دراسـات - نظام العلاقات الاجتماعیة العامة فی مدرسة أهل البیت (ع) (4) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نظام العلاقات الاجتماعیة العامة فی مدرسة أهل البیت (ع) (4) - نسخه متنی

السید محمد باقر الحکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسـات

نظام العلاقات الاجتماعية العامة
في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)

( 4 )

* السيد محمد باقر الحكيم

خامساً : الاحسان والمعروف واليد
العليا

وفي الحديث عن البناء الفوقي للقاعدة
الخامسة ، وهي الاحسانواليد العليا ، نجد
أمامنا آفاقاً واسعة ; ذلك أن الكثير من
المفردات السابقة تدخل في باب الاحسان واليد
العليا ، وإن كان طابعها العام يتصف بصبغة
أخرى .

فمثلاً في بعد الانفتاح في المعاشرة
أشرنا إلى إفشاء السلام وحرمة القطيعة
والهجرة بين المؤمنين ، باعتبارهما دليلين
على هذا الاتجاه (الانفتاح) وهذا البعد في
النظرية الاسلامية ، ولكن في الوقت نفسه
يعتبر إنهاء الهجرة من قبل المظلوم إحساناً
للظالم .

وهكذا الامر في مبدأ التكافل
الاجتماعي ، ومبدأ التناصر والتراحم ، ومبدأ
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، التي
أشرنا إليها في قاعدة تقوية البناء الاجتماعي
، أو حسن الظن وغض النظر عن أعمال السوء
الشخصية أو الاذى الشخصي .

وكذلك الحال في صفة التواضع ، والصبر
على الحسّاد ، اللذين أشرنا إليهما في قاعدة
ضبط العواطف والانفعالات ، فإنهما يُعدّان
أيضاً من ألوان الاحسان والمعروف .

ولعل مجمل حالات التودد والمجاملة
وحسن الخلق ، التي أشرنا إليها سابقاً ، هي
أيضاً ألوان من الاحسان والمعروف ، وهكذا
الكثير من الواجبات والالتزامات الشرعية أو
الاجتماعية ، فإنها تعتبر أيضاً ألواناً من
الاحسان واليد العليا في مجمل حركة الانسان
في مجال العلاقات .

لذا سوف نقتصر في بحث البناء الفوقي
لهذه القاعدة على الاشارة إلى جوانب أربعة
ترتبط بهذه القاعدة :

ضوابط الاحسان

الجانب الاول : الاصول والضوابط
العامة في الاحسان ، التي تعتبر جانباً من
النظرية أيضاً ; ونشير هنا إلى ضوابط عامة في
موضوع الاحسان :

الضابطة الاولى : أنه وإن كان الاحسان
محبوباً بصفة عامة ، ويعبّر عن سمة الايثار في
أكثر موارده ، فلكونه ينطلق من مفهوم الاخوة
والعدل والمساواة بين المؤمنين ، لابد
للانسان أن يلاحظ فيه ألاّ يكون ضرره وخسارته
أكبر من النفع والفائدة التي تلحق أخاه
المؤمن ، كما يصنع الانسان مع نفسه تماماً في
باب المعاملات والمعاوضات ، فإنه حينما يقدم
مالاً أو حقاً عوضاً عن مال أو حق ، يلاحظ أن
تكون منفعته أكثر ، أو مساوية على الاقل .

وقد ورد في ذلك الحديث عن أهل البيت(عليهم
السلام) ، فقد روى الحسن بن محمد الطوسي في
مجالسه بسند معتبر عن اسماعيل بن خالد قال : «
سمعت أبا عبد اللّه جعفر بن محمد(عليهما
السلام) يقول : جمعنا أبو جعفر (الباقر)(عليه
السلام) فقال : يا بَنيّ، إياكم والتعرض
للحقوق ، واصبروا على النوائب ، وإن دعاكم بعض
قومكم إلى أمر ضرره عليكم أكثر من نفعه له فلا
تجيبوه »(1)
.

وذكر الكليني في الكافي هذا المعنى
ضمن أحاديث متعددة عن الصادق والكاظم(عليهما
السلام) : « لا تدخل لاخيك في أمر مضرّته عليك
أعظم من منفعته له » ، و«لا تبذل لاخوانك من
نفسك ما ضره عليك أكثر من منفعته لهم »(2)
.

الضابطة الثانية : تعجيل المعروف
لصاحبه وستره عليه ، وتصغيره لديه ، لما لذلك
من آثار روحية ونفسية واجتماعية على صاحب
المعروف وأهله ، فقد روى الكليني في الكافي
والصدوق في الفقيه والخصال عن أبي عبد اللّه(عليه
السلام) قال : « رأيت المعروف لا يتم إلاّ
بثلاث : تصغيره ، وستره ، وتعجيله ، فإنّك إذا
صغرته عظمته عند من تصنعه إليه ، وإذا سترته
تمّمته ، وإذا عجلته هنّأته ، وإذا كان غير
ذلك سخّفته ونكّدته »(3) .

وبهذا المعنى جاء الحديث عن أمير
المؤمنين(عليه السلام) قال : « لا يستقيم قضاء
الحوائج إلاّ بثلاث ، باستصغارها لتعظم ،
وباستكتامها لتظهر ، وبتعجيلها لتهنؤ »(4)
.

كما روي بسند معتبر عن حمران عن الامام
أبي جعفر(عليه السلام) قال : سمعته يقول : « لكل
شيء ثمرة ، وثمرة المعروف تعجيل السراح » وفي
رواية أخرى للصدوق «تعجيله»(5) .

الضابطة الثالثة : الاهتمام بوضع
المعروف عند أهله من الناس ، وهم خيارهم ،
فإذا كان ممن ليس من أهل المعروف لا يصح صنع
المعروف له .

وهذه الضابطة لا تنافي ما أشرنا إليه
سابقاً من صنع المعروف مع كل أحد ، فإن ما
ذكرناه هناك إنما هو في حالة عدم معرفة الناس
، فيحسن بالانسان أن يصنع المعروف لحبّه
المعروف ، ولكن عندما يتبين له سوء حال الشخص
الذي يريد أن يصنع إليه المعروف ، وأنه ليس من
أهله لا يصح له ذلك ، لانه لا يستحقه فيضيع
المعروف ، بل تكون آثار صنع المعروف معه سلبيه
في بعض الاحيان ، إذ يقطع سبيل المعروف بكفره
ونكرانه له .

وقد وردت في هذا الموضوع روايات
معتبرة عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ،
تؤكّدها روايات أخرى عديدة .

عن سيف بن عميرة قال : « قال أبو
عبداللّه(عليه السلام) لمفضل بن عمر : يا مفضل ،
إذا أردت أن تعلم أشقي الرجل أم سيعد ، فانظر
سيبه ومعروفه إلى من يصنعه ، فإن كان
يصنعه إلى من هو أهله فاعلم أنه إلى خير ، وإن
كان يصنعه إلى غير أهله فاعلم أنه ليس له عند
اللّه خير »(6)
.

وقال أمير المؤمنين(عليه السلام) : « من
كان له منكم مال فإيّاه والفساد ، فإن إعطاءه
في غير حقه تبذير وإسراف ، وهو يرفع ذكر صاحبه
في الناس ، ويضعه عند اللّه ، ولم يضع امرؤ
ماله في غير حقه ، وعند غير أهله إلاّ حرمه
اللّه شكرهم ، وكان لغيره ودّهم ، فإن بقي معه
بقية ممن يظهر الشكر له ، ويريد النصح فإنما
ذلك ملق وكذب ، فإن زلت به النعل ثم احتاج إلى
معونتهم ومكافأتهم فألام خليل ، وشر خدين ;
ولم يضع امرؤ ماله في غير حقه ، وعند غير أهله
إلاّ لم يكن له من الحظ فيما أتى إلاّ محمدة
اللئام وثناء الاشرار مادام منعماً مفضلاً ،
ومقالة الجاهل : ما اجوده ، وهو عند اللّه بخيل
، فأي حظ أبور وأخسر من هذا الحظ ؟! وأي فائدة
معروف أقل من هذا المعروف ؟! فمن كان منكم له
مال فليصل به القرابة ، وليحسن منه الضيافة ،
وليفك به العاني والاسير وابن السبيل ، فإن
الفوز بهذه الخصال مكارم الدنيا وشرف الاخرة
»(7)
.

وفي وصية النبي(صلى الله عليه وآله)
لعلي(عليه السلام) قال : « يا علي ، أربعة تذهب
ضياعاً : الاكل على الشبع ، والسراج في القمر ،
والزرع في السبخة ، والصنيعة عند غير أهلها »(8)
.

الضابطة الرابعة : تحمل مؤنة النعم
التي يتفضل اللّه سبحانه وتعالى بها على
عباده ، وذلك من خلال المزيد من الانفاق وصنع
المعروف ، فإن الانسان إذا أنعم اللّه عليه
بنعمة ظاهرة يتوجه إليه الناس ـ بطبيعة الحال
ـ فيثقلونه بالطلبات والحاجات ، فينشأ له
بسبب ذلك الكبير من الضغط والكلفة .

والضابطة التي وضعها أهل البيت(عليهم
السلام) لذلك هو أن يتحمل الانسان مؤنة هذه
النعمة ، ويصبر على هذا الضغط ، ويلبي هذه
الطلبات ، فإن ذلك يكون سبباً لاستدامتها
وبقائها واستمرارها ، وبدون ذلك قد تتعرض هذه
النعمة إلى الزوال .

وقد نبّه أهل البيت(عليهم السلام)
شيعتهم والجماعة الصالحة من أتباعهم على هذه
الحقيقة ، والسنّة الكونية في النعم الالهية .

عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) قال : «
من عظمت نعمة اللّه عليه اشتدت مؤنة الناس
إليه ; فاستديموا النعمة باحتمال المؤنة ، ولا
تعرّضوها للزوال ، فقلّ من زالت عنه النعمة
فكادت أن تعود إليه »(9)
.

وعن أبان بن تغلب قال : « قال أبو عبد
اللّه(عليه السلام) للحسين الصحاف : يا حسين
، ما ظاهر اللّه على عبد النعم حتى ظاهر عليه
مؤنة الناس ، فمن صبر لهم وقام بشأنهم زاده
اللّه في نعمه عليه عندهم ، ومن لم يصبر لهم
ولم يقم بشأنهم أزال اللّه عزوجل عنه تلك
النعمة »(10)
.

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال : «
إن للّه تعالى في كل نعمة حقاً ، فمن أدّاه
زاده اللّه منها ، ومن قصر خاطر بزوال نعمته »(11)
.

وقال(عليه السلام) : « إن للّه عباداً
يختصّهم بالنعم لمنافع العباد ، فيقرّها في
أيديهم ما بذلوها ، فإذا منعوها نزعها منهم
ثمّ حوّلها إلى غيرهم»(12).

الضابطة الخامسة : شكر النعم وصنائع
المعروف ، فإن الانسان إذا تفضل عليه بنعمة من
عنده ، أو بتسخير عبد من عباده ليحسن له ويصنع
المعروف إليه ، فلابد له أن يشكر هذه النعمة
وهذا المعروف ; فإن شكر النعم سبب لاستمرارها
وبقائها ، وكفرانها سبب لزوالها ; ومن أفضل
أنواع الشكر صنع المعروف إلى الاخرين ،
والاحسان لهم ، وكذلك شكر اللّه المنعم ، وشكر
عباده المحسنين .

عن محمد بن عجلان قال : « سمعت أبا عبد
اللّه(عليه السلام) يقول : أحسنوا جوار النعم ،
قلت : وما حسن جوار النعم ؟ قال : الشكر لمن
أنعم بها ، وأداء حقوقها »(13).

وعن داود بن سرحان قال : « كنا عند أبي
عبد اللّه(عليه السلام) إذ دخل سدير الصيرفي
فسلم وجلس ، فقال له : يا سدير ما كثر مال أحد
قط إلاّ كثرت الحجة للّه تعالى عليه ، فإن
قدرتم تدفعونها(14)
عن أنفسكم فافعلوا ، فقال : يابن رسول اللّه ،
بماذا ؟ فقال : بقضاء حوائج إخوانكم من
أموالكم ، ثم قال : تلقّوا النعم يا سدير بحسن
مجاورتها ، واشكروا من أنعم عليكم ، وأنعموا
على من شكركم ، فإنكم إذا كنتم كذلك استوجبتم
من اللّه الزيادة ، ومن إخوانكم المناصحة ، ثم
تلا (لئِن شكرتُم لازيدنّكُم)(15) .

ويدخل في هذه الضابطة أيضاً مكافأة
المعروف بمثله أو بضعفه ، أو الدعاء لصاحبه
بالخير وحسن الجزاء ، فإن ذلك لون من ألوان
الشكر على المعروف .

