دراسـات
عزّ الدين سليم
أبو طالب الصحابي المفترى عليه ( 1 )
مدخل :
لا يكاد التاريخ يحدّد الزمن الذيدخلت فيه الاوثان مكة المكرمة ، حتى زحفت
بظلها الاسود على الكعبة المشرفة ليتربع
بعضها على سطحها !
كما لم يوُرّخ احد من المؤرخين لبداية
الزحف المادي الهابط على العقلية العربية في
مكة وما حولها ، التي فتح مغاليقها على
الحنيفية السمحاء شيخ الانبياء ابراهيم
الخليل ، وولده اسماعيل(عليهما السلام) الذان
رفعا قواعد البيت الحرام في عصر مبكر من مسيرة
ام القرى نحو اللّه عزّ وجل .
على أن بعض المؤرخين يذكرون أن عمرو بن
لحي زعيم خزاعة هو الذي سود صفحات تاريخ مكة
بكفره وردته ، حين نقض عرى الحنيفية وخرب
المشروع الرباني الذي حمله ودعا إليه ابراهيم
واسماعيل(عليهما السلام) ، وذلك بعد وفاة
اسماعيل النبي(عليه السلام) بسنين عديدة ،
فذهبت جهوده الكبيرة العاملة على نشر الاسلام
في اليمن والجزيرة العربية ادراج الرياح ،
بعد أن عمل عمرو بن لحي وسعه من اجل أن يغيّر
الحنيفية البيضاء ، حيث دعا عمرو هذا إلى
الوثنية ، ونصب الاصنام(1)
في مكة ، واستورد هبل من بلاد الشام . على أن
هذه الانتكاسة لا تمثل البداية قطاً ، فلابد
من بداية على هذه الطريق ، حتى وصلت الامور
إلى ظهور الوثنية التي تشكل انتكاسة رهيبة في
الفكر الانساني ، وعودة إلى الوراء في
المسيرة العقلية التي يفترض فيه أن تشق
طريقها إلى اللّه عزّوجل ، وتقترب إليه
باستمرار .
غير أن الحنيفية البيضاء رغم عواصف
الوثنية السوداء ظلت راسخة في صدور ورثة الحق
من اولاد اسماعيل وابيه الخليل(عليهما السلام)
، يتمسكون بلبابها ، ويشعون على من حولهم من
نورها كلما سنحت لهم الفرص ، وتوفرت لهم
الظروف .
وكان في طليعة حلقات هذه السلسة
النقية المباركة المترابطة قصي ، وهاشم ،
وعبدالمطلب وأبو طالب(عليهم السلام) .
فلو سرح المرء طرفه في حوادث التاريخ
منذ وفاة اسماعيل(عليه السلام)ودفنه في الحجر
، وما ازدحمت به مكة من مخاضات وصراعات ،
لالتقى مع ارقام حية مثيرة كلها تحكي قصة هذا
الوادي المقدس ، ومن حمل هدى الحنيفية فيه من
أجداد النبي الخاتم وآبائه(عليهم السلام) ،
الامر الذي صدع به رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) امام اصحابه ، وهو بصدد تبيان هذه
الحقيقة التاريخية الناصعة بين ايدي الاجيال
التي تنتمي لهذه الرسالة ، وتتمسك بخط
ابراهيم النبي(عليه السلام) ، وتندمج في
طريقته .
تحدث رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
عن هذه السلسلة المتصلة الحلقات ، فقال : "لم
أزل انقل من اصلاب الطاهرين الى ارحام
الطاهرات حتى أسكنت في صلب عبدالله ورحم آمنة
بنت وهب(2)" .
وهذا الحديث الشريف ـ وآمثاله كثيرة ـ
يشير إلى مدلول قوله تعالى : (الذي يراك حين
تقوم * وتقلّبَك في الساجدين)(3)
.
فإن تَقَلُب النبي(صلى الله عليه وآله)
في الساجدين يعني تنقله في اصلاب(4)الموحدين
، من آدم(عليه السلام) إلى عبد اللّه بن عبد
المطلب ، كما يقرر علماء التفسير ، إذ لا يصلح
المشرك بعد الحكم بنجاسته على الاطلاق أن
يكون وعاء لحمل نطفة الطاهر المطهر الرسول
الخاتم(صلى الله عليه وآله) .
ومن هنا فإنه رغم حملات التزييف التي
حلت بساحة السنة الشريفة والسيرة والتاريخ
حلولاً فاجعاً ، ما زلنا نملك وثائق غاية في
الاهمية والقوة تتّقد تحت ركام التضليل ،
وغيوم التزييف الداكنة ، تشير إلى عظمة حلقات
السلسلة الربانية الممتدة في عمق الخير
والهدي والنور ما بين محمد رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) وأبيه آدم(عليه السلام) .
ولنقرأ هذه المفردات ولنتأمل في
مداليها جيداً ; لنرى سلامة هذا الخط المبارك
وطهارته وطيب منبته .
يقول ابن ابي الحديد المعتزلي في هذه
الحقيقة الممتدة الجذور ما يلي : "وأما
الذين ليسوا بمعطلة من العرب ، فالقليل منهم ،
وهم المتألهون اصحاب التورع والتحرج عن
القبائح ، كعبد اللّه وعبد المطلب وابنه ابي
طالب ..."(5) .
وتعال للواقع المجسد لنقرأ مثلاً في
سيرة قصي بن كلاب احد أجداد النبي(صلى الله
عليه وآله) هذه الكلمات ضمن قائمة طويلة من
البر والاستقامة والصلاح والمعروف ، فهو
يخاطب قومه بخصوص اهمية رعاية البيت الحرام
وحجيجه : "إنكم جيران اللّه واهل بيته ، وإن
الحاج ضيف اللّه وزوار بيته ، وهم أحق الضيف
بالكرامة ، فاجعلوا لهم طعاماً وشراباً ايام
الحج"(6) ففعلوا ،
حين سنّ قصي لقريش سنة اخراج نصيب من اموالهم
كل عام لاطعام الحجيج في منى ، فجرت هذه السنة
في ايام العرب قبل الاسلام ، ومضت بعد الاسلام
طوال عهود الخلفاء المسلمين .
وقد بلغ قصي من استقامته ، وسمو اخلاقه
الابراهيمية أن ملّكه الناس امرهم ، وهو اول
قرشي ملك امر الناس قبل الاسلام ، فكانت إليه
الحجابة والسقاية ، والرفادة ، والندوة
واللواء(7) ، حتى إنه
حاز شرف قريش كله ، واصبح عنوان المجد والعزة
فيها .
ولقد اجرى هذا السيد الكبير اصلاحات
غاية في الاهمية في مكة ، وماحولها ; فقد قسم
مكة ارباعاً بين الناس ، وأمرهم بإقامة الدور
حول البيت ، ولما استاذنوه بقطع الاشجار اصدر
امره بمنع قطع الاشجار مطلقاً رعاية منه
لحرمة الحرم .
