توحید الافعال بین الاشاعرة و العرفاء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

توحید الافعال بین الاشاعرة و العرفاء - نسخه متنی

قاسم کاکائی؛ ترجمة: عباس الاسدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


مقارنات

توحيد
الافعال بين
الاشاعرة
والعرفاء

* قـاسم كـاكـائي

ترجمة: عباس الاسدي

تعتبر العلاقة بين الله والانسان
والعالم أهم مسألة واجهت جميع النظريات
التي تمتلك رؤية كونية وتؤمن بوجود الخالق،
ويعود الفارق الرئيسي بين هذه النظريات إلى
موقفها من الدور الذي يؤديه كل من (الله
والانسان والكون) في نظام الوجود، إذ إن بعض
هذه النظريات ترى أن الله هو المحور، وبعضها
يعتبر الانسان هو القطب، في حين تعتقد نظريات
أخرى بالتقسيم العادل للقوة بين العوامل
الثلاثة المذكورة.

ويوجد في الفكر الاسلامي اتجاهان
رئيسيان فيما يتعلق بأصحاب الرأي الاول، هما
الاتجاه الاشعري والاتجاه العرفاني،
والمقصود بالاشعرية، المذهب الكلامي الذي
بدأ مع الشيخ أبي الحسن الاشعري (م324هـ )،
وتكامل على يد أتباعه; والمراد بالعرفان
المذهب الخاص الذي اقترن باسم محيي الدين ابن
عربي (م638هـ ).

وتجد في ظاهر كلام هاتين الطائفتين
تماثلاً في العديد من الحالات في مسائل
عديدة، مثل الجبر والاختيار، ونفي الاسباب
والعلل، ورؤية الله والتشبيه، والتنزيه
وقصور العقل، وعدم مسؤولية الله وارادته
المطلقة; وقد أدى هذا الامر منذ زمن طويل إلى
ظهور بحوث في أوجه التشابه والاختلاف بين
هذين الاتجاهين، فاعتبرهما البعض يمثلان
شيئاً واحداً، وهاجموا العرفان بحجة الدفاع
عن العقل أمام رفض الاشاعرة له; في حين انتقد
آخرون العرفاء بذريعة الدفاع عن التشيع أمام
الاشاعرة السنة; وانتهز آخرون الفرصة وراحوا
يبلّغون للمذهب الاشعري في إطار العرفان.

وتطرح هذه البحوث أحياناً بشكلها
العام المطلق، وتجعل في أحيان أخرى أشخاصاً
من مثل ابن العربي وحافظ والمولوي محوراً
للحديث، فتعترف بالاتجاه العرفاني لديهم ومن
ثم تبحث في انتمائهم المذهبي للاشاعرة; وشهد
عصرنا الحاضر مثل هذه البحوث، وطرح على سبيل
المثال موضوع الانتماء المذهبي للمولوي،
وأنه هل يمثل اتجاهاً أشعرياً في مذهبه
الكلامي(1)، أم عرفانه
يبتعد عن الكلام الاشعري بحيث أن القياس
بينهما ينبئ عن جهل بكلا التيارين الفكريين(2

ولا يشك أحد أن العرفان والكلام
مستقلان عن بعضهما، ومتباينان من حيث الاسلوب
والمصادر والادوات المعرفية، وإذا كان ثمة
تشابه أو اختلاف بين الاشاعرة والعرفاء فهو
يتعلق بالقضايا التي تثير الجدل لدى
المذهبين، ولاسيما مسألة «التوحيد الافعالي»،
فهل ينطلقان من موقفين متماثلين أم متعارضين؟

وإذا كان ثمة اختلاف بينهما في هذا
المجال، فما هو وجه الاختلاف؟ وهل هو بمستوى
يجعل منهما اتجاهين متباينين مطلقاً ولا يمكن
أن يجتمعا البتة؟

بين ابن العربي والاشاعرة رؤىً
مختلفة:

الحق أن عرفاء مدرسة ابن العربي
يختلفون مع الاشاعرة في أهم الاصول، التي
تعتبر من السمات والخصائص التي تميز الفكر
الاشعري عن غيره; وفيما يلي نشير إلى عدة
أمثلة على ذلك:

1 ـ من أهم خصائص الفكر الاشعري الذي
يعتبر ركيزة أساسية للكثير من نظرياتهم
وأفكارهم الاخرى، هو مذهبه في مسألة «الحسن
والقبح»، واختلافه فيه مع الفكر المعتزلي،
حيث يعتبر الاشاعرة هذه المسألة شرعية لا
عقلية، في حين يصرح ابن العربي بخلافه
للاشاعرة في هذا المجال: «الحسن والقبح ذاتي
للحسن والقبيح، لكن منه ما يدرك حسنه وقبحه...
ومنه ما لا يدرك قبحه ولا حسنه إلاّ من جانب
الحق الذي هو الشرع، فنقول: هذا قبيح وهذا
حسن، وهذا من الشرع خبر لا حكم»(3).

