تعـريف
كتاب في مقال: القضاء في الفقه
الاسلامي
* اعـدادالشيخ حامد الظاهري
هوية الكتاب:
اسم الكتاب: القضاء في الفقه الاسلامي.المؤلف: آية اللّه السيد الحائري.
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي.
القطع: وزيري.
عدد الصفحات: 814 صفحة.
الطبعة: الاولى ( جمادى الثانية 1415 هـ.
ق).
وزّعت بحوثه على خمسة فصول; خُصّص
الاول منها للبحث في مسألة وجوب القضاء،
والثاني للبحث في شخصيّة القاضي، والثالث
للبحث في طرق الاثبات لدى القاضي، والرابع
للبحث في الحكم على الغائب، والخامس للبحث في
مدى نفوذ حكم القاضي.
وممّا يميز البحث هو دراسة موقف الفقه
الوضعي في وسائل الاثبات في القضاء وبيان مدى
موضوعيتها، ومن ثمّ مقارنتها مع ما يقوله
فقهاء المدرسة الاسلامية في ذلك. وهذه دراسة
حديثة لم تألفها أبحاث القضاء في حوزاتنا
العلمية.
واليك عرضاً ملخّصاً لاهم الابحاث
والنتائج التي انتهى اليها السيد المؤلف في
تلك الفصول.
الفصل الاول:
عُقد لبحث الدليل على وجوب القضاء علىمستويين:
الاول: مستوى معرفة جزء من المخطط
الاسلامي الشامل في إدارة المجتمع; فمن
الواضح أن للاسلام علاجه الخاص من مَلْء كل
المنافذ التي من شأنها إرباك النظام، وخلخلة
الوضع الامني، وخلق حالة من الفساد الخلقي
والطغيان الاجتماعي، وافتراض إمكانية مَلْء
ذلك بالنظم الجائرة بحسب اسلوبهم الخاص وإن
عالج مشكلة اختلال النظام، فإنّه لا يتناسب
مع النظام الاسلامي في علاجه للمشكلة بأسلوبه
الخاص; فالاسلام بوصفه نظاماً يدير شتى مناحي
الحياة الاجتماعية يشتمل على وجوب القضاء
الحقّ حتماً.
والثاني: مستوى وجوب إقامة القضاء
العادل ـ لو أمكن ـ ولو في ظل نظام جائر، فقد
يقال بعدم صحة الاستدلال على وجوب القضاء في
هذا المستوى، بمقدمية القضاء لتحصيل ما يقطع
بمطلوبيته لدى الشارع المقدس من حفظ النظام
الاجتماعي، ما دامت الحكومة الجائرة تتحمل
بطريقتها الخاصة مسؤولية ذلك. لكن مع ذلك
نقول بوجوب القضاء الحقّ حتى في ظل دولة غاصبة
إن أمكن. وذلك:
أولاً: لاجل تحريم التحاكم لدى
الطاغوت ـ ولو عند امكان التحاكم إلى قضاة
الحقّ ـ، والمفهوم عرفاً من هذا التحريم أنّ
التحاكم هذا مفسدة اجتماعية مبغوضة لدى
الشارع لابدّ للمجتمع من تجنبها تجنباً لا
يوجب اختلال النظام، فكما يحرم الترافع إلى
قضاة الجور كذلك يجب على المؤهل للتصدي
للقضاء الحقّ أن يتقبّل رفع التنازع إليه.
وثانياً: لانّ دفع الظلم والجور
اللذين يمثّلان ـ في كثير من الاحيان ـ أساس
القضاء لدى الطاغوت واجب على الكفاية، فيجب
على القادرين كفايةً التصدي للقضاء الحقّ
تحيقيقاً لذلك.
الفصل الثاني:
عُقد لدراسة شخصية القاضي، وبدأهالسيد المؤلف بمقدّمة تمّ فيها بحث شخصيته
ضمن ثلاثة عناوين فرعية، وانهى البحث بخاتمة.
أما المقدّمة فأوضح فيها الفرق بين
القاضي المنصوب وقاضي التحكيم; بأنّ الاول ما
كان منصوباً بنصب ابتدائي من قبل الامام
المعصوم، والثاني ما لا يكون منصوباً كذلك
إلاّ في طول رفع التحاكم اليه، فهو مخوّل
بالتصدي للقضاء بعد اختيار المتداعيين رفع
الدعوى إليه.
وبما أنّنا نعيش عصر الغيبة الكبرى لا
يوجد قاض منصوب بالنصب الخاص، وإنّما يكون
النصب عامّاً لمن توفّرت فيه خصائص معيّنة.
وأمّا العناوين الثلاثة التي بحث فيها
شخصية القاضي; فالاول منها في أصل وصول نصب
عامّ إلينا من قبل الامام للقضاء وفق خصائص
معيّنة، والثاني من الخصائص المشترطة في
المنصوب للقضاء، والثالث في جواز تحكيم غير
المنصوب لا من قبل الامام المعصوم ولا من قبل
الفقيه ـ وهو المسمّى بقاضي التحكيم ـ .
أما البحث الاول فقد استدلّ فيه على
النصب العام من قبل المعصوم للقضاء بثلاثة
نصوص من السنّة الطاهرة.
وأما البحث الثاني ـ ففي الخصائص
المشترطة في القاضي المنصوب مباشرةً من قبل
المعصوم، وهي ما يلي:
الشرط الاول: العلم.
ولا إشكال في أصل اشتراط العلم بالحكم
ـ بقطع النظر عن كونه علماً بالحكم الواقعي أو
الظاهري، ونابعاً عن اجتهاد أو عن تقليد ـ
وذلك بضرورة من الفقة، وبآيات النهي عن
اتّباع غير العلم الدالة على حرمة القضاء
بدونه، وبالروايات المتضافرة على اختلاف
ألسنتها([1]).
أما اشتراط العلم عن اجتهاد فهو
المفهوم عرفاً من مقبولة عمر بن حنظلة ومن
التوقيع الشريف.
وبمناسبة مناقشة سندية في بحث اشتراط
الاعلمية في القاضي تعرض السيد المؤلف لنظرية
التعويض، وهي نظرية يستفاد منها في الموارد
التي لا يمكن فيها تصحيح السند بالطرق
المألوفة، فيأتي دورها في بيان كيفية تعويض
الاسناد غير المعتبرة بالمعتبرة.
وأصل هذه النظرية من تنقيحات اُستاذه
السيد الشهيد الصدر(قدس سره) بعد أن وردت فيها
كلمات من قبل الاصحاب بشكل بدائي وغير منظّم،
وهي من الابحاث السنديّة المهمّة ذات التأثير
في تصحيح أسانيد جملة من الروايات. من أرادها
فليرجع إلى أصل الكتاب([2]).
الشرط الثاني: البلوغ.
ويمكن التمسّك برواية أبي خديجة
الوارد فيها «انظروا إلى رجل منكم»([3])
لاثبات شرطية البلوغ.