ولقد صار الرجل عند قريش عنواناً
للخير والبركة والعزة والقدس ، ومن مظاهر
تقديس قريش لقصي أنه : "ما تنكح امرأة ولا
رجل إلاّ في داره ، ولا يتشاورون في أمر ينزل
بهم إلاّ في داره ، ولا يعقدون لواء للحرب
إلاّ في داره ، يعقده بعض ولده ، وما تدرّع
جارية إذا بلغت أن تدرّع إلاّ في داره ، وكان
امره في قومه كالدّين المتّبع في حياته وبعد
موته ، فاتخذ دار الندوة وبابها في المسجد ،
وفيها كانت قريش تقضي امورها"(8)
.
سيد البطحاء نموذج آخر لطهر الاجداد
ومن بعض ما حفظ التاريخ من خصائصومناقب عبد المطلب بن هاشم جد رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) هذه اللوحات المشرقة بالعمل
الصالح ، المعبرة عن صلة خاصة باللّه عزّوجل ،
مما جعل بعض العلماء يقطع بأن عبد المطلب(عليه
السلام) كان حجة للّه تعالى على قومه(9)
، وقد ورث دين جده ابراهيم وأبيه اسماعيل(عليهما
السلام) ، وكان المجدد لاثاره والامتداد
لوجوده .
فمما اشرقت به صفحات التاريخ البشري
من مآثر خلدها الزمان لشيبة الحمد عبد المطلب
أن سن اشياء امضاها له الاسلام ، فقد حرّم
نساء الاباء على الابناء ، ووجد كنزاً فأخرج
خمسه وتصدق به ، وسنّ في القتل مئة من الابل ،
ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسنّه سبعة أشواط
، وقطع يد السارق وحرم الخمر والزنا ، ونهى أن
يطوف بالبيت عريان وأن يستقسم بالازلام وأن
يؤكل ما ذبح على النُصُب(10).
ومن أقواله المأثورة : "الظلوم لن
يخرج من الدنيا حتى ينتقم منه ، وإن وراء هذه
الدار داراً يجزى فيها المحسن باحسانه
والمسيء بإسائته ، وإذا لم تصب الظلوم في
الدنيا عقوبة فهي معدة له في الاخرة"(11)
.
وقيل له الفياض لكثرة جوده ونائله ،
حتى إن مائدته يأكل منها الراكب ثم ترفع إلى
جبل ابي قبيس لتأكل منها الطير والوحوش(12)
.
ولقد اخبر ابو طالب رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) فقال : "كان ابي يقرأ الكتب
جميعاً ، وقال : إن من صلبي نبياً لوددت أني
ادركت ذلك الزمان فآمنت به ، فمن أدركه من
ولدي فليؤمن به"(13)
.
وقال امير المؤمنين(عليه السلام) : "واللّه
ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا عبد مناف
ولا هاشم صنماً ، وإنما كانوا يعبدون اللّه
ويصلون إلى البيت على دين ابراهيم متمسكين به"(14)
.
إلى زمزم من جديد
كانت زمزم قد تفجر ماؤها النميرالرقراق ببركة اسماعيل وامه هاجر(عليهما
السلام) ، في ذلك الوادي المقدس الذي جعله
اللّه تعالى مثابة للعباد وأمناً . وهذه البئر
المباركة قد مرت بها سنون عجاف جهل فيها
أمرَها وحقَّها من بطرت معيشتهم من عرب
الجاهلية ، مما تسبب في نسيان قيمة هذه البئر
في بعدها الروحي وفي بعدها المادي ، حتى بلغ
من نسيان قيمتها أن تغافل الناس عن أنهم في
واد غير ذي زرع ، فعمد احد رجالات جرهم واسمه
مضاض بن عمرو بن الحارث إلى دفنها ، وإهالة
التراب عليها ، بعد أن نشب خلاف بين جرهم
وخزاعة على المناصب والمواقع في البلد الحرام
، واحتلت خزاعة البلد الحرام .
وهكذا حرم الناس عشرات من السنين من
هذا المنبع الخصيب الذي تفجر بإعجاز الهي ذي
حكمة بالغة ، حتى إذا آل امر الناس إلى شيبة
الحمد عبد المطلب بن هاشم(رحمه الله) ، أعاد
زمزم ليرتوي بها الظمأى الذين يؤمون بيت
اللّه عزّ وجل ، ويحلون ضيوفاً عنده .
وتحدثنا روايات التاريخ الصحيح عن عبد
المطلب أنه قال : "بينا أنا نائم بالحِجْر(15)
إذ أتاني آت فقال : احفر طيبة . قلت : وما طيبة ؟
قال : ثم ذهب ، فرجعت الغد إلى مضجعي فنمت فيه ،
فجاءني فقال : احفر برة . قال : قلت : وما برّة ؟
قال : ثم ذهب عني ، فلما كان الغد رجعت إلى
مضجعي ، فنمت فيه ، فجاءني فقال : احفر
المضنونة ، قلت : وما المضنونة ؟ ، فذهب عني ،
فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي ، فنمت فيه ،
فجاءني فقال : احفر زمزم ، إنك إن حفرتها لا
تندم ، فقلت : وما زمزم ؟ قال : تراث من أبيك
الاعظم ، لا تنزف ابداً ولا تُذم ، تسقي
الحجيج الاعظم ، مثل نعام جافل لم يقسم ، ينذر
فيها ناذر لمنعم ، يكون ميراثاً وعقداً محكم ،
ليس كبعض ما قد تعلم ، وهي بين الفرث والدم ،
عند نَقرة الغراب الاعصم ، عند قرية النمل"(16)
.
وبعد هذه الرؤيا الصادقة يغدو شيخ
البطحاء ، ومعه ولده الحارث ليعيد زمزم إلى
ماهي عليه ، وبدا معوله المبارك يعمل في الارض
وفق العلامات التي رآها في نومه "بين الفرث
والدم ... عند قرية النمل"، حيث وجد غراباً
ينقر فعلاً في الموضع ، كما تحدثت الرؤيا
الكريمة .
وماهي إلاّ ساعة من الجهد الذي بذله
ذلك الشيخ الابراهيمي الوقور وولده اليافع ،
حتى علا صوت الشيخ بالتكبير "اللّه اكبر ،
اللّه اكبر" . ها هو ميراث اسماعيل(عليه
السلام) ، وهاهو ماء زمزم يتفجر من جديد
رقراقاً عذباً ، في ذلك الوادي الاجرد الذي
شبع موتاً لحرمانه من زمزم ورويها العذب .
وحيث تحول الشك عند قريش إلى يقين جاءت
إليه تهرول والاصوات تتعالى : "إنها بئر
أبينا اسماعيل ، وإن لنا فيها حقاً فأشركنا
معك" .
ولكن الشيخ المبارك صمم على أن يلي
سقاية الناس بنفسه فلم يشركهم فيه ، وهو صاحب
السقاية والرفادة دونهم كما يعلمون .
واشتد لجاج قريش ، وتحول الامر إلى
حجاج ومخاصمة ، فقال شيخ البطحاء : "فاجعلوا
بيني وبينكم من شئتم" ، فساقتهم عقولهم
الواهنة أن يجعلوا كاهنة بني سعد بن هذيم في
مشارف الشام حكماً بين الخصمين ، فرضي الرجل
الحكيم على مضض درئاً للفتنة ، وقطعاً للنزاع
.