ويقول في مكان آخر في تقوية مذهب
المعتزلة في مسألة الحسن والقبح: «وهذا مما
يقوي مذهب المعتزلة في أن القبيح قبيح لنفسه،
والحسن حسن لنفسه»(4).

2 ـ من السمات الاخرى في مذهب الاشاعرة
إثبات الصفات الزائدة عن الذات لله تعالى،
ولهذا يطلق الاشاعرة على أنفسهم لقب «أهل
الاثبات» ليتميزوا عن المعتزلة الذين ينفون
مثل هذه الصفات، ويخالف ابن العربي الاشاعرة
في هذه المسألة، ويقول: «والمخالف لنا يقول
إنه تعالى يعلم بعلم ويقدر بقدرة ويبصر ببصر
... وأجمع المتكلمون من الاشاعرة على أن ثم
أموراً زائدة على الذات... لم يجدوا دليلاً
قاطعاً على ذلك(5).

ويقول في موضع آخر بصيغة الشعر:

العلم بالاشياء علم واحد
والكثر في المعلوم لا في ذاته

والاشعري يرى ويزعم أنه متعدد
في ذاته وصفاته

إن الحقيقة قد أبت ما قاله
ولو أنه من فكره وهباته(6)

ويصرح القيصري شارح النصوص بأن ابن
العربي قصد الاشاعرة في ذلك(7).

3 ـ ويصف ابن العربي الاشاعرة بالجهل
في باب رؤية الله وانتظارهم رؤيته يوم
القيامة بأبصارهم(8).

4 ـ اعتبر ابن العربي جبر العبد غير
ممكن، ورأى أن القول بالجبر هو عين القبول
بنوع من التفويض في إرادة العبد، ووصف
الاشاعرة بالافتراء(9)
في القول بالجبر، وقال في موضع آخر إنها (أي
الاشاعرة) تخيلت كذا وكذا(10
واتهمها بعدم الانصاف(11).

5 ـ أن تصور الاشاعرة لحدوث العالم
ينتهي إلى تعطيل الفيض الالهي، وقد اتهمت
الفلاسفة بالكفر لعدم موافقتهم هذا الرأي،
كما يصرح الغزالي بذلك في تهافت الفلاسفة،
إلاّ أن ابن العربي اعتبر هذا القول وهماً،
وسلك طريقاً آخر حول نظرية حدوث العالم: «فمن
توهم بين الله والعالم بوناً يقدَّر تقدّمُ
وجود الممكن فيه وتأخره، فهو توهم باطل لا
حقيقة له. فلهذا نزعنا، في الدلالة على حدوث
العالم خلاف ما نزعت إليه الاشاعرة»(12).

رغم هذه الاختلافات وغيرها توجد أيضاً
نقاط التقاء مهمة بين هذين المذهبين، لعل من
أهمها نفي كليهما لتأثير ما سوى الله، وبسبب
تقارب الرأي وتشابهه في هذه المسألة لم يفرق
الكثير من الكتاب بين المذهبين(13);
وسنشير فيما يلي إلى نقاط الالتقاء، ونتطرق
من بعد إلى اختلافهما في مسالة «المحورية
الربانية».

الالتقاء بين الاشاعرة والعرفاء

1 ـ يشترك المذهبان في المصدر المعرفي
لهما، وهو القرآن والوحي، إذ يتمسكان لاثبات
النظرية التي ينطلقان منها في «المحورية
الالهية» بظواهر تُشعر بانحصار العلية في
الله تعالى، وتدل على المقولة المعروفة «لا
مؤثر في الوجود إلاّ الله».

بعبارة ثانية: إن المذهبين يستندان
إلى مصدر واحد في هذه المسألة، إلاّ أن وحدة
المصدر لن يضمن وحدة الفهم والتصور
والاستلهام منه.

2 ـ الشبه الاخر الموجود بين المذهبين
هو انتقادهما الشديد للمعتزلة، وتخطئتهما
لهذا المذهب في القول بالتفويض وخلق الاعمال
من قبل البشر; ولما كان النزاع الشديد بين
الاشاعرة والمعتزلة قد وضع المتكلمين في
معسكرين متجابهين تماماً، كان من الطبيعي أن
يتخذ العرفاء والحكماء المتألهين موقفاً
يتضمن نوعاً من حسن الظن تجاه الاشاعرة أكثر
من المعتزلة، فيعتبروا موقف الجماعة الاولى
باطلاً والثانية أكثر بطلاناً.

