شـبهة ورد - مرأة فی الجاهلیة و الإسلام (2) جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مرأة فی الجاهلیة و الإسلام (2) - جلد 1

محمد هادی الیوسفی الغروی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

شـبهة ورد

المرأة في الجاهلية والاسلام

( 2 )

* الشيخ محمد هادي اليوسفي


نشرت مجلة النهج التي تصدر في دمشق في
عددها الحادي والاربعين من السنة الحادية
عشرة ، مقالاً تحت عنوان المرأة في الجاهلية
وفي الاسلام ، لكاتبه هادي العلوي، تعرض فيه
إلى عدة مسائل تدور حول وضع المرأة في
الجاهلية وفي الاسلام ، ومن خلال المقارنة
بين الوضعين أثار الكاتب بعض الابهامات
والشبهات حول نظرة الاسلام للمرأة ، وأنها لا
تتمتع بحقوقها كاملة في ظل النظام الاسلامي ،
مبرزاً الجانب الايجابي لوضع المرأة في
الجاهلية ، وبعد أن دس الخطأ بالصواب وخلط
الغث بالسمين ، جاء بآراء وافكار لا تمت إلى
الاسلام بصلة ، جاهلاً أو متجاهلاً نظرة
الاسلام الشمولية والواقعية للكون والحياة ،
خصوصاً نظرته الواقعية وموقفه الرائع من
المرأة في كل ادوار حياتها ، وتشريعاته التي
رفعت من شأنها ، وأخذت بيدها كي تحتل موقعها
المناسب في المجتمع الاسلامي ، تلك التشريعات
التي فاقت ورجحت على جميع الانظمة السائدة
حتى يومنا هذا ، مما دفع المرأة الغربية
المعاصرة للاقبال على الاسلام واعتناقه ; لما
فيه من حفظ لكرامتها وحقوقها التي أهدرت في ظل
الانظمة الوضعية للحضارة الغربية .

ثم عرّج الكاتب على مدرسة اهل البيت(عليهم
السلام) ، وأثار مسائل وآراء تتعلق بالمرأة
نسبها إلى عقائد وفقه هذه المدرسة الاسلامية
الكبرى ، مجانباً في ذلك الحق والحقيقة ،
ومجافياً الواقع فيما ادعاه .

وبين يديك عزيزنا القارئ ، الجزء
الثاني من الرد السريع على اهم الاراء
والشبهات التي اوردها الكاتب في مقاله المشار
إليه .

التحرير

ارث المرأة في التشريع الاسلامي

إن مبدأ توريث المرأة كان خطوة كبيرة
للثورة الاسلامية الاولى الاُم ، في مجتمع
كان يفرض الحرمان التام على النساء ، فكانت
المرأة في الجاهلية محرومة منه ، إذ كان الذكر
هو الوارث الوحيد ، وإذا لم يكن بين الاولاد
ذكور ذهب الميراث إلى الاعمام ، كما أخرج مسلم
بن الحجّاج القشيري النيشابوري في الصحيح عن
عمر بن الخطاب قال : «واللّه إن كنا في
الجاهلية ما نعدّ للنساء أمراً ، حتى أنزل
اللّه فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم»( 1 )
، وذلك في أيام معركة اُحد ، حيث قتل الصحابي
سعد بن الربيع وخلّف بنتين ، فجاء عمّهما
واستولى على ميراثهما ولم يترك لهما شيئاً ،
فجاءت أمهما إلى النبي(صلى الله عليه وآله)
شاكية ، فاستمهلها إذ لم يكن مسبوقاً بشيء في
ذلك ، فعندئذ نزلت آية المواريث ، فدعا عمهما
وقال له : « أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأعط
أمهما الثمن ، وما بقي فلك » .

وكذا نرى المرأة الاوربية في العصور
الوسطى حتى عصر النهضة الصناعية الكبرى
محرومة من الارث عموماً ; ففي بريطانيا كان
يذهب جميع الموروث إلى الابن الاكبر ، فلم تكن
تُحرم منه البنات فقط ، بل حتى سائر البنين
غير الاكبر ، وعند الساميّين القدماء
والسومريّين أعطت شريعة اوراغو حق الارث
للبنت بشرطين : أن تكون وحيدة والدها ، وعازبة
بعد لم تتزوج . وفي شريعة حمورابي كذلك تحرم
منه المتزوّجة ، وإنما تورث العازبة ، بينما
حصص الميراث في الاسلام شاملة للاولاد جميعاً
بنات وبنين ، اعزاباً ومتزوجين ، إلاّ أن حصة
البنات من الميراث نصف حصة البنين .

وأما مسألة اعادة النظر في هذه الحصص ـ
مع تطور المجتمع الاسلامي ـ ليكون
الجنسان متساويين في ذلك ، فإنما يتوقعه
وينظره من لم ينظر في اصول الفقه في الاسلام ،
فلا يعرف ماهي أدلة الاحكام في الاسلام ، ولا
يعرف ما أجاب به اولياء الاسلام عن هذا
التساؤل القديم .

فقد روى الصدوق في علل الشرائع بسنده
عن هشام بن سالم عن الاحول قال : « قال لي ابن
أبي العوجاء : ما بال المرأة الضعيفة لها سهم
واحد وللرجل القوي الموسر سهمان ؟ قال الاحول
: فذكرت ذلك للصادق(عليه السلام) فقال: على
الرجال النفقة والعاقلة والجهاد ، وعدّ غيرها
وقال : وليس هذه عليها ، فلذلك جُعل له سهمان
ولها سهم » .