اللّه يحكم لشيخ البطحاء
وركب الممثلون عن الخصمين : عبد المطلبيصحبه نفر من بني عبد مناف ، وركب من كل قبيلة
من قريش نفر ، وفي تلك الصحراء المجدبة
الوسيعة نفد ماء عبد المطلب واصحابه ، فطلبوا
الماء من خصمهم فلم يسقوهم ، وكاد الشيخ
الجواد أن تحل به الهلكة عطشاً ، وقريش لم
تعبأ بما تراه من حاجته واصحابه إلى الماء .
حتى إذا شعر بحرج الموقف واقتراب شبح
الموت ، أشار على اصحابه أن يحفر كل واحد منهم
قبره ، حتى إذا هلك احدهم واراه اصحابه في
حفرته ، "حتى يكون آخركم موتاً قد وارى
الجميع ، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب" .
وبعد ساعة انقدح في ذهب عبد المطلب
الوقاد أن الاستسلام عجز وسوء تصرف ، فلابد من
مواصلة البحث عن الماء حتى ينقطع العذر .
وهكذا ركب عبد المطلب ومن معه ، حتى
إذا انبعثت راحلته في سيرها الباحث عن الماء
انفجر الماء من تحت خفها مدراراً عذباً يملا
ما حوله من ارض جرداء ، فعلا التكبير في تلك
الفيافي الموات .
فدعا عبد المطلب خصومه أن هلمّوا إلى
الماء ، فقد سقانا اللّه عزّوجل ، ولما حاول
بعض اصحابه أن يمنعوا الخصم من الماء رداً على
ما فعلوا ، لم يلتفت عبد المطلب إلى ما رآه بعض
اصحابه ، فإن النفوس الكبيرة لا يغيّر من
سجاياها بخل بخيل ، ولا اساءة مسيء .
فقد رد ابن هاشم على اصحابه الذين
طلبوا الاقتصاص من ذوي النفوس الضعيفة بقوله
المترفع : "فنحن اذن مثلهم" . إذن يتساوى
الكريم والبخيل ، والغيث مع الجدب ، والعطاء
مع الحرمان ، لا ليس من اخلاق عبد المطلب ، ولا
من شيم وريث ابراهيم واسماعيل(عليهما السلام)
.
وهكذا اذعنت قريش للحق قائلة : "قد
واللّه قضى اللّه لك علينا ، يا عبد المطلب .
واللّه لا نخاصمك في زمزم ابداً . إن الذي سقاك
هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم"(17)
.
وهكذا كانت هذه المعجزة الاخرى قد
ارغمت معاطس قريش الوثنية على الاعتراف بحق
عبد المطلب في ميراث جده الاعظم(عليه السلام) .
عبد المطلب واصحاب الفيل
علا شأن مكة عند العرب ، وشاع صيتهافيما حولها ، وتعاظم امر الكعبة المكرمة عبر
السنين ، مما حمل بعض حكام العالم القديم في
الشرق أن ينشئوا معابد في عواصمهم ليصرفوا
بها الناس عن التوجه إلى مكة وتعظيم بيت اللّه
تعالى فيها .
فقد أقام ملوك الغساسنة بيتاً ، وأقام
ابرهة الاشرم معبداً في اليمن ليحذوا به حذو
العرب في مكة ، وفعل ذلك غير هؤلاء . بيد أن هذه
المحاولات باءت بالفشل ، ولقد بلغ من تأثير
مكانة مكة في العالم القديم أن جرت محاولات من
قبل بعض الطغاة لهدمها ، كما جرى ذلك في عهد
ملك حمير حسان بن عبد كلال الذي غزا مكة لنقل
احجارها إلى اليمن ، فأسره فهر بن مالك أحد
أجداد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ، كما
حاول ابرهة الاشرم ذلك ، فمنع اللّه عزّوجل
بيته من بغي الظالمين وحسد الطغاة .
ففي عام 570 م ، وهو العام الذي ولد فيه
خاتم الانبياء والمرسلين محمد بن عبد اللّه
بن عبد المطلب(صلى الله عليه وآله) ، عزم ابرهة
والي امبراطور الحبشة على اليمن أن يهدم
الكعبة بعد أن غاضته مكانة مكة لدى الناس ،
ومقام بيتها المعظم ، فبنى معبداً في اليمن
بديلاً للبيت الحرام ليصرف الناس به عن البيت
، حيث شيد لمعبده قباباً من ذهب وفضة ، ثم دعا
الناس لحج بيته المفتعل ، ومما زاد في حنقه
وحسده أن رجلاً من اهل مكة من كنانة قصد اليمن
، فعلم بمشروع ابرهة وما يخطط لتنفيذه ،
فأخذته الحمية فدخل بَنيّة ابرهة ليلاً وأحدث
فيها .
وهكذا زحف ابرهة بجيش من البلداء
والمغفلين والمرتزقة ، وكان يتقدم الجيش فيل
كبير ، حتى إذا وردت طلائع الجيش ارض مكة
وعلمت بذلك قريش ومن حولها من العرب ، لاذت
بالفرار وراعها جمعه الكثيف ، فخرج الناس عن
دورهم واتخذوا رؤوس الجبال مهرباً لهم وملجأ
، إلاّ عبد المطلب بن هاشم الذي أقام على
سقايته ، فقد بقي الرجل الوقور يتردد على
الكعبة ، ويأخذ بعضادتي بابها المبارك ، وهو
يخاطب ربه مستغيثاً ، طالباً نصره ، مستنزلاً
انتقامه على البغاة ، وهو يردد هذه الابيات
الضارعة :
لا همَّ إن المرء يمـ ـنع رحله فامنع
حِلالكْ
لا يغلبوا بصليبهم ومِحالهم عَدْواً
مِحالكْ
لا يدخلوا البلد الحرا م إذن فأمرٌ ما
بدالكْ(18)وقد بدأ
عدوان اصحاب الفيل بنهب اموال قريش التي
صادفوها وهم في طريقهم نحو البيت ، وكان مما
نهبوا مئتا بعير لعبد المطلب ، فعزم أن يطالب
قائدهم الارعن بها ، فلما قدم نحو عسكرهم ابلغ
ابرهة أن سيد قريش قد أقبل ، فحسب ابرهة أن عبد
المطلب جاءه عائذاً راجياً منه تغيير موقفه ،
كما يفعل الضعفاء من الناس عادة ، ودخل شيبة
الحمد ، وهو يقطر هيبة وعلو شأن ، فكره ابرهة
أن يجلسه تحته ، فنزل عن سريره ، وجلسا معاً
على الارض ، والتفت ابرهة إلى عبد المطلب
يسأله عما جاء به ، فدار بينهما الحوار المعبر
التالي : "ما حاجتك ؟ قال : حاجتي مئتا بعير
لي اصابتها مقدمتك . فقال ابو يكسوم(19)
: واللّه لقد رأيتك فأعجبتني ، ثم تكلّمتَ
فزهدتُ فيك . فقال : ولِمَ ايها الملك ؟ قال :
لاني جئت إلى بيت عزكم ومَنَعتِكم من العرب ،
وفضلكم في الناس وشرفكم عليهم ، ودينكم الذي
تعبدون ، فجئت لاكسره ، واصيبت لك مئتا بعير ،
فسألتك عن حاجتك فكلمتني في ابلك ، ولم تطلب
إليّ في بيتكم . فقال له عبد المطلب : أيها
الملك ، أنا اكلمك في مالي ، ولهذا البيت رب هو
يمنعه ، لست أنا منه في شيء"(20)
.