يقول الامام الخميني(رحمه الله) وهو
ينتقد رأي المرحوم المجلسي في مسألة الرزق
المقسوم الذي اعتبر رأي الشيعة موافقاً
للمعتزلة: «لابد من معرفة أن هذه القضية هي
إحدى شُعب الجبر والتفويض، حيث لا يوافق مسلك
الامامية أياً من الاشاعرة والمعتزلة، بل إن
كلام المعتزلة أدنى وأتفه من الاشاعرة، وإذا
مال بعض المتكلمين الامامية ـ رضوان الله
تعالى عليهم ـ إلى ذلك فبسبب الغفلة عن حقيقة
الحال والمآل»(14).

وينتقد في موضع آخر المجلسي ويقول: «إن
من الصحيح مخالفة الاشاعرة الجبريين،
فمسلكهم يخالف صريح العقل والبرهان
والوجدان، ولكن ليس في الايات والاخبار وجه
لحملها على مذهب المعتزلة المفوضة، فمسلكها
أكثر بطلاناً وافتضاحاً من مسلك الاشاعرة»(15).

من هنا نلاحظ أن كبار الشيعة يعتبرون
خطر التفويض أكبر من خطر الجبر(16
أو يوجّهون انتقادات لاذعة إلى المعتزلة،
ويجدون الفكر الاشعري أقرب إلى الفكر الديني
من فكر الاعتزال(17
ويعتبرون الاشاعرة أصحاب العين اليمنى
والمعتزلة أصحاب اليسرى(18
ويخطئون رأي الاعتزال بنسبة مئة في المئة،
ورأي الاشاعرة بنسبة تسعة وتسعين في المئة(19).

3 ـ الشبه الاخر بين التيارين هو
احتجاجهم الشديد على الفلسفة المشائية
والعقلية المحضة، إذ يرى العرفاء وجود حجاب
أمام فلاسفة هذا المذهب، في حين يعتبرهم
الاشاعرة من الكفار، ويمكن معرفة مسوّغات وجه
الشبه في هذا الهجوم المشترك إذا علمنا أن
الاشاعرة والعرفاء يعتمدون اكثر ما يعتمدون
على القرآن، في حين يعتمد الفلاسفة على
البرهان.

4 ـ لو دققنا في العاملين التاليين
معاً، لاتضح لنا أحد أسرار التماثل بين كلام
العرفاء وفكر الاشاعرة:

أولاً: تبين الشواهد التاريخية أن
الفكر الاشعري بلغ ذروة اقتداره بعد أن وجه
أعنف هجماته ضد الاعتزال، مدعوماً من قبل بعض
الخلفاء العباسيين، وبعد ظهور شخصيات كبيرة
في التاريخ الاسلامي أمثال الغزالي والفخر
الرازي، ومع سطوع نجم الاشاعرة أفل نجم
المعتزلة ولم يبق منهم إلاّ الاسم، فنلاحظ
ابن رشد في الاندلس ـ رغم قرب عهده بعهد كبار
المعتزلة ـ لم يوفّق بالحصول على كتبهم
لمناقشة آرائهم ومعتقداتهم(20);
وبهذا أصبح المذهب الاشعري المذهب الرسمي
للعالم السني، واعتبرت اصوله وعقائده هي
نفسها أصول الدين.

ثانياً: يعتمد العرفاء منهج التسامح
والتصديق وليس الجدل والتخطئة، ولهذا فهم غير
متشددين في نظرتهم لعقائد الاخرين، وإذا
لاحظوا خطأً، حملوه على وجه حسن والتمسوا
لصاحبه الاعذار، كما يوصي بذلك ابن العربي
ويقول: «فلا نشتغل بالرد على أحد من خلق الله،
بل ربما نقيم لهم العذر في ذلك، للاتساع
الالهي»(21).

بلحاظ المقدمتين آنفاً، ليس من الغريب
أن يُبدي العرفاء تسامحاً مع المذهب الرسمي
الغالب، أي المذهب الاشعري، ويوجّهونه بما
يوافق الرأي العرفاني. يقول ابن العربي بعد رد
نظرية الاشاعرة في باب زيادة الصفات على
الذات: «والخلاف في ذلك يطول. وليس طريقنا على
هذا بُني أعني في الرد عليهم ومنازعتهم»(22).

ويعتقد في مكان آخر بعد أن يذكر
أقوالاً مختلفة في باب خلق الاعمال بمقولة «العارف
تكفيه الاشارة» دون أن ينبري للنقض: «فإني
أفصّل ولا اُعيّن الامر على ما هو في نفسه; لما
فيه من الضرر واختلاف الناس فيه، والخلاف لا
يرتفع من العالم بقولي، فإبقاؤه في العموم ـ
على إبهامه ـ أولى، وعلماء رجالنا يفهمون ما
أُومئ إليه فيها»(23).

وبسبب هذا التسامح يعتقد في مواضع
أخرى وفي باب خلق الاعمال بصحة قول المعتزلة
بالدليل العقلي، وقول الاشاعرة بالدليل
العقلي والشرعي(24).