الشرط الثالث: العقل.
الشرط الرابع: الرشد.
الشرط الخامس: الاسلام.
ولا حاجة للبحث في هذه الشروط الثلاثة
لوضوحها.
الشرط السادس: الذكورة.
ويستدل لاشتراطها برواية أبي خديجة
أيضاً، أو بما دلّ على عدم صلاحية المرأة
لامامة الجماعة، أو على كون شهادتها ليست
كشهادة الرجل; إمّا بدعوى الاولوية، أو بدعوى
مانعيّة هكذا جوّ تشريعي، من انعقاد اطلاق في
دليل القضاء للمرأة.
الشرط السابع: طهارة المولد.
واستدلّ له بما دلّ على عدم صلاحيته
لامامة الجماعة وللشهادة، وبدعوى مانعيّة
هكذا جوّ تشريعي عن انعقاد الاطلاق لدليل
القضاء بالنسبة لمن فقد هذا الشرط.
الشرط الثامن: الايمان.
ويدلّ عليه ما في ذيل مقبولة عمر بن
حنظلة، ورواية أبي خديجة، وهو قوله: «ينظران
مَن كان منكم...» وقوله: «انظروا إلى رجل منكم...».
الشرط التاسع: أن لا يكون مصداقاً
لسلطان الجور وأياديه ولو كان شيعياً، تمسكاً
بإطلاق النهي الوارد عن التحاكم إلى الطاغوت
الدال على الحرمة التكليفية، وعلى عدم النفوذ
بالدلالة الالتزامية.
وبعد هذا الشرط تعرّض المؤلّف لذكر
شرط (الحريّة) و(الكتابة) و(البصر) ونفاها
جميعاً تمسكاً بإطلاقات الادلّة اللفظية
الماضية في النصب العام للقضاء.
ثم تعرّض للشرط الثالث عشر وهو (الضبط)
واكتفى فيه بتوفّر الجامع بينه وبين ما يؤدّي
نتيجته كقيام غيره بالضبط له فيما لا يضبطه.
ثم ذكر شرطي (عدم الصمم والخرس) ولم يجد
دليلاً عليهما ما لم يضرّا بشرط آخر كالضبط
وغيره.
الشرط السادس عشر: العدالة. ويقع البحث
فيها من جهات ثلاث:
الاولى: في الدليل على اشتراطها.
والثانية: في معناها المقصود في
المقام.
والثالثة: في الكاشف عنها.
أما بالنسبة للدليل على اشتراطها،
فمنه التعدي من دليل اشتراط العدالة في
الشاهدين إلى القاضي بطريق الاولوية، أو
بدعوى عدم تمامية الاطلاق لدليل القضاء
بالنسبة لغير العادل في جوّ تشريعي لا يرتضي
شهادة غير العادل.
أما بالنسبة لمعناها المقصود في
المقام فقد رجّح أن يكون المقصود بها هو
الملكة لا مجرد ترك الذنوب ولو كان عن رادع لم
يبلغ حدّ الملكة، إذ إنّ في صدق العدالة عرفاً
من دون وجود الرادع القويّ البالغ حدّ الملكة
نظراً، وكذلك في صدق عناوين اخرى كعنوان (الاستقامة)
وعنوان (من تثق بدينه وأمانته).
وبمناسبة ذكر معنى العدالة خاض السيد
المؤلف بحثاً مفصّلاً حول اشتراط ترك
الصغائر، ومعنى الصغيرة والكبيرة، ومعنى (اللمم)
واشتراط ترك ما ينافي المروءة.
وأما بالنسبة للكاشف عن العدالة
فمقتضى القاعدة هو الاقتصار في مقام ثبوتها
على العلم أو الاطمئنان أو البينة، بعد
البناء على أخذ الملكة فيها وهي أمر وجودي
مسبوق بالعدم، فمقتضى الاصل عدمها.
أما بالنسبة إلى الروايات فهي على
طوائف; فمنها ما دلّ على مقياسية حسن الظاهر،
ومنها ما دلّ على كفاية عدم العلم بالفسق،
ويمكن الجمع بين الطائفتين، وعلى ذلك يكون
حسن الظاهر مقياساً لمعرفة العدالة.
وبعد الانتهاء من شرائط القاضي
المنصوب بالنصب العام من قبل المعصومين(عليهم
السلام)، تحدّث السيد المؤلف حول القاضي
المنصوب من قبل الفقيه بناءاً على الايمان
بفكرة ولاية الفقيه ـ كما هو الصحيح ـ، وهذا
بحث مهمّ جدّاً لما له من تأثير عملي في عصر
غيبة الامام الحجة (عج) وبالاخص في ظرف قيام
الجمهورية الاسلامية بقيادة الولي الفقيه.
وقد انتهى في هذا البحث إلى جواز نصب غير
المجتهد قاضياً من قبل الولي الفقيه في عصر
الغيبة.
البحث الثالث:
في جواز الترافع إلى قاضي التحكيم وهوغير الواجد لشرائط المنصوب من قبل المعصوم(عليه
السلام)، فلا شك في عدم نفوذ قضائه، إلاّ
بإمضاء من قبل الشريعة لتحكيمه من قبل
المتحاكمين، لانّ الولاية للّه، فلا تكون
لاحد على أحد من دون تنفيذ من قبل الشريعة.
وأما الخاتمة، ففي البحث عمّن له حقّ
تعيين القاضي فيما إذا تعدّد القضاة. ويرى
سماحة المؤلف أنه بالامكان أن يوجّه
الاستدلال على كون اختيار القاضي بيد المدعي
بأخذ نكتتين بعين الاعتبار:
الاولى: أن يقصد هنا بالمدّعي من إذا
تَرك النزاع تُرك، وإن كان منكراً في النزاع
بالمعنى الذي يجعل البيّنة على خصمه.
الثانية: أن يقال: إنّ المفهوم عرفاً
من النصب للقضاء هو إعطاء حقّ جلب الخصم
للتحقيق بشأن النزاع لو شكاه أحد، إضافة إلى
منصب فصل النزاع.
وعليه سيكون من حقّ من يرفع المخاصمة
أن يختار أيّ قاض شرعي شاء، وليس للاخر منعه
بل تجب عليه الاستجابة للتحقيق ثمّ الخضوع
للحكم.
الفصل الثالث:
في طرق الاثبات لدى القاضي.ويتضمّن هذا الفصل البحث في موضوعين
رئيسيين هما: طرق الاثبات في الفقه الوضعي،
وطرق الاثبات في الفقه الاسلامي.
