من فقه مدرسة أهل البیت (ع) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

من فقه مدرسة أهل البیت (ع) - نسخه متنی

کاظم قاضی زاده؛ مترجم: عباس الاسدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

من فقه مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)



الشرعية في ولاية المعصومين(عليهم
السلام)


المصادر والدلالات
( 1 )

* كاظم قاضي زادة

تعريب : عباس الاسدي

l مقدمة


من المباحث المهمة التي استقطبت
الاهتمام في العصر الحاضر العلاقة بين الدين
والحكم ، أو بمفهوم أوسع الارتباط بين الدين
والسياسة . ولهذا البحث تاريخ يمتد إلى مئة
عام مضت ، لكن طرحه كان يتسم في بعض الفترات
بجدية اكبر ، فيما كانت تتسع دائرة تأثيراته
الاجتماعية لتشمل مختلف شرائح المجتمع .
وتكاثرت الاراء حول هذا الموضوع ، وتشعب
البحث فيه اثناء تبلور الحركة الاسلامية ،
وتشكلها وبعد انتصارها في ايران . والسؤال
الذي يُطرح في هذا البحث : هل يُرتجى من الدين
الاسلامي أن يتدخل في شؤون الحكم والسياسة ،
أم هو يبين في ذاته اموراً تؤمّن للانسان
هدايته المعنوية وسعادته الاخروية ؟ والسؤال
بتعبير أوضح : هل السياسة جزء من ذات الدين
وتجاهلها يعدّ نقصاً في الدين ، وأن السلطة
التي تدير الشؤون الاجتماعية دون الاسترشاد
بالدين هي سلطة لادينية بل سلطة معادية للدين
، أم تعتبر هذه المسائل بمجملها من المباحث
العقلائية ، وليس للدين في هذا المجال رسالة
معينة ، وعلى المجتمع أن يدير شؤونه بما هو
أصلح له ؟

لم يقدم المفكرون المسلمون رؤىً
موحدة حول هذا الموضوع ، فإذا تجاوزنا موقفَي
النفي التام والاثبات التام ، فهناك مواقف
وسطى متعدده بين النفي والاثبات ، ويحتاج هذا
المبحث إلى التعمق والتوسّع لعدم توغله في
العمق التاريخي أولاً ، ولقلة ما كتب عنه بشكل
معمق ومستقل ثانياً ، لا سيما وأن مثل هذا
الطرح (فصل الدين عن السياسة والحكم) اضافة
إلى الجانب العلمي أصبح ذريعة لفئتين : الحكام
النفعيين اللادينيين . والمتدينين المترفين ،
اللذين غالباً ما تعرّض لهما الامام الخميني(قدس
سره) في طرحه لبحث امتزاج الدين بالسياسة .

تاريخياً عالج الكاتب المصري المعروف
علي عبد الرازق في كتابه (الاسلام واصول الحكم)
الطرح التفصيلي الافضل بين الدين والخلافة،
ورغم أن كتابه لم يكن الاول في هذا المضمار ،
إلاّ إنه كان الاهم لما تركه من ردود فعل
واسعة وعنيفة من قبل المجتمع الديني وعلماء
الازهر . وبعده تابع رأيه آخرون ، واخيراً
دافع عنه مثقفون شيعة ايضاً امثال مهدي
بازركان والدكتور مهدي الحائري اليزدي .

وسنتطرق هنا من دون اصدار حكم
وبموضوعية تامة إلى وجهة نظر هؤلاء ، وإلى اهم
دليل مشترك يجمع اصحاب هذا الرأي حول الفصل
بين الدين والسياسة . ويمكن أن نطلق على هذا
الدليل أنه تفسير لاديني لحكومة النبي(صلى
الله عليه وآله) وامير المؤمنين(عليه السلام) ;
وقد جرت الاستعانة بالشواهد القرآنية لنفي
العلاقة بين حكم النبي(صلى الله عليه وآله)ورسالته،
كما نوقشت الايات وبعض الاحكام الشرعية التي
قد تثبت كون الحكومة منصباً إلهياً .

ونشير في مستهل الامر إلى رأي هذه
المجموعة حول نوع حكومة النبي وسيرته
السياسية ، ثم نذكر الدلائل التاريخية لمن
يقف إلى جانب هذا الرأي ومن يخالفه ، لنجري من
بعد مناقشة للرأي نفسه .

رأيان حول حكم النبي(صلى الله عليه
وآله)

مما لا شك فيه أن النبي(صلى الله عليه
وآله) قد تدخّل في السياسة بلحاظ قيادته
للمجتمع الاسلامي ، وادارته لشؤون الدولة
الاسلامية منذ هجرته حتى رحيله ; لان قيادة
الدولة وادارة شؤونها الهامة يعني ممارسة
السياسة في اعلى مستوياتها ، لكن السؤال الذي
يطرح هنا هو : هل كان حكم النبي(صلى الله عليه
وآله) كرسالته تنصيباً إلهياً وجزءاً لا
يتجزأ من الدين ، أم كان يختلف بطبيعته عن
الرسالة ، وإنما مارسه النبي(صلى الله عليه
وآله) بعد أن انتخبته وبايعته الامة ؟

يعتقد اغلب المفكرين المسلمين
بالتنصيب الالهي للنبي(صلى الله عليه وآله) ،
ويزيد الشيعة على ذلك في الاعتقاد ايضاً
بتنصيب امير المؤمنين(عليه السلام)وذريته
المعصومين لولاية المجتمع الاسلامي ، وبوجود
التنصيب لا يجدون مجالاً لاضفاء الشرعية على
الحكم من طرق أخرى(1)
.

الرأي الاول : فصل الدين عن الحكم


لا يرى اصحاب هذا الرأي وجود أي دليل
على معالجة الدين لمشروع الحكم والخلافة ،
ويعتقدون أن حكومة النبي لم تكن سوى زعامة
دينية ترتبط بالشؤون المعنوية والاخروية .
يقول علي عبد الرازق بهذا الشأن : «أن زعامة
النبي(صلى الله عليه وآله) زعامة دينية ،
واردنا بكونها دينية انها جاءته عن طريق
الرسالة»(2)
.

ويقول كاتب مقال «اللّه والاخرة هدف
بعثة الانبياء» . بهذا الصدد : «توجد في احاديث
الانبياء وصايا تعالج قضايا الحياة المختلفة
، كما تهتم خطب نهج البلاغة ورسائل امير
المؤمنين(عليه السلام) ، بالاخلاق والعلاقات
الاجتماعية وقضايا الحكم والادارة ،
بالاضافة إلى العلوم الالهية والدينية
والتربوية ، فعلاوة على مسؤولية الرسالة
والامامة فقد نهضوا باعباء التعليم والاصلاح
واسداء الخدمة والاعمال الصالحة ... ولا تعتبر
هذه التعاليم والوصايا رغم جودتها وفضلها
جزءاً من الدين والشريعة ، وليست مصداقاً
للاية (إن هو إلاّ وحي يوحى)»(3)
.

نفهم من هذه العبارة أن الدين لا
يشتمل على السياسة والحكم ، لكنه لا يتنافى في
نفس الوقت مع السياسة وادارة الحكم ، فيستطيع
المسلم أن يتدخل في الشؤون الاجتماعية على
اساس التعاليم الدينية، ويكافح الظلم ويقيم
حكومة العدل ، غير أن الدين لا يخوض في تفاصيل
السياسة وليست له إلاّ هذه التوصيات العامة .

واورد مؤلف كتاب «الحكمة والحكم»
عبارة اوضح من سابقتها في قوله : «ليست هناك
اية اشارة في مفاهيم النبوة أو الرسالة أو
الامامة يستنبط من خلالها تشكيل نظام سياسي
يأخذ على عاتقه مسؤولية تطبيق الواجبات ،
إنما الامة هي التي يجب عليها أن تكتشف الفرد
الاكمل والاصلح للمجتمع ـ وقد يكون نبياً أو
اماماً ـ وتنتخبه لتولي القيادة السياسية
للدولة ، مثلما تسعى لتدبير شؤونها الصحية ...
فادارة الدولة لا تمثل جزءاً من النبوة ، ولا
علاقة لها بطبيعة الامامة»(4)
.