5 ـ الاصرة الاخرى التي تربط بين هذين
التيارين، تشكلت بطريق الشخصيات الكبيرة
التي كانت تنتمي إلى كليهما العرفان والمذهب
الاشعري; وعلى رأسهم المولوي والغزالي، ومن
هذا المنطلق يمكن الحديث عن تحول أو تكامل
المذهب الاشعري على يد هذه الشخصيات، ويعتقد
الشهيد المطهري أن الكلام اقترب إلى العرفان
والتصوف بواسطة الغزالي، وأن المذهب الاشعري
ابتعد بعض الشيء ـ بواسطته أيضاً ـ عن الصبغة
الكلامية، واتخذ له طابعاً عرفانياً(25).
وقيل الشيء نفسه عن دور المولوي، ولاهمية
مالعبه الغزالي من دور في هذا المجال نتوقف
قليلاً عند موقفه من التيارين.

أ ـ الغزالي والمذهب الاشعري: اتفق
الجميع على أن الغزالي كان أشعرياً، وهذا
المذهب مدين إلى حد كبير للغزالي; لانه أرسى
اسس هذا المذهب ورسّخها، ووقف بوجه المعتزلة
والمدرسة المشائية، وأثبت في كتابه تهافت
الفلاسفة أحقية المذهب الاشعري، كما يظهر
الغزالي أشعرياً صلباً في جميع كتبه
الكلامية، من قبيل قواعد العقائد والاقتصاد
في الاعتقاد.

ب ـ الغزالي والعرفان: يبدو من حياة
الغزالي وآثاره، لاسيما ما كتبه في كتابه
المنقذ من الضلال، أنه أعرض تدريجياً عن
الكلام نحو العرفان، وظهر في آثاره المتأخرة
كلاماً عرفانياً كثيراً، واعتبر في مشكاة
الانوار أن لطريق العرفان عتبة عالية لا
يستطيع المتكلم أن ينالها من خلال رؤيته
الكلامية، وهذا هو التكامل، أو التحول من
الاشعرية إلى العرفان الذي تحدث عنه الشهيد
المطهري.

وإذا كان المقصود بالعرفان هو ما
أفرزته مدرسة محيي الدين ابن العربي، فلابد
من أن نقول: إن الغزالي وأمثاله توقفوا في
بداية المسار العرفاني بسبب وجود ترسبات
التفكير الكلامي والاشعري في أذهانهم،
فنلاحظ أن ابن العربي رغم احترامه الشديد
للغزالي ونقله الحديث عنه بعدة وسائط(26
يعتبره زاهداً اكثر من كونه عارفاً(27
وأنه من عوام طريقة العرفان: «وأما يذكر عامة
أهل هذا الطريق، كأبي حامد والمحاسبي
وأمثالهما من العامة من الرياء وطلب الاخلاص،
فإنما ذلك خطاب الحق بلسان العموم، ليعم بذلك
ما هو لسان من لا يرى إلاّ الله. ونحن إنما
نتكلم مع أهل الله في ذلك»(28).

ولم يجد فيه في موضع آخر الذوق اللازم
للعرفان الخالص، ويعتبره جاهلاً بالمسائل
العرفانية الرفيعة ومنها النبوة المطلقة،
وهي غير النبوة التشريعية: «مقام النبوة
المطلقة... وهو مقام جليل جهله أكثر الناس من
أهل طريقنا، كابي حامد وأمثاله; لان ذوقه عزيز»(29).

ومهما يكن من أمر، فإن العبور من
الاشعرية إلى العرفان يستلزم تحولاً يفقد فيه
الاسلوب الكلامي صبغته، وتتكامل الاصول
الكلامية الاشعرية، وعندها لا يمكن ادعاء
العرفان مع الالتزام بمبادئ المذهب الاشعري،
وما اعترافات الغزالي في كتابه المنقذ من
الضلال، وتوصياته في مشكاة الانوار إلاّ
دليلاً على صدق هذا المدعى. وعليه فإن الغزالي
ـ خلافاً للمعروف ـ لم يجمع بين الاشعرية
والعرفان، بل اتجه من الاشعرية وسار نحو
العرفان سيراً ناقصاً.

بلحاظ ذلك تتضح مكانة المولوي بين
الاشعرية والعرفان; فإذا أخذنا بعين الاعتبار
الفارق العميق بين عرفان محيي الدين ابن
العربي وبين الرؤية الاشعرية من جهة والتأثر
الشديد لمولانا بعرفان ابن العربي،
لاستنتجنا وجود بائن اساسي بين المولوي
والاشاعرة، ولاعترفنا ـ على الاقل ـ بتحوله
الكبير من الاشعرية إلى العرفان، وقد أشرنا
قبل هذا إلى الفوارق بين ابن العربي
والاشاعرة. يقول الاستاذ المطهري عن تأثير
عرفان ابن العربي على مولانا: «ارتبط المولوي
بمحيي الدين عن طريق معاصره صدر الدين
القونوي ـ أفضل شارحي محيي الدين ـ وما ورد من
مصطلحات محيي الدين في كلام المولوي، فهو في
الواقع عرفان محيي الدين وصل إلى المولوي.
صحيح أن المولوي كان نابغة، ولكنه كان تحت
تأثير عرفان محيي الدين»(30).