وعاد عبد المطلب ومعه ابله ، وترك
ابرهة ومن حوله من الحاشية البليدة يضربون
أخماساً بأسداس ، وهم يتساءلون احقاً أن لهذا
البيت رباً هو مانعه ؟
لماذا لم يبد عبد المطلب اكتراثاً
بهذا الجيش المصمم على هدم الكعبة ؟
ولماذا هذه الطمأنينة التي غمرت هذا
الشيخ القرشي الهاشمي ، وهو يتحدث عن البيت
ومالكيته ؟ فإذا كان ما يقوله حقاً ، فماذا
سيجري عندما تحين ساعة الصفر ، ويتقدم الجيش
لهذه البنيّة المستقرة في هذا الوادي الاحدب
؟ .
هذه الافكار بقيت تسهّد ابرهة واركان
جيشه ، ولكن الغرور عادة يجمح بأصحابه الطغاة
فيدفعهم دفعاً لتحقيق مآربهم ، حتى وإن احسوا
بأمارات الخطر .
وتحرك الجيش في سَحر تلك الليلة
باتجاه البيت الحرام ، ولكن الفيل ، كان أنفذ
بصيرة من راكبيه وسائقيه والمؤتمين به ، فعصى
أوامر السلطان وعزم على تخريب الخطة وتدمير
المشروع ، فكلما وجهوه نحو الكعبة عصى
أوامرهم ، وبرك معرقلاً زحف الجيش ، وإذا
وجهوه وجهة اخرى ، انبعث مهرولاً ، وترجوه
واستعطفوه واقسموا عليه أن يتحرك ، ويمضي
معهم فلم يستجب ، وظل مخالفاً لبرنامج الغدر
والبغي ، حتى طلعت شمس يوم عبوس قمطرير ،
فطلعت عليهم الطير الابابيل ، لتعصف بوجودهم
المعتدي .
وهكذا برزت عبقرية ايمان عبد المطلب ،
وفراسته القدسية ، حيث صدقت نبوءته ، إذ منع
اللّه تعالى بيته ، ودمر على عدوه .
وقد أرّخ القرآن الكريم هذه الحادثة
التاريخية الكبرى بسورة منه كاملة هي سورة
الفيل .
وبهذه الشذرات المشرقة من سيرة هذه
الشخصية الابراهيمية المباركة تتجلى لنا
العظمة ، والعلاقة الوطيدة بسلسلة النبوة
الالهية العتيدة .
إنك إن تقرأ سفر حياة هذا الرجل
العملاق ، تحس كأنه مكلف من اللّه عزّوجل
بتجديد مشاريع ابراهيم واسماعيل(عليهما
السلام) ، في هذه البقعة المختارة للمهمة
الكبرى .
فعبد المطلب(عليه السلام) يعيد حفر
زمزم فيتحقق أمله ، وتتحقق بدعائه صيانة
البيت الحرام من كيد المعتدين ، ويجري عليه في
ولده عبد اللّه كما جرى لابراهيم(عليه السلام)
في محاولته ذبح ولده اسماعيل ، كما هو معروف
من السيرة والاثار والنصوص الصحيحة ، حيث
يذكر التاريخ القديم قصة مشوهة عن محاولة ذبح
عبد المطلب لولده عبد اللّه وفاء بنذر له للّه
عزّوجل .
ويغلب على ظني أن محاولة الذبح
المذكورة قد جرت بعد تحقق أمر هام لعبد المطلب
يرتبط بالرسالة وميراث ابراهيم(عليه السلام)
، لا كما تصوره الروايات المضطربة ، التي تدخل
الاصنام والكهان عسفاً في الموضوع مما لسنا
بصدد دراسته بشكل مفصل هنا .
وريث الامجاد
إن هذه المفاخر والمآثر الكريمة التيطفحت بها سيرة قصي وهاشم وعبد المطلب ، وغيرهم
من أجداد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ،
ورثها أبو طالب وزادها عطاء ونماء ، ليكون هذا
الوريث المبارك اهلاً لحماية الحق الذي يصدع
به خاتم الانبياء محمد بن عبد اللّه بن عبد
المطلب(صلى الله عليه وآله) ، ورعاية المسيرة
الهادية بكل طاقاته التي أتاحها اللّه تعالى
له ، سواء أكانت طاقات روحية أو اجتماعية أو
مادية أو غيرها ، كما سيتضح .
وابو طالب هو عبد مناف أو عمران أو
شيبة(21) بن عبد
المطلب بن هاشم جد النبي(صلى الله عليه وآله) ـ
جمعاً بين روايات المؤرخين ـ وألقابه كثيرة
كان أشهرها شيخ الابطح ، وسيد البطحاء ، ورئيس
مكة ، ولكنه اشتهر بأبي طالب دون ألقابه
جميعاً .
تصدى ابو طالب لرئاسة مكة المكرمة ،
والزعامة في بني هاشم وقريش بعد أبيه عبد
المطلب(عليه السلام) ، رغم قلة ثروته قياساً
إلى الملا من قريش ممن عاصروه ، وتكاد تكون
زعامته حالة شاذة ; لان الزعامة في قريش
مشروطة بالدرجة الاولى يومئذ بامتلاك ناصية
الاموال الوفيرة ، تلك التي لم يكن ابو طالب(عليه
السلام) قد وفرتها له الاقدار .
بيد أن مقومات ومواهب اخرى غير ذلك
اهلته لتسنم مركز القيادة العليا في مكة ، حتى
كاد هذا الامر ألاّ يكون شرطاً اساسياً ، حيث
استطالت شخصية ابي طالب(عليه السلام) ،
واستطال ظلها الظليل حتى اختفت اهمية المقوم
المالي في ظلالها .
حتى قيل : إن قريشاً كات تطعم ، فإذا
اطعم ابو طالب لم يطعم يومئذ أحد غيره(22)
.
لقد ولد ابو طالب(عليه السلام) قبل
ميلاد خاتم النبيين محمد بن عبد اللّه(صلى
الله عليه وآله)بخمسة وثلاثين عاماً ، أي عام
535 من ميلاد عيسى النبي(عليه السلام) ، وترعرع
في احضان شيبة الحمد عبد المطلب بن هاشم ، حيث
المجد الشامخ ، والقمة السامقة ، فتأدب بآداب
تلك النبتة الابراهيمية الطيبة التي آتت
اكلها فضلاً وسؤدداً وبركة للناس ، وحياطة
لمفاهيم الحنيفية البيضاء ـ كما رأينا في
الصفحات السابقة ـ .