بعد طرح المؤلف للموضوع بهذه الصورة ،
يعكف على تفسير الكيفية التي حكم فيها النبي(صلى
الله عليه وآله) وامير المؤمنين(عليه السلام)
، ويرى أن اساس الشرعية في حكمهما البيعة
وانتخاب الناس ، منكراً كون الحكم منصباً
إلهياً لهما : «الشاهد على هذه الدعوى زعامة
النبي الاكرم(صلى الله عليه وآله) ومولى
الموحدين علي بن أبي طالب(عليه السلام) ،
ويمكن أن نلحظ بوضوح في هذين الشاهدين
التاريخيين أن انتخاب القيادة السياسية
لتطبيق القوانين والاحكام الاسلامية
وتفعيلها ، إنما تحقق عبر بيعة الاُمة لتشكيل
حكومة شعبية خارج نطاق الوحي والنبوة . ولسنا
بحاجة إلى دراسة معمقة لنبيّن أن الزعامة
السياسية للنبي(صلى الله عليه وآله) لم تكن
جزءاً من مهمة النبوة ، كما أنها ليست من
مستلزمات امامة علي(عليه السلام) ; لان النبي
كان نبياً قبل أن يبايعه الناس للقيادة ، وعلي
كان اماماً وموجهاً دينياً للامة من قبل
اللّه قبل أن ينتخب كقائد سياسي وخليفة رابع .

وقد حظيت بيعة الاُمة للنبي برضا
اللّه في قوله : (لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ
يبايعونك تحت الشجرة) ، وفي الاية دلالة صريحة
على أن البيعة لم تأت بأمر من اللّه ، إنما رضي
اللّه عنها بعد تحققها»(5)
.

ويمكن أن نستنتج النقاط ادناه من
مجموع ما ذكرنا :

ـ أن السياسة والحكم ليسا جزءاً من
الدين ، وشرعية السلطة السياسية لا تؤخذ
بطريق التنصيب الالهي .

ـ تسلم مقاليد الحكم وتطبيق العدالة
ليس من شؤون النبوة ، وقيام النبي(صلى الله
عليه وآله) بالحكم لم يكن نابعاً عن أمر إلهي .

ـ شرعية الحكم النبوي والحكم العلوي
قامت على اساس البيعة والانتخاب ، وما النبي(صلى
الله عليه وآله) وعلي(عليه السلام) إلاّ وكلاء
عن الامة وليست لهما ولاية شرعية على الحكم .

الرأي الثاني : اشتمال الدين على
السياسة والحكم


الرأي الاخر وهو المشهور ، بل عليه
اجماع المسلمين تقريباً ، هو أن الحكم النبوي
قائم على اساس التنصيب الالهي ، ومع وجود النص
الالهي على الخلافة ، تكون الطرق الاخرى
لاكتساب الشرعية مرفوضة . ويرى اصحاب هذا
الرأي أن للنبي(صلى الله عليه وآله) مناصب
ثلاثة : الرسالة والقضاء والامامة ، إذ يقتضي
المنصب الثالث تشكيل النظام السياسي وادارة
المجتمع . بعبارة ثانية : اجمع المسلمون على أن
اللّه تعالى فوّض حق الحكم إلى المعصوم(عليهم
السلام) ، الذي له المرجعية الدينية لنشر
التعاليم الالهية وتفسير الوحي ، وله ايضاً
حق القضاء في النزاعات والمرافعات الفردية
والاجتماعية ، وتتمثل الشرعية في إعمال
السياسة الاسلامية إما بشخصه أو باذنه ،
ويفتقد بالتالي أي حكم آخر غير حكمه للصفة
الرعية والقانونية .

ادلة أنصار الرأي الاول

اورد أنصار كلا الرأيين ادلتهم
لاثبات ما دعوا إليه ونقض ما جاء به الاخر .

وفيما يلي ندخل في دراسة ونقد تلك
الادلة :

1 ـ الكتاب : ذكر القرآن الكريم من خلال
آيات عديدة في شأن النبي(صلى الله عليه وآله)
وحقوقه على الناس ومسؤوليتهم تجاهه ، ورفع عن
عاتقه(صلى الله عليه وآله) أىّ مسؤولية وراء
المسؤولية الدينية . وتدل هذه الايات على أن
النبي(صلى الله عليه وآله) لم يكن له شأن من
الملك والزعامة السياسية وأن عمله(صلى الله
عليه وآله)لم يتجاوز حدّ التبليغ المجرّد عن
الزعامة والسلطنة .

وتمسك علي عبد الرازق بالايات
الكريمة التالية لاثبات رأيه :

* (من يطع الرسول فقد اطاع اللّه ومن
تولّى فما ارسلناك عليهم حفيظاً)(6).

* (وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم
بوكيل)(7)
.

* (ولو شاء اللّه ما اشركوا وما جعلناك
عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل)(8)
.

* (ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم
جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)(9)
.

* (قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من
ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل
فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل)(10)
.

* (ربكم اعلم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ
يعذبكم وما ارسلناك عليهم وكيلاً)(11)
.

* (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون
عليه وكيلاً)(12)
.

* (إنا انزلنا عليك الكتاب للناس بالحق
فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما
أنت عليهم بوكيل)(13)
.

* (فإن اعرضوا فما ارسلناك عليهم
حفيظاً إن عليك إلاّ البلاغ)(14).

* (نحن اعلم بما يقولون وما أنت عليهم
بجبار)(15)
.

فقد رأى علي عبد الرازق من خلال تصوره
للايات اعلاه أن القرآن ينفي صريحاً أن
يكون النبي(صلى الله عليه وآله) حفيظاً على
الناس أو وكيلاً أو جباراً أو مسيطراً ،
وأن يكون له حق اكراه الناس حتى يكونوا مؤمنين(16)
.

واذا كانت ظواهر بعض افعال النبي(صلى
الله عليه وآله) توحي بأنه يحاول ترسيخ اُسس
الحكم فإن حقيقة الامر ليست كذلك . ومن تلك
الافعال الجهاد ، لكن القرآن الكريم في
المقابل يشتمل على آيات تدل على أن الدعوة إلى
الدين إنما تتم من خلال البيان والوعظ وتحريك
القلوب لا بالحديد والسيف ، كقوله تعالى :

* (لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من
الغي)(17)
.

* (ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة
الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن)(18)
.

* (فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم
بمصيطر)(19)
.

* (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)(20)
.

ومن الادلة الاخرى التي تستند إلى
أساس التصورات الخاصة للايات القرآنية ، هي
تبيين الغاية والهدف من الرسالة في القرآن ،
ويبين مهدي بازركان تصوره للموضوع المذكور
بالصورة التالية : «يُفهم من مجموع الايات
والسور القرآنية أن القسم الاعظم منها يحوم
حول مسألتين : اللّه والاخرة . اللّه للايمان
به وعبادته والامتناع عن عبادة واتباع الالهة
الاُخرى ، والاخرة للايمان بالقيامة والحياة
في تلك الدنيا بشكليها ، بينما الايات
القرآنية خصصت اقل من نسبة اثنين في المئة
للاحكام الفقهية .

والقرآن الذي يُعتبر ثمرة الدعوة
وخلاصتها ولغة الرسالة ، فضلاً عن أنه لا يقدم
لنا أية توصية حول الدنيا ، فهو يلومنا على
الانصراف لامر الدنيا ونسيان الاخرة : (بل
تؤثرون الحياة الدنيا * والاخرة خير وابقى) . (كلا
بل تحبون العاجلة * وتذرون الاخرة)»(21)
.