لهذا ينبغي أن لا نخدع بالتشابه
الظاهري بين كلام الاشعري وقول العارف، ونضع
ـ كما وضع عدد من المحدثين والمتكلمين
والكتّاب ـ عارفاً كبيراً كالمولوي في الصف
الاشعري، ونعتقد بأن: «جلال الدين الرومي
أشعري في كلامه، أي إنه لا يقول بالعلية ولا
بالحسن والقبح الذاتيين للافعال»(31).

وقد ارتكب هذا الخطأ محدثون من أمثال
المرحوم المجلسي. وهنا نقول مع الاستاذ
الجوادي الاملي: «متى كان بإمكان الجمود
الاشعري أن يقارن بالشهود العرفاني للعارف
الرومي؟ إن سبب هذا الحكم الخاطئ هو الجهل
بالمفاهيم والمعاني السامية للرومي في
المثنوي ومؤلفاته الاخرى.

فلو توفر للمرء حظ من المعرفة
العرفانية، ولم يقف متفرجاً من الخارج على
ترتيب الالفاظ والاستماع إلى موسيقى اشعاره
فقط لما وقع في مثل هذا الخطأ في الحكم»(32).

على أية حال، فإن الموضوع التالي يلقي
المزيد من الضوء على ذلك.

التحول من الاشعرية إلى العرفان

لاشك في أن الفكر الاعتزالي لا ينسجم
بأي وجه من الوجوه مع النظرة العرفانية; بمعنى
أنهما لا يتوافقان حتى في الظاهر. أمّا الفكرة
التوحيدية الاشعرية فإنها يمكن أن تشكل جسراً
نحو الفكرة العرفانية، بشرط أن تُلطّف وتُعمق.
وبعبارة ثانية: إن بإمكان الفكر الاشعري أن
يصبح ظاهراً يستطيع العارف من بعده أن ينفتح
على باطن شهوداته العرفانية.

وعليه إذا نظرنا في ظاهر الامور
لاحظنا تشابه أفكار المذهبين، أما إذا دققنا
النظر في بواطنها فنجد أن المسافة بين
الفكرين أبعد من المسافة بين الارض والسماء،
والفرق بينهما بمقدار الفرق بين الوجود وعدمه(33).

1 ـ من أهم المظاهر المشتركة بين
الطائفتين مسألة انحصار العلية في الله «لا
مؤثر في الوجود إلاّ الله».

ولو أردنا تفسير هذه الفكرة المشتركة
وتحليلها، لتوصلنا إلى ان الاشعري يعتقد
بمفهوم «لا اله إلاّ هو»، بينما يعتقد العارف
بـ «لا موجود في الوجود إلاّ الله» و«لا هو
إلاّ هو»(34); ثم إن الاشعري
مع قوله بعدم تأثير الاشياء ينسب الوجود
إليها، في حين يرى العارف أنها عديمة التأثير
ولا ينسب الوجود إليها(35).

بعد أن يعترف المرحوم السيد حيدر
الاملي بأن ظاهر كلام الاشاعرة والعرفاء
متقارب جداً في باب المحورية الربانية، وأن
ذلك يبعث على التوهم بان المراد من «لا مؤثر
في الوجود إلاّ الله» و«لا فاعل إلاّ هو» شيء
واحد، ينزه العرفاء من آراء الاشاعرة، ويقول
بان الاشاعرة في قولهم هذا محجوبون، بل
مشركون بالشرك الخفي، ولم يبلغوا مرتبة
التوحيد الوجودي وهي مشاهدة وجود الحق دون
وجود لغيره معه(36).

بعبارة ثانية: إن العارف يرى أن الله
تعالى فقط هو الموجود الحقيقي، أما البواقي
فهي ظهورات وتجليات له، وأن جميع التأثيرات
آتية من ذلك الظاهر والوجود الحقيقي، على رغم
اختلاف المظاهر.

بيد أن الاشعري ينسب الوجود إلى
الاشياء مع أنه يسلب الاثر عنها، لهذا فهو
يواجه ـ بنظر العارف والحكيم المتألّه ـ
التناقض، لان الايجاد والتأثير يدور في مدار
الوجود(37
وعليه لا يمكن للشيء الذي ليس له تأثير أن
يتصف بالوجود وبالعكس، فلان الوجود منحصر
بالله كان الايجاد والتأثير أيضاً منحصرين به(38).

