تعددیة بین الرؤیة و الواقع نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تعددیة بین الرؤیة و الواقع - نسخه متنی

صالح عضیمة

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

نقـد

التعددية بين الرؤية والواقع

* الدكتور صالح عضيمة
( فرنسا )

وصلتنا نسخة موقعة من نقد وتصويب تحت
عنوان «التعددية بين الرؤية والواقع»
للدكتور صالح عضيمة ـ الاستاذ المحاضر في
جامعة السوربون ونائب رئيس مركز الابحاث
العربية الاسلامية في فرنسا ـ لبحث «التعددية
... الرؤية الاسلامية والتحديات الغربية»
للدكتور محمّد عمارة من مصر والمنشور في
العدد الثاني من مجلة الجامعة الاسلامية التي
تصدر في لندن.. ولاهمية هذا النقد ننشره مع شيء
من الاختصار لمدخله مقدمين له بعرض ابرز
محاور البحث المقوّم، رغم مبادرة المجلة
المذكورة اعلاه بنشره في عددها السابع.

ابرز محاور بحث التعددية ـ موضوع
النقد ـ هي:

* إنّ التعددية في الاسلام، كانت
تحيزّاً لفرقاء يجمعهم جامع الاسلام، وهي
بهذا المعنى قانون التنوّع الاسلامي في إطار
الوحدة الاسلامية.

* إن التعددية، الموزونة بميزان
الوسطية الاسلامية، لابد وأن تكون تحيزاً
لفرقاء يجمعهم جامع الاسلام، وتنوعاً لمذاهب
وتيارات تظللها مرجعية التصور الاسلامي
الجامع، وخصوصيات متعددة في إطار ثوابت
الوحدة الاسلامية، الامر الذي يجعل هذه
التعددية: نمواً.. وتنمية للخصوصيات، مع
احتفاظ كل فرقائها، واطراف الخصوصيات،
وافراد التنوع بالروح الاسلامية، والمزاج
الاسلامي.

* إن «السبيل الاسلامية»، التي حددها
الاسلام، وتميزت بها شريعته، في «حل
التناقضات» بين فرقاء التعددية، جاءت
طبيعتها وآلياتها ومقاصدها لتكرس قيام هذه «التعددية»
عند المستوى الوسطي، الذي لا يذهب بها إلى «الغاء
الاخر» و «نفيه».. ولا إلى «التشرذم» و «القطيعة»
التي لا رابط ولا جامع يوحد بين فرقائها.. فلقد
رفض الاسلام مذهب «الصراع» سبيلاً لحل
التناقضات بين فرقاء التعددية، لان «الصراع»
غاياته «صرع.. وإفناء ... ونفي» الاخر، ومن ثم
فهو يلغي التعددية وينفيها.

( التحرير )


البحثُ ذو شأن وأهمية، وموقعه من
همومنا الاسلامية في القلب منها، وهو في
قضايا الفكر يأتي الاوّل من بينها، وفي مسائل
الادب والحياة لا يرضى أن يكون إلاّ سيّدها،
وأن يأخذ إلاّ موقع الصدارة منها. أقول ذلك
ولا أبالغ فيما أقول، إذا علمنا أنَّ بحث
التعددية ينضمّ على قضايا كثيرة، من بينها
الحرّية والمسؤولية، وفنّ تدبير الامور
الثقافية والسياسية والدينية، وفنّ المحاورة
والتعايش، وفنّ التطوّر والتطوير. وبالجملة
فإنَّه يُشرف على مسائل الحياة كلها عندما
نتجوّل في جنباته ونذهب بعيداً بين طرقات
آفاقه وشعابها.

ولنقل أيها الباحث العزيز إننا نكاد
نتّفق في الرؤية كلّ الاتّفاق، وإنّ الاختلاف
بيننا هو في الواقع، وهو يضيق أحياناً ويتّسع
أحياناً. وما قلته أنت في بدء بحثك، تعرّف به
التعدّدية من أنّها «تنوّع، مؤسَّس على (تميّز
... وخصوصيته)»([1])
هو عينه الذي أقوله، وإن أردت له أن يأتي عندي
بصيغة أخرى، فأنا اقول: إنّها: «اختلاف في
الاجتهاد واجتهاد في الاختلاف». وما قلته بعد
هذا التعريف وأنت تشرح معنى التعددية وتقدّم
الامثلة لايضاح رؤيتك ومفهومك، لا أستطيع أن
أختلف معك فيه، وربما لا يوجد هنالك من يستطيع.

وأنا أقول كما تقول، وأعتقد كما تعتقد
بأن التعددية هي: ( «القانون» الالهي، و «السنّة»
الالهية)([2])
في هذه الموجودات المادية التي لا يحصيها
إلاّ بارئها. وكيف لا نقول ذلك ونحن لا نفتأ
نراه في الكبير والصغير ممّا تقع عليه
أبصارنا من الاشياء حولنا؟ بل نراه في تركيب
أجسادنا وفي أحوال أنفسنا; فما من شيء من
الاشياء المادية يقوم إلاّ بأكثر من عنصر
واحد، وما من ظاهرة من الظواهر الاجتماعية
والبشرية، صغيرةً كانت أو كبيرة، إلاّ وهي
تشتمل على مجموعة من العناصر، تبقى الظاهرة
قائمة موجودة ما دامت هذه العناصر قائمة
موجودة، ولا تتعرّض للتهديد والزوال إلاّ إذا
تعرّض عنصر منها للتهديد والزوال; وهذا
التشابه القائم بين التعددية في طبيعة الكون
ومظاهره وبين التعددية في طبيعة المجتمع
البشري ومظاهره، يأتي دليلاً ساطعاً قاطعاً
على أنّ الحاكم المدبّر هو القانون الالهي،
الذي هو من لدن حكيم خبير.

ولا يوجد هناك بين الباحثين من لا يقول
بأنّ الاديان التي هبطت من السماء إلى الارض،
والدعوات والمذاهب التي خرجت من الارض باتجاه
السماء، لم تعرف التعددية، ولم يكن لها فيها
حضور كبير; فهذه الديانة اليهودية ومثلها
أختها المسيحية عندما نقرأ كتابيهما العهد
القديم والعهد الجديد، نرى أنهما يؤكّدان أنّ
التعددية هي أوضح سنّة من السنن الالهية،
وعندما نقرأ ما جرى في تاريخيهما من الوقائع
والاحداث نشاهد أنّ التعددية هي القانون الذي
لعب الدور الاكبر في توجيه مجرى هذا التاريخ
وتصويره على هذه الصورة التي هو عليها; وهكذا
كان شأن الدين الاسلامي مع قانون الله ومع
فطرته.

لقد عرف الاسلام قيمة التعددية حقّ
المعرفة، ونزل على أمرها بمعنىً وأنزلها على
أمره بمعنىً آخر. ولا أريد أن اتعرّض بشيء من
الحديث عن هذا الترابط المتين بين التعددية
وبين مسؤولية الفرد في المجتمع ومسؤولية
المجتمع نفسه، ولا بين التعددية وبين حرّية
الفرد وحرّية الجماعة، التي هي بمعنىً آخر
الديمقراطية الشعبية، كما لا أريد أن أتطاول
في الحديث على ما للتعددية من دور في تنمية
الحضارة أو في ضمورها، وما لها من شأن في
تهيئة أسباب الازدهار والتقدّم وأسباب
التخلّف والتقهقر.