وهكذا كان ابو طالب ، كما يكون الولد
البار على سر أبيه ، فقد حمل مشعل ابيه في
الهدى والاستقامة ، وصون المكارم ، وحماية
الفضائل في مكة وما حولها ، وكان وريث أبيه
عبد المطلب حقاً في حمل سنن ابراهيم واسماعيل(عليهما
السلام) ، ومبادئهما الهادية ، ليستحق شرف
كفالة خاتم الانبياء ، وسيد الخلق على
الاطلاق محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب(صلى
الله عليه وآله) .
وهاك مثالاً واحداً على سمو صفاته ،
ورفيع درجاته المعنوية ، التي لم يغفلها اكثر
أهل مكة رغم شركهم وانحرافهم .
فقد اخرج ابن عساكر في تاريخه عن جلهمة
بن عرفطة قال : "قدمت مكة وهم في قحط فقالت
قريش : يا أبا طالب ، أقحط الوادي ، وأجدب
العيال ، فهلمّ واستسق فخرج ابو طالب ومعه
غلام كأنه شمس دجن تجلّت عنه سحابة قتماء ،
وحوله اغيلمة ، فأخذه ابو طالب فألصق ظهره
بالكعبة ، ولاذ بإصبعه الغلام ، وما في السماء
قزعة ، فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق ،
وانفجر له الوادي واخصب البادي والنادي ، ففي
ذلك يقول ابو طالب :
وابيض يُستسقى الغمام بوجهه ثِمال
اليتامى عصمة للارامل
يلوذ به الهُلاّك من آل هاشم فهم عنده
في نعمة وفواضل
وميزان عدل لا يخيس شعيرة(23)
ووَزّان صدق وزنه غير هائل(24)
وهاك قصة تشكل مصداقاً آخر لعظمة هذه
الشخصية الربانية المظلومة ، ففي حرب الفجار
التي اشتعلت بين هوازن وكنانة(25)
كان ابو طالب يحضر هذه الحرب ومعه رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) وهو صبي ، فكان كلما حضر حققت
هوازن تقدماً على عدوها ، وإن غاب أدبرت ،
فأحست هوازن بذلك ، فقدمت لابي طالب رجاءها أن
يحضر لتجد بركة وجوده ، فيواتيها النصر ،
فاستجاب ابو طالب(عليه السلام) لها(26)
.
إن هذه الشخصية العظيمة ـ بسبب ما
توافر فيها من الصفات الروحية العظيمة ،
مضافة إلى مزاياها المعنوية المتميزة كتحريم
الخمر والزنا والتورع عن الموبقات ، مع الكرم
والشجاعة وصلة الارحام والبر وقوة الارادة
والسماحة وغير ذلك ـ قد أُهّلت لتكون مناخاً
تعيش في ظلاله النبوة الخاتمة التي حملها
محمد بن عبد اللّه(صلى الله عليه وآله).
وهاهو عبد المطلب العظيم ، وهو على
وسادة الوفاة ، يدلي بوصيته التاريخية امام
أولاده وبني هاشم ، مخاطباً بها أبا طالب وصيه
في حمل الامانة بعده ، وصون الوديعة الربانية
: "انظر يا أبا طالب أن تكون حافظاً لهذا
الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ولم يذق شفقة
أمه . انظر أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك ، فإني
قد تركت بَنيّ كلهم وخصصتك به ، لانك من ام
أبيه . واعلم فإن استطعت أن تتبعه فافعل ،
وانصره بلسانك ويدك ومالك ; فإنه واللّه
سيسودكم ويملك ما لا يملك احد من آبائي . هل
قبلت وصيتي ؟ قال : نعم قد قبلت واللّه على ذلك
شاهد ، فقال عبد المطلب : مدّ يدك ، فمدّ يده
فضرب بيده على يد ابي طالب ، ثم قال عبد المطلب
: الان خفف عليّ الموت . ولم يزل يقبّله ويقول :
اشهد أني لم أرَ أحداً في ولدي اطيب ريحاً منك
ولا احسن وجهاً"(27)
.
ثم أنشد عبد المطلب :
وصيت من كنيته بطالبِ عبد مناف وهو ذو
تجاربِ
بابن الحبيب اكرم الاقاربِ بابن الذي
قد غاب غير آيب
فأجاب أبو طالب والده بما يلي :
لا توصينْ بلازم وواجب إني سمعت أعجب
العجائبِ
من كل حبر عالم وكاتبِ بانَ بحمد اللّه
قول الراهبِ
ثم إن عبد المطلب طلب من ابي طالب أن
يمد يده ، فضرب عليها بيده(28)
الكريمة تعبيراً عن قبوله بهذه الصفقة
المباركة ، رعاية النبي المختار(صلى الله
عليه وآله) من قبل أبي طالب(عليه السلام) ، حيث
تشكل أغلى أمانة وأسماها عند عبد المطلب(عليه
السلام) .
ومن الطبيعي أن يكون اختيار عبد
المطلب لابي طالب ـ وهو مسدد باللّه تعالى
قطعاً ، كما رأينا صوراً من ذلك التسديد
الرباني ـ لكفالة خاتم الرسل(صلى الله عليه
وآله) ورعايته لخصائص روحية مميزة امتاز بها
ابو طالب عن بقية اخوته اولاد عبد المطلب ،
وليس صحيحاً ما يذهب إليه البعض من المؤرخين ،
حين يتصور أن اختيار ابي طالب لهذه المهمة كان
بسبب كونه مع عبد اللّه والد النبي(صلى الله
عليه وآله) من أم واحدة ، فإن الزبير ابن عبد
المطلب كان اخاً لعبد اللّه من امه وأبيه
ايضاً ، وإنما كان ذلك الاختيار عن حساب
وتخطيط ; إذ إن أبا طالب كان مؤهلاً من الناحية
الروحية لان يكون راعياً للرسول الخاتم
والرسالة الخاتمة دون سواه من الخلق بعد عبد
المطلب .
ومن الاثار المعتبرة يبدو أن أبا طالب
كان وصي عبدالمطلب ومستودع اسراره الخاصة .
بمسيرة الهدى ، منذ ابراهيم واسماعيل جديهما(عليهما
السلام) حتى ظهور النبي الخاتم من ولد اسماعيل(عليه
السلام) ،
ومن هنا قطع الشيخ المجلسي(قدس سره) ـ
بناء على ما اجتمع لديه من معلومات واخبار
صحيحة ـ بما يلي : "أجمعت الشيعة على أن أبا
طالب لم يعبد صنماً قط ، وأنه كان من أوصياء
ابراهيم الخليل(عليه السلام) ، وحكى الطبرسي
إجماع اهل العلم على ذلك ، ووافقه ابن بطريق
في كتاب الاستدراك"(29)
.
ولقد ذكرت الاثار التي اهتمت بسيرة
اولئك الاطياب أن ابا طالب كان يقول : "كان
ابي يقرأ الكتب جميعاً ، وقال : إن من صلبي
نبيياً لوددت أني ادركت ذلك الزمان فآمنت به ،
فمن أدركه من ولدي فليؤمن به"(30)
.
وحيث إن ابا طالب كان مستودع اسرار
ابيه فيما يخص مسيرة النبوة ومعالم الحق
الرباني ، فقد جاءت الرواية الصحيحة عن ائمة
اهل البيت(عليهم السلام) بهذا الشأن مايلي :
"سأل درست بن منصور ابا الحسن موسى بن جعفر(عليه
السلام) : أكان رسول اللّه محجوجاً بأبي طالب ؟
قال(عليه السلام) : لا ، ولكن كان مستودع
الوصايا فدفعها إلى النبي(صلى الله عليه وآله).
قلت : دفعها على أنه محجوج به ؟ قال(عليه
السلام) لو كان محجوجاً به ما دفعها اليه . قلت
: فما كان حال ابي طالب ؟ قال(عليه السلام) :
أقرّ بالنبي وبما جاء به حتى مات"(31)
.
إن هذا الموقع السامي الذي يحتله ابو
طالب في قافلة المسيرة الهادية هو الذي أهّله
ليكون راعياً لخاتم الانبياء(عليهم السلام) ،
وحامياً له من الاعداء والحاسدين ـ كما يتضح ـ
.
لقد بدأت مهمة ابي طالب بشأن رعاية
النبي(صلى الله عليه وآله) وكفالته منذ أن رحل
عبدالمطلب إلى ربه الاعلى عز وجل بعد أن صان
الامانة ، وأداها إلى أهلها منذ السنة
الثامنة من عمر رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
.
لقد بدأت حياة هذا الغلام المبارك
تفيض على عمه اليقين بمستقبله الزاهر، بما
يجري له من امداد رباني يحسه ابو طالب ويراه
عياناً ، فقد كان المصطفى(صلى الله عليه وآله)
يعده ربه ويهيئه للمهمة الكبرى من لدن أن كان
فطيماً . يقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه
السلام) في هذه الحقيقة : "ولقد قرن الله به(صلى
الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك
من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ومحاسن
اخلاق العالم ليله ونهاره . ولقد كنت أتبعه
اتباع الفصيل اثر امه ، يرفع لي في كل يوم من
اخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به . ولقد
كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه
غيري . ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير
رسول الله(صلى الله عليه وآله) وخديجة وانا
ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح
النبوة"(32) .
وكانت آثار هذا الاعداد الالهي تفيض
على جوانب شخصية هذا الفتى المبارك هدى وسمتا
واستقامة وفضلا ، وكان ابو طالب يرى ذلك منه
كل آن .
فقد كان ابو طالب يشهد ظواهر ذلك
الاعداد الرباني لرسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) واضحة على سلوك النبي(صلى الله عليه
وآله) ، وهو لا يزال في مقتبل عمره الشريف ،
فيشم اريج النبوة التي تفوح من محمد بن عبد
اللّه(صلى الله عليه وآله)وديعة عبد المطلب
عند أبي طالب ، فهو لا يبدأ بطعام إلاّ بعد أن
يسمي عليه ، ولا يختم طعامه إلاّ بحمد اللّه
عزّوجل ، وكان لا يأكل ما يذبح على النصب ، ولا
يشارك المشركين في اعيادهم ، ولا يشاركهم في
لغوهم وعبثهم ، وكان الصادق الامين في قومه ،
يعرفه القاصي والداني بذلك . وكان ابو طالب
يشهد آثاره وبركاته وخوارقه للمألوف . لقد كان
ينام فيسطع النور من رأسه إلى عنان السماء ،
وابو طالب يشهد ذلك ويراه ، ولقد عطش ابو طالب
والرسول(صلى الله عليه وآله) معه في ذي المجاز
، فمال إلى صخرة هناك فركلها النبي(صلى الله
عليه وآله) برجله فنبع الماء من تحتها رقراقاً
ليروى ابا طالب من نبعها المبارك(33)
.
مع النبي(صلى الله عليه وآله) قبل
بعثته
عاش ابو طالب عليه الرحمة والرضوان معرسول اللّه(صلى الله عليه وآله) اكثر من
اربعين عاماً ، استوعبت ايام الصبا من عمر
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ، وشبابه
والعقد الاول من كهولته المباركة .
وقد قضاها ابو طالب كدحاً ومعاناة من
اجل حفظ الامانة الكبرى التي ألقيت إليه من
شيخه المعظم عبد المطلب .
لقد تحول ابو طالب بالنسبة لمحمد(صلى
الله عليه وآله) إلى اكثر من أب ، كما تحولت
فاطمة بنت اسد زوجة ابي طالب إلى اكثر من أم
لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ، حتى كان(صلى
الله عليه وآله) يقول عنها : "إنها أمي بعد
أمي" .
فلقد كان هم ابي طالب(عليه السلام)
رعاية النبي المنتظر(صلى الله عليه وآله) بكل
وجوده وما يملك ، فكان لا يفارقه في سفر ولا
حضر ، وصار احدهما للاخر كالظل وصاحبه لا
يفترقان ، وكان لا يأكل إلاّ معه ، ولا يقدم
عليه احداً من اولاده ابداً .
وفي بيت ابي طالب(عليه السلام) بدأت
آثار بركة النبي(صلى الله عليه وآله) الطيبة ،
فقد كان ابو طالب ذا اسرة كبيرة كثيرة النفقات
، وكان مُقلاًّ في موارده ، كثيراً ما كان
يعجز عن اشباع افراد عائلته ، حتى إذا انضم
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)إليها بعد رحيل
عبد المطلب حوالي عام 578 ميلادية ، زحفت إليها
البركة من كل مكان ، وورثت الري والشبع منذ
ذلك اليوم ، فلما رأى ابو طالب تلك الاثار كان
يعرض الطعام اولاً على ابن اخيه المصطفى(صلى
الله عليه وآله) لينال منه شيئاً فتغمره
البركة ، فكان يفيض عن حاجة الاكلين ، وكان
ابو طالب يقول له : "إنك لمبارك"(34)
.
ومن شدة عناية ابي طالب(عليه السلام)
بالغلام المبارك أنه لم يفارقه حتى في سفره
إلى بلاد بعيدة ، فقد عزم ابو طالب على السفر
إلى الشام ضمن قافلة قرشية ، وكان يخشى أن
ترهق هذه المسافة المضنية ولده محمداً(صلى
الله عليه وآله) ، فكان بين عسر الفرقة وخوف
المشقة من السفر ، وحين ترجح للشيخ الكريم أن
ينأى بولده عن مشقة السفر شفقة عليه ، قرر
الرحيل بمفرده ، فلما حان وقت الرحيل وتقدم
الشيخ نحو راحلته سمع كلمات الغلام ، وهي
تختنق بالعبرات : "يا عم إلى من تكلني؟"
فرقّ قلبه وهو يقول : "واللّه لاخرجن به معي
، ولا يفارقني ، ولا أفارقه أبداً" . وكان
عمر النبي(صلى الله عليه وآله) يومذاك تسع
سنين ، وقد اركبه معه على راحلته الميمونة ،
حتى إذا بلغت القافلة بصرى من بلاد الشام ،
كان خارج المدينة المذكورة دير لعالم نصراني
كبير يرث علم النصرانية عمن سبقه ، وكان هذا
الدير لا يخلو من عالم بالاديان واسرارها حتى
يحل بديل له ، حتى انتهت الامانة فيه إلى
بحيرا الذي كان يملك من علم موسى وعيسى
وغيرهما الشيء الكثير ، وكان في هذه البقعة
يتطلع إلى لقاء خاتم الرسل في مطلع حياته ،
لعلم ورثه عن الصادقين من رسل اللّه تعالى
الماضين .