ويرى المرحوم آية الله الشيخ محمد تقي
الاملي أن الاشعري والعارف يعتقدان بانتفاء
تأثير الموجودات، وأنه لا مؤثر في الوجود
إلاّ الله، إلاّ أن سلب العارف للتأثير سلب
موضوعي مقترن بنفي الوجود، أما سلب الاشعري
فهو في مقام إثبات الوجود(39).

2 ـ هنا نصل إلى التباين المهم بين
رؤيتي العارف والاشعري في موضوع الجبر، فقد
أشرنا سابقاً إلى أن الجبر في رأي العارف غير
ممكن; لانه يستلزم وجود طرفين: الجابر
والمجبور، في حين لا يوجد عند العارف إلاّ طرف
واحد، فظهور الشيء لم يترك مكاناً للغير:

ليس هذا بجبر وانما جبار
وانما يذكر للخضوع والتذلل

ومعنى الجبار ظهور الحق تعالى الذي
يستلزم هلاك كل شيء، إلاّ وجهه (كل شيء هالك
إلاّ وجهه)، ولا يتحقق هذا الامر في القيامة
فحسب، وإنما في الوقت الحاضر، بمعنى أن
الاشياء كلها هالكة حالياً(40).
وهذا الرأي يعاكس مطلقاً الرأي الاشعري الذي
يعتقد بأن الاشياء لا تملك لنفسها تأثيراً،
وإنما هي مجبرة، يؤدي عنها أفعالها غيرها.

3 ـ من الظواهر المشتركة بين العارف
والاشعري هو الاعتقاد بمبدأ أن الله لا يُسأل
عما يفعل، إلاّ أن الاشعري يعتقد بأن الله
تعالى ملك مطلق يحق له أن يفعل ما يشاء في ملكه
دون أن يحق لاحد أن يسأله عن ذلك، في حين يعتقد
العارف أن جميع الاشياء تجدّ من أجل الوصول
إلى الكمال، ولهذا فمن المعقول أن تُسأل عن
أفعالها بصيغة «لماذا؟» لكن الله هو الكمال
المطلق، ولا معنى لمثل هذا السؤال عنه.

فالسؤال هنا برأي العارف لا يعني
شيئاً، وهذا التصور يختلف عن التصور الذي
يرتكز على أن موارد السؤال موجودة لكننا لا
يحق لنا أن نسأل. ويمكن أن نجد التباين العميق
بين العارف والاشعري فيمايلي:

أ ـ يعتقد الاشعري بأنه لا يوجد اي
وجوب بأي نحو على الله تعالى، أما العارف فإنه
رغم اعتقاده بأنه «لا يجب على الله شيء»، يقول
بالوجوب على الله على نحو الضرورة الحاصلة من
أسماء الله وصفاته، وليست من قبيل الفرض
الخارجي.

ب ـ يعتقد الاشعري أن فعل الله ليس
هادفاً، ولا يتبع تعلق إرادته بالاشياء أي
ضابطة وقانون; لانه القدرة المطلقة والملك
الذي لا ينازعه أحد، أما العارف فرغم أنه
يعتقد بالوجود المطلق لله اكثر مما يعتقده
الاشعري(41
وأن علاقة الاشياء بالله ليست علاقة «علة
ومعلول» وإنما علاقة «ظاهر ومظهر»، وقد
استبدل «العلية» بـ «التجلي»(42
اعتبر هذا الظهور والتجلي محكوماً بضابطة،
فالعارف يُخضع جميع صفات الفعل وأسمائه لصفتي
«الحكيم والعادل» ويرى أنهما الغالبان
والحاكمان على سائر الاسماء في مقام الفعل،
ويقول بنظام أسماء الله في العالم(43).

4 ـ من الظواهر المشتركة الاخرى بين
رؤى الاشاعرة والعرفاء، هو ما يرتبط بباب
العقل، هذه الظواهر التي تتكشف في النزاع مع
الحكماء والمشائين، فالاشاعرة وضعوا أكثر من
علامة استفهام أمام «حجية العقل» في الكثير
من الحالات، واعتبر العرفاء في مواضع عديدة «قَدَم
الاستدلاليون خشبية»، ولكن هناك فرقاً
كبيراً بين رفض الاشعري للعقل واعتباره
قاصراً من قبل العارف، فأحدهما يتحدث دون
العقل والاخر فوقه، وإذا شوهد أن العارف
يحقّر العقل أحياناً، فهو يتحدث من موقع
الانسان الكامل، ويطلب من أولئك الذين توقفوا
في منتصف الطريق الحركة والارتقاء لمشاهدة ما
هو فوق العقل والمرحلة التي تليه; ومن هذه
الرؤية انطلق كبار الفلاسفة في أواخر
أعمارهم، من أمثال الملا صدرا والشيخ البهائي
والامام الخميني، في انتقاد الفلسفة، وليست
هي عودة إلى الوراء، وانتماء إلى المذهب
الاشعري.

