فنـون وآداب - ختامه مسک نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ختامه مسک - نسخه متنی

مصطفی حسن

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فنـون وآداب

خاطرة

خِتامُه مِسْكٌ

* مصطفى حسن
( العراق )

المدى يختنق بحرارة الشمس اللاهبة
. تغلي حصباؤه فتحترق بها الاقدام المتهادية
في ذلك الهجير ، وتمتد عباءات المصحرين من
أعلى الرؤوس إلى اسفل الاقدام ، تقيها شدة
اللظى المتّقد .

الركب المهيب عائداً من آخر حجة
للبشير النذير إلى بيت اللّه العتيق ـ يصل
مشارف الجحفة . موضع هناك تصبّ فيه عين ماء كان
فيه نزول امين الوحي محمّلاً بخاتمة البلاغ
الالهي المقدس : (يا أيّها الرسول بلّغ ما
أُنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت
رسالته واللّه يعصمك من الناس إن اللّه لا
يهدي القوم الكافرين) .

أمر خطير لاشك أنه سيثقل كاهل داعي
الهدى ، الذي قطع كل أشواط رسالته بقلب يسع
الكون حزماً وجرأة وصلابة .

لقد آنت ساعة المواجهة المشوبة بالحذر
والتوجّس . لم يكن هيّناً ذلك الامر الصارم
الذي توقف على إنفاذه تمام تلك الرسالة
الراشدة . لم تزل المسيرة إذن ناقصة الفصول .
كل تلك الاعوام بما حملت من مشاقّ التغيير
الصعب ـ لم تبلغ بصاحبها المثقل بهموم النجاح
شاطئ الامل الكبير . إنها النقطة الملتهبة في
مجرى تلك الاحداث الساخنة .

تتمهّل الخطى الوانية . مئة ألف أو
يزيدون تمتلئ أسماعهم بصوت داعي النبي ،
يستوقفهم لتلقي رسالة السماء الاخيرة . سكن
حفيف الاقدام ، وانضمّ آخر الركب إلى طليعته .

تحت شجرة من السَّمُر أُلقيت على
أغصانها ملاءة ، قام نبي اللّه مصلّياً بتلك
الجمّاء الغفير الظهر ، ليستقلّ بعدها أعواد
منبر أُعدّ له من أحداج الابل وأقتابها
صادعاً بقولة الحق :

ـ إني أوشك أن أُدعى فأجيب ، وإني
مسؤول وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟

ما كانت الوجوه الواجمة لتخفي شهادتها
، وقد شهدت كل تفاصيل تلك المسيرة المباركة :

ـ نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت ،
فجزاك اللّه خيراً .

ـ ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه ،
وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن جنته حق ، وأن
الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن اللّه يبعث من
في القبور ؟

لابد أن يؤكّد(صلى الله عليه وآله) على
أولئك المشرئبة قلوبهم إلى الغاية قواعد هذا
الدين . لقد وعوها موقنين بصدقها ، فنشأ عليها
صغيرهم ، وهرم كبيرهم ، ولكنه أراد أن يطمئنّ
إلى ثبات رسالته في نفوسهم ، ويُعدّها
لاحتضان ركن آخر في هيكل عقيدتهم لا محيص أن
يكون في الاساس .

ـ بلى نشهد بذلك .

إنها حقيقة الدين التي من أجلها بعث
جميع سفراء اللّه في أرضه ، وفي سبيل ترسيخها
في ضمائر هؤلاء القوم بذل هذا المبعوث بالنور
كل وسع وجهد .

ـ اللّهم اشهد .

الان تملا السكينة قلب صاحب الدعوة ،
ويداعب روحه الامل أن تقوى تلك البصائر على
حمل كلمة الفصل في هذا الحوار . لقد آمنت به
رسولاً ، فلابد أن تيقن بصدق كل ما جاء به من
عند ربه : (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلاّ وحي
يوحى) .

راحوا يستشرفون قلوباً وأسماعاً
وأبصاراً ، مترقّبين ما تريد أن تنفرج عنه
شفتاه الطاهرتان من بيان لا محالة أنه خط فاصل
في حركة هذا الدين ، وإطلالة واعية على عمق في
روحه ، فلم يكن ليستوقفهم على تلك الرمضاء
الصالية ليقول لهم ما ليس حريّاً بتلك الوقفة
المصيرية . لم يشكّوا في ذلك وقد علموا منه
غاية الرحمة بهم.

ـ إني تارك فيكم الثقلين ، ما إن
تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً .

ليس غريباً في ثقافتهم الدينية ذلك
المصطلح الكبير لقد سمعوه مراراً ، وأدركوا
حقيقته في مواطن كثيرة ، ولكن سائلاً حريصاً
ربما أراد أن يرسّخ جذوره اكثر في اعماقهم :

ـ بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ، وما
الثقلان ؟

ـ كتاب اللّه سبب ، طرف بيد اللّه وطرف
بأيديكم ، فتمسّكوا به ، والاخر عترتي . وإن
اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى
يردا عليّ الحوض ، فلا تَقدّموهما فتهلكوا ،
ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا .

« كتاب اللّه » ذلك القرآن الذي أنزله
إليهم هدىً ونوراً (لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه) ، و « عترتي » هي دلالة كبيرة
طالما صرخ بها في محافلهم كلما سنحت لذلك
سانحة ، ولم يكن عهدهم بعيداً بآي هي قول فصل
في تقريرها ، فالتطهير والمباهلة والقربى
وغيرها كثير كلّها ناطقة ببيان تلك الحقيقة .

تمتدّ يد النور إلى يد رجل هو بينهم
غير مجهول ، فلقد واكب الرحلة الشاقة مذ كان
صبياً في العاشرة من عمره ، وشهدوا له مواقف
كانت نقاط الحروف الكاشفة في سبيل ذات الشوكة
. ذاكرةُ بدر وأحد وحنين ، وكل فصول المواجهة
الكبرى ، مازالت مفعمة بهدير ذلك السيف ، وهو
يجتثّ اصول الشرك ، ويحصد تلك الجماجم
المتقيّحة بعفن الضلال .

تقتحمه أبصارهم . يتأملون فيه حداثة
سنه ، وفيهم ممن حنّكتهم تجارب الحياة كثير ،
ولكنهم لا يملكون إلاّ الرضا والقبول .
إيمانهم برسالة هذا الامين فيهم يفرض
انصياعهم لكل صغيرة وكبيرة من أمر شريعته
التي جاء بها (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى
اللّه ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من
أمرهم) .

تتعانق اليدان لتعلوا تلك الهامات
التي صهرتها الشمس :

ـ أيّها الناس ، من اولى الناس
بالمؤمنين من أنفسهم ؟

ـ اللّه ورسوله أعلم .

لاشك أنهم علموا ذلك وأيقنوه ، ولكن
للموقف مفاجأته في دواخلهم .

ـ إن اللّه مولاي ، وأنا مولى المؤمنين
، وأنا أولى بهم من أنفسهم .

نعم ، ذلك حق تلوه في آي كتابهم : (النبيّ
أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ، فماذا بعد ؟

ـ فمن كنت مولاه فعلي مولاه .

القلوب طافية بين شدّي الرفض والقبول .
يلتهب ذلك السكون بزفير الانفاس التي أرهقها
زحام الرؤوس ، فراحت تتعثر متهدّجة بين تراقي
الصدور ، لتنبعث منهوكة بوطأة القرار الحاسم .

ـ اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه
، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأحبّ من
أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وأدر الحق معه حيث
دار .

لم يكن رسول اللّه ليدع في تلك القلوب
خيوط وهم يمكن أن تنسج منها ضلالاً عن واضح
الطريق ، وصريح الحق .

كانت السماء ترقب تفاصيل ذلك الحدث ،
لتقول كلمتها الاخيرة في خضمّ مفاجآته ، بعد
إتمام البلاغ الربّاني لاولئك المؤمنين . لم
يلبث وحيها أن جاء بشيراً : (اليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام
ديناً) .

يملا السرور جوانح النبيّ الصادق بما
أنعم اللّه عليه من إكمال الدين ، الذي جهد في
أدائه إلى أهل هذه البسيطة ، فيرفع صوته
مكبّراً حامداً ، فحافظ شريعته بعده خليق
بحمل رايتها ، وإعلاء كلمتها . إنه عليّ فتى
الاسلام الاول ، وسليل طهره وهداه .

لم تنته بعد سلسلة الاحداث في هذا
المشهد المفعم بالحرارة . خيمة بيعة تنصب لعلي
ليدخل عليه اولئك المؤمنون مسلّمين عليه
بإمرته عليهم . ما كانت نفس رجل النبوة (المنذر)
لتطيب ، إلاّ أن ترى ذلك الجمع الحاشد وهو يضع
يد البيعة في يد رجل الامامة (الهادي) ; (لئلاّ
يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرسل وكان
اللّه عزيزاً حكيماً) .

/ 1