية
بترتيب مبالغ إضافية تدفع عن تأخر الاقساط ،
وأمثال ذلك ، فهي أمور لها مواردها من البحث ،
ولا تؤثر في بحثنا الرئيس ، كما نعتقد أن
الصور الاخرى غير المباشرة لا تؤثر كثيراً في
النتيجة .


المبحث الاول : حكم التأمين الصحي

والمشكلة الاساسية فيه هي مشكلة الغرر
، حيث يتم تصويرها على النحو التالي .

إننا على أفضل الحالات نحدد كل الظروف
والاصابات والاقساط ، ونشخص كل الظروف الصحية
، ولكننا على أي حال نواجه بعامل مجهول هو
كمية المبلغ الذي يجب أن يدفعه المؤمّن ، أو
قيمة العمل الذي يجب أن يعمله خلال مدة
التأمين ، فهذا أمر يستحيل أو يصعب تحديده ،
وحينئذ يدخل عنصر الجهالة في العقد ، فيكون
العقد غررياً تشمله النصوص الناهية عن بيع
الغرر ، والاصل فيها النص الوارد عن رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) « نهى عن بيع الغرر
»(3)
.

وعن اثره في كل عقود المعاوضات
المالية اختلفت المذاهب ، فمن آمن بمبدأ
القياس عمّمه عليها ، ومن رفض القياس
كالامامية والظاهرية (اتباع ابن حزم) اختلفوا
في التطبيقات .

وقد وجدنا من خلال تتبعنا للمسألة في
الاحاديث ، واستعراض أقوال العلماء من
الامامية ، واستنادهم إلى مسألة الغرر في
عقود معاوضية مختلفة ، كالشيخ الطوسي الذي
استند إلى هذا الحديث في كتابي الضمان
والشركة(4)
وابن زهرة في كتاب الشركة(5)
وغيرهم ، وجدنا الاطمئنان إلى مسألة التعميم
، واعتبرنا ذلك مبدأ سعى إليه الاسلام في
اتجاهاته المعاملية ; وهذا المعنى تؤكده
التطبيقات المتنوعة في مختلف الابواب . وقد
ذكر العلاّمة الشيخ الانصاري (من كبار علماء
الامامية المتأخرين) أن الدائر على ألسنة
الاصحاب هو نفي الغرر من غير اختصاص بالبيع ،
حتى إنهم يستدلون به في غير المعاوضات
كالوكالة ، فضلاً عن المعاوضات كالاجارة
والمزارعة والمساقاة والجعالة ، بل قد يرسل
في كلماتهم «نهى النبي(صلى الله عليه وآله) عن
الغرر»(6)
، مشيراً إلى أن الاصل يذكر خصوص البيع ،
ولكنهم لتعميمهم ووجود بعض الاصول يرسلون هذا
التعبير .

ويقول البجنوردي في هذا الصدد : «والانصاف
أن المستفاد من مجموع الروايات ... كون الجهل
مضراً ولو كان من قبل الشرط المجهول . وإن كانت
(الرواية) واردة في باب البيع ، لكن الظاهر عدم
اختصاصها به»(7)
.

فالبناء إذن على صحة السند ، وتعميم
آثاره على كل العقود .

وهل يترك النهي عن الغرر أثره في عقود
التبرع ؟

الملحوظ أن بعض المذاهب وخصوصاً
المالكية يرون أن الغرر لا يؤثر في
صحتها ، وهذا ما قرره القرافي في فروقه بوضوح(8)
، ووافقهم عليه بعض العلماء من المذاهب
الاخرى .

أما الامامية فالقاعدة تقتضي
موافقتهم لهذا الرأي ، بعد أن نتذكر أن لديهم
شكاً في أصل التعميم ، ومع التسليم به فلا ريب
في الاقتصار على القدر المتيقن وهو عقود
المعاوضة ، كما يمكن استفادة موافقتهم من بعض
العبارات الواردة لدى فقهائهم ، والتي تركز
على خصوص الغرر المؤدي للتنازع ، الامر الذي
يقل تصوره في عقود التبرع .

ونكتفي بهذا القدر فلا نبحث في أسانيد
هذا الحديث وتفصيلاته ، وكذلك فلن نبحث بشكل
مفصل عن مسألة تصحيح عقد التأمين مطلقاً ;
فقد تم الفراغ من ذلك ، وصدر قرار مجمعي في
ربيع الثاني من عام 1406 هـ في منعه إذا كان مع
الشركات التجارية ، إذ جاء فيه : «إن عقد
التأمين التجاري ذا القسط الثابت الذي تتعامل
به شركات التأمين التجاري ، عقد فيه غرر كبير
مفسد للعقد ، وإن العقد البديل الذي يحترم
اصول التعامل الاسلامي ، هو عقد التأمين
التعاوني القائم على اساس التبرع والتعاون» .

إلاّ إننا نشير هنا إلى أننا كنا نخالف
هذا القرار ، وقد قمنا بتصحيحه من طرق متعددة :

أ ـ باعتباره عقداً مستقلاً حديثاً
تشمله قاعدة الوفاء بالعقود .

ب ـ باعتباره صلحاً ، وقد ذكرنا أن
الكثير من العلماء ـ ومنهم الامامية جميعاً ـ
لا يحصرون الصلح في الموارد التي يكون فيها حق
متنازع عليه بين الطرفين .

جـ ـ باعتباره هبةً معوضة ، ولا نسلِّم
أن الهبة المعوضة حكمها هو حكم البيع تماماً ،
كما ذكر بعض العلماء .

د ـ باعتباره ضماناً معوضاً ، يلتزم
فيه احد الطرفين بجبران الخسارة لقاء التزام
الاخر بعوض ، فهذا عقد ينتج ضماناً ، ولا داعي
لحصر أسباب الضمان بالكفالة والتعدي
والاتلاف .

وعلى أي حال فإننا سننطلق من قرار
المجمع آنفاً ، ولكن سنركز على نقاط اساسية
اشار لها هذا القرار :

النقطة الاولى : هل يحتوي عقد التأمين
الصحي على غرر كبير مفسد للعقد ؟

النقطة الثانية : عقد التأمين الصحي
وطبيعته التعاونية ، وخصوصاً إذا كان في إطار
مؤسسة عامة أو مؤسسة حكومية ، إذ يغلب عليها
هنا بوضوح الطابع التعاوني .

النقطة الثالثة : مسألة التأمين الصحي
والحرج الاجتماعي .

وسنبحث في كل نقطة من هذه النقاط
الثلاث فيما يلي :

النقطة الاولى: هل يحتوي عقد التأمين
الصحي على غرر كبير مفسد للعقد؟

بعد مراجعتي للنصوص اللغوية التي تفسر
الغرر ، والنصوص الشرعية التي تنهى عن الغرر ـ
ولا ريب في أنها لم تخترع اصطلاحاً جديداً له
، بل تقصد الغرر العرفي الذي نعرفه من كلمات
اللغويين ـ وما فهمه الكثير من الفقهاء من هذا
المصطلح ، استطعت أن أخلص إلى أن الغرر
المتصور هنا ليس من الغرر المنهي عنه ، وهو
الجهالة المؤدية إلى التشاحّ الذي يمنع من
تنفيذ الصفقة كما يعبر الحنفية(9)
، أو المخاطرة المفضية إلى التنازع كما يعبر
الشيخ الانصاري(10)
.

والذي نعتقده أن مسألة الغرر تحتاج من
المجامع الفقهية إلى بحوث مفصلة تتناول
بالدقة الامور التالية :

1 ـ تعريف الغرر تعريفاً عرفياً يتناول
هذا المفهوم بشكل تاريخي، ويحدده في ضوء
النصوص العربية الاصيلة ، بعيداً عن أي تصنع
أو إضافة أو تأثر بفهم آخرين لم يعاصروا النص
ولم يحيطوا بكل جوانبه . ونحن نعلم أنه ليس
هناك اصطلاح فقهي خاص اعتمدته النصوص
الاسلامية بعيداً عن مفهومه العرفي ، وهذا هو
ديدن الشارع في كثير من الشؤون ، ولا سيما في
شؤون المعاملات العرفية .

