دراسـات
* عزالدين سليم
(العراق )
حياة الائمة(عليهم السلام)
بين ابحاث العقيدة ودراسات السيرة
(القسم الثاني)
4 ـ أسماء الائمة من خلال النصوص
الشريفة
ولم يكتف رسول اللّه(صلى الله عليهوآله) بذكر أوصيائه أئمة الهدى بعده بصيغة
إجمالية ، وإنما أتم الحجة على الامة بذكر
أسمائهم صراحة في مناسبة وأخرى ، وفي
الاحاديث القدسية وأحاديث النبي(صلى الله
عليه وآله)نصوص صريحة كثيرة ، تصرّح بأسماء
الاوصياء بعد النبي(صلى الله عليه وآله)أجمعين
نورد منها ما يلي :
1 ـ أخبرني أبو المفضل محمد بن عبد
اللّه بن المطلب الشيباني بأسناده إلى مجاهد
إلى ابن عباس (والحديث طويل نأخذ منه موضع
الحاجة) . قال يهودي في حوار له مع رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) : «فأخبرني عن وصيك من هو ؟ فما
من نبي إلاّ وله وصي ، وإن نبينا موسى بن عمران
أوصى إلى يوشع بن نون .
فقال(صلى الله عليه وآله) : إن وصيي
والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب وبعده سبطاي
: الحسن والحسين ، تتلوهم تسعة من صلب الحسين ،
أئمة أبرار .
قال : يا محمد فسمهم لي .
قال(صلى الله عليه وآله) : إذا مضى
الحسين فابنه علي ، فإذا مضى فابنه محمد ،
فإذا مضى فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه
موسى ، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي
فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه علي ، فإذا
مضى علي فابنه الحسن ، فإذا مضى الحسن فبعده
ابنه الحجة بن الحسن بن علي ، فهذه اثنا عشر
إماماً عدد نقباء بني إسرائيل»( [1] )
.
2 ـ حدث الشيخ أبو القاسم علي بن محمد
بن علي الخزاز الرازي بأسناده إلى النبي(صلى
الله عليه وآله) عن عبد اللّه بن العباس قال : «دخلت
على النبي(صلى الله عليه وآله) والحسن على
عاتقه والحسين على فخذه يلثمهما ويقبلهما
ويقول : اللّهم والِ من والاهما وعادِ من
عاداهما ، ثم قال : يا ابن عباس ، كأني به وقد
خضبت شيبته من دمه يدعو فلا يجاب ويستنصر فلا
يُنصر .
قلت : فمن يفعل يا رسول اللّه ؟
قال : شرار أمتي ، مالهم لا أنالهم
اللّه شفاعتي ، ثم قال : يا ابن عباس ، من زاره
عارفاً بحقه كتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة ،
ألا ومن زاره فكأنما زارني ، ومن زارني فكأنما
زار اللّه ، وحق الزائر على اللّه أن لا يعذبه
بالنار ، ألا وإن الاجابة تحت قبته ، والشفاء
في تربته والائمة من ولده .
قلت : يا رسول اللّه ، فكم الائمة بعدك
؟
قال : بعدد حواري عيسى ، وأسباط موسى ،
ونقباء بني إسرائيل .
قلت : يا رسول اللّه ، فكم كانوا ؟
قال : كانوا اثني عشر ، أولهم علي بن
أبي طالب ، وبعده سبطاي الحسن والحسين ، فإذا
انقضى الحسين فابنه علي ، فإذا انقضى علي
فابنه محمد ، فإذا انقضى محمد فابنه جعفر ،
فإذا انقضى جعفر فابنه موسى ، فإذا انقضى موسى
فابنه علي ، فإذا انقضى علي فابنه محمد ، فإذا
انقضى محمد فابنه علي ، فإذا انقضى علي فابنه
الحسن ، فإذا انقضى الحسن فابنه الحجة .
قال ابن عباس : فقلت : يا رسول اللّه ،
أسامي لم أسمع بهن قط ، قال لي : يا ابن عباس ،
هم الائمة بعدي ، وإن قهروا ، اُمناء معصومون
، نجباء ، أخيار ، يا ابن عباس ، من أتى يوم
القيامة عارفاً بحقهم أخذت بيده ، فأدخلته
الجنة ، يا ابن عباس ، من أنكرهم أو ردّ واحداً
منهم ، فكأنما قد أنكرني ، وردني ، ومن أنكرني
، وردني ، فكأنما أنكر اللّه ، ورده .
يا ابن عباس ، سوف يأخذ الناس يميناً
وشمالاً ، فإذا كان كذلك فاتبع علياً وحزبه ،
فإنه مع الحق والحق معه ، ولا يفترقان حتى
يردا عليّ الحوض ، يا ابن عباس ، ولايتهم
ولايتي ، وولايتي ولاية اللّه ، وحربهم حربي
وحربي حرب اللّه ، وسلمهم سلمي وسلمي سلم
اللّه .
ثم قال(صلى الله عليه وآله) : (يريدون
ليطفئوا نور اللّه بأفواهم ويأبى اللّه إلاّ
أن يتم نوره ولو كره الكافرون)»( [2] )
.