واقبلت القافلة فأطل بحيرا برأسه على
القادمين ، حيث تعلق قلبه بالقافلة المقبلة
ما ليس كعادته ، فقد كان من عادته ألاّ يختلط
برائح ولا قادم ، رغم أن ديره على طريق
القوافل .
فحين اقبلت القافلة كان الراهب
ببصيرته المعنوية النافذة يرى غمامة تظلل
احداً في الركب لتحميه من الهجير ، كما رأى
الشجرة التي استقر عندها ذلك القادم وقد
تحركت اغصانها حركة خارج حدود العادة ، عندما
استراح القوم قرب الدير ، لتباشر خدمة النبي(صلى
الله عليه وآله) في عملية التظليل من الشمس
وقد هصرت اغصانها حتى استظل بها(35).
فراع الراهب ما رأى ، فنزل من صومعته
مسرعاً ، ودعاهم إلى طعام عنده ليتاح له من
الفرص ما يكفي للمطابقة بين الاثار الالهية
التي ورثها ، وبين ما يرى . أهو الرسول المختار
الذي تنتظره الارض ، أم هو شيء غير ذلك ؟
فلما اجتمع القوم عنده لتناول الطعام
، قال الراهب : "لا يتخلّف منكم احد صغير أو
كبير ، فقالوا له : لم يتخلف منا غير غلام
تركناه في رحلنا" .
ففزع الراهب إليه وهو في رحلهم ، حيث
كان ضالته المنشودة ، فاحتضنه وجاء به وهو
ينظر إليه نظراً فاحصاً ، ويتأمل اشياء في
جسده المبارك "كان يجدها في صفته" التي
تركتها له آثار الانبياء المبشرة بمقدمه
الميمون .
فلما فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا ،
اختلى الراهب بالرسول الموعود محمد(صلى الله
عليه وآله) وعمه ابي طالب ، وراح يسأله عن
احواله في نومه ويقظته ، ورسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) يجيبه ، فوجدها بحيرا موافقة لما
عنده من آثار وبشائر ، ثم نظر الراهب إلى خاتم
النبوة بين كتفيه .
التفت الراهب إلى عمه ابي طالب سائلاً
: "ما هذا الغلام منك ؟ قال : ابني . قال : ما
ينبغي أن يكون ابوه حيّاً . قال : فإنه ابن اخي
مات ابوه وامه حبلى به . قال : صدقت . ارجع به
إلى بلدك ، واحذر عليه يهود; فواللّه لئن رأوه
وعرفوا منه ما عرفت ليبغُنّه شراً ; فإنه كائن
له شأن عظيم"(36) .
فعاد به ابو طالب(عليه السلام) إلى مكة
المكرمة ، وهو أشد ما يكون حرصاً عليه ورعاية
وحياطة له ، وفوق هذا وذاك اصبح اشد ما يكون
يقيناً بنبوته ومستقبله المضيء المشرق ، حيث
تراكمت البراهين وتكاثرت المصاديق يوماً بعد
يوم على حتمية وقوع هذا الحدث الكوني العظيم ،
ابتداءً من وصية عبد المطلب ، إلى نبع الماء
تحت رجله ، إلى آثار بركته في دار عمه ، إلى
خصائصه الذاتية الواضحة في سلوكه وهديه وصدقه
واستقامته ، مضافة إلى اخبار الراهب بحيرا
بما تؤول إليه اموره ، وغير ذلك كثير .
حدث اقتران الرسول(صلى الله عليه وآله)
بخديجة
وبعد أن شاع ذكر رسول اللّه(صلى اللهعليه وآله)العطر ، وملا ارجاء مكة ، حيث الصدق
والاستقامة والامانة ، وكرم الاخلاق وطيب
النفس ، رغبت خديجة بنت خويلد أن تضاربه في
مالها ـ وهي امرأة تاجرة حازمة شريفة ـ ،
فعرضت على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أن
يخرج في مال لها إلى الشام بصحبة غلامها
الامين ميسرة ، وتعطيه اكثر مما تعطي سواه من
الرجال الذين ينهضون بعمل لها من هذا القبيل .
وأجابها النبي(صلى الله عليه وآله)
لذلك ، وسافر ببضاعتها إلى الشام ، فباع
وابتاع وحقق ربحاً وفيراً ، فلما عاد من سفره
حدّثها ميسرة عما رأى من شمائله الكريمة ،
التي لم يشهد مثلها فيمن صحبهم ، كما حدّثها
عما نبّأه به راهب في طريق الشام حيث رآه ، إذ
قال له فيما قال : "ما نزل تحت هذه الشجرة
إلاّ نبي"(37) .
ومنذ نجاح هذه الصفقة راحت خديجة(عليها
السلام) تفكر كيف يمكنها أن تتزوج بالرسول
المنتظر(صلى الله عليه وآله) ، بينما كانت قبل
ذلك ترفض الرجال حتى سادة قريش ، فلم تجد منهم
من يملا طموحها المعنوي ، حتى نفضوا ايديهم
منها يأساً .
أجل ، كيف يمكنها أن تحظى بمحمد بن عبد
اللّه(صلى الله عليه وآله) فتى قريش الصادق
الامين ، الذي امتلات اندية مكة باريج سيرته
الفوّاح .
فكّرت ملياً فرأت أن كبرياءها لابد أن
تضحي به من اجل محمد(صلى الله عليه وآله) ،
ولابد أن تبدأ خطوة على الطريق ، فأرسلت إليه
اختها هالة ، أو صديقة لها اسمها نفيسة بنت
منبه ، فعرضت أمرها عليه . لقد ذهبت الوسيطة
إلى النبي(صلى الله عليه وآله) دسيسا(38)
، وجرى هذا الحوار القصير الحاسم : "ما
يمنعك أن تتزوج ؟ قال : ما بيدي ما أتزوج به .
قالت : فإن كفيت ذلك ، ودعيت إلى الجمال والمال
والشرف والكفاءة ، ألا تجيب ؟ قال : فمن هي ؟
أجابت ... ، خديجة . قال محمد(صلى الله عليه وآله)
: كيف لي بذلك ؟ ... قالت : عليّ ذلك"(39)
.
وأعلن المصطفى(صلى الله عليه وآله)
قبوله بالعرض المبارك ، ثم جرى اتفاق أن يحضر
مع اعمامه لخطبة سيدة قريش من عمها عمرو بن
اسد ، حيث أن اباها قد قضى نحبه قبل حرب الفجار
.
واخبر الرسول(صلى الله عليه وآله) عمه
أبا طالب بذلك ، فذهب ابو طالب سيد قريش وزعيم
العرب يومذاك ، ليخطب خديجة من عمها عمرو بن
اسد ، وعقد الاجتماع في دار خديجة ، وكانت
داراً واسعة رحبة .
تحدث سيد بني هاشم ابو طالب فقال : "الحمد
للّه الذي جعلنا من ذرية ابراهيم(عليه السلام)
، وزرع اسماعيل ، وضئضئ(40)
معدّ ، وعنصر مضر ، وجعلنا حضنة بيته ، وسوّاس
حرمه ، وجعل لنا بيتاً محجوجاً، وحرماً آمناً
، وجعلنا حكام الناس .
ثم إن ابن اخي هذا محمد بن عبد اللّه لا
يوزن برجل إلاّ رجح به ، شرفاً ونبلاً وفضلاً
وعقلاً ، فإن كان في المال قُلّ ، فإن المال ظل
زائل ، وأمر حائل ، وعارية مسترجعة .
ومحمد من قد عرفتم قرابته ، وقد خطب
خديجة بنت خويلد ، وبذل لها ما آجله وعاجله
كذا ، وهو واللّه بعد هذا له نبأ عظيم ، وخطر
جليل جسيم"(41) .
لقد كان هذا الحديث من ابي طالب دليلاً
واضحاً على اعتزازه بالارتباط بابراهيم
واسماعيل نسباً وحسباً ، حيث حمد اللّه
عزّوجل على هذا الارتباط ، ثم عرّج على صلب
الموضوع فذكّر الجالسين بمكانة النبي(صلى
الله عليه وآله) المعنوية ، وقيمته الخلقية
والروحية في الناس ، وما سيصير إليه امره بعد
حين ، حيث يستشرف للحاضرين المستقبل القريب
لمحمد بن عبد اللّه(صلى الله عليه وآله) ، وهو
حمل الرسالة الالهية الخاتمة ، إذ لا يستحق أن
يسمى نباً عظيماً وخطراً جليلاً جسيماً على
لسان ابي طالب ، غير هذه القمة السامقة التي
سيبلغها محمد بن عبد اللّه(صلى الله عليه وآله)وشيكاً
، وهكذا هيّأ ابو طالب الاذهان لمستقبل النبي(صلى
الله عليه وآله) والدعوة والرسالة . وفي هذه
الاجواء الجليلة تمت الخطبة ، ودخلت خديجة في
عصمة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) زوجة
مباركة ، وأماً للمؤمنين ، وحِجراً لرعاية
الكوثر المعين .
(1) تاريخ ابن خلدون 2:
688.
(2) الحجة على الذاهب
في تكفير أبي طالب، للامام شمس الدين أبي علي
فخار ابن معد الموسوى .
(3) الشعراء : 218 ـ 219 .
(4) تصحيح الاعتقاد ،
للشيخ المفيد : 139 .
(5) شرح نهج البلاغة 1 :
120 ، ط . احياء الكتب العربية .
(6) الكامل لان الاثير
2 : 21 .
(7) الحجابة: سدانة
البيت، أي تولي مفاتيحه، والسقاية: اسقاء
الحجيج الماء العذب الذي كان عزيزاً بمكة،
والرفادة: اطعام الحجاج جميعاً، والندوة:
رئاسة الاجتماع كل ايام العام، واللواء: راية
يلوونها على رمح وينصبونها علامة للعسكر إذا
توجهوا إلى عدو .
(8) الكامل لابن
الاثير 2 : 21 .
(9) الاعتقادات للشيخ
الصدوق : 110.
(10) راجع الخصال
للصدوق : 57 ، والسيرة الحلبية 1 : 4 .
(11) السيرة الحلبية 1
: 12 .
(12) م . ن : 4 .
(13) البحار 9 : 31 .
(14) اكمال الدين
للصدوق : 104 .
(15) المراد حِجر
اسماعيل(عليه السلام)، وهو ما يلي الحائط
المدار إلى جانب الكعبة الشمالي "التحرير".
(16) الكامل لابن
الاثير 2 : 12.
(17) الكامل لابن
الاثير 2:13.
(18) مجمع البيان في
تفسير القرآن، الشيخ الطبرسي 10 : 444 (تفسير
سورة الفيل)، وكتب التاريخ. الحِلال : القوم
المقيمون المتجاورون، يريد سكان الحرم،
والمِحال : القوة والتدبير.
(19) ابو يكسوم: كنية
أبرهة . "التحرير" .
(20) مجمع البيان 10:444.
"التحرير" .
(21) انظر شيخ الابطح
لمحمد علي شرف الدين العاملي: 5 ، طـ . بغداد 1349هـ
.
(22) انساب الاشراف
للبلاذري : 23 (نسب ابي طالب) .
(23) لا يخيس شعيرة:
يريد لا ينقص مقدار حبة شعير. "التحرير" .
(24) الغدير للعلامة
الاميني 7 : 345 ـ 346، عن شرح البخاري للقسطلاني 2
: 227، والمواهب اللدنية 1 : 48، والخصائص الكبرى
1: 86 و 124، وشرح بهجة المحافل 1 : 119، والسيرة
الحلبية 1 : 125، والسيرة النبوية لزيني دحلان
في هامش الحلبية 1 : 87، وطلبة الطالب : 42 .
(25) تعليق التحرير :
الفجار هو أربعة أيام من أيام العرب، آخرها
وأشهرها ـ حسب ما ورد في بعض المصادر ـ هو
الفجار الذي كان يحضره رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) وهو صبي، وقد اختُلف في سنّه آنذاك
، وأقصى ما قيل أنه كان ابن عشرين سنة، وكان
هذا اليوم ـ كما جاء في كثير من مصادر السيرة
والتاريخ ـ بين قريش ومن معهم من كنانة،
وكانوا أحلافهم، وبين قيس عيلان.
(26) السيرة الحلبية 2
: 152.
(27) مرآة العقول
للشيخ المجلسي 1 : 368.
(28) م . ن .
(29) البحار 9 : 29 .
(30) م . ن : 31 .
(31) م . ن 9 : 29 .
(32) نهج البلاغة،
تحقيق صبحي الصالح : 300 ـ 301 .
(33) السيرة الحلبية 1
: 139، وذو المجاز: موضع عند عرفة .
(34) السيرة النبوية 1
: 80 والسيرة الحلبية 1 : 137 ـ 138.
(35) الكامل في
التاريخ لابن الاثير 2 : 37.
(36) الكامل 2 : 37،
وغيره من كتب السيرة.
(37) م . ن : 39 .
(38) الدسيس: من
يُرسَل سراً ليأتي بالاخبار. "التحرير" .
(39) حياة محمد لمحمد
حسين هيكل : 84 ، طـ . القاهرة 1354 هـ .
(40) الضئضئ : الاصل.
"التحرير" .
(41) ابو طالب مؤمن
قريش لعبد اللّه الخنيزي : 141.