2 ـ السنّة : من الادلة الاخرى التي
ساقها القائلون بالفصل التمسك بالسنة
بمفهومها الواسع (القول والفعل والتقرير) ،
وقد اشار عبد الرازق في معرض استدلاله هنا إلى
روايتين وقال : «روى صاحب السيرة النبوية (احمد
بن زيني دحلان المتوفى سنة 1304 هـ ، أن رجلاً
جاء إلى النبي(صلى الله عليه وآله) لحاجة
يذكرها ، فقام بين يديه ، فأخذته رعدة شديدة
ومهابة ، فقال له(صلى الله عليه وآله) : هوّن
عليك فإني لست بملك ولا جبار ، وإنما أنا ابن
امرأة من قريش تأكل القديد بمكة ... وقد جاء في
الحديث أنه لما خير على لسان اسرافيل بين أن
يكون نبياً ملكاً ، أو نبياً عبداً ، نظر عليه
الصلاة والسلام إلى جبريل(عليه السلام) ،
كالمستشير له ، فنظر جبريل إلى الارض ، يشير
إلى التواضع ، وفي رواية فاشار إليه جبريل أن
تواضع ، فقال(صلى الله عليه وآله): نبياً عبداً»(22)
.

والاستدلال بالسنّة في قسمه الاكبر
يعتمد على تحليل السيرة السياسية للنبي(صلى
الله عليه وآله) ، ويشكّك علي عبد الرازق ـ وهو
يحلل تاريخياً السيرة النبوية ـ في استناد
نظام حكم خاص إلى النبي(صلى الله عليه وآله) ،
وبهذا الصدد يدرس بالتفصيل أحد المظاهر
الرئيسية للحكم وهو القضاء ، ويقول ـ ضمن
اعترافه بأنه(صلى الله عليه وآله) تبنّى
شخصياً بعض حالات القضاء ـ : «إذا اردنا أن
نستنبط شيئاً من نظامه(صلى الله عليه وآله) في
القضاء نجد أن استنباط شيء من ذلك غير يسير ،
بل غير ممكن ; لان الذي نقل إلينا من احاديث
القضاء النبوي لا يبلغ أن يعطينا صورة بينة
لذلك القضاء ، ولا نظاماً خاصاً فيه ، ان قلنا
أنه كان له نظام»(23)
.

ثم يشير إلى حالات مختلفة لنصب القضاة
واختلاف الروايات في ذلك ، ويستنتج من خلال
حالات التنصيب المؤقتة أن النبي(صلى الله
عليه وآله) لم يؤسس نظاماً سياسياً محدداً ،
ولم يصدر منه(صلى الله عليه وآله) ما يمكن أن
نعتبره ادارة كاملة لشؤون المجتمع ، ويمكن أن
نقف على خلاصة رأيه في العبارة التالية : «إذا
نحن تجاوزنا عمل القضاء والولاية إلى غيرهما
من الاعمال ، التي لا يكمل معنى الدولة إلاّ
بها ، كالمعاملات التي تتصل بالاموال
ومصارفها (المالية) وحراسة الانفس والاموال (الشرطة)
وغير ذلك مما لا تقوم بدونه اقل الحكومات
وأعرقها في البساطة ، فمن المؤكد اننا لا نجد
فيما وصل إلينا من ذلك عن زمن الرسالة شيئاً
واضحاً يمكننا ونحن مقتنعون ومطمئنون ، أن
نقول إنه كان نظام الحكومة النبوية»(24)
.

وانتبه عبد الرازق إلى اشكالية واجهت
نظريته ، وهي احتواء الايات القرآنية والسيرة
النبوية على مظاهر لتثبيت نظام سياسي ايضاً ،
منها مسألة الجهاد ومحاربة الاعداء والدفاع
عن الارض ، حيث الدلالة عليها في العديد من
الايات القرآنية واضحة ، وكذلك مسألة الشؤون
المالية كالزكاة والجزية والغنيمة ، لان
تدبير الشؤون المالية يعتبر من المهمات
الحكومية ، وفوق هذا وذاك وجود روايات تكشف عن
ارسال ولاة وعمال إلى حواضر العالم الاسلامي
كاليمن ونجران ومأرب وغيرها .

هذه الاشكالية جعلت عبد الرازق نفسه
يتردد في نظريته ، لكنه بعد أن اعترف تلويحاً
بوجود نظام حكم نبوي يعتبره شيئاً منفصلاً عن
الرسالة ، ويتمسك بالادلة القرآنية التي
اوردها سابقاً (25)
.

ولم تصدر عن الكاتب المذكور أية اشارة
إلى مرتكز الحكومة العرفية ـ وليست الدينية ـ
للنبي(صلى الله عليه وآله) بما أنها لم ترتكز
على التنصيب الالهي والديني ، إلاّ إن
المؤلّفين الشيعيين المعاصرين اللذين
يسايرانه في عقيدته اعتبرا أن حكومة النبي
قامت على اساس آراء الاُمة .

وفي هذا الصدد يحلل مؤلف كتاب «الحكمة
والحكم» قيام النبي(صلى الله عليه وآله)
والامام علي(عليه السلام) بشؤون الدولة
والخلافة وسيرتهما كالتالي:

«من جهة اخرى نلاحظ أن بعض الانبياء
السلف ، وخاصة نبي الاسلام العظيم خاتم
الانبياء(صلى الله عليه وآله) تولى إلى جانب
منصب النبوة الرفيع الامور السياسية وادارة
الدولة ، كما أن الامام علياً(عليه السلام)
بالاضافة إلى منصب الامامة والولاية الالهية
العامة الذي اوكل إليه من قبل اللّه وبواسطة
الوحي ، تولى في برهة من الزمن منصب الخلافة
السياسي وادارة شؤون الدولة بطريق البيعة
والانتخاب . وعلينا أن نعلم أن هذا المنصب
السياسي لا يمكن أن نعتبره جزءاً من الوحي
الالهي ; لان الامة هي التي اضافته على منصبهم
الالهي وعرضته عليهم لضرورات زمانية ومكانية
دون أن يتصدوا له بانفسهم»(26)
.

واعتبر المؤلف بشكل واضح البيعة هي
الارضية الممهّدة لقيام حكومة النبي ، مشيراً
إلى الاية الكريمة : (لقد رضي اللّه عن
المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) ، قائلاً :
إن الاية دالة على أن اللّه تعالى أمضى ـ
أساساً ـ بيعة الناس وأثنى على الامة بسبب
انتخابها المناسب(27)
.

وقد سلك بازركان ايضاً طريقاً
مماثلاً ، إلاّ إنه لم يُبد رأياً حول اساس
شرعية الحكم النبوي ، فهو في خصوص النبي(صلى
الله عليه وآله) إنما يشير إلى آلية القرار
عنده(صلى الله عليه وآله) ، ويعتبر مبدأ
الشورى أبرز علامة في حكمه(صلى الله عليه وآله)
توضح لنا أن القرارات الحكومية للنبي(صلى
الله عليه وآله) لم تكن صادرة عن الوحي ،
وبالتالي فهي قابلة لدراسة المعارضين لها
ونقدها ايضاً . يقول بهذا الصدد : «لو فسّرنا
الديمقراطية أساساً بحكم الشعب للشعب ،
وادارة الامم شؤونها بنفسها ، واعتبرنا أن
الطريق للوصول إليها هو الالتزام بآراء
الاكثرية في الانتخابات أو التشاور الحر ،
فهذا هو بالضبط نظام الادارة العامة الذي
أوصى به القرآن ، وهي نظرية عمل بها قبل
الثورة الاسلامية في ايران بزمن طويل الامام
علي(عليه السلام)والامام الحسن(عليه السلام)اثناء
فترة خلافتهما ، فهناك آية في القرآن تخاطب
النبي(صلى الله عليه وآله) مباشرة وتأمره
باستشارة أصحابه في كل الامور ، والعفو عن
جرأتهم والتعامل معهم برحمة ولين (البقرة : 159)
، وفي آية أخرى يرسم القرآن المجتمع الاسلامي
النموذجي الذي من مواصفاته ادارة شوؤنه
الداخلية عبر التشاور »(28)
.