جاء في لسان العرب في مادة (غرر) بحث
مفصل ننقل عنه ما يلي : «غره يغره غراً وغروراً
وغرة ... فهو مغرور وغرير : خدعه وأطمعه بالباطل
... وفي الحديث : المؤمن غرٌ كريم ، أي ليس بذي نُكر
، فهو ينخدع لانقياده ولينه ... والغَرور : ما
غرك من انسان وشيطان وغيرهما ، وخص يعقوب به
الشيطان ... وقوله تعالى : (ولا يغرّنّكم باللّه
الغَرور) . يريد به زينة الاشياء في الدنيا عن الفرّاء ... وأنا غريرك من فلان ، أي
أحذّركه ... وقيل : بيع الغرر المنهي عنه : ما
كان له ظاهر يغرّ المشتري وباطن مجهول» .

هذا وقد ذكرت الموسوعة الفقهية أن كتب
اللغة تفسره بالخطر(11)
، وجاء هذا التفسير في كتاب المكاسب للشيخ
الانصاري ، وأضاف أنه جاء في القاموس أن غرّره
بمعنى خدعه وأطمعه في الباطل . وعن النهاية
بعد تفسيره الغرة بالغفلة أنه نهي عن بيع
الغرر ، وهو ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن
مجهول . وقال الازهري : «بيع ما كان على غير
عهدة ولا ثقة» ، ويدخل فيه البيوع التي لا
يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول(12)
.

2 ـ وفي ضوء ذلك تتم معالجة النصوص
الاسلامية الواردة في النهي عن الغرر ، فيحدد
نوع الغرر المنهي عنه طبعاً بملاحظة مجموع
النصوص المصححة لبعض المعاملات ، كتلك التي
تصحح عقوداً تشتمل على جهالة في النتائج . وما
اكثر العقود التي تنطوي على ذلك ، كعقود
المزارعة والمساقاة والمضاربة والشركة ، أو
على جهالة وعدم اطمئنان بتحقق النتائج ، كعقد
السلم ، حتى عقد القرض وبيع الشرط والبيوع
التي تصاحبها خيارات وغيرها ، أو على جهالة في
كمية العمل ، كعقد الحراسة وعقد
الوكالة ، خصوصاً عقد الوكالة المطلقة ، حيث
يجهل المتعاقدان مدى العمل الذي يمكن أن
يتحقق بالحراسة والوكالة العامة وامثالها .

هذا في حين يجد الباحث نصوصاً أخرى
تنهى عن بيوع تنطوي على جهل ، وربما عللت ذلك
بالغرر الحاصل ، وذلك كما في بيع الثمار، وبيع
السمك في الماء ، واللبن في الضرع ، والصاع من
صبرة ، الامر الذي يتطلب الدقة في معرفة درجات
الجهل المقبولة والاخرى المرفوضة التي تشكل
غرراً .

3 ـ وبعد تحديد هذه الدرجات وتقعيد
القواعد يجب أن يتم العمل على ملاحظة التطبيق
الدقيق لها على الموارد المستحدثة ، بل على
المواد القديمة التي رفضت بحجة الغرر .

ولكي نمهّد للموقف نجد أنّ من
المستحسن أن نذكر مثالين :

الاول : حول مسألة اشتراط القدرة على
التسليم في صحة العقد .

الثاني : مسألة خيار الشرط .

المثال الاول : شرط القدرة على التسليم
استناداً للمنع عن بيع الغرر.

استند الفقهاء ، عند عرض مسألة اشتراط
القدرة على التسليم في صحة العقد ، إلى مسألة
المنع عن الغرر ، وهنا يقول الشيخ الانصاري: «وبالجملة
فالكل متفقون على أخذ الجهالة في معنى الغرر ،
سواء تعلق الجهل بأصل وجوده أم بحصوله في يد
من انتقل إليه ، أم بصفاته كماً أو كيفاً ،
وربما يقال : إن المنساق من الغرر المنهي عنه ،
الخطر من حيث الجهل بصفات المبيع ومقداره ، لا
مطلق الخطر الشامل لتسليمه ، وعدمه ضرورة
حصوله في بيع كل غائب ، خصوصاً إذا كان في بحر
ونحوه ، بل هو أوضح شيء من بيع الثمار والزرع
ونحوهما ، والحاصل عدم لزوم المخاطرة في مبيع
مجهول الحال بالنسبة إلى التسلم وعدمه ،
خصوصاً بعد جبره بالخيار لو تعذر .

وفيه أن الخطر من حيث حصول المبيع في
يد المشتري أعظم من الجهل بصفاته مع العلم
بحصوله ، فلا وجه لتقييد كلام أهل اللغة ،
خصوصاً بعد تمثيلهم بالمثالين المذكورين (بيع
السمك في الماء ، والطير في الهواء) ، واحتمال
إرادة ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل
بحصوله في يده ، يدفعه ملاحظة اشتهار التمثيل
بهما في كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم لا
للجهالة بالصفات» .

وبعد أن ذكر امثلة على استدلال علماء
الشيعة والسنة على اعتبار القدرة على التسليم
بالحديث النبوي المشهور ، عقب على ذلك بقوله :
«فالاولى أن هذا النهي من الشارع لسدّ باب
المخاطرة المفضية إلى التنازع في المعاملات»(13)
.

ويشكل الامام الخميني(قدس سره) على هذا
الاستدلال ، مستعرضاً أقوال اللغويين رافضاً
إرجاع المعاني التي ذكروها إلى الجهالة ،
ومقرراً أنه ليس من الضروري إرجاعها إلى
معنىً جامع ، قائلاً : «وبالجملة الغرر مستعمل
في معان كثيرة لا يناسب كثير منها للمقام ،
والمناسب منها هو الخدعة ، والنهي عنها ـ
كالنهي عن الغش ـ أجنبي عن مسألتنا هذه ،
فإرجاع المعاني إلى معنىً واحد أجنبي عن
معانيه ، ثم التعميم لما نحن فيه ـ أي اشتراط
القدرة على التسليم ـ مما لا يمكن المساعدة
عليه ، إلاّ أن يتمسك بفهم الاصحاب ، وهو كما
ترى ، أو تكشف قرينة دالة على ذلك ، وهو أيضاً
لا يخلو من بعد ، لكن مع ذلك تخطئة الكل مشكلة
، والتقليد بلا حجة كذلك» .

ويقول في نهاية تعليقه ، بعد أن يستعرض
الروايات الواردة في الغرر ويشكل على كيفية
الاستفادة منها : «والانصاف أن الحكم (اشتراط
القدرة على التسليم في صحة العقد) ثابت وإن
كان المستند مخدوشاً»(14)
، وهكذا فهو لا يعتبر الابهام في القدرة على
التسليم من الغرر .

ويمكن أن نضيف هنا أن جبر هذا الابهام
بالخيار أمر يقبل التأمل، ولا يبعد قبوله
لنفي الغرر المتصور ، وهو الذي اشار إليه
الشيخ الانصاري بتعبير «المخاطرة المفضية
إلى التنازع في المعاملات» .

ولا نريد هنا أن نقرر الموقف في مسألة
اشتراط هذا الشرط في صحة العقد عموماً ، بقدر
استهدافنا القول بأن هذا الابهام لا يبرر
بنفسه ، في نظر بعض كبار الفقهاء ، هذا
الاشتراط .

المثال الثاني : خيار الشرط .