ولكنني أريد أن أكتفي بوجه من القول
وبإشارة عابرة إلى أن التعددية التي جاء بها
الاسلام وعظمها ودعالها، تكاد تكون وحدها هي
صانعة مصير الفرد والجماعة معاً، إذا روعيت
شروطها من قبل هؤلاء الذين يفتحون الطريق
للتعددية ويمهّدون لها، ومن قبل الذين
انتهجوا نهجهم وتابعوا خطاهم. وأوّل هذه
الشروط هو الصدق في الايمان بأركان الاسلام
كلّها، وتشرب روح الاسلام; بحيث لا يكون هنالك
محلّ لغيرها، أو يكون لها المحلّ الاكبر عند
الفرد.

وثاني هذه الشروط هو أن يكون
للمسؤولية حضور كبير في معنى التعددية، فلا
تكون لاغراض رخيصة أو لاطفاء نائرات عاطفية،
وأن تكون مجالاً من مجالات التنافس، في بناء
الفرد والمجتمع، ورسم شرعة ومنهاج لتمكين
بناء الحضارة وتشييد صرحها.

وثالث هذه الشروط هو أن يكون جناها
يجمع بين الاولى والاخرى أو بين الحياة في
الدنيا والحياة في الاخرى. وبغير هذه الشروط
وما تحمله من تفصيلات في المبنى والمعنى،
فإنَّ التعددية تنتقل إلى ظاهرة أخرى وتأخذ
شكلاً آخر، نقدر أن نسميه الانحراف والضلال
أو الانشعاب والافتراق.

ولا أستطيع أن أنكر أنّك استشرقت هذه
المعاني في بدايات بحثك، وأنك أحضرتها في
ثنايا كلامك بلبوس آخر يختلف عن هذا اللبوس
الذي أحضرتها أنا به، ما سوى الشروط المذكورة
آنفاً التي أرى أنّ الحديث في مدح التعددية
وذكر مزاياها وكرائم أوصافها لا يستقيم
بدونها، ولا يطيب ويحلو إلاّ إذا مُزجت به.

وكذلك لا أستطيع أن أنكر أنني وجدتك
تدنو من الخطر، بل وجدتك تخطو الخطوة الاولى
منه عندما رحت تؤوي الفرقاء كلّ الفرقاء ـ دون
أن تستثني أو تميز ـ تحت قبة الوحدة الاسلامية
والرابط الاسلامي والوحدة السياسية للامّة
والجامع السياسي، وما إلى ذلك من المصطلحات
التي أقول: إنها جمعت بين الاضداد، وراحت تزفّ
إليهم المصالحة والمؤاخاة. ولا أشتطّ إذا قلت:
إنها راحت توحّد بينهم، وتجعل (الطلقاء)
المنافقين يجلسون إلى جانب المهاجرين
والانصار الذين قام الاسلام بدمائهم
وسيوفهم، يقاسمونهم ثمار النصر ويحلبون معهم
ضروع التعددية.

أليس هذا المعنى واضحاً في كلامك؟
وأنت تشيد بالتعددية الموزونة بميزان
الوسطية الاسلامية وتقول بأنَّها: «لابدَّ
وأن تكون تميزاً لفرقاء يجمعهم جامع الاسلام،
وتنوّعاً لمذاهب وتيارات تظلّلها مرجعية
التصوّر الاسلامي الجامع، وخصوصيات متعددة
في إطار ثوابت الوحدة الاسلامية، الامر الذي
يجعل هذه التعددية نموّاً وتنمية للخصوصيات،
مع احتفاظ كلّ فرقائها، وأطراف الخصوصيات،
وأفراد التنوّع بالروح الاسلامية، والمزاج
الاسلامي وتواصل الفروع مع أصل الشجرة
الطيّبة لكلمة الاسلام، التي هي بلاغ الله
إلى رسوله وبيان هذا الرسول إلى العالمين»([3]).

ثم أليس من معاني هذا الكلام أنّ
الفرقاء الذين صنعوا التعددية في الاسلام
وتوزّعوا نعمها ونقمها، كان لكلّ خلاف وقع
بينهم، ولكلِّ حرب دارت رحاها عليهم تميز
يمتدّ بأصوله وفروعه إلى (ثوابت الوحدة
الاسلامية)، وينهض ويتحرّك ويعيش (بالروح
الاسلامية والمزاج الاسلامي). إلى آخر كلامك
الذي هو طيب وحقّ، فيما لو رحنا نعتبره رؤية
إسلامية تشهد لها النصوص كلها وتباركها
القلوب المؤمنة، وتنعقد عليها النوايا
الحسنة المباركة; لكنّ الواقع المرّ الذي
تتابعت موجاته على المسلمين منذ أوّل حياتهم
إلى هذا اليوم وإلى يوم القيامة لا يسمح
لكلامك في بحثك الكريم أن يتمتع بهذه الاوصاف.
وهذا هو الذي سنتوسّع في شرحه وبيانه، عندما
نأتي على مصادرة شرحك وبيانك، في تفصيلك
لكلامك الموجز الجامع الذي استشهدنا به.
فلبّثْ قليلاً، فنحن قادمون لدرء ما يحيط بك
من الاخطار.

نعم، أيّها الباحث العزيز، إن كلامك
هذا يستوحي الحديث الذي قالوا إنّه للرسول
الاعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو: «من
اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله
أجر واحد»([4]);
لا بل يتخذ هذا الحديث قاعدة له وينطلق منها،
ويوزّع الاغراء والتشويق، ثم يستوحي الحديث
الاخر الذي زعموا أنّه للرسول الاعظم(صلى
الله عليه وآله وسلم) وهو: «أصحابي كالنجوم
بأيّهم اقتديتم اهتديتم»([5]).
ولا أشك ولا أرتاب لحظةً بأنك كنت ماهراً حين
صنعت لهذين الحديثين لبوساً من اللغة
المعاصرة المثقلة بالمصطلحات المغرية
والكلمات اللافتة.

لكن لم تعد العقول مغلقة لتقبل قول من
يقول لها: إنّ معركة الجمل كانت نتيجة اجتهاد
المجتهدين من الصحابة، وللمصيب منهم أجران
وللمخطئ أجر، أو قول من يقول: إنّ معارك صفين
والنهروان والطفّ هي ثمار الاصابة والخطأ في
الاجتهاد. ولم يعد التطوّر الذي يتسارع في
الوعي الاسلامي والصحوة الاسلامية يجعل
الصحابة سواء في الاقتداء، أو يجعل أقوالهم
وأفعالهم قدوة له دون أن يميز بينها، وأن
يحاكمها ويعرضها على الميزان السليم الذي هو
القرآن والحديث الصحيح والعقل الصحيح
والواقع الصحيح. لكن عندما يسمع بمصطلح (التعددية)،
وما ينتابها من حركات، وما يتبعها من تأويلات
ولفتات وتحليلات، فإنّه قد يُغرى بحركة من
حركاتها، ويخضع للفتة من لفتاتها، ويقع في
الشبكة وهو لا يدري.

ومن الحقّ أن أكرّر هنا وأقول: إنّ
التعدّدية التي تعني الاختلاف في وجهات النظر
والتنافس في خلق الاقوال والافعال، لاغناء
الفكر في الاسلام، وتوسيع أثره وتأثيره،
والتعددية التي هي: «اختلاف علماء أمتي (أو
اختلاف أمّتي) رحمة»([6]
لا نسمح لانفسنا أن نخلطها مع هذه التعددية
التي يهجم علينا بها حديث الاجتهاد وما فيه من
إصابة وخطأ، وحديث الصحابة والنجوم
والاقتداء بها والاهتداء، ولا نريد أن نقرنها
إلى التعددية السياسية التي ظهر لونها
وصباغها على التعددية في الاسلام أكثر من لون
الفقه، وأصول الفقه وعلم الكلام وعلم
التفسير، وقيام المذاهب الاصولية والفقهية
والكلامية بين جماعة المسلمين. وإن كنا نعترف
بأنّ كلّ أنواع التعدّد في الدوحة الاسلامية
عرفت من قريب أو بعيد أثراً من آثار السياسة،
وذاقت طعماً من طعومها، وارتدت لباساً من
نسيجها.