5 ـ يتضح مما ذكرناه في باب العقل موضوع
آخر حول إنكار العلّية من قبل الاشاعرة
والعرفاء، فرغم أن كلا المذهبين يعتقدان في
الظاهر بنفي الاسباب والوسائط، وينسبان جميع
الاثار خيرها وشرها إلى الله تعالى، يتحدث
احدهما من منطلق المكابرة مع الحس والعقل،
والثاني من منطلق الشهود العرفاني: «إن
الرومي الذي يقول بتوحيد الافعال لا ينكر
أبداً النظام العلّي، والمشهد الذي يشهده هو
مشاهدة محضر علة العلل، ومن يشاهد علة العلل
فإنه يخضع للعلل دون أن يكذب العلل والاسباب،
أو أن يدعو الاخرين إلى الخضوع لها; لان
العلية في هذا الشهود تعود إلى «التشأن»،
وتتخذ جميع الموجودات الامكانية مقام
المرايا المختلفة، وتصبح مجاري للفيض»(44).

من هنا يتضح فارق كبير بين العارف
والاشعري في نفي العلية، لانه:

أولاً: يُرجع الاشعري نفي العلية إلى
جري العادة، في حين يرتقي العارف فوق
العلية ويخترق العادة، ذلك أن العارف يشاهد
قطع الاسباب وفقاً لحكم «تقطعت بهم الاسباب»;
لانه وصل إلى الفناء بحكم «موتوا قبل أن
تموتوا» وقامت قيامته واصبحت عينه بصيرة
نافذة.

ثانياً: يعتبر الاشعري نفي الاسباب
والارادة الجزافية لله التي لا تتبع اي قانون
امراً واحداً، في حين يعتقد العارف بأن هناك
حكمة تكمن في «وضع الاسباب» لا توجد في رفعها،
فإذا آمن في بعض معتقداته بنفي الاسباب
ورفعها، فإنه يعتقد ايضاً في حالات أخرى
بوضعها وإثباتها، والفرق بين العارف
والاشعري هو أن الاشعري يعتقد بأن رفع نظام
الاسباب هو من ضرورات القدرة في حين يرى
العارف أن ذلك خلاف الحكمة وناجم عن الجهل: «إنه
ما ظهر شيء من ذلك إلاّ بحركة محسوسة لاثبات
الاسباب التي وضعها الله; ليُعلم أن الامر
الالهي لا ينخرم... فيعرف العالم المحقق بهذه
الامور والتنبيهات الالهية أن الحكمة فيما
ظهر، وأن ذلك لا يتبدّل، وأن الاسباب لا تُرفع
أبداً. وكل من زعم أنه رفع سبباً بغير سبب فليس
عنده علم، لا بما رَفع ولا بما رُفع»(45).

ويقول ابن العربي في نصوص الحكم بأنه
لا يمكن تعطيل الاسباب; لانها طرق الوصول إلى
المسببات(46).

إذن لابد من القول: إن الفرق بين نفي
الاسباب الذي يعتقد به الاشعري، وقطع الاسباب
الذي يشهده العارف هو فرق هائل، والمسافة
بينهما كالمسافة بين السفاهة والحكمة أو بين
الجهل والعلم.

6 ـ من الظواهر المشتركة الاخرى بين
الاشعري والعارف ما يتجلى في فكرة عدم بقاء
الاعراض ويتبيّن بعبارة «العرض لا ينفي
زمانين»، أو يشير إليه العارف أحياناً بعبارة
«الخلق الجديد» أو «عدم التكرار في التجلي»
فالاشعري يرى أن الخلق مرتبط بالاعراض
دائماً، في حين يعتقد العارف بأن العالم بكل
جواهره وأعراضه هو بحكم العرض، ويتخذ شكلاً
جديداً في كل آن، وجوهر هذا العالم هو ظهور
الحق تعالى الذي يتجلى بمظاهر مختلفة(47).

دفع توهم ـ تفاوت الشهود العرفاني مع
التخيل العرفائي:

قد يتوهم البعض وهو يقارن بين العارف
والاشعري في العقائد التي تجمعهما، من قبيل
قول الاشعري بأنه لا مؤثر غير الله، وذهاب
العارف أبعد من ذلك من أنه لا يرى وجوداً غير
الله، ومن قبيل اعتقاد الاشعري بعدم ثبات
العرض، واعتبار العارف كل العالم ما سوى الله
عرضاً يتجدد باستمرار، قد يتوهم أن العرفاء
استلهموا مبادئ الاشاعرة وتطرفوا فيها، كما
قيل بأنه من غير المستبعد أن يكون الرأي
الاشعري هو الذي ألهم ابن العربي في قوله
بوحدة الوجود(48).