كما قدّم بازركان تحليلين مختلفين
حول السيرة السياسية للائمة الاطهار(عليهم
السلام) ، والتحليل الثاني الذي أبداه في خطاب
له سنة 1992م ، ثم تممه وصححه بعد عامين يعرض لنا
بشكل عام عدم رغبة الائمة(عليهم السلام) في
التدخل في السياسة ، ويحلل تحركاتهم
الاجتماعية تحليلاً غير سياسي . واليك موجزاً
وجانباً من هذا التحليل(29)
: « رغم إلحاح المأمون لم يوافق علي بن موسى
الرضا(عليه السلام)أن يتحمل مسؤولية الخلافة
، لكنه قبل بولاية العهد من اجل مصالح معينة ،
وقد وافق عليها بشكلها الظاهري وامتنع عن أي
تدخل ومسؤولية ، فإذا كانت امامته كنبوة جدّه
مستلزمة للحكم والامساك بالسلطة ملازمة
قطعية (أو عضوية والهية) لاعلنها من قبل
ونفذها . وقد اعتبر(عليه السلام)التنصيب أو
الانتخاب بهذه الصورة ـ لهارون الرشيد ولغيره
من الخلفاء ـ تصرفاً عدوانياً وفضولياً ،
وكان يرى أن الخلافة والحكم بهذه الصورة
يتعارضان مع الحق والمصلحة ، كما أن جده
الامام جعفر الصادق(عليه السلام) لمّا وصلته
رسالة المتمرد الايراني الشهير ابو مسلم
الخراساني ضد بني أمية ، يدعوه فيها الى تسلّم
الخلافة ويطلب منه القبول بالبيعة ، كان رده
أن قام بإحراق الرسالة .

وأما سيد الشهداء الحسين بن علي(عليه
السلام) فهو امام اعتُبرت ثورته ونهضته
وشهادته غالباً ـ لا سيما في نصف القرن
الاخير ـ أنها جاءت لاسقاط يزيد ، وتأسيس
حكومة الحق والهدى والعدالة الاسلامية في
المجتمع الاسلامي يومذاك ; لتصبح اسوة لاجيال
المستقبل ، بينما كانت كلمته الاولى وحركته
وما قام به مباشرة وشخصياً هي الامتناع عن
البيعة لولاية عهد يزيد التي رشحه لها أبوه
معاوية ، والتي تعني التغيير وتأسيس حكم
استبدادي في الامة والسنة النبوية واحلال
الملكية محل الخلافة على حد تعبير المودودي.

وجاء خروج سيد الشهداء من المدينة
ومكة وحركته نحو كربلاء قاصداً الكوفة
استجابة لاصرار الناس ، والدعوات الشفوية
والمكتوبة الكثيرة التي وجهها اليه أعيان
الكوفة وعامة الناس فيها لانقاذهم من الظلم
والفساد الاموي ، وكان تصدّيه(عليه السلام)
للقيادة وادارة شؤون الناس دعوة شعبية
وديمقراطية تماماً ، ولم يقرّر تنفيذ هذه
الفكرة الخطيرة ـ بصورة قطعية ورغم نصائح
أخيه وبعض محبيه الواعين بهذا الصدد ـ قبل أن
يرسل مسلم بن عقيل للتحري والاطمئنان .

وتبين معركة الامام الحسين وشهادته
ونهضته حقيقة مؤداها أن الخلافة والحكم من
وجهة نظر الامام والاسلام ليسا ليزيد
والخلفاء ، ولا هما لله وإنما هما للامة وفقاً
لانتخابها .

واصبح الامام الحسن المجتبى خليفة
ابيه علي المرتضى(عليه السلام) على اساس بيعة
المسلمين له ... وعقد الصلح مرغماً مع معاوية
بسبب اصرار الناس ، ولا شك في أن الامام الحسن(عليه
السلام) ما كان يأذن لنفسه أن يتصالح على
الخلافة مع الاخرين لو اعتبرها ملكاً شخصياً
أو مهمة ربانية أو نبوية ، كما أن الرسول
الاكرم لم يعرض النبوة والرسالة الالهية
للصلح والمعاملة أو الملاعنة ، وأن أيّاً من
الائمة لم يتنازل عن امامته لمن ادعاها ،
فالخلافة في رأي الامام الحسن(عليه السلام) هي
بمعنى الحكم وادارة شؤون الامة وهي من حقوقهم»(30)
.

ويستمر بازركان في عرض رأيه بتحليل
حكم امير المؤمنين الذي استمر خمسة اعوام ،
معتبراً أن شرعية حكمه منبثقة عن الامة ، وأنه
قبل اقبال الناس عليه لم يبادر الى عمل ما
للاستيلاء على الحكم ; لانه لم يعتبر الخلافة
حقاً شخصياً له ، كما اعتبر الكاتب آلية حكمه(عليه
السلام)قائمة على اساس الشورى ، مشيراً الى أن
عهده لمالك الاشتر إنما كان يحتوي على
تعليمات حكومية مع فصل الدين نهائياً عن
السياسة ، بحيث إنه حذّر مالكاً من أن تمنعه
مسؤولية الحكم عن اداء التكليف الشرعي الديني
، واوصاه بطاعة الله وخدمة رعيتّه .

3 ـ ادلة اخرى : من الواضح أننا لا نجد
اجماعاً على فكرة فصل الدين عن السياسة ، وليس
ثمة من يزعم ذلك ، كما أن الدليل العقلي لا
يمنع عن امتزاج الدين والسياسة في سيرة النبي(صلى
الله عليه وآله) ، غير أن انصار هذه الفكرة
تمسكوا لاثباتها باستدلالات تتضمن وجوهاً
عقلائية وبعض المستلزمات العقلية أو
العقلائية للسيرة :

أ- عدم تحقق نظام سياسي في العصر
النبوي


أحد هذه الوجوه ـ قد تقدم عرضه ضمن
السيرة ايضاً ـ هو التمسك بعدم وجود نظام
سياسي كامل في فترة النبي(صلى الله عليه وآله)
فلو كانت الحكومة جزءاً من الدين لاهتم الدين
بمقدمات تأسيسها ولتوضحت أهم معالمها في حياة
رسول الله وسيرته الحكومية ، إلا إن غياب بعض
هذه المعالم في فترة حكومة المدينة يضع اكثر
من علامة استفهام امام وجود نظام حكم متكامل
للنبي(صلى الله عليه وآله) .

ب ـ عدم امكان اشتمال الدين على
السياسة


وعلى مستوىً آخر يتضمن الدين تعاليم
كليّة عامة ، فيما تختص السياسة بالجزئيات
والموضوعات الخارجية ، والدين الذي جاء
لهداية البشرية على مر التاريخ اكبر شأناً من
أن يتوقف دوره على تبيين جزئيات عصر من العصور
، ومن الواضح أن ذكر القضايا الفرعية
والجزئية ـ التي تحتاج اليها مختلف العصور ـ
في عصر واحد إن لم يكن مستحيلاً فهو قطعاً مما
لم يحدث .

يقول مؤلف «الحكمة والحكم» : «الحكم
وتدبير شؤون الدولة ـ وهو عبارة عن ادارة شؤون
الناس اليومية وبناء نظامها الاقتصادي
والامني ـ يعتبر من فروع العقل العملي ومن
الموضوعات الجزئية والمتغيرات التي تتعرض
للتذبذب والتبدل باستمرار ، وهذه الحالة من
التغيّر التي تحصل دائماً في الموضوعات
الحسية والتجربية يجعلها تختلف في علاقتها مع
كليات الوحي الالهي واوامره ، وتتحمل الامة
مسؤولية التحديد الصحيح للموضوعات التجربية»(31)
.

ج ـ المصالحة والامتناع عن الخلافة


نظراً إلى أن الملاحظ في سيرة الائمة
الاطهار(عليهم السلام) أنهم سمحوا بالمصالحة
على الخلافة ، كما فعل الامام الحسن المجتبى(عليه
السلام) ، أو أنهم امتنعوا عن قبولها رغم توفر
الظروف المناسبة ، كما فعل الامام الرضا(عليه
السلام) فهذه النكتة توضح لنا أن الحكم ليس
جزءاً من الدين ، وإلاّ لما صالح الائمة
الاطهار على منصب الولاية والقيادة ولما
امتنعوا عن قبوله ، مثلما لم يصالح النبي محمد(صلى
الله عليه وآله) والانبياء الاخرون على
رسالاتهم(32)
.