ولست أدري لماذا رحت تهوّن من شأن (التأويل)
وأنت تسمّي ألوان التعدّدية، وتجعله صغيراً
في جانب التنزيل حتى لا يكاد يرى لصغره، ثم
تجعله سبباً للخلافات السياسية التي نشبت بين
فرقاء مسلمين، وتوسعت ثم توسعت، وكبرت حتى
وصلت إلى الصدام المسلّح والقتال، وتعتقد أنّ
هذا التأويل الذي اختلفوا فيه وتصارعوا عليه
لم يزحزح أحداً من الفرقاء عن وحدة إيمانهم (بالتنزيل)،
ولا عن اجتماعهم وتوحّدهم تحت رايته; بل إنّ
معنى كلامك يذهب إلى أنّ وحدة الامّة
الاسلامية بقيت على خير وظلّت في أمان، ما كان
التنزيل بعيداً عن أن يكون سبباً لاقتتالهم
وتصارعهم، ولان التأويل لم يستطع تصديع هذه
الوحدة لانّه لم يكن يمتلك القدرة على
تصديعها. فتعال نقرأ كلامك وأنت تتحدّث عن
التصدّع السياسي الذي حدث بين الفرقاء
المسلمين، وتطوّر حتى بلغ مرحلة الاقتتال
والمواجهة المسلّحة، ومع ذلك فإنَّ: (فرقاء
هذه الصراعات قد ظلّوا على ولائهم «للدولة
الواحدة» فحافظوا على «الجامع السياسي» وعلى
ولائهم «للدين الواحد» فحافظوا على «الجامع
الديني»، فكان قتالهم على «التأويل» لا على «التنزيل».
وكانوا جميعاً رغم القتال على ولاء لوحدة
الدولة ووحدة الدين..)([7]).

ورغم أنّ أسلوب هذا الكلام مشاكس
مضطرب، وأنّ الكلمات فيه ظاهرة القلقلة، فإنّ
المعنى الذي تذهب إليه بين لدينا، وهو أن كلّ
طرف من الاطراف المتصارعة قد انتزع من نصّ
التنزيل الذي هو القرآن، معنىً يؤيد وجهة
نظره في مواجهته واقتتاله مع الطرف الاخر،
وأنّهم جميعهم لم يخرجوا عن دائرة الصواب.
وانتهيت بعد كلامك إلى اختيار واقعة صفين
مثلاً من بين الامثلة الكثيرة، وأرفقته بنقول
من كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه
السلام)، لتأييد رأيك وتصويب ما ذهبت إليه.
وسيأتي الكلام على الامثلة والنقول بعد أن
ننتهي من محاكمة ما قلته في التنزيل والتأويل.

فنحن لا نستطيع أن نقول كما تقول، أو
أن نذهب إلى ما تذهب، نحن نقول إنّ الاقتتال
بين الفرقاء المسلمين لم يحافظ على وحدة
الامة، ولا على وحدة الجامع السياسي ولا
الديني، بل إنّه مزّق شمل المسلمين وأضعف
الروابط بينهم حتى تقطّعتْ وتمزَّقت، فلم تعد
الروابط بينهم إلاّ بالاقتتال والتواصل
وإلاّ بالمواجهات الدامية. وهذا هو الواقع
الذي يمتد أمامنا بتاريخه المرير وأحداثه
الفاجعة منذ واقعة صفين إلى لحظة تحرير هذه
السطور، يشهد على أن (الفئة الباغية) أصرّت
على النزاع، وسارعت إلى تناول السلاح
والتنادي إلى ساحات الاقتتال، ولم يكن في
نيّتها أن تسعى لوحدة الدين ولا صيانة
الترابط بين المسلمين، ولا حفظ الامانة التي
خلّفها الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله
وسلم) لبني الانسان في كلّ مكان وزمان. وأنّ
هذه الفئة كانت باغية ظالمة، وكانت على
الباطل، وكانت تحارب الحقّ وهي تعرفه، وهو
الامام علي بن أبي طالب(عليه السلام)ومن وقف
معه واصطفّ وراءه. فكيف للحق والباطل أن
يجتمعا في دائرة (الجامع السياسي) أو (الجامع
الديني)؟ حاشا للحقّ أن يكون إلاّ حقاً،
وحاشاه أن يلتقي مع الباطل إلاّ في المقارعة
والمواجهة، وتلك طبيعته وهذا تعريفه، وحاشاه
أن يوزن بميزان الوسطية التي ذهبت إليها أيها
الباحث العزيز; لانّ الوسطية في الاسلام إذا
كانت هي العدل، فالحقّ هو العدل، والحقّ هو
الوسطية، والباطل هو الطرف المطرود المنفي
الذي لا وجود له في الاسلام.

وهذا القول يسمح لنا أن نقول أيضاً:
إنّ التأويل الذي أوت إليه (الفئة الباغية)
ونصرت به حجتها، لم يكن هو التأويل الذي ذهبت
أنت إليه، ورأيته، على ما فيه من اختلاف
وتعدّد، يتوحّد تحت راية التنزيل; ولكنَّه
كان التأويل الذي نستطيع أن نسمّيه الطرف
الاخر، وهو التحريف والتضليل، فكيف له أن
يلتقي مع التنزيل وينضوي تحت لوائه؟!. وأعتقد
أنك جرحت معنى التأويل وأغضبته حين رحت تضمّ (الفئة
الباغية) إلى باقي الفئات الاسلامية، التي من
حقّها أن تنتمي إلى التأويل وأن تعيش على
حسابه. ويكفي هذه الفئة ذلاً وامتهاناً أنّ
التنزيل الحكيم وصفهم بأنَّهم (الشجرة
الملعونة)([8])
ويكفيهم ضَعةً أنهم هم (القرود) الذين رآهم
الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) في
منامه يتواثبون على منبره ويأخذون مكانه
الاقدس([9]).

واسمح لي الان أن أذكرك ـ وأنت ممّن
تنفعهم الذكرى ـ بنموذج صغير من بين نماذج
جِدّ كثيرة من الطرق التي ابتدعها أحد زعماء
هذه الفئة في مسألة التأويل، والاساليب التي
كان يستعملها وشركاؤه في توطئة الامور وتمهيد
المسالك، لترى كيف كانت نصوص التنزيل
تُسخَّر، وكيف كانت تُحرَّف وتُزوَّر ولا
تُؤوَّل وتُفسر، ولا تستنبط منها المعاني
وتُستخرج أوجه المفاهيم بالعقل والاجتهاد.
فقد رُوي عن ابن وهب، قال: «قلتُ لابي ذرّ(رحمه
الله) وهو بالربذة: ما أنزلك هذا المنزل؟ قال:
أخبرك أني كنت بالشام في أيام معاوية، وقد
ذكرت هذه الاية: (والذين يكنزون الذهب والفضة
ولا يُنفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب
أليم)، فقال معاوية: هذه في أهل الكتاب.

فقلت: هي فيهم وفينا. وكتب معاوية إلى
عثمان في ذلك، فكتب إليّ: أن أقدم عليّ، فقدمت
عليه»([10]).