وروى فيه بسنده عن عبد اللّه بن سنان
قال : « قلت للصادق(عليه السلام) : لاي علة صار
الميراث للذكر مثل حظ الاثنين ؟ قال : لما جُعل
لها من الصداق » .

وروى فيه بسنده عن أخيه محمد بن سنان
أنه كتب إلى الرضا(عليه السلام)بمسائل ، فكتب
إليه فيما كتب من جواب مسائله : « علة إعطاء
النساء نصف ما يُعطى الرجال من الميراث ، لان
المرأة إذا تزوجت أخذت وأعطاها الرجل ، فلذلك
وُفّر عليه ، ولان الانثى في عيال الذكر إن
احتاجت فعليه أن يعولها وعليه نفقتها ، وليس
على المرأة أن تعول الرجل ، وإن احتاج فلا
تؤخذ هي بنفقته ، فلذلك وُفّر عليه »( 2 )
.

وفي دية المرأة ، وهي العوض المالي عن
قتلها خطأً ، انفرد بعض فقهاء القرن الاول
والثاني ، ومنهم ابو حنيفة ، بالفتوى
بتساويها مع الرجل ، واستند الجصّاص الحنفي
في ذلك إلى الحديث النبوي الشريف المتفق عليه
في خطبة حجة الوداع قال : « المسلمون تتكافأ
دماؤهم » ، وزاد مساواة الاحرار وسائر العباد
حتى من غير المسلمين ، بتعميم المسلمين على
الناس ، وهو سواء عند أبي حنيفة والشافعي( 3 )
، في حين حكم اكثر الفقهاء بأن ديتها نصف دية
الرجل ، والجاري على ألسنة العامة من الناس هو
أن الدية هي ثمن الدم ، وعليه فتنصيفها يعني
أن دم المرأة أرخص من دم الرجل بمقدار النصف
منه( 4 )
، ولنا أن نهمل ما يجري على ألسنة العوام من
الناس من أن الدية هي ثمن الدم ، لجريانه على
ألسنة العامة دعوى بلا دليل ، ولنا أن نسحب ما
أجاب به اولياء الاسلام من ائمة اهل البيت(عليهم
السلام) على السؤال عن مناصفة ارثها ، إلى هذه
المسألة عن مناصفة ديتها ، فالسؤال عن
المناصفة وهي جارية في البابين ، ولا فرق في
البين .

قيد مفتعل

أما المنع من السفر وهو قيد آخر لحرية
المرأة ، فان اتفق بعض فقهاء العصر العباسي
على عدم جواز سفر المرأة ثلاثة ايام إلى خارج
بلدها إلاّ مع محرمها ، وارتاب آخرون ألاّ
يكون هذا الحكم من الاسلام بل من اضافات
الفقهاء في العصر العباسي ، فإن آخرين من
فقهاء مذهب اهل البيت(عليهم السلام) لم
يرتابوا في ذلك ، جازمين بأنه من اضافات
الفقهاء في العصر العباسي ، وأما حكم الاسلام
في مذهب اهل البيت(عليهم السلام) فإنما هو
كراهية ذلك وليس حرمته ، ثم الكراهية إنما هو
فيما لم تضطر إليه عرفاً أو شرعاً ، كالحجّ
الواجب إلى بيت اللّه الحرام حجة الاسلام ،
أما ذلك فحتّى لو نهاها زوجها فإنه كما جاء في
الحديث النبوي الشريف : « لا طاعة لمخلوق في
معصية الخالق » .

أهليّة المرأة للولاية :

روى البخاري والترمذي والنسائي عن أبي
بكرة قال : « لما بلغ رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى
قال : لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة » ، وقال
الترمذي : هذا حديث صحيح ، ورواه أحمد في مسنده
: « لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى أمرأة
» ، ورواه الحراني في تحف العقول بهذا اللفظ ،
ورواه الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف في الفقه
مرسلاً : « لا يفلح قوم وليّتهم امرأة »( 5 )
، وقالوا : الولاية ثلاثة : الخلافة أو الرئاسة
، وإمامة الصلاة ، والقضاء . وجوّز ابو حنيفة
ولايتها للقضاء فيما تصح فيه شهادتها ،
وجوّزها الطبري مطلقاً ، كما جوّز هو وصاحبه
ابو ثور امامتها للصلاة كذلك ، وجوّزها
الشافعي للنساء ، ويقف الوفاق الفقهي على
الخلافة ، إذ يشترطون فيها الذكورة( 6 ) ، وفي الاستدلال
والاتفاق مجال للنظر .

الحجاب :

المعروف في عرف الاديان أن الانسان
الاول هو آدم ابو البشر ومعه زوجه الام حواء ،
والمعروف في عرف مذهب اهل البيت(عليهم السلام)
أن أولاد آدم تزاوجوا فيما بينهم إخوة واخوات
، وعليه فأولادهم محارمهم ، جدّ وجدّة وإخوة
وأخوات وأعمام وعمّات وأخوال وخالات ، ولعل
في هذا المقطع من التاريخ الديني ما يلتقي
بالتاريخ المادي الزاعم أن الناس كانوا
منكشفين للطبيعة بما فيهم المرأة في المعاشر
البدائية ، أما ماعدا المعاشر البدائية
فالزيّ المشترك المعتاد لنساء الشرق القديم
كان طويلاً فضفاضاً لا يتقسم على الجسد ،
وإنما يظهر منهن بعض السواعد والاقدام ،
عاطلة أو محلاّة بالحلي من الذهب والفضة
واللؤلؤ والعقيق وغيرها ، على النهج السائد
في نساء الشرق من الاحتشام بغطاء الشعر
التقليدي ، كالرجال أيضاً ، مع اختلاف أغطية
الرأس بين الشعوب نساءً ورجالاً ، ولعلّه بدأ
الحجاب مع وجود التناكر بين الارحام المحارم
مع تكاثر البشر من أبناء آدم(عليه السلام) ،
وتشترك فيه الاديان السماوية الثلاثة .

