عبد، المولی نقاط التماس (الدعاء نموذجاً) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عبد، المولی نقاط التماس (الدعاء نموذجاً) - نسخه متنی

محمد کاظم الکرمانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسات

العبد، المولي

نقاط
التماس (الدعاء

نموذجاً
)

* محمد كاظم الكـرماني

ليس غريباً أن يكون مفهوم الدعاء هو
الاقرب إلى نقاط التماسوالتواصل بين الانسان
المخلوق الزائل، وبين المولى الخالق الازلي،
وسط زحام العبادات وتعددها، وتداخل المفاهيم
وتشابكها، وليس ثمّة شك في أن انتفاء وجه
الغرابة يرجع إلى ناحية كون الدعاء ممارسة
وجدانية، وتجربة ذاتية واعية، يتواصل فيها
الانسان مع الله عزّوجلّ مباشرةً، دون ايّة
واسطة. ورغم وضوح هذه النقطة وجلاء معالمها،
وانعكاس ضيائها في قلب الانسان المؤمن
والكافر على حدّ سواء، كما سيتضح ذلك من خلال
هذه الدراسة، لكنّ من المؤسف جداً أن يكون
حضور الدعاء لدى غالبية المسلمين عبادة
طقوسية رتيبة، تهتم بالشكل دون المحتوى،
وبالنص دون الواقع، أو وسيلة يركن اليها
الانسان لنيل الخير، أو لدفع الشر عنه حينما
تتربص به الدوائر، وتلمّ به الصعاب، أو أن نجد
إلى جانب مَنْ يرى الدعاء انعكاساً لحالة
النكوص، ومخرجاً يندلف إليه الداعي نتيجة
للضعف والفشل، مَنْ يرفض ايّة إيجابية
للدعاء، بل الاغرب من ذلك أن نجد مَنْ يرى
الدعاء إجهاضاً لسنن الله تعالى، وقوانين
الحياة، بل يعتبرها تدخلاً سافراً في شؤون
الرب.

لذا خلق هذا التصوّر فهماً يشوبه
الانحراف لدى شريحةً عريضة من المجتمع
الاسلامي، نأى بها هذا الفهم الخاطئ عن وظيفة
الدعاء ورسالته.

من هنا سنحاول في هذا البحث أن نتعرف
على دلالة هذا المفهوم، وتقرير هويته ورسم
أبعاده، كما سنعمد إلى كشف شمولية هذا
المفهوم الاسلامي، واتساعه، ليضم بين دفتيه
مطلق العبادة من خلال العلاقة بين النص ـ
الدعاء ـ وواقع الداعي.

الدلالات المعجمية للدعاء:

الدعاء لفظ مشترك وله دلالات معجمية
متعددة، وسنكتفي بإلقاء الضوء على بعض ما يخص
البحث منها، فقد جاء في المعجم المفصّل أن
الدعاء هو طلب فعل شيء، أو الكف عنه، واشترط
أن يكون الطلب مخصوصاً من أدنى لاعلى; لانه إن
كان من أعلى إلى أدنى فهو أمر، وإن كان بين
متساويين فهو التماس(1).

وقد أكد محققاً الاخوند الخراساني
ضرورة اعتبار العلو في معنى الامر، إذ قال: «الظاهر
اعتبار العلو في معنى الامر، فلا يكون الطلب
من السافل أو المساوي أمراً، ولو أطلق عليه
بنحو من العناية»(2).

وأضاف الطبرسي في كون الامر ترغيباً
في الفعل، وزجراً عن تركه وله صيغة تنبئ عنه
وليس الدعاء كذلك»(3).

والدعاء عند الراغب الاصفهاني
كالنداء، وقد يستعمل كل واحد منهما في موضع
الاخر(4
في حين فرّق الطبرسي بين الدعاء والنداء،
باعتبار أن الاول قد يكون بعلامة من غير صوت
ولا كلام، ولكن بإشارة تنبئ عن معنىً، ولا
يكون النداء إلاّ برفع الصوت وامتداده(5).

وخصّ أبو البقاء الدعاء بالقريب،
والنداء بالبعيد، ولذلك قال الاعرابي: أقريب
ربّنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ كما قيّد
النداء برفع الصوت وظهوره وإن كان صوتاً
مجرداً دون المعنى الذي يقتضيه الكلام، وإياه
عنى بقوله تعالى: (إلاّ دعاءً ونداءً)(6).

وهكذا يرى العلاّمة الطباطبائي أن
الدعاء أعم من النداء، فإن النداء يختص بباب
اللفظ والصوت، والدعاء يكون باللفظ والاشارة
وغيرهما، والنداء إنّما يكون بالجهر، ولا
يقيّد الدعاء(7); ولاجل ذلك علل
نور الدين الجزائري عدم إسناد النداء إلى
الله سبحانه وتعالى بخلاف الدعاء(8
واستند في اعتماد هذا الرأي إلى النص القرآني
التالي: (والله يدعو إلى دار السلام)(9
وقوله: (والله يدعو إلى الجنّة)(10).

وربّما كان ثمّة خطأ عند مَنْ اعتمد
هذه النظرة، إذ الصحيح يتبيّن فيما نثبته من
الاشارات التالية:

1 ـ أنّه تعالى قد أسند إليه النداء
اكثر من مرة في القرآن الكريم نحو قوله تعالى:
(هل أتاك حديث موسى * إذ ناداه ربّه بالواد
المقدّس طوىً)(11
وقوله: (وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدّقت
الرؤيا)(12)، وقوله: (وناداهما
ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة)(13).

2 ـ أن الخطاب القرآني قد تجاوز مستوى
الشكل والمادة للمفردة اللغوية من حيث كونها
معنىً محدداً وثابتاً، وذا دلالة معجمية
واحدة، إلى كونها خزيناً دلالياً ثراً تحتشد
عنده المفاهيم والمبادئ، وتشع منه أنوار
الاعجاز القرآني التي لا يمكن لها أن تصدر من
المفردة ذات الدلالة المعجمية الواحدة.

3 ـ أنه لا ينبغي أن يكون فهم المفردة
مشبعاً بتأويلات بعض المتكلمين والفلاسفة،
كالمجسمة مثلاً، وإنما يجب أن يكون المنطلق
في ذلك هو القرآن أولاً وآخراً.

4 ـ هذا مع غضّ النظر عن إمكان وقوع
النداء الخفي ـ أي دون رفع الصوت وامتداده ـ
نحو قوله تعالى: (ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ
نادى ربه نداءً خفياً)(14).

5 ـ ويبدو أن المعنيين بهذا الرأي يرون
ان بين الدعاء والنداء عموماً وخصوصاً من
وجه، فكل نداء دعاء، وليس كل دعاء نداء،
والحال إنما سمي الدعاء دعاءً لان الانسان
يصدّر جميع دعواته بنداء نحو: يا الله، يا
رحمن، يا رحيم(15).

وقد يستعمل الدعاء استعمال التسمية،
نحو: دعوت ابني زيداً أي سمّيته(16).
ونحو قوله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول
بينكم كدعاء بعضكم بعضاً)(17).

ومن معاني الدعاء القول(18)، نحو قوله
تعالى: (دعواهم فيها سبحانك اللهم)(19)
كما يرد الدعاء بمعنى السؤال، نحو قوله تعالى:
(قالوا ادع لنا ربك)(20)
أي سَلْهُ(21)
وكذلك يأتي الدعاء بمعنى الاستعانة
والاستغاثة، وتارة يكون الدعاء عبادة(22
ففي معنى الاستعانة والاستغاثة جاء قوله
تعالى: (فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم
من دون الله إن كنتم صادقين)(23
وقوله: (أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف
السوء)(24
وقوله: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا
يملكون كشف الضرّ عنكم ولا تحويلاً)(25).

وفي معنى العبادة نحو قوله تعالى: (وقال
ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن
عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)(26).

وربّما يكون مدلول الاستعانة هو الوجه
الاخر للعبادة، ففي قوله تعالى: (إياك نعبد
وإياك نستعين)(27)
يتضح تداخل هذين المدلولين ـ أعني الاستعانة
والعبادة ـ واشتراكهما في إيقاع واحد هو
العبادة عن إخلاص.

ومن دلالات الدعاء أيضاً الرغبة إلى
الله عزّوجلّ(28
نحو قوله تعالى: (ويدعوننا رغباً ورهباً
وكانوا لنا خاشعين)(29
وقوله: (وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله
قريب من المحسنين)(30
وقوله: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم
خوفاً وطمعاً)(31).

«ودعا دعاءً له: رجا له الخير، ودعا
عليه: طلب له الشر، ودعاه: ناداه، رغب إليه
واستعانه»(32).

نستنتج مما سبق أن الدعاء لغةً هو
الطلب المتضمّن للاستغاثة والسؤال تارةً،
وبمعنى الرغبة إلى الله تعالى وعبادته تارةً
أُخرى.

موضوع الدعاء:

وأمّا موضوع الدعاء فإنه يتلخص بأحد
أمرين:

الاول: ما يتضمن توحيده تعالى وتمجيده
وتسبيحه وتحميده وذكر آلائه واسمائه الحسنى
والثناء عليه، ونحو ذلك، مثل قوله تعالى: (شهد
الله أنه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولو
العلم قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز
الحكيم)(33
وقوله: (فسبحان الله رب العرش عمّا يصفون)(34
وقوله: (هو الله الذي لا إله إلاّ هو عالم
الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله
الذي لا إله إلاّ هو الملك القدوس السلام
المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان
الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ
المصوّر له الاسماء الحسنى يسبّح له ما في
السموات والارض وهو العزيز الحكيم )(35).

الثاني: ما تضمّن الحظ والخير من الدين
والدنيا، وإليه ينتمي طلب الهداية والعفو
والمغفرة، والحظ من الحكمة والعلم، واستدرار
الخيرات، وزلفى الدرجات، ونجاة الدارين،
والصلاة على عباد الله الصالحين ونحو ذلك،
مثل قوله تعالى: (رب هب لي حكماً وألحقني
بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الاخرين *
واجعلني من ورثة جنة النعيم)(36
وقوله: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة
حسنة وقنا عذاب النار)(37
وقوله: (إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا
أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً)(38).

صيغة الدعاء وهيئته:

يأتي الكلام هنا عن صيغة الدعاء،
فغالباً ما تكون بإحدى الصور التالية مع
إرادة الدعاء منها:

1 ـ صيغة الامر، وقلنا الامر عنايةً
ومجازاً، ونقصد به هنا مادة الطلب، نحو قوله
تعالى: (ربنا اكشف عنّا العذاب إنا مؤمنون)(39
وقوله: (وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين)(40)، وقوله: (ربنا
هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا
للمتقين إماماً)(41).

2 ـ المضارع المسبوق بلا الناهية، نحو
قوله تعالى: (وزكريا إذ نادى ربه ربّ لا تذرني
فرداً وأنت خير الوارثين)(42
(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا
تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من
قبلنا ربنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به
واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا
فانصرنا على القوم الكافرين)(43
(ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا
ربنا إنك أنت العزيز الحكيم)(44).

3 ـ المضارع المسبوق بلام الامر نحو
قولنا: ليغفر الله لي، أي اغفر اللهم لي، ولم
نجد لهذه الصيغة في القرآن الكريم مورداً; ذلك
أن لام الامر غالباً ما تستعمل للمخاطب
الغائب، والله تعالى هو الموجود الحق والشاهد
على كل شيء.

4 ـ المضارع المشتق من مادة (عوذ) كما في
المعوذتين، ونحو قوله تعالى: (وقل رب أعوذ بك
من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون)(45
وقوله: (أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين)(46).

5 ـ المصدر النائب عن فعله، نحو قوله
تعالى: (وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا
وإليك المصير)(47
وقوله: (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم
فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب
العالمين)(48
وقوله: (ويلٌ لكل أفّاك أثيم)(49).

6 ـ المصدر المؤول من أن والفعل مع فعل
الرجاء، نحو قوله تعالى: (عسى ربكم أن يكفّر
عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها
الانهار)(50
وقوله: (وقل عسى أن يهدينِ ربّي لاقرب من هذا
رشداً)(51)، وقوله: (عسى
ربنا أن يُبْدِلنا خيراً منها إنا إلى ربنا
راغبون)(52).

7 ـ جملة اللام الموطئة للقسم، نحو
قوله تعالى: (قل من ينجيكم من ظلمات البر
والبحر تدعونه تضرعاً وخفية لئن أنجانا من
هذه لنكونن من الشاكرين)(53
وقوله: (لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن
من الخاسرين)(54
وقوله: (فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي
فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من
القوم الضالين)(55).

8 ـ الجملة الشرطية، نحو قوله تعالى: (وإن
تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)(56).

9 ـ الخبر المقصود منه الدعاء، نحو
قوله تعالى: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسّني
الضرّ وأنت أرحم الراحمين)(57
وقوله: (ربّ إني لما أنزلت إليّ من خير فقير)(58
وقوله: (ونادى نوح ربّه فقال ربّ إن ابني من
أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين)(59).

10 ـ صيغة فعّل نحو:

سَقّيتَهُ، أي دعوت له بالسُقيا.
وعَوّذته بالله اي اعذته به تعالى.

11 ـ لام الاستغاثة، نحو قولنا: يا
لَلّه لِلمستضعفين، وتأتي اللام مفتوحة مع
المستغاث به، ومكسورة مع المستغاث لاجله.

كل ما سبق من الصيغ كان مخصوصاً
بالدعاء المتضمن الاستغاثة والسؤال، أمّا
الدعاء الدال على التنزيه والتوحيد ونحوهما
فلا صيغة خاصة تحدّه، ومما يجدر الاشارة إليه
أن أهل البيت(عليهم السلام) دعوا إلى
الاسترسال في الدعاء بعيداً عن الصنعة
والتكلّف، فقد رُوي عن زرارة قال: «قلت لابي
عبد الله: علّمني دعاءً، فقال: إن أفضل الدعاء
ما جرى على لسانك»(60).

وذكر الابشيهي أن ابراهيم بن ادهم ركب
في سفينة، فهاجت الريحُ وبكى الناس وأيقنوا
بالهلاك، وكان إبراهيم نائماً في كساء،
فاستوى جالساً وقال: أريتنا قدرتك، فأرنا
عفوك، فذهب الريح وسكن البحر(61).

وطبيعي أن استرسالاً كهذا يكشف عن
توافق القلب واللسان، بل يجعل الدعاء نصاً
جماعياً للجوارح في الاقبال والتوجه تجاه
الحق.

وهذا لا يعني أن الدعاء ممارسة منحصرة
بذات الداعي، فيكتفي حينئذ بتجربته ودعائه
المرسل، تاركاً الادعية والنصوص الواردة عن
أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم; ذلك أن
الدعاء الوارد عنهم «يفترق عن سائر ألوان
التعبير الفني بكونه يجسد (تجربة) داخلية
تتواصل مع الله مباشرةً... كل ما في الامر أن
التجربة المذكورة لم تخضع لصياغة (الداعي) بل
للصياغة الشرعية. وبكلمة جديدة: المشرّع
الاسلامي هو الذي يتكفّل بصياغة تجربة
الداعي، ويقدمها له ليتمثلها ـ هذا الاخير ـ
وكأنها من نتاج ذاته.

من هنا يفترق (الدعاء) عن سائر الفنون
التعبيرية الاخرى بكونه (تجربة داخلية)، لا
أنها (افكار منقولة) إلى الشخص، كما هو شأن
الخطبة، والرسالة، والخاطرة، وغيرها من
أشكال الفن التي تتكفل بعملية (نقل) للمواقف،
بنحو يكون كل منّا مجرد (متلقّ) حيالها، في حين
أن (الدعاء) يحوّل كلاًّ منّا ـ مضافاً لما
تقدم ـ إلى (مُنشئ) وجداني في توجهنا بالكلام
إلى الله»(62).

وهناك صيغتان للدعاء على أساس صيغة
المتكلم (الداعي):

1 ـ صيغة المفرد أو الجمع للنفس،
ولنعبر عنها بـ «صيغة الاثرة»، نحو قوله
تعالى: (رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين *
واجعل لي لسان صدق في الاخرين * واجعلني من
ورثة جنة النعيم)(63)، وقوله: (ربنا
فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنا سيئاتنا وتوفّنا
مع الابرار * ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك
ولا تُخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد)(64).

2 ـ صيغة المفرد أو الجمع للغير، ولنقل
«صيغة الايثار»، نحو قوله تعالى: (رب اجعل هذا
بلداً آمناً وارزق اهله من الثمرات من آمن
منهم بالله واليوم الاخر)(65
وقوله: (ربنا وسِعتَ كل شيء رحمةً وعلماً
فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقِهِم عذاب
الجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم
ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك انت
العزيز الحكيم * وقهم السيئات ومن تقِ السيئات
يومئذ فقد رحمته وذلك الفوز العظيم)(66).

مفهوم الدعاء في الفكر القرآني:

يشغل مفهوم الدعاء في إحداثيات الفكر
الاسلامي موقعاً هاماً تتقاطع فيه جملة
مفاهيم وقضايا هامة، ومازل يفرض نفسه في ذلك
الموقع صرحاً معطاءً وواحة خضراء يتألق فيها
النُسغ الصاعد أبداً بالكلم الطيب والعمل
الصالح نحو الكمال المطلق والمثل الاعلى; رغم
كل المحاولات التي سعت حثيثاً إلى استغلال
هذا المفهوم المقدس، ومصادرة حقيقته من خلال
تسطيحه وتحريف موقعه، بالدسّ فيه، وإغراقه في
الاشكاليات والجمود، بعيداً عن التفكير
والامل، والجهاد والعمل; والحقيقة أنهم ما
أرادوا بذلك إلاّ الاستطالة على معتقدات هذا
الدين الحنيف، ببعث أُميّة التفكير وانشاء
قواعد الجهل بين المسلمين، والنيل من
معتقداتهم، لاسيما معتقدات مدرسة «حي على خير
العمل» التي اختص الدعاء بها، وامتازت به،
وكان أن بقي الدعاء معلماً شامخاً يتماس فيه
الانسان مع اللاهوت وقدرته، وبركاناً هائلاً
يتفجر في ذات الداعي أفقاً يزدان بأخلاق الله
وصورته. وها هو دعاء الثلّة الطاهرة من أهل
البيت(عليهم السلام) بين يدي التأريخ
الانساني، فأساً إبراهيمياً يحطّم كل أنواع
الصنميات المستحدثة، ويأد الشرك بجميع
أشكاله، في زمن تداعى فيه الانسان بين المسوخ
المضطلعة بالفكر المادي، وتناسل الخيانات،
والحروب المتخمة بالفقر والتخلف. ولهذا نرى
النصوص ما برحت تؤكد هذا الموقع السامي
للدعاء، بل تدعو له، وتحث عليه، وترغّب فيه،
حتى أصبحت تلاوة الدعاء أفضل من قراءة القرآن
الكريم(67);
لان الله عزّوجلّ قال: (قل ما يعبأبكم ربي لولا
دعاؤكم)(68)، وجاء في آية
اخرى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين
يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)(69).

«فالاية تدعو إلى الدعاء وتعد
بالاجابة، وتزيد على ذلك حيث تسمي الدعاء
عبادة بقولها: (عن عبادتي)، أي عن دعائي، بل
تجعل مطلق العبادة دعاء»(70).

وعن النعمان بن بشير أنّه(صلى الله
عليه وآله وسلم) قال: «الدعاء هو العبادة،
وقرأ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) فقوله: «الدعاء
هو العبادة» معناه أن معظم العبادة، وأفضل
العبادة، كقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «الحج
عرفة» أي الوقوف بعرفه هو الركن الاعظم»(71).

وورد عن سيد الساجدين(عليه السلام) ما
يؤكد هذا المعنى; إذ قال مخاطباً المولى
عزّوجلّ: «فسميت دعاءك عبادة وتركه
استكباراً، وتوعدت على تركه دخول جهنم داخرين»(72).

وعن حنان بن سدير عن ابيه قال: «قلت
للباقر: أي العبادة أفضل؟ فقال: ما من شيء أحب
إلى الله عزّوجلّ من أن يُسأل، ويُطلب ما
عنده، وما من أحد أبغض إلى الله عزوجلّ ممن
يستكبر عن عبادته ولا يسأله ما عنده»(73).

وفي هذا الاطار أيضاً جاء قوله تعالى: (وإذا
سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا
دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)(74);
ويعدّ هذا النص القرآني آية في الاسلوب
والبيان، يتجلى فيه إعجاز القرآن. وبعد
مراجعة الكم الهائل لكتب التفسير في المكتبة
العربية، كان الميزان هو الارجح والاوفى في
إعطاء هذه الاية حقها، وها هو الطباطبائي قد
عدّ في ميزانه لهذه الاية سبع نكات تنبئ
بالاهتمام بأمر الدعاء واستجابته والعناية
بهما، فقد: «وُضع أساسه الاية على التكلّم
وحده دون الغيبة ونحوها، وفيه دلالة على كمال
العناية بالامر، ثم قوله: (عبادي) ولم يقل:
الناس وما أشبهه يزيد في هذه العناية، ثم حذف
الواسطة في الجواب حيث قال: (فإني قريب)، ولم
يقل: فقل إنّه قريب، ثم التأكيد بأن، ثم
الاتيان بالصفة دون الفعل الدال على القرب
ليدل على ثبوت القرب ودوامه، ثم الدلالة على
تجدد الاجابة واستمرارها حيث أتى بالفعل
المضارع الدال عليهما، ثم تقييده الجواب أعني
قوله: (أُجيب دعوة الداع)بقوله: (إذا دعانِ)،
وهذا القيد لا يزيد على قوله: (دعوة الداع)المقيّد
به شيئاً، بل هو عينه، وفيه دلالة على أن دعوة
الداع مجابة من غير شرط وقيد، كقوله تعالى: (ادعوني
أستجب لكم)(75)...
مع كون الاية قد كُرّر فيها ـ على إيجازها ـ
ضمير المتكلم سبع مرات، وهي الاية الوحيدة في
القرآن على هذا الوصف»(76).

وليس ثمة شك في أن النص القرآني حركة
تصاعدية تتجدد في كل قراءة، لذا أضاف الشيخ
مكارم الشيرازي إلى ما سبق من النكات التفاتة
أخرى، وهي إشارة المولى عزّوجلّ في هذه الاية
إلى عباده سبع مرات أيضاً، وهذا ما جاء في
تفسيره الامثل: «ويلفت النظر في هذه الاية أن
الله سبحانه وتعالى أشار إلى ذاته المقدسة
سبع مرات واشار إلى عباده سبع مرات، مجسداً
بذلك غاية لطفه وقربه وارتباطه بعباده»(77).

ولو أمعنا النظر قليلاً، لما خفي عن
الذهن ما للعدد (سبعة) من أهمية بالغة في خارطة
الفكر البشري، فهو، أي العدد (سبعة) يرمز إلى
التمام، والكمال، والكثرة، والكل، والقوة(78
وهذا بدوره يشعرنا بحضور الاتصال الوثيق بين
الله الكامل المتعالي، وبين عباده
المخلوقين، وكذلك يدلّنا على مدى كريس المولى
عزّوجلّ تمام عنايته وكمال لطفه ورأفته بهم
عباداً مكرَّمين.

ومما يجدر الاشارة إليه في هذه الاية
أيضاً، أنه تعالى قال: (أجيب دعوة الداع)، ولم
يقل: أسمع دعوة الداع، وكلّنا يعلم أن بين
السمع والاجابة بوناً يتضاءل أمامه ما بين
الارض والسماء.

ومع هذا فإنّا إذا عاينا الاية من
نافذة القلب فسنجد المولى عزّوجلّ لم يصدّر
الجواب فيها بكلمة (قل)، على خلاف جميع آيات
الاسئلة، فإنها جاءت مصدَّرة بها، نحو قوله
تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي
وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً)(79
وقوله: (يسألونك عن الانفال قل الانفال لله
والرسول فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم
وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين)(80
وقوله: (يسألونك عن الساعة أيّان مرساها قل
إنما علمها عند ربي)(81).

فإن هذا الامر ـ أي حذف الواسطة وإن
كانت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ
إنما يدل على تأكيد قربه تعالى من عباده،
ولطفه بهم، وقد يكون تنبيهاً على الانقطاع
بالسؤال اليه وحده دون غيره، والتوجه في
الدعوات إلى من بيده ملكوت السموات والارض رب
العرش العظيم: «لان الدعاء يعني الاعتماد على
القدرة المطلقة التي تحكم الكون»(82).

الدعاء في روايات أهل البيت(عليهم
السلام):

فلا غرو إذن أن تأتي أحاديث أهل بيت
النبوة(عليهم السلام) ورواياتهم شعاعاً
كألوان الطيف القرآني، لتجعل الدعاء سلاحاً
للمؤمن، وعموداً للدين(83) ومفتاحاً
للرحمة، ونجاحاً للحاجة(84)
وكهفاً للاجابة(85
فهو أحب الاعمال إليه تعالى، ونوره في
السموات والارض، وأفضل العبادة(86
بل مخها(87
وبه تدر الارزاق(88
ويرد القضاء بعدما أُبرم إبراماً، وفيه
الشفاء من كل داء(89)والسلامة
من كل بلاء(90).

الدعاء في اصطلاح المعاصرين:

وعلى ضوء هذا التأكيد الذي فرضته
النصوص الشرعية على أهمية الدعاء، وتركيز
موقعه في خارطة العبادات، وضع العلماء
الاسلاميون له فصولاً وابواباً في مؤلفاتهم،
بل كتبوا العديد من المصنفات التي تتناول جمع
الادعية المأثورة، وذكر فضائلها، والثواب
المترتب على تلاوتها، وآدابها، والاوقات أو
الاماكن التي تستجاب الدعوات فيها، وشروط
الاستجابة، وغير ذلك.

بيدَ أنهم لم يتناولوا الدعاء دراسة
تحليلية وتحقيقاً موضوعياً كاملاً يحيط بكل
جوانبه ويستقصي جميع آثاره، لذا ظل الدعاء
يحدّ بنحو عريض من المنعطفات والتساؤلات التي
باتت تلازم تعريفه، وتلحّ في الاشكال على
مفرداته، ومثل ذلك التحقيق يحتاج إلى مجال
أرحب مما نحن بصدده الان، لذا سنشير باختصار
إلى ما ذكره بعض المعاصرين في اصطلاح الدعاء
بما يتناسب والمقال.

قال العلامة الطباطبائي: «الدعاء
والدعوة توجيه نظر المدعو نحو الداعي،
والسؤال جلب فائدة، أو در من المسؤول يرفع به
حاجة السائل بعد توجيه نظره، فالسؤال بمنزلة
الغاية من الدعاء، وهو المعنى الجامع لجميع
موارد السؤال، كالسؤال لرفع الجهل، والسؤال
بمعنى الحساب، والسؤال بمعنى الاستدرار
وغيره»(91).

وفي موضع آخر من الميزان أشار
العلاّمة(رحمه الله) إلى أن «الدعاء من العبد
لربّه عطف رحمته وعنايته إلى نفسه، بنصب نفسه
في مقام العبودية والمملوكية والاتصال
بمولاه بالتبعية والذل; ليعطفه بمولويته
وربوبيته إلى نفسه وهو الدعاء»(92).

بينما أوجز الشيخ مكارم الشيرازي
مفهوم الدعاء بـ (نوع من التوعية وإيقاظ القلب
والعقل وارتباط داخلي بكل مبدأ لطف وإحسان»(93).

وأما الشيخ الاصفي فإنه يرى حقيقة
الدعاء بإقبال العبد على الله، والاقبال على
الله روح العبادة، والعبادة هي الغاية من خلق
الانسان(94).

وإنما لاحظ الاصفي ذلك من خلال ما
استند عليه من علاقة وثيقة ورابطة متينة بين
قوله تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن
الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم
داخرين)(95
وبين قوله تعالى: (وما خلقت الجن والانس إلاّ
ليعبدون)(96).

ثم يخلص إلى القول باختصار الدعاء في
ثلاث كلمات:

1 ـ الفقر إلى الله.

2 ـ وعي الفقر.

3 ـ رفعه ونشره وبثه بين يدي الله تعالى.

فإن الفقر غير وعي الفقر، فقد يكون
فقيراً إلى الله تعالى، وهو غير واع لفقره إلى
الله، وقد يكون واعياً لفقره إلى الله، ولكنه
لا يحسن أن يرفع فقره إلى الله وينشره ويبثه
بين يديه تعالى، ولا يحسن السؤال والطلب
والدعاء لله عزّوجلّ(97).

وهناك من يرى الدعاء أنه تعبير طبيعي
عن إحساس نفسي وشعور حي لدى الانسان الذي يدرك
وجود حقيقتين في حياته هما الله، والانسان;
ويدرك النسبة الحقيقية بين الوجودين:

وجود الله الذي هو مصدر الغنى والكمال
والافاضة في هذا العالم، ووجود الانسان الذي
هو وعاء الفقر والحاجة والمسكنة المتقوم
بالافاضة والعطاء المستمر(98).

أقسام الدعاء:

وصنف الشهيد الشيخ مرتضى المطهري
الدعاء إلى قسمين كل حسب حالته: فالاول يلتجئ
إليه الانسان مقهوراً مضطراً حينما تنقطع به
الاسباب، وتغلق بوجهه الابواب فيكون دعاؤه
إضطرارياً ولاجل ذلك لا يعدّ هذا النوع من
الدعاء كمالاً للنفس الانسانية، بينما يعدّ
الثاني ـ الدعاء الاختياري ـ كمالاً للنفس
حيث يسمو الانسان بدعائه حينما يرفض بإرادته
واختياره كل الاسباب، وينقطع إلى الله تعالى
في دعائه(99).

في حين عبر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الدعاء الصادر لدى الاضطرار، وبعد بذل كل
الجهود والطاقات بـ «الدعاء المستجاب»، وكان
دليله في ذلك قوله تعالى: (أم من يجيب المضطر
إذا دعاه ويكشف السوء)(100).

وأما الدعاء الاختياري فإنّه تعبير
الداعي عن عدم استقلال قدرته عن قدرة الباري
تعالى(101).

وهناك نوع آخر من الدعاء نسمّيه بـ «الدعاء
الغريزي»، وهو ما أضافه العلاّمة الطباطبائي
إلى اقسام الدعاء عند تفسيره الاية الكريمة: (فهب
لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب
واجعله ربّ رضياً)(102).

ولعلّ طلب الولد هو أجلى مظاهر الدعاء
الغريزي، «فهو مما فطر الله عليه النوع
الانساني سواء في ذلك الصالح والطالح والنبي
ومن دونه، وقد جهز الجميع بجهاز التوالد
والتناسل وغرز فيهم ما يدعوهم إليه، فالواحد
منهم لو لم تنحرف طباعه ينساق إلى طلب الولد،
ويرى بقاء ولده بعده بقاء لنفسه، واستيلاءهم
على ما كان مستولياً عليه من أمتعة الحياة ـ
وهذا هو الارث ـ استيلاء نفسه وعيش شخصه.

والشرائع الالهية لم تبطل هذا الحكم
الفطري ولا ذمّت هذه الداعية الغريزية، بل
مدحته وندبت اليه، وفي القرآن الكريم آيات
كثيرة تدل على ذلك، كقوله تعالى حكاية عن
إبراهيم(عليه السلام): (رب هب لي من الصالحين)(103
وقوله: (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر
إسماعيل وإسحاق إن ربّي لسميع الدعاء)(104
وقوله حكاية عن المؤمنين: (ربنا هب لنا من
أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين
إماماً)(105).
إلى غير ذلك من الايات»(106).

هذا وقد قسّم الشيخ جعفر السبحاني
الدعاء إلى دعاء عبادة، وآخر لاصلة بينه وبين
العبادة: «فلو كان الداعي والمستعين بالغير
معتقداً بالوهية المستعان ولو ألوهية صغيرة
كان دعاؤه عبادة، ولاجل ذلك كان دعاء عبدة
الاصنام عبادة لاعتقادهم بألوهيتها، قال
سبحانه: (فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من
دون الله من شيء)(107
(قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف
الضر عنكم ولا تحويلاً)(108
(إن الذين تدعون من دون الله عباد امثالكم)(109).

وهناك قسم آخر منه لا صلة بينه وبين
العبادة، وهو فيما إذا دعا شخصاً بما أنّه
إنسان وعبد من عباد الله، غير أنه قادر على
إنجاز طلبه بإقدار منه تعالى، وإذن منه، فليس
مثل هذه الدعوة عبادة، بل سنة من السنن
الالهية في الكون; هذا هو ذو القرنين يواجه
قوماً مضطهدين يطلبون منه أن يجعل بينهم وبين
يأجوج وماجوج سداً، فعند ذلك يخاطبهم ذو
القرنين بقوله: (ما مكّنّي فيه ربي خير
فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً)(110)، وها هو
الذي من شيعة موسى يستغيث به، يقول سبحانه: (فاستغاثه
الذي من شيعته على الذي من عدوّه فوكزه موسى
فقضى عليه)(111
وهذا هو النبي الاكرم يدعو قومه للذبّ عن
الاسلام في غزوة أحد وقد تولّوا عنه، قال
سبحانه: (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول
يدعوكم في أخراكم)(112).

فهذا النوع من الدعاء قامت عليه
الحياة البشرية، فليس هو عبادة وإنما هو توسل
بالاسباب، فإن كان السبب قادراً على إنجاز
المطلوب كان الدعاء أمراً عقلائياً، وإلاّ
يكون لغواً وعبثاً»(113).

وما دفع الشيخ السبحاني إلى ذلك
التمييز إلاّ تفسيره لمفهوم «العبادة»،
والاحرى دفاعه عن الشبهة الواردة حول
الشفاعة، إذ أراد بذلك التقسيم أن يدحض دعوى
القائلين بأن الدعاء عبادة والعبادة لا تجوز
إلاّ لله، فمن دعا غير الله فقد أشرك أو كفر،
ونحن لا يسعنا دخول هذا الباب الان، ولكن
يمكننا مناقشة هذا التمييز للدعاء، وردّ
الذين أشكلوا على عدم جواز دعوة غير الله بما
قلناه سابقاً من أن الدعاء لفظ مشترك، وله
دلالات معجمية متعددة، ومما جاء في لسان
العرب في معنى قوله: (وادعوا شهداءكم من دون
الله): استغيثوا بهم، وهو كقولك للرجل إذا
لقيت العدو خالياً فادع المسلمين، ومعناه
استغث بالمسلمين، فالدعاء هاهنا بمعنى
الاستغاثة(114)ولاصلة
بينه وبين العبادة، فلا حاجة اذن لهذا
التقسيم.

خصوصية الداعي والبعد الغيبي للدعاء:

الدعاء إذن مقولة تحدّ بطرفين، طرفها
الاول «الداعي» وهو مخلوق ضعُف لخلقه، وطرفها
الاخر «المدعو» وهو الخالق البارئ المتعالي
الذي بقدرته قهر كل الاشياء، وبرحمته أفاض
عليها الوجود والمعنى ومن هنا يتضح أنه من
المستحيل فهم الدعاء بمعزل عن البعد الغيبي،
والاطار الالهي، إذ إن فهم هكذا مفاهيم ينبغي
أن يكون من خلال نافذة السماء، وحيث السلوك
والسير نحو السماء لابد أن يكون بأدوات ذات
أبعاد غيبية سماوية، لذا يلزم في تحقق الدعاء
أن يكون الداعي متصلاً بالله تعالى اتصالاً
شخصياً مباشراً يؤهله لاقبال الله تعالى
عليه، وإجابته له، ولا يتم هذا الاتصال إلاّ
بالسعي الحثيث، والكدح الدؤوب نحوه تعالى،
وفي هاتين الممارستين: ممارسة الاتصال
والارتباط بمبدأ الفيض، وممارسة الكدح
والسعي الشديدين نحوه، يتبيّن كيف أن الدعاء
يحايث الانسان ليوسّع في مفهوم شخصيته، حيث
تتم في مثل هذه الابعاد المفعمة بالحركة
المتدفقة بالصعود والارتقاء نحو الخالق
الحق، تحولات الروح التي تتهيأ للعودة إلى
الله الملك القدوس. فالغاية إذن واضحة جلية،
فلا إبهام ولا غموض، وآخر الطريق وعد الله
ولقاؤه. أما المسير فيبدأ من النفس الداعية;
إنه الطريق الذي يبدأ به الانسان الداعي
عبداً فقيراً، ينشد الخير والكمال، أو مسيئاً
عاصياً مذنباً يرجو رحمة الله وعفوه، وينتهي
به مخلوقاً إلهياً يتصل بمبدأ كل خير ولطف
وينتمي إلى حيث الخير والجمال، وما يكون
التجاوز في هذا الطريق الرحيب إلاّ على أساس
حلمه تعالى وعفوه ومغفرته ورحمته، ولو لم تكن
تلك المحطات الالهية لاقفر المكان، وأظلم
الدرب، واستوحش المسير، وانقطعت الصلة وبانت
العلاقة بين العبد ومولاه.

بهذا المنظار يتكشف أن الفقر والحاجة
والنقص وشائج قائمة في أبعاد الانسان، وأن
الغني الحميد أعطى الانسان القدرة على رفع
هذه السلبيات بالفرار إليه، والحضور بين
يديه، ويؤيد هذا الانكشاف والتفسير ما جاء في
الذكر الحكيم من معان نحو قوله تعالى: (ففروا
إلى الله)(115).

(يا أيها الانسان إنّك كادح إلى ربك
كدحاً فملاقيه)(116).

التمييز بين حركة الانسان المؤمن
والكافر تجاه الحق تعالى:

في مثل هذه القراءة الشاخصة لحركة
الانسان إلى ربّه يتجلى كيف أن الله سبحانه
وتعالى هو الغني المتعالي، منتهى الحاجات،
وغاية الامال، وجواب كل سؤال، وكيف أن
الانسان هو ميدان الفقر والسلبيات، ووعاء
منخوب بالحاجات، كما يتبين أن المسير إلى
الله تعالى هو ممارسة جِبلية وحركة فطرية،
يستوي بها الانسان المؤمن والكافر، فكلاهما
مدفوع بلا نهاية نحو اللامحدود، وإلى تخوم
السماء، والحقيقة أن هذا التوجه الفطري،
والدعاء الغريزي الذي وهبه الله لعبده، إنّما
هو نافذة للخلاص، وينبوع للخير والكمال، يسدّ
به نقصه، ويشبع حاجته، وهذا ما أبرزته النصوص
القرآنية التالية:

(وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله
مخلصين له الدين فلمّا نجاهم إلى البرّ فمنهم
مقتصد وما يجحد بآياتنا إلاّ كل ختار كفور)(117).

(هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها
زوجها ليسكن اليها فلما تغشّاها حملت حملاً
خفيفاً فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما
لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين)(118).

(هو الذي يسيّركم في البر والبحر حتى
إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا
بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان
وظنوا أنهم أُحيط بم دعوا الله مخلصين له
الدين لئن انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين)(119).

لكن سرعان ما يفترق المؤمن والكافر في
الطريق عند هذه النافذة التي ما برحت الحد
الفاصل بين الكفر والايمان; إذ إن الافتراق
هنا يعني التفاوت في الحركة، والتمايز في
مصدر الدفع والتوجه، فالانسان المؤمن يجعل من
ايمانه بالله وتوحيده له نقطة انطلاق للسير
في طريق الطمأنينة والامل إنه السير نحو مصدر
الفيض، ومنبع الخير، وموطن السلام. وهذا
الحنين الهائل لدى الانسان المؤمن إلى المولى
الحق لا يستدعي المثول بين يديه بالدعاء
غريزياً فحسب، بل يتجاوزه ليدعوه (رغباً
ورهباً) أو (خوفاً وطمعاً)، فالذين آمنوا
أينما يولّوا فثم وجه الله يتجلّى لهم، فهم لا
ينفكون عن الاتصال به تعالى قياماً وقعوداً
وعلى جنوبهم، ولذا يسيرون بقلوب مقبلة عليه،
وبتعجيل مقداره قربهم منه تعالى، ولهذا كان
العمدة في آداب الدعاء «الاقبال بالقلب، لان
من لا يقبل عليك لا يستحق إقبالك عليه»(120
«ولولا الاجل الذي كتب الله عليهم، لم تستقر
أرواحهم في اجسادهم طرفة عين شوقاً إلى
الثواب وخوفاً من العقاب»(121).
ومن الطبيعي أن يتجلى الاقبال في أسنى صورة
له، عندما يتجاوز العبد المؤمن هذا الحد من
الدعاء إلى أسمى درجات المثول بين يدي المولى
عزّوجلّ، حينما تكون سراية اللاهوت إلى جميع
شؤونه، سرايةً تُلغي معها كل المسافات
والاغراض الفردية، وفي مثل هذا الوعي
اللامحدود، والحضور الواعي يقول علي(عليه
السلام): «إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا
طمعاً في جنتك، بل وجدتك أهلاً للعبادة
فعبدتك»(122);
إذ يتضح الاتصال بالله هنا، عندما نصب الامام(عليه
السلام)نفسه في مقام العبودية التامة
والتبعية الخالصة لله، وكأنّه يحيا بانكساره
في الافق الالهي المطلق، ولعلّ في هذا يكمن
السرّ في استحقاقه(عليه السلام)وسام النبي(صلى
الله عليه وآله وسلم) عندما قال فيه: «لا
تلوموا علياً، فإنه ممسوح في الله»(123)، أو «فإنه
ممسوس في ذات الله»(124).

نعم، هكذا نرى الدعاء يحرّك العبد
المؤمن لـ «ينصب فيها نفسه في مقام المملوكية
والاتصال بمولاه بالتبعية والذلة; ليعطفه
بمولويته وربوبيته إلى نفسه»(125).

في حين نرى في الجهة الثانية الانسان
الكافر يسير نحو المولى عز وجلّ بلا ريب
البتة، لكن بحركة بطيئة ضئيلة، يثاقل في
مسيره إلى الارض وصدره ضيق حرج كأنّما يصعّد
في السماء، وربما تكون حركته معدومة، أو بوجه
مدبر وبتعجيل نحو قفاه، وكأنّه (خرّ من السماء
فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق)(126
والحقّ أنه لا يلتجئ إلى القدرة اللامتناهية
إلاّ عندما يتوزعه الشر، أو يحيط به
الاضطرار، كما تبين ذلك من الايات السابقة
الدالة على اشتراك المؤمن والكافر في الدعاء
الغريزي، إلاّ أنه سرعان ما ينسحب طغيانه
وغروره بعد ذلك الدعاء ليطوّق اتصاله الفطري،
وحركته الوجدانية نحو الرب ويجعلها في خبر
كان. ولو تتبعنا تلك الايات وما بعدها لاتّضح (إن
الانسان ليطغى * أن رآه استغنى)(127).

وهاك بعض النصوص القرآنية التي تفضح
هذا الانحراف عن الحق، والزيغ عن الكمال، قال
تعالى: (وإذا مسّ الانسان ضرّ دعا ربّه منيباً
إليه ثم إذا خوّله نعمة منه نسي ما كان يدعو
إليه من قبل وجعل لله أنداداً ليضل عن سبيله
قل تمتع بكفرك قليلاً إنّك من أصحاب النار)(128)، وقال: (وإذا
مسّ الانسان الضرّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو
قائماً فلما كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعُنا
إلى ضرّ مسّهُ كذلك زُيّن للمسرفين ما كانوا
يعملون)(129
وقال: (وإذا أنعمنا على الانسان أعرض ونأى
بجانبه وإذا مسّه الشرّ فذو دعاء عريض)(130).

واضح إذن أن هذا التباعد والخروج عن
الصراط السوي لا يتم إلاّ عندما يكون الانسان
اسير الغرور والطغيان، ورهين الترف
والشيطان، وواضح أيضاً أن الاستغناء مدعاة
لكفر الانسان بـ «يوم التلاقِ»، ولكنّ الحق
هو «أن من كانت مطيته الليل والنهار فإنه
يُسار به وإن كان واقفاً، ويقطع المسافة وإن
كان مقيماً وادعاً»(131).

فحرّي بنا أن نحيد عن عالم الاشياء
الباطلة، ونبادر المولى بكلمات الانكسار في
أُفق اللاهوت ولو من صمت; علّهُ يشملنا بلطف
النداء: (ارجعي إلى ربك راضية مرضية)(132
لا أن ننساق إليه بسطوة الجحيم، وسياط ملائكة
غلاظ شداد، يصرفون: (لئن لم ينته لنسفعن
بالناصية)(133)

الدعاء والاستجابة:

في مثل هذا البناء الروحي المتواصل
بين العبد والمولى، وحينما يُعدّ الدعاء
ممارسة وجدانية طرحت أساساً في ميدان التواصل
بين الداعي والمدعو، أي إنها تجربة ذاتية
للداعي مهما كانت درجة الانفعال الوجداني
فيها من الوعي ضئيلة أو عالية، فإنها بالتالي
من ثم تسعى للوصول إلى الوجود اللامتناهي
وإلى إحداث استجابة ما لديه تعالى، وهذا ما
عبر عنه الطباطبائي بتوجيه نظر المدعو نحو
الداعي(134).

ولفهم هذا التوجيه، ومعرفة مدى
انعكاساته، ينبغي مبدئياً أن نعرف أن الباب
لا يفتح دون أن يطرق، وأن المصباح الكهربائي
لا يتوهج ما لم تسري فيه شحنة الكترونية. ولكن
تكون هنالك استجابة للمدعو حيال الداعي، لابد
أن يتحقق الاتصال ويتأسس التماسّ بسريان
الشحنة الوجدانية من العبد تجاه المولى، و «من
قرع باب الله سبحانه وتعالى فتح له»(135
فإنه تعالى لم يشترط في استجابة الدعاء أي شرط
أو قيد «إلاّ أن يكون هناك دعاء حقيقةً، وأن
يكون ذلك الدعاء متعلقاً به وحده»(136).

وهذا ما تكشف الايات القرآنية التالية
نحو قوله تعالى: (ادعوني أستجب لكم)(137).

(أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف
السوء)(138).

(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب اُجيب
دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا
بي لعلهم يرشدون)(139).

من هنا جاءت كلمة رسول الله(صلى الله
عليه وآله وسلم) لعلي(عليه السلام): «لا يقبل
الله دعاء قلب ساه»(140).

وكلمة علي(عليه السلام) عن الصادق(عليه
السلام): «لا يقبل الله عزّوجلّ دعاء قلب لاه»(141).

كما يتضمن هذا المعنى ما روي عن الصادق(عليه
السلام) حين قرأ: «(أم من يجيب المضطر إذا دعاه
ويكشف السوء) فسئل: مالنا ندعو ولا يستجيب
لنا؟ فقال: لانكم تدعون من لا تعرفونه،
وتسألون ما لا تفهمونه»(142)
أي (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم)(143).

إذن «حقيقة الدعاء والسؤال هو الذي
يحمله القلب ويدعو به لسان الفطرة، دون ما
يأتي به اللسان الذي يدور كيفما أدير صدقاً أو
كذباً، جداً او هزلاً، حقيقةً أو مجازاً»(144).

يتجلى لنا من خلال ما تقدم أن الاجابة
منوطة بتحقق الدعاء، والدعاء لا يتحقق إلاّ
بحركة العبد نحو المولى حركة يكون فيها القلب
واعياً متصلاً به تعالى، لا كما يتوهم البعض
من أن «الجواب يتجه للمشكلات، والماء يتجه
للموضع المنخفض. لا تبحث عن الماء بل دع نفسك
تظمأ فحينئذ سيصل إليك الماء من كل جانب»(145
اي إن الاجابة تتحقق بتحقق الحاجة.

ومن نافلة القول أنه من التوهم بمكان
أن يكون الاعتكاف ببيت من الشعر أولى من
الاعتكاف بصرح عامر بأحاديث أهل البيت(عليهم
السلام)، فنحن لا نرى لهذه الكلمة تطبيقاً
إيجابياً يعايش مفردات الدعاء; إذ إن حركة
العبد نحو مولاه تحليق في آفاق الغنى
اللامتناهي، وورود على مناهل الخير والعطاء،
وهنا ـ أي عند هذا البيت ـ لا نلتمس الدعوة في
قبول الظمأ فحسب، بل نجد الدعوة لطلب الظمأ
وتأكيده، وهي مفردة سلبية هشة; إذ «إن أعجز
الناس من عجز عن الدعاء»(146
ولم يستطع أن يتجه بحاجته نحو السماء، فالله
يدعو عباده للسؤال منه و«يحب الملحّين في
الدعاء»(147
حتى قيل في الحديث القدسي: «يا موسى، سلني كل
ما تحتاج إليه، حتى علف شاتك، وملح عجينك»(148
كما روي عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه
قال: «لتسألن أو ليقبضن عليكم»(149
وعن الامام الصادق(عليه السلام): «ولو أن
عبداً سدّ فاه ولم يسأل لم يعط شيئاً، فسل تعط»(150).
«سلوا الله عزّوجلّ ما بدا لكم من حوائجكم حتى
شسع النعل، فإنه إن لم ييسره لم يتيسّر»(151
وهكذا أسئلة تعني تأكيد الصلة وتعميق الثقة
بين العبد ومولاه، في حين أن تأكيد الفقر
والحاجة والظمأ لا يعني بثه ونشره بين يدي
الله تعالى، ومن ثم فليس هناك اي دعاء، ومن
جهة ثانية فإن طلب الظمأ والبحث عنه يفترض عدم
السعي والعمل لسدّ الخلّة ورفع العجز، وهذا
ما يأباه العقل وترفضه النصوص الاسلامية لنحو:
«الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر»(152).

ويضاف إلى ما سبق أن الله عزّوجلّ يغضب
إذا لم يسأله العبد، بل يدخل من أعرض عن دعائه
النار: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين
يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)(153
«والاستكبار عن العبادة في هذه الاية الكريمة
هو الاعراض عن الدعاء، فإن السياق يدعو إلى
الدعاء، يقول تعالى: (ادعوني استجب لكم)، وبعد
ذلك مباشرةً يقول: (إن الذين يستكبرون عن
عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)، إذن الاعراض عن
الدعاء في هذه الاية الكريمة بحكم الاستكبار
عن العبادة لانه إعراض عن الله»(154).

هذا ومن المحتمل أن يكون هناك معنىً
إيجابي يريده الشاعر، لكن سيبقى خارجاً عن
دائرة الدعاء بالتأكيد.

نخلص مما تقدم أن الاستجابة تتأتى من
الدعاء نفسه، اي إنّه إذا كان هناك دعاء
حقيقة، فهناك إجابة قطعاً وإلاّ فلا.

الدعاء ونظامي التكوين والتشريع:

ينبغي الاشارة إلى نكتة كاد يتفق
عليها كل من كتب عن العلاقة بين الدعاء
والاستجابة، وهي اشتراطهم الجواب بألاّ يكون
الدعاء اختراقاً لسنن الله تعالى في الطبيعة،
والكون، والمجتمع، والتأريخ، وبعبارة موجزة:
ألاّ يكون الدعاء مخالفاً لنظامي التكوين
والتشريع; إذ إن سنن الله تعالى لا تتحول، ولا
تتبدل.

فإنه «ليس كل ما يسأله الانسان ممكناً
في حساب النظام الكوني العام، فقد يدعو
الانسان الله تعالى بما لا يمكن في حساب
النظام العام (القضاء والقدر) فلا يستجاب له»(155
«أمثال المطالبة بالخلود في الدنيا»(156).
وعلى الرغم من ذلك فإنهم يجمعون على أن «الدعاء
مفتاح الرحمة»(157
وسنة إلهية تحكم الحياة بلا ريب، وأن قوله
تعالى: (ادعوني أستجب لكم)(158)
قانون إلهي لا يصل إليه الشك قطعاً، وأن عطاءه
تعالى لا يمكن أن يحد. والحق أن ما جاء في
القرآن الكريم والمأثور من روايات أهل البيت(عليهم
السلام) لا يتماشى مع هذا الرأي; فقد روي عن
النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «لا
يرد القضاء إلاّ الدعاء»(159
وعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): «الدعاء
يرد القضاء بعد ما أُبرم إبراماً»(160).

وهذا ـ على الاقل ـ موقع الدعاء في
روايات أهل البيت(عليهم السلام)، لكن لو أمعنا
التدقيق في آيات الله وأحاديث أوليائه،
وطالعنا ما يدور حولنا من الاجابات الالهية
التي لا حصر لها لدعوات المؤمنين كما كان هناك
تسويغ في اعتماد هذا الرأي «ذلك أن مفهوم
الدعاء هو طلب تهيئة الاسباب والعوامل
الخارجة عن دائرة قدرة الانسان، وهذا الطلب
يتجه به الانسان إلى من قدرته لامتناهية، ومن
يهون عليه كل أمر»(161).
وكما أشرنا في تعريف الدعاء وكيف أنّه يتأسس
ببعدين أحدهما كان غيبياً، هذا البعد الذي
جعل الدعاء يدمج الطبيعي بما هو غير طبيعي
وبما هو فوق طبيعي لبلوغ أغراض مكمّلة وأسباب
مؤثرة، وهذا هو وجه العلاقة بين الدعاء
والاستجابة، ينتج عن ذلك أن من يلتجئ إلى
الدعاء فإنه يعتصم بالله تعالى، وهو السبب
الحقيقي الذي يكمن وراء جميع الاسباب العادية
والظاهرية.

كما لا يكتمل جدوى الدعاء عند وقوفه
ضمن الاسباب العادية فقط، ولم يكن مخترقاً
للسنن غير المألوفة. وتوثيقاً لما سبق نقدم
ثلاثة موارد قرآنية تمثيلاً لا حصراً، كان
فيها الدعاء مخالفاً حسب الظاهر للقوانين
الطبيعية المألوفة للانسان:

1 ـ (قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون *
قال فإنّك من المنظرين)(162).

2 ـ (ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى
ربّه نداءً خفيّاً * قال ربّ إني وهن العظم مني
واشتعل الرأس شيباً ولم اكن بدعائك رب شقياً *
وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي
عاقراً فهب لي من لدنك ولياً * يرثني ويرث من
آل يعقوب واجعله ربّ رضياً * يا زكريا إنّا
نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل
سميّاً * قال ربّ أنّى يكون لي غلام وكانت
امرأتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتيّاً * قال
كذلك قال ربُّك هو عليّ هيّن وقد خلقتك من قبل
ولم تك شيئاً)(163).

3 ـ (قال عيسى بن مريم اللهم ربنا أنزل
علينا مائدةً من السماء تكون لنا عيداً
لاولنا وآخرنا وآيةً منك وارزقنا وأنت خير
الرازقين * قال الله إني مُنزلها عليكم فمن
يكفر بعد منكم فإني أعذّبه عذاباً لا أعذّبه
أحداً من العالمين)(164).

وأما ما ورد عن أمير المؤمنين(عليه
السلام): «يا صاحب الدعاء لا تسأل ما لا يكون
وما لا يحل»(165
فربّما أراد بما «لا يكون» الطلب العبثي أو
طلب المترف الضال، أو أن يطلب ما لا يفهم كما
ورد في كلام الامام الصادق(عليه السلام)
آنفاً، وكل هذه الموارد لا يتحقق بها الدعاء.
وواضح أن «ما لا يحل» هو مخالفة السنن
التشريعية لله تعالى.

دور الدعاء في العلاقة بين الانسان
والكون:

ثمّة وضوح فيما سبق من إشارات يدلّنا
على مفردات، نحو: حركة، توجه، إقبال، نزوع،
وما شاكل هذه المعاني الدالة على اندفاع
الداعي بقلبه ووعيه نحو الخالق الحق، هذا
النزوع الذي يسبق الكلمات «النصّ» إن لم تكن
قد ولدت ـ هذه الكلمات ـ معه سابحة في هذا
التحرك نحو فضاء الغيب والتموّج فيه. وهذه
الكلمات الذائبة في معانيها هي التي تشكل
تجربة الداعي، وممارسته الوجدانية حيال الله
تعالى، في الوقت الذي فيه يسجّل حواره مع
مولاه. ولا يهمّنا شكل هذه الكلمات، فربما
تكون صراخاً عالياً في وجه الكون، أو همساً
تتناجى معه معاناة الروح وشجونها، أو صمتاً
يُنبئ عن ذهول العبد وحيرته تجاه المليء
المطلق، أو سرّاً يتنامى فيه فرح العبد بلقاء
محبوبه ومعشوقه الاول. لكنّ المهمّ أن هذه
الكلمات ذات الايقاع الملائكي الجميل هي التي
ستخترق الحجب، وفوضى المفردات الصديئة، إلى
حيث التحرر والانعتاق. أجل، إن هذا النص
الدعائي المشحون بدلالات العبودية والتضرع
والسؤال هو الذي سيكشف أفقاً من الاسئلة
سرعانَ ما تعيدُ خلق الانسان من جديد، أو على
الاقل اكتشافه بين يدي الله تعالى والانسان
الاخر، والطبيعة معاً. فعندما يكون الانسان
راغباً إلى ربّه بدعائه ومحاكاته، سيخلق هذا
النزوع رؤيةً تمكّنه من الحضور بين يدي الله
تعالى والنظر إلى وجهه، وإن هذه الرؤية تتغير
بتغير الداعي، وتغير موقعه وبعده المعرفي،
فتارةً نراه في موضع الاستكانة والاعتراف،
وأخرى يستميح سيّده العذر ويسأله العفو،
وثالثة في مقام توبيخه نفسه على جرمه
وجريرته، ورابعة يستدرّ من حلم الله وعفوه
أملاً في غفران ذنوبه وستر عيوبه، وخامسة
يغلظ القسم ويؤكد العهد على ترك ما اقترف من
المعاصي، وسادسة يكون قد انمحى في ايقاعات
الاُنس، ونفحات القرب بحبيبه ومعشوقه،
وسابعة، وثامنة، وهكذا يعيش الداعي تغيّر
حالاته، وكأنّه يتموج في أفق الكشف والشهود،
حتى يتأسس حضوره ويتجلى بشكله الاكمل عندما
يكون العبد بين يدي مولاه مملوكاً مخلصاً له
الدين، حاضراً دون غياب، بينما يكون في
المقابل المولى رب الارباب حاضراً حاكماً
مطلقاً، لا إله إلاّ هو يعلم الجهر وما يخفى
وهو بكل شيء محيط.

في تلك اللحظات الكاشفة لهذين
الحضورين يمتدّ إيقاع حوارات الانسان لربّه
ليلتمس الجذوة الابديه، والنور الذي يأبى أن
يطفأ، ولو لم يمسسه نار، نور على نور، لحظات
انفجار ينابيع النور والخير والعمل الصالح،
والدفق المستمر بالحياة، إنها لحظات ولادته
مبشراً أهله وبني جبلّته: (إني آنست ناراً
سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم
تصطلون)(166)، وما ذلك
الشهاب إلاّ كلمة الله وشريعته، وحيث تكون
كلمات الله تكون الحياة، ويكون الخير والمورد
الذي لا ينضب.

قال تعالى: (أو من كان ميتاً فأحييناه
وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في
الظلمات ليس بخارج منها)(167).

وطبيعي أن يرتقي الداعي بمثل هذه
القراءات إلى حيث الكمال، فهو باتجاهه صوب
الحق وحضوره بين يديه تعالى يتعلم كيف ينقل
صورة الله عزّوجلّ وصفاته إلى الانا / الاخر
والكون معاً، كما يتعلم كيف يحيد عن المعصية
والباطل، ولعل من الاهمية بمكان تأكيد أن
الظامئ يذبل فؤاده وتتلظى أحشاؤه إذا لم يرد
المنهل العذب، كذلك الدعاء فإنه بالقول وحده
يتداعى إذا كان دون تجليات السعي والكدح
والحركة المتدفقة بالصلاح والتقوى، فإنه «لن
يجدي القول حتى يتصل بالفعل»(168
وإن الله تعالى ذم الذين يقولون ما لا يفعلون
بقوله: (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا
تفعلون)(169).

ينتج عن ذلك، أن حضور الداعي بين يدي
مولاه هو الذي يخلع على وجوده معنىً يستمده من
الحي القيوم، حينما يكرّس العبد جميع قواه
ليغلب بها قوى الشرّ والكفر كافة، وبعبارة
القرآن الكريم يغلّب نفسه اللوّامة على النفس
الامّارة بالسوء، والانتهاء إلى حيث لا حكم
إلاّ حكم الله، إذ (فمن كان يرجو لقاء الله
فليعمل عملاً صالحاً)(170).

من هنا فاضت تضاعيف كتب الحديث لتغمر
استجابة الدعاء بطاعة المولى والاعتصام
بمواثيقه، والعمل بحدوده، نحو السعي الجاد من
أجل حياة كريمة مفعمة بفعل البر والاحسان
والمطعم الطيب، والمكسب الحلال، والابتعاد
عن المعاصي والاثام، والامر بالمعروف والنهي
عن المنكر و...

هكذا تتكشف شمولية الدعاء وتتضح كيفية
توسع مفهومه ليشمل مطلق العبادة حينما يكون
قول الداعي ـ النص ـ مطابقاً لفعله وواقعه،
سواء كان ذلك الفعل على المستوى الشخصي
للداعي، أو على مستوى الاخر والجماعة
والطبيعة معاً.

نصوص من أدعية أهل البيت(عليهم السلام):

إن نظرة سريعة لبعض فقرات الادعية
المأثورة عن أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم
ستكشف لنا عن ثورة تمور داخل الذات، وأوّل ما
تستدعي هذه الثورة هو بعث الروح في ذات
الداعي، ومدّها بمقوّمات الديمومة، وعناصر
التدفق، والثاني هو إحداث انفجار يتناول
الواقع والمحيط الخارجي، انفجاراً سيغير
صورة الواقع ووجهه، بتغير علاقات الداعي مع
الاشياء، نتيجة للرؤية الجديدة المتحققة
والقائمة بوشائج الارتباط والتماس بين العبد
والمولى، حين يكون الانسان محلّقاً في عالم
النور المشرق بوجه الله تعالى، حيث التوحيد،
والتنزيه، والتسبيح، والتهليل، وكل المعاني
الكامنة وراء إبداع الخالق وآياته.

هكذا إذن تمتد كلمات الله ومعاني
الدعاء السامية لترعى العلاقة «الانساكونية»
كلما امتدّ تطلع الداعي نحو الخير والكمال،
لكن كيف تشرئب لغة المناجاة لتعيد خلق
الانسان وبعثه؟ ومتى أصبحت مفردات الدعاء قوة
ترعى الانسان وعلاقاته مع الاشياء؟ مايلي من
نقاط سيوجز الاجابة على مثل هذه الاسئلة:

1 ـ إن قراءة الانسان للدعاء تعني
بدئياً قراءتين: الاولى: قراءته لنفسه،
والثانية: قراءته للمولى عزّوجلّ، ومن ثم
العمل لاقامة العلاقة والصلة بين هاتين
القراءتين من خلال تأصيل العبودية للداعي في
الوقت الذي يتم فيه تأكيد المولوية للمدعو
تعالى، وجميع الادعية تتضمن هذا البعد إلاّ
أنه يبرز جلياً في مناجاة مولى الموحدين علي
بن ابي طالب(عليه السلام) التالية: «مولاي يا
مولاي أنت المولى وأنا العبد، وهل يرحم العبد
إلاّ المولى. مولاي يا مولاي، أنت المالك وأنا
المملوك، وهل يرحم المملوك إلاّ المالك؟
مولاي يا مولاي، أنت العزيز وأنا الذليل، وهل
يرحم الذليل إلاّ العزيز؟ مولاي يا مولاي،
أنت الخالق وأنا المخلوق، وهل يرحم المخلوق
إلاّ الخالق؟ مولاي يا مولاي، أنت العظيم
وأنا الحقير، وهل يرحم الحقير إلاّ العظيم؟...»(171).

2 ـ إن الدعاء منبر يتحمل ـ على المستوى
الفكري والعقائدي ـ مسؤولية التعريف لعقائد
الاسلام ومفاهيمه، وتركيزها في النفوس،
كالتعريف بوحدانية الله تعالى وعدله وباقي
صفاته، أو التعريف للنبوة، والوحي، والكتاب،
والمعاد وغير ذلك.

ولعل دعاء الامام الحسين(عليه السلام)
في يوم عرفة هو الاشهر بين الادعية الدالة على
معاني التوحيد وبيانها. وإليك فقرة مباركة
منه: «إلهي... كيف يستدل عليك بما هو في وجوده
مفتقر إليك؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك
حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى
دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الاثار هي
التي توصل إليك؟...»(172).

كذلك نرى سيماء كتاب الله المجيد
واضحة الدلالة في دعاء الامام علي بن الحسين(عليه
السلام) عند ختم القرآن: «اللهم إنك أعنتني
على ختم كتابك الذي أنزلته نوراً، وجعلته
مهيمناً على كلّ كتاب أنزلته، وفضلته على كل
حديث قصصته، وفرقاناً فرقت به بين حلالك
وحرامك، وقرآناً أعربت به عن شرائع أحكامك،
وكتاباً فصّلته لعبادك تفصيلاً، ووحياً
أنزلته على نبيك محمد صلواتك عليه وآله
تنزيلاً، وجعلته نوراً نهتدي من ظلم الضلالة
والجهالة باتّباعه، وشفاءً لمن أنصتَ بفهم
التصديق إلى استماعه، وميزان قسط لا يحيف عن
الحق لسانه، ونور هدىً لا يطفأ عن الشاهدين
برهانه، وعلم نجاة لا يضلّ من أمَّ قصد سنته،
ولا تنال أيدي الهلكات من تعلق بعروة عصمته...»(173).

وعند قراءة فقرة من دعائه(عليه السلام)
بعد الفراغ من صلاة الليل، يضطرب القلب خوفاً
من صورة النار واهوالها وكأنّه اراد بدعائه(عليه
السلام) أن يعرّف هذه المفردة: «اللهم إني
اعوذ بك من نار تغلّظت بها على من عصاك،
وتوعدّت بها من صدف عن رضاك، ومن نار نورها
ظلمة، وهينها أليم، وبعيدها قريب، ومن نار
يأكل بعضها بعض، ويصول بعضها على بعض، ومن نار
تذر العظام رميماً، وتسقي حميماً، ومن نار لا
تبقي على من تضرّع اليها، ولا ترحم من
استعطفها، ولا تقدر على التخفيف عمّن خشع
لها، واستسلم اليها. تَلقى سكانها بأحرّ ما
لديها من أليم النكال وشديد الوبال، واعوذ بك
من عقاربها الفاغرة افواهها، وحيّاتها
الصالقة بانيابها، وشرابها الذي يقطّع امعاء
وافئدة سكانها وينزع قلوبهم...»(174).

3 ـ أما على المستوى السياسي فالدعاء
يتصدى لعرض الفكر السياسي الاسلامي، من خلال
تحديده لمقوّمات الامة الاسلامية، وكشف هوية
الخط القيادي الذي ينبغي أن يكون الجهاز
الحاكم لهذه الامّة، أو تعريضه بالسلطان
المتعسف الجائر، أو فضح وتعرية حكام المسلمين
المنحرفين، أو تحديده لمفهوم الحريّة، وذلك
من خلال العلاقة الطردية التي يقيمها الدعاء
بين حرية الفرد المسلم، وبين عبوديته المطلقة
لله تعالى، هذا مضافاً إلى العديد من
المنجزات السياسية الاخرى للدعاء كرصّ
الصفوف، ووحدة الكلمة، ودعم الثورة والثوار،
وبعث الروح الرسالية، وتنشيط الوعي السياسي
للفرد والامة، ومن امثلة الادعية الواردة في
رسم الخط القيادي وتشخيصه ما جاء في دعاء
الندبة: «... فلما انقضت ايامه(صلى الله عليه
وآله وسلم) واقام وليه علي بن ابي طالب صلواتك
عليهما وآلهما، إذ كان هو المنذر ولكل قوم
هاد، فقال والملا أمامه: من كنت مولاه فهذا
علي مولاه، اللهم وال من ولاه، وعاد من عاداه،
وانصر من نصره، واخذل من خذله. وقال: من كنت
أنا نبيّه، فعليّ أميره وقال: أنا وعلي من
شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى، وأحلّه
محل هرون من موسى فقال له: أنت مني بمنزلة هرون
من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي، وزوّجه ابنته
سيدة نساء العالمين، واحلّ له من مسجده ما حلّ
له، وسدّ الابواب إلاّ بابه، ثم اودعه علمه
وحكمته، فقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها،
فمن اراد المدينة والحكمة فليأتها من بابها،
ثم قال: أنت أخي ووصيّ ووارثي. لحمك من لحمي،
ودمك من دمي، وسلمك سلمي، وحربك حربي،
والايمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي
ودمي، وأنت غداً على الحوض خليفتي، وأنت تقضي
ديني، وتنجز عداتي، وشيعتك على منابر من نور
مبيضّة وجوههم حولي في الجنة، وهم جيراني،
ولولا أنت يا علي لم يعرف المؤمنون بعدي. وكان
بعده هدىً من الضلال، ونوراً من العمى، وحبل
الله المتين وصراطه المستقيم، لا يُسبق
بقرابة في رحم، ولا بسابقة في دين، ولا يُلحق
في منقبة من مناقبه، يحذو حذو الرسول صلى الله
عليهما وآلهما، ويقاتل على التأويل ولا تأخذه
في الله لومة لائم..»(175).

وما جاء عن الامام علي بن الحسين(عليهما
السلام) في دعاء اليوم الثالث عشر من شهر
رمضان المبارك، فانه مثال للدعاء الفاضح
لهوية الظالمين وممارساتهم المزيّفة
وأعمالهم الشائنة: «اللهم إن الظلمة جحدوا
آياتك، وكفروا بكتابك، وكذّبوا رسلك،
واستنكفوا عن عبادتك، ورغبوا عن ملّة خليلك،
وبدلوا ما جاء به رسولك، وشرعوا غير دينك،
واقتدوا بغير هداك، واستنوا بغير سنتك،
وتعدّوا حدودك، وسعوا معاجزين في آياتك،
وتعانوا على إطفاء نورك، وصدّوا عن سبيلك
وكفروا نعماءك، وشاقوا ولاة أمرك، ووالوا
أعدءك وعادوا أولياءك، وعرفوا ثم نكروا
نعمتك، ولم يذكروا آلاءك، وأمنوا مكرك، وقست
قلوبهم عن ذكرك، واجترؤوا على معصيتك، ولم
يخافوا مقتك، ولم يحذروا بأسك، واغترّوا
بنعمتك.

اللهم إنهم اتخذوا دينك دغلاً، ومالك
دولاً، وعبادك خولاً... اللهم إنهم اشتروا
بآياتك ثمناً قليلاً، وعتوا عتواً كبيراً،
اللهم إنهم أضاعوا الصلوات، واتبعوا
الشهوات، ...»(176).

ومثلما يشدّ الدعاءُ الانسان المؤمن
للتصدي ضد الظلم والاستبداد، ومقارعة
الظالمين وفضحهم، يأخذ بيديه ناشداً إقامة
العدل، وإفشاء السلام وإرساء قواعد الدولة
الاسلامية، كما يحمله الدور الريادي
والطلائعي في تحقيق هذا الهدف العظيم والامر
الجسيم، فقد جاء في دعاء الافتتاح: «اللهم إنا
نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الاسلام
وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها
من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك
وترزقنا بها كرامة الدنيا والاخرة...»(177).

4 ـ على الصعيد الجهادي لم يكن الدعاء
كما يظن البعض محاولة للافلات من معترك
الحياة، أو حافزاً للضعف والكسل والخمول، أو
منتجعاً يستدرّ منه الداعي الدعة واللين، بل
إن الدعاء هو حشد زاخر بإشارات الثورة
والنهوض تتنامى في جميع أطراف الداعي لتبقيه
في حالة توثب دائم، وعطاء لا ينفد; ذلك أن رجاء
التماسّ والاتصال بالمطلق يستدعي العطاء
المطلق. قال تعالى: (فأما من أعطى واتقى * وصدق
بالحسنى * فسنيسّره لليسرى * وأما من بخل
واستغنى * وكذّب بالحسنى * فسنيسّره
للعسرى)(178).

هذا المستوى من المعاني التي ينطوي
عليها الدعاء هي التي جعلت الانسان يسمو
ويشمخ وهو يرنو لوجه الله الحي الذي لا يموت،
وكيف يرغب الداعي إلى الخنوع وهو يرجوه تعالى
أن يعيد بعثه كي يعيد الكرّة ضد الكفر والظلم
والشرور؟ نعم هكذا علّمنا الامام الصادق في
دعاء العهد أن نردد في صبيحة كل يوم: «اللهم
إني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من
أيامي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي، لا أحول
عنها ولا أزول أبداً، اللهم اجعلني من أنصاره
وأعوانه، والذابين عنه، والمسارعين إليه في
قضاء حوائجه، والممتثلين لاوامره والمحامين
عنه والسابقين إلى إرادته والمستشهدين بين
يديه. اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي
جعلته على عبادك حتماً مقضياً، فأخرجني من
قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي، مجردا قناتي،
ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي...»(179).

وفي مناجاة للامام الرضا(عليه السلام):
«اللهم ... واجعلنا ممن تنتصر به لدينك وتُعزّ
به نصر وليّك، ولا تستبدل بنا غيرنا فإن
استبدالك بنا غيرنا عليك يسير وهو علينا كثير»(180).

ومن المعاني الدالة على التفاني
والاستشهاد ما جاء في دعاء الافتتاح: «وقتلاً
في سبيلك فوفّق لنا»(181).

من هنا صار ملاحظة جانب النهوض
والكفاح في الادعية لا يحتاج إلى دراسة
متأنية.

5 ـ وفيما يتصل بالجانب التربوي
والاخلاقي يظلّ الدعاء معلماً واضحاً يرفد
الانسان المؤمن بالمعاني السامية والاخلاق
الفاضلة، والسجايا المحمودة، ويرقى به في
مسير تكاملي مفتوح، لذا لم يفتأ الدعاء
فعالاً يمكن الانسان من تقويم سلوكه، وتهذيب
ضميره، ويحمله على محاسبة نفسه، ويبعث فيه
القدرة على تمييز الخبيث من الطيب، والحق من
الباطل، فتغدو مفاهيم الخير والفضيلة من
سجاياه، فيسارع إلى الخيرات، ويتنافس على
الفضائل; لان وقوف الانسان بين يدي الله
عزّوجلّ واعترافه بذنوبه، والمعاهدة الصادقة
على التوبة النصوح في حضوره، هي التي ستشكل
مسار حركة سلوكية تصاعدية مفعمة بمفاهيم
الاستقامة ومعاني الخير والصلاح، وحيثما
تتصاعد صيحات الاعتراف بالذنب، وتتعالى
صرخات الانابة والتوب، ويتأصل الاحساس
بالندم، يتأتَّ معنى التطهير والولادة
الجديدة، فيعي الانسان نفسه، ويكتشف حقيقة
ذاته فيرغب حينئذ بالمسير إلى الحق، بالتزام
جانبه، والاقلاع عما سواه، ويجتهد في بناء
شخصيته بعيداً عن عوامل الانحراف ونوازع
الفساد.

وإلى هذا يشير أبو حمزة الثمالي
بدعائه عن الامام زين العابدين(عليه السلام):
«اللهم إني أعوذ بك من الكسل، والفشل،
والهمّ، والجبن، والبخل، والغفلة والقسوة،
والمسكنة، والفقر، والفاقة، وكل بليّة
والفواحش ما ظهر منها، وما بطن، وأعوذ بك من
نفس لا تقنع، وبطن لا تشبع، وقلب لا يخشع،
ودعاء لا يسمع...»(182).

والمسير في أيّ من الادعية المأثورة
يوصلنا دون عناء إلى خلوات النفس وخلجاتها،
ويكشف لنا مدى التأثير الذي يمارسه الدعاء في
بناء الشخصية السويّة، من خلال تأسيس عناصر
التربية الذاتية في الانسان، أو رعاية
الجوانب التربوية والاخلاقية فيه وإنمائها.

6 ـ يؤثر عن علي بن أبي طالب(عليه
السلام) أنّه قال: «الهي وهذه أزمّة نفسي قد
عقلتها بعقال مشيئتك، وهذه أعباء ذنوبي
درأتها برحمتك ورأفتك، وهذه أهوائي المضلة
وكلتها إلى جناب لطفك، فاجعل اللهم صباحي هذا
نازلاً عليّ بضياء الهدى والسلامة في الدين
والدنيا، ومسائي جُنّة من كيد العدى ووقايةً
من مُرديات الردى...»(183).

بهذه الفقرة المباركة من دعاء الصباح
نتبين حنين الانسان إلى الله تعالى، ومحاكاته
يمثل الركيزة الاساس والدعامة الاولى
لاطمئنان النفس وسعادتها، ففي الوقت الذي
يكون فيه الدعاء داعياً إلى بناء الذات،
وإعداد الانسان فرداً صالحاً ينهض بأعباء
رسالته الانسانية، يتيح له أن يبتعد عن منطقة
التمشكل والازمات النفسية، فالانسان حينما
يبث الشكوى والعتاب، أو يظهر اللجوء إلى الله
تعالى للخلاص من الاحزان والالام التي ولدتها
الاهواء والذنوب، بالاعتراف بها، والاستقالة
منها، والندامة عليها، والانكسار بين يديه
عزّوجلّ طلباً للعفو والمغفرة، فإنه سيدخل
عالماً مشرقاً بنور الله ورحمته، وهذا ما
يمنح الانسان التحرر من أعباء الذنوب، وعذاب
الضمير، ويفتح على النفس منافذ الامل
والطمأنينة، والسعادة الابدية، ذلك أن الله
هو الغفّار الرحيم والحنان الرؤوف، والسميع
المجيب.

وهذا الشعور كفيل بأن يأخذ الانسان
إلى دروب النور والتفاؤل، متخطياً علامات
اليأس والظلام، ليطلّ على فرح المزيد من
الحضور، وعرس اللقاء.

7 ـ فيما تقدم كان واضحاً أثر الدعاء
على الفرد معنوياً، وتربوياً، أو على أفقه
الفكري والمعرفي، لكن هناك أثراً آخر يظهر
للمتأمل في أبعاد الدعاء ووظيفته، هو بناء
الكتلة الصالحة والجماعة الطيبة المؤمنة، من
خلال توطيد العلاقة بين الداعي والاخر، أو من
خلال تكوين عناصر البناء لتلك الجماعة بإعداد
الفرد الصالح، فالانسان حينما يقف بين يدي
الله عزّوجلّ يرى أخاه المؤمن صورة له، ويرى
نفسه مرآةً للاخر. وهذا المجال يظهر في أدعية
الايثار ـ المذكورة آنفاً ـ وهي رجاء الداعي
وتضرعه من أجل الاخرين، أو الادعية التي تجعل
الانسان مرتبطاً بجماعة الايمان، كما في دعاء
نبي الله نوح(عليه السلام): (ربّ اغفر لي
ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين
والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلاّ تباراً)(184).

أو نحو دعاء ابراهيم الخليل(عليه
السلام): (ربّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله
من الثمرات)(185).

ونحو قوله تعالى: (قل الحمد لله وسلام
على عباده الذين اصطفى)(186).

وبهذه الايقاعات الروحية يخلع
الانسان المؤمن ثياب الوهم والفردية عنه
ليزدان بزي الله ولباس الجماعة الصالحة،
ويخرج من شرنقة الانا وثقل ظلّه الشخصي،
ليدخل عالم النور المطلق، ودنيا الحقيقة
والواقع، لذا ما برح الاولياء والمرسلين من
التأكيد لرجاء لزوم الجماعة الصالحة وكتلة
التوحيد. من هنا جاء دعاؤهم مستغرقاً كافة
عوامل الاتصال بمجتمع الايمان، ومما يؤثر عن
القرآن الكريم في هذا الصدد: (رب هب لي حكماً
وألحقني بالصالحين)(187).

(وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين)(188).

(ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم
الصالحين)(189).

كما جاءت روائع الادعية الدالة على
الارتباط بالكتلة الصالحة في آثار أهل البيت(عليهم
السلام)، نحو ما روي عن الامام الباقر(عليه
السلام): «اللهم أحيني حياة محمد وذريته،
وأمتني مماتهم، وتوفّني على ملتهم واحشرني في
زمرتهم، ولا تفرق بيني وبينهم طرفة عين...»(190).

أو ما جاء في دعاء مكارم الاخلاق
للامام السجاد(عليه السلام): «اللهم صل على
محمد وآله، وحَلني بحلية الصالحين، وألبسني
زينة المتقين، في بسط العدل، وكظم الغيظ،
وإطفاء النائرة، وضم أهل الفرقة وإصلاح ذات
البين، وإفشاء العارفة، وستر العائبة، ولين
العريكة، وخفض الجناح، وحسن السيرة، وسكون
الريح، وطيب المخالقة، والسبق إلى الفضيلة،
وإيثار التفضّل، وترك التعيير، والافضال على
غير المستحق والقول بالحق وإن عز، واستقلال
الخير وإن كثر من قولي وفعلي، واستكثار الشر
وإن قلّ من قولي وفعلي، وأكمل ذلك لي بدوام
الطاعة، ولزوم الجماعة ورفض أهل البدع،
ومستعملي الرأي المخترع...»(191).

أجل هكذا جاء الدعاء ليجعل الافراد
كلاًّ مترابطاً وكأنه الحبل، يمسك بجميع
أطراف الجماعة ليوصلها بالمطلق المتعال،
ومنتهى الامال.

8 ـ سواء دعا الانسان ربّه لنيل حاجاته
وإشباع رغباته المادية والمعنوية، أو دعاه من
أجل الاخر والجماعة، أو لا لشيء سوى رضاه عزّ
وجل ورضوانه، فإنه يسير في تموّجات ذلك
الدعاء نحو بلوغ القوة والكمال، ويتحرك
باتجاه واحد يرشده إلى لقاء الخير والجمال
المطلق، وبقليل من إعمال النظر والتأمل في
هذا المسير، نرى أنه يندرج في الطريق الحق
لاكتشاف الذات، والبحث عن هويتها; ذلك أن
الدعاء هو الذي يفسّر معقولية هذا الوجود من
حيث النشأة والمصير; لان الانسان لا يعي نفسه
إلاّ بذكر الله وعلاقته به، وإذا غفل عن ذكر
ربه ونسيه فإنه سينسى نفسه دون ريب، ولا يعرف
من هو، ومن اين جاء، وإلى اين يذهب، وماذا
عليه أن يفعل.

قال تعالى: (ولا تكونوا كالذين نسوا
الله فأنساهم أنفسهم)(192).

ووعي الذات بين يديه تعالى يعني نفي كل
أسباب التخلف والفقر، ونوازع اليأس والقنوط،
وبعث عناصر اليقظة والرشد، وأسباب الغنى
واليسار، ونوازع الشعور بالمسؤولية،
والانسان في هذا المستوى من الشعور والوعي هو
أمين الله وخليفته، وجدير به أن يؤدي رسالته
ويعمل لاعمار الكون وازدهاره: (إنا عرضنا
الامانة على السموات والارض والجبال فأبين أن
يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان...)(193).

من هنا نفهم أن الاخر لم يكن صورة
ثانية للداعي، أو امتداداً ذاتياً له فحسب،
بل يكون الكون بأسره مرآة يتجلّى فيها الداعي
ويظهر عليها وضوح رسالته، وعلاقاته
بالاشياء، وتبدو هنا العلاقة «الانساكونية»
في أجمل صورة لها، وأرفع مقام.



(1)
د. أميل يعقوب و د. ميشال عاصي، المعجم
المفصّل في اللغة والادب، 1: 625، دار العلم
للملايين، بيروت، ط1، 1987م.

كذلك انظر: د. أميل يعقوب،
موسوعة النحو والصرف والاعراب: 368، دار العلم
للملايين، بيروت، ط 1، 1988م.

(2)
محمد كاظم الخراساني، كفاية الاصول: 83 ،
تحقيق ونشر جماعة المدرسين ـ قم، ط 3، 1415هـ .

(3)
الطبرسي، مجمع البيان 1: 122، نقلاً عن نور
الدين الجزائري، فروق اللغات في التمييز بين
مفاد الكلمات: 48، تحقيق د. محمد رضوان
الدايه، مكتب نشر الثقافة الاسلامية ـ قم، ط
3، 1415هـ . كذلك انظر: معجم الفروق اللغوية،
تنظيم بيت الله بيات: 231، تحقيق ونشر جماعة
المدرسين ـ قم، ط1، 1412هـ .

(4)
الراغب الاصفهاني، المفردات في غريب القرآن:
170، تحقيق محمد سيّد كيلاني، دار المعرفة ـ
بيروت.

(5)
الطبرسي، مجمع البيان 2: 424.

(6)
أبو البقاء الكفوي، الكليات: 170، ايران، طبعة
حجرية، 1286هـ .

(7)
محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير
القرآن 10: 39، نشر جماعة المدرسين ـ قم.

(8)
نور الدين الجزائري، فروق اللغات: 129.

(9)
يونس: 25.

(10)
البقرة: 221.

(11)
النازعات: 15 ـ 16.

(12)
الصافات: 104 ـ 105.

(13)
الاعراف: 22.

(14)
مريم: 2 ـ 3.

(15)
ذكر العلاّمة ابن منظور قريباً من هذا
المعنى، انظر: لسان العرب 4: 359، دار إحياء
التراث العربي، بيروت، ط . 1 ، 1988م.

(16)
الراغب الاصفهاني المفردات في غريب القرآن:
170.

(17)
النور: 63.

(18)
ذكر السيوطي للدعاء في القرآن ستة أوجه:
العبادة، والاستعانة، والسؤال، والقول،
والنداء، والتسمية. راجع: معترك الاقران في
إعجاز القرآن 2: 175، دار الكتب العلمية،
لبنان، ط .1، 1988.

(19)
يونس: 10.

(20)
البقرة: 68 ـ 70.

(21)
الراغب الاصفهاني، المفردات في غريب القرآن:
170.

(22)
ابن منظور، لسان العرب 4: 359.

(23)
البقرة: 23.

(24)
النمل: 62.

(25)
الاسراء: 56.

(26)
غافر: 60.

(27)
الفاتحة: 4.

(28)
ابن منظور، لسان العرب 4: 360.

(29)
الانبياء: 90.

(30)
الاعراف: 56.

(31)
السجدة: 16.

(32)
راجع: المنجد في اللغة: 216، دار المشرق، بيروت
ط . 30، 1988م.

(33)
آل عمران: 18.

(34)
الانبياء: 22.

(35)
الحشر: 22 ـ 24.

(36)
الشعراء: 83 ـ 85 .

(37)
البقرة: 201.

(38)
الاحزاب: 56.

(39)
الدخان: 12.

(40)
المؤمنون: 118.

(41)
الفرقان: 74.

(42)
الانبياء: 89 .

(43)
البقرة: 286.

(44)
الممتحنة: 5.

(45)
المؤمنون: 97 ـ 98.

(46)
البقرة: 67.

(47)
البقرة: 285.

(48)
يونس: 10.

(49)
الجاثية: 7.

(50)
التحريم: 8 .

(51)
الكهف: 24.

(52)
القلم: 32.

(53)
الانعام: 63.

(54)
الاعراف: 149.

(55)
الانعام: 77.

(56)
المائدة: 118.

(57)
الانبياء: 83 .

(58)
القصص: 24.

(59)
هود: 45.

(60)
ابن طاووس، الامان من أخطار الاسفار
والازمان: 19، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت(عليهم
السلام)لاحياء التراث، ط. 1، 1409هـ .

(61)
شهاب الدين الابشيهي، المستطرف في كل فن
مستظرف 2: 533، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2،
1986.

(62)
د. محمود البستاني، الاسلام والفن: 170، مجمع
البحوث الاسلامية، ايران، ط1، 1409هـ .

(63)
الشعراء: 83 ـ 85 .

(64)
آل عمران: 193 ـ 194.

(65)
البقرة: 126.

(66)
غافر: 7 ـ 9.

(67)
1 ـ محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد،
عن حمّاد بن عيسى، عن معاوية بن عمّار قال: «قلت
لابي عبد الله(عليه السلام): رجلين افتتحا
الصلاة في ساعة واحدة، فتلا هذا القرآن
فكانت تلاوته أكثر من دعائه، ودعا هذا فكان
دعاؤه أكثر من تلاوته، ثم انصرفا في ساعة
واحدة، أيهما أفضل؟ قال: كل فيه فضل. كل حسن
فقلت: إني قد علمت أن كلاًّ حسن، وأن كلاًّ
فيه فضل. فقال: الدعاء أفضل أما سمعت قول الله
عزوجل: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين
يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)؟
هي والله العبادة، هي والله أفضل...». الحر
العاملي، وسائل الشيعة 6: 438، تحقيق ونشر
مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لاحياء
التراث، قم، ط1، 1409هـ .

2 ـ «وفي المكارم عنه(عليه
السلام): الدعاء أفضل من قراءة القرآن; لان
الله عزّوجلّ قال: (قل ما يعبأبكم ربي لولا
دعاؤكم)، وروي ذلك عن الباقر والصادق(عليهما
السلام)». الطباطبائي، الميزان 2: 35.

(68)
الفرقان: 77.

(69)
المؤمن: 60.

(70)
الطباطبائي، الميزان 2: 34.

(71)
الفخر الرازي، التفسير الكبير 3: 106.

(72)
عز الدين الجزائري، شرح الصحيفة السجادية: 226،
دار التعارف، بيروت، ط2، 1982م.

(73)
رضي الدين الطبرسي، مكارم الاخلاق: 268،
منشورات الشريف الرضي، قم، ط2، 1408هـ .

(74)
البقرة: 186.

(75)
المؤمن: 60.

(76)
الطباطبائي، الميزان 2: 31.

(77)
ناصر مكارم الشيرازي، الامثل في تفسير كتاب
الله المنزل 1: 463، مؤسسة البعثة، بيروت، ط1،
1992م.

(78)
علي الشوك، هل افترق الساميون عن الهنود ـ
الاوربيين عند الرقم 7: 6، مجلة الكرمل 39، 1991
نيقوسيا.

(79)
الاسراء: 85 .

(80)
الانفال: 1.

(81)
الاعراف: 187.

(82)
عز الدين الجزائري، شرح الصحيفة السجادية : 9.

(83)
عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «الدعاء
سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات
والارض» بحار الانوار 93: 288.


(84) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد
الله الصادق(عليه السلام) قال: «الدعاء يرد
القضاء بعدما أُبرم إبراماً، فأكثروا من
الدعاء، فإنه مفتاح كل رحمة، ونجاح كل حاجة...»
مكارم الاخلاق: 269.

(85)
عبد الله بن ميمون القداح، عن الصادق(عليه
السلام) قال: «الدعاء كهف الاجابة...» مكارم
الاخلاق: 269.


(86) سئل الباقر(عليه السلام): «أي
العبادة أفضل؟ فقال: ما من شيء أحب إلى الله
من أن يسأل ويطلب مما عنده...» مكارم الاخلاق:
268.

(87)
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «الدعاء
مخ العبادة» بحار الانوار 93: 302.


(88) قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا
أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم، ويدر
أرزاقكم؟ قالوا: بلى قال: تدعون ربكم بالليل
والنهار فإن سلاح المؤمن الدعاء» وسائل
الشيعة 4: 1099.

(89)
قال الصادق(عليه السلام): «عليك بالدعاء; فإن
فيه شفاء من كل داء» مكارم الاخلاق: 271.

(90)
«ادفعوا أمواج البلاء عنكم بالدعاء» بحار
الانوار 93: 289.

(91)
الطباطبائي، الميزان 1: 463.

(92)
المصدر السابق10 : 38.

(93)
ناصر مكارم الشيرازي. الامثل في تفسير كتاب
الله المنزل 1: 463، مؤسسة البعثة، بيروت، ط1.

(94)
محمد مهدي الاصفي، الدعاء عند أهل البيت(عليهم
السلام): 13، المجمع العالمي لاهل البيت، قم،
ط1، 1415هـ .

(95)
المؤمن: 60.

(96)
الذاريات: 56.

(97)
الاصفي، الدعاء عند أهل البيت(عليهم السلام):
31.

(98)
الدعاء تربية وعبادة: 7، دار التوحيد، طهران،
ط1، 1980م.

(99)
مرتضى المطهري، الدعاء: 11، منظمة الاعلام
الاسلامي، طهران، 1402.

(100)
النمل: 62.

(101)
ناصر مكارم الشيرازي، الامثل 1: 463.

(102)
مريم: 5.

(103)
الصافات: 100.

(104)
إبراهيم: 39.

(105)
الفرقان: 74.

(106)
الطباطبائي، الميزان 14: 14.

(107)
هود: 101.

(108)
الاسراء: 56.

(109)
الاعراف: 194.

(110)
الكهف: 95.

(111)
القصص: 15.

(112)
آل عمران: 153.

(113)
جعفر السبحاني، العبادة حدّها ومفهومها: 61.

(114)
ابن منظور، لسان العرب 4: 359.

(115)
الذاريات: 50.

(116)
الانشقاق: 6.

(117)
لقمان: 32.

(118)
الاعراف: 189.

(119)
يونس: 22.

(120)
عبد الله شبّر، الاخلاق: 62، منشورات بصيرتي،
قم، ط5، 1408.

(121)
نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح: 303، دار
الكتاب اللبناني، بيروت، ط1، 1980م.

(122)
محمد باقر المجلسي، بحار الانوار 41: 14، دار
إحياء التراث العربي / مؤسسة الوفاء، بيروت ط2،
1983م.

(123)
محمد حسين الطباطبائي، علي والفلسفة
الالهية: 30، الدار الاسلامية، بيروت.

(124)
ابو نعيم الاصفهاني، حلية الاولياء 1: 68، دار
الفكر، بيروت.

(125)
الطباطبائي، الميزان 10: 38.

(126)
الحج: 31.

(127)
العلق: 6 ـ 7.

(128)
الزمر: 8 .

(129)
يونس: 12.

(130)
فصلت: 51.

(131)
ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة 16: 93، دار
إحياء التراث العربي، ط2، 1967م.

(132)
الفجر: 28.

(133)
العلق: 15.

(134)
الطباطبائي، الميزان 2: 31.

(135)
عبد الواحد الامدي، تصنيف غرر الحكم ودرر
الكلم: 193، مكتب الاعلام الاسلامي، ط1.

(136)
الطباطبائي، الميزان.

(137)
المؤمن: 60.

(138)
النمل: 62.

(139)
البقرة: 186.

(140)
الصدوق، من لا يحضره الفقيه 2: 339.

(141)
محمد بن يعقوب الكليني، أصول الكافي 2: 473،
دار الكتب الاسلامية، طهران، ط3، 1388هـ .

(142)
عبد الله شبر، الاخلاق: 63.

(143)
آل عمران: 167.

(144)
الطباطبائي، الميزان.

(145)
هذا البيت للشاعر جلال الدين الرومي المعروف
بالمولوي، وقد ذكره الشهيد المطهري في اثناء
كلامه عن الدعاء: 14، والشيخ الاصفي في كتابه
الدعاء: 35.

(146)
مكارم الاخلاق: 268.

(147)
بحار الانوار 93: 300.

(148)
أحمد بن فهد الحلي، عدّة الداعي ونجاح
الساعي: 98، مكتبة الوجداني، قم.

(149)
المصدر السابق: 26.

(150)
المصدر السابق: 23.

(151)
المجلسي، بحار الانوار.

(152)
نهج البلاغة.

(153)
غافر: 60.

(154)
الاصفي، الدعاء عند أهل البيت(عليهم السلام):
18.

(155)
المصدر السابق: 48.

(156)
المطهري، الدعاء: 17.

(157)
إشارة إلى رواية عبد الله ابن سنان المذكورة
آنفاً. كذلك ما روي عن علي(عليه السلام): «الدعاء
مفتاح الرحمة»، بحار الانوار 90: 300.

(158)
غافر: 60.

(159)
مكارم الاخلاق: 268.

(160)
وسائل الشيعة 7: 27.

(161)
ناصر مكارم الشيرازي، الامثل 1: 364.

(162)
الحجر: 36 ـ 37.

(163)
مريم: 2 ـ 9.

(164)
المائدة: 114 ـ 115.

(165)
المجلسي، بحار الانوار 90: 324.

(166)
النمل: 7.

(167)
الانعام: 122.

(168)
الامدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: 153.

(169)
الصف: 3.

(170)
الكهف: 110.

(171)
عباس القمّي، مفاتيح الجنان: 399.

(172)
المصدر السابق: 272.

(173)
عزّ الدين الجزائري، شرح الصحيفة السجادية:
204.

(174)
المصدر السابق: 177.

(175)
مفاتيح الجنان: 532.

(176)
محمود البغدادي، النظرية السياسية عند
الامام زين العابدين، المجمع العالمي لاهل
البيت(عليهم السلام)، ط1.

(177)
مفاتيح الجنان: 182.

(178)
الليل: 5 ـ 10.

(179)
مفاتيح الجنان: 539.

(180)
المصدر السابق: 542.

(181)
المصدر السابق: 183.

(182)
المصدر السابق: 197.

(183)
محمد صالح الجوهري، ضياء الصالحين: 303، دار
الفيروزآبادي، قم، ط3، 1412هـ .

(184)
نوح: 28.

(185)
البقرة: 126.

(186)
النمل: 59.

(187)
الشعراء: 83 .

(188)
النمل: 19.

(189)
المائدة: 84 .

(190)
مفاتيح الجنان، دعاء علقمة: 461.

(191)
شرح الصحيفة السجادية، دعاء مكارم الاخلاق:
114.

(192)
الحشر: 19.

(193)
الاحزاب: 72.

/ 1