وقد نقل السيد المؤلف ضمن الموضوع
الاول طرق الاثبات في الفقه الوضعي التي هي
عبارة عن اُمور ستّة: الكتابة، والشهادة،
والقرائن، والاقرار، واليمين، والمعاينة، ثم
ذكر بعض النصوص من الفقه الوضعي التي تتحدّث
عن طرق الاثبات لدى القاضي معتبرة للكتابة
القوّة المطلقة في ذلك، فيجوز أن تكون طريقاً
لاثبات الوقائع والتصرفات القانونية دون
تمييز، وهي ذات المقام السامي على الشهادة
لعدم تطرّق عوامل الضعف اليها من جواز الكذب
على الشهود وتعرّض ذاكرتهم للنسيان، وأما
الشهادة فكان لها المقام السامي في وقت لم تكن
الكتابة منتشرة فيه، بل كانت الغلبة للاميّة
ثمّ أخذت الكتابة تنتشر فعلت على الشهادة.
وقد علق المؤلف على ذلك بأنّ الكتابة
متى ما أورثت القطع واليقين لدى القاضي دخلت
في الطريق الاول من طرق الاثبات في الفقه
الاسلامي كما سيأتي، ومتى ما لم تورث القطع
فلا ينبغي اعتبارها أسمى وأرفع من مقام
الشهادة.
وأما في الموضوع الثاني فقد وقع البحث
في طرق الاثبات في الفقه الاسلامي التي هي
عبارة عن علم القاضي والبيّنة واليمين
والاقرار والقرعة.
واليك خلاصة البحث فيها تباعاً:
علم القاضي:
وهو أول طريق للاثبات في الفقهالاسلامي، إلاّ أنّ المتبنّى عادةً في الفقه
الوضعي هو عدم حجّية علم القاضي، وممّا
يُعلَّل به لذلك منافاته لحقّ الخصم في
مناقشة الادلّة التي تقدّم في الدعوى، حيث
يكون علم القاضي دليلاً في القضية ويكون
للخصم حقّ مناقشته، فيقتضي الامر عندئذ أن
ينزّل القاضي منزلة الخصوم فيكون خصماً
وحاكماً، وهذا لا يجوز.
إلاّ أنّ المعنى المرتكز عقلائياً من
الخصم الذي لا يجوز عقلائياً اتّحاده مع
القاضي إنّما هو الخصم بمعنى من يكون طرفاً في
النزاع، أي من يحكم له أو عليه، وممّا عُلّل
به عدم جواز حكم الحاكم بعلمه في الفقه الوضعي
خراب الذمم، وضعف الوازع الديني، وفساد
الضمير في كثير من الناس، وطغيان حبّ المادة
على النفوس، ممّا جعل علم القاضي الشخصي
مكتنفاً بالظنون والريب.
لكن في الفقه الاسلامي الشيعي يكون
اشتراط العدالة في القاضي سبباً للوثوق بكون
علمه كاشفاً أميناً عن الواقع في غالب
الاحيان.
وهناك عدّة وجوه تذكر في فقهنا
للاستدلال على حجّية علم القاضي تراجع في
الكتاب.
البيّنة:
وهي من طرق الاثبات في الفقهالاسلامي، ولا شكّ في مطالبة المدعي بها على
أساس الحديث النبوي الشريف: «البيّنة على من
ادّعى واليمين على من ادّعي عليه»([4]). ولم يخالف في
ذلك الفقهاء الوضعيون، فقد نصّت القاعدة
الرومانية على أنّ المدّعي هو المكلَّف
بالاثبات، والقاعدة الانجليزية على أنّ من
يدّعي حقّاً أو يدفعه، أي يدّعي التخلّص منه
عليه الاثبات([5]).
والبحث في المقام يقع في عدّة موضوعات
هي:
1 ـ معنى المدّعي الذي عليه البيّنة في
مقابل المنكر.
2 ـ شرائط البيّنة.
3 ـ البحث عن وجود مورد للاستثناء من
قاعدة: (البيّنة على المدّعي واليمين على
المنكر).
4 ـ قبول البيّنة من المنكر.
5 ـ تعارض البيّنات.
وإليك خلاصة البحث في الموضوعات
المذكورة.
1 ـ معنى المدّعي والمنكر:
قد ذكرت عدّة تعاريف للمدّعي، منهاأنه الذي يُترك لو ترَك الخصومة، وقد نُسب إلى
المشهور، وعُرّف أيضاً بأنه من خالف قوله
الاصل.
وذكر السيد المؤلف أن العرف هو المرجع
في تشخيص المدعي بعد عدم ورود حقيقة شرعية أو
متشرعية لكلمتي (المدّعي) و(المنكر)، لكن يقع
الكلام في أنّ أيّ التعاريف يكون مطابقاً
لفهم العرف ؟
والصحيح تعريفه بأنه من خالف قوله
الاصل إن فسّر الاصل بمعنى الحجّة.
2 ـ شرائط البيّنة:
وهي اثنا عشر شرطاً.الاول: البلوغ، ولا إشكال في عدم نفوذ
شهادة الصبيّ غير المميّز، وإنّما الكلام في
نفوذ شهادة المميّز، فقد استدلّ على عدم نفوذ
شهادته ببعض الوجوه التي منها قوله تعالى: (واستشهِدوا
شهيدَينِ من رجالكم فإن لم يكونا رجلَينِ
فرجلٌ وامرأتانِ)([6])
بتقريب عدم شمول كلمة (الرجل) للصبيّ.
ومنها ما عن أبي جعفر(عليه السلام) قال:
« قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) لم تجز
شهادة الصبيّ، ولا خصم، ولا متّهم، ولا ظنين »([7]).
وهناك موارد وقع الكلام في استثنائها
من عموم المنع من قبيل قبول شهادة الصبيان
فيما بينهم ما لم يتفرّقوا أو يرجعوا إلى
أهلهم، وقبول شهادة الصبيّ في القتل بأخذ أول
كلامه.
الثاني: العقل، ولا إشكال في عدم قبول
شهادة المجنون، ويلحق به الابله الذي لا
يعتمد على شهادته، وكثير الخطأ والنسيان
لانصراف الادلّة أو للقطع بالحكم.
الثالث: الايمان بمعنى كونه شيعياً
اثني عشرياً، أو الاسلام.
أما اشتراط الاسلام فمن ضروريات
الفقه، فلا تقبل شهادة الكافر بحقّ المسلم في
غير ما استثني ولو كان عدلاً في مذهبه وفرض
قاصراً في خطئه الاعتقادي. ويدلّ عليه قوله
تعالى: (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين
الوصية اثنانِ ذوا عدل منكم)([8]).
أما اشتراط الايمان فقد استدلّ له
بعدّة وجوه، إلاّ أنّ السيد المؤلف لم يرتضِ
شيئاً منها، بل يرى تمامية الاطلاق في الدليل
بالنسبة لشهادة غير المؤمن بالمعنى الخاص،
وبذلك انتهى إلى القول بكفاية الاسلام.
الرابع: العدالة، وقد استُدِلّ له
بالكتاب الكريم تارةً، وبالسنّة الشريفة
اخرى.
أما الكتاب الكريم، فقد ورد فيه شرط
العدالة في موارد خاصّة كالطلاق كما في قوله
تعالى: (وأشهدوا ذَوَيْ عدل منكم)([9])،
والوصيّة كما في قوله تعالى: (شهادة بينكم إذا
حضر أحدَكم الموتُ حين الوصيّة اثنان ذوا عدل
منكم)([10])،
والدَّين كما في قوله تعالى: (واستشهِدوا
شهيدَينِ من رجالكم فإن لم يكونوا رجلَينِ
فرجلٌ وامرأتانِ ممّن تَرضون من الشهداء)([11]).
والسيد المؤلف ـ مدّ ظلّه ـ يرى عدم
امكان استفادة القاعدة العامة منها،بل
اشتراط كون الشهيد مرضيّاً في آية الدين لا
يدلّ على أكثر من شرط الوثاقة.
أما السنّة المطهّرة فقد ورد في بعض
الروايات عنوان العدالة من قبيل رواية بريد
بن معاوية التامة سنداً عن أبي عبداللّه(عليه
السلام) قال: «سألته عن القسامة فقال: الحقوق
كلّها البيّنة على المدّعي واليمين على
المدعى عليه إلاّ في الدمّ خاصة، فإنّ رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله)بينما هو بخيبر إذ
فقدت الانصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً،
فقالت الانصار: إنّ فلاناً اليهودي قتل
صاحبنا، فقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
للطالبين: أقيموا رجلين عدلين من غيركم
أقِدْه برمته»([12]).
وهناك روايات اُخذ فيها بعض العناوين
من قبيل (الصلاح) و(الخير) التي يستفاد منها
عرفاً معنى العدالة، كما ورد عن محمد بن مسلم
قال: «سألت ابا جعفر(عليه السلام) عن الذمّي
والعبد يشهدان على شهادة، ثم يسلم الذمّي
ويعتق العبد، أتجوز شهادتهما على ما كانا
اُشهدا عليه؟ قال: نعم، إذا علم منهما بعد ذلك
خير جازت شهادتهما»([13]).
وقد تحصّل من ذلك تماميّة بعض
الروايات على شرط العدالة.
الخامس: وهو حسب تعبير السيد الخوئي(رحمه
الله) أن لا يكون الشاهد ممّن له نصيب فيما
يشهد به([14]).
وحسب تعبير المحقق في الشرائع: ارتفاع
التهمة.
أما بالنسبة إلى الشرط بعنوانه الذي
ورد في كلام السيد الخوئي(رحمه الله)، فقد بحث
السيد المؤلّف ذلك عبر تصوير مراتب خمس لرجوع
نصيب من المشهود به إلى الشاهد، ووافق على
الشرط المذكور في المراتب الاربع الاُولى دون
الاخيرة على شرح وتوضيح تجدهما في الكتاب.
السادس: الحرية، وقد عرض السيد المؤلف
في هذا الشرط طائفتين متعارضتين من الروايات
حول شهادة المملوك، وبعد بحث ونقاش في كيفيّة
العلاج انتهى إلى عدم امكان الجمع العرفي في
المقام، فتوسّل بتطبيق المرجّحين الاساسيين
في باب التعادل والتراجيح وهما موافقة الكتاب
ومخالفة العامة، وقال أخيراً بتقديم روايات
نفوذ شهادة المملوك على روايات المنع على
أساس أن روايات النفوذ توافق اطلاق الكتاب
كقوله تعالى: (واستشهِدوا ذَوَي عدل منكم)([15])
بخلاف روايات المنع، كما أنها مخالفة للعامة،
بخلاف روايات المنع أيضاً فإنها موافقة لكثير
من رواياتهم.
السابع: طهارة المولد، ويستدلّ له
بعدّة روايات منها ما عن محمد بن مسلم بسند
تام قال: « قال أبو عبد اللّه(عليه السلام): لا
تجوز شهادة ولد الزنا »([16]).
الثامن: عدم التبرّع بالشهادة في حقوق
الناس على ما نسب إلى المشهور، بل ادّعي عليه
الاجماع. هذا في حال أداء الشهادة، وأما في
حال التحمّل، فلا شك في عدم اشتراط ذلك، وقد
استثنى البعض فرض ما إذا خبّأ عن المشهود
نفسه، فنطق المشهود عليه مسترسلاً، إلاّ أنّ
السيد المؤلف استفاد من الروايات نفوذ شهادة
الشاهد سواء تحمّل بطلب منه، أو صدفة بعلمهما
أو عدم علمهما. نعم، لو تحمّل بلا طلب لم يجب
عليه أداء الشهادة.
أما معنى التبرع بأداء الشهادة فقد
فُسّر بتفسيرين:
الاول: بمعنى الشهادة قبل سؤال الحاكم
في مجلس الحكومة.
الثاني: بمعنى الشهادة من دون إذن من
له الحقّ كالمدّعي المخاطَب بالبيّنة.
وقد استعرض سيدنا المؤلف عدّة روايات
ينتهي منها بعد بحث وتدقيق إلى نفي مدخليّة
طلب الحاكم في نفوذ الشهادة، وأما موافقة
المدّعي فدخيلة في الحكم لا في نفوذ الشهادة،
حيث لا دليل على نفوذ حكم الحاكم على أساس
البيّنة لصالح المدّعي من دون طلبه، فتصل
النوبة إلى يمين المنكر.
التاسع: أن تكون الشهادة عن حسّ. ولا شك
في عدم جواز الشهادة بمجرد الاحتمال والظنّ،
ووجوب استنادها إلى مدرك مقبول وهو قد يكون
الحسّ، كما لو علم بالواقع بإحدى حواسه
كالبصر والسمع، وهو القدر المتيقّن من نفوذ
الشهادة، أو ما يقرب من الحسّ، كما لو علم
بالواقع بوسيط يوجب العلم لكافة الناس
كالتواتر، وهذا ملحق بالقسم الاول لشمول
الادلّة اللفظية الدالّة على نفوذ القسم
الاول له.
العاشر: الذكورة. وقد قدّم السيد
المؤلف في هذا المقام البحث عن القاعدة
الاولية في شهادة النساء، وقال بان الاصل
الاولي فيها هو عدم النفوذ إلاّ ما خرج
بالدليل، والاطلاقات من قبيل «إنّما أقضي
بينكم بالبيّنات والايمان» لا دلالة فيها على
نفي هذا القيد. كما ناقش في دلالة الروايات
التي قد يتوهّم فهم الاطلاق منها لنفوذ شهادة
النساء.
ثم وجّه البحث إلى الموارد الخاصة
التي دلت فيها الروايات على عدم نفوذ شهادة
النساء أو نفوذها وهي الموارد التالية:
المورد الاول: الحدود، فقد ورد فيها ما
يدلّ على عدم نفوذ شهادة النساء فيها ما عدا
الزنا الذي ورد بشأنه وروداً خاصاً ما يدلّ
على نفوذ شهادة النساء على تفصيل فيه.
المورد الثاني: ما لا يستطيع الرجل
النظر اليه، فقد وردت فيه روايات عديدة تدلّ
على نفوذ شهادة النساء فيه.
المورد الثالث: شهادة المرأة في
النكاح، وقد قسّم السيد المؤلف الروايات
الواردة فيها إلى خمس طوائف بحثها السيد
المؤلف مفصلاً.
المورد الرابع: شهادة النساء في
الهلال، وقد دلّت روايات عديدة على عدم قبول
شهادتهنّ فيه من قبيل ما عن حمّاد بن عثمان
بسند تامّ عن أبي عبداللّه(عليه السلام)قال: «لا
تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال، ولا يقبل
في الهلال إلاّ رجلان عدلان»([17]).
المورد الخامس: شهادة النساء في
الطلاق، وقد دلّت روايات عديدة على عدم نفوذ
شهادتهنّ فيه.
المورد السادس: شهادة النساء في
الوصيّة، وقد وردت فيها روايات متعارضة انتهى
منها السيد المؤلف إلى القول بنفوذ شهادتهن
في الوصية في خصوص المال.
المورد السابع: شهادة النساء في
الدَّين، وقد دلّت الاية الكريمة على نفوذ
شهادة رجل وامرأتين في الدَّين. قال تعالى: (واستشهِدوا
شهيدَينِ من رجالكم فإن لم يكونوا رجلَينِ
فرجلٌ وامرأتانِ ممّن ترضَون من الشهداء)([18]).
المورد الثامن: شهادة النساء في
الرضاع، وقد أوضح السيد المؤلف أنّ الروايات
الواردة في ذلك لا تفيدنا شيئاً لا نفياً ولا
اثباتاً. نعم لو أدخلنا ذلك في عنوان ما لا
يجوز للرجال النظر اليه جازت شهادتهن فيه
بذاك العنوان.
الحادي عشر: حضور الشاهد عند القاضي،
وهذا الشرط وإن لم يذكر بعنوانه لدى الاصحاب ـ
رضوان اللّه عليهم ـ وإنما المبحوث لديهم هو
كفاية شهادة الفرع وعدمها، ولكن قد يستدلّ
على الشرط المذكور بأنّ المتيقّن من مثل قوله(صلى
الله عليه وآله): «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات
والايمان» هي البيّنة الحاضرة، ولا إطلاق في
مثل ذلك لنفي شرط الحضور، فتجري أصالة عدم
النفوذ في البيّنة غير الحاضرة.
والصحيح أنّ احتمال الفرق بين البيّنة
الحاضرة وغير الحاضرة على خلاف المرتكز
العقلائي ما دامت البيّنة حجة بملاك
كاشفيّتها ولا دخل للحضور فيه، إلاّ أنّ
الفرق بين الحاضرة وغيرها من جهة أنّ الحاضرة
تثبت بالحسّ لدى القاضي، وغير الحاضرة بحاجة
إلى طريق لاثباتها، فالضعف ليس في أصل
البيّنة بل في الطريق الموصل لها الذي قد لا
يكون حجّة لدى القاضي. فشرط الحضور إذن منتف
بالاطلاق المقامي لمثل قوله(صلى الله عليه
وآله): « إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والايمان»
لما قلنا من أنه على خلاف الارتكاز العقلائي.
وعلى ذلك فالذي ينبغي بحثه هو طريق ثبوت
البيّنة لدى القاضي، فهل ينحصر طريق اثباتها
بالحسّ أو ما يقرب منه فحسب، أو يمكن أن تثبت
بخبر الواحد، أو بالعلم الحدسي، أو البيّنة
الفرع؟
وينتهي السيد المؤلف إلى عدم ثبوتها
بخبر الواحد ولا بالعلم الحدسي غير القريب من
الحس، وثبوتها لديه بالبيّنة إذ أن مقتضى
القاعدة في حقوق الناس هو الثبوت، إمّا
بارتكاز العقلاء المقتضي لحجيّة البيّنة في
حقوق الناس بتوسيط عدم الردع عنه، أو بدلالة
مثل قوله(صلى الله عليه وآله) «إنّما أقضي
بينكم بالبينات والايمان» بتقريب أن
المستفاد منه عرفاً أن القضاء في واقعة ما
يستعين بما هو بيّنة وحجّة في نفسه بغض النظر
عن القضاء في تلك الواقعة.
هذا مضافاً إلى النصوص الخاصة التامة
سنداً في المقام.
الثاني عشر: وحدة مصبّ الشهادة، فلو
شهد أحدهما على سرقة درهم والاخر على سرقة
دينار لم تتم البيّنة لانهما لم يشهدا بشيء
واحد إلاّ أن تكون الخصوصيّة المختلف فيها
غير مقوّمة للقدر المشترك بين الشهادتين الذي
هو محلّ الاثر، فلا يضرّ الخلاف، كما لو شهدا
أنه سرق ثوباً بعينه واختلفا في قيمته
السوقية.
وفي ختام هذا البحث تطرّق السيّد
المؤلف لموقع البيّنة في الفقه الوضعي
وشرائطها، وذكر أسباب النظرة التحفظية تجاه
البيّنة في بنوده، ثم أشار إلى ما أخذه من
الشرائط فيها التي منها الحلف، والعلم
الحسّي، وأداؤها شفهياً أمام القاضي مباشرة،
والاعتماد على الذاكرة.
وقد أجرى مقارنة بينها وبين ما هو
الشرط في البيّنة من وجهة نظر الفقه
الاسلامي، وبيّن من خلالها خواء ما ذهب اليه
الفقه الوضعي في ذلك.
3 ـ هل تجري البيّنة واليمين على عكس
القاعدة ؟
وهناك موردان ادّعي استثناؤهما عنالقاعدة المعروفة، بمعنى مطالبة المنكر
بالبيّنة دون المدّعي:
الاول: مورد القتل، وقد دلّت بعض
الروايات على أنّ القتل مستثنى من القاعدة.
الثاني: مورد اتّهام العامل كالغسّال
والصبّاغ بالخيانة أو الاتلاف، إذ قد يخطر
بالبال بدواً خروجه عن القاعدة بثبوت البيّنة
على الغسّال أو الصبّاغ، وهو المنكر في
المقام، لما روي عن أبي بصير بسند تامّ عن أبي
عبد اللّه(عليه السلام)قال: «سألته عن القصّار
دفعت اليه ثوباً، فزعم أنه سُرق من بين متاعه.
قال: فعليه أن يقيم البيّنة أنه سرق من بين
متاعة، وليس عليه شيء، فإن سرق متاعه كلّه،
فليس عليه شيء»([19])،
بتقريب أنّ العامل هنا منكر باعتباره أميناً
غير ضامن للتلف إلاّ عن تفريط، ومع ذلك دلّت
الرواية على أنّ عليه البيّنة.
4 ـ مدى نفوذ بيّنة المنكر:
لاجل معرفة مدى نفوذ بيّنة المنكر طرحالسيد المؤلف ثلاثة احتمالات بدوية في تفسير
قوله(عليه السلام): «البيّنة على المدعي
واليمين على المدعى عليه»، واختار منها
احتمال أنّ بيّنة المنكر ليست ساقطة عن
الاعتبار نهائياً وإنما هي حجّة حجيّةً
ذاتيةً، أي بالحجيّة الثابتة قبل القضاء.
فلو لم تكن للمدّعي بيّنة وقدّم
المنكر البيّنة لم تُغنِه البيّنة عن اليمين
إذا لم يثبت لها حجيّة قضائية، وقد دلّت
الرواية على أن المنكر عليه اليمين. ولو كانا
معاً يمتلكان البينة فتتعارض البيّنتان في
مرحلة الحجيّة الذاتيّة وتتساقطان، وينتهي
الامر إلى يمين المنكر لسقوط بيّنة المدّعي
عن الحجيّة القضائية أيضاً. هذا كلّه على وفق
قاعدة البيّنة على المدعي واليمين على المنكر.
أما الروايات الخاصة في المقام فتوجد
روايتان دالّتان على مقالة المشهور في ذلك من
رفض بيّنة المنكر وأن عليه اليمين فحسب، إلاّ
أنهما ساقطتان سنداً.
5 ـ تعارض البينتين:
ويقع البحث هنا في موضوعين:الموضوع الاول: تعارض بيّنتي
المتداعيين، والروايات في هذا الفرض على
طوائف: منها ما دلّ على التحالف، ومنها ما دلّ
على استخلاف الاكثر بيّنة، ومنها ما دلّ على
تقسيم المال المتداعى عليه، ومنها([20])
ما دلّ على القرعة لتعيين من عليه الحلف أو
لتعيين من له الحق، ومنها([21])
ما فصّل بين ما لو كان المال بيدهما فالتقسيم،
أو لم يكن بيد واحد منهما فالقرعة.
أما مقتضى القواعد لدى تعارض
البيّنتين في باب التداعي، فهنا تصويران
لحقيقة التداعي في مثل توارد اليدين على مال
واحد يختلف حكم مقتضى القواعد فيه
باختلافهما، والمختار منهما لدى السيد
المؤلف هو أنّ كلاً منهما مدّع في نصف المال
ومنكر في النصف الاخر وليس تداعياً في كل
المال. ثم استخلص فروعاً ثلاثة:
الفرع الاول: ما لو كانت لهما اليد على
المال فمقتضى القاعدة فيه التحالف فلو حلفا
أو نكلا قسّم المال بينهما، ولو نكل أحدهما
اختصّ به الحالف.
الفرع الثاني: ما لو كان المال خارجاً
عن أيديهما، فمقتضى القاعدة فيه التحالف، فلو
حلفا قسّم بينهما، ولو حلف أحدهما اختصّ به،
ولو نكلا فالقرعة.
الفرع الثالث: ما لو كان مصب الدعوى
غير المال كالزوجية، فلو حلفا معاً او نكلا
فالقرعة، ولو حلف أحدهما كان الحقّ له.
أما بلحاظ الروايات التي أشرنا اليها
فقد انتهى السيد المؤلف إلى نتائج عرض لها
تفصيلاً.
وفي ختام البحث تعرّض سيدنا المؤلف ـ
مد ظله ـ إلى موقف الفقه الوضعي من تعارض
البيّنتين مقارناً إيّاه بموقف الفقه
الاسلامي.
اليمين:
وهو من طرق الاثبات في الفقه الاسلاميويقع البحث فيه في عدّة محاور:
المحور الاول: في كيفية دوران اليمين
بين المدعي والمنكر، فلا شكّ ـ بضرورة
من الفقه ـ أن دور اليمين يأتي بعد فرض عدم
إقامة المدعي بيّنةً، وكذا يتوجّه اليمين
ابتداءً إلى المنكر، كما هو مفاد رواية: «البيّنة
على من ادّعى واليمين على من أنكر »... إلاّ أنّ
الكلام في توقّف توجيه الحاكم لليمين إلى
المنكر على طلب المدعي وعدمه.
وينتهي السيد المؤلف إلى ان المقياس
في التحليف هو طلب من كان محروماً من الحق
المتنازع فيه سواء كان مدّعياً أو منكراً.
ولعلّ المجمعين على اشتراط الحلف بطلب المدعي
كان نظرهم إلى ما هو الغالب من سيطرة المنكر
على الحقّ.
أما متى يسقط الحلفُ حقَّ المدعي في
الدعوى وإقامة البيّنة والتقاص ففيه
احتمالات، أوجهها أن يقال: إنه يسقط قبل حكم
الحاكم تمسّكاً باطلاق الروايات، إلاّ أنه
مشروط بكون اليمين بلحاظ قانون المحكمة،
لانصراف الاخبار الواردة في مثل اليمين
والبيّنة إلى باب القضاء، فلو حلف المنكر
بتوافق مع المدعي لا عن طريق القضاء لما كان
معتدّاً به.
أما لو ردّ اليمين على المدعي فلا
إشكال في القضاء له لو حلف، أمّا لو نكل
فالحقّ للمنكر، وتدلّ على ذلك الروايات من
قبيل ما عن محمد بن مسلم بسند تام عن أحدهما(عليهما
السلام) في الرجل يدّعي ولا بيّنة له قال: «يستحلفه،
فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ فلم يحلف فلا
حقّ له»([22]).
أما لو لم يحلف ولم يردّ اليمين إلى
المدعي ففيه قولان، أقواهما عدم كفاية النكول
للحكم عليه، بل لابدّ من ردّ الحاكم اليمين
بطلب من هو محروم فعلاً من الحقّ المتنازع فيه.
المحور الثاني: في كيفية الاحلاف،
فإنه لا خلاف ـ في الجملة ـ في أنّ التحليف في
باب القضاء يجب أن يكون تحليفاً باللّه
تعالى، ويستدلّ على ذلك بأمرين:
الاول: برواية سليمان بن خالد التامّة
سنداً عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) قال: «في
كتاب عليّ أنّ نبيّاً من الانبياء شكا إلى
ربّه فقال: كيف أقضي فيما لم أرَ ولم أشهد ؟
قال: فأوحى اللّه اليه: احكم بينهم بكتابي
وأضفهم إلى اسمي فحلّفهم به، وقال: هذا لمن لم
تقم له بيّنة»([23]).
والثاني: أصالة عدم نفوذ الحلف بغير
اللّه عند الشك.
ولا شك في أنّ الحلف غير قابل للتوكيل،
لانّ ما دلّت عليه الادلّة هو تحليف المنكر
مثلاً، وحلف وكيله لا ينسب اليه كما ينسب اليه
مثل البيع لو وقع من وكيله.