والعرب خاصة كانوا يتعمّمون ، و «العمائم
تيجان العرب» ، فعلى رؤوس رجالهم العمائم ،
وعلى رؤوس نسائهم الخُمرُ . وجاء في التاريخ
أن من السنن الحنيفية التي كانت لعبد المطلب
في دار الندوة ، أن البنت إذا بلغت مبلغ
النساء أتوا بها إليه فيلبسها الخمار . وقالوا
: وكان وجهها مكشوفاً ، وأحياناً تُسدل خمارها
على كتفيها فيظهر بعض صدرها . واستمرت المرأة
على هذا الزيّ بعد الاسلام حتى منتصف ما بعد
الهجرة ، ثم فرض الحجاب بغير زيادة كثيرة على
ما كان سوى ستر الصدر ، وزيادة الحشمة بعدم
اظهار مفاتن الجسد.

وقد فُرض الحجاب بآيتين : الاولى :
الاية التاسعة والخمسين من سورة الاحزاب
الخامسة نزولاً في اواخر السنة الخامسة
للهجرة ، والتسعون في النزول العام( 7 )
، ونصّها : (يا أيها النبيّ قل لازواجك وبناتك
ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ
ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذَين) ، وبناته
وأزواجه ونساء المؤمنين بمعنى أزواجهم حرائر
، والحرائر بفضل انتسابهن إلى العوائل كنّ
بطبيعة الحال اكثر خفراً وصوناً وحصانة ، أما
الجواري فلعدم انتسابهن إلى العوائل كنّ اكثر
انفلاتاً . وجاء في الروايات أن شباب المدينة
كانوا يلاحقونهن . وتأكيداً لهذا التفريق
كانت هناك أعراف وقوانين سابقة ـ كالقانون
الاشوري مثلاً ـ تلزم الحرائر عند خروجهن من
بيوتهن بحجاب لرؤسهن ، بينما تمنع الجواري من
ذلك . وإماء العرب في الجاهلية كن يكتفين
بالخمار للرأس والدراعة للصدر ، ولكنهن ـ كما
يفهم من الاية ـ كن يتطوّعن أحياناً للتحجّب
تشبّهاً بالحرائر ، فعدم اختلافهن في الزيّ
مع الحرائر عرّض الحرائر مع الجواري لتحرش
الشباب ، فاشتكت الحرائر ـ كما في التفاسير ـ
إلى أهليهن ، فنزلت الاية تأمرهن بحجاب إضافي
يميّزهن عن إمائهن كما صرحت الاية : (ذلك أدنى
أن يُعرفن فلا يؤذَين) ، وكانت وسيلة القرآن
إلى ذلك هي ادناء الجلابيب .

ولم يتفق اللغويون ـ ويتبعهم المفسرون
ـ في معنى الجلابيب ، ففسروه بالقناع والخمار
والملحفة ، وكأنها الثوب أوسع من الخمار ودون
الرداء ، أو الثوب الذي تلبسه المرأة فوق
ثيابها ، أو الثوب الواسع الذي يستر جميع
البدن من أعلاه إلى أسفله ، وعليه شاهد من قول
المتنبي ، واختاره القرطبي في تفسيره ، وهو
المعنى المعروف حتى اليوم بصيغة الجلابية ،
وهي ثوب فضفاض طويل تلبسه المرأة ـ بل الرجل ـ
في شتى البلدان العربية ، فمع هذا ليس الجلباب
عبارة عائمة غائمة ، بل هو شيء واضح محدّد
كعلامة تميّز الحرة عن الجارية ، وهو التعليل
الذي ذكرته الاية للامر بالجلابيب ، ليس في
الاية أمر بستر الوجه علامة تميّز الحرة عن
الجارية ، وإن أخذ به بعض الفقهاء والمفسرين ،
أو قل فقهاء المفسّرين ، مع بعض المفسرين
الروائيين، إذ رووا أن نساء المدينة حجبن
وجوههن بعد نزول هذه الاية من سورة النساء ،
وعليه اعتمد من تشدد في حجاب الوجه فيما سوى
الحج في حال الاحرام . والمتفق عليه هو أن
الجواري غير مشمولات بهذا الحكم في هذه الاية
بالحجاب الاضافي للحرائر بالجلابيب .

ويحتمل الاستنباط من حكم هذه الاية من
سورة الاحزاب ، أن الحجاب الاضافي فرض على
الحرائر للتحرز من فتنتهن للرجال ، إذ إنّ
مصدر أذيتهن تحرش الشباب بهنّ ، ولا شك في أن
منشأ ذلك التحرش هو فتنة النساء لهم ، فلولا
الفتنة لم يكن الاثارة والتحرش ، ولولاها لم
يحصل الاذى منهم لهن كما في الاية : (أن يُعرفن
فلا يؤذَين) بتحرش الشباب بهنّ ، فمصدر الفتنة
هي الحرائر في المقام الاول ; لانهن في الغالب
أجمل من الجواري ، وأقدر منهن على التلاعب
بعقول الرجال ، وليس العكس ، فليست الفتنة في
الاماء اكثر ـ خلافاً للمفسر الاندلسي أبي
حيان في البحر المحيط ـ اللّهم إلاّ
لانفلاتهن لعدم انتسابهن إلى عوائل ، كما مرّ
، لا لانهن أجمل للبعول وأقدر على اللعب
بالعقول ، كما قال ، ولا نقول ، وهو من نوع
اجتهاد العقول في موضع النص المنقول ، والذي
تضمنه التعليل الصريح للحكم بحصره في تمييز
الحرائر عن الجواري ، فالغرض هو درء الفتنة
الاكثر بالحرائر ، ولذلك تشدد هذا التشريع في
حجب الحرائر وتساهل في الجواري ، من دون أن
يكون الحكم متوقفاً على وجود الجواري ،
فالحكم في الاية غير موقوت بوجود الجواري
لتحجّب الحرائر ، فالحكم صدر عن المشرع
الاسلامي للتحرز من الاغراء غير مقيد بزمن
خاص ، بل بوضع خاص هو الاثارة والاغراء للرجال
بالنساء ، فالحكم في الاية لا يصطدم باعتبار
ابدية الاحكام الشرعية استناداً إلى الحديث
القائل : « حلال محمد حلال إلى يوم القيامة ،
وحرامه حرام إلى يوم القيامة »( 8 )
، والخطاب الالهي في الاية لم ينطلق من قرار
الهي بوجود الرق أبدياً ، كما اوهمه الواهم( 9 )
.

والاية الثانية في الحجاب هي الاية
الحادية والثلاثون من سورة النور ، الثالثة
بعد المئة نزولاً ، والسابعة عشر نزولاً
بالمدينة بعد الهجرة( 10 )
، أي بعد اكثر من عشر سور بعد سورة الاحزاب ،
والنازلة بعد سورة النصر النازلة في فتح مكة
في الثامنة للهجرة ، أي في أواخر عهد التشريع
قبل وفاة المبلغ الاول عن المشرع الاعظم ،
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بعامين
تقريباً ، وهي قوله سبحانه : (وقل للمؤمنات
يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهنّ ولا يُبدين
زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها وليضربن بخمُرهن
على جيوبهنّ) ، فهذه الاية أدت الامر بستر
الصدر بقولها : (وليضربن بخُمرهن على جيوبهنّ)
الخُمر : جمع خمار، والجيب ـ قديماً ـ هو الزيق
الذي يلى الصدر ، والمقصود اسدال الخمار الذي
يغطى الشعر على الصدر ليغطيه كذلك ، فهذه
الاية هي الاية الاصلية في الحجاب ، ففيها
تتعيّن حدوده غير المقيدة بوضع أو زمن ، فهي
صدرت عن المشرع الاسلامي للتحرّز من الاغراء
وخوف الفتنة ، وهو الاعتبار الذي راعته الاية
في نهيها عن التبرج وإبداء الزينة ، وأمرها
بستر الشعر والصدر، ولكنّها بدورها ايضاً لم
تضف الكثير على الزيّ الجاهلي سوى ستر الصدر،
وزيادة الحشمة بعدم اظهار مفاتن الاجساد
المثيرة والمغرية .

ومن الاية الستين في هذه السورة ايضاً
يستفاد أن هذا الحكم بهذا الحجاب خاص بالشباب
من النساء حتى سن معينة هي التي يكنّ فيها
قابلات للعلاقة الجنسية ، وهذا نص الاية : (والقواعد
من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فلا جُناح
عليهنّ أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن
يستعففن خير لهن) ، فالقواعد من النساء هن
اللواتي بلغن سن اليأس وما في حكمه مما يوقف
حاجة المرأة إلى الرجل ، وكذلك يجعلها من جهة
اخرى غير مثيرة لشهوته إليها ، واتفق الفقهاء
والمفسرون على أن الاية تنصّ على إعفاء هذه
الفئة من النساء من القيود التي فُرضت عليهن
في الاية السابقة ، فلا جناح ، أي لا اثم ولا
حرج ، في أن تخرج المرأة التي تعدت هذا السن
وقد وضعت ثيابها الواسعة الساترة ، بشرط ألاّ
تكون متبرجة بزينة ، فلو أسفرت عن وجهها وحسرت
عن بعض شعرها فلا جناح عليها ، وكذلك لا جناح
على الناظر إليها بغير ريبة شهوة وتلذذ ، وقد
فُرض انتفاؤه طبيعياً ايضاً .

حدود الاختلاط :

كانت خديجة بنت خويلد الاسدية القرشية
من وجوه مكة وتجارها وأبرز شخصيتها النسوية ،
وقد عاشت مع النبي(صلى الله عليه وآله) قبل
نبوته ورسالته خمسة عشر عاماً ، أي منذ كان
عمره خمسة وعشرين عاماً ، ولم يكن يبدو يومئذ
منه أي مظهر من مظاهر النبوة والرسالة ، مما
يجعل اعتبار أن عرضها زواجها عليه كان
لرغبتها في مشاركته في رسالته لا في تجارتها ،
مجرد افتراءات على الحقيقة والواقع التاريخي
بل الديني والعقائدي( 11 )
، وقد ظهرت بعد رسالته إلى جانبه أول مؤمنة به
وبرسالته .

وانخرط في الدعوة منذ البدايات نساء
غير خديجة أقل اهمية منها كنّ من الاماء
والجواري المستضعفات ، ولكنهنّ سجّلن امثلة
صبر ومقاومة نادرة في تاريخ النساء ، منهن أم
عمار بن ياسر سميّة ، التي قُتلت وهي صابرة في
التعذيب ، فكانت اُولى الشهيدات في الاسلام .

هذا في مكة ، وبعد الطور المكي ظهرت في
حياة السيرة نساء من طراز خديجة وسميّة ،
وبالوصف المقبول للصحابة يناهز عدد
الصحابيات أربعمئة من مجموع عشرة آلاف صحابي
، وهو عدد مرموق في قياس الدائرة النسوية ،
وكان لهنّ حضور مشهود في المسجد النبوي
الشريف . والقرآن الكريم لم يخصص الكلام
بالرجال فقال : (إني لا أُضيع عمل عامل منكم من
ذكر أو انثى)( 12 ) ، بل تعطف
الايات المؤمنات على المؤمنين فيما يقتضي ذلك
من المناسبات : (إن المسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات
والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات
والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات
والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم
والحافظات والذاكرين اللّه كثيراً والذاكرات
أعدّ اللّه لهم مغفرة وأجراً عظيماً)( 13 )
. ومنهنّ من اصطحب رسول اللّه في حملاته
الكبيرة ، كأم عمارة وأم منيع وأم عامر
الاشهلية وأم سليم الرُّميصاء وغيرهن .

ولم تُمنع المرأة في صدر الاسلام من
حضور المسجد والمساهمة في انشطته ، ولم
يقيَّد حضورهن بوقت الصلاة ، فقد كنّ يحضرن في
أي وقت ، ويشاركن في الكلام والمناقشات مع
الرجال ومع المتصدرين في المسجد من النبي ومن
وليه من الخلفاء بعده ، ولكن ليس من المألوف
أن تصلي المرأة والرجال يروحون ويجيئون من
حولها ، فوجدت أماكن مخصّصة لهن إذا أردن
الصلاة .

ونقل الزركلي في الاعلام أن ليلى بنت
عبد اللّه القرشية العدوية من بني عدي قوم عمر
بن الخطاب ، كانت تكتب في الجاهلية ، وأسلمت
قبل الهجرة فعلّمت الكتابة لحفصة بنت عمر ،
وأقطعها النبي داراً بالمدينة ، فلما توفي(صلى
الله عليه وآله) واستخلف عمر قرّبها إليه
وجعلها من مستشاريه ، وكلّفها الاشراف على
بعض شؤون الاسواق بالمدينة( 14 )
، ولعلها كانت من أسواق النساء أو شؤون النساء
فيها ، وكذلك كانت الصحابية الاخرى سمراء بنت
نهيك تتولى اُمور السوق ، فكانت تتجول فيها
وبيدها السوط لتأديب المخالفات . جاء ذلك فيما
كتبه المؤرخ السوري عمر رضا كحالة في أعلام
النساء ، الذي ضمّنه ما أمكنه استقصاؤه من
الشخصيات النسوية في العصر الاسلامي وما بعده
، ويقع في عدة مجلدات تعرض صورة واضحة عن دور
المرأة المسلمة في حياتها في صدر الاسلام وما
بعده .

وكتاب بلاغات النساء لاحمد بن طيفور
الخراساني البغدادي المتوفى في (280 هـ) ببغداد
في عصر المعتصم العباسي ، هو مصدر مهم لقدمه
في نشاط النساء في صدر الاسلام ، أورد فيه
نصوص الخطب النارية التي ألقتها اشهر
الخطيبات المحرّضات لمعسكر الامام امير
المؤمنين(عليه السلام) من النساء ، والامام
علي(عليه السلام) هو الذي استخدمهن لتأجيج
حمية مقاتليه في صفين ، وكان فيهن من تتفوق
على رجاله(عليه السلام) في بلاغة الخطاب وشدة
الالقاء وابنته زينب بنت فاطمة عليهما السلام
رسم لها أخوها الحسين(عليه السلام)في معمعة
كربلاء الاباء والشهداء المقدسة دوراً قامت
به خير قيام وأفضله، ولم يبقى من ذريته(عليه
السلام) سوى ابن وحيد قد تعرّض للقتل مرتين ،
مرة على يد عبيد اللّه بن زياد والي الكوفة
ليزيد بن معاوية الخليفة الاموي في الشام ،
وأخرى على يد الخليفة نفسه ، وزينب تمكّنت من
انقاذه منهما ، بل بتأثير من خطبها اللاذعة في
الكوفة والشام اضطر الخليفة إلى حسم القضية
والاسراع باعادة الاسرى إلى الحجاز . وبعد
عودتها إلى المدينة تصدرت حملة التشهير به
وبالامويين ، ولم يجرؤ الامويون على اعتقالها
علناً ، لكنهم أبعدوها ونفوها إلى الفسطاط
القاهرة القديمة ، كما حكاه العبيدلي الاعرجي
النسابة المتوفى في (333 هـ) في رسالته الخاصة
أخبار الزينبات ، في المسميات بزينب من آل أبي
طالب(عليهم السلام) ، فمكثت هناك في دار
العامل الوالي مريضة مدة تسعة اشهر ، وماتت
فدفنت هناك سنة (64 هـ) ، ثم شيد الفاطميون
القاهرة ، فبنوا على قبرها مشهداً عامراً لا
يزال يزار حتى اليوم ، وأقاموا إلى جانبه
المسجد الكبير الذي هو الان من معالم القاهرة
، فالضريح صحيح وليس من مخترعات الفاطميين ،
كما أوهمه الواهم( 15 )
.