عن أبي عبداللّه(عليه السلام) قال : «
كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول : من صنع
بمثل ما صنع إليه فإنما كافأه ، ومن أضعفه كان
شكوراً ، ومن شكر كان كريماً ، ومن علم أن ما
صنع إنما صنع إلى نفسه لم يستبطئ الناس في
شكرهم ، ولم يستزدهم في مودتهم . ولا تلتمس من
غيرك شكر ما أتيت إلى نفسك ، ووقيت به عرضك ،
واعلم أن الطالب إليك الحاجة لم يكرم وجهه عن
وجهك ، فأكرم وجهك عن ردّه »(16)
.

وعن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
قال : « كفاك بثنائك على أخيك إذا أسدى إليك
معروفاً أن تقول له : جزاك اللّه خيراً ، وإذا
ذكر وليس هو في المجلس أن تقول : جزاه اللّه
خيراً ، فإذاً أنت قد كافأته »(17)
.

ولذلك حث أهل البيت(عليهم السلام) على
شكر المعروف ، وأنكروا كفرانه ، فعن أبي
عبداللّه(عليه السلام) قال : « لعن اللّه قاطعي
سبيل المعروف ، قيل : وما قاطعوا سبيل المعروف
؟ قال : الرجل يصنع إليه المعروف فيكفره ،
فيمتنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره »(18)
.

وعنه(عليه السلام) عن رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) أنه قال : « من أتى إليه معروف
فليكافِ به ، فإن عجز فليُثنِ عليه ، فإن لم
يفعل فقد كفر النعمة »(19)
.

وعن عمار الدهني قال : « سمعت علي بن
الحسين(عليه السلام) يقول : إن اللّه يحب كل
قلب حزين ، ويحب كل عبد شكور . يقول اللّه
تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة :
أشكرت فلاناً ؟ فيقول : بل شكرتك يا رب ، فيقول
: لم تشكرني إن لم تشكره ، ثم قال : أشكركم للّه
أشكركم للناس »(20)
.

أداء الحقوق

الجانب الثاني : في صنع المعروف
والاحسان هو المعروف من خلال أداء الحقوق
التي وضعها اللّه تعالى على الانسان المسلم
لاخيه المسلم ، أو الانسان المؤمن كذلك
تجسيداً لعمل المعروف ; وقد مرت الاشارة إلى
بعض هذه الحقوق في أحاديثنا السابقة ، ونشير
هنا إلى بعض النماذج الاخرى التي تعبر عن
البناء الفوقي لهذا الجانب ; علماً بأن بعض
هذه الحقوق واجب وبعضها مستحب .

الرفق بالرفيق

1 ـ إذا رافق انسان انساناً آخر في طريق
أو سفر أو دراسة أو في انجاز عمل معين أصبح
لهذا الرفيق حق على رفيقه ، يقتضي الرفق به
والاحسان إليه وصنع المعروف لديه ، وقد ورد عن
أهل البيت(عليهم السلام) ما يؤكد هذه الحقوق.

عن أبي عبداللّه(عليه السلام) قال : «
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : ما اصطحب
اثنان إلاّ كان أعظمها أجراً وأحبهما إلى
اللّه عزوجل أرفقهما بصاحبه »(21)
.

عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه(عليهم
السلام) قال : « قال رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) : إذا كنتم في سفر فمرض احدكم فأقيموا
عليه ثلاثة أيام »(22)
.

قضاء حاجة المؤمن

2 ـ ومن جملة الحقوق للمؤمنين على
اخوانهم قضاء الحاجات التي يلجأ المؤمن في
قضائها إلى اخوانه ; وقد اشرنا في بعض الابحاث
السابقة إلى أن ذلك من الحقوق العامة
للمؤمنين على اخوانهم ; وقد ورد عن أهل البيت(عليهم
السلام) روايات عديدة تؤكد استحباب ذلك بصفة
عامة ، والثواب الجزيل المترتب عليه فضلاً عن
الاثار الوضعية الدنيوية التي يكون قضاء
الحاجة سبباً في وجودها .

عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : « إن
المؤمن لترد عليه الحاجة لاخيه فلا تكون عنده
يهتمّ بها قلبه فيدخله اللّه بهمّه الجنّة »(23)
.

عن أبي عبداللّه(عليه السلام) قال : «
ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلاّ ناداه اللّه
تبارك وتعالى : عليّ ثوابك ، ولا أرضى لك بدون
الجنّة »(24)
.

عن اسماعيل بن عمار قال : « قلت لابي
عبد اللّه(عليه السلام) : المؤمن رحمة على
المؤمن ؟ قال : نعم ، قلت : وكيف ذلك ؟ قال :
أيّما مؤمن أتى أخاه في حاجة فإنما ذلك رحمة
من اللّه ساقها إليه وسيّبها له ، فإن قضى
حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها ، وإن ردّه
عن حاجته وهو يقدر على قضائها فإنما رد عن
نفسه رحمة من اللّه عزوجل ساقها إليه وسيبها
له ، وادّخر عزوجل تلك الرحمة إلى يوم القيامة
حتى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيه ، إن
شاء صرفها إلى نفسه وإن شاء صرفها إلى غيره . (إلى
أن قال) : استيقن أنه لن يردها عن نفسه . يا
إسماعيل من أتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها
فلم يقضها له سلّط اللّه عليه شجاعاً ينهش
إبهامه في قبره إلى يوم القيامة مغفوراً له أو
معذّباً »(25)
.

عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) قال : «
أيّما مؤمن سأل أخاه المؤمن حاجة وهو يقدر على
قضائها فردّه عنها سلّط اللّه عليه شجاعاً في
قبره ينهش من أصابعه »(26)
.

تفريج كربة المؤمن

3 ـ ومن هذه الحقوق أن يقوم الانسان
المؤمن بتفريج كربة أخيه المؤمن عندما يصاب
بشدة أو يتعرض لمحنة وضيق .

عن زيد الشحام قال : « سمعت أبا عبد
اللّه(عليه السلام) يقول : من أغاث أخاه المؤمن
اللهفان عند جهده فنفّس كربته وأعانه على
نجاح حاجته كتب اللّه عزوجل له بذلك
ثنتين وسبعين رحمة من اللّه ، يعجل له منها
واحدة يصلح بها أمر معيشته ، ويدّخر له احدى
وسبعين رحمة لافزاع يوم القيامة وأهواله »(27)
.

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال : «
من كفارات الذنوب العظام اغاثة الملهوف ،
والتنفيس عن المكروب »(28)
.

الستر على المؤمن وتكذيب ما ينسب إليه
من سوء

4 ـ ومن هذه الحقوق للمؤمنين ستر
عيوبهم وعوراتهم وما يرتكبون من ذنب في خفاء
وغفلة ، وكذلك تكذيب ماينسب إليهم من سوء إذا
كانوا ينكرون ولا يقولون به .

فقد روى الكليني في الكافي عن الامام
الباقر(عليه السلام) قال : « يجب على المؤمن أن
يستر عليه سبعين كبيرة »(29)
.

كما روى في الجعفريات بإسناده عن علي(عليه
السلام) أنه قال : « لو وجدت مؤمناً على فاحشة
لسترته بثوبي » . أو قال(عليه السلام) : « بثوبه
هكذا » .

كما روى القطب الراوندي في لب اللباب
عن أمير المؤمنين هذا النص في حديث بينه وبين
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)(30)
.

كما ورد أيضاً عن أمير المؤمنين(عليه
السلام) أنه قال : « أيها الناس ، من عرف من
أخيه وثيقة في دين وسداد طريق فلا يسمعن فيه
اقاويل الرجال . أما إنه قد يرمي الرامي وتخطئ
السهام ، ويُحيل الكلام ، وباطل ذلك يبور ،
واللّه سميع وشهيد . أما إنه ليس بين الحق
والباطل إلاّ أربع أصابع . فسئل(عليه السلام)
عن معنى قوله هذا ، فجمع اصابعه ووضعها بين
أذنه وعينه ثم قال : الباطل أن تقول سمعتُ ،
والحق أن تقول رأيتُ »(31)
.

النصيحة للمؤمن

5 ـ ومن جملة هذه الحقوق للمؤمنين وجوب
النصيحة لهم ، والاخلاص في العمل من أجلهم
والصدق فيه ، فقد روى الكليني في الكافي بطريق
معتبر عن الامام الصادق والباقر(عليهما
السلام) أنهما قالا : « يجب للمؤمن على المؤمن
النصيحة له في المشهد والمغيب » .

وقد سبق ما ورد عن رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) من أنه قال : « الدين النصيحة ، قيل :
لمن يا رسول اللّه ؟ قال : للّه ولرسوله ولائمة
الدين ولجماعة المسلمين »(32)
.

وكذلك ورد بطريق معتبر عن أبي عبد
اللّه(عليه السلام) أنه قال : « أيّما مؤمن مشى
في حاجة أخيه فلم يناصحه فقد خان اللّه ورسوله
»(33)
.

وقد تقدم في الابحاث السابقة أن من
المعروف الذي يستحقه المؤمن من أخيه المؤمن
إكرامه ، كما تقدم في التكافل الاجتماعي وجوب
معونة المؤمن عند الضرورة ، وتقدم في
المعاملة الخاصة بعض الحقوق للمؤمن على
إخوانه المؤمنين .

التنازل عن الحقوق المستحقة

الجانب الثالث : في صنع المعروف
والاحسان هو التنازل عن الحقوق التي يستحقها
الانسان من الاخرين ، وعدم مطالبتهم بالانصاف
لنفسه ، 2فإن هذا التنازل وغض النظر عن حقه من
أفضل صنائع المعروف ، ومن عزم الامور ، كما
يعبّر عنه القرآن الكريم : (وَلَمنْ صَبرَ
وغَفَر إنَّ ذلكَ لَمِنْ عَزم الاُمور)(34)
، كما أن أجر المغفرة والصفح على اللّه تعالى :
(وجَزاءُ سيّئة سيّئةٌ مِثلُها فَمَنْ
عَفا وأصلحَ فأجرُه على اللّه إنّه لا
يُحِبُّ الظّالمينَ)(35)
.

وقد تم تأكيد هذا الاتجاه في أحاديث
أهل البيت(عليهم السلام) ضمن مجموعة من
المفردات ، وقد ورد عنهم ـ كما سنشير إليه ـ أن
التنازل عن الحقوق هو خير أخلاق الدنيا
والاخرة .

العفو والصفح

المفردة الاولى : العفو والصفح
والمغفرة للمسيء خصوصاً عند القدرة على
العقاب والاخذ بالثأر أو استرجاع الحق ،
ويترتب على العفو آثار وضعية دنيوية وآثار
معنوية ذاتية وآثار أخروية من الثواب والاجر
الجزيل .

وكل ذلك وردت فيه روايات وأحاديث عن
أهل البيت(عليهم السلام) .

فقد روى الكليني بطريق معتبر في
الاثار الوضعية الدنيوية عن ابن فضّال عن أبي
الحسن(عليه السلام) أنه قال : « ما التقت فئتان
قط إلاّ نصر أعظمها عفواً »(36)

وروى أيضاً عن اسماعيل بن زياد
السكوني عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) قال :
« قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) :
عليكم بالعفو فإن العفو لا يزيد العبد إلاّ
عزّاً ، فتعافوا يعزّكم اللّه »(37)
.

وروى الصدوق عن رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) قال : « عفو الملك أبقى للملك »(38) .

وعن علي(عليه السلام) قال : « العفو
زكاة الظفر »(39)
.

وفي جانب الاثار المعنوية ما رواه
الرضي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين(عليه
السلام) أنه قال : « إذا قدرت على عدوك فاجعل
العفو عنه شكراً للقدرة عليه »(40)
، وقال(عليه السلام) : « أولى الناس بالعفو
أقدرهم على العقوبة »(41)
، وفي هذين النصين بيان لما يحصل عليه
الانسان من تكامل ذاتي ، من خلال العفو
عند القدرة في شكره للّه تعالى ، وفي تفضيله
على الاخرين .

وفي جانب الاجر والثواب ورد عن أهل
البيت(عليهم السلام) ما يبين عظم جزاء أهل الحلم
والعفو ; من ذلك قول رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) الذي رواه عنه الباقر(عليه السلام)قال :
« إذا كان يوم القيامة ينادي مناد يسمع
آخرهم كما يسمع أولهم فيقول : أين أهل الفضل ؟
فيقوم عُنق من الناس فيستقبلهم الملائكة
فيقولون : ما فضلكم هذا الذي نوديتم
به ؟ فيقولون : كنا يُجهل علينا في الدنيا
فنحمل ، ويساء إلينا فنعفو ، فينادي
مناد من اللّه تعالى : صدق عبادي ، خلّوا
سبيلهم ليدخلوا الجنة بغير حساب »(42) .

قبول العذر

المفردة الثانية : قبول عذر المعتذر ،
فإنه إذا أساء شخص إلى آخر بقول أو فعل ثم جاءه
معتذراً عن ذلك ، فإن من المعروف والاحسان ،
الذي يكون مصداقاً للتنازل عن الحقوق ، هو
قبول عذره .

فقد روى الصدوق في الفقيه عن الامام
الصادق عن آبائه(عليهم السلام) عن رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) في وصيته لعلي(عليه السلام)
قال : « يا علي ، من لم يقبل من متنصل عذرا
صادقاً كان أو كاذباً لم ينل شفاعتي»(43).

وروى أيضاً عن أمير المؤمنين(عليه
السلام) في وصيته لولده محمد بن الحنفية قال
: « لا تصرم أخاك على ارتياب ، ولا تقطعه دون
استعتاب ، لعل له عذراً وأنت تلوم به .
اقبل من متنصّل عذراً صادقاً كان أو كاذباً
فتنالك الشفاعة »(44) .

وروى الكليني في الروضة عن أبي الحسن(عليه
السلام) في حديث أن علي بن الحسين قال لولده : «
إن شتمك رجل عن يمينك هم تحول إليك عن يسارك
فاعتذر إليك فاقبل عذره »(45)
.

ومن الملاحظ في هذه الاحاديث الثلاثة
أنها جاءت من قبل المعصومين توصية لاولادهم
وأهل بيتهم ; لان مثل هذا العمل من الاخلاق
أعلى درجات التكامل .

إنظار المعسر وإبراؤه

المفردة الثالثة : إنظار المدين
المعسر وتأجيله في الدين ; فإن ذلك من
الواجبات الشرعية التي نص عليها القرآن
الكريم ، والافضل هو إبراء ذمته ، والتصدق
عليه بذلك ، فقد قال اللّه تعالى : (وإنْ كانَ
ذو عُسْرة فنَظِرةٌ إلى مَيسَرة وأن
تَصدَّقوا خيرٌ لكم إنْ كُنتُم تعلَمون)(46)
.

وقد وردت الروايات المعتبرة عن أهل
البيت(عليهم السلام) في تأكيد هذا الامر
بأساليب متعددة .

فعن عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه عن
أبي عبد اللّه(عليه السلام) قال : « إن رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) قال في يوم حارّ
وحنا كفّه : من أحب أن يستظل من فور جهنم ؟
قالها ثلاث مرات ، فقال الناس في كل مرة : نحن
يا رسول اللّه . فقال من أنظر غريماً أو ترك
المعسر . ثم قال لي أبو عبد اللّه(عليه السلام)
قال عبد اللّه بن كعب بن مالك : إن أبي أخبرني
أنه لزم غريماً له في المسجد ، فأقبل رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) فدخل بيته ونحن
جالسان ، ثم خرج في الهاجرة ، فكشف رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله)ستره فقال : يا كعب ، مازلتما
جالسين ؟ قال : نعم بأبي وأمي ، قال : فأشار
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بكفه خذ النصف
، قال : فقلت : بأبي وأمي ، ثم قال : اتبعه ببقية
حقك . قال : فأخذت النصف ووضعت له النصف »(47)
.

وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه(عليه
السلام) أنه قال : « من أراد أن يظله اللّه يوم
لا ظل إلاّ ظله ؟ قالها ثلاثاً فهابه الناس أن
يسألوه ، فقال : فليُنظر معسراً ، أو ليدع له
من حقه »(48)
.

وعنه(عليه السلام) قال : « صعد رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) المنبر ذات يوم
فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال
: أيها الناس ، ليبلغ الشاهد منكم الغائب . ألا
ومن أنظر معسراً كان له على اللّه عزوجل
في كل يوم صدقة بمثل ماله حتى يستوفيه ، ثم قال أبو عبد اللّه(عليه
السلام) : (وإنْ كانَ ذو عُسرة فنَظِرةٌ إلى
ميسَرة ، وإن تصدَّقوا خيرٌ لكم إنْ كنتُم
تعلَمونَ) إنّه معسر فتصدقوا عليه بما لكم
عليه ، فهو خير لكم »(49) .

تحليل الميت والحي من الدين

المفردة الرابعة : تحليل المدين من
الدين ، ولا سيما الميت ، فإن ذلك من أفضل
انواع الصدقات ، وأرقى درجات الاحسان ، حيث
يُحسن إليه بالقرض ـ كما سوف
نشير إليه ـ ويحسن إليه أيضاً بإبراء ذمته
وتحليه مرة أخرى .

وقد أكد أهل البيت(عليهم السلام) هذا
النوع من الاحسان والتنازل عن هذا الحق ، فقد
روى الكليني في الكافي عن الحسن بن خنيس قال :
« قلت لابي عبد اللّه(عليه السلام) : إن لعبد
الرحمان بن سيابة ديناً على رجل قد مات ،
وكلّمناه أن يحلّله فأبى ، فقال : ويحه ! أما
يعلم أن له بكل درهم عشرة إذا حلّله ، فإذا لم
يحلّله فإنما له درهم بدل درهم »(50)
.

وعن معتّب قال : « دخل محمد بن بشر
الوشاء على أبي عبد اللّه(عليه السلام)فسأله
أن يكلم شهاباً أن يخفف عنه حتى ينقضي الموسم
، وكانت له عليه ألف دينار ، فأرسل إليه فأتاه
، فقال له : قد عرفت حال محمد وانقطاعه إلينا ،
وقد ذكر أن لك عليه ألف دينار لم تذهب في بطن
ولا فرج ، وإنما ذهبت ديناً على الرجال ،
ووضائع وضعها ، فأنا أحب أن تجعله في حل ، فقال
: لعلك ممن يزعم أنه يقبض من حسناته فتعطاها ،
فقال : كذلك هو في أيدينا ، فقال أبو عبد اللّه(عليه
السلام) : اللّه أكرم وأعدل من أن يتقرب إليه
عبده فيقوم في الليلة القرّة ، ويصوم في اليوم
الحار ، ويطوف بهذا البيت ثم يسلبه ذلك فتعطاه4
، ولكن للّه فضل كثير يكافئ المؤمن ، فقال: هو
في حل »(51)
.

وفي ختام هذا الجانب لابد أن نشير
أيضاً إلى وجود مجموعة من المفردات الاخرى
التي تعبّر عن هذا النوع من الاحسان ، الذي هو
التنازل عن الحقوق ، وقد تقدم الحديث عنها ،
من مثل حرمة القطيعة مع المؤمنين حتى لو كان
الانسان مظلوماً ; فإنه لا يجوز الهجرة اكثر
من ثلاثة أيام ، وكذلك غض النظر وغير ذلك .

اليد العليا في الاحسان

الجانب الرابع : في الاحسان والمعروف
هو أن يكون الانسان ذا يد عليا في الاحسان ;
والجانب الثالث ، وإن كان يعبّر في بعد منه عن
مستويات هذا الجانب ، فان اليد العليا تتحقق
تحققاً جلياً عندما يبادر الانسان إلى
المعروف وصنعه مع الناس ، أو تكون درجته
العالية هو أن يصنع المعروف مع من أساء إليه
أو ظلمه أو قطعه ، وهو ما نعبّر عنه بردّ
الاساءة بالاحسان ، فهنا مستويان : الاول :
المبادرة إلى المعروف ، والثاني : ردّ الاساءة
بالاحسان .

1 ـ المبادرة إلى المعروف

ونجد في أخلاق العلاقات الاجتماعية
المأثورة عن أهل البيت(عليهم السلام)مفردات
كثيرة ، أشير إلى بعضها في حسن الخلق وفي
التودد والمجاملة وفي تقوية البناء
الاجتماعي ، وبقية الابحاث السابقة ; وهنا
نشير إلى بعض النماذج والمفردات .

الانفاق والمعروف


المفردة الاولى : الانفاق على
الاصدقاء والمؤمنين والمسلمين عامة ، سواء
أكان ذلك بصفة صدقة أو هدية ، أو غير ذلك من
صنائع المعروف المالي التي يقوم بها الانسان
، والتي تقي مصارع الهوان ، كما عبّر عن ذلك
أمير المؤمنين(52) .

وقد ورد تأكيد الانفاق في القرآن
الكريم كثيراً ، ومنه قوله تعالى : (لن تَنالوا
البِرَّ حتى تُنفقوا ممّا تُحبّون)(53)
.

كما وردت روايات كثيرة عن أهل البيت(عليهم
السلام) في استحباب الصدقات وأهميتها ،
وآثارها الدنيوية والاخروية ، مثل : « إن
الصدقة تقضي الدين وتخلف بالبركة » و« تدفع
ميتة السوء » و« البرّ والصدقة ينفيان الفقر
ويزيدان في العمر » و« إن اللّه ليعطي
بالواحدة عشرة إلى مئة ألف فما زاد » و«
استنزلوا الرزق بالصدقة» وأن الصدقة « ما تقع
في يد السائل حتى تقع في يد الرب جل جلاله » و«
أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن ، فإن صدقته
تظله » و« الصدقة جُنّة من النار » و« داووا
مرضاكم بالصدقة » و« لا يكمل ايمان العبد حتى
يكون فيه أربع خصال : يحسن خلقه ، وتسخو نفسه ،
ويمسك الفضل من قوله ، ويخرج الفضل من ماله »(54) .

ولاهمية هذا الموضوع نجد أهل البيت(عليهم
السلام) قد عالجوا فيه مختلف الجوانب والاداب
التي يمكن الرجوع إليها في كتب الحديث ،
وأكدوا نية القربة وضرورة العمل بها قليلاً
أو كثيراً ، وعدم ردّ السائل ، وكذلك صدقة
السر والمبادرة فيها ، والاوقات الشريفة لها
، وتقديم صدقة المؤمن على العبادات الاخرى
المستحبة ، وشمول الصدقة لجميع الناس ، وكذلك
الدواب ، وفضل صدقة الرحم(55) .

وقد ورد التأكيد الكثير لصنع المعروف
، وخصوصاً الانفاق العام في أحاديث أهل البيت(عليهم
السلام) . فعن أبي عبد اللّه(عليه السلام) قال :
« إن من بقاء المسلمين وبقاء الاسلام أن تصير
الاموال عند من يعرف فيها الحق ، ويصنع
المعروف ، وإن من فناء الاسلام وفناء
المسلمين أن تصير الاموال في أيدي من لا يعرف
فيها الحق ، ولا يصنع فيها المعروف »(56) .

وعنه(عليه السلام) قال : « قال رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) : كل معروف صدقة »(57)
.

وعنه(عليه السلام) قال : « المعروف شيء
سوى الزكاة ، فتقربوا إلى اللّه عزوجل بالبرّ
وصلة الرحم »(58)
.

وعن الباقر(عليه السلام) قال : « صنائع
المعروف تقي مصارع السوء ، وكل معروف صدقة ،
وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في
الاخرة ، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر
في الاخرة ، وأول أهل الجنة دخولاً إلى الجنة
أهل المعروف ، وإن أول أهل النار دخولاً إلى
النار أهل المنكر »(59)
.

وعن أبي بصير قال : « ذكرنا عند أبي عبد
اللّه(عليه السلام) الاغنياء من الشيعة ،
فكأنه كره ما سمع منا فيهم ، فقال : يا أبا محمد
: إذا كان المؤمن غنياً وصولاً رحيماً له
معروف إلى أصحابه ، أعطاه اللّه أجر ما ينفق
في البر مرتين ضعفين ; لان اللّه يقول في كتابه
: (وما أموالُكُم ولا أولادُكُم بالّتي
تُقرِّبُكم عندنا زُلفى إلاّ مَن آمنَ
وعَمِلَ صالحاً فأُولئِكَ لهم جَزاءُ
الضِّعفِ بما عَمِلوا وهُم في الغُرفات
آمِنون)(60)
.

وعنه(عليه السلام) قال : « أيّما مؤمن
أوصل إلى أخيه المؤمن معروفاً فقد أوصل ذلك
إلى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) »(61) .

اطعام الطعا

م


المفردة الثانية : هي إطعام الطعام
وبذله ودعوة الناس إليه ، ولذلك جعل الاسلام
هذا العمل من الاعمال الدينية ، كما في بعض
الكفارات ، ومن المراسم الاجتماعية ، كما في
مراسم الزواج والسفر وغيرها .

وقد وردت عن أهل البيت(عليهم السلام)
روايات عديدة في فضل هذا العمل وأهميته ، منها
ما ورد بطريق معتبر عن أبي عبد اللّه(عليه
السلام) قال : « من الايمان حسن الخلق وإطعام
الطعام »(62)
.

وفي رواية أخرى عنه(عليه السلام) قال :
« من المنجيات إطعام الطعام ، وإفشاء السلام ،
والصلاة بالليل والناس ينام »(63)
.

كما ورد عن أبي جعفر(عليه السلام)
بطريق معتبر قال : « إن اللّه عزوجل يحب إهراق
الدماء ، وإطعام الطعام »(64)
، والمقصود هنا من إهراق الدماء هو ذبح
الذبائح ، وتوفير اللحم في الطعام .

وفي رواية أخرى معتبرة عن أبي عبد
اللّه(عليه السلام) عن أبيه(عليه السلام) عن
رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال : « الرزق
أسرع إلى من يطعم الطعام من السكين في السنام
»(65)

القرض للمؤمنين


المفردة الثالثة : هي إقراض المؤمنين
وسد حاجاتهم عن هذا الطريق الذي يحفظ ماء وجه
المؤمن ، ويغيث لهفته ، ويرفع ضيقه ; وقد ورد
عن أهل البيت(عليهم السلام) الحث على هذا
المعروف ، وفضلوه على الصدقة ، وقرنوه
بالصلاة والعبادة .

روى الكليني بطريق معتبر عن أبي عبد
اللّه(عليه السلام) قال : « ما من مؤمن أقرض
مؤمناً يلتمس وجه اللّه إلاّ حسب اللّه له
أجره بحساب الصدقة حتى يرجع إليه ماله » ، وفي
رواية : « ما من مسلم أقرض مسلماً »(66)
.

كما روى أيضاً بطريق معتبر عنه(عليه
السلام) قال : « مكتوب على باب الجنة : الصدقة
بعشرة ، والقرض بثمانية عشر »(67)
.

وفي رواية الصدوق عن رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) أنه قال : « الصدقة بعشرة ،
والقرض بثمانية عشر ، وصلة الاخوان بعشرين ،
وصلة الرحم بأربعة وعشرين »(68) .

وفي رواية أخرى للكليني عن عقبة بن
خالد عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) أن عثمان
بن عمران قال له : « إني رجل موسر ويجيئني
الرجل ويسألني الشيء ، وليس هو إبّان زكاتي ،
فقال له أبو عبد اللّه(عليه السلام) : القرض
عندنا بثمانية عشر ، والصدقة بعشرة ، وماذا
عليك إذا كنت كما تقول موسراً أعطيته ، فإذا
كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة . يا
عثمان ، لا تردّه فإن ردّه عند اللّه عظيم »(69)
.

البرّ بالمؤمنين


المفردة الرابعة : هي البر بالمؤمنين
وإدخال السرور عليهم واللطف بهم وإتحافهم ،
فإن في ذلك المزيد من الاحسان والمعروف واليد
العليا عليهم ، وقد وردت الاحاديث المتعددة
في الحث على هذا النوع من الاحسان والمعروف .

فقد روى الكليني بطريق معتبر عن أبي
حمزة الثمالي قال : « سمعت أبا جعفر(عليه
السلام) يقول : قال رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) : من سرّ مؤمناً فقد سرّني ، ومن سرّني
فقد سرّ اللّه عزوجل »(70)
.

عن مفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه(عليه
السلام) أنه قال : « لا يرى أحدكم إذا أدخل على
مؤمن سروراً أنه عليه أدخله فقط ، بل واللّه
علينا ، بل واللّه على رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله)»(71).

وعن أبي عبد اللّه(عليه السلام) في
حديث صحيح قال : « أوحى اللّه عزوجل إلى داود(عليه
السلام) : إن العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة
فأبيحه جنتي ، فقال داود(عليه السلام) : يا رب ،
وما تلك الحسنة ؟ قال : يُدخل على عبدي المؤمن
سروراً ولو بتمرة ، قال داود : يا رب ، حُقّ لمن
عرفك ألاّ يقطع رجاءه منك »(72)
.

وعن جميل عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)
قال : « سمعته يقول : إن مما خص اللّه به المؤمن
أن يعرّفه برّ إخوانه وإن قلّ ، وليس البرّ
بالكثرة ، وذلك أن اللّه عزوجل يقول في كتابه :
(ويُؤثِرونَ على أنفُسِهمْ وَلو كانَ بِهمْ
خَصاصةٌ) ثم قال : (ومَنْ يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ
فأولئِكَ هُم المفلِحونَ) ، ومن عرفه اللّه
عزوجل بذلك أحبه ، ومن أحبه اللّه تبارك
وتعالى وفّاه أجره يوم القيامة بغير حساب ، ثم
قال : يا جميل ارو هذا الحديث لاخوانك فإنه
ترغيب في البر »(73)
.

وعن بكر بن محمد قال : « اكثر ما كان
يوصينا به أبو عبد اللّه(عليه السلام) البرّ
والصّلة »(74)
.

وعن سعدان بن مسلم عن أبي عبد اللّه(عليه
السلام) قال : « من أخذ من وجه أخيه المؤمن قذاة
كتب اللّه عزوجل له عشر حسنات ، ومن تبسم في
وجه أخيه كانت له حسنة »(75)
.

وعن زيد بن أرقم قال : « قال رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) مافي أمتي عبد ألطف أخاه في
اللّه بشيء من لطف إلاّ ألطفه اللّه من خدم
الجنة »(76) .

2 ـ ردّ الاساءة بالاحسان

والمستوى الثاني من اليد العليا في
الاحسان هو رد الاساءة بالاحسان، فإن ذلك
يعني اعلى درجة في الاحسان ; فأداء الحقوق
الواجبة يُعدّ الدرجة الاُولى ، والتنازل عن
الحق يُعدّ الدرجة الثانية ، والمبادرة إلى
الاحسان يعدّ الدرجة الثالثة ; وأما أن يحسن
الانسان في مقابل الاساءة فهذا هو أعلى
المستويات ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا
المستوى من الاحسان في وصف الخاصة من
المؤمنين وجعله فرضاً على الانبياء في عدة
مواضع : (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم
واقاموا الصلاة وأنفقوا ممّا رزقناهم سراً
وعلانية ويدرأون بالحسنة السيئةَ أولئك لهم
عقبى الدار)(77)
.

وقد ورد عن أهل البيت(عليهم السلام)
روايات عديدة تؤكد هذا الخلق وتجعله (خير
الخلائق) وأعلاها ، وتذكر هذه الروايات عدة
نماذج ومصاديق يبتلى بها الانسان تجسّد هذا
الخلق الفاضل .

فقد روى الكليني بسند معتبر عن أبي عبد
اللّه الصادق(عليه السلام) قال : « قال رسول
اللّه(صلى الله عليه وآله) في خطبة : ألا
أخبركم بخير خلايق أخلاق الدنيا
والاخرة ؟ : العفو عمن ظلمك وتصل من قطعك
والاحسان إلى من أساء اليك واعطاء من حرمك »(78)
.

وفي رواية معتبرة عن أبي حمزة الثمالي
عن علي بن الحسين(عليه السلام) قال : « سمعته
يقول : إذا كان يوم القيامة جمع اللّه تبارك
وتعالى الاولين والاخرين في صعيد واحد ، ثم
ينادي مناد أين أهل الفضل ؟ قال : فيقوم عنق من
الناس فتتلقّاهم الملائكة فيقولون : وما كان
فضلكم ؟ فيقولون : كنّا نصل من قطعنا ، ونعطي
من حرمنا ، ونعفو عمّن ظلمنا ، قال : فيقال لهم
: صدقتم ادخلوا الجنّة »(79) .

وعن محمد بن علي بن الحسين عن أمير
المؤمنين(عليه السلام) في وصيته لمحمد بن
الحنفية قال : « لا يكونن أخوك على قطيعتك أقوى
منك على صلة ، ولا على الاساءة إليك أقدر منك
على الاحسان إليه »(80)
.

وعن زرارة قال : « سمعت أبا عبد اللّه(عليه
السلام) يقول : إنّا أهل بيت مروّتنا العفو
عمّن ظلمنا »(81)
.

وعن علي بن جعفر بن محمد قال : « إن محمد
بن اسماعيل شاء أن يستأذن عمه أبا الحسن موسى(عليه
السلام) في الخروج إلى العراق ، قال : فأذن له ،
فقام محمد بن اسماعيل فقال : يا عم أحب أن
توصيني ، فقال : أوصيك أن تتقي اللّه في دمي ،
قال : ثم ناوله أبو الحسن(عليه السلام) صرة
فيها مئة وخمسون ديناراً ، فقبضها محمد ، ثم
ناوله أخرى فيها مئة وخمسون ديناراً فقبضها ،
ثم أعطاه أخرى فيها مئة وخمسون ديناراً
فقبضها ، ثم أمر له بألف وخمسئة درهم كانت
عنده ، فقلت له في ذلك فاستكثرته ، فقال : هذا
ليكون اوكد لحجتي عليه إذا قطعني ووصلته ، ثم
ذكر أنه سعى بعمّه إلى الرشيد وأنه يدعي
الخلافة ويجيء له الخراج ، فأمر له بمئة ألف
درهم ومات في تلك الليلة »(82)
.

سادساً : القدوة والسلوك المتميز

لا شك أن إيجاد الانسان الاسوة
والقدوة من أهم الاهداف التي استهدفها أهل
البيت في بناء الجماعة الصالحة ، كما أشرنا
إلى ذلك في عدة مواضع من الاهداف والخصائص
والجانب الروحي والاخلاقي وفي الاسس
والقواعد لنظرية العلاقات الاجتماعية وغيرها
من المواضع ; باعتبار أن القدوة لها ابعاد في
التأثير .

وهنا نريد أن نتحدث عن البناء الفوقي
الذي رسمه أهل البيت للقدوة في العلاقات
الاجتماعية وتأثيرها في هذا المجال .

القدوة والعلاقات الاجتماعية

ونجد أهل البيت يؤكدون وجود العلاقة
بين القدوة والعلاقات الاجتماعية وأثرها في
ترسيخ دعائم هذه العلاقات وتحقيق الغرض منها .

فقد روى الشريف الرضي في نهج البلاغة
عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال : « من
أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته ، ومن عمل
لدينه كفاه اللّه أمر دنياه ، ومن أحسن فيما
بينه وبين اللّه كفاه اللّه ما بينه وبين
الناس »(83) . فإن الفقرة
الاخيرة من هذا النص تشير إلى وجود العلاقة
بين صلاح النفس وصلاح العلاقات الاجتماعية مع
الناس ، وأن القدوة الصالحة تتجسد في الانسان
الصالح في نفسه .

وقد تقدم في (الصحبة) النصيحة من أهل
البيت بمصاحبة الاخيار باعتبار تأثر
العلاقات الاجتماعية والسلوك العام للانسان
بالصاحب ; فعندما يكون خيّراً وقدوة يكون له
تأثير في طبيعة الانسان الاخر ; ولذلك جاءت
التوصية من رسول اللّه بهذا الشأن على ما رواه
ابن عباس قال : « قيل : يا رسول
اللّه اي الجلساء خير ؟ قال : من تذكّركم اللّه
رؤيته ويزيد في عملكم منطقه ويرغبكم في
الاخرة عمله »(84)
، فإن الفقرتين الاولى والاخيرة ترتبطان
بتأثير القدوة على الاخرين في العلاقات .

وفي هذا المجال يمكن أن نقسم صفات
القدوة ذات التأثير في العلاقات الاجتماعية
إلى قسمين :

أحدهما : الصفات التي تعبر عن الارتباط
بين الانسان القدوة مع اللّه تعالى ، والتي
عبّر عنها قول أمير المؤمنين(عليه السلام) «
من أحسن فيما بينه وبين اللّه ...» .

ثانيهما : الصفات التي تعبر عن السلوك
المتميز للانسان القدوة في العلاقات
الاجتماعية .

الارتباط باللّه تعالى

أما القسم الاول من الصفات فقد ذكرها
الاخلاقيون وعلماء الحديث في جهاد النفس
والصفات الحميدة ، وهي كثيرة نشير هنا إلى
أهمها ، وهي اليقين باللّه تعالى وحسن الظن به
، والتوكل عليه ، والحب للّه ، والرجاء له،
والخوف منه .

وقد اهتم أهل البيت في بناء الكتلة
الصالحة بهذه الصفات باعتبارها الاساس
الروحي والاخلاقي لشخصية الانسان الصالح ;
وقد تناولنا هذا الجانب سابقاً في البناء
الروحي والاخلاقي عندما أشرنا إلى موضوع جهاد
النفس والخطوط العامة له .

وهنا نشير إلى بعض الاحاديث الشريفة
ذات الصلة بهذه الصفات مما يرتبط بالعلاقات
الاجتماعية :

اليقين باللّه

1 ـ فقد ورد في موضوع (اليقين باللّه) عن
أبي عبد اللّه الصادق(عليه السلام) أنه قال : «
ليس شيء إلاّ وله حد ، قلت : جعلت فداك فما حد
التوكل ؟ قال : اليقين . قلت : فما حد اليقين ؟
قال : ألاّ تخاف مع اللّه شيئاً »(85)
.

وهذا الحديث تعبير عن الاية الكريمة : (الذين
يبلّغون رسالات اللّه ويخشونه ولا يخشون
أحداً إلاّ اللّه وكفى باللّه حسيباً)(86)
.

وفي رواية أخرى معتبرة توضح هذا
المعنى في صلة اليقين بالعلاقات الاجتماعية
عن أبي عبد اللّه الصادق(عليه السلام) قال : «
من صحة يقين المرء المسلم أن لا يرضي الناس
بسخط اللّه ولا يلومهم على ما لم يؤته اللّه ;
فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص ، ولا يرده
كراهية كاره ; ولو أن أحدكم فرّ من رزقه كما
يفر من الموت لادركه رزقه كما يدركه الموت ،
ثم قال : إن اللّه بعدله وقسطه جعل الروح
والراحة في اليقين والرضا وجعل الهم والحزن
في الشك والسخط »(87)
.

التوكل على اللّه

2 ـ والتوكل على اللّه تعالى في العمل
الاجتماعي والحركة السياسية في المجتمع صفة
مهمة في القدوة بعد أن يبذل الانسان كل جهده
ويستجيب لوظيفته في هذا العمل والحركة . وقد
ورد عن الامام علي بن الحسين(عليه السلام)قال :
« خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط فاتكأت عليه
، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في تجاه
وجهي ، ثم قال : يا علي بن الحسين ، مالي أراك
كئيباً حزيناً ؟ أعلى الدنيا فرزق اللّه حاضر
للبر والفاجر ؟ قلت : ما على هذا احزن وإنه
لكما تقول ، قال : فعلى الاخرة فوعدٌ
صادق يحكم فيه ملك قاهر ؟ (أو قال : قادر) ، قلت :
ما على هذا احزن وإنه لكما تقول ، فقال : ما
حزنك ؟ قلت : مما نتخوف من فتنة ابن الزبير وما
فيه الناس ، قال : فضحك ثم قال : يا علي بن
الحسين(عليه السلام) ، هل رأيت أحداً دعا
اللّه فلم يجبه ؟ قلت : لا ، قال : فهل رأيت
أحداً توكل على اللّه فلم يكفه ؟ قلت : لا ، قال
: فهل رأيت أحداً سأل اللّه فلم يعطه ؟ قلت : لا
، ثم غاب عني »(88)
.

فإن الامام وإن كان قد طرح في السؤال
موضوعاً اجتماعياً وهو التخوف من فتنة ابن
الزبير وآثارها على الناس ، فالجواب جاء يؤكد
على التوكل بعد أن لم يكن باليد شيء من العمل
يقوم به الامام(عليه السلام) .

حسن الظن باللّه

3 ـ وحسن الظن باللّه تعالى في سيرة
العبد في حياته الدنيوية والاخروية له آثار
عظيمة في الحياة كلها ; فقد روى الكليني في
الكافي بسند معتبر عن أبي الحسن الرضا(عليه
السلام) قال : « أحسن الظن باللّه ، فإن اللّه
عزوجل يقول: أنا عند ظن عبدي المؤمن بي إن
خيراً فخيراً وإن شرّاً فشرّاً »(89)
.

وفي حديث معتبر عن بريد بن معاوية ، عن
أبي جعفر(عليه السلام) قال : « وجدنا في كتاب
علي(عليه السلام) أن رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) قال على منبره : والذي لا إله إلاّ هو ما
أعطي مؤمن قط خير الدنيا والاخرة إلاّ بحسن
ظنّه باللّه ، ورجائه له ، وحسن خلقه ، والكف
عن اغتياب المؤمنين ; والذي لا إله إلاّ هو لا
يعذب اللّه مؤمنا بعد التوبة والاستغفار إلاّ
بسوء ظنّه باللّه وتقصير من رجائه له ، وسوء
خلقه ، واغتياب المؤمنين ; والذي لا إله إلاّ
هو لا يحسن ظن عبد مؤمن باللّه إلاّ كان اللّه
عند ظن عبده المؤمن ; لان اللّه كريم بيده
الخير يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد احسن به
الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه فأحسنوا باللّه الظن
وارغبوا إليه »(90)
.

ولا شك أن هذا الظن له انعكاس طبيعي
على النظرة إلى العلاقات الاجتماعية مع الناس
وثباتها واستمرارها .

فقد روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه
بإسناده في وصية علي(عليه السلام)لولده محمد
بن الحنفية قال : « ولا يغلبن عليك سوء الظن
باللّه عزوجل ; فإنه لن يدع بينك وبين خليلك
صلحاً »(91)
.

حب اللّه

4 ـ وحب اللّه من أعظم الصفات التي
تنسحب على جميع مناحي حياة الانسان ; وقد اكد
القرآن الكريم هذه الحقيقة في قوله تعالى : (قل
إن كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني يحببكم اللّه)(92)
، وكذلك قوله تعالى : (والذين آمنوا أشدّ حباً
للّه)(93)
.

وقد وردت روايات أهل البيت(عليهم
السلام) تؤكد هذه الصفة في العلاقات
الاجتماعية ، وتجعلها قائمة على اساس الحب في
اللّه والبغض في اللّه تعالى ، واعتبرت أن
حقيقة الدين هو هذا الحب وهذه المودة ، كما
سبق أن أشرنا إلى ذلك عندما تحدثنا عن محتوى
العلاقة الاجتماعية وقلنا إنها هي المودة
والحب ، وأعلى مستوىً لهذه المودة وهذا الحب
أن يكونا حبّاً ومودة في اللّه تعالى .

فقد روى الكليني في الكافي بطريق
معتبر عن أبي عبد اللّه الصادق(عليه السلام)قال
: « من أحب للّه وأبغض للّه وأعطى للّه فهو
ممّن كمل ايمانه »(94)
.

وفي رواية معتبرة عن أبي حمزة الثمالي
، عن علي بن الحسين(عليه السلام) قال : « إذا
جمع اللّه الاولين والاخرين قام مناد فنادى
يسمع الناس فيقول : أين المتحابون في اللّه ؟
قال : فيقوم عُنق من الناس فيقال لهم : اذهبوا
إلى الجنّة بغير حساب ، قال : فتلقّاهم
الملائكة فيقولون : إلى اين ؟ فيقولون : إلى
الجنّة بغير حساب ، قال : ويقولون : وأي حزب
أنتم من الناس ؟ فيقولون : نحن المتحابون في
اللّه ، قال : فيقولون : أي شيء كانت اعمالكم ؟
قالوا : كنا نحب في اللّه ونبغض في اللّه ، قال
: فيقولون : نعم أجر العاملين »(95)
.

وفي رواية صحيحة السند عن أبي عبيدة
زياد الحذّاء ، عن أبي جعفر(عليه السلام)(في
حديث) أنه قال له : « يا زياد ، ويحك ! وهل الدين
إلاّ الحب ؟! ألا ترى إلى قول اللّه لمحمد(صلى
الله عليه وآله) : (حبّب إليكم الايمان وزيّنه
في قلوبكم) وقال :(يحبّون من هاجر إليهم) فقال :
الدين هو الحب ، والحب هو الدين »(96)
.

الرجاء والخوف من اللّه

5 ـ ومن هذه الصفات العالية رجاء العبد
للّه تعالى في كل أمر مهما ضاقت به الاحوال أو
اشتدت عليه الامور أو تراكمت عليه الذنوب ،
والخوف من اللّه تعالى في كل الاحوال مهما صلح
حاله أو كثرت عبادته ; وقد أكد القرآن الكريم
على هذه الصفة في مواضع عديدة عندما تحدث عن
المؤمنين : (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون
ربّهم خوفاً وطمعاً)(97)
.

وقوله تعالى : (أولئك الذين يدعون
يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقربُ ويرجون
رحمته ويخافون عذابه)(98)
وقوله تعالى : (وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة
اللّه قريب من المحسنين)(99)
.

وفي رواية عن علي بن إبراهيم ، عن أبي
عبد اللّه(عليه السلام) قال : « كان أبي يقول :
إنه ليس من عبد مؤمن إلاّ وفي قلبه نوران ، نور
خيفة ونور رجاء ; لو وزن هذا لم يزد على هذا ،
ولو وزن هذا لم يزد على هذا »(100)
.

وعن حماد بن عيسى ، عن الصادق جعفر بن
محمد(عليه السلام) قال : « كان فيما أوصى به
لقمان لابنه أن قال : يا بني خف اللّه خوفاً لو
جئته ببر الثقلين خفت أن يعذبك اللّه ، وارج
اللّه رجاء لو جئته بذنوب الثقلين رجوت أن
يغفر اللّه لك »(101)
.

وروى الشريف الرضي عن أمير المؤمنين(عليه
السلام) أنه قال في خطبة له : « يدعي
بزعمه أنه يرجو اللّه ; كذب والعظيم ; ما باله
لا يتبيّن رجاؤه في عمله ؟! فكل من رجا
عُرف رجاؤه في عمله ، وكل رجاء إلاّ رجاء
اللّه فإنه مدخول ، وكل خوف محقَّق
إلاّ خوف اللّه فإنه معلول ; يرجو اللّه في
الكبير ، ويرجو العباد في الصغير
فيعطي العبد ما لا يعطي الرّب ، فما بال اللّه
جل ثناؤه يُقصَّر به عما يُصنع به
لعباده ؟ أتخاف أن تكون في رجائك له كاذباً ؟
أو تكون لا تراه للرجاء موضعاً
؟ وكذلك إن هو خاف عبداً من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي
ربَّه ، فجعل خوفه من العباد نقداً وخوفه من
خالقه ضِماراً ووعداً ... »(102)
.

الصفات التي تعبّر عن السلوك المتميز

وأما القسم الثاني وهو الصفات التي
تعبّر عن السلوك المتميز والقدوة في العلاقات
الاجتماعية فهي عديدة ، وقد تحدثنا عن عدد
منها في هذا البحث حيث كان لها ارتباط بتلك
الموضوعات مثل التواضع والعفة والحلم والعفو
والرفق وكظم الغيظ ; ونشير هنا إلى مجموعة
أخرى من مفردات هذه الصفات التي لها أهمية
خاصة في العلاقات الاجتماعية ، وتعبّر عن
القدوة في العلاقات وهي الصبر والزهد ،
والحياء ، واداء الامانة ، والقناعة ، والورع
عن المحارم ، والاستدامة في العمل .

الصبر


يتعرض الانسان في حركته الاجتماعية
وعلاقاته مع الناس إلى مشاكل وتعقيدات ومحن
وآلام واختبار وامتحان ; ولذلك فهو في أشد
الحاجة إلى الطاقة والقوة التي يتغلب بها على
جميع هذه المصاعب ويجتاز بها هذا الطريق
ويتحمل بها الضغوط ، وهذه الطاقة إنما هي
الصبر والصمود ; وقد ورد في القرآن الكريم في
آيات عديدة التأكيد للصبر ومدحه والثناء عليه
وما اعده اللّه تعالى من اجر وثواب للصابرين .

كما ورد عن أهل البيت(عليهم السلام)
التأكيد لذلك في احاديث كثيرة ، ولعل من أفضل
هذه الاحاديث ما رواه الكليني في اصول الكافي
في باب الصبر ، وقد جمع فيه بين الايات
القرآنية والحديث الشريف . عن حفص بن غياث قال
: « قال أبو عبد اللّه(عليه السلام) : يا
حفص ، إن من صبر صبر قليلاً ، وإن من جزع جزع
قليلاً ، ثم قال : عليك بالصبر في جميع امورك ;
فإن اللّه عزوجل بعث محمداً(صلى الله عليه
وآله) فأمره بالصبر والرفق ، فقال : (واصبر على
ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً * وذرني
والمكذبين أولي النَّعمة) وقال (ادفع بالتي هي
أحسن السيئة (103)
فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم *
وما يُلقّاها إلاّ الذين صبروا وما يلقّاها
إلاّ ذو حظ عظيم)فصبر حتى نالوه بالعظائم ،
ورموه بها فضاق صدره فأنزل اللّه عليه : (ولقد
نعلم أنه يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد
ربّك وكن من الساجدين) ثم كذبوه ورموه فحزن
لذلك فأنزل اللّه : (قد نعلم إنه ليحزنك الذي
يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكنّ الظالمين
بآيات اللّه يجحدون * ولقد كُذّبت رسل من قبلك
فصبروا على ما كُذّبوا وأوذوا حتى آتاهم
نصرنا) فألزم النبي(صلى الله عليه وآله) نفسه
الصبر فتعدّوا فذكروا اللّه تبارك وتعالى
فكذبوه فقال : قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا
صبر لي على ذكر الهي ; فأنزل اللّه عزوجل : (فاصبر
على ما يقولون) فصبر في جميع احواله ، ثم بشر
في عترته بالائمة(عليهم السلام) ووصفوا
بالصبر فقال جل ثناؤه : (وجعلنا منهم ائمة
يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا
يوقنون) فعند ذلك قال النبي(صلى الله عليه
وآله) : الصبر من الايمان كالرأس من الجسد ،
فشكر اللّه ذلك له فأنزل اللّه (وتمت كلمة ربك
الحسنى على بني اسرائيل بما صبروا ودمرنا ما
كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) فقال :
انه بشرى وانتقام ، فأباح اللّه له قتال
المشركين فأنزل اللّه (اقتلوا(104)
المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم
واقعدوا لهم كل مرصد) ، (واقتلوهم حيث
ثقفتموهم)فقتلهم اللّه على يدي رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله)واحبائه وجعل له ثواب صبره مع
ما ادّخر له في الاخرة ; فمن صبر واحتسب لم
يخرج من الدنيا حتى يقرّ اللّه له عينه في
اعدائه مع ما يدّخر له في الاخرة »(105)
.

وعن محمد بن علي بن الحسين عن أمير
المؤمنين(عليه السلام) في وصيته لمحمد بن
الحنفية قال : « ألق عنك واردات الهموم بعزائم
الصبر ; عود نفسك الصبر فنعم الخلق الصبر ،
واحملها على ما أصابك من اهوال الدنيا
وهمومها »(106)
.

وعن أبي بصير عن أبي عبد اللّه(عليه
السلام) قال : « سمعت أبا جعفر(عليه السلام)
يقول : إني لاصبر من غلامي هذا ومن أهلي على
ماهو أمرّ من الحنظل . إنه من صبر نال بصبره
درجة الصائم القائم ، ودرجة الشهيد الذي قد
ضرب بسيفه قدام محمد(صلى الله عليه وآله) »(107)
.

وعن أبي عبد اللّه(عليه السلام) قال : «
إنّا صُبّر وشيعتنا أصبر منا ، قلت : جعلت فداك
كيف صار شيعتكم أصبر منكم ؟ قال : لانا نصبر
على ما نعلم وشيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون
»(108)
.

الزهد


يتعرض الانسان في حياته ومعيشته وكذلك
في علاقاته الاجتماعية إلى ضغوط الهوى
والشهوات الدنيا ورغباتها المختلفة ; الامر
الذي قد يربك كل مسيرة الانسان عندما يريد أن
يستجيب لكل هذه الشهوات والافات ; ومن ثم
يحتاج الانسان إلى نظرة موضوعية للدنيا وما
فيها تجعله قادراً على التعامل مع كل هذه
الاشياء ، ومن خلال العقل والمصلحة وما ينتهي
به إلى الكمالات الحقيقية ، ويعني الزهد في
الدنيا معرفة حقيقتها وموقعها من حياة
الانسان والنظرة الواقعية الصادقة ; ولذلك
نجد القرآن الكريم يحث على الزهد في قوله
تعالى : (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو
وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال
والاولاد كمثل غيث أعجب الكفّار نباته ثم
يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الاخرة
عذاب شديد ومغفرة من اللّه ورضوان وما الحياة
الدنيا إلاّ متاع الغرور * سابقوا إلى مغفرة
من ربكم وجنّة عرضها كعرض السماء والارض
أُعدت للذين آمنوا باللّه ورُسله ذلك فضل
اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم *
ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلاّ
في كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على اللّه
يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا
بما آتاكم واللّه لا يحب كل مختال فخور)(109)
.

وقد جاء الحديث عن أهل البيت(عليهم
السلام) يؤكد هذا الاتجاه ويشرحه في سيرة
الانسان الصالح (القدوة) .

عن محمد بن يحيى عن الهيثم بن واقد
الحريري عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)قال: «
من زهد في الدنيا اثبت اللّه الحكمة في قلبه
وانطق بها لسانه وبصّره عيوب الدنيا داءها
ودواءها وأخرجه من الدنيا سالماً إلى دار
السلام »(110).

وعن حفص بن غياث ، عن أبي عبد اللّه(عليه
السلام) قال : « سمعته يقول : جعل الخير كله في
بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا ، ثم قال :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : لا يجد
الرجل حلاوة الايمان في قلبه حتى لا يبالي من
أكل الدنيا ثم قال أبو عبد اللّه : حرام على
قلوبكم أن تعرف حلاوة الايمان حتى تزهد في
الدنيا »(111)
.

وعن أبي حمزة ، عن أبي جعفر(عليه
السلام) قال : « قال أمير المؤمنين(عليه السلام)
: إن من أعون الاخلاق على الدين الزهد في
الدنيا »(112) .

وعن علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه أن
رجلاً سأل علي بن الحسين(عليه السلام)عن الزهد
، فقال : « عشرة اشياء ، فاعلى درجة الزهد أدنى
درجة الورع ، واعلى درجة الورع أدنى
درجة اليقين ، واعلى درجة اليقين أدنى درجة
الرّضا . ألا وإن الزهد في آية من كتاب اللّه
عزوجل : (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا
بما آتاكم)»(113)
.

وعن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد اللّه(عليه
السلام) قال : « مرّ رسول اللّه(صلى الله عليه
وآله) بجدي أسكّ ملقىً على مزبلة ميتاً فقال
لاصحابه : كم يساوي هذا ؟ فقالوا : لعله لو كان
حياً لم يساو درهماً ، فقال النبي(صلى الله
عليه وآله) : والذي نفسي بيده للدنيا أهون على
اللّه من هذا الجدي على أهله »(114) .

وعن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب قال :
« سئل علي بن الحسين(عليه السلام) أيُّ
الاعمال أفضل عند اللّه عزوجل ؟ فقال : ما من
عمل بعد معرفة اللّه عزوجل ومعرفة رسوله(صلى
الله عليه وآله) أفضل من بغض الدنيا ; وإن لذلك
لشعباً كثيرة وللمعاصي شعباً ، فأول ما عُصي
اللّه به الكبر ، وهي معصية ابليس حين أبى
واستكبر وكان من الكافرين ، والحرص وهي معصية
آدم وحوّا(115)
حين قال اللّه عزوجل لهما : (كلا(116)
من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من
الظالمين)فأخذا ما لا حاجة بهما إليه فدخل ذلك
على ذرّيتهما إلى يوم القيامة ; وذلك أن اكثر
ما يطلب ابن آدم ما لا حاجه به إليه ، ثم الحسد
وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله ،
فتشعّب من ذلك حبّ النساء وحب الدنيا وحب
الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلوّ
والثروة ، فصرن سبع خصال ، فاجتمعن كلهن في حب
الدنيا ، فقال الانبياء والعلماء بعد معرفة
ذلك : حبُّ الدنيا رأس كل خطيئة ، والدنيا
دنياآن(117)
: دنيا بلاغ ودنيا ملعونة »(118)
.

القناعة


وتكوّن القناعة جانباً من الخلفية النفسية
للانسان الذي يكون زاهداً في هذه الدنيا ،
ويكون قادراً نفسياً وروحياً على التعامل مع
شهواتها ولذاتها ، ولذلك لابد للانسان أن
يربي نفسه على التحلّي بهذه الصفة .

وقد أكد القرآن الكريم هذه الصفة في
مثل قوله تعالى : (فلا تعجبك أموالهم ولا
أولادهم)(119)
.

أو في مثل قوله تعالى : (ولا تمدن عينيك
إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة
الدنيا لنفتنهم فيه)(120)
.

وقد ورد الحديث عن أهل البيت(عليهم
السلام) يؤكد هذه الصفة المتميزة في سلوك
الانسان .

ففي رواية عن احمد بن أبي عبد اللّه ،
عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي عبد اللّه(عليه
السلام) قال : « مكتوب في التوراة : ابن آدم كن
كيف شئت كما تَدين تُدان ، من رضي من اللّه
بالقليل من الرزق قبل اللّه منه اليسير من
العمل ، ومن رضي باليسير من الحلال خفّت مؤنته
وزكت مكسبته وخرج من حدّ الفجور »(121)
.

وعنه(عليه السلام) قال : « من قنع بما
رزقه اللّه فهو من أغنى الناس »(122) .

وعن حمزة بن حران قال : « شكا رجل إلى
أبي عبد اللّه(عليه السلام) أنه يطلب فيصيب
ولا يقنع ، وتنازعه نفسه إلى ماهو اكثر منه ،
وقال : علّمني شيئاً أنتفع به ، فقال أبو عبد
اللّه(عليه السلام) : إن كان ما يكفيك يغنيك ،
فأدنى ما فيها يغنيك ، وإن كان ما يكفيك لا
يغنيك فكل ما فيها لا يغنيك »(123)
.

الورع عن المحارم


ويعتبر الورع عن المحارم الجانب الاخر
من الخلفية النفسية للزهد في الدنيا وشهواتها
; حيث يجب على الانسان أن يختار من الدنيا ما
حلل اللّه تعالى له منها : (قل من حرّم زينة
اللّه التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل
هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصةً يوم
القيامة كذلك نفصّل الايات لقوم يعلمون)(124)
. ويجتنب الفواحش والاثم والرجس والزور ; وقد
جعل اللّه تعالى في مقدمة صفات المؤمن بعد
إيمانه باللّه وتوكله عليه هذه الصفة : (والذين
يجتنبون كبائر الاثم والفواحش وإذا ما غضبوا
هم يغفرون)(125)
.

لذا جاء عن أهل البيت(عليهم السلام)
التأكيد لاهمية ودور اجتناب المحارم والورع
عنها ففي رواية عن علي بن ابراهيم . عن عمرو بن
سعيد بن هلال الثقفي ، عن أبي عبد اللّه(عليه
السلام) قال : « قلت له : إني لا ألقاك إلاّ في
السنين ، فأخبرني بشيء آخذ به ، فقال : أوصيك
بتقوى اللّه والورع والاجتهاد ; واعلم أنه لا
ينفع اجتهاد لا ورع فيه »(126)
.

وعن أبي الحسن الاول(عليه السلام) قال :
« كثيراً ما كنت أسمع أبي يقول : ليس من شيعتنا
من لا تتحدَّث المخدَّرات بورعه في خدورهنَّ
، وليس من اوليائنا من هو في قرية فيها عشرة
آلاف رجل فيهم من خلق اللّه أورع منه»(127)
.

وعن حنان بن سدير قال : « قال أبو
الصباح الكناني لابي عبد اللّه(عليه السلام) :
ما نلقى من الناس فيك ؟! فقال أبو عبد اللّه(عليه
السلام) : وما الذي تلقى من الناس فيَّ ؟ فقال :
لا يزال يكون بيننا وبين الرجل الكلام فيقول :
جعفري خبيث ، فقال : يعيّركم الناس بي ؟! فقال
له أبو الصباح : نعم . قال : فقال : ما أقلَّ
واللّه من يتَّبع جعفراً منكم ، إنما أصحابي
من اشتدَّ ورعه ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه ،
فهؤلاء أصحابي »(128) .

وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال : « كل
عين باكية يوم القيامة غير ثلاث : عين سهرت في
سبيل اللّه ، وعين فاضت من خشية اللّه ، وعين
غضت عن محارم اللّه »(129)
.

وعن أبي عبد اللّه(عليه السلام) قال : «
فيما ناجى اللّه عزوجل به موسى(عليه السلام) :
يا موسى ، ما تقرب إليَّ المتقرّبون بمثل
الورع عن محارمي ، فإني أبيحهم جنّات عدن لا
أشرك معهم أحداً »(130)
.

الحياء


ويعدّ الحياء صفة نفسية وخلقية عالية
تمنع الانسان من الاندفاع في الشهوات
والانسياق مع الغرائز ، وتعطي فرصة للعقل في
التحكم بسيرة الانسان واختيار الصالح فيها ;
ولذلك جاء التأكيد لاهمية هذه الصفة في
الانسان خصوصاً في النساء باعتبار ما اودع
فيها من الشهوة بما يزيد على الرجل ; فإن
الحياء هو الذي يضبط هذه الشهوة .

فقد روى الكليني في الكافي بطريق
معتبر عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال :
« خلق اللّه الشهوة عشرة أجزاء ، فجعل
تسعة أجزاء في النساء وجزءاً واحداً في
الرجال ; ولولا ما جعل اللّه فيهن من الحياء
على قدر اجزاء الشهوة لكان لكل رجل تسع نسوة
متعلّقات به »(131)
.

ومن هنا نجد أهل البيت(عليهم السلام)
يجعلون الحياء من الايمان ; وبدون الحياء فلا
ايمان .

روى الكليني في الكافي بطريق معتبر عن
أبي عبد اللّه الصادق(عليه السلام) قال : «
الحياء من الايمان والايمان في الجنّة »(132)
.

وعن معاذ بن كثير عن احدهما(عليهما
السلام) قال : « الحياء والايمان مقرونان في
قَرَن ، فإذا ذهب احدهما تبعه صاحبه »(133)
.

وعن احمد بن أبي عبد اللّه عن بعض
أصحابنا ، رفعه قال : « قال رسول اللّه(صلى
الله عليه وآله) : الحياء حياءان : حياء عقل
وحياء حمق ، فحياء العقل ، هو العلم وحياء
الحمق هو الجهل »(134)
.

الصدق واداء الامانة


ولعل من اكثر الصفات المتميزة ذات
الصلة المباشرة بالعلاقات الاجتماعية ،
والتي تعبّر عن القدوة الصالحة هما الصدق
والامانة ، وقد عرف عن رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) أنه كان يوصف قبل البعثة بالصادق
الامين وكان لهذه الصفة دور مهم في التأثير
على مسيرة الدعوة الاسلامية .

وقد أكد القرآن الكريم هذه الصفة فأمر
بها ونهى عن مخالفتها ووصف عباده المؤمنين
بها في آيات عديدة ، كما وصف بها بعض انبيائه
في مقام التأكيد لاهميتها ، ومنه قوله تعالى :
(والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون)(135)
وقوله تعالى : (واذكر في الكتاب اسماعيل إنه
كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً)(136)
وقوله تعالى : (إن المسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات
والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات
والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات
والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم
والحافظات والذاكرين اللّه كثيراً والذاكرات
أعدّ اللّه لهم مغفرة وأجراً عظيماً)(137)
.

وقد ورد حديث أهل البيت(عليهم السلام)
ليؤكد على هذه الصفة كثيراً فقد روى الكليني
في الكافي بطريق معتبر عن أبي عبد اللّه
الصادق(عليه السلام) قال : « إن اللّه عزوجل لم
يبعث نبياً إلاّ بصدق الحديث وأداء الامانة
إلى البر والفاجر »(138)
.

وعن اسحاق بن عمّار وغيره ، عن أبي عبد
اللّه(عليه السلام) قال : « لا تغترّوا بصلاتهم
ولا بصيامهم ; فإن الرجل ربما لهج بالصلاة
والصوم حتى لو تركه استوحش ، ولكن اختبروهم
عند صدق الحديث وأداء الامانة »(139)
.

وعن عمرو بن أبي المقدام قال : « قال لي
أبو جعفر(عليه السلام) في أول دخلة دخلت عليه :
تعلّموا الصدق قبل الحديث »(140)
.

وعن أبي كهمس قال : « قلت لابي عبد
اللّه(عليه السلام) : عبد اللّه بن أبي يعفور
يقرئك السلام . قال : عليك وعليه السلام . إذا
أتيت عبد اللّه فأقرئه السلام وقل له : إن جعفر
بن محمد يقول لك : انظر ما بلغ به علي(عليه
السلام) عند رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
فالزمه ، فإن علياً(عليه السلام)أنما بلغ ما
بلغ به عند رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
بصدق الحديث وأداء الامانة »(141)
.

وعن عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد
اللّه(عليه السلام) قال : « كونوا دعاة للناس
بالخير بغير السنتكم ; ليروا منكم الاجتهاد
والصدق والورع »(142) .

الاستقامة


ومن جملة هذه الصفات الاستقامة في
العمل والثبات فيه والاستمرار عليه ; فإن هذه
الصفة لها تأثير كبير في بناء شخصية الانسان
وتطور العلاقات الاجتماعية واثباتها .

وقد أكد أهل البيت(عليهم السلام) هذه
الصفة من خلال النصح بالبقاء والاستمرار في
العمل سنة على الاقل من أجل أن لا يوجد انطباع
للانسان أنه متغير ومتقلب ، بالاضافة
إلى أن نتائج العمل لا تظهر عادة في وقت
قصير بل لابد من الصبر والانتظار فيه حتى
يتأكد الانسان من صلاحه وفساده .

فقد روى الكليني في الكافي بطريق
معتبر عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال : «
احب الاعمال إلى اللّه عزوجل ماداوم عليه
العبد وإن قل »(143)
وكذلك روى بطريق معتبر عن علي بن الحسين(عليهما
السلام) أنه كان يقول : « إني لاحب أن اداوم على
العمل وإن قل »(144) و« إنّي
لاحب أن أقدم على ربي وعملي مستو »(145)
.

نماذج لصورة القدوة الصالحة

وقد أراد أهل البيت(عليهم السلام) من
خلال هذه الارشادات والنصائح أن توجد الجماعة
الصالحة بل القدوة الصالحة في المجتمع
الاسلامي ، كما اشاروا إلى
ذلك في بعض الاحاديث السابقة ; ولذلك نجد أهل البيت(عليهم
السلام) يؤكدون على شيعتهم ـ بل
يستنكرون احياناً غير ذلك ـ ان يتحلّوا
بأعلى الاخلاق الاسلامية الراقية التي تجسد هذه
القدوة .

وهنا نشير إلى بعض النماذج التي تحدث
فيها أهل البيت(عليهم السلام) عن شيعتهم
الحقيقيين والقدوة الراقية للجماعة الصالحة .

عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد اللّه(عليه
السلام) قال : « كان علي بن الحسين(عليه السلام)قاعداً
في بيته إذ قرع قوم عليهم الباب فقال : يا
جارية ، انظري من بالباب ؟ فقالوا : قوم من
شيعتك ، فوثب عجلاً حتى كاد أن يقع ، فلما فتح
الباب ونظر إليهم رجع فقال : كذبوا ! فأين
السمت في الوجوه ؟ أين أثر العبادة ؟ أين
سيماء السجود ؟ إنما شيعتنا يعرفون بعبادتهم
وشعثهم ، قد قرحت العبادة منهم الاناف ، ودثرت
الجباه والمساجد ; خمص البطون ، ذبل الشفاه ،
قد هيّجت العبادة وجوههم ، وأخلق سهر الليالي
وقطع الهواجر جثثهم ; المسبّحون إذا سكت الناس
، والمصلّون إذا نام الناس ، والمحزونون إذا
فرح الناس ; يعرفون بالزهد ، كلامهم الرحمة ،
وتشاغلهم بالجنّة »(146)
.

وعن جابر عن أبي جعفر(عليه السلام) قال
: « قال : يا جابر ، أنما شيعة علي(عليه السلام)
من لا يعدو صوته سمعه ولا شحناؤه بدنه ;
لا يمدح لنا قالياً ، ولا يواصل لنا مبغضاً
ولا يجالس لنا عائباً ، شيعة علي(عليه
السلام) من لا يهرُّ هرير الكلب ، ولا يطمع طمع
الغراب ، ولا يسأل الناس وإن مات جوعاً ،
أولئك الخفيضة عيشهم(147)
المنتقلة ديارهم ; إن شهدوا لم
يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، وإن مرضوا له
يعادوا ، وإن ماتوا لم يشهدوا
; في قبورهم يتزاورون . قلت : وأين أطلب هؤلاء ؟
قال : في أطراف الارض بين الاسواق ، وهو
قول اللّه عزوجل : (أذلة على المؤمنين أعزَّة على الكافرين)»(148)
.

وعن أبي بصير قال : « قال الصادق(عليه
السلام) : شيعتنا أهل الورع والاجتهاد واهل
الوفاء والامانة ، وأهل الزهد والعبادة ;
أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة ،
القائمون بالليل ، الصائمون بالنهار ، يزكون
أموالهم ويحجون البيت ويجتنبون كل محرَّم »(149)
.

وعن ابن أبي نجران قال : « سمعت أبا
الحسن(عليه السلام) يقول : من عادى شيعتنا فقد عادانا
، ومن والاهم فقد والانا ، لانهم منّا ، خلقوا
من طينتنا ; من أحبهم فهو منّا ، ومن أبغضهم
فليس منّا . شيعتنا ينظرون بنور اللّه ،
ويتقلّبون في رحمة اللّه ، ويفوزون
بكرامة اللّه ; ما من أحد من شيعتنا يمرض إلاّ
مرضنا لمرضه ، ولا اغتمَّ إلاّ
اغتممنا لغمّه، ولا يفرح إلاّ فرحنا لفرحه ،
ولا يغيب عنا أحد من شيعتنا أين كان
في شرق الارض أو غربها ، ومن ترك من شيعتنا
ديناً فهو علينا ، ومن ترك منهم مالاً
فهو لورثته . شيعتنا الذين يقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة ويحجون البيت الحرام
ويصومون شهر رمضان ويوالون أهل البيت
ويتبرَّؤون من اعدائهم ، أولئك أهل
الايمان والتقى ، وأهل الورع والتقوى ، من ردّ
عليهم فقد ردَّ على اللّه ، ومن طعن
عليهم فقد طعن على اللّه ; لانهم عباد اللّه
حقاً ، واولياؤه صدقاً . واللّه إن أحدهم
ليشفع في مثل ربيعة ومضر فيشفّعه اللّه فيهم
لكرامته على اللّه عزوجل »(150)
.

ونختم هذه النماذج بالنص الرائع
المروي عن أمير المؤمنين في تصوير شيعة أهل
البيت(عليهم السلام) المعروف بوصف المتقين
والذي اشرنا إلى بعض فقراته في خصائص الجماعة
الصالحة(151)
.

« أما بعد ، فإن اللّه سبحانه وتعالى
خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم ، آمناً
من معصيتهم ; لانه لا تضره معصية من عصاه ، ولا
تنفعه طاعة من أطاعه ، فقسم بينهم معايشهم ،
ووضعهم من الدنيا مواضعهم ; فالمتقون فيها هم
أهل الفضائل : منطقهم الصواب وملبسهم
الاقتصاد، ومشيهم التواضع . غضوا ابصارهم عما
حرم اللّه عليهم ، ووقفوا أسماعهم على العلم
النافع لهم . نُزّلت أنفسهم منهم في البلاء
كالتي نُزّلت في الرخاء ، ولولا الاجل الذي
كتب اللّه عليهم لم تستقر ارواحهم في اجسادهم
طرفة عين ; شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب
. عظم الخالق في انفسهم فصغر مادونه في أعينهم
. فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون ،
وهم والنار كمن قد رآها ، فهم فيها معذبون .
قلوبهم محزونة ، وشرورهم مأمونة ، واجسادهم
نحيفة ، وحاجاتهم خفيفة ، وأنفسهم عفيفة .
صبروا أياماً قصيرة اعقبتهم راحة طويلة ;
تجارة مربحة يسرَّها لهم ربهم . ارادتهم
الدنيا فلم يريدوها ، وأسرتهم ففدوا انفسهم
منها . أما الليل فصافون اقدامهم تالين لاجزاء
القرآن يرتلونها ترتيلاً ، يحزِّنون به
انفسهم ويستثيرون به دواء دائهم ; فإذا مروا
بآية فيها تشويق ركنوا اليها طمعاً ، وتطلّعت
نفوسهم إليها شوقاً ، وظنّوا أنها نصب اعينهم
، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها
مسامع قلوبهم ، وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في
أصول آذانهم ; فهم حانون على اوساطهم ،
مفترشون لجباههم وأكفهم وركبهم واطراف
اقدامهم ، يطلبون إلى اللّه تعالى في فكاك
رقابهم ، وأما النهار فحلماء علماء ، ابرار
اتقياء ; قد براهم الخوف بري القِداح ، ينظر
إليهم الناظر فيحسبهم مرضى ، وما بالقوم من
مرض ، ويقول : لقد خولطوا ! ولقد خالطهم أمرٌ
عظيم ; لا يرضون من أعمالهم القليل ، ولا
يستكثرون الكثير، فهم لانفسهم متهمون ، ومن
اعمالهم مشفقون ; إذا زكي احدٌ منهم خاف مما
يقال له ، فيقول : أنا اعلم بنفسي من غيري ،
وربي اعلم بي مني بنفسي . اللهم لا تؤاخذني بما
يقولون، واجعلني أفضل مما يظنون ، واغفر لي
مالا يعلمون .

فمن علامة احدهم أنك ترى له قوة في دين
، وحزماً في لين ، وايماناً في يقين ، وحرصاً
في علم ، وعلماً في حلم ، وقصداً في غنى ،
وخشوعاً في عبادة ، وتجملاً في فاقة، وصبراً
في شدة ، وطلباً في حلال ، ونشاطاً في هدى ،
وتحرجاً عن طمع ; يعمل الاعمال الصالحة وهو
على وَجَل ، يمسي وهمه الشكر ، ويصبح وهمه
الذكر . يبيت حذراً ويصبح فرحاً ; حذاراً لما
حُذِّر من الغفلة ، وفرحاً بما أصاب من الفضل
والرحمة . إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم
يعطها سؤلها فيما تحب . قرة عينه فيما لا يزول،
وزهادته فيما لا يبقى . يمزج الحلم بالعلم ،
والقول بالعمل . تراه قريباً أمله ، قليلاً
زلله، خاشعاً قلبه ، قانعة نفسه ، منزوراً
أكله ، سهلاً أمره ، حريزاً دينه ، ميتةً
شهوته ، مكظوماً غيظه ; الخير منه مأمول ،
والشر منه مأمون . إن كان في الغافلين كُتب في
الذاكرين ، وإن كان في الذاكرين لم يكتب من
الغافلين . يعفو عمن ظلمه ، ويعطي من حرمه ،
ويصل من قطعه ، بعيداً فحشه ، ليناً قوله ،
غائباً منكره ، حاضراً معروفه ، مقبلاً خيره ،
مدبراً شره ، في الزلازل وقور ، وفي المكاره
صبور ، وفي الرخاء شكور . لا يحيف على من يبغض ،
ولا يأثم فيمن يحب . يعترف بالحق قبل أن يشهد
عليه ، لا يُضيع ما استُحفظ ، ولا ينسى ما
ذُكِّر ، و ينابز بالالقاب ، ولا يضار بالجار
، ولا يشمت بالمصائب، ولا يدخل في الباطل ،
ولا يخرج من الحق . إن صمت لم يغمه صمته ، وإن
ضحك لم يعل صوته ، وإن بغي عليه صبر حتى يكون
اللّه هو الذي ينتقم له . نفسه منه في عناء ،
والناس منه في راحة . أتعب نفسه لاخرته ، وأراح
الناس من نفسه . بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة
، ودنوّه ممن دنا منه لين ورحمةٌ ; ليس تباعده
بكبر وعظمة ، ولا دنوّه بمكر وخديعة »(152)
.



(1)
وسائل الشيعة11:544، ح6.


(2)
وسائل الشيعة11:544، ح1 و2.


(3)
وسائل الشيعة11:542، ح1 .


(4)
نهج البلاغة،الحكمة101.


(5)
وسائل الشيعة11:543، ح2 .


(6)
وسائل الشيعة11:532، ح1 .


(7)
وسائل الشيعة11:532، ح3 .


(8)
وسائل الشيعة11:533، ح4 .


(9)
وسائل الشيعة11:549، ح1 .


(10)
وسائل الشيعة11:549، ح3 .


(11)
وسائل الشيعة11:550، ح7 .


(12)
وسائل الشيعة11:550، ح10 .


(13)
وسائل الشيعة11:552، ح3 .


(14)
هكذا وردت، وفي مجالس ابن الشيخ الذي نقل عنه
الوسائل:«فإن قدرتم أن تدفعوها».


(15)
وسائل الشيعة11:552، ح7 .


(16)
وسائل الشيعة11:536، ح1 .


(17)
وسائل الشيعة11:537، ح7 .


(18)
وسائل الشيعة11:539، ح1 .


(19)
وسائل الشيعة11:539، ح2 .


(20)
وسائل الشيعة11:539، ح3 .


(21)
وسائل الشيعة 8 :492، ح2 .


(22)
وسائل الشيعة 8 :493، ح3 .


(23)
وسائل الشيعة11:576، ح3 .


(24)
وسائل الشيعة11:576، ح4 .


(25)
وسائل الشيعة11:577، ح5 .


(26)
وسائل الشيعة11:579، ح10 .


(27)
وسائل الشيعة11:586، ح1 .


(28)
نهج البلاغة،الحكمة24.


(29)
وسائل الشيعة11:593، ح1 .


(30)
جامع أحاديث الشيعة 16:187، ح2، و3، وفي الباب
أحاديث أخرى.


(31)
نهج البلاغة،الكلام141.


(32)
وسائل الشيعة11:594 ـ 595،ح1 و2 و3 و7 .


(33)
وسائل الشيعة11:596، ح2 .


(34)
الشورى : 43 .


(35)
الشورى : 40 .


(36)
وسائل الشيعة 8 :518، ب112 ، ح1 .


(37)
وسائل الشيعة 8 :519، ح2 .


(38)
وسائل الشيعة 8 :519، ح5 .


(39)
نهج البلاغة،الحكمة211.


(40)
نهج البلاغة،الحكمة11.


(41)
نهج البلاغة،الحكمة52.


(42)
وسائل الشيعة 8 :52، ح10 .


(43)
وسائل الشيعة 8 :553، ح1 .


(44)
وسائل الشيعة8 :553، ح2 .


(45)
وسائل الشيعة8 :553، ح3 .


(46)
البقرة : 280 .


(47)
وسائل الشيعة11:546، ح2 .


(48)
وسائل الشيعة11:546، ح1 .


(49)
وسائل الشيعة11:546، ح4 .


(50)
وسائل الشيعة11:548، ح1 .


(51)
وسائل الشيعة11:548، ح2 .


(52)
راجع نهج البلاغة، الخطبة 110.


(53)
آل عمران : 92 .


(54)
راجع الوسائل 6:255 ـ 259، من احاديث الباب الاول
من أبواب الصدقة.


(55)
راجع الوسائل6:255، 336.


(56)
وسائل الشيعة11:521، ح1 .


(57)
وسائل الشيعة11:521، ح2 .


(58)
وسائل الشيعة11:522، ح7 .


(59)
وسائل الشيعة11:523، ح10 .


(60)
وسائل الشيعة11:524، ح13 .


(61)
وسائل الشيعة11:524، ح15 .


(62)
وسائل الشيعة11:554، ح2 .


(63)
وسائل الشيعة11:554، ح5 .


(64)
وسائل الشيعة11:554، ح6 .


(65)
وسائل الشيعة11:554، ح8 .


(66)
وسائل الشيعة11:545، ح2 .


(67)
وسائل الشيعة11:545، ح3 .


(68)
وسائل الشيعة11:546، ح5 .


(69)
وسائل الشيعة6:208، ح2 .


(70)
وسائل الشيعة11:569، ح1 .


(71)
وسائل الشيعة11:570، ح3 .


(72)
وسائل الشيعة11:570، ح7 .


(73)
وسائل الشيعة11:591، ح1 .


(74)
وسائل الشيعة11:592، ح4 .


(75)
وسائل الشيعة11:589، ح1 .


(76)
وسائل الشيعة11:590، ح3 .


(77)
الرعد: 22 .


(78)
وسائل الشيعة8 :520، ح1 .


(79)
وسائل الشيعة8:520، ح1 .


(80)
وسائل الشيعة8:522، ح7 .


(81)
وسائل الشيعة8:522، ح8 .


(82)
وسائل الشيعة8 :522، ح9 .


(83)
نهج البلاغة ،القسم الثالث: رقم423.


(84)
وسائل الشيعة 8 :412، ح4 .


(85)
وسائل الشيعة11:158، ح4 .


(86)
الاحزاب : 39 .


(87)
وسائل الشيعة11:158، ح5 .


(88)
وسائل الشيعة11:166، ح1 .


(89)
وسائل الشيعة11:180، ح1 .


(90)
وسائل الشيعة11:181، ح3 .


(91)
وسائل الشيعة11:181، ح6 .


(92)
آل عمران : 31 .


(93)
البقرة : 165 .


(94)
وسائل الشيعة11:431، ح1 .


(95)
وسائل الشيعة11:432، ح6 .


(96)
وسائل الشيعة11:435، ح17 .


(97)
السجدة : 16 .


(98)
الاسراء : 57 .


(99)
الاعراف : 56 .


(100)
وسائل الشيعة 11:170، ح4 .


(101)
وسائل الشيعة11:170، ح6 .


(102)
وسائل الشيعة1 :171، ح8 .


(103)
هكذا وردت الاية في هذا الحديث ، وفي المصحف
لا توجد كلمة «السيئة» في هذه الاية .


(104)
في المصحف الشريف (فاقتلوا) .


(105)
وسائل الشيعة11:207، ح1 .


(106)
وسائل الشيعة11:208، ح3 .


(107)
وسائل الشيعة11:209، ح5 .


(108)
الكافي 2:93، ح25.


(109)
الحديد : 20 ـ 23 .


(110)
الكافي 2 : 128، ح1.


(111)
الكافي 2 : 128، ح2.


(112)
الكافي 2 : 128، ح3.


(113)
الكافي 2 : 128، ح4.


(114)
الكافي 2 : 129، ح9 .


(115)
المعروف لدى الامامية أن النهي لادم عن
الاكل من الشجرة كان نهياً تنزيهياً
إرشادياً ، والتعبير بالمعصية هنا تعبير
مجازي.


(116)
في المصحف الشريف (فكلا) .


(117)
هكذا وردت في المصدر، وصوابها «دُنيَيان».


(118)
الكافي 2 : 130، ح11.


(119)
التوبة : 55 .


(120)
طه : 131 .


(121)
الكافي 2 : 138، ح4.


(122)
الكافي 2 : 139، ح9.


(123)
الكافي 2:139، ح10.


(124)
الاعراف : 32 .


(125)
الشورى : 37 .


(126)
الكافي 2 : 76، ح1 .


(127)
الكافي 2 : 79 ، ح15 .


(128)
الكافي 2 : 77 ، ح6 .


(129)
الكافي 2 : 80 ، ح2 .


(130)
الكافي 2 : 80 ، ح3 .


(131)
الكافي 5 : 338 ، ح1 .


(132)
الكافي 2 : 106 ، ح1 .


(133)
الكافي 2 : 106 ، ح4 .


(134)
الكافي 2 : 106 ، ح6 .


(135)
المؤمنون : 8 .


(136)
مريم : 54 .


(137)
الاحزاب : 35 .


(138)
الكافي 2 : 104، ح1.


(139)
الكافي 2 : 104، ح2.


(140)
الكافي 2 : 104، ح4.


(141)
الكافي 2 : 104، ح5.


(142)
الكافي 2 : 105، ح10.



(144)
الكافي 2 : 82، ح4.


(145)
الكافي 2 : 82، ح5.


(146)
بحار الانوار 65:169، ح30.


(147)
هكذا وردت في المصدر ، وصوابها إمّا «الخفيضة
عيشتهم» أو «الخفيض عيشهم».


(148)
بحار الانوار65:168، ح30.


(149)
بحار الانوار65:167، ح23.


(150)
بحار الانوار65:167، ح25.


(151)
ذكر الكراجي في الكنز بإسناده عن ابي حمزة
الثمالي عن يحيى بن أم الطويل عن نوف البكالي
«قال: عرضت لي إلى امير المؤمنين علي بن ابي
طالب(عليه السلام) حاجة فاستتبعت إليه جندب
بن زهير والربيع بن خثيم وابن أخته همّام بن
عباده بن خثيم وكان من اصحاب البرانس ،
فاقبلنا معتمدين لقاء أمير المؤمنين(عليه
السلام) فالفيناه حين خرج يؤمُّ المسجد ،
فافضى ونحن معه إلى نفر مبدّنين قد افاضوا في
الاحدوثات تفكّهاً وبعضهم يلهي بعضاً ; فلما
أشرف لهم امير المؤمنين(عليه السلام) أسرعوا
إليه قياماً فسلّموا فردَّ التحية ثم قال :
ثم قال : من القوم ؟ قالوا: أناس من شيعتك يا
امير المؤمنين ، فقال لهم خيراً ثم قال : يا
هؤلاء مالي لا أرى فيكم سمة شيعتنا ، وحلية
أحبّتنا أهل البيت ؟ فأمسك القوم حياء .

قال نوف : فأقبل عليه جندب
والربيع فقالا : ما سمة شيعتكم وصفتهم يا
امير المؤمنين ؟ فتثاقل عن جوابهما ، وقال :
اتقيا اللّه أيها الرجلان وأحسنا فإن اللّه
مع الذين اتقوا والذين هم محسنون .

فقال همام بن عبادة وكان
عابداً مجتهداً : أسألك بالذي اكرمكم أهل
البيت وخصّكم وحباكم ، وفضلكم تفضيلاً إلاّ
أنبأتنا بصفة شيعتكم ، فقال لا تقسم
فسأنبئكم جميعاً ، وأخذ بيد همام فدخل
المسجد فسبح ركعتين أوجزهما وأكملهما وجلس
واقبل علينا وحفَّ القوم به ، فحمد اللّه
وأثنى عليه وصلى على النبي(صلى الله عليه
وآله)ثم قال : ...» / عن بحار الانوار 65 : 192، ح48.


(152)
نهج البلاغة : خ 193 .


/ 1