3 ـ عن واثلة بن الاصقع بن قرحاب عن
جابر بن عبد اللّه الانصاري قال : «دخل جندل بن
جنادة بن جبير اليهودي على رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله)(الحديث طويل نأخذ منه موضع
الحاجة) ثم قال : أخبرني يا رسول اللّه
عن أوصيائك من بعدك لاتمسك بهم ، قال : أوصيائي الاثنا عشر » ؟
قال جندل : هكذا وجدناهم في التوراة ،
وقال : يارسول اللّه ، سمِّهم لي فقال : أولهم
سيد الاصياء أبو الائمة علي ، ثم ابناه الحسن
والحسين فاستمسك بهم ولا يغرنك جهل الجاهلين
، فإذا ولد علي بن الحسين زين العابدين يقضي
اللّه عليك ، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة
لبن تشربه» فقال جندل : وجدنا في التوراة وفي
كتب الانبياء(عليهم السلام) إيليا وشبراً
وشبيراً فهذه اسم علي والحسن والحسين ، فمن
بعد الحسين وما أساميهم ؟ قال : «إذا انقضت مدة
الحسين فالامام ابنه علي ويلقب بزين العابدين
، فبعده ابنه محمد يلقب بالباقر ، فبعده ابنه
جعفر يدعى الصادق ، فبعده ابنه موسى يدعى
بالكاظم ، فبعده ابنه علي يدعى بالرضا ، فبعده
ابنه محمد يدعى بالتقي والزكي ، فبعده ابنه
علي يدعى بالنقي والهادي ، فبعده ابنه الحسن
يدعى بالعسكري ، فبعده ابنه محمد يدعى
بالمهدي والقائم والحجة ، فيغيب ، ثم يخرج ،
فإذا خرج يملا الارض قسطاً ، وعدلاً كما ملئت
جوراً وظلماً ، طوبى للصابرين في غيبته ، طوبى
للمقيمين على محبتهم ، اُولئك الذين وصفهم
اللّه في كتابه ، وقال : (هدىً للمتقين * الذين
يؤمنون بالغيب) ثم قال تعالى : (اُولئك حزب
اللّه ألا إن حزب اللّه هم الغالبون) فقال
جندل : الحمد للّه الذي وفقني لمعرفتهم»( [3] )
.
4 ـ أخرج الموفق بن أحمد المكي الحنفي
أخطب خوارزم بأسناده ، قال رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) : «أنا واردكم على الحوض ،
وأنت يا علي الساقي ، والحسن الذائد والحسين
الامر ، وعلي بن الحسين الفارط ، ومحمد بن علي
الناشر ، وجعفر بن محمد السائق ، وموسى بن
جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع
المنافقين ، وعلي بن موسى مزين المؤمنين ،
ومحمد بن علي منزل أهل الجنة درجاتهم ، وعلي
بن محمد خطيب شيعته ومزوّجهم الحور العين ،
والحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به ،
والمهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن
اللّه إلاّ لمن يشاء ويرضى»( [4] )
.
5 ـ روى الحر العاملي بأسناده ،
والكليني في الكافي والشيخ الصدوق في عيون
الاخبار والشيخ الطوسي في مجالسه ، وغيرهم ما
يلي ، واللفظ للكليني الرازي محمد بن يعقوب(رحمه
الله) بسنده عن أبي عبد اللّه الصادق(عليه
السلام) قال : «قال أبي لجابر بن عبد اللّه
الانصاري : إن لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن
أخلو بك اسألك عنها ؟ قال له جابر : أي الاوقات
أحببت ، فخلا به في بعض الايام ، فقال له : يا
جابر ، أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد اُمي
فاطمة بنت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ،
وما أخبرتك به اُمي أنه في ذلك اللوح مكتوب ،
فقال جابر : أشهد باللّه أني دخلت على اُمك
فاطمة بنت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ،
فهنيتها بولادة الحسين(عليه السلام) ، ورأيت
في يدها لوحاً أخضر ظننت أنه من زمرد ، ورأيت
فيه كتاباً أبيض شبه نور الشمس ، فقلت : بأبي
وأمي يابنت رسول اللّه ما هذا اللوح ؟ فقالت :
هذا اللوح أهداه اللّه إلى رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) ، وفيه اسم أبي واسم بعلي واسم
ابني واسم الاوصياء من ولدي ، وأعطانيه أبي
ليبشرني بذلك . قال جابر : فأعطتنيه اُمك فاطمة
، فقرأته واستنسخته ، فقال له أبي : فهل لك يا
جابر أن تعرضه عليّ ؟ فمشى معه أبي إلى منزل
جابر ، فأخرج صحيفة من رق ، فقال : ياجابر ،
انظر في كتابك ، لاقرأ عليك ، فنظر جابر في
نسخته فقرأه أبي ، فما خالف حرف حرفاً ، فقال
جابر : أشهد أني هكذا رأيته في اللوح مكتوب :
بسم اللّه الرحمن الرحيم
هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم
لمحمد نبيه ، ونوره ، وسفيره ، وحجابه ،
ودليله ، نزل به الروح الامين من عند رب
العالمين : عظّم يا محمد أسمائي ، واشكر
نعمائي ، ولا تجحد آلائي ، إني أنا اللّه لا
إله إلاّ أنا قاصم الجبارين ، ومديل
المظلومين ، وديان الدين ، إني أنا اللّه لا
إله إلاّ أنا ، فمن رجا غير فضلي ، أو خاف غير
عدلي عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من
العالمين ، فإياي فأعبد ، وعليَّ فتوكل ، إني
لم أبعث نبياً ، فأكملت أيامه ، وانقضت مدته
إلاّ جعلت له وصياً ، فضلتك على الانبياء
وفضلت وصيك على الاوصياء وأكرمتك بشبليك
وسبطيك حسن وحسين ، فجعلت حسناً معدن علمي بعد
انقضاء مدة أبيه ، وجعلت حسيناً خازن وحيي
وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة ، فهو
أفضل من استشهد ، وأرفع الشهداء درجة ، جعلت
كلمتي التامة معه ، وحجتي البالغة عنده ،
بعترته أثيب وأعاقب ، أولهم علي سيد العابدين
وزين أوليائي الماضين ، وابنه شبه جده
المحمود ، محمد الباقر علمي والمعدن لحكمتي ،
سيهلك المرتابون في جعفر ، الراد عليه كالراد
عليَّ ، حق القول مني لاكرمنَّ مثوى جعفر ،
ولاسرنَّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه ،
انتجبت بعده موسى ، واُتيحت بعده فتنة عمياء
حندس ، لان خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى ،
وإن أوليائي يسقون بالكأس الاوفى ، من جحد
واحداً منهم فقد جحد نعمتي ، ومن غيّر آية من
كتابي فقد افترى عليَّ ، ويل للمفترين
الجاحدين عند انقضاء مدة موسى ، عبدي وحبيبي
وخيرتي في علي وليي وناصري ، ومن أضع عليه
أعباء النبوة وأمتحنه بالاضطلاع بها ، يقتله
عفريت مستكبر ، يدفن في المدينة التي بناها
العبد الصالح( [5] )
إلى جنب شر خلقي ، حق القول مني لاسرنه بمحمد
ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه ، فهو معدن
علمي وموضع سري وحجتي على خلقي ، لا يؤمن عبد
به إلاّ جعلت الجنة مثواه ، وشفّعته في سبعين
من أهل بيته ، كلهم قد استوجبوا النار ، وأختم
بالسعادة لابنه علي وليي وناصري ، والشاهد
على خلقي واميني على وحيي ، اُخرج منه الداعي
إلى سبيلي ، والخازن لعلمي الحسن ، واُكمل ذلك
بابنه «م ح م د» رحمة للعالمين ، عليه كمال
موسى ، وبهاء عيسى وصبر أيوب ، فيذل أوليائي
في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس
الترك والديلم ، فيقتلون ، ويحرقون ، ويكونون
خائفين مرعوبين وجلين ، تصبغ الارض بدمائهم ،
ويفشو الويل والرنة في نسائهم ، اُولئك
أوليائي حقاً ، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس ،
وبهم أكشف الزلازل وأدفع الاصار والاغلال ،
اُولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واُولئك هم
المهتدون .
قال عبد الرحمن بن سالم : قال أبو بصير :
لو لم تسمع في دهرك ، إلاّ هذا الحديث لكفاك ،
فصنه إلاّ عن أهله»( [6] )
.
هذا ، ومن الجدير ذكره أنه رغم ادعاء
البعض أن بعضاً من هذه الاحاديث ضعيف سنداً ،
فإن صحة البعض الاخر وسلامته متناً وسنداً ،
وكثرة هذه الاحاديث وروايتها بأسانيد شتى ،
يقوي بعضها بعضاً ولا يخدش في متانة حجتها على
العباد أبداً ، وهذا منطق علماء الرواية .
ومن المناسب هنا أن نذكر أسماء أوصياء
النبي الخاتم(صلى الله عليه وآله) واحداً بعد
الاخر :
1 ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن
عبد المطلب الهاشمي القرشي .
2 ـ سبط النبي الحسن بن علي بن أبي طالب
.
3 ـ سبط النبي الحسين بن علي بن أبي
طالب .
4 ـ علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
الملقب بزين العابدين .
5 ـ محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب الملقب بالباقر.
6 ـ جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب الملقب بالصادق .
7 ـ موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بالكاظم .
8 ـ علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي
بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بالرضا .
9 ـ محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد
بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب
بالجواد .
10 ـ علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر
بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
الملقب بالهادي .
11 ـ الحسن بن علي بن محمد بن علي بن
موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي
بن أبي طالب الملقب بالعسكري .
12 ـ محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن
علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب الملقب بالمهدي وهو إمام
وقتنا هذا .
5 ـ أدلة تنزيلية صريحة بولاية العترة
الطاهرة بعد النبي(صلى الله عليه وآله)
ولاهمية الدور الذي ينهض به أئمة الحقبعد النبي(صلى الله عليه وآله) ، فقد أخذ رب
العالمين جلّ وعلا على نفسه أن يبلغ المسلمين
بأسمائهم وفق خطة تعليمية عالية ، ترتفع إلى
مستوى إدراكها القلوب الذكية .
وقد اهتم القرآن الكريم باسلوبه
المميّز بتكريس هذه الحقيقة في عدد من آياته
المباركة ، كما اهتم الحديث القدسي وحديث
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ـ مبلغ عن
اللّه عزوجل ـ بذلك .
ولنأخذ واحدة من الايات الكريمة التي
تعمق خط الامامة بعد النبي الخاتم(صلى الله
عليه وآله) :
قال اللّه تعالى شأنه : (إنما وليكم
اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتولَّ
اللّه ورسوله والذين آمنوا فان حزب اللّه هم
الغالبون)( [7] )
.
فقد نزلت هذه الاية الكريمة المؤكدة
أن الذين يلون أمر الناس ، ويتصرفون بشؤونهم
دون سواهم هم : اللّه جل جلاله الذي بيده الخلق
والامر ، ثم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ،
ثم علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، وحزب اللّه
من البشر هم الواقفون تحت رايته دون سواهم ،
وهم الذين يتولون اللّه ورسوله وعلي بن ابي
طالب .
بقي أن تتوضح مسألتان اثنتان هما :
أ ـ ما الدليل على أن المراد بالذين
آمنوا هو علي(عليه السلام) ، مع أن اللفظة تفيد
الجمع ظاهراً ؟
ب ـ وما الدليل على أن المراد بالولي
هنا هو الذي يلي أمر الناس ، ويتصرف في شؤونهم
دون غيره ، مع أن لفظ الولي لفظ مشترك يحتمل
عدة معان ؟
وحول المسألة الاُولى : نقول : إن نزول
الاية في علي بن ابي طالب(عليه السلام) أمر
مفروغ منه ، فقد أجمع المفسرون على أن سائلاً
دخل مسجد النبي(صلى الله عليه وآله) ، يسأل
المسلمين سدَّ فاقته ، فأشار علي(عليه السلام)
إلى إصبعه وهو في حالة ركوع ، فانتزع السائل
خاتم علي(عليه السلام) من إصبعه ، وهكذا تصدق
الامام(عليه السلام) وهو راكع ، فنزلت آية
الولاية( [8] )
.
على أن الحادثة المذكورة تحمل معها
تفصيلات تباين المفسرون والمؤرخون في نقلها
نذكر منها ما يلي :
أخرج الامام أبو اسحق أحمد بن محمد بن
إبراهيم النيسابوري الثعلبي ، المتوفى عام 337
هـ في تفسيره الكبير ، عند تفسير هذه الاية
بأسناده ، إلى أبي ذر الغفاري(رحمه الله) ما
يلي :
قال : «سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) بهاتين وإلاّ صُمّتا ، ورأيته بهاتين
وإلاّ عميتا ، يقول : علي قائد البررة وقاتل
الكفرة ، منصور من نصره، مخذول من خذله ، أما
إني صليت مع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
ذات يوم ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطِه
أحد شيئاً ، وكان علي راكعاً فأومأ بخنصره
إليه ، وكان يتختم بها ، فأقبل السائل حتى أخذ
الخاتم من خنصره ، فتضرع النبي(صلى الله عليه
وآله) إلى اللّه عزوجل يدعوه فقال : اللّهم إن
أخي موسى سألك (قال ربِّ اشرح لي صدري * ويسّر
لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي *
واجعل لي وزيراً من أهلي * هارون أخي * اشدد به
أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيراً *
ونذكرك كثيراً * إنك كنت بنا بصيراً) فأوحيت
إليه (قد اُوتيتَ سؤلك يا موسى) اللّهم وإني
عبدك ونبيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري ،
واجعل لي وزيراً من أهلي ، علياً اشدد به ظهري
. قال أبو ذر : فو اللّه ما استتم رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله)الكلمة حتى هبط عليه الامين
جبرائيل بهذه الاية (إنما وليكم اللّه ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون * ومن يتولَّ اللّه ورسوله
والذين آمنوا فإن حزب اللّه هم الغالبون)( [9] )
.
أما ما اُشكل حول لفظ (الذين آمنوا)
بأنها تطلق على الجمع ، فإن اللغة العربية قد
ألفت هذا اللون من الاطلاق ، فكثيراً ما يطلق
لفظ الجمع ويراد به المفرد ، تعظيماً لشأن
المفرد المذكور ، أو تهويلاً لفعله، وفي
الكتاب العزيز مصاديق كثيرة لهذه الحالة نذكر
منها :
قال تعالى : (الذين قال لهم الناس إن
الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً
وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل)( [10] )
.
فبإجماع المفسرين أن القائل هو نعيم
بن مسعود الاشجعي دون غيره ، فأطلق اللّه
عزوجل عليه لفظ الناس مع أنه رجل واحد( [11] )
.
وقال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا
اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قوم أن يبسطوا
إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم ...)( [12] )
.
وكان الذي بسط يده ليفتك بالنبي(صلى
الله عليه وآله) رجلاً واحداً( [13] )
.
وفي آية المباهلة ما يفيد هذا المعنى :
(.. قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا
ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة
اللّه على الكاذبين)( [14] ).
فقد عبر القرآن بلفظ الجمع عن النساء ،
مع أن الحاضر من النساء في مباهلة النبي(صلى
الله عليه وآله) للنصارى ، كانت فاطمة بنت
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) دون سواها( [15] )
.
ب ـ أما كون لفظ الولي مشتركاً فهو
صحيح من حيث المبدأ ، حيث ترد كلمة الولي
بمعنى : المحب ، والصديق ، والنصير ، والحليف ،
والاَولى بالتصرف ، كالحاكم الشرعي ، وولي
القاصر ، وولي المرأة ، وغير ذلك ، إلاّ أن
القرائن تفيد أن لفظ الولي في آية الولاية ليس
المحب ولا النصير ولا الصديق ، ولا أمثال ذلك
، وإنما قصدت الاية من الولاية التي حصرتها
للّه تعالى ، ولرسوله(صلى الله عليه وآله) ،
ولعلي(عليه السلام) دون سواهم هي ولاية شؤون
المسلمين والتصرف بأمورهم وليس سوى ذلك( [16] )
.
فإن النصرة والمحبة والصداقة غير
مقصورة على أحد من المؤمنين والمسلمين دون
أحد ، يقول تعالى متحدثاً عن ولاية المؤمنين
بعضهم لبعض ، وهي ولاية المحبة والنصرة : (المؤمنون
والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر..)( [17] )
.
ولذا فإنه بعد تقرير اللّه تعالى
لحالة المودة والنصرة ، بين عموم المؤمنين في
آياته وتعليماته ، فليس من المعقول أن نفسر
آية الولاية بهذا المعنى ، لاسيما وإن مطلع
الاية قد ارتبط بأداة الحصر (إنما) ، مما يجعل
من غير المناسب في منهج القرآن الكريم ـ وهو
معجزة بيانية ـ أن يستعمل أداة الحصر ثم يقصد
شيئاً بعد إيرادها قد شاءه لعموم المسلمين .
إن مجرد الاحتمال من هذا القبيل يسيء
لبلاغة القرآن الكريم ومقاصده الرسالية معاً
.
هذا ومن الجدير ذكره أن بعض الاحاديث
الشريفة التي حملت لفظ (الولي) تؤكد ما ذهبنا
إليه :
فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن
سعيد بن جبير عن بريدة قال : «غزوت مع علي
اليمن ، فرأيت منه جفوة ، فلما قدمت على رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) ذكرت علياً فتنقصته
، فرأيت وجه رسول اللّه يتغير ، فقال : يا
بريدة ، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قلت :
بلى يا رسول اللّه ، قال : من كنت مولاه فعلي
مولاه»( [18] )
.
وهناك كثير من الاحاديث الشريفة تباشر
هذه العملية المباركة .
6 ـ كيف يتلقى الائمة العلم الالهي ؟
الائمة من آل محمد(صلى الله عليه وآله)، ورثة النبي(صلى الله عليه وآله) في علومه
ومعارفه ، وحملة سره وأهدافه ، وقد أشار رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) إلى هذه الحقيقة ،
من خلال جملة من أحاديثه الشريفة :
«أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن
أراد العلم فليأته من بابه»( [19] )
.
«قسمت الحكمة عشرة أجزاء ، فاُعطي علي
تسعة أجزاء ، والناس جزءاً واحداً ، وهو أعلم
بالعشر الباقي»( [20] )
.
وهذه المعرفة الربانية المميّزة ،
التي حملها الائمة من أهل البيت(عليهم السلام)
يفرضها حجم المسؤولية التاريخية ، التي ينهض
الائمة(عليهم السلام)بعد النبي(صلى الله عليه
وآله) بها في الامة والرسالة ، وقد أشرنا إلى
أبعاد هذه المهام الرسالية في بداية الحديث
عن مهمة الامام(عليه السلام) .
فإذا قدر أنهم لم يحملوا ما حمله النبي(صلى
الله عليه وآله) من معارف ربانية شاملة ، لا
يتسنى لهم أن ينهضوا بأعباء الخلافة له(صلى
الله عليه وآله) في أبعادها الحقيقية.
ومن أجل هذا وذلك ، فإن الائمة(عليهم
السلام) كشفوا عن مصادر المعرفة التي اُتيحت
لهم بإذن اللّه تعالى ومشيئته ، فأوضحوا أن
لعلومهم مصدرين اثنين :
أ ـ الوراثة المباشرة عن النبي(صلى
الله عليه وآله) ، حيث ورثوا علماً مكتوباً
بإملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ، وخط
علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، فقد تحدث
الامام أبو عبد اللّه الصادق(عليه السلام) ،
وهو سادس أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ، حول
هذا الموضوع ، فقد أخرج الكليني(رحمه الله)
بأسناده عن أبي بصير(رحمه الله) قال : «دخلت
على أبي عبد اللّه(عليه السلام) فقلت له : جعلت
فداك ، إني اسألك عن مسألة . ها هنا أحد يسمع
كلامي ؟ قال : فرفع أبو عبد اللّه(عليه السلام)
ستراً بينه وبين بيت آخر ، فأطلع فيه ثم قال :
يا أبا محمد ، سلْ عمّا بدا لك . قال : قلت : جعلت
فداك ، إن شيعتك يتحدثون أن رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) ، علَّم علياً(عليه السلام)
باباً يفتح له منه ألف باب ، قال : فقال : يا أبا
محمد ، علَّم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
علياً(عليه السلام) ألف باب ، يفتح من كل باب
ألف باب . قلت : هذا واللّه العلم ، قال: فنكت
ساعة في الارض ثم قال : إنه لعلم وما هو بذاك .
قال : ثم قال : يا أبا محمد ، وإن عندنا الجامعة
، وما يدريهم ما الجامعة ؟ قال : قلت : جعلت
فداك، وما الجامعة ؟ قال : صحيفة طولها سبعون
ذراعاً بذراع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
، وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه ، فيها كل
حلال وحرام ، وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى
الارش في الخدش ، وضرب بيده إليّ فقال : تأذن
لي يا أبا محمد ؟ قال : قلت : جعلت فداك ، إنما
أنا لك فاصنع ما شئت ، قال : فغمزني بيده وقال :
حتى أرش هذا ـ كأنه مغضب ـ قال : قلت هذا واللّه
العلم»( [21] )
.
ب ـ الالهام الالهي : أما العلوم
المستجدة ، فإن الائمة من أهل البيت(عليهم
السلام) يلهمونها إلهاماً ، ولا نبي بعد محمد(صلى
الله عليه وآله) ، وقد تحدثوا عن هذه الظاهرة
مراراً ، فقال الامام السابع موسى بن جعفر
الكاظم(عليه السلام) : «مبلغ علمنا على ثلاثة
وجوه : ماض وغابر وحادث ، فأما الماضي فمفسر ،
وأما الغابر فمزبور ، وأما الحادث فقذف في
القلوب ، ونقر في الاسماع ، وهو أفضل علمنا ،
ولا نبي بعد نبينا»( [22] )
.
وسئل أبو عبد اللّه جعفر بن محمد
الصادق(عليه السلام) : «أخبرني عن علم عالمكم ؟
قال : قلت : إنا نتحدث أنه يقذف في قلوبكم ،
وينكت في آذانكم ، قال : أو ذاك»( [23] ) .
وروى الكليني عن أبي جعفر محمد بن علي
الباقر(عليه السلام) قال : «سألته عن علم
العالم ، فقال لي : يا جابر ، إن في الانبياء
والاوصياء خمسة أرواح : روح القدس ، وروح
الايمان ، وروح الحياة ، وروح القوة ، وروح
الشهوة ، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت
العرش إلى ما تحت الثرى ، ثم قال : يا جابر، إن
هذه الاربعة أرواح يصيبها الحَدَثان ، إلاّ
روح القدس ، فإنها لا تلهو ولا تلعب»( [24] )
.
7 ـ المسؤولية تجاه الائمة(عليهم
السلام)
لم تكتف التعاليم الالهية بإيضاح موقعالائمة من آل البيت(عليهم السلام) ، في إطار
هذا الدين الالهي الخاتم ، وإنما حددت
مكانتهم ، ومسؤولية الاُمة عبر التاريخ
تجاههم في آن واحد . وقد جاء تحديد المسؤولية
الرسالية تجاه الائمة(عليهم السلام) ، من خلال
توجيهات واوامر إلهية أو رسولية ، وردت في
مناسبات مختلفة وفي صور واُطر متعددة ، نذكر
منها ما يلي أمثلةً لا للحصر :
1 ـ آية الولاية: (إنما وليكم اللّه
ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون)( [25] )
.
فقد ذكرنا في الصفحات السابقة ، أن هذه
الاية المباركة إنما حصرت ولاية أمر الناس
باللّه ورسوله وعلي بن أبي طالب دون سواهم ،
وقد ألقينا الضوء على عوامل استخدام القرآن
الكريم للفظة «الذين آمنوا» وما يشابهها من
ألفاظ ، على أن بعضاً من العلماء من ذوي
البصائر ، قد رجّح أيضاً ان يكون استعمال لفظ
«الذين آمنوا» ، قد أراد اللّه عزوجل من خلاله
أن يوحي إلى القلوب الحية ، أن هناك عدداً من
الاولياء سيفرض اللّه تعالى طاعتهم بعد علي(عليه
السلام) ، وأنهم من صلبه المبارك صلوات اللّه
عليه ، وهكذا فإن آية الولاية بقدر ما ترسي
قواعد ولاية علي وأولاده(عليهم السلام) ، بعد
النبي(صلى الله عليه وآله) ، فإنها ترسي قواعد
وجوب التمسك بهم ، والخضوع لطاعتهم والانقياد
لهم .
2 ـ حديث الغدير : قال رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) : «من كنت مولاه فعلي مولاه..»( [26] )،
فهذا الحديث الصحيح الذي رواه جمهور المحدثين
والرواة ، من مختلف طبقات الامة على اختلاف
مشاربهم ، يكشف بوضوح أن من كان مولاه رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) ، في التشريع
والتنفيذ والهدى والسلوك ، فمولاه علي بن أبي
طالب(عليه السلام) في كل ذلك ، ومن كان مقتداه
الرسول(صلى الله عليه وآله) ، فإن علي بن أبي
طالب(عليه السلام) مقتداه بعده في الفكر
والعمل .
3 ـ حديث السفينة : قال رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) : «مثل أهل بيتي فيكم كمثل
سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق»( [27] )
.
4 ـ قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
: «علي مني وأنا منه ، ولا يؤدي عني إلاّ علي»( [28] ) .
هذا ومن الجدير ذكره أن القرآن الكريم
وكتب الحديث الشريف ، تنطوي على مئات النصوص
الكريمة التي تحدد المسؤولية الشرعية ، تجاه
الائمة من آل النبي(صلى الله عليه وآله) ،
كحديث الامان ، وحديث المؤاخاة ، وحديث مدينة
العلم ، وحديث حب علي(عليه السلام) ، وآية
اُولي الامر (أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول
واُولي الامر منكم) ، وآية (إنما أنت منذر ولكل
قوم هاد)وغيرها .
تقويم لمنهج دراسات حياة الائمة(عليهم
السلام)
إن هذه المحاور المركزية للمنهج الذييدرس الائمة ، من خلال البناء التحتي
لمواقعهم في دنيا الرسالة والاُمة ، هو الذي
يعكس واقع الامامة ، وحقيقة الائمة(عليهم
السلام) ، ومهامهم ، وأهدافهم ، ويحدد مسؤولية
الاُمة تجاههم عبر التاريخ .
على أن الملاحظ أن هذا المنهج لم يكن
شاملاً في استيعابه للمطلوب ، إذ لم يتناول
إلاّ النادر من الفضائل الظاهرية للائمة(عليهم
السلام) ، كما فعل الشيخ الكليني(رحمه الله)
الذي أشار إشارات عابرة إلى مصاديق من البعد
المعرفي عند الائمة(عليهم السلام) ، في أبواب
متعددة من الكافي( [29] )
، وكما فعل في إشاراته إلى ملبس الامام(عليه
السلام) ومطعمه إذا ولي الامر( [30] )
، فضلاً عن اهتماماته في مواليد الائمة(عليهم
السلام) ووفياتهم( [31] )
.
وقد اهتم الحر العاملي(رحمه الله) في «إثبات
الهداة بالنصوص والمعجزات» مثلاً بإبراز عدد
هائل من كرامات الائمة(عليهم السلام)ومعاجزهم( [32] )
، وقد فعل المحدثون من العلماء الاخرين ما
يشبه ذلك، كما فعل أبو جعفر محمد بن الحسن
الصفار في بصائر الدرجات ، والشيخ الصدوق في «كمال
الدين وتمام النعمة» ، والفيض الكاشاني في «علم
اليقين» ، وغيرهم .
صحيح أن «الفضائل الباطنية» ـ في
مصطلح علماء الاخلاق ـ هي التي تميز مكانة
الامام(عليه السلام) على غيره ، إلاّ أن
استعراض الفضائل الظاهرية للائمة(عليهم
السلام) إلى جانب الاُولى ، حاجة ضرورية
لدارسي السيرة وللباحثين عن القدوة ، إضافة
إلى أن السيرة العملية للائمة(عليهم السلام)
تشكل ثقافة شعبية يتأمل بها الناس ، ويلتمسون
حقائق التطبيق لمفاهيم الدين من خلالها ،
سواء أكانت في مجال التطبيق في حقل النشاط
الفردي ، أو في مجالات العلاقات الاجتماعية
وسواها .
وهكذا فإن المنهج الافضل لدراسة حياة
الائمة(عليهم السلام) ، أن تجري عملية تلفيقية
بين المنهجين ، ولقد حاول المرحوم السيد هاشم
البحراني (توفي عام 1109 هـ) أن يتبنى منهجاً
وسطاً بين المنهجين ، غير أنه لم يكن موفقاً
في مهمته بشكل تام ، وذلك في كتابه «حلية
الابرار» ولعل السيد ابن طاووس الحلي(رحمه
الله) (توفي عام 664 هـ) قد كان على هذا الطريق في
كتابه «الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف» ،
والاخيران تناولا موقع أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب(عليه السلام) دون سواه من الائمة(عليهم
السلام) .
على أن أفضل تلك المؤلفات كان كتاب
السيد هاشم البحراني(رحمه الله) ، لان منحاه
كان أقرب للجمع بين المنهجين ، لولا إيجازه
الشديد لمواضيع الفضائل الباطنية للائمة(عليهم
السلام) ، غير أن المرحوم الفقيه والمؤرخ
السيد محسن الامين العاملي(رحمه الله) ، وهو
من المعاصرين ، قد وفق توفيقاً منقطع النظير
في مشروع كتابته عن سيرة الامام علي(عليه
السلام)( [33] )
، فقط قطع العالم المذكور شوطاً بعيداً في
الجمع بين المنهجين اللذين تحدثنا عنهما ،
وخرج بمنهجية مناسبة لمقام أئمة أهل البيت(عليهم
السلام) ومكانتهم في دنيا الاسلام والمسلمين
، إلاّ أن طريقته لم تكن شاملة هي الاُخرى ،
وإن كان أفضل من كتب في هذا الباب من ناحية
التوفيق بين المنهجين .
هذا ويمكن أن يعلل ظهور المنهجين
المذكورين ، إلى أن أصحاب الاتجاه الاول قد
اهتموا بالسيرة العملية للائمة(عليهم السلام)
بالدرجة الاُولى ، فكانت مؤلفاتهم أقرب إلى
المناهج التاريخية ، أو الدراسات الرجالية
العادية .
وكان اتجاه أصحاب المنهج الاخر قد
انصب على إبراز القضية العقائدية ـ أي قضية
الامامة ـ دون غيرها ، أي إبراز موقع الامام(عليه
السلام)في الرسالة والمسؤولية تجاهه(عليه
السلام) من قبل الاُمة .
على أن المنهج الافضل لدراسة الائمة(عليهم
السلام) ـ كما ألمحنا ـ ومعرفة موقعهم من قبل
الاُمة ، والمسؤولية تجاههم هو الذي يحدد
مكانة كل إمام(عليه السلام) في الرسالة ،
وموقعه من خلال النصوص الصريحة ، إضافة إلى
سيرته العملية ، لان الدراسة السليمة للائمة
إذا لم تلاحظ هذا المنهج المتصور ستواجه
مشكلتين :
المشكلة الاولى : أن بعض حقائق سيرة
البعض من الائمة(عليهم السلام)لا يمكن
أن تدرك إلاّ بفهم الوضع التحتي لها ، كسيرة
الامام محمد بن علي الجواد(عليه السلام) ،
الذي آتاه اللّه الحكم صبياً ـ كما نعلم ـ
لاننا لا نستطيع أن ندرك أن نشاطاته العلمية
العظيمة ، مثلاً ، كانت ممكنة لصبي في سنه (ثماني
سنوات) إذا لم نفهم حقيقة الامام ، وواقع
الامامة التي آتاه اللّه تعالى إياها بعد
وفاة أبيه علي بن موسى الرضا(عليه السلام) .
والمشكلة الثانية : أن الاكتفاء
بالسيرة العملية لبعض الائمة(عليهم السلام) ـ
خصوصاً من واجهوا ظروفاً تاريخية قاسية ـ لا
تكشف موقعاً مميزاً للامام(عليه السلام) بين
الخلق ، ولذا نلاحظ أن الامام علي بن الحسين السجاد(عليه
السلام) نبه إلى جزء هام من هذه الحقيقة ، في
الحديث الذي أورده الشيخ الصدوق(رحمه الله)
مسنداً عن مولانا الكاظم(عليه السلام) عن أبيه
عن جده عن السجاد(عليه السلام) قال :
«الامام منّا لا يكون إلاّ معصوماً ،
وليست العصمة في ظاهر الخلق فيعرف بها ، ولذلك
لا يكون إلاّ منصوصاً ، فقيل له : يابن رسول
اللّه ، فما معنى المعصوم ؟ فقال : هو المعتصم
بحبل اللّه ، وحبل اللّه هو القرآن ، لا
يفترقان إلى يوم القيامة ، والامام يهدي إلى
القرآن ، والقرآن يهدي إلى الامام ، وذلك قول
اللّه عزوجل (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)( [34] )
.
وحيث إن المرحلة التي تعيشها الاُمة
اليوم وغداً تتطلب أن تعرف منابع الخير فيها ،
وأن تدرك المنهل الذي ترده ، لتكون مسيرة
الصحوة الاسلامية التي تهز العالم اليوم
صحيحة البناء ، سليمة الخط، لذا فإن مما ينبغي
أن يفعله المخلصون للحق أن يرشدوا الاُمة إلى
مصادر الخير والنور فيها بعد رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) ، وهم علي وأولاده الائمة
المعصومين(عليهم السلام) ، وهذا لا يتم إلاّ
بتبيان مواقع الائمة التي أهلهم اللّه تعالى
لها ، إضافة لسيرتهم العملية المطهرة ،
وباللّه التوفيق .
ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه العلي
العظيم
([1])
كفاية الاثر في النص على الائمة الاثني عشر
للشيخ ابي القاسم علي بن محمد الخزاز القمي
الرازي من علماء القرن الرابع ص 13 ـ 14 طـ قم،
كما رواه الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في
ينابيع المودة عن مجاهد عن ابن عباس ص 440 ـ 441.
([2])
كفاية الاثر للشيخ أبي القاسم علي بن محمد بن
علي الخزاز القمي الرازي من علماء القرن
الرابع ص 16 ـ 19. سورة التوبة: 32 .
([3])
ينابيع المودة للحافظ سليمان بن إبراهيم
القندوزي الحنفي (1220 ـ 1294 هـ) ص 442 ـ 443.
([4])
مقتل الحسين للخوارزمي أبو المؤيد الموفق بن
أحمد المكي أخطب خوارزم ت 568 ج 1 وج 2 ص 94 طـ قم،
وأورده السيد بن طاووس الحلي في طرائفه ص 174.
([5])
هو ذو القرنين لان طوس من بنائه كما صرح به في
رواية النعماني لهذا الخبر.
([6])
الاُصول من الكافي لثقة الاسلام أبي جعفر
محمد بن يعقوب الكليني الرازي 1:527 ـ 528، ورواه
الحر العاملي في الجواهر السنية : 201 ـ 204،
ورواه الشيخ الصدوق بأسناده في عيون أخبار
الرضا بطرق عديدة: 40 ـ 69، وغيرهم.
([7])
المائدة: 55 ـ 56.
([8])
تراجع المصادر التالية: صحيح النسائي، أبو
إسحاق الثعلبي في تفسيره، والبيضاوي في
تفسيره، والطبرسي في تفسيره، وأبو البركات
النسفي في تفسيره، والطبري في تفسيره،
والواحدي في أسباب النزول، والنيسابوري في
تفسيره، والشبلنجي في نور الابصار، وابن حجر
في صواعقه المحرقة، وأخطب خوارزم الموفق ابن
أحمد الحنفي في المناقب، وأعيان الشيعة
للسيد الامين ج2 ق 1 ص 130، والجمع بين الصحاح
الستة في تفسير سورة المائدة، والامام
القوشجي في مبحث الامامة من شرح التجريد،
وغيرهم.
([9])
المصدر المذكور نقلاً عن المراجعات للسيد
شرف الدين بأسناده: 161.
([10])
آل عمران: 173.
([11])
تفسير سيد شبر: 104، وبقية التفاسير.
([12])
المائدة : 11 .
([13])
تفسير مجمع البيان 6:169.
([14])
آل عمران : 61.
([15])
يراجع تفسير الزمخشري الكاشف 1: 368، كما يراجع
الفخر الرازي، وصحيح مسلم، ومسند أحمد،
وغيرهم.
([16])
بحث شيخ الطائفة المرحوم أبو جعفر محمد بن
الحسن الطوسي (رض) هذا الموضوع من الناحية
اللغوية، في ضوء آراء فقهاء اللغة، فليراجع
تلخيص الشافي 2:182 ـ 205.
([17])
التوبة : 71.
([18])
أخرجه الحاكم في المستدرك 3:110، والذهبي في
تلخيصه لصحيح مسلم، وصححاه على شرط مسلم،
وأخرجه ابن المغازلي الشافعي في مناقبه بعدة
طرق معتبرة : 16 ـ 26.
([19])
أخرجه الحاكم في مستدركه، وأخرجه السيوطي في
الجامع الصغير 1:364، وأخرجه ابن المغازلي
الشافعي في عدة طرق في مناقب علي بن أبي طالب(عليه
السلام): 80 ـ 85.
([20])
أخرجه التزمذي في صحيحه ، وأحمد بن حنبل في
مسنده ، والحاكم في المستدرك.
([21])
الاصول من الكافي لثقة الاسلام أبي جعفر
محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي(رض) ج
1 الطبعة الثالثة ص 239. الارش: الغرامة.
([22])
نفس المصدر السابق ص 264(الغابر: الاتي
والمزبور: المكتوب، القذف والنقر يعني
الالهام وحديث الملك).
([23])
نفس المصدر 1:264.(أو ذاك: يكون ذا ويكون ذاك).
([24])
اصول الكافي: 1:272.
([25])
آل عمران : 61.
([26])
مسند أحمد بن حنبل 1:119، ومجمع الزوائد
للهيثمي 9:11، والسيوطي في الدر المنثور 3:9،
وغيرها.
([27])
الحاكم النيسابوري في المستدرك على
الصحيحين 2:343، وقال حديث صحيح على شرط مسلم،
والهيثمي في مجمع الزوائد 9:171، والسيوطي في
إحياء الميت: 48 حديث 27، وابن حجر في الصواعق.
([28])
سنن ابن ماجة جـ 1 حديث 119(المقدمة)، ومسند
أحمد جـ 4:165 مثله، وابن حجر في الصواعق ص 88
باب9 فصل2 حديث 6.
([29])
المجلد الاول منه.
([30])
ن . م : 410.
([31])
انظر أبواب التاريخ منه : 439 ومابعدها.
([32])
أبواب المعاجز من الكتاب المذكور.
([33])
انظر كتابه القيم (في رحاب أئمة أهل البيت
عليهم السلام جـ 1 وجـ 2).
([34])
معاني الاخبار للشيخ الصدوق، باب معنى عصمة
الامام: 132، كما أورده الفيض الكاشاني في (علم
اليقين في اصول الدين) 1 : 377. الاسراء : 9.