ورغم الاختلاف في تسميته ، فقد سمّي
خيار الشرط ، والخيار الشرطي ، وخيار التروي ،
وبيع الخيار ، اجمعت المذاهب على مشروعيته ،
وقد استدل له تارة بالاجماع ، وأخرى بالاخبار
العامة المسوّغة للاشتراط ، من قبيل الخبر
الذي ادعي تواتره : «المسلمون عند شروطهم»(15)
، وثالثة بالاخبار الخاصة من قبيل ما رواه
الدارقطني عن محمد بن اسحاق عن الرجل
الانصاري الذي كانت بلسانه لُوثة(16)
، فكان لا يزال يغبن في البيوع(17)
، وما رواه البخاري من حديث : «المتبايعان كل
منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلاّ
بيع الخيار»(18)
.

فهو عقد مجمع على صحته إجمالاً ، ولكنه
على أي حال يشتمل على غرر بالمعنى
الشائع للغرر ، وخصوصاً إذا لاحظنا مدة الشرط
. وقد ذكرت الموسوعة الكويتية أن الحكمة التي
لاحظها الفقهاء في التوقيت هي «ألاّ يكون
الخيار سبباً من أسباب الجهالة الفاحشة التي
تؤدي إلى التنازع ، وهو ما تتحاماه الشريعة في
أحكامها»(19) .

ونحن نجد الفقهاء يختلفون في هذه
المدة ، فهناك من يفوض ذلك للمتعاقدين في حدود
المعتاد ، وهناك من يحدد بثلاثة أيام ، وهناك
من يفوض للمتعاقدين مطلقاً ، وهو مذهب أحمد
ومحمد بن الحسن وأبي يوسف ، وابن أبي ليلى
وابن شبرمة والثوري ، وابن المنذر واسحاق بن
راهويه ، وأبي ثور وعبيد اللّه بن الحسن
العنبري(20)
. وقال الشيخ الانصاري من علماء الامامية ما
نصه : «ولا خلاف في صحة هذا الشرط ، ولا في أنه
لا يتقدر بحد عندنا»(21).

وقال الامام الخميني : «لا إشكال في
صحة اشتراط الخيار في العقد وثبوته بالشرط ...
ويشترط تعيين المدة وضبطها بدواً وختماً ،
فلو تراضيا على مدة مجهولة كقدوم الحاج مثلاً
بطل البيع لصيرورته غررياً»(22)
.

وكانت مشكلة الغرر المتصور هنا هي
المشكلة الاساسية أمام الفقهاء ، فالجهل هنا
موجود لا محالة ، لان من ليس له الخيار على
الاقل لا يعلم بالمدة التي سيبقى معها العقد
قائماً .

فربما أجابوا بأن «الجهالة التي لا
يرجع الامر معها غالباً إلى التشاح ، بحيث
يكون النادر كالمعدوم ، لا تعد غرراً كتفاوت
المكاييل والموازين»(23)
، وربما قيل بأن «حديث : نهى النبي(صلى الله
عليه وآله) عن الغرر ، مخصص بخروج الغرر
الحاصل من جهالة مدة الخيار ، وإلاّ بطلت كل
البيوع بجهالة مدة خيار المجلس ، بل لا يضر
جهالة أصل ثبوت الخيار ... فيعلم أن المراد من
الحديث هو النهي عن بيع يكون المبيع أو الثمن
فيه مجهولاً كماً أو وصفاً ، فتكون إضافة
البيع إلى الغرر من قبيل الاضافة إلى المفعول»(24)
، وربما قيل بأن «الغرر المذكور لا يضر بصحة
المعاملة والشرط ; وذلك لان الغرر الاتي من
قبل الاشتراط مشمول للقاعدة ، لا الاتي من قبل
عمل صاحب الخيار ، فإنه بعد ثبوت الخيار له
فالجهل بعمله متأخراً عن القرار المعلوم لا
يضر بالبيع ولا بالشرط»(25)
، كما قد يقال بانه لا دليل على أن كل جهل داخل
المعاملة يضر بالعقد(26)
.

وأخيراً قد يقال بأن «الظاهر من موارد
استعمالات الغرر أنه ما يقرب إلى الخديعة»(27)
، وليس موردنا من موارد الخديعة .

وهذا القول الاخير هو الذي يمكن
استفادته من شروح اللغويين ، بتقريب أن
الخديعة التي تشير إليها المصادر اللغوية ،
إذا أضيفت إلى البيع حملت معنىً معيناً من
الخداع ، يمكن تلخيصه بأنه «ما كان له ظاهر
يغر وباطن مجهول يجعله في معرض الخطر
المعاملي ، وهو الاختلاف بعد ذلك بشكل يصعب
معه تعيين الموقف عند النزاع والتشاحّ ،
فيحصل الضرر والهلكة والخطر» .

وهذا المعنى يستفاد أيضاً من النصوص
الناهية عن الغرر ، ولا مجال هنا لاستعراضها ،
وربما كان هو ما توصل إليه الكثير من الفقهاء
، فحتى الشيخ الانصاري صاحب المكاسب الذي فسر
الغرر بالجهالة يقول بعد البحث : «فالاَولى أن
هذا النهي من الشارع لسد باب المخاطرة
المفضية إلى التنازع في المعاملات»(28)
.

وقد رأينا أن الامام الخميني مثلاً
يشكك في اعتبار مجهولية القدرة على التسليم
داخلةً تحت عنوان الغرر(29)
.

ويقول أيضاً : «والانصاف أن اعتبار
العلم في غير ذات المبيع والاوصاف التي ترجع
إليها لا دليل معتد به عليه ، غاية الامر
إلحاق الاوصاف التي هي دخيلة في معظم المالية
، كالريح والطعم واللون ، فيما يراد منه ذلك ...
نعم لا إشكال في لزوم إحراز عدم الفساد والمذهب
للمالية لا للغرر ، بل لاحراز تحقق البيع بعد
تقومه بالمالية»(30) .

ويقول الشيخ الضرير : «وقد ورد الحديث
الصحيح بمنع بيع الغرر ، فوجب الاخذ به ومنع
كل بيع فيه غرر ، ومقتضى هذا أن يؤثر الغرر في
عقد البيع وحده ، ولكن نظرنا فوجدنا أن الغرر
إنما منع في البيع لانه مظنة العداوة
والبغضاء وأكل المال بالباطل ، كما بيّن ذلك
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في حديث النهي
عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه ، ولما كان هذا
المعنى متحققاً في كل عقود المعاوضات المالية
ألحقناها بالبيع »(31)
.

وقد استنتج الاستاذ الزرقا هذا المعنى
من النصوص قائلاً : «إن الغرر المنهي عنه هو
نوع فاحش متجاوز للحدود الطبيعية ، بحيث يجعل
العقد كالقمار المحض اعتماداً على الحظ
المجرد في خسارة واحد وربح آخر دون مقابل» .

أما بالنسبة للجهالة فهو يؤكد رأي
الحنفية في التمييز بين جهالة وأخرى «فالجهالة
التي تؤدي إلى مشكلة تمنع تنفيذ العقد فتبطله
، والجهالة التي لا تأثير لها في التنفيذ لا
مانع منها ، وعلى هذا يصححون الوكالة العامة»(32)
.

وعلى هذا الاستنتاج كنا قد صححنا ـ كما
قلنا من قبل ـ عقد التأمين عموماً ، ولا نريد
أن نعيد البحث ، وإنما فصلنا قليلاً في معنى
الغرر لنركز بعد هذا على مسألة التأمين
الصحي ، ونستعرض امكانيات تصحيحه حتى في ضوء
القرار الذي اتخذه مجمع الفقه الاسلامي
المؤرخ في 16 / ربيع الثاني/ 1406 هـ ، تحت الرقم 2
، حيث جاء فيه :

1 ـ إن عقد التأمين التجاري ذا القسط
الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري
، عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد ، ولذا فهو حرام
شرعاً .

2 ـ إن العقد البديل الذي يحترم أصول
التعامل الاسلامي ، هو عقد التأمين التعاوني
القائم على اساس التبرع والتعاون(33)
.

وبالتأمل فيما مضى نجد أن الغرر
الموجود في هذا العقد ليس من الغرر الكبير
الذي تتحاماه الشريعة ، كما عبرت الموسوعة
الكويتية ، وليس مما يرجع الامر معه إلى
التشاح ، كما عبر الشيخ الانصاري ، وليس مما
يقرب إلى الخديعة ، كما علق المرحوم الغروي ،
وليس مما يجعل العقد في معرض الخطر المعاملي
ويؤدي إلى التنازع في المعاملات ، كما عبر
الشيخ الانصاري في موضع آخر ، وليس من النوع
الفاحش المتجاوز للحدود الطبيعية بحيث يجعل
العقد كالقمار المحض ، كما يعبر الاستاذ
الزرقا ، وليس من الجهالة التي تمنع تنفيذ
العقد ، كما يعبر الحنفية ، كما أنه لا يشكل
مظنة للعداوة والبغضاء واكل المال بالباطل ،
كما عبر الشيخ الضرير ، ثم إنه ليس مما كان له
ظاهر يضر وباطن مجهول مما يؤدي للاختلاف
ويؤدي من ثمَّ إلى الضرر والهلكة والخطر ، كما
قلناه في الحصيلة ، ومن ثم لا نستطيع أن نطلق
عليه عبارة الضرر الكبير ، ليشمله الحكم
السابق لمجمع الفقه .

هذا ويمكن أن يقال لتأكيد هذا
الاستنتاج : إن دراسة الحالة دراسة موضوعية
دقيقة ، ومعرفة الظروف التي يعيشها الشخص ، أو
دراسة مجموع الحالات التي يعيشها عمال مؤسسة
ما ، ومعدل الخسائر التي تصيب هذا المجموع ،
يمكن أن توصل إلى حالة من الاطمئنان بالنتائج
إجمالاً ، رغم أن الخسائر تختلف من حالة إلى
أخرى ، مما يجعل الحسابات تقرب إلى الواقع على
الاجمال لدى المؤسسة المؤمّنة ، في حين نعلم
أن الاقساط المدفوعة من قبل المؤمّن له أو لهم
واضحة ومحددة .


بحث أصولي :

وعند الشك في شمول أدلة النهي عن الغرر
لهذا المورد وغيره ، يمكننا التمسك بالعام في
الشبهة المفهومية للمخصص المنفصل ، وتوضيح
الامر فيه إجمالاً هو أن من الواضح أن هناك
أدلة عامة أو مطلقة تشمل أفراداً عديدة ، من
قبيل : «كل ماء طاهر» ، و (أوفوا بالعقود)، و (أحل
اللّه البيع) ، وأمثال ذلك . وهناك أدلة مخصصة
لمثل هذه العمومات ، من قبيل استثناء ماتغير
لونه أو طعمه أو رائحته بالنجاسة من عموم «كل
ماء طاهر» ، أو استثناء العقود الغررية من حكم
(أوفوا بالعقود) ، أو استثناء البيوع الربوية
من (أحل اللّه البيع) ، وأمثال ذلك .

والادلة المخصصة أو الادلة الخاصة
تارة تكون واضحة المفهوم ومعلومة المصاديق ،
وأخرى تكون هناك شبهة في مفهومها أو مصاديقها
.

وهناك بحوث مفصلة في أقسام هذه البحوث
، إلاّ أننا سنركز على البحث الذي يرتبط
بموضوعنا نحن ، وهو بحث يُعنون في أصول الفقه
لدى الامامية على النحو التالي : هل يسري
إجمال المخصص ذي الشبهة المفهومية إلى العام
أم لا ؟ ويَعنُون به أنه إذا ورد عام وورد مخصص
لذلك العام ، لكن وقعت شبهة في مفهوم الخاص من
قبيل موردنا هذا ، فهناك عام يقول : (أوفوا
بالعقود) ، والمفروض أن المراد هو العقود
العرفية ، أي التي يؤمن العرف بأنها عقود تامة
، وهناك خاص يقول بعدم الوفاء بالعقود
الغررية ، ووقع الشك في مفهوم الغرر ، وهو شك
بين الاقل والاكثر ، أي لا نعلم بأن الغرر هل
يختص بالغرر الفاحش المؤدي للنزاع في
المعاملات ، أو يشمل كل جهالة في العقد ؟
فالاقل هو خصوص الغرر المؤدي للنزاع عادة ،
والاكثر هو الاعم منه ومن غيره من أنواع الجهل
، إذا ورد ذلك فما هو الموقف في هذه الحالة ؟

يقول الاصوليون في هذه الحالة : إن
إجمال الخاص لا يسري إلى العام ، ذلك أن هذا
العام قد انعقد ظهوره بشكل كامل ، فشمل كل
العقود العرفية ، وعندما يأتي الخاص فإنه
يخصصه في القدر المتيقن، وهو هنا الغرر
الفاحش المؤدي للنزاع ، ولكنه لا يستطيع
التخصيص فيما عدا ذلك ; لانه ، أي الخاص ، لا
تعلم حجيته فيه ، أي في القدر الزائد .

فإذا خرج القدر المتيقن من تحت العام
بحجة أقوى ، وهي حجة الخاص ، يبقى القدر
الزائد غير مزاحم لحجية العام وظهوره فيه(34)
. وبتعبير آخر يقول المرحوم الشهيد الصدر ،
بعد أن يأتي بمثال للعام هو «أكرم كل
فقير» ، ومثال للخاص هو «لا يجب إكرام فساق الفقراء» ،
ويتردد مفهوم الفاسق بين مطلق مرتكب الذنب
وبين خصوص من ارتكب الكبيرة ، ويقول : «إن
مقتضى الحجية ، وهو ظهور العام في العموم
بالنسبة لمورد الاجمال ، موجود ، والمانع
مفقود ، أما وجود المقتضي فلما تقدم من أن
المخصص المنفصل لا يهدم الظهور ، وإنما
يتقدم عليه في الحجة بملاك الاظهرية أو القرينية
، وأما عدم المانع فلان الثابت من المانع عن
حجية العموم إنما هو بمقدار فاعل الكبيرة من
الذنب ، وأما فاعل الصغيرة فلم يثبت بحسب
الفرض خروجه بالتخصيص ، فيبقى العام على
حجيته لما تقدم من أن ظهور العام بنفسه
حجة في نفي التخصيص المحتمل »(35)
.

وهنا نقول : إن الغرر الذي انتهينا
إليه والمنهي عنه لا يشمل موردنا كما قلنا ،
فإذا شككنا في شموله لموردنا أي الغرر غير
الفاحش الذي لا يؤدي إلى النزاع المعاملي ،
فمعنى ذلك أننا شككنا في مفهوم الغرر ،
وترددنا فيه بين خصوص الغرر الفاحش المؤدي
للنزاع أو ما يشمله ويشمل غيره ، وحينئذ
يمكننا التمسك بعموم (أوفوا بالعقود) وأمثاله
من العمومات والاطلاقات الصحيحة للعقود
العرفية ; لشمول موردنا هذا دون أن يعارضه
الدليل المخصص الذي افترضنا فيه شبهة مفهومية
، فهو لا يقوى على إخراج ما يحتمل شموله من
نطاق أفراد العام الذي هو حجة فيه .

إلى هنا ينتهي بحثنا المختص عن النقطة
الاولى ، وهي مسألة مدى احتواء عقد التأمين
على الغرر المنهي عنه .

النقطة الثانية : التأمين الصحي
وطبيعته التعاونية .

ذكرنا فيما سبق أن المالكية يعتبرون
جواز الغرر في عقود التبرع والتعاون قاعدة
عامة ، واستنتجنا من بعض عبارات الامامية
أنهم أيضاً يجيزون ذلك ، بل إن تعميمهم لاثار
الغرر إلى مطلق المعاوضات فيه نظر ، لانهم لا
يقبلون القياس كالظاهرية .

وقد رأينا أيضاً أن مجمع الفقه
الاسلامي بجدة قد أخذ بهذا الرأي في قراره حول
التأمين ، ونحن نعتقد أن طبيعة عقد التأمين
عموماً هي طبيعة تعاونية ، وهو نفس الرأي الذي
تبناه الاستاذ مصطفى الزرقا ، ولكن حتى لو
تنزلنا عن هذا الرأي ، فإننا نجد أن مسألة
التأمين الصحي ـ رغم ظاهرها المعاوضي ـ تحمل
بشكل أكثر وضوحاً معنى التعاون والتضامن ،
حتى ولو كان القصد منها الربح التجاري خصوصاً
بعد أن حذفنا من البين مسألة التأمين من المرض
نفسه وقصرناه على العلاج ، ويتأكد هذا
الموضوع عندما يتم التعاقد بين مؤسسة لها
موظفون ومستشفى يؤمن لهم العلاج اللازم ، كما
يتأكد أيضاً عندما يتم التعاقد بين المؤسسات
الحكومية والمستشفيات الخاصة لتحقيق هذا
الغرض .

أما فيما إذا كانت المؤسسات المتعاقدة
داخلة كلها تحت الاطار الحكومي العام ، فإن
العنصر الغرري لا يتصور تأثيره كثيراً في
البين ، ولا معنى لتصور النزاع داخل
الاطار الواحد .

وهناك نقطة أخرى ربما كان لها دخلها في
البين ، وهي تؤكد لنا الطبيعة التعاونية لهذا
العقد ، وهي أن ننظر إلى الحالة الاجتماعية
كلاً ، فنقارن بين مجتمع تشرع فيه حالة
التأمين الصحي حتى من قبل القطاع الخاص ، وآخر
ينتفي فيه هذا النوع من التأمين . ومن الطبيعي
أن المجتمع الاول ينعم بحالة جيدة من التعاون
والتضامن بالنسبة للمجتمع الثاني ، مما يؤكد
لنا هذه الحالة التعاونية بلا ريب .

ولسنا نرى بأساً في وجود قصد ربحي أو
تجاري لدى أحد المتعاقدين ، للتأثير على
تغيير الطبيعة التعاونية للعقد ، تماماً كما
في مسألة الاستئجار لقضاء الصلوات
مثلاً ، فإن نية الحصول على مبلغ
الاجارة لا تتنافى مع قصد القربة فيها ، كما
يقرره العلماء ، وعلى هذا ربما قربت مسألة أخذ
الاجرة على الواجبات كالمعالجة والتغسيل
والتعليم ، بل كل عمل يحتاج إليه المجتمع في
مختلف المجالات العلمية والطبية
والاجتماعية باعتبارها من الواجبات الكفائية
.

النقطة الثالثة : مسألة الحرج
الاجتماعي عند نفي التأمين الصحي.

إن مسألة التأمين الصحي هي حاجة
اجتماعية ملحة ، ولا سيما للطبقات الفقيرة ،
ولا يمكن التغاضي عنها ; لان ذلك يشكل حرجاً
اجتماعياً عاماً حتى ولو لم يكن يمثل حرجاً
شخصياً في بعض الموارد .

وقد ذكر الاستاذ الضرير شروطاً لتأثير
الغرر ، ومنها ألاّ تدعو للعقد حاجة ، معللاً
ذلك بقوله : «لان العقود كلها شرعت لحاجة
الناس إليها ، ومن مبادئ الشريعة المجمع
عليها رفع الحرج . قال تعالى : (وما جعل عليكم
في الدين من حرج) ، ومما لا شك فيه أن منع الناس
من العقود التي هم في حاجة إليها يجعلهم في
حرج ، ولهذا كان من عدل الشارع ورحمته بالناس
أن أباح لهم العقود التي يحتاجون إليها ولو
كان فيها غرر» ، ثم ذكر أن الحاجة قد تكون عامة
وقد تكون خاصة(36)
.

فإذا افترضنا قيام الدولة بعملية
التأمين هذه ، فإننا لا نرى مشكلة في البين
كما مر ، أما إذا كانت الدولة غير ملتزمة لسبب
أو لاخر بذلك، فإن المنع من عملية التأمين
الصحي سوف يشكل بلا ريب حالة حرجية تلقي
بثقلها الكبير على عاتق أفراد المجتمع ، ولا
تقل ثقلاً عن المصاديق التي تذكرها النصوص
الاسلامية لعنوان الحرج .

وقد رأينا أئمة أهل البيت(عليهم
السلام) يذكرون مصاديق للاية الشريفة (ما جعل
عليكم في الدين من حرج)(37)
، تعدّ عادية بالنسبة لهذه المسألة المهمة ،
وهي من قبيل ما جاء في الرواية التالية .

عن الكافي والتهذيب والاستبصار : «أحمد
بن محمد ، عن ابن محبوب، عن علي بن الحسن بن
رباط ، عن عبد الاعلى مولى آل سام: قلت لابي
عبد اللّه يعني الصادق(عليه السلام) :
عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة ،
فكيف أصنع بالوضوء ؟ قال(عليه السلام) : يعرف
هذا واشباهه من كتاب اللّه عزّوجل . قال اللّه
عزّوجل : (ما جعل عليكم في الدين من حرج) . امسح
عليه»(38).

يقول المرحوم البجنوردي في هذا الصدد :
«فهذه الاية الكريمة مع الحديث الشريف تدل
دلالة واضحةً ، على أن رفع الاحكام الحرجية
مخصوص بهذه الامة كرامة لنبينا(صلى الله عليه
وآله) ، فلا يمكن أن يكون المراد من الحرج عدم
القدرة والطاقة والعجز عن الامتثال ، بمثابة
يكون تكليفه في تلك الحالة قبيحاً أو غير ممكن
، فلا شك في أن المراد من التكاليف والاحكام
الحرجية ، ولو كانت وضعية ، هو أن يكون الحكم
المجعول من طرف الشارع موجباً للضيق والعسر
على النوع أو على الشخص ; لانه قد يكون العسر
النوعي موجباً لرفع الحكم ولو كان بالنسبة
لبعض الاشخاص غير حرجي»(39)
.

ومما لا ريب فيه أيضاً أن دليل (لا حرج)
من الادلة الثانوية نظير (لا ضرر) ، وهو يتقدم
على أدلة الاحكام الاولية المحمولة على
موضوعاتها ، من قبيل نفي الغرر ، والمنفي
بدليل لا حرج هو جعل الحكم التشريعي الموجب
للحرج .


ملاحظة مهمة

لما كان الحرج النوعي ثابتاً فإن دليل
(لا حرج) يسوّغ لولي الامر بمقتضى تشخيصه لذلك
أن يسمع بمثل هذا التأمين ـ إن لم نقل بأنه عقد
مسموح به طبق الاصل ـ رفعاً لذلك الحرج النوعي
، إلاّ إن الاشخاص يختلفون في ذلك ، والاحتياط
يقتضي ألاّ يقدم الشخص الذي يشعر بالحرج على
هذا العمل ، حتى مع السماح الاجتماعي العام
بذلك . ولكننا ذكرنا قبل هذا أن صحة هذا العقد
هي على القاعدة ، فلا حاجة لمثل هذا الاحتياط .

وإلى هنا قد انتهينا من المبحث الاول
بنقاطه الثلاث ، وهو مبحث حكم التأمين الصحي .


المبحث الثاني : حكم اشتراط البرء
لاستحقاق المقابل

وهذه المسألة قد لا ترتبط ارتباطاً
وثيقاً بموضوع التأمين الصحي ، غير أن
الاطلاع على نتائجها نافع في البين .

وربما لم تكن المسألة بحاجة إلى توضيح
كثير ، وخلاصتها أن يشترط المريض على معالجه
أو على شركة تأمين أن يتحقق البرء ، حتى يستحق
الشخص أو الشركة المبلغ المعين ، فهل يصح هذا
الشرط ؟ وإذا كان فاسداً فهل يفسد العقد ؟ هذا
ما يجب توضيحه . وسيكون بحثنا على النحو
التالي :


1 ـ قاعدة «المؤمنون عند شروطهم» :

هذه القاعدة من المسلّمات الفقهية
الاسلامية ، والاصل فيها ما روي عن النبي(صلى
الله عليه وآله) من قوله : «المسلمون عند
شروطهم ـ أو على شروطهم ـ إلاّ شرطاً
حرم حلالاً»(40)
.

ولا شك في صحة هذا الحديث على اختلاف
تعابيره ، وملخص دلالته أن على كل مسلم الثبات
عند التزاماته والوفاء بها ، إذ إنه(صلى الله
عليه وآله)هنا في مقام إنشاء الحكم لا الاخبار
به .

وفي ضوء ذلك أجمع المسلمون على وجوب
الوفاء بالشروط الصحيحة ، وإن كانوا اختلفوا
في أمور كثيرة متفرعة ، من قبيل شمول العبارة
للاحكام كلها ، باعتبارها إلزامات والتزامات
إلهية ، أم لا ، وشمول القاعدة للشروط
الابتدائية أو اقتصارها على الشروط المذكورة
ضمن العقود ، وهذا ما لا داعي فعلاً للحديث
عنه ، وإنما المهم الحديث عن وجود شرائط صحة
الشروط في موردنا هذا حتى يمكن الالزام به .


2 ـ شرط القدرة :

ذكر العلماء شرائط صحة الشرط ليمكن
الالزام به ، وأولها شرط القدرة ، أي أنه يجب
أن يكون مقدوراً للمشروط عليه . ذلك أن
الاشتراط يعني الجعل في العهدة ، وما لم يكن
قادراً عليه لن يكون متمكناً من الوفاء به ،
ومن ذلك اشتراط أمور ـ بنحو شرط الفعل أو شرط
النتيجة ـ غير داخلة تحت سلطة الانسان ، وإنما
تتحقق بإرادة اللّه تعالى فقط ، كموردنا هذا
وهو البرء من المرض ، فهو بيد اللّه جل وعلا ،
وإن كان للانسان أن يهيّئ الظروف الملائمة
للشفاء .

والسر في كون هذا الشرط فاسداً هو أنه
يحول العقد إلى عقد غرري لمجهولية النتيجة .
يقول الشيخ الانصاري : «لان تحقق مثل هذا
الشرط بضرب من الاتفاق ، ولا يناط بإرادة
المشروط عليه ، فيلزم الغرر»(41)
.

ويقول السيد البجنوردي : «فمثل اشتراط
جعل الزرع سنبلاً ، والبسر رطباً ، واشتراط
كون الدابة بحيث تحمل في المستقبل ، حيث إنها
ليست تحت سلطان المشروط عليه ، يكون لغواً أو
باطلاً ، بل لو أخذ وصفاً للمبيع في البيع أو
لغيره في سائر المعاوضات ، يكون العقد فاسداً
لكونه غررياً»(42)
.

وقد قرر العلماء جميعاً أن العقد الذي
يدخله الغرر حتى من قبل الشرط الغرري باطل ،
على اختلاف في تعابيرهم(43)
.

ولكن اعتبار اختلال شرط القدرة منفذاً
للغرر في العقد قد يختلف فيه ، كما سنرى .

وقد جاء في الموسوعة الكويتية التعبير
التالي : «القسم الثاني : ما يحكم معه
بصحة التصرف سواء أسقطه المشترط أم لم يسقطه ،
وهذا القسم يتناول الشروط الباطلة التي تسقط
ويصح معها التصرف عند الحنفية، والشروط
الباطلة التي يصح معها التصرف عند المالكية،
والشروط الفاسدة التي يصح معها التصرف عند
الشافعية والحنابلة».

ومما ذكرت من أنواعه «الرابع : اشتراط
أمر يؤدي إلى جهالة أو أمر غير مشروع ، كما لو
باع بقرة وشرط أن تدر كل يوم صاعاً ، فإن ذلك
لا يصح لعدم القدرة عليه ، ولعدم انضباطه»(44)
.


3 ـ محاولة لتصوير القدرة هنا :

وقد يقال في موردنا : إن ظاهر هذا الشرط
هو شرط الوصول إلى النتيجة ، وهي البرء إلاّ
إن واقعه العرفي هو بذل أقصى الجهد للوصول
إليها ، فهو شرط فعل وليس شرط نتيجة ، فإن كان
هذا هو المراد فلا مشكلة في البين ، ولكنه
خلاف ظاهر الاشتراط .

وقد يقال أيضاً : إن هناك من الامراض ما
يمكن للطبيب الماهر أن يطمئن فيها إلى
النتيجة ـ بإذن اللّه تعالى ـ ، وحينئذ لا يعد
العرف هذا الشرط شرطاً غير مقدور ، ومن ثم لن
يكون غررياً باطلاً . وربما يقاس هذا إلى بعض
الشروط الاخرى الصحيحة عرفاً ، من قبيل شرط
الايصال إلى المقصد الفلاني ، أو شرط القضاء
على العدو وتحقيق النصر ، أو شرط استكمال
البناء ، واختراع الوسيلة ، وأمثال ذلك مما
يتوقف الامر فيه على لطف اللّه وعنايته ، بل
يمكن أن يقال : إن تحقيق كل الشروط متوقف على
ذلك ، فلا فرق بين شرطنا هذا وباقي الشروط .

والانصاف أن هذا الامر لا يمكن نفيه في
جميع الموارد ولا قبوله في الجميع ، وإنما
تختلف الحال فيه من مورد إلى آخر ، فلا يمكننا
أن نتصور الفرق بين الشروط المستساغة عرفاً
وهذا الشرط في بعض الموارد ; وذلك لما قلنا عن
الغرر من قبل ، ولما نجده وجداناً من إمكان
تحقيق النتيجة بكل ثقة ـ مع التوكل على اللّه
تعالى ـ في مثل هذه الموارد .


4 ـ بعض الشروط المشابهة :

هذا وقد ذكر فقهاء الامامية بعض
المسائل المشابهة ، من قبيل اشتراط أن تحمل
الدابة في المستقبل ، حيث ذكر الشيخ الانصاري
أن العلاّمة الحلي أبطل هذا الاشتراط ; لانه
غرر عرفاً ، ولكن نقل عن الشيخ الطوسي والقاضي
ابن البراج أنهما حكما بلزوم العقد مع تحقق
الحمل ، وبجواز الفسخ إذا لم يتحقق ، حيث إن
الظاهر ـ كما استفاده الشهيد الاول في الدروس
ـ هو تزلزل العقد باشتراط مجهول التحقق، وهذا
يعني وجود خلاف في اشتراط القدرة على الشرط
عند الفقهاء(45)
، ولعل ذكر الخيار هنا هو لرفع حالة الغرر
المؤدية للنزاع ، وهو ما اشرنا إليه عند بحثنا
عن اشتراط القدرة على التسليم وأدائه إلى
الغرر عند عدم العلم به .

ومن الامثلة التي تذكر ما لو اشترط على
المشتري بيع السلعة المشتراة من زيد ، فإن
المشتري إنما يقدر على الايجاب فقط لا العقد
المركب ، فالقبول ليس تحت قدرته ، ومع ذلك فقد
جزم العلاّمة في التذكرة بصحة هذا الشرط غير
المقدور تماماً ، فقال : «لو اشترط بيعه على
زيد فامتنع زيد من شرائه ، احتمل ثبوت الخيار
بين الفسخ والامضاء والعدم ، إذ تقديره : بعهُ
على زيد إن اشتراه» . وهنا يقول الشيخ
الانصاري معلقاً : «ولا أعرف وجهاً للاحتمال
الاول ، إذ على تقدير إرادة اشتراط الايجاب
فقط قد حصل الشرط ، وعلى تقدير إرادة اشتراط
المجموع المركب ينبغي البطلان ، إلاّ أن يحمل
على صورة الوثوق بالاشتراء ، فاشتراط النتيجة
بناءً على حصولها بمجرد الايجاب ،
فاتفاق امتناعه من الشراء بمنزلة تعذر الشرط
، وعليه يحمل قوله في التذكرة : ولو اشترط على
البائع إقامة كفيل على العهدة فلم يوجد
أو امتنع (الكفيل) المعين ثبت للمشتري الخيار»(46)
.