ولا إشكال ـ في الجملة ـ في كون متعلّق
الحلف هو الامر المتنازع فيه، فالمنكر مثلاً
يحلف على نفيه أو نفي العلم به، ولو علم أنه
ورّى في حلفه لم يعتدّ به، حيث إنّ المفهوم
عرفاً من أدلّة تحليف المنكر ـ مثلاً ـ هو
تحليفه على نفس القضية المتنازع فيها كما هو
واضح.
المحور الثالث: في موارد كفاية الشاهد
الواحد مع اليمين، وهي خصوص الاموال من حقوق
الناس، كما ذهب إلى ذلك المشهور وادّعي عليه
الاجماع دون حقوق اللّه التي لم يرد فيها دليل
على ذلك، بل ورد ما يدلّ على المنع، وليس هو
مطلق حقوق الناس كما هو مذهب السيد الخوئي(رحمه
الله).
وفي ختام البحث عن اليمين أعطى السيد
المؤلف لمحة مختصرة عن اليمين في الفقه
الوضعي وتقسيمها إلى اليمين الحاسمة،
واليمين المتمّمة، ووجود أقسام اُخرى إلى
جانب اليمين المتمّمة الاصليّة، هي يمين
الاستيثاق، ويمين الاستظهار، ويمين التقويم،
واشار إلى موقف الفقه الاسلامي تجاه كلّ
مفردة من مفردات اليمين هذه.
الاقرار:
ولا إشكال فقهياً في نفوذ الاقرار فيباب القضاء من أيّ واحد من الطرفين، سواء على
مستوى نفوذه ما دام مقرّاً بمعنى إرغامه على
العمل وفق إقراره لو أراد العمل خلافه، أو على
مستوى نفوذه حتى بعد الانكار، بمعنى القضاء
وفق إقراره السابق وعدم قبول إنكاره لما أقرّ
به.
أما دائرة نفوذ الاقـرار فإنه لا
ينبغي الاشكال في استقرار الارتكاز العقلائي
على نفوذ الاقرار مطلقاً، وكذا الارتكاز
المتشرعي، إلاّ بقدر ما ورد في بعض الموارد من
الردع عنه كبعض الحدود التي لا يكفي فيها
الاقرار إلاّ أربع مرّات.
وكسقوط حكم القتل عند رجوعه عمّا أقرّ
به في بعض الحدود، وكموضوع السرقة حيث ورد فيه
ما دلّ على عدم كفاية الاقرار الواحد لقطع
اليد، وهذا لا يضر بنفوذ الاقرار مطلقاً في
باب القضاء.
وفي ختام البحث عن الاقرار تعرض سيدنا
المؤلف لبعض ما يقوله فقهاء المدرسة الوضعية
عن الاقرار، وتقسيمهم له إلى الاقرار البسيط
والموصوف والمركّب وآثار كل منها، ثم ناقشها
على ضوء المرتكزات العقلائية وبيّن رأي الفقه
الاسلامي في بعض ذلك.
القرعة:
وهي من طرق الاثبات في الفقهالاسلامي، ويستعملها القاضي لتعيين من له
الحق في موردين:
1 ـ التداعي على المال ولم تكن لاحد
المتداعيين بيّنه، أو كانت لهما معاً البيّنة
المتساوية في العدد ونكلا عن الحلف.
2 ـ التنازع في مثل الولد نتيجةً
لجهلهما بالواقع.
وتستعمل لتعيين من عليه الحلف كما لو
تداعيا على غير المال كالزوجية مع تساوي
البيّنتين، أو بدون بيّنة.
ثم إنّ الظاهر كون حجيّة القرعة حجّية
قضائية في مورد له تعيّن في الواقع، والمقصود
بالحجيّة القضائية أنّ القاضي هو الذي يستفيد
منها في مرحلة قضائه كما يستفيد من البيّنة
واليمين، وليست حجيّة ذاتية بمعنى أن أحد
المتنازعَين يمكنه إرغام صاحبه عليها من دون
تحاكم، للاشكال سنداً ودلالة في بعض
الاطلاقات التي قد يتمسّك بها لذلك. وأما
اشتراط التعيّن في الواقع فلظهور الادلّة في
ذلك.
الفصل الرابع:
في الحكم على الغائب.ويقع البحث في هذا الفصل في ثلاثة
موضوعات هي:
الموضوع الاول: نفوذ الحكم على الغائب:
ويستدل على نفوذ الحكم على الغائببالبيّنة بإطلاق دليلها مضافاً إلى ما ورد ـ
بسند تام ـ عن جميل بن دراج عن جماعة من
أصحابنا عنهما(عليهما السلام)قالا: «الغائب
يُقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة، ويباع
ماله ويقضى عنه دينه وهو غائب، ويكون الغائب
على حجّته إذا قدم. قال: ولا يُدفع المال إلى
الذي أقام البيّنة إلاّ بكفلاء»([24]).
الموضوع الثاني: أقسام الحكم على
الغائب
أما الحكم بالبيّنة فلا إشكال فيجوازه كما مضى، وأما الحكم عليه باليمين;
فاليمين تارةً تكون وظيفة الحاضر، واُخرى
وظيفة الغائب.
مثال الاول: ما إذا ثبت دين للحاضر على
الغائب، إلاّ أنّ الغائب يعتقد أنه قد أدّاه
سابقاً والحاضر ينكره. وبما أنّ التحليف حقّ
المحروم من الحق ـ وهنا هو المنكر الحاضر ـ
جاز تحليفه بغياب المدعي.
ومثال الثاني: ما لو ادّعى الحاضر على
الغائب ديناً ولا بيّنة له، فلا يعدّ غيابه
نكولاً عن اليمين حتى يحلّف المدعي، إلاّ إذا
فرض غيابه فراراً عن الحلف وعندئذ فإن لم
يشمله دليل حكم النكول باطلاق لفظي فلا أقلّ
من تعدّي العرف من مورد حضور الناكل إلى مورد
غيابه لعدم احتمال الفرق. ولا مجال هنا لدعوى
كون الغائب على حجته.
وأما الحكم بالقرعة، فالبحث فيه على
عدّة فروع:
منها: ما لو كان هناك تداع على المال
ووصلت النوبة ـ على فرض حضورهما ـ إلى القرعة
إلاّ أنّ أحدهما غائب، فلا مورد للحكم
بالقرعة لانها تكون بعد نكولهما عن الحلف،
إلاّ إذا كان غيابه فراراً عن الحلف فصدق عليه
النكول، فيؤخذ عندئذ بدليل القرعة.
الموضوع الثالث: أقسام الغائب:
الغائب تارةً لا يمكن إحضاره بسهولةوفي وقت يتسامح فيه عرفاً، وهذا هو القدر
المتيقّن من مورد الحكم على الغائب.