وكان لابد للمرأة من موقع مع اتساع
وازدهار الحوار الثقافي الفكري العلمي
الديني والمذهبي والفقهي في الاسلام ، وهنا
نقف على مساهمات مهمة لسيدات جليلات في علوم
القرآن والتفسير والحديث والفقه والتاريخ ،
فنقرأ عن ابن النجار المؤرّخ البغدادي في
القرن السابع الهجري أنه تخرج على ثلاثة آلاف
شيخ أربعمئة منهم من المحدثات ، ونقرأ أن بين
شيوخ ابن عساكر الدمشقي ثمانين محدثة ، وهو
أحد كبار مؤرّخي الاسلام ، وكتابه تاريخ دمشق
من أمّهات المصادر الحديثية والرجالية
والتاريخية .

ومن هذه الامثلة يتبيّن أن المرأة
المسلمة قد أظهرت قدرتها على مضاهاة الرجال ،
بل تقدمتهم حين فرضت عليهم التلمذة لها في
مجالات جال بأفكار بعض الرجال الاغيار أنها
محتكرة لهم فحسب .

الخلاصة :

أخذت المرأة في الاسلام تسترجع الكثير
من حقوقها أمام الرجل الذي بدأ الاسلام يحكم
طوق الانقياد عليه . ولقيام الجاهلية على
الاعراف دون القانون كانت العلاقة بينها وبين
الرجل عشوائية ، خاضعة لتقلبات المزاج ومقدرة
كل منهما في أي ظرف ، لكن المرأة الجاهلية لم
تكد تحافظ على شخصيتها الانسانية على أي حال .
أما في الثورة الاسلامية الكبرى الام التي
اقامت الدولة وأنشأت المجتمع الجديد وشرعت له
قوانين يسير بمقتضاها فقد اخضعت المرأة لحكم
رجلين اثنين فقط ، هما الاب أو الجد والزوج ،
دون سائر الرجال الارحام من اخوة وأعمام ، فلم
يسمح الشرع الاسلامي بما أُخضعت له في الواقع
الاجتماعي من ولايات عديدة تمتد إلى أقارب
الكلالة احياناً ، ولم يأمرها الشرع بملازمة
المنازل ، بل اعطاها الفقه الاسلامي حق
التصرف في أموالها غير معلّق على إذن الزوج في
مذهب اهل البيت(عليهم السلام) ، ولم يرد عنهم(عليهم
السلام) نص قاطع فيما هو دون منصب الرئاسة
العامة ، وإن منع جمهور الفقهاء اشتغالها
بالقضاء ، فقد جوّزه بعضهم فيما تصح فيه
شهادتها ، وجوّزه الطبري مطلقاً ، وجوّز
بعضهم امامتها للصلاة للنساء ، ولم ترد
تحريمات للوظائف الاخرى ، فللمرأة مكان معترف
به في الجيش والادارة والحياة الاجتماعية
والثقافية والفكرية والعلمية الدينية وغيرها
، وكان بمقدورها أن تختلط بالرجال بحدود ،
وتساهم في الحياة الاجتماعية .

و(ضرب اللّه مثلاً للذين آمنوا امرأة
فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة
ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم
الظالمين * ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها
فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربّها
وكتبه وكانت من القانتين)( 16 )
، هذا في القرآن العظيم ، وفي قول الرسول
الكريم زيادة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت
محمد وهي سيدة نساء العالمين من الاولين
والاخرين ، فهؤلاء النسوة الطاهرات لسن أسمى
مقاماً من الانبياء ، ولكنهن أعلى مقاماً من
سائر الرجال ، فلم يعتبر النساء مطلقاً أنقص
عقلاً من الرجال مطلقاً ، بل قال في الاستشهاد
بهن : (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن
ترضون من الشهداء) ، وعلّل ذلك فقال : (أن تضلّ
إحداهما فتذكّر إحداهما الاخرى)( 17 )
، فلم يجعل شهادة امرأتين شهادة رجل واحد
لانهن أنقص عقلاً من الرجال ، بل قال : (أن تضل
احداهما فتذكر احداهما الاخرى)والضلال هنا
يقابل التذكر ، فهو بمعنى يخالفه ، أي الضلال
عن التذكر يعني النسيان ، كما نصّ عليه الطوسي
في التبيان والطبرسي في مجمع البيان ، والفخر
الرازي والقُرطبي والمراغي( 18 )
، فلم يكن في تناقض كما أوهمه الواهم( 19 ).

بل حصلت المرأة في الاسلام ـ بإقرار
خصومه ـ على حقوق لم تكن لها في الجاهلية ،
فهناك أوشكت المرأة أن تؤول إلى سلعة يكون
الرابح الوحيد فيها هو الوليّ من أب أو جد أو
أخ أو عم أو ابن عم ، بينما هنا في الاسلام
اوشكت على ألاّ يكون على البنت ولاية لغير
الاب أو الجد ، وعلى الزوجة لغير الزوج ، ثم
بيّن لها حقوقاً لم يجوّز للوليّ أن يتخطاها ،
وجعل مهرها ملكاً لها ، ومنع من الاستيلاء
عليه من قبل الولي كما كان الحال في الجاهلية،
أما الحال في الارياف والبوادي فقد استمرت
على العادة الجاهلية العربية ، إذ كان
الجاهليون إن لم يكونوا من الوائدين إذا
هنّأوا من وُلدت له أنثى قالوا له : هنيئاً لك
النافجة ، أي إنك ستزوّجها وتأخذ مهرها فينفج
مالك أي يكثر .

وحصلت الانثى على نصيب في الميراث ،
فحصلت ام المتوفى مع أبيه على السدس على
السواء ، وحصلت ام الاولاد على الثمن ، وحصلت
الزوجة بلا أولاد على الربع ، وحصلت البنت مع
الابن على نصف حصته ، وورثت أباها إن لم يكن له
وارث آخر ، وكانت هذه خطوات متقدمة في زمانها
، وبقيت متقدمة حتى القرن التاسع عشر حين بدأت
الثورة البرجوازية بتعديل قوانين الميراث في
اوروبا ، بل حتى اليوم .

وأعاد الاسلام ـ بإقرار خصومه ـ
الاعتبار للانثى بتحريمه الوأد ، والحث على
استقبال ولادتها بنفس استقبالهم الذكر ، ودعا
إلى معاملتها في المنزل معاملة الذكر ، بل
تقديمها فى الاهداء والاتحاف بالفواكه من
السوق والمرأة في الاسلام مخلوق سوي لا تتلبس
به الاشباح أو الشياطين ، نعم قد يُرى لديها
كيد لتعويض ضعفها أمام الرجال ، فوصفت بذلك في
القرآن .

واتفق الاسلام مع ما قبله في الزواج
المرتب ، أي الزوج المنفرد ، لكن المرأة في
الاسلام حصلت على الحق في قبول أو رفض المتقدم
للزواج منها، بينما كانت في الجاهلية تقسر
عليه من أي من ولاة أمرها المتعددين ، ثم
تُقهر على مهرها لهم . والحق متفق عليه شرعياً
فيما يخص الثيب بمجرد ارادتها ، ومقيد فيما
يخص البكر الصغيرة بإذن وليّها الشرعي برعاية
مصلحتها الشخصية . والاسلام جعل الزواج سنة
مؤكدة ، حتى رأى الظاهرية أنه فرض ، وأن تاركه
مع القدرة عليه آثم ، والسنة المؤكدة أقل من
الفرض واكثر من الاختيار ، وجعل الزواج سنة
مؤكدة على هذا النحو يوفّر من فرص الزواج
للنساء ما لا يتوفّر في حضارة اخرى ، فهو يخفض
حالات العزوبة ، ولذلك لم تكثر في العصر
الاسلامي ، ومعها بالتبع قلة حالات العنوس ،
وهذا من تكامل شريعة الاسلام أنها جارت
الغريزة الجنسية من دون أن تولها الاولوية ،
بل إنما اعتبرت الاولوية للوازع الديني
والاجتماعي ، وارادة الانسان المتشرّع
المتدين ، خلافاً لما أوهمه الواهم( 20 )
.

وامتلك الرجل حق الطلاق في الاسلام ،
وامتلكت المرأة معه مهرها ، كما امتلكت حق
الطلاق بخلع مهرها عليه ، ولا يجوز بغير سبب ،
ولكن بأي سبب يجعل المرأة تطلب الانفصال منه ،
أما طموحها إلى غيره وتغيّر قلبها عليه فليس
سبباً مجوّزاً ، فهي الحالة الوحيدة التي
يُرفض طلبها بالمخالعة ، بل تقسر فيها على
البقاء مع الزوج ، وفيما عدا ذلك تقبل
المخالعة . ولها كذلك اشتراط الوكالة بلا عزل
، مع حق توكيل الغير عنه لطلاقها عنه لاسباب
خاصة معيّنة ، كما عليه الحال اليوم في دولة
الاسلام .

وفي الجاهلية لا حدّ لزواج الرجال ،
وحدّده الاسلام باربع مشروطاً بالعدل وإلاّ
فواحدة ، على أن هذا لا يقع بالاستغراق ،
وإنما يتحقق نموذجياً في اوساط الاغنياء وأهل
الحكم ، دون عامة الرجال الذين غالباً ما
تضطرهم قلة المال إلى الاكتفاء بواحدة أو
اثنتين على الاكثر . وليس هذا من توسيعه حق
الجنس للرجال دون النساء ، ولا لانه يرى حاجة
الرجل إلى الجنس اكثر من حاجة المرأة ، بل
تماشياً مع حكمته من النكاح ، وهي التناسل
والتكاثر لحاملي كلمة الحق . ولذلك منع
الاسلام الاجهاض ، ومع ذلك فجواز منع الحمل
منصوص عليه في الحديث النبوي الشريف ومذهب
اهل البيت(عليهم السلام)، ويمكننا أن نعتبر
هذا ايضاً من الحقوق المهمة التي شرعها
الاسلام للنساء .

هذا بالقياس مع الجاهلية العربية
وغيرها ، أما مع المسيحية اليوم ، بل منذ ما
بعد المسيح بقليل ، هي تكوين بولسي اكثر منه
يسوعياً ، فليس في الاناجيل الاربعة وأعمال
الرسل حديث خاص عن المرأة يعيّن لها موقعها في
المجتمع اليسوعي ، وإنما كان ذلك في رسائل
بولس وأسفاره ، فالمسيح لم يترك لنا نصاً حول
المرأة يبيّن موقعها وعلاقتها بالرجل ، وليس
لاقوال بولس سند في الاناجيل ، إلاّ أنها صارت
جزءاً من الايمان المسيحي . لان بولس هو
المؤسس الفعلي للمسيحية ، والمكسب الاكبر
للمرأة في تعاليمه ـ وليس تعاليم المسيح
الاصلية ـ هو وحدانية الزواج ومنع الضرائرية
، وهذا خاضع على الاكثر للرهبانية المبتدعة
في المسيحية البولسية ، أما الميراث فهو ـ
كسائر الاحكام التشريعية ـ محوّل على الشريعة
السابقة في كتابها التوراة .

ولنقرأ معاً بعض النصوص البولسية في
رسائله وأسفاره عن المرأة :

في رسالته إلى اهل كونثوس يمنع المرأة
من التكلم في الكنيسة( 21 )
.

وفيها ايضاً : «الرجل ليس من المرأة بل
المرأة من الرجل ، الرجل لم يخلق من أجل
المرأة بل المرأة من اجل الرجل»( 22 )
.

وفي رسالته إلى اهل تيتوس يوصي
العجائز أن ينصحن الحدثات أن يكن خاضعات
لرجالهن ومحبّات لهم ولاولادهن صالحات ،
عفيفات متعقلات ملازمان بيوتهن( 23 )
.

وفي رسالته إلى اهل أفسوس : «ايها
النساء ، اخضعن لرجالكن كما للربّ ، لان الرجل
هو رأس المرأة ، كما أن المسيح أيضاً رأس
الكنيسة ، وهو مخلّص الجسد ، وكما تخضع
الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل
شيء »( 24 )
.

وفي رسالته إلى تيموتاوس : «النساء
يزيّن ذواتهنّ بلباس الحشمة مع ورع وتعقّل ،
لا بضفائر ، أو ذهب ، أو ملابس كثيرة الثمن ،
بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى اللّه
بأعمال صالحة ، لتتعلم المرأة بسكوت في كل
خضوع . ولكن لستُ آذن للمرأة أن تتسلّط على
الرجل ، ولا أن تعلّم بل تكون في سكوت .. لان
آدم جُبل أولاً ثم حوّاء ، وآدم لم يغْوَ لكن
المرأة أغويت ، فحصلت في التعدّي »( 25 )
.

وسبق نقل القول عن ارسطو في كتاب
السياسة : «إن الطبع هو الذي عيّن المركز
الخاص للعبد والمرأة »( 26 )
.

ويستمر الفكر الاوربي في هذه النظرة
الذكورية إلى العصر الحديث ، رغم الانقلاب
الذي حصل في المفاهيم تحت الثورة الرأسمالية
، فالاستاذ الاعظم للفلسفة الحديثة هيغل
الالماني يقول : «إن النساء يمكن أن يكنّ
مثقّفات ، ولكنهنّ غير مؤهلات للفلسفة
والعلوم العليا ، وحتى بعض أعمال الفن التي
تتطلّب الكلية» ، ويضيف : «إن كانت النساء في
رأس الحكومة فالدولة في خطر» ، وفسّره بأن
النساء لا يفعلن حسب متطلّبات العقل الكلي ،
بل تبعاً للميول والافكار العارضة( 27 )
.


(1)
صحيح مسلم 4:140.


(2)
علل الشرائع 2:294 و 293، ط. بيروت.


(3)
احكام القرآن للجصّاص 1:143.


(4)
المقال السابق في مجلة النهج السورية: 21.


(5)
باب كتاب النبي إلى كسرى وقيصر من كتاب
المغازي من صحيح البخاري 3:90. ب 64 من ابواب
الفتن من سنن الترمذي 3:360، ح 2365. وباب النهي
عن استعمال النساء في الحكم من كتاب آداب
القضاة من سنن النسائي 8 :227. مسند أحمد 5: 38.
تحف العقول: 35. الخلاف في الفقه 3:311.


(6)
وظهر أخيراً النقاش الفقهي حتى في هذا، وممن
تناوله بهذا النقاش الشيخ محمد مهدي شمس
الدين العاملي في كتاب مستقل بعنوان أهلية
المرأة لتولي السلطة في (160) صفحة، وهو الكتاب
الثاني من مسائل حرجة في فقه المرأة، يسبقه
الكتاب الاول الستر والنظر في (280) صفحة.


(7)
التمهيد 1 : 106.


(8)
اصول الكافي1: 58، ح19، و 2:17، ح2. وفي وسائل
الشيعة 27:169 عن كنز الفوائد 1:164.


(9)
المقال السابق في مجلة النهج السورية: 33 ـ 34.


(10)
التمهيد 1 : 107.


(11)
هكذا افترض القلم الصليبي في لبنان بيد أبي
موسى الحريري في كتاب بعنوان قس ونبي صدر عام
(1985م)، أي بعد انتصار الثورة الاسلامية في
ايران، مما يمكن اعتباره من اقلام الغزو
الثقافي الغربي ضد الصحوة الاسلامية،
مدعياً أنه اكتشف اسرار الرسالة الاسلامية.


(12)
آل عمران : 195 .


(13)
الاحزاب : 35 .


(14)
الاعلام للزركلي3:246.


(15)
المقال السابق في مجلة النهج السورية: 36.


(16)
التحريم: 11 و 12.


(17)
البقرة: 282 .


(18)
التبيان 2:373. التفسير الكبير 7:114. الجامع
لاحكام القرآن 3:397. تفسير المراغي 3:74. تفسير
ابن كثير 1:335.


(19)
المقال السابق في مجلة النهج السورية: 41.


(20)
م . ن .


(21)
14 : 24، 25.


(22)
12 : 6 .


(23)
2 : 4 .


(24)
5 : 22 ـ 33 .


(25)
2 : 9 .


(26)
كتاب السياسة لارسطو ترجمة أحمد لطفي السيد
ب1 ف 5.


(27)
مختارات هيغل (فلسفة الحق)، ترجمة الياس مرقس.


/ 1