وبهذا التزوير في تأويل الاية، وجعل
معناها يختص بأهل الكتاب من يهود ونصارى فقط،
أفلح معاوية في طرد أبي ذرّ ونقله، واستطاع أن
يجعل الامر سنة متبعة في بني أمّية وبني
العباس وفي بني عثمان، واستمر كنز الكنوز
وسلب الحقوق. ألا ترى إلى هذه السنة أنها هي
وحدها القائمة عند اغلب حكامنا اليوم ومن
يدور في فلكهم من التجار والسماسرة والفقهاء.

وأما عن قولك: «فكان قتالهم على (التأويل)
لا على (التنزيل)»، فإنك تساوي فيه بين (الفئة
الباغية) وبين فئة الحق التي هي الامام وأتباع
الامام، حين رحت تعدّ أهل البغي وأئمة الجور
يعتقدون بالتنزيل ويؤمنون بما جاء به، وبما
بلّغه الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)
عن ربّه، وحين رحت تجعل ما طلعوا به من تأويل
يتفق من قريب أو بعيد وروح التنزيل، ويبقى معه
على وجه من الوجوه دون أن تنقطع بينهما
العلاقة. لكنّ الواقع الذي نقله إلينا
المؤرّخون، ورواة الحديث، ورجال الاخبار
وجماعة الفقه والاصول يأتي كلُّه شاهداً على
ضعف هذا القول، ويُلح علينا في تصحيحه أو
تبديله، إذا لم نقل في رفضه ونبذه. وقد جاء
قولك هذا مؤيداً لحديث الرسول الاعظم(صلى
الله عليه وآله وسلم) ومثبتاً له، وأنت لا
تدري: «يا علي لتقاتِلنّ على تأويله كما قاتلت
على تنزيله»([11]).
ولعمري إنّ من يكشف الغطاء عن هذا الحديث،
ويفهم سرّ القتالين والصلة بينهما: قتال
الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) على
التنزيل، وقتال أمير المؤمنين على التأويل،
فإنَّه لا يعود يفارق الطمأنينة، ولا يصادف
مشكلة إلاّ ويرى حلاًّ لها. ولن أفوّت الفرصة،
فسأروي الحديث هنا من الجهة الاخرى: «إنَّ
فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على
تنزيله. قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال:
لا. قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا. ولكن
خاصف النعال. وكان أعطى عليّاً نعله يخصفها».
أخرجه جمع من الحفّاظ. وصححه الحاكم والذهبي
والهيثمي.

وليتك أحسست، أيها الباحث العزيز، أنك
استهترت بالتأويل مرتين: مرَّةً حين عددت ما
قامت عليه (الفئة الباغية) من حجج وعلل جزءاً
من أجزاء التأويل، ولوناً من ألوانه وطعماً
من طعومه، وحين حسبت أنّ هذه الحجج والعلل
تلتقي بوجه من الوجوه أو بصورة من الصور مع
التنزيل; ومرّة أخرى حين أخّرت التأويل عن
التنزيل بالدرجة، وحين جعلته دونه في المقام
والرتبة والاعتبار; والحال أنهما يقفان جنباً
إلى جنب، وأنهما في رتبة واحدة لا يتقدم
أحدهما على الاخر ولا يتأخّر عنه. وهذا القول
لا يعني أن التأويل هو تنزيل آخر، بقدر ما
يعني أنه شرح وإيضاح وتبيين. فإذا كان التنزيل
هو كلام الله فإنّ التأويل هو المعنى الذي
أراده الله بهذا الكلام. ومن هو الذي يفك
الارتباط بين الكلام ومعناه؟ أو من هو الذي
يفصل أحدهما عن الاخر؟!

ولا تقل لي إنَّ كلام الله هو التنزيل،
وأنّه يحتمل أكثر من معنىً، وأنّه حمّال أوجه;
فما قصدتُ إلى ذلك، بل قصدت إلى هذا التأويل
الذي هو المعنى المراد في كلام الله، قريباً
كان أو بعيداً، بيّناً أو مستتراً. وأظنّ أنك
من الذين يعتقدون أن الرسول الاعظم وأهل
بيته، الصفوة المطهرين، قد عرفوا من معاني
التنزيل ما لم يعرفه بنو البشر، وأنّهم من
الراسخين، بل هم الراسخون; وعليّ أمير
المؤمنين هو منهم، فكيف يُقرن في فهم التنزيل
وفي بلوغ معانيه وفي تأويله إلى معاوية زعيم (الفئة
الباغية) وإلى شركاء معاوية؟!

وكما كنا وعدنا قبل قليل، فقد صار من
الحق علينا أن نأخذ بالحديث على هذه النقول
التي استشهدت بها من كلام أمير المؤمنين عليّ
بن أبي طالب(عليه السلام)، تريد أن تنتزع منها
الصدق على مقولتك في فهم التعددية، والتأييد
لما ذهبت إليه من اعتقاد. فماذا تريد منّي أن
أقول، أيها الباحث العزيز، وأنا في دهشة
وتعجب شديدين; لما رأيته من نقص وتشويه وتزوير
في هذه النقول. نعم رأيت ذلك كلّه فيها، حينما
رحتُ أعرضها على الكلام الثبت الصحيح الذي
نقلته المظانّ الموثقة عن أمير المؤمنين. ولا
تسل كيف اهتديت إلى ذلك; فما هي إلاّ أن وقعت
عيني على الشاهد الاول وأخذت بقراءته، حتى
غمرني إلهام عجيب وهو يناديني ويُهيب بي إلى
الاسراع في التثبت من هذه النقول، قبل الوقوع
في شبكة الاغراء والاقناع التي نصبها قلمك
الكريم. ولا تعجب إذا سمّيت ما حدث إلهاماً;
فمن حقّ طول الدربة وكثرة الممارسة أن يوطّئا
الطريق أمام الالهام، وأن يخلقا له الاسباب
ليأتي على غرّة ومن غير ميعاد. والصحبة بيني
وبين كلام أمير المؤمنين(عليه السلام)
وأفكاره بعيدة وعميقة في التاريخ والحياة وفي
الدربة والممارسة.

ولا أريد أن أطيل أكثر من ذلك، فهذا هو
الشاهد الاوّل، كما ذكرته في بحثك، وأرجعت
مصدره إلى نهج البلاغة: «لقد التقينا وربنا
واحد، ونبيّنا واحد، ودعوتنا في الاسلام
واحدة، ولا نستزيدهم في الايمان بالله
والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، والامر
واحد، إلاّ ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن
منه براء...»([12]).
وعندما تزاح العلّة التي أصابت هذا الشاهد،
وهو النقص، فإنّه يعود إلى طبيعته وإلى صحته،
ويقلب قولك رأساً على عقب، ويجعل التعددية
التي قلت بها تناقضاً يصطرع فيه حق وباطل وكفر
وإيمان، وأخيراً يصير شاهداً عليك وليس
شاهداً لك. فإليك عافيته الضائعة وصحته
المفقودة من سيّد العافية وإمام الصحة: «وكان
بدءُ أمرنا أنّا التقينا والقوم من أهل الشام
والظاهر أن ربّنا واحدٌ ونبيّنا واحد..»([13]).

وإليك ما قاله في شرحه العلاّمة عبد
الحميد بن أبي الحديد المعتزلي، فهو حجّة
أخرى تقف إلى جانبه، وتطلب معه إليك أن تعيد
النظر في كلامك: «وقوله: والظاهر أنّ ربنا
واحد كلام من لم يحكم لاهل صفين من جانب
معاوية حكماً قاطعاً بالاسلام، بل قال
ظاهرُهم الاسلام، ولا خلفَ بيننا وبينهم فيه...»([14]).
فهل بقي مكان لقولك الذي قلته قبل إيراد
الشاهد: «يتحدّث الامام علي بن أبي طالب(عليه
السلام) عن (الجامع الديني) الموحّد لفرقاء
القتال، وكذلك (جامع الدولة)»([15]
وهل بقي مكان لقولك الاخر الذي قلته بعد إيراد
الشاهد: «(فالدين واحد) وجامع... و(الامر واحد)
وجامع... والخلاف في (دم عثمان) فقط»([16]).

وهذا الشاهد الثاني نذكره لك كما
ذكرته أنت وأرجعت مصدره إلى نهج البلاغة: «لقد
أصبحنا نقاتل إخواننا في الاسلام على ما دخل
فيه من الزيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل.
فإذا طمعنا في خصلة يلمّ الله بها شعثنا
ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا رغبنا
فيها، وأمسكنا عمّا سواها»([17]).
وقبل أن أعيد لهذا الشاهد عافيته الضائعة
وصحته المفقودة، ألفت نظرك إلى أنك ذكرت
مصدرين من مصادر النزاع ونسيت مصدرين آخرين
وأنت تمهد لذكر الشاهد، وهذا هو قولك: «ثم
يؤكد على أنَّ مصادر النزاع هي (شبهات) أثمرها
(التأويل) فهي لا تخرج من (أخوة الاسلام)»([18]).
والمصدران الاخران، كما هو ظاهر وواضح، هما
الزيغ والاعوجاج، وهما لا يبقيان أخوّة بين
المتصارعين، ولا إسلاماً عند (الفئة الباغية).

وإليك الان عافية الشاهد وصحته
الضائعتين: «ولكنّا إنما أصبحنا نقاتل...»([19]
ثم إليك ما قال الشارح الحجة ابن أبي الحديد: «هذا
الكلام يتلو بعضه بعضاً، ولكنه ثلاثة فصول لا
يلتصق أحدها بالاخر...»([20]
إلى أن يقول: «... فأمّا قوله: لكنا إنّما
أصبحنا فهو كلام ثالث غير منوط بالاولين...»([21]).
ثم يأتي على ذكر كلام طويل للرضي ننصح بالعودة
إليه، ولا نرى محلاّ له هنا، ثم يعقّب: «فإن
قلت: إنه قد قال: نقاتل إخواننا من المسلمين،
وأنتم لا تطلقون على أهل الشام المحاربين له
لفظة المسلمين، قلت: إنّا وإن كنا نذهب إلى
أنّ صاحب الكبيرة لا يُسمّى مؤمناً ولا
مسلماً، فإنّا نجيز أن يُطلق عليه هذا اللفظ
إذا قصد به تمييزه عن أهل الذمة وعابدي
الاصنام، فيطلق مع قرينة حال أو لفظ يخرجه عن
أن يكون مقصوداً به التعظيم والثناء والمدح;
فإن لفظة مسلم ومؤمن تستعمل في أكثر الاحوال
كذلك، وأمير المؤمنين(عليه السلام) لم يقصد
بذلك إلاّ تميزهم من كفّار العرب وغيرهم من
أهل الشرك، ولم يقصد مدحهم بذلك; فلم ينكر مع
هذا القصد، إطلاق لفظ المسلمين عليهم»([22]).
فأعد النظر في هذا الكلام، ثم أعد النظر،
وتبصر، فإنّه سيقودك إلى تغيير رأيك في
التعددية، أو إلى التعديل منه بحول الله.

وأمّا عن الشاهد الثالث الذي ذكرته
وأرجعت مصدره إلى كتاب (التمهيد)، فإنه يتناقض
وكلام أمير المؤمنين في معاوية وأتباعه
ومناصريه، ولا يتفق الرأي والقول فيه بهؤلاء
والرأي والقول فيهم في كلامه المثبت في نهج
البلاغة. وأغلب الظنّ أنّه منحول إليه مدسوس
عليه، أو أنّه في أضعف الاحوال ناقص ومحرّف
كما رأينا في الشاهدين السالفين. ولشد ما
سعيتُ بحثاً في نهج البلاغة وفي المصادر
الاخرى الموثقة التي عنيت بكلام أمير
المؤمنين وجمعه وشرحه لاعثر عليه، فلم أقع له
على بصيص، ولم أرَ إلاّ ما يخالفه ويعاكسه
ويناقضه. وليس الباقلاّني الاشعري محلاًّ
للاطمئنان، ولا شواهده وتمحلاته أهلاً لان
تُعطى الثقة إلاّ بعد الفحص والتدقيق
والمراجعة والتحقيق.

وليس لي الان إلاّ أن آتي بذكر هذا
الشاهد، كما ذكرته أنت في بحثك، ثم أضع بجانبه
تلك الاقوال التي قالها أمير المؤمنين(عليه
السلام) في موضوع الشاهد نفسه، والتي هي مثبتة
في (نهج البلاغة); ليتأكد عند كلّ ذي نظر
وفطانة أن أفكارها هي غير أفكار الشاهد، وأن
معانيها غير معانيه وآراءها غير آرائه. وهذا
هو الشاهد: «إنّنا والله ما قاتلنا أهل الشام
على ما توهَّم هؤلاء [الخوارج ]من التكفير
والفراق في الدين، وما قاتلناهم إلاّ لنردهم
إلى الجماعة...[أي الجماعة السياسية] وإنهم
لاخواننا في الدين; قبلتنا واحدة، ورأينا
أنّنا على الحقّ دونهم»([23]).

وبعد ذلك يأتي دور الشواهد المنتزعة
من نهج البلاغة، فمن قول له يصف فيه معاوية
وأصحابه، ويضعهم في موضعهم الصحيح: «فوالذي
فلق الحبة وبرأ النسمة، ما أسلموا ولكن
استسلموا واسرّوا الكفر، فلّما وجدوا
أعواناً عليه أظهروه»([24]).
وقال أيضاً من كتاب إلى زياد ابن أبيه، وفيه
يحذّره من معاوية: «فاحذره; فإنّما هو الشيطان
يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه،
وعن شماله، ليقتحم غفلته ويستلب غِرّته»([25]).

وقال أيضاً: «ولقد ضربت أنف هذا الامر
وعينه، وقلبت ظهره وبطنه، فلم أرَ لي فيه إلاّ
القتال أو الكفر بما جاء محمد(صلى الله عليه
وآله وسلم)»([26]).

وقال أيضاً: «وقد قلّبت هذا الامر ظهره
وبطنه حتى منعني النوم، فما وجدتني يسعني
إلاّ قتالهم أو الجحود بما جاء به محمد(صلى
الله عليه وآله وسلم)، فكانت معالجة القتال
أهون عليّ من معالجة العقاب، وموتات الدنيا
أهون عليّ من موتات الاخرة»([27]).

أرأيت، أيها الباحث العزيز، لو أنك
قرأت هذه الشواهد، ومعها الكثير الكثير من
أمثالها من الكلام والاقوال والشواهد الاخرى
لامير المؤمنين في نهج البلاغة وفي غيره،
لامسكت عن الافاضة في هذه الافكار كلها في
مسألة التعددية، ولاكتفيت بجزء ضئيل منها، أو
لاتخذت لنفسك موقفاً غير هذا الموقف الذي
اتخذته وأنت تتحدّث في أبرز قضية من قضايا
الفكر الاسلامي عن التعددية. فاسمح لنا أن
نرفض هذا الموقف وأن نردّه إليك; وكيف لا
نرفضه ولا نردّه، وهو مناقض لكلام أمير
المؤمنين(عليه السلام)، ومعناه عدوّ لمعناه
ومناوئ له. أمير المؤمنين يقول عن معاوية زعيم
(الفئة الباغية) وقائدها في كتاب له إلى زياد
ابن أبيه إنَّه هو (الشيطان)، وأنت وسلفك
الباقلاّني تريدان أن تسمّياه مسلماً
وتجعلاه طرفاً من الاطراف الاسلامية
المتنازعة؟! وأمير المؤمنين يقول في (الفئة
الباغية) وزعيمها إنهم «ما أسلموا ولكن
استسلموا وأسرّوا الكفر»، وأنت وسلفك العزيز
تقولان إنّه من المسلمين المؤمنين، وإنه لا
يخرج من أخوّة الاسلام، وأخوة الدين؟! فنحن
عند الاختيار بين القولين والرأيين لا نستطيع
إلاّ أن نختار قول أمير المؤمنين(عليه السلام)
على قولكما، ورأيه على رأيكما; لاننا نعتقد أن
رأيه وقوله في كل شيء قاله وارتآه هو عين
الصواب ونبع الحقيقة.

ولا تسأل كيف رحتُ أتقلب بين أمواج
الدهشة والتعجّب، وأنا أقرأ كلامك عن الامامة.
أنت تتابع قول من يقول فيها إنّها من الفروع،
وتشايع رأيه وتعتقد به، بل تلحّ في إثباته
بكثير من الاغراء، وتظن أنّ هذه النصوص التي
اخترتها لابي حامد الغزالي في مسألة الامامة
تغري بالاقناع والاعتقاد; فهي على تقديرنا
لها لا تخلو من ضعف وتناقض، ولا تخلو من
ارتجال وتحايل. وليتك أخرت هذه النصوص إلى ما
بعد النظر والتدبّر في آي القرآن المجيد، وفي
أحاديث الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله
وسلم); لترى أن الامامة، هي من الاصول
الثوابت، وأنّ فرعها في السماء وليس مع فروع
الارض، وأنها ليست من المسائل الهيّنة التي
يُكتفى في تعريفها ومعالجتها بنصوص لابي حامد
الغزالي; فهي سيّدة المسائل والقضايا، وإمام
الحركة في حياة الامّة، ويظلّ الغزالي
وأمثاله وأضرابه من الفقهاء والمفكرين أصغر
من أن يحيكوا خيطاً في نسيجها. لقد قال فيها
الوحي كلمته، ولكنهم جحدوا وأنكروا
واستيقنتها أنفسهم. وما أظنّ أن هناك قضية من
القضايا الحسّاسة الكبرى، على تتابع مراحل
التاريخ في أي زمان ومكان، لاقت من العقوق
والتشويه والتحريف ما لاقته قضية الامامة عند
المسلمين، مفكّرين وفقهاء ومؤرّخين وعلماء.
ولا أستثني منهم إلاّ من سبقت له الحسنى.

الامامة هي (الامر) الذي ذكره محكم
التنزيل في قوله: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول
وأولي الامر منكم)([28]
وكما هو ظاهر فإنّ هذا (الامر) يأتي بعد الله
والرسول، فهو ظلّ الرسول أو مكانه، وهو
استمرار له ولرسالته، ولروح الوحي الذي جاء
مبلّغاً له. ومن أجل الحفاظ على هذه الامانة
وتبليغها لم يهادن أمير المؤمنين(عليه السلام)
في صغير ولا كبير، وأحبّ أن يلقى الشهادة
ووجهه مغترّ وقلبه مطمئن، ومن أجلها شرب
الامام الحسن(عليه السلام) كأس السمّ وهو صابر
محتسب، ومن أجلها ساق الامام الحسين(عليه
السلام) نفسه إلى رماح الاعداء الالداء
المتربصين برسالة جدّه من كلّ جهة، واعتز بأن
يُهدي الشهادة نفسه الكريمة على أن يرى
القرود يتناوبون على منبر أبي الزهراء(صلى
الله عليه وآله وسلم)، ويلعبون بقيم الاسلام
وعقول البشر، ومن أجلها استعذب أبناؤه من
بعده كلّ ويل وكلّ شقاء; فمنهم من سجن وقتل،
ومنهم من شرب السمَّ، ومن أجلها غاب واستتر
الامام المهدي (عجل الله فرجه)، ومن أجلها
سيظهر وسيظفر.

ولا ضير علينا أن يُقال لنا إنّ هذا
القول هو رأي طائفة من المسلمين، وهو مرفوض من
السواد الاعظم; فنحن نستطيع أن نوضح الامامة
بلغة أخرى، يتحد عندها المسلمون ولا يتفرقون،
ويجد كل فريق منهم فيها ضالّته الضائعة، إذا
كان له ضالة ضائعة، ولا يسعى لعبث أو باطل أو
فوضى. ولنقل بلغة أخرى لمن يريد تغيير اسلوب
التعبير: الامامة هي رعاية شؤون الدين
والدنيا في الامّة.

أمّا في الدين فتعني الارشاد
والهداية، والاهتمام بالنصوص تعليماً
وتفسيراً وتطويراً، وأمّا في الدنيا فحفظ
الحقوق، وتسيير المعاملات، وتسهيل العلاقات
وتنميتها، ونشر أسباب العمل المتقن، وحماية
البلاد، وفتح آفاق الحياة وتجديدها أمام
الافراد والجماعات إلى غد أفضل، في موكب
الشريعة السمحة وتحت رايتها.

وليست الامامة شيئاً آخر غير هذين
المعنيين اللذين يلتقيان ولا يفترقان،
ويتحدان ولا ينفصلان; وهما بهذا اللقاء
والاتحاد يجمعان بين الارض والسماء ويشكّلان
الخلافة الالهية في الدنيا، وهي التي ذكرها
الحقّ تعالى في التنزيل المحكم: (إني جاعل في
الارض خليفة)([29]).
ولانّها في هذا المقام وهذه الحال من الوصف
جعل الله طاعتها والاذعان لاوامرها مقرونة
بطاعته وطاعة رسوله والاذعان لاوامرهما.
وعندما يتعذّر على الامة أن ترتقي إلى هذا
المحل الاسنى، فإنّه لا يجوز عليها الطاعة
لمن يتولّى (أمرها) إلاّ إذا كان أعلم وأعدل من
فيها; وعندما لا يحالفها الحظ ولا يتيسّر أن
يوكل (الامر) إلى الاعلم والاعدل، فمعنى ذلك
أنها انتقلت إلى دور المعاقبة، وأنّ الله
هيّأ لها من شرارها وعتاتها وظلاّمها حكاماً
لها، يحكمونها ويسيمونها ذلاًّ وخسفاً
نكالاً لها بما كسبت، وتعذيباً على رفضها
إمامة الحقّ وخلافة الله.

ألست ترى معي، أيها الباحث العزيز،
أنّ هذا ما حلّ بالامّة الاسلامية، منذ أن
استقبلت (الطلقاء) الذين راحوا يغيرون شرع
الله، ويبدّلون في دينه، ويحرّفون الكلم عن
مواضعه; ومنذ أن رضيت قادتها (القرود) الذين
أخذوا يتناهبون فيما بينهم مال الله، ويفرطون
بحقوق عباده، ويستعبدون الضعفاء، ويذلّون
الاقوياء، ويسيرون الظلم في الناس كما يسير
السمّ في جسد اللديغ، ويعبثون بالامانات،
ويتاجرون بالعبادات، ولا يؤمنون إلاّ
باللذّات ومتع الحياة، ويتعدّون على آل بيت
الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) بأقسى
أنواع النكال والويل، ويتسابقون إلى تشويه ما
عندهم من سلوك وأخلاق ساميين، وإلى مصادرة ما
عندهم من علم وشريعة، فيمحون بعضاً منها
ويحرّفون البعض الاخر، ويستعينون في بسط
دولتهم ونشر حكومتهم وأحكامهم بالمنحرفين من
القضاة وبالادعياء من الفقهاء، وهكذا طُوى
بساط العدل ونشر بساط الظلم، ولم يبق لال بيت
الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)
وشرعهم الحق ومنهاجهم المستقيم من مكان، إلاّ
في صدور المشرّدين، أو المسجونين، أو
الساكتين خوفاً من البطش والازهاق.