واُخرى يفرض إمكان إحضاره، فسواء فرض
أن حضور الغائب مؤثر في تغيير موازين القضاء
بأن تكون معه حجّة كبيّنة مثلاً، أو فرض علم
القاضي بعدم امتلاك الغائب حجّة لو حضر، فلا
إشكال في وجوب إخباره وطلب حضوره لانصراف
أدلّة القضاء عقلائياً عن كلا الفرضين.
الفصل الخامس:
في مدى نفوذ حكم القاضي:
لا إشكال في نفوذ حكم القاضي بشأن منحكم عليه وبشأن الشخص الثالث ما لم يعلم بخطئه
ولم يكن هناك مقياس آخر للقضاء يختلف عن
مقياسه، ويكفي دليلاً عليه الارتكاز
العقلائي والمتشرعي على كون القضاء إنما جعل
لفصل الخصومة وشرّع للتنفيذ، وإنما ينشأ
الاشكال في نفوذه من أحد مناشئ ثلاثة:
المنشأ الاول: فرض الخطأ في المحكوم به
كما لو علم المنكر كذب المدّعي الذي حكم
القاضي له على أساس بيّنته، وكما لو قضى لصالح
المنكر وفق يمينه لكون المدعي لا بيّنة له وقد
علم المدعي أنها يمين فاجرة، فلا إشكال في
نفوذ الحكم على المحكوم عليه لوجهين:
الاول: الارتكاز العقلائي والمتشرعي
على أنّ القضاء إنّما شرع لفصل النزاع.
الثاني: مقبولة عمر بن حنظلة الوارد
فيها: «إذا حكم بحكمنا فلم يقبل، فإنّما
استخفّ بحكم اللّه، وعلينا ردّ، والرادّ
علينا الرادّ على اللّه...».
وأما بالنسبة للمحكوم له، فمن الواضح
أنه لو علم بخطأ الحكم كان عليه ردّ الحق إلى
أهله، لان حكم الحاكم لا يغيّر من الواقع،
ولقوله(صلى الله عليه وآله): «أيّما رجل قطعت
له من مال أخيه شيئاً، فإنّما قطعت له به قطعة
من النار».
المنشأ الثاني: فرض تبدّل المقاييس
كما لو حكم القاضي على أساس يمين المنكر ثمّ
ترافعا اليه بعد أن حصل المدّعي على بيّنة، أو
حكم على أساس نكول المنكر ثم استعدّ بعد الحكم
للحلف.
والصحيح أنه لا عبرة بهذه التبدّلات
التي تحصل بعد الحكم لمقبولة عمر ابن حنظلة
الماضية، وللارتكاز القائم على أنّ القضاء
لفصل الخصومات. إلاّ أنّ السيد المؤلف استثنى
من ذلك موردين:
الاول: ما لو أقرّ المحكوم له بعد
الحكم بأنّ الحق كان مع خصمه، فينقض الحكم
الاول ويحكم للثاني لعدم شموله للارتكاز
المشار اليه، ولا لمقبولة ابن حنظلة.
الثاني: موارد قاعدة (الغائب على حجّته)،
فإضافة إلى وجود النصّ الخاص عليها ليست
مشمولة للارتكاز المشار اليه، بل القاعدة
مقبولة لدى العقلاء.
المنشأ الثالث: فرض الخطأ في
المقاييس، وهو على ثلاثة أقسام:
الاول: الخطأ في التطبيق كأنْ يثبت فسق
البيّنة التي حكم وفقها، فلا ينبغي الاشكال
في عدم دلالة مقبولة ابن حنظلة على حرمة نقضه
لو ثبت ذلك لدى نفس القاضي، أو لدى قاض آخر،
لانّ موضوع حرمة النقض أن يحكم بحكمهم، وما
حكم به أولاً ليس كذلك لانه لم يكن وفق
البيّنة العادلة. وكذا لا إشكال من جهة
الارتكاز لانه قائم على نفوذ القضاء المشروع.
الثاني: الخطأ في الكبرى، كما لو اعتقد
القاضي خطأً أن البيّنة على المنكر واليمين
على المدّعي، فحكم على هذا الاساس، ولا إشكال
في عدم نفوذه إذ لا مورد للارتكاز، كما لا
يمكن تطبيق المقبولة على المقام كما هو واضح.
الثالث: الاختلاف في الاجتهاد; كما لو
كان القاضي يرى كفاية النكول من المنكر
للقضاء ضدّه، بينما يرى القاضي الاخر لزوم
إرجاع اليمين على المدّعي.
وهنا وإن لم يكن التمسّك بالمقبولة
لكون ما حكم به القاضي الاول غير مسلّم أنه من
حكمهم، لكن لا يبعد القول بنفوذه على أساس
الارتكاز العقلائي ما دام القاضي الاول
واجداً لشرائط منصب القضاء في الشريعة،
واجتهاده مقبولاً في الاطار العام للشريعة.
وعليه نقول بعدم صحة الاستئناف في المقام،
وعدم جواز نقض الحكم فيه.
وبهذا ينتهي السيد المؤلف من آخر
النتائج التي انتهى اليها في أبحاثه في فقه
القضاء.
([1])
الوسائل 18، الباب 4 من ابواب صفات القاضي، ح 6،
9، 10، وكذا الباب 6، ح8.
([2])
الصفحة 52 ـ 65.
([3])
الوسائل 18 : 4 ، الباب 1 من صفات القاضي ، ح 5 .
([4])
الوسائل 18، الباب 3 من كيفية الحكم، ح 1.
([5])
رسالة الاثبات لاحمد نشأت 1: 70 ـ 71.
([6])
البقرة: 282.
([7])
الوسائل 18: 275، الباب 30 من الشهادات، ح 6.
([8])
البقرة: 106.
([9])
الطلاق: 2.
([10])
المائدة: 106.
([11])
البقرة: 282.
([12])
الوسائل 18: 171، الباب 3 من كيفية الحكم، ح 6.
([13])
الوسائل 18: 285، الباب 29 من الشهادات، ح1.
([14])
مباني تكملة المنهاج 1: 90.
([15])
الطلاق: 2.
([16])
الوسائل 18: 276، الباب 31 من الشهادات، ح 3.
([17])
الوسائل 18: 262، الباب 24 من الشهادات، ح 17.
([18])
البقرة: 282.
([19])
الوسائل 12: 272، الباب 29 من أحكام الاجارة، ح 5.
([20])
راجع في ذلك كله الوسائل 18، الباب 12 من كيفية
الحكم.
([21])
مستدرك الوسائل 3: 199، الباب 10 من كيفية الحكم،
ح 1.
([22])
الوسائل 18: 176، الباب 7 من كيفية الحكم، ح 1.
([23])
الوسائل 18: 167، الباب 1 من كيفيّة الحكم، ح 1.
([24])
الوسائل 18: 216، الباب 26 من كيفيّة الحكم، ح 1.