د ـ عدم تعميم الزعامة السياسية على
الانبياء


من الدلائل الاخرى التي ساقها البعض
للفصل هي عدم اعطاء القيادة السياسية لبعض
الانبياء ، وفي هذا يقول بازركان : «من أدلة
أنصار ادغام الدين والسياسة ووحدة النبوة
والحكم (أو استلام العلماء للحكم) زعامة النبي
الدينية والسياسية والادارية والقضائية في
اعوام المدينة العشرة ; وكذلك فإن الشاهد على
توأمة النبوة والحكم سلطة انبياء بني اسرائيل
ومنهم داود وسليمان ، والزعامة الدينية
الاجتماعية السياسية الادارية للنبي موسى في
مواجهة فرعون وتهجير بني اسرائيل إلى الارض
الموعودة .

الجواب : حينما نطالع القرآن نلاحظ أن
تولي الحكم من قبل خاتم الانبياء وبعض انبياء
اليهود لم يكن حالة عامة تشمل جميع الانبياء ،
بل هي استثناء إذا اخذنا بالاعتبار كثرة
الانبياء الذين لم يتبوأوا منصب الحكم ،
فالنبوة والحكم في الاصل هما امران أو شكلان
منفصلان ومختلفان ، فكل منهما ينبثق عن مصدره
الخاص ومبناه بحيث لا يمكن أن نجمع بينهما»(33)
.

هذا الاستدلال باللحاظ المنطقي يعتبر
قياساً استثنائياً مفاده أن الحكم لو كان
جزءاً من الدين لكان كل الانبياء قد تولّوا
منصب الحكم ، وبما أن جميعهم لم يكونوا حاكمين
بل إن الكثير منهم لم يتول هذا المنصب إذن
فالحكم ليس جزءاً من الدين .

وقد ذكر أنصار هذا الرأي اجابات على
بعض الادلة التي أوردها اصحاب الرأي المعارض
، وعلى الايات التي يُستدل بها غالباً على شأن
ولاية النبي ومنصبه الحكومي ، سنشير إليها
لاحقاً عند الاشارة إلى تلك االادلة ذاكرين
ما يبدو لنا من نقد لها ، وقبل ذلك كله نتعرض
للرد على الادلة التي طرحناها قبل قليل .

الرد على ادلة انصار الفصل بين الدين
والحكم

1 ـ دليل الكتاب :



ذكروا آيات عديدة لحصر المنصب الالهي
للنبي(صلى الله عليه وآله) بالرسالة ، ولكن
ماذا يراد بهذا الحصر ؟ وهل جاء بإزاء توهّم
منصب آخر له(صلى الله عليه وآله) ؟ وماهو ذاك
المنصب المتوهَّم الذي ينفيه هذا الحصر ؟

إذا لاحظنا تقسيم الحصر في علم
المعاني والبيان إلى الحصر الحقيقي والحصر
الاضافي ، فعلينا أن نقول إن الحصر هنا اضافي
يراد به في الغالب أن يُبيَّن أن النبي(صلى
الله عليه وآله) من شأنه أن يبلّغ الرسالة
باعتباره رسول اللّه ، أما هداية الناس إلى
الحق فهو بيد اللّه تعالى وعلى اساس قوانين
النظام الالهي البديع ، فلا يمكن ادخال
الايمان إلى قلب من ليس له أي اقبال على الدين
والتقوى ولا رغبة له في ذلك .

يقول العلامة الطباطبائي(قدس سره) في
ذيل الايتين 79 و 80 من سورة النساء : «فالحسنات
وهي الامور التي يستحسنها الانسان بالطبع
كالعافية والنعمة والامن والرفاهية كل ذلك من
اللّه سبحانه ، والسيئات وهي الامور التي
تسوء الانسان كالمرض والذلة والمسكنة
والفتنة كل ذلك يعود إلى الانسان لا إليه
سبحانه ، فالاية قريبة مضموناً من قوله تعالى
: (ذلك بأن اللّه لم يك مغيراً نعمة أنعمها على
قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن اللّه سميع
عليم)(34).

قوله تعالى : (وأرسلناك للناس رسولاً)
، أي لا سمة لك من عندنا إلاّ أنك رسول وظيفتك
البلاغ ، وشأنك الرسالة لا شأن لك سواها ،
وليس لك من الامر شيء حتى تؤثر في ميمنة أو
مشأمة ، أو تجر إلى الناس السيئات ، وتدفع
عنهم الحسنات»(35)
.

الحصر في هذه الاية الشريفة والاية
التي تليها وتؤكد مضمونها (الاية التي استشهد
بها عبد الرازق) ، هو بإزاء توهم ما ينسب من
السيئات إلى النبي(صلى الله عليه وآله) وأن له
دوراً فيها .

والايات تدل على حصر الوظيفة في
التبليغ والانذار ، إما بإزاء رغبة النبي(صلى
الله عليه وآله) الملحة في هداية جميع الناس
وايمانهم ، أو بإزاء توهم التأثيرات
التكوينية للرسول (بما هو رسول) على الاخرين ;
ومن الواضح أن نظام التكوين البديع لا يقتضي
مثل هذا الاجبار ; ولا يمكن اذن الاستشهاد بها
بإزاء منصب الامامة والقيادة وتطبيق الدين في
المجتمع الذي يحمل مفهوماً مختلفاً عن مسألة
اجبار المعاندين والمخالفين والجائهم إلى
الايمان .

وفي ذيل الاية الشريفة : (فهل على
الرسل إلاّ البلاغ المبين)(36)
.

يقول المفسر الطباطبائي : «بلغهم
الرسالة بلاغاً مبيناً تتم به الحجة عليهم ،
فإنما وظيفة الرسل البلاغ المبين وليس من
وظيفتهم أن يلجؤا الناس إلى ما يدعونهم إليه
... فإنما الرسول بشر مثلهم والرسالة التي بعث
بها انذار وتبشير ، وهي مجموعة قوانين
اجتماعية أوصاها إليه اللّه فيها صلاح الناس
في دنياهم وآخرتهم ... وعلى هذا ليس من شأن
الرسول اجبار الناس والجاؤهم على الايمان»(37)
.

والاية الكريمة : (لا اكراه في الدين)
لا تعني ابداً التخلي عن المؤسسة السياسية
والحكم ، فمعلوم أن هناك اكراهات عديدة في
الدين عملياً ، نحو اكراه المدين على تسديد
دينه ، واكراه المرأة على طاعة الزوج ، واكراه
اللص على ترك السرقة وغير ذلك ، وما تريده
الاية أن الايمان لا يستحصل بالاكراه ، وليس
مما تطلبه الشريعة أيضاً وإنما يُكتسب
بالارادة وحرية الاختيار(38)
.

ونفي وكالة النبي عن الناس ينطوي كذلك
على مفهوم واضح لا يرتبط من قريب أو
بعيد بقيادة الامة وادارة شؤونها ، فالوكيل
هو الذي يؤدي عملاً نيابة عن موكله ; ونفي
الوكالة عن النبي يراد به أنه(صلى الله عليه
وآله) لا يستطيع أن يؤمن أو يؤدي عملاً صالحاً
نيابة عن الناس ، إذ إن الايمان والعمل الصالح
قائمان بالشخص نفسه ولا يمكن أن يؤديا
بالوكالة . يقول العلامة الطباطبائي في هذا
المقام في ذيل قوله تعالى : (... فمن اهتدى فإنما
يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا
عليكم بوكيل)(39)
: «اعلام لهم بكونهم مختارين فيما ينتخبونه
لانفسهم ... فلهم أن يختاروا لانفسهم ما يحبونه
من نفع أو ضرر ، وليس هو(صلى الله عليه وآله)وكيلاً
لهم يتصدى من الفعل ما هو لهم»(40)
.

من الواضح في ضوء التصورات المذكورة
عن الايات الشريفة أن انحصار الوظيفة في
الرسالة والانذار والتبشير ليس انحصاراً
حقيقياً، ولا ينفي المناصب الالهية الاخرى
للنبي(صلى الله عليه وآله) ، حتى إن بعض
المفسرين السنّة الذين اعتبروه حصراً
حقيقياً ذكروا أن هذه الايات نُسخت بآيات
الجهاد وغيرها ، فقد قال القرطبي في ذيل الاية
: (من يطع الرسول فقد اطاع اللّه ومن تولى فما
ارسلناك عليهم حفيظاً) : «قال القتبي : حفيظاً
أي محاسباً ، فنسخ اللّه هذا بآية السيف وامره
بقتال من خالف اللّه ورسوله»(41).

الرد الاخر الذي يمكن أن نذكره في
قبال الاستدلال بهذه الايات ، هو الالتفات
إلى الايات التي تثبت منصب القضاء للنبي(صلى
الله عليه وآله) ، بل تفصح عن منصبه كحاكم وعدم
جواز التمرد على تعليماته ، وإذا اعتبر مدلول
هذه الايات معارضاً لتلك ، فهي تتمتع على
الاقل بدلالة اقوى ، ولايمكن أن نتجاهلها
ونعرض تصورات اُحادية لظواهر بعض الايات.

وإليك بعض الايات الدالة بوضوح على
وجود مناصب إلهية اخرى للنبي(صلى الله عليه
وآله) غير منصب الرسالة(42)
:

* (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)(43)
.

* (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى
اللّه ورسوله امراً أن يكون لهم الخيرة من
أمرهم ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضل ضلالاً
مبيناً)(44)
.

* (أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول واولي
الامر منكم)(45)
.

* (وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول فإن
توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين)(46)
.

* (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما
شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما
قضيت ويسلموا تسليماً)(47)
.

* (إنما المؤمنون الذين آمنوا باللّه
ورسوله وإذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا
حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك اولئك الذين
يؤمنون باللّه ورسوله فإذا استأذنوك لبعض
شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم اللّه إن
اللّه غفور رحيم)(48)
.

فماذا يُفهم من الاية الاولى (الاحزاب
: 6) التي تعلن أن النبي اولى بالمؤمنين من
أنفسهم ، غير تقدم رأيه ـ وليس شأن رسالته ـ
على آراء الناس في شؤونهم الحيوية الاجتماعية
بل الفردية .

ونزلت هذه الاية الكريمة التي اعلنت
ولاية النبي(صلى الله عليه وآله) على
المؤمنين، حينما اراد البعض الاستئذان من
آبائهم وامهاتهم لما دعاهم الرسول(صلى الله
عليه وآله) لحضور غزوة تبوك(49)
.

وقد فهم المفسرون الشيعة والسنة
غالباً من الاية أن فيها اطلاقاً لولاية
النبي(صلى الله عليه وآله) ، أو ولايته في
الشؤون الاجتماعية على الاقل .

يقول الزمخشري : «النبي اولى
بالمؤمنين في كل شيء من امور الدين والدنيا من
انفسهم ، ولهذا اطلق ولم يقيد ، فيجب عليهم أن
يكون أحب إليهم من انفسهم ، وحكمه أنفذ عليهم
من حكمها ، وحقه آثر لديهم من حقوقها ...
ويتبعوا كل ما دعاهم إليه رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) أو صرفهم عنه»(50)
.

ووضح العلامة الطباطبائي اولوية
النبي(صلى الله عليه وآله) كالتالي : «... ولو
دعته نفسه إلى شيء والنبي إلى خلافه ، أو
ارادت نفسه منه شيئاً واراد النبي خلافه ، كان
المتعين استجابة النبي(صلى الله عليه وآله)
وطاعته وتقديمه على نفسه ، وكذا النبي(صلى
الله عليه وآله) اولى بهم فيما يتعلق بالامور
الدنيوية أو الدينية. كل ذلك لمكان الاطلاق في
الاية»(51)
.

وعلى اساس هذه الاية الشريفة اعتبر
اغلب فقهاء الشيعة النبي(صلى الله عليه وآله)صاحب
ولاية مطلقة ، ويستثنى الاخوند الخراساني من
فقهاء القرنين الاخيرين ، الذي لم يوافق على
امتداد ولاية النبي إلى جميع شؤون حياة
المؤمنين (حتى شؤونهم الفردية)(52)
، كما أن البعض اعتبر الخوض في مثل هذا البحث
لا فائدة ترتجى من ورائه في هذا الزمن .

وتعلن الاية الثانية (الاحزاب : 36)
لزوم اتباع النبي(صلى الله عليه وآله) في
قضائه التشريعي ، ورغم أن شأن نزول الاية
الكريمة وموردها هو زواج النبي(صلى الله عليه
وآله) من مطلقة ولده بالتبني ، إلاّ إن المورد
لا يخصِّص النص بتاتاً ، وتثبت عمومية الحكم
في حالات القضاء المختلفة (الاحكام القضائية)
بل في الاعم من القضاء .

يقول العلامة الطباطبائي في ذلك : «يشهد
السياق على أن المراد بالقضاء هو القضاء
التشريعي دون التكويني ، فقضاء اللّه تعالى
حكمه التشريعي في شيء مما يرجع إلى اعمال
العباد ، أو تصرفه في شأن من شؤونهم بواسطة
رسول من رسله ، وقضاء رسوله هو الثاني من
القسمين ، وهو التصرف في شأن من شؤون الناس
بالولاية التي جعلها اللّه تعالى له بمثل
قوله : (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)(53)
.

واعتبر الامام الخميني(رحمه الله)
القضاء في الاية الشريفة يشمل الحكم القضائي
والحكم الحكومي(54).

وفي رواية استشهد الامام الرضا(عليه
السلام) بهذه الاية ، وطبقها على حكم اللّه
ورسوله في اختيار الائمة ، واعتبر السبب في
هذا القضاء الالهي هو عدم مقدرة الناس على
معرفة الاوصاف الضرورية في الامام واختياره .
«فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام أو يمكنه
اختياره ... فأين الاختيار من هذا وأين العقول
عن هذا ؟»(55)
.

الامر الاخر الذي يدل وبشكل واضح على
أن الشأن الولائي للنبي يعد جزءاً من الدين ،
هو أن المخاطب في هذه الاية وغيرها هو المؤمن
والمؤمنة والذين آمنوا ; وبلحاظ أن تعليق
الحكم على الوصف مُشعر بالعلية ، فإنه يستنتج
من هذه الاية أن اتباع النبي والانصياع
لاحكامه ضروريان لتحقق وصف الايمان ومن
مقدماته .

الاية الثالثة (النساء : 59) فيها دلالة
تامة على لزوم اتباع النبي(صلى الله عليه وآله)وأولي
الامر ، وهذا الاتباع ـ بالتأكيد ـ ليس في
دائرة الرسالة ; لان تكرار امر (أطيعوا) يُشعر
بأن ذكر اللّه هنا ليس من باب التشرف ، وطاعة
اللّه على الظاهر هي نفسها طاعة الرسول في أمر
الوحي ، وطاعة الرسول طاعته في شؤون الحكم
والاوامر التي يصدرها الرسول نفسه .

وثمة احتمالات عديدة بالنسبة لاولي
الامر ، وهناك اختلافات لدى المفسرين وفي
الايات المنقولة عن الشيعة وعن السنة ، وعند
الشيعة رأيان :

الاول : اولوا الامر هم الائمة
الاطهار(عليهم السلام) فقط ; بدليل الروايات
الواردة بهذا الشأن ، وبدليل الاطلاق في
الطاعة التي اوردتها الاية ، ومعلوم أن
الطاعة المطلقة لغير المعصوم لا تنسجم مع
الحكمة الالهية، وقد مال إلى هذا الرأي الشيخ
الطوسي في التبيان والعلامة الطباطبائي في
الميزان(56)
.

الثاني : وهو ما تمسك به بعض الفقهاء
في الاستدلال به على حكومة الفقيه في عصر
الغيبة ، مستفيدين من استناد مقبولة عمر بن
حنظلة إليها ، وهو أن المراد بأولي الامر هو
الائمة المعصومون(عليهم السلام) ، والفقهاء
الجامعون للشرائط في عصر الغيبة الذين لهم
تفويض بالولاية من جانب المعصومين(عليهم
السلام)(57)
.

ومهما يكن من امر فإن لهذه الاية
الشريفة دلالة على منصب الامارة والحكم
الالهي للنبي(صلى الله عليه وآله) واولي الامر
، ولا سيما إذا رجعنا إلى الاية التي سبقتها
والاخرى التي تلتها ، وإلى الروايات التي
جاءت في تفسيرها .

وانتبه علي عبد الرازق إلى هذه الاية
، وقال في مقام الرد على دلالتها : «إن اولي
الامر قد حملهم المفسرون ... على امراء
المسلمين في عهد الرسول(صلى الله عليه وآله)
وبعده ، ويندرج فيهم الخلفاء والقضاة وامراء
السرية ... وقيل علماء الشرع»(58)
.

ومن الواضح أن علي عبد الرازق اضطر
هنا للتمسك بالاقوال الضعيفة ، فمعظم اهل
السنة حمل اولي الامر على ما يدل معناه عليه
من ولاية الامر ، فضلاً عن ذلك فإن الاية
الكريمة تأمر بطاعة افراد هي غير طاعة اللّه
ورسالة الانبياء ، وهذه الطاعة هي جزء من
الدين وتُثبت منصب الامارة والحكم .

ويحاول علي عبد الرازق أن يرد بشكل
آخر بالنسبة إلى مفاد الاية بقوله : «وغاية ما
قد يمكن ارهاق الايتين (الاية المذكورة ،
والاية 84 من سورة النساء) به أن يقال إنهما
تدلان على أن للمسلمين قوماً منهم ترجع إليهم
الامور . وذلك معنى اوسع كثيراً واعم من تلك
الخلافة بالمعنى الذي يذكرون ، بل ذلك معنىً
يغاير الاخر ولا يكاد يتصل به»(59)
.

ورغم أننا نتفق مع علي عبد الرازق في
أن الاية الشريفة لا يستفاد منها اثبات
الخلافة المصطلحة ، إلاّ إنه لا يكتفي بنفي
شكل الخلافة من الشريعة ، بل يتجاوز ذلك إلى
نفي النظام السياسي برمته فلا توجد خلافة ولا
أي نظام سياسي آخر ولا تحديد لولي الامر
بالشخص أو بالوصف في الشريعة ، وهذا في
الحقيقة يبعد الدين عن السياسة تماماً ، ولا
شك في أن مثل هذا الرأي يتناقض مع هذه الاية

وللايات الرابعة والخامسة والسادسة
دلالات مماثلة على المطلوب، نمسك عن الخوض في
تفاصيلها تجنباً للاسهاب .

ولبعض الايات التي ذكرناها دلالة
صريحة على منصب القضاء للنبي(صلى الله عليه
وآله) ، والقضاء وتبعاته بدوره يعتبر من
الشؤون الولائية ، ولابد للقائلين بانفصال
الدين عن الحكم من تصحيح رأيهم على الاقل ،
والقول بأن المراد هو الفصل بين الدين وادارة
المجتمع سوى القضاء .

بعد هذا التصحيح يطرح السؤال التالي :
كيف يمكن لدين أن يتبنى عملية القضاء
وتبعاتها ، ثم يهمل ادارة المجتمع التي ترتبط
ارتباطاً مباشراً بالجهاز القضائي ؟ فقد بات
من الواضح اليوم أن السلطة القضائية حاكمة
ونافذة على مجموعة النظام الحكومي ، كما يمكن
للحكومة أيضاً أن تصيب هذا الجهاز العظيم
بخلل نتيجة لعدم التنسيق .

الرد الاخر على الاستدلال بالايات
التي تحصر شأن النبي(صلى الله عليه وآله)والانبياء
في بيان الوحي ، هو الالتفات إلى روايات
المعصومين(عليهم السلام) .

وإذا كان من غير المنتظر بذل عناية
خاصة لروايات اهل البيت(عليهم السلام)، من قبل
المفكرين غير الشيعة ، فإنه يتعين على علماء
الشيعة الانتباه إلى أن هذه الروايات
بإمكانها أن تفسر وتشرح وتبين وتخصص وتقيد
الايات المحكمات . ورغم أن الرأي هو ما يراه
الكتاب الحكيم في حالة مخالفة الروايات
للقرآن والسنّة القطعية ، إلاّ إن المخالفة
على نحو العموم والخصوص أو الاطلاق والتقييد
أو التفسير و«الحكومة»(60)
، هي ليست مخالفة عرفاً ، فهناك الكثير من
عمومات الكتاب ومطلقاته التي تخصصها
الروايات(61)
.

ونظرة اجمالية في روايات اهل البيت(عليهم
السلام) ، تكشف لنا أن منصب الولاية والحكومة
على المسلمين ولزوم طاعة النبي والائمة(عليهم
السلام) هي من صلب التعاليم الدينية ; وهذه بعض
عناوين كتاب الحجة من اصول الكافي التي تبين
إلى حد ما محتوى الروايات المذكورة في الكتاب
:

ـ باب فرض طاعة الائمة .

ـ باب أن الائمة ولاة امر اللّه وخزنة
علمه .

ـ باب أن الائمة ولاة الامر وهم الناس
المحسودون الذين ذكرهم اللّه عزوجل .

ـ باب التفويض إلى رسول اللّه وإلى
الائمة في امر الدين .

ـ باب أن قوله تعالى : (إن اللّه يأمركم
أن تؤدوا الامانات إلى اهلها)فيهم نزلت(62)
.

وإليكم واحدة من روايات هذا الباب
نوردها مثالاً : عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن
ابن أبي عمير عن عمر بن أذينه عن فضيل بن يسار
، قال: «سمعت أبا عبد اللّه(عليه السلام) يقول
لبعض اصحاب قيس الماصر : إن اللّه عزوجل ادّب
نبيه فأحسن ادبه ، فلما اكمل له الادب قال : (إنك
لعلى خلق عظيم) ، ثم فوّض إليه امر الدين
والامة ليسوس عباده فقال عزوجل : (ما آتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)(63)...»
.

فقد استخدمت هذه الرواية الصحيحة
جملة «ليسوس عباده» للتعبير عن وصف سياسي
للنبي(صلى الله عليه وآله) وهو ما يجري النقاش
بشأنه ، ويتضمن هذا الباب عشر روايات بعضها
جاء بمضمون مماثل للحديث الذي ذكرناه .

وفي ختام هذا الرد الذي يبدو أنه قد
اخذ مداه حول الايات التي تمسكوا بها ، نكتفي
بنقل آية ذكروا لها مدلولاً آخراً من خلال
ترجمتها وتفسيرها بشكل خاص ، رغم ما لظاهرها
من دلالة على البعد الاجتماعي والسياسي للدين
.

قال تعالى : (لقد انزلنا رسلنا
بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان
ليقوم الناس بالقسط)(64)
.

بعد أن ترجم الدكتور مهدي الحائري
الاية الكريمة(65)
قال في توضيحها : «يستفاد بوضوح من هذه الاية
المباركة أن الرسل يبعثون فقط من أجل التدريب
والتعليم على العدالة ; لكي يعي الناس من هذه
الايات البينات والارشادات ما يوصلهم إلى
معايير العدالة الحقة ، ليقوموا بالقسط عن
فهم وادراك . وعليه يتضح أن القيام بالعدل
وتطبيق العدالة والنظام ، وهو ما يعني بالضبط
اقامة الحكومة المسؤولة لتدبير شؤون البلاد ،
يقع على عاتق الناس ، وليس من شأن هؤلاء
القادة الربانيين ومنزلتهم الرفيعة هذه
المسؤولية التنفيذية ; لان مرحلة تنفيذ تكليف
العدل الذي يعني السياسة والتدبير وادارة
شؤون البلاد ، ليس مما يمكن الوصول إليها من
خلال تحليل طبيعة النبوة والامامة وتجربتها
أو استنباطها من لوازمها الذاتية»(66).