واعتبر جيلسون العرفان النظري
لبناونتورا هو استلهام من المحورية الربانية
الكلامية: «كلما نسبتم الامور إلى لطف الله
استحكمت التقوى فيكم... إن النظرية التي تثقل
الكفة الالهية أكثر انسجاماً مع الخضوع
والتقوى; لانها تكشف عن فقرنا لله، وهي أكثر
أماناً من النظرية الاخرى، وإذا افترضنا خطأ
هذه النظرية فهي لا تمس دين الانسان وخضوعه،
واعتناقها أفضل وأبعد عن الخطر».

ثم يقول في نقد ذلك: «إذا بدأنا من
الفرض القائل بأن الوقوف على مسافة من الحدود
المرسومة يبعد عن الخطر، فهنا يبرز السؤال
التالي: أية نقطة ينبغي الوقوف عندها؟ بل لم
الوقوف أصلا؟ فإذا كان التقليل من تأثير
الارادة دليلاً على التقوى، فهذا يعني أننا
كلما قللنا دورها ارتقينا في درجات التقوى،
حتى نبلغ مرحلة سلب الاختيار الكامل، وعندئذ
سنصل إلى أسمى مراحل التقوى»(49).

من المعتقد أنه لم يتضح هنا الفرق بين
التقوى والمعرفة، والفرق بين الزاهد
والعارف، ومن ثم فقد تم تصوير العرفان أنه نسج
من خيال متكلم متق في غاية تقواه; في حين هناك
تفاوت كبير بين الحالتين، فكلام المتكلم
يتأثر بدوافعه وأهدافه; ذلك أن الدافع هو الذي
يحثه للدفاع عن الحق ودفع الباطل بأي شكل من
الاشكال; أما كلام العارف فينطلق من موقف
الشهود; لانه يتحدث بما رآه، فحينما يتكلم عن
التوحيد ووحدة المؤثر ونفي الوجود ما سوى
الله، فهو ليس من نسج شاعر أو خضوع زاهد،
فالفرق بين العارف الذي يتحدث في العرفان
النظري والمتكلم المتقي الذي يتحدث في
الكلام، هو أن الاول يتبع الشهود والثاني
ينطلق من الدوافع. وبعبارة ثانية: إن الدافع
هو الذي يحث المتكلم المتقي على قبول نتائج
تجره إلى القبول بالبراهين، وليست البراهين
هي التي توصله إلى النتائج(50
أما العارف فليست له علاقة بالبرهان، لان: «أهل
الله وجدوا هذه المعاني بالكشف واليقين لا
بالظن والتخمين، وما جاءوا به في هذا الباب
بما يشابه الدليل والبرهان، فهو من أجل توعية
الاخوة من أصحاب الاستعداد; لان الدليل لا
يزيد إلاّ الخفاء في هذا الامر، والبرهان لا
يزيد إلاّ الجفاء في هذا الباب; لان هذا الامر
لا يبلغه إلاّ من هُدي، ولا يشاهده إلاّ من
زكّى نفسه واقتدى بأهل الله»(51).

فإذا تمسك العارف بالادلة النقلية أو
العقلية فهو من أجل إيناس الاخرين الذين
تغطيهم الحجب(52
وإلاّ فإن من يشاهد لا حاجة له بالبرهان.

ويشير ابن العربي في الفرق بين الكلام
والعرفان إلى هذا، ويقول بأن علماء علم
الكلام صنعوا هذا العلم لردع العدو دون أن
يستقر في نفوسهم العلم بالله تعالى، ولهذا
فإن لطالب العرفان طريقاً آخر(53
فهو يعتقد بأن المتكلم لاحظّ له من علم
العرفان; لكونه متكلماً(54
وينظر إلى العارف بما يباين نظره إلى الزاهد
والعابد: «وقصدي بأصحابنا أصحاب القلوب
وأصحاب شهود المكاشفة، وليس العباد والزهاد،
ولا حتى مطلق الصوفية إلاّ أهل الحق والتحقيق
منهم، ولهذا يقال في علوم النبوة والولاية
بأنها وراء العقل»(55).

يتضح مما ذكرناه ممايلي:

أ ـ أن العلم بالمؤثرية التامة لله
تعالى هو سرّ ربوبي من اسرار الوجود، ولا يمكن
بلوغه بالخيال والوهم والقيل والقال والجدل
الكلامي، بل حتى بالعقل والبرهان، وإنما
طريقه هو السير والسلوك والكشف والشهود، وهذا
كنز لا يُنال بسهولة ويسر، ولهذا حينما يشاهد
العارف أنه لا مؤثر في الوجود إلاّ الله يصل
إلى واحد من الاسرار الربوبية، وإحدى النعم
الكبيرة وهي حقيقة التوحيد(56
ومعظم الناس محجوبون عