رأي
دور المنظمات الشعبيةفي تحقيق الاهداف الدولية
* الامين العام للمجمعالعالميلاهل البيت(عليهم السلام)
خطت البشرية خطوات واسعة على طريق
ايجاد تشكيلات دولية شاملة تسعى إلى حل
مشاكلها، وتحقيق تفاهم ممكن بين أعضائها،
وتحاول الوصول إلى أطروحات عالمية تترك
آثارها الايجابية على المستوى العالمي.
وهكذا تم انشاء الامم المتحدة اوسع
منظمة دولية بما لها من منظمات فرعية في مختلف
المجالات الثقافية، والاقتصادية، والصحية،
والتجارية وغيرها.
كما تم انشاء حركة عدم الانحياز في
مجال أضيق، ومنظمة المؤتمر الاسلامي في اطار
العالم الاسلامي.
وهناك منظمات وتجمعات دولية كبرى اخرى
لها أثرها الكبير في المسيرة.
إلاّ أن أكثر المنظمات الدولية مازالت
مبتلاة بنقاط ضعف كبرى تمنعها من تحقيق
اهدافها الانسانية. ويمكننا أن نشير إلى
بعضها فيما يلي:
1 ـ أن قرارات هذه المنظمات إنما تحقق
في أحسن الحالات مصالح الحكومات وتوجهاتها،
ولا ضمانة فيها لتحقيق أهداف الجماهير، على
أنها في الواقع إنما تحقق مصالح القوى
المتحكمة في هذه المنظمات، إن لم نقل إنها
إنما تحقق مصالح القطب الواحد المتحكم اليوم
فيها.
2 ـ أن واقع الحال المشاهد في هذه
المنظمات يقضي بأنها في كثير من الاحيان تقع
تحت تأثير اتجاهات معادية للانسانية،
كالاتجاهات الصهيونية والاتجاهات المادية
الالحادية وغيرها، الامر الذي يعود بأعظم
الخسائر على المسيرة الانسانية.
3 ـ أن التأمل في قراراتها يكشف لنا
احياناً عن قيام هذه المنظمات بإشباعات كاذبة
لتطلعات الجماهير، دون أن يكون وراء الشعارات
المرفوعة واقع مؤثر، وذلك كما في قرارات حقوق
الانسان، ومحاربة العنصرية، والدفاع عن حقوق
المرأة، وتنظيم عملية التنمية الاجتماعية
وغيرها، في حين أننا نجدها في هذا المجال تكيل
بمكاييل متعددة حسبما تقتضيه المصالح الضيقة.
على أن القرارات الحقيقية تبقى حبراً على ورق
مالم تتفق مع مصالح القوى الكبرى، ولا أدل على
ذلك من الفيتو الاميركي لقرار مجلس الامن حول
مصادرة الاراضي في القدس.
وكذلك ما نشاهده من ضعف في قرارات
منظمة المؤتمر الاسلامي في مختلف القضايا
الاسلامية، على رغم ضخامة الشعارات التي
ترفعها تجاه القضية الفلسطينية والقضية
الافغانية والقضية العراقية وغيرها، غير
أنها تبقى عاجزة عن التنفيذ.
4 ـ ثم انها تعتمد عنصر التأجيل
والمماطلة والمساومة وأنصاف الحلول، واساليب
ما وراء الكواليس وغيرها مما قد يؤجل الحل
المطلوب.
وغير ذلك من النقائص المشهودة.
ومن هناك نجد مجالاً واسعاً لقيام
المنظمات غير الحكومية بالاشتراك في
الاجتماعات الدولية، والسعي للضغط على
الجهات الرسمية لتتخذ القرارات الاكثر
انسجاماً مع الاهداف المطلوبة.
إن مشاركة هذه المنظمات يمكنها أن
تترك آثاراً ايجابية من جهات عديدة من قبيل ما
يلي:
1 ـ لما كانت هذه المنظمات الشعبية
اقرب إلى واقع المشكلات الاجتماعية، كانت
أكثر تفهماً للحلول المطلوبة جماهيرياً، وهي
بعد تستطيع أن تقرب القرارات من هذه الاهداف.
2 ـ ولما كانت هذه المنظمات غير
الحكومية حرة في تحليلاتها وغير مقيدة
بالقيود الرسمية، تستطيع أن تصل إلى الحل
الواقعي وتطرح ذلك بقوة امام المحافل الدولية.
3 ـ على أن حضور هذه المنظمات يشكل
تواصلاً جماهيرياً جيداً، قد يشكل رأياً
عاماً دولياً لا تستطيع معه الجهات الرسمية
إلاّ الاستجابة لمقتضيات هذا الرأي العام،
مما يمنحها روحاً جماهيرية واقداماً على
خطوات أكثر واقعية.
ولكي نكون بمنتهى الوضوح فإن من
المناسب ذكر مثالين، أحدهما دولي والاخر
اسلامي على هذا الدور الشعبي الفعال:
المثال الاول: مؤتمر السكان والتنمية
بالقاهرة، فإنه على رغم التخطيط الدقيق الذي
اشترك فيه الكثير من العقليات المادية
والمعادية للقيم المعنوية، وعلى رغم الدعم
الدولي الضخم الذي تمتعت به الوثيقة المقدمة
إلى هذا المؤتمر، إلاّ أن الحساسية وردّ
الفعل الذي ابدته المنظمات الشعبية والهيئات
الدينية والاجتماعية المستقلة، سواء في
العالم الاسلامي أم في العالم المسيحي،
أدت في النهاية إلى هزيمة أنصار التحلل
والانحراف الجنسي، وتنازلهم عن كثير من
البنود التي ادخلوها في هذا السند ليحققوا
أهدافهم الخبيثة.
وهكذا استطعنا أن نغير اكثر من ثمانين
موضعاً من السند، كما استطعنا أن ندخل في فصل
المبادئ مبدأً يقر بضرورة مراعاة كل دولة
لمبادئها الدينية، وقيمها الدولية. وقد قلنا:
إن ذلك شكل أكبر هزيمة دولية للعقول الجهنمية
المخططة ضد العلاقات الانسانية والعائلية
السليمة، حتى لقد صرّح بيكر «وهو العقل
المفكر اثناء حكم جورج بوش» بأن أميركا أرادت
أن تروج للرذيلة في مؤتمر القاهرة، ولكنها
منيت بهزيمة فادحة على يد الجمهورية
الاسلامية الايرانية وغيرها من الدول
الاسلامية والفاتيكان.
هذا وإن الفضل الكبير يعود للجو
العالمي الذي أوجدته المنظمات الاسلامية
والمسيحية ضد هذه الوثيقة، ولجهود المخلصين
في المؤتمر الذين وقفوا بحزم امام هذا المخطط.
أما المثال الثاني: فنركز فيه على
منظمة المؤتمر الاسلامي وكيفية تعاملها مع
موضوع المرأة المسلمة، وسبل الارتفاع
بمستواها ودفعها للمساهمة في مجال البناء
الاجتماعي والسياسي ; فقبل عشر سنوات تقريباً
وبعد محاولات باكستانية جادة، قرر وزراء
خارجية الدول الاسلامية تشكيل لجنة من ثماني
دول، تعمل لايجاد منظمة دولية للمرأة. وبعد
مداولات دامت سنتين قدمت هذه اللجنة تقريرها
إلى الامين العام، ولكن الفكرة وُوجهت
بمعارضة شديدة من بعض الدول المتنفذة في
المنظمة، والتي لا تمتلك المرأة فيها أي دور
اجتماعي، أو تلك التي لم ترد للمرأة أن تسلك
سلوكاً اسلامياً ملتزماً، وأن تملك دوراً
اجتماعياً بارزاً بعيداً عن التحلل الخلقي.
وهكذا تم خنق المشروع في مهده من خلال
التأجيلات والتسويفات، ولذلك عملت الجمهورية
الاسلامية الايرانية بشتى الاساليب لاحياء
هذا المشروع وكان لبعض المنظمات الشعبية
النسوية دور مهم في دفع هذا المشروع إلى
الامام، حتى استطعنا أن نستصدر قراراً من
مؤتمر القمة السادس بداكار ـ السنغال ـ
لاحياء المشروع، وتم خنقه مجدداً حتى جاء
مؤتمر القمة الاسلامي السابع في مراكش،
وأعدنا الكرّة وانتزعنا قراراً بعقد ندوة
مصغرة في طهران ليست للتشاور عن انشاء منظمة
نسوية، وإنما في شأن مساهمة المرأة في عملية
التنمية، ومع ذلك وُوجهنا بمعارضة الدول
المشار اليها وتقاعس الامانة العامة، لولا
سعينا لرفع عدد الدول المساهمة، واستطاعة بعض
المنظمات النسوية أن تلعب دوراً مهماً في هذا
المجال.
وعقدت هذه الندوة المباركة وخرجت
بقرارات جيدة جداً نرجو أن تشكل فتحاً في هذا
المجال، وقد شاركت فيها 34 دولة بهيئات اكثرها
من الاخوات اللواتي عبّرن باشتياق عن توقع
أكبر لدور أكثر فاعلية في المستقبل.
إننا لندعو الى تحرك أكبر للطاقات
النسوية لتشكيل الجمعيات القوية المؤثرة،
والقيام بعملية توعية اجتماعية واسعة
المجال، والتنسيق فيما بين هذه الجمعيات،
والحضور النشيط في المحافل الدولية، واعتماد
مختلف الاساليب كتقديم المشاريع وارسال
البرقيات والمساهمة الجماهيرية في ايجاد رأي
عام يضغط على المنظمات الدولية، لتقوم بدورها
الفعال في خدمة قضية المرأة.
ونمثل لذلك بمؤتمر بكين العالمي، الذي
كان فرصة فريدة استغلت في هذا المجال لتأصيل
قيم عالمية انسانية تحفظ للمرأة حقوقها
المشروعة، وتصون شخصيتها الانسانية ضد
المعتدين على معالم هذه الشخصية.
وإنني لاعتقد أن التوصيات التي صدرت
من ندوة طهران يمكنها أن تشكل منطلقاً جيداً
للتنسيق فيما بين المنظمات الشعبية، ولتحقيق
ما اشرنا اليه من أهداف.
ومما ينبغي التذكير به هو أن حضور
المرأة المؤمنة في المؤتمرات له أكبر الاثر
في توضيح الصورة التي يرسمها الاسلام العظيم
للمرأة، ودفع الشبهات التي يبثها الاعداء،
وتوضيح وضعية المرأة في العالم الاسلامي، كما
يمكنه أن يشكل جواً جيداً تطلع فيه المرأة
المسلمة على أوضاع اخواتها في العالم
الاسلامي، أو على المستوى العالمي، ليتم
التواصل المطلوب بين كل القوى النسوية
المخلصة، لتحقيق نهضة عالمية تدافع بحق عن
المرأة، ولا تترك هذا الموضوع بيد حفنة من
المستأكلين والمتباكين كذباً على حقوق
المرأة وهم أول المعتدين عليها.
إن على المرأة المسلمة في المؤتمرات
أن لا تسمح للاتجاهات المخربة أن تسيطر على
مجريات الامور، ومن المتوقع أن تحاول هذه
الاتجاهات طرح شخصيات وهمية منحرفة، من قبيل (نسرين)
وامثالها من ذوي الاراء العليلة الذين
احتضنهم الغرب ليعبر عن عدائه لكل قيمة
انسانية، فيجب الانتباه لهذه المؤامرة
وافشالها وتوضيح ابعادها بكل حكمة.
إننا لننتظر أن تقوم المرأة المسلمة
ايرانية وغير ايرانية بتوضيح موقف الثورة
الاسلامية المباركة من المرأة، بدءاً
بتصريحات الامام الراحل الكبير «رحمه
اللّه تعالى»، وكذلك ما قاله قائد الثورة
الاسلامية الفعلي آية اللّه العظمى الخامنئي
الكبير، وسماحة رئيس الجمهورية الاسلامية،
وانتهاءً بالخطوات العملية الرائعة التي
اتخذتها المجالس التقنينية والقضائية
والحكومية، للارتفاع بمستوى المرأة وتمكينها
من ممارسة حقوقها المشروعة، من المشاركة
بعملية البناء السياسي والاجتماعي
والاقتصادي بكل قوة وجدارة.
وسيجد العالم أن الاسلام والثورة
الاسلامية المنبثقة منه قد عملا بحق في سبيل
اعلاء شأن المرأة، وتكريمها إنساناً يمكنه أن
يصل إلى أعلى مستوىً تكاملي، ويسهم في صنع
الحضارة الانسانية أيما إسهام.