وامام هذا الرأي نضع الردّين
التاليين :

الاول : اقصى ما تشير إليه الاية هو
الغاية من ارسال الرسل ، والغاية من الكتاب
والميزان والرسل هي قيام الناس بالقسط ،
وليست لها دلالة على من يحقق هذا الامر ، أهما
الكتاب والميزان ، أم من يقوم بالتنفيذ
بالاسم والصفة .

والحق أن الاية تريد أن توضح أن
القيام بالقسط مناط بارسال الرسل بالكتاب
والميزان ، أي إن هذه هي شروط لازمة للقيام
بالقسط ; ولكن ليس في الاية دلالة على كفاية
هذه الشروط من عدمها.

وإذا كان للاية ظهور في المطلوب
المستدل ، فهناك آيات عديدة اشرنا إلى بعضها
تثبت منصب الولاية النبوية ، وهي نص ولها تقدم
على هذا الظهور .

ورغم أن الحكومة من جهة اخرى ليست
جزءاً من الدين على اساس الاستنباط المستدل ،
إلاّ إن السياسة تعتبر جزءاً منه ، بمعنى أن
الدين يحتوي على البرنامج الاجتماعي
والسياسي العام الذي يتيح للناس تطبيق الدين
على ارض الواقع ، وهذه النقطة ليست موضع خلاف
ـ على ما يبدو ـ مع هذا الكاتب ، ولكن يمكن
معها طرح هذه الاية كدليل مقابل لرأي علي عبد
الرازق في نفيه الكلي لاشتمال الدين على
السياسة .

الثاني : لقد قيل الكثير في غاية بعثة
الانبياء ، إلاّ إن هذه الاقوال غفلت عن
ملاحظة مهمة هي أن طريق الاهتداء المناسب
للمجتمع نحو الاهداف العليا المطلوبة (اللّه
والاخرة) ، يصبح ممكناً عبر ادارته الصحيحة
والقيام بالقسط الذي اعتبر هو الهدف في آيات
عديدة اوصت به ، والذي يعد من الاهداف الوسطية
للاديان الالهية ودين الاسلام جميعاً .

وبالطبع فإن أي محاولة للحصول على
مطامح دنيوية باسم الدين امر مذموم ، إلاّ إن
السعي للوصول بصورة صحيحة إلى مقدمات هداية
المجتمع وارشاده دون ارتكاب ظلم أو حرام ،
يدخل في عداد الواجبات باعتباره مقدمة للواجب
على الاقل . ويبدو أن التركيز الشديد على
الاهداف الاخروية وغايات الدين البعيدة
المدى ، يفضي إلى نسيان المسار الذي يجب أن
يطويه الانسان في هذه الدنيا للوصول إلى تلك
الاهداف السامية ، مثلما يؤدي التفسير العلمي
لمجموعة المعارف الدينية والقرآنية إلى
تجاهل البعد المعنوي للدين واهدافه الاخروية
.



(1)
يعتقد البعض أن البيعة إلى جانب التنصيب إذا
كانت موافقة له فهي مؤكدة، وإذا خالفته فهي
مرفوضة .

(2)
علي عبد الرازق، الاسلام واصول الحكم: 71،
المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

(3)
مهدي بازركان ، خدا آخرت هدف بعثت انبياء (اللّه
والاخرة هدف بعثة الانبياء)، مجلة كيان،
العدد 28 ، ص 55 .

(4)
مهدي حائري يزدي، حكمت وحكومت (الحكمة والحكم)
: 170.

(5)
نفسه : 167 ـ 168 .

(6)
النساء : 80 .

(7)
الانعام : 66 .

(8)
الانعام : 107 .

(9)
يونس : 99 .

(10)
يونس : 108 .

(11)
الاسراء : 54 .

(12)
الفرقان : 43 .

(13)
الزمر : 41 .

(14)
الشورى : 48 .

(15)
ق : 45 .

(16)
راجع: الاسلام واصول الحكم : 171.

(17)
البقرة : 256 .

(18)
النحل : 125 .

(19)
الغاشية : 21 ـ 22 .

(20)
يونس : 99 .

(21)
مهدي بازركان، خدا آخرت هدف بعثت انبياء،
كيان، العدد 28 ، ص 51 ـ 52 .

(22)
الاسلام واصول الحكم : 174.

(23)
نفسه : 149 .

(24)
نفسه : 153 .

(25)
نفسه : 157 ـ 159 .

(26)
مهدي حائري يزدي، حكمت وحكومت: 143.

(27)
نفسه : 167 .

(28)
مهدي بازركان، دفاعيه از اسلام (دفاع عن
الاسلام)، صحيفة كيهان هوائي، العدد 1097 .

(29)
تحليله الاخر يعود إلى خطاب له سنة 1962.

(30)
خدا وآخرت هدف بعثت انبياء، مجلة كيان، العدد
28، ص 49 ـ 50 .

(31)
مهدي حائري، حكمت وحكومت : 141.

(32)
راجع: كيان، العدد 28، ص 49 ـ 50 .

(33)
مهدي بازركان، خدا، آخرت، كيان ، ص 56 .

(34)
الانفال : 53 .

(35)
محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير
القرآن 5 : 5 ، طهران، دار الكتب الاسلامية.

(36)
النحل : 35 .

(37)
الميزان 12 : 256.

(38)
راجع: السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي،
البيان في تفسير القرآن : 327، النجف، مطبعة
الاداب.

(39)
يونس : 108 .

(40)
الميزان 10 : 136 .

(41)
محمد بن أحمد الانصاري القرطبي، الجامع
لاحكام القرآن 5 : 288، بيروت ، دار احياء التراث
العربي .

(42)
اورد كتاب دراسات في ولاية الفقيه تسع آيات
قرآنية في هذا المضمار، وقد جرى البحث بشكل
موسّع حول بعضها، ج1 ب2، ص 35 ـ 81 .

(43)
الاحزاب : 6 .

(44)
الاحزاب : 36 .

(45)
النساء : 59 .

(46)
التغابن : 12 .

(47)
النساء : 65 .

(48)
النور : 62 .

(49)
علي بن جمعة العروسي الحويزي، تفسير نور
الثقلين 4 : 237، قم، اسماعيليان .

(50)
راجع: محمود بن عمر الزمخشري، الكشاف 3:523 ،
بيروت ، دار الكتاب العربي، والميزان 16:291.

(51)
الميزان 16 : 291 .

(52)
الاخوند الخراساني، كتاب حاشية المكاسب : 93،
طهران، 1406 هـ .

(53)
راجع : الميزان 16:341.

(54)
الامام الخميني، كتاب البيع 2: 478، قم،
اسماعيليان.

(55)
الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني 1:201
ـ 202، طهران، دار الكتب الاسلامية.

(56)
محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير
القرآن3:236، بيروت، دار احياء التراث العربي
والميزان 4 : 412 ـ 416.

(57)
راجع: الامام الخميني، كتاب البيع 2 : 478 ـ 482،
والشيخ حسين علي المنتظري، دراسات في ولاية
الفقيه وفقه الدولة الاسلامية 1 : 68 ـ 69، قم،
دفتر تبليغات اسلامي.

(58)
حميد عنايت، سيرى در انديشه سياسى عرب (مطالعات
في الفكر السياسي العربي) : 184 ـ 185، طهران،
امير كبير .

(59)
الاسلام واصول الحكم : 133.

(60)
المقصود بذلك الحكومة المصطلحة في علم الاصول
.

(61)
كتب بازركان في بحث الارتداد ومستندات لزوم
قتل المرتد من وثائق وشواهد، وكلها لا يمكنها
أن تصمد امام الاية 186 من سورة آل عمران;
ويعتقد أنه لم ينتبه إلى الملاحظة المذكورة
في هذا المقال. راجع: كيهان هوائي العدد 1121.

(62)
راجع : الاصول من الكافي 1 : 558 ـ 591 .

(63)
نفسه : 266 .

(64)
الحديد : 25 .

(65)
حكمت وحكومت:140.

(66)
م . ن .

/ 1