وأخلص ـ بعد هذا العرض الوجيز والسريع
للامامة وما جرى لها، وما حدث بعد اختفاء
جوهرها من انقلاب في حالة الامّة الاسلامية
وحياتها ـ إلى القول: إنَّ هذا الانقلاب هو
الذي فرض على السواد الاعظم من المسلمين، أن
ينظروا إلى الامامة على أنها الاسلوب الذي
يتبعه الحكام في تدبير شؤون الامّة، دون
النظر إلى الظروف والاحوال التي تأتي بهؤلاء
الحكام، وأن على المسلمين أن يطيعوهم ويذعنوا
لهم; لانهم هم (أولي الامر) الذين يأتون بعد
الله والرسول. ولا تسلني عن الحجّة والدليل في
هذا القول; فالتاريخ وأحداثه وما دوّنوا فيه
ودبّجوا يأتي كلّه حجةً ودليلاً. ومتى قصّر
المحدّثون والفقهاء عن خلق نصوص كثيرة من مثل:
«اسمعوا وأطيعوا وإن استُعمل عليكم عبد حبشيّ
كأنّ رأسه زبيبة»([30])؟!
أو في تأوّل نصوص كثيرة يريدون بها وجه
الدنيا، ثم يريدون بها شدّ أزر الحاكم القائم
وتأمين غطاء له يقيه من تمرّد وعصيان، ويحميه
من محاولة خلع باسم الشريعة أو باسم الاصلاح؟!
وإذا رحتُ ألوم أبا حامد الغزالي في شيء،
فإنّما ألومه لانه عدّ الامامة ـ التي هي أخطر
مسألة في حياة الاسلام والمسلمين ـ مسألة
فرعية، وأنّ النظر فيها «ليس من المهمات،
وليس أيضاً من فنّ المعقولات فيها، بل من
الفقهيات»([31]
وهو الفقيه والمفكر الذي نجح في استخدام فكره
لخلق نظرات جديدة في الفكر الاسلامي، وتحريك
التشويق إلى استشراق آفاق التجديد.

ولا أريد أن ألومك أنت إذا رحت تقول
بقول السواد الاعظم من المسلمين بشأن
الامامة، وتجعلها كما جعلوها فرعية; فأنت حرّ
في اختيار ما تشاء من رأي واعتناق ما تريد من
عقيدة، بل ذلك هو حقك كما هو حقّ كل إنسان;
ولكن أريد أن ألومك إذا أنت سكتّ عن ظلم
الحاكم الظالم، وسكتّ عن تحريف فقهاء
السلاطين للنصوص، وعن انحراف القضاة والولاة
والعلماء، وسكتّ عن تسخير الدين للاغراض
الخسيسة والمتاع الزائل الفاني، وسكتّ عن
اطمئنان الامة وإخلادها إلى العبث والفوضى،
دون أن تحرّك ساكناً في وجه الظالم وعلى
الانحراف والتشويه. نعم ألومك إذا أنت سكتّ عن
كل ذلك منذ عهد (الطلقاء) إلى يومنا هذا، كما
سكت عنه السواد الاعظم من المسلمين. أمّا إذا
رفضت أن تسكت ـ كما أحسب وأعتقد ـ وقمت تعدّل
وتقوّم هنا، وتصلح وتسوّي هناك، وتجاهد ليسود
الاحسن والافضل، فأنت حينئذ تعمل بأمر
الامامة وتحسب من جنودها وأنت لا تدري. فما
أجلّك وما أكرمك حين تعمل بأمرها وتُحسب من
جنودها وأنت تدري!

ولم يكن لي إلاّ أن أعجب وأنا أقرأ
كلامك عن رأي الاسلام في (حلّ التناقضات)،
والسبل التي يعتمدها لمواجهتها، مع حفاظه على
التعددية، وصونه حقّ كلّ فريق في أن يكون
موجوداً باللون الذي يريد. وممّا تقوله: «فلقد
رفض الاسلام مذهب (الصراع) سبيلاً لحلّ
التناقضات بين فرقاء التعددية; لانّ (الصراع)
غاياته (صرْع، وإفناء، ونفي) الاخر، ومن ثم
فهو يلغي التعددية وينفيها»([32]).

وليس هناك موضع واحد للعجب في هذا
الكلام فقط، وإنّما فيه مواضع; فأمّا الموضع
الاول فإنك تشير فيه إلى أن الاسلام رفض مبدأ
إلغاء الطرف الاخر وافناءه في المجابهة، فما
هو اعتقادك إذن في ضيع (الناكثين) و(المارقين)
و(الطلقاء) في حروب: الجمل والنهروان وصفين،
وأنت تسميهم مسلمين؟! وهل كان هؤلاء الذين
أداروا هذه الحروب الطاحنة وأوقدوها يرغبون
إلا (بصرْع) آل بيت الرسول الاعظم وافناء بيت
النبوة ومعدن الرسالة؟! هل كانوا يريدون
الاستيلاء على الحكم وحده والوقوف عند هذا
الحد؟! لقد استولوا على الحكم وأقصوا الطرف
الاخر وحاولوا إبادته، ولكن إرادة الله حالت
دون ذلك. وما هو اعتقادك في واقعة الطف وما جرى
فيها من الفواجع والدواهي التي لا يعرف
التاريخ لها مثيلاً؟. لقد ألغوا الطرف الاخر
بزعمهم، وظنّوا أنهم استراحوا منه، ولكنّ
الطرف الاخر هو الذي كتب له البقاء.

أذكر لك هذه الامثلة وأسمّي أصحابها;
لانني رأيتك تضعهم تحت راية الاسلام وفي زمرة
المسلمين، وأنت تتّخذ من واقعة صفين مثلاً
على صيانة الاسلام للتعددية بين الفرقاء،
سواء في المحاورة والمجادلة أو في الاقتتال
والمصارعة. والحق أنّ هؤلاء جميعهم قد نالوا
وصفهم الحقّ، وأخذوا تعريفهم الصادق الصحيح
في كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه
السلام) في (نهج البلاغة); فعدْ إليه واقرأه
وتدبّره، واعذرنا بعد ذلك إذا قلنا لك: إنّنا
لا نستطيع أن نضع كلامك ولا كلام غيرك ممن
تقدمك من السواد الاعظم، ولا ممن سيأتي بعدك
بجانب كلامه، ولا أن نقرن رأيكم إلى رأيه.