وهكذا نجد أن هناك مجالاً للتخريج على
أساس الوثوق بالنتيجة ، كما عبر الشيخ
الانصاري في جعل الاشتراط عرفياً ، أما الغرر
فيتلافى حينئذ بخيار تخلف الشرط ولا يعود من
الغرر المنهي عنه .

هذا ويمكننا أن نطرح الاسلوب التالي
للحل . لقد ذكر الامام الخميني أن العقلاء
يستخدمون أسلوب الاشتراط وأسلوب الخيار عند
تخلف الشرط ، ويترتب لديهم عند الاشتراط حقان
: أحدهما : حق إلزام المشروط عليه بالعمل به ،
والثاني : حق الخيار عند التخلف .

فلو كان الحق الثاني تابعاً للحق
الاول ، بمعنى أنه مع عدم وجود حق للالزام لا
يوجد حق الخيار ، فإن أمر العقد يدور بين
اللزوم والفساد ، ويقع الشرط غير المقدور
باطلاً .

أما لو كان الحق الثاني تابعاً لمطلق
تخلف الشرط ، اختيارياً كان أم لا ، صح الشرط ،
وترتب على تخلف الخيار تماماً لو طرأ التعذر
بعد العقد ، فهم لا يحكمون ببطلان العقد حينئذ
ولا بلزومه بل يحكمون بالخيار للتخلف ،
فالقدرة ليست شرطاً لصحة الشرط ، بل هي شرط
عقلي لجواز الزامه على العمل به . هذا ماهو
الحال لدى العقلاء ، فإذا دخلنا الساحة
الشرعية ولاحظنا قوله(صلى الله عليه وآله) : «المؤمنون
عند شروطهم» ، الدال بكل وضوح على الالزام ،
فحينئذ قد نقول : إن الاحكام الكلية القانونية
لا تتقيد بالقدرة كما لا تتقيد بالعلم ، ويكون
الحكم الفعلي ثابتاً لموضوعه علم به المكلف
أم لا ، قدر عليه أم لا ، وحينئذ فوجوب تحقق
الشرط ثابت ، والعذر عن الاتيان به لا يوجب
بطلانه رأساً ، فيترتب عليه الخيار .

وقد نقول : بأن التكليف الكلي ينحل إلى
تكاليف ولا يعقل تعلقه بالعاجز ، فإن ذلك لا
يوجب بطلان هذا الشرط ، نظير البطلان في الشرط
المخالف للكتاب أو السنة ; لان غاية الامر
قصور الادلة عن إيجاب العمل بهذا الشرط ،
وتكفل الخيار عند التخلف ، فلا تدل على عدم
الخيار عند عدم الوجوب .

وعندئذ نقول : ليس هناك دليل شرعي على
بطلان هذا الشرط ، كما في موردنا هذا ، ويبقى
العمل العقلائي الذي أشرنا إليه من إيجاب
الخيار عملاً معتبراً ، ولا رادع شرعي عنه(47)
.


5 ـ إن كان الشرط فاسداً فهل يفسد
العقد ؟

وإذا افترضنا فساد هذا الشرط فإنه لا
يجب الوفاء به ، وإذا كان الشرط يعود إلى
الغرر في العقد فإنه يبطله ; لانه عقد منهي عنه
.

والظاهر من بعض العلماء(48)
كابن زهرة ، وهو من قدماء الامامية ، في
الغنية أن الشرط غير المقدور كصيرورة الزرع
سنبلاً والرطب تمراً ، يؤدي إلى صيرورة البيع
غير مقدور على تسليمه فيعود غررياً ، ولكن
العلاّمة الحلي في التذكرة يصرح بوقوع الخلاف
في الشرط غير المقدور ، ممثلاً بالمثالين
المذكورين ، وينسب القول بصحة العقد إلى بعض
العلماء .

ويعلق المرحوم الانصاري عليه بقوله : «والحق
أن الشرط غير المقدور من حيث هو غير مقدور لا
يوجب تعذر التسليم في أحد العوضين ، نعم لو
أوجبه فهو خارج عن محل النزاع كالشرط المجهول
، حيث يوجب كون المشروط بيع الغرر»(49)
.

ويمكن أن نشير هنا إلى ما قلناه في
مسألة اشتراط القدرة على التسليم ، من أن وجود
الخيار هناك قد يرفع الغرر المتصور فراجع ذلك
.

وعلى أي حال لا يبعد القول بأن مثل هذا
الشرط لا يدخل العقد في الغرر ، حتى لو قلنا
بفساده ، فيبقى مجال للبحث عن صحة العقد مع
عدم تحقق الشرط ; وذلك لانه مشمول لعمومات
الصحة والوفاء .


6 ـ الاشكالات على صحة مثل هذا العقد
الصحيح والباطل شرطه :

وقد ذكر صاحب المكاسب منها أربعة
وأجاب عنها ، ولكنه توقف في النهاية عن
الافتاء ، وهي :

أولاً : أن للشرط قسطاً من العوض
مجهولاً ، فإذا سقط لفساده صار العوض مجهولاً
.

وأجاب عنه بالنقض في مسألة سقوط الشرط
الفاسد في النكاح مع صحته ، وبالحل مانعاً أن
الشرط يقابل بشيء وإن كان له دخل في زيادة
العوض ونقصانه ، ولذلك لم يكن في فقده إلاّ
الخيار بين الفسخ والامضاء مجاناً ، ومقرراً
أن التفاوت بين المتصف بالشرط وغيره منضبط
وليس مجهولاً ، ومؤكداً أن الجهالة الطارئة
على العوض لا تقدح بعد أن تم العقد بلا جهل عند
الانشاء .

ثانياً : أن التراخي إنما وقع على
النحو الخاص ، فإذا تعذر لم يبق التراخي على
ماهو عليه .

وأجاب عنه بمنع كون ارتباط الشرط
بالعقد يحوج انتفاءه إلى معاوضة جديدة تماماً
لو تبين نقص أحد العوضين ، فإنه لا يبطل العقد
من الاصل وإن كان يوجب الخيار .

ثالثاً : ذكر بعض الروايات الواردة عن
أهل البيت(عليهم السلام) التي يبدو منها فساد
أصل العقد ، وأجاب عنها .

واستدل لصحة هذا العقد بروايات ، من
قبيل حديث نافع أن عائشة ساومت بريرة فخرج إلى
الصلاة ، فلما جاء قالت : «إنهم أبوا أن
يبيعوها إلاّ أن يشترطوا الولاء ، فقال النبي(صلى
الله عليه وآله) : إنما الولاء لمن أعتق»(50)
، والظاهر منه صحة العقد وبطلان الشرط .

وأخيراً تردد في المسألة قائلاً : «والانصاف
أن المسألة في غاية الاشكال»(51) .


7 ـ ما الحكم لو أسقط المشروط له الشرط
الفاسد والمفسد للعقد؟

إن قلنا بأن العقد فاسد من الاول فلا
أثر لهذا الاسقاط ، ولكننا لم نقل به . واللّه
اعلم .


ملخص البحث :

قمنا بعون اللّه وتوفيقه بالخطوات
التالية :

أولاً : عرّفنا بالتأمين الصحي نفسه ،
ولم نر ضرورة للتعرض لتفاصيل البطاقات الصحية
.

ثانياً : للوصول إلى الحكم الشرعي
للتأمين الصحي سلكنا الخطوات التالية :

أ ـ ركزنا على أن المشكلة الاساسية في
هذا العقد هي مشكلة الغرر ، فبحثنا
بإيجاز عن نوع الغرر المنهي عنه ، وذكرنا
ضرورة التعمق ـ أكثر من ذي قبل ـ في هذا البحث
المهم ، وللتمهيد لمعرفة النتيجة تعرضنا
لمثالين مهمّين يقوم البحث فيهما على نوع
الغرر الذي يصاحبهما ، وهما ، مسألة اشتراط
القدرة على التسليم ، ومسألة خيار الشرط ،
وخلصنا في النتيجة إلى أن الغرر المنهي عنه هو
ما كان له ظاهر يغر وباطن مجهول يجعله في معرض
الخطر المعاملي ، وهو الاختلاف والنزاع بعد
ذلك بشكل يصعب معه تعيين الموقف عند التشاح ،
فيحصل الضرر والهلكة والخطر .

ب ـ قمنا بتطبيق النتيجة على موردنا (التأمين
الصحي) فلم نجد فيه مصداقاً لهذه النتيجة .

جـ ـ ذكرنا بحثاً أصولياً يوضح الموقف
عند الشك في مثل هذا المورد ، وهو بحث (التمسك
بالعام في الشبهة المفهومية للدليل المخصص) ،
ورأينا أيضاً أنه لصالح تصحيح المورد ،
وانسجامه مع القواعد .

د ـ بحثنا عن الطبيعة التعاونية
للتأمين الصحي ، وأكدناها من خلال نظرة
اجتماعية عامة .

هـ ـ ذكرنا مدى الحرج الاجتماعي الذي
يتحقق بنفي موضوع التأمين الصحي ، والحرج من
العناوين الثانوية التي تتقدم على عناوين
الاحكام الاولية حتى ترتفع الحالة الحرجية .

ثالثاً : تعرضنا لحكم اشتراط البرء
لاستحقاق المقابل عبر الخطوات التالية :

أ ـ توضيح قاعدة المؤمنون عند شروطهم .

ب ـ ضرورة أخذ شرط القدرة في الشروط
اللازم الوفاء بها .

جـ ـ محاولة لتصوير وجود هذا الشرط في
مورد مسألتنا .

د ـ الحديث عن بعض الشروط المشابهة
التي ذكرها الفقهاء .

هـ ـ تعرضنا لاسلوب يحل المشكلة على
أساس من السلوك العقلائي غير المنهي عنه من
قبل الشارع .

و ـ مع افتراض فساد هذا الشرط هل يبطل
العقد ؟ هذا ما ذكرناه هنا.

ز ـ حل بعض الاشكالات على النتيجة
والاستدلال عليها .

ح ـ الحكم فيما لو أسقط المشروط له
الشرط الفاسد .


مشروع القرار المقترح :

أما بعد ، فإن مجمع الفقه الاسلامي قرر
:

1 ـ أن عقد التأمين الصحي جائز ; وذلك :

أولاً : لعدم بلوغ الغرر فيه إلى الحد
الكثير .

ثانياً : لطبيعته التعاونية .

ثالثاً : للحاجة الاجتماعية إليه .

2 ـ من المرجح أن تشكل شركات تعاونية
لهذا الغرض ، أو تعمل الحكومات على تأمين هذه
الحاجة لموظفيها بل لمواطنيها .

3 ـ لا يختلف الحال فيما لو كانت هناك
واسطة في العقد من شخص أو شركة تعاونية أو
تجارية ، وإن كان من المرجح عدم إدخال الشركات
التجارية في البين.

4 ـ لو اشترط شخص على الطبيب المعالج
البرء لاستحقاق المقابل ، فإنه يراعى
في تصحيح هذا الشرط نوع المرض ، وقدرة المعالج
، وعند التخلف يثبت خيار تخلف الشرط ، فله
الفسخ فيعود لاجرة المثل وله الامضاء .

واللّه تعالى اعلم .



(1)
الوسيط للسنهوري 7 : 1378.

(2)
يراجع مثلاً نظام البند 5 من المادة 13 من قانون
تأمين الخدمات الصحية العامة للبلاد.

(3)
هذا النص روته الصحاح من كتب أهل السنة، كصحيح
مسلم، وسنن ابن ماجة، وابن داود، والتـرمـذي،
والنسائي، ولم يروه صحيح البخاري، وإن أشار
إليه في بعض الابواب. أما كتب الامامية فقد
جاء في بعضها، كعيون أخبار الرضا، ومستدرك
الوسائل، ودعائم الاسلام. ولكن أسانيده وحدها
غير معتبرة، ومع ذلك يقال عنه: إن اشتهاره
يجبر إرساله (المكاسب : 185) ، و (البيع للامام
الخميني 3:204) ، فلا إشكال في صحة الاستناد إليه.

(4)
نقلاً عن المكاسب : 188.

(5)
الينابيع الفقهية 17 : 21.

(6)
المكاسب : 188 .

(7)
القواعد الفقهية 3: 248.

(8)
الفروق للقرافي 1 : 150 ـ 151، الفرق الرابع
والعشرون.

(9)
نقلاً عن نظام التأمين للاستاذ مصطفى الزرقا.

(10)
المكاسب للشيخ الانصاري : 185.

(11)
الموسوعة الفقهية 9 : 186.

(12)
راجع المكاسب : 185.

(13)
المكاسب : 186 .

(14)
البيع 3 : 206 ـ 207.

(15)
المكاسب 5 : 228، طـ . تبريز.

(16)
لُوثة : حُبسة في اللسان.

(17)
سنن الدارقطني 3:56، طـ. دار المحاسن، وغيره.

(18)
صحيح البخاري 4:337، طـ . المطبعة السلفية،
وغيره.

(19)
الموسوعة الكويتية 20:82 .

(20)
م . ن : 83 .

(21)
المكاسب 5 : 228، طـ . تبريز.

(22)
البيع 4 : 209 .

(23)
المكاسب : 228 .

(24)
البيع 4 : 211 ـ 212 .

(25)
م . ن .

(26)
م . ن .

(27)
تعليقة المرحوم الغروي على المكاسب : 300، طـ .
مجمع الذخائر، قم.

(28)
المكاسب : 185 .

(29)
راجع البيع 3:206 ـ 207.

(30)
البيع 3 : 359.

(31)
الغرر في العقود : 42.

(32)
نظام التأمين:51 ـ 52.

(33)
مجلة مجمع الفقه الاسلامي، الدورة الثانية
2:731.

(34)
راجع اصول الفقه للمظفر 1:130، المطبعة العلمية
النجف.

(35)
بحوث في علم الاصول 3:299، تقرير السيد محمود
الهاشمي.

(36)
الغرر في العقود:46.

(37)
الحج : 78 .

(38)
وسائل الشيعة 1:327.

(39)
القواعد الفقهية للبجنوردي 1 : 212 .

(40)
جاء هذا الحديث في كل الكتب الحديثية، فلا
نطيل في نقل مصادره. يراجع مثلاً: وسائل
الشيعة، ب 20 من أبواب المهور، ح 4 من كتاب
النكاح.

(41)
المكاسب : 276 .

(42)
القواعد الفقهية 3:226.

(43)
الموسوعة الفقهية 26 : 11 ـ 16.

(44)
نقلاً عن مغني المحتاج 2 : 33 ـ 34.

(45)
المكاسب : 276 .

(46)
م . ن .

(47)
راجع البيع 5 : 144 ـ 147.

(48)
سلسلة الينابيع الفقهية 13 : 209.

(49)
المكاسب : 287 .

(50)
صحيح البخاري 3:94 طـ . إحياء التراث، والرواية
رواها مشايخ الامامية في اصولهم.

(51)
المكاسب : 289 .

/ 1