وأما الموضع الثاني للعجب في كلامك،
فهو أنك تنفي عن الاسلام لجوءه إلى نفي الاخر
والغاءه، ثم تستشهد بالاية الكريمة: (فأمّا
ثمود فأُهلكوا بالطاغية * وأما عاد
فأُهلكوا بريح صرصر عاتية * سخّرها عليهم سبع
ليال وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها
صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية * فهل ترى لهم من
باقية)([33]
ولم تلتفت، وأنت تستشهد بها، إلى أنّها نصّ
قرآني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه، يحدثنا ويعلمنا أنّ عاداً وثمود قد
أهلكهم الله بعد أن رفضوا الانذار وألحّوا في
الرفض، وبعد أن جاءتهم النذر، وبعد صبر طويل
عليهم، وبعد أن ارتكبوا المنكرات كلّها
وخاضوا عباب الفواحش بطوله وعرضه. أليس
القرآن هو القانون الاسلامي الاول؟ أليس هو
العين الصافية التي ترفد كلّ سواقي الاسلام
وجداوله بالادلة والحجج، وتمهد لها الطريق
وترسم لها الحدود والاتجاه؟ فكيف تقول إذن
إنّ الاسلام لا يرضى بصرعِ الاخر ولا يسعى إلى
إلغائه؟.

إنّ الاية التي استشهدت بها، أيها
الباحث العزيز، جاءت دليلاً على أنّ الاسلام
ينفي الطرف الاخر ويلغيه عندما لا يسمع ولا
يعقل ولا يعي، وعندما يقاوم الدعوة ويكابر
الرسالة، ويسعى إلى ردّها وطمسها وإلى قتل
أصحابها الدعاة الرسل، أو من يوكل في تبليغها
وحمايتها والحفاظ عليها. نعم إنَّ الاسلام
يعتمد المجادلة والمحاورة والاخذ والردّ في
الاقناع والتفهيم، ويوصي بالحرص على هذه
الوسائل ويفضلها على غيرها، ويصون حقّ
التعددية في كلّ ذلك; ولكن حينما تهجم الاخطار
من كل جانب ولا تكون هذه الطرق كافية للاقناع،
ولا لحماية الرسالة ومن يقوم بتبليغها، فإنّ
الاسلام يركب القوّة والصراع، وينفي الطرف
الاخر إذا كان في إفنائه صوناً للقانون
الالهي والدعوة الالهية.

وأمّا عن القسم الاخير في بحثك، والذي
تحدثنا فيه عن امتهان الغرب للتعددية وجنايته
عليها، وتروي لنا قصصاً وحكايات تبدؤها بما
صنع الغرب في المرحلة الصليبية وتختمها بما
صنعه بالامس القريب، فنحن لا نختلف معك فيما
تروي وفيما تذهب إليه، بل نعرف أكثر ممّا تعرف
عن الغرب; لاننا نعيش فيه منذ زمن طويل،
وننتقده ونذمّه في وجهه أكثر مما تنتقده
وتذمه وأنت بعيد عنه; ولكننا لا نتفق معك في
التحليل والتأويل وفي قراءة الظاهرات وتفسير
الاحداث.

فليس صحيحاً أن الغرب ينكر التعددية
ويقمعها، وأنّه لا يرضى برؤية طرف آخـر كـما
في الصيغة التي ذهبت تخـلقها وتنسجها من
التحليل والتفسير; فقد غاب من بحثك الحديث عن
طبيعة الصراع ووسائله وطرقه بين التيارات
المتماوجة في الغرب، وبين هذه التيارات وبين
الشرق العربي والاسلامي. وهنا لا أستطيع أن
استوفي البحث بقليل من الوقت وقليل من
الصفحات، بل يحتاج إلى وقت طويل وإلى أوراق
كثيرة، ولكنني أقول لك منذ الان وقبل كل شيء:
إنّ الطريق إلى إثبات التعددية في الاسلام
وإلى إظهارها، هي طريق الامام الحسين بن علي(عليهما
السلام)، ولا مفرّ للمسلمين إذا أرادوا بعث
الاسلام وحيازة العزّة والكرامة من أن تكون
كربلاء هي نقطة الانطلاق في هذه الطريق.

ولكم نصير سعداء عندما تحدّثنا عن هذه
التعددية التي عرفها المسلمون في أيام الزعيم
معاوية، وتحكي لنا كيف كان يلاحق من بينهم
هؤلاء الذين يرفضون سبّ أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب(عليه السلام); وعن ابنه يزيد وما صنعه
بالمدينة ثم بالكعبة، وما جرّ حقده القديم
على أهل بيت الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله
وسلم)في واقعة الطف.

ونصير سعداء أيضاً عندما تحدثنا عن
هذه التعددية التي عرفها المسلمون في عهد
الحجاج وفي عهود ملوك بني أمية وأمرائهم
وولاتهم، وفي عهود بني العباس وعهود بني
عثمان، ونصير سعداء أكثر عندما نسمع منك
الاحاديث عن التعددية في عهد صلاح الدين
الايوبي وما صنعه بإمام من أئمة الفكر
العالمي وهو السهروردي بشهادة الرسالة
الشهيرة للقاضي الفاضل، وكيف لاحق الشيعة
وقتّلهم شرّ تقتيل ونكّل بهم أبشع تنكيل. نعم
عندما تحدثنا عن هذه التعددية التي عرفها
المسلمون على أيدي حكامهم ومعهم فقهاؤهم
وقضاتهم وعلماؤهم ووعاظهم في غابر عهودهم،
وفي أمسهم القريب، وفي عهدهم الحاضر، وتُخلص
في الحديث عنها وفي التحليل، فإنك حينئذ
تستطيع أن تحدثنا عن هذه التعددية في الغرب
وعن جنايته عليها، وإلاّ فلا.



([1])
الجامعة الاسلامية. العدد 2 : 67.

([2])
المصدر السابق: 69.

([3])
المصدر السابق.

([4])
الطبقات الكبرى 3 : 251.

([5])
جامع بيان العلم وفضله 2: 90 ، ط . دار الكتب
العلمية.

([6])
المصدر السابق 1: 78.

([7])
الجامعة الاسلامية العدد 2 : 74.

([8])
أخرجه ابن مردويه عن عائشة، وذكره السيوطي
في الدر المنثور 4: 91، والحلبي في السيرة 1: 33،
والشوكاني في تفسيره 3: 31، والالوسي في
تفسيره 15: 107، والقرطبي 10: 286.


([9])
راجع تفسير الاية: (وما جعلنا الرؤيا التي
أريناك) في تفسير الطبري 15 : 77، وتاريخ الطبري
11: 356، وتفسير الخازن وتفسير الشوكاني وتفسير
الالوسي.

([10])
نهج البلاغة 3: 240، ط الثالثة، دار الفكر
للجميع.

([11])
نهج البلاغة، ووقعة صفين لابن مزاحم.

([12])
الجامعة الاسلامية العدد 2: 74، وقد ورد مرّة
أخرى في العدد 3: 24 ـ 25.

([13])
نهج البلاغة: 448، ط. صبحي الصالح، و3: 114، ط.
عبده.

([14])
شرح نهج البلاغة 4: 160 ـ 161، ط. الثالثة، دار
الفكر للجميع.

([15])
الجامعة الاسلامية: 74.

([16])المصدر
السابق.

([17])
المصدر السابق.

([18])
المصدر السابق.

([19])
نهج البلاغة: 179، ط. صبحي الصالح، و1: 236، ط.
عبده.

([20])
شرح نهج البلاغة 2: 263، ط. دار الكتب العلمية.

([21])
المصدر السابق.

([22])
المصدر السابق.

([23])
الجامعة الاسلامية: 74.

([24])
نهج البلاغة: 374، ط. صبحي الصالح.

([25])
المصدر السابق: 415 ـ 416.


([26])
المصدر السابق: 84 .

([27])
المصدر السابق: 91.

([28])
النساء: 59.

([29])
البقرة: 30.

([30])
البخاري، عن أنس بن مالك.

([31])
الجامعة الاسلامية: 75.

([32])
المصدر السابق: 78 ـ 79.

([33])
الحاقة: 5 ـ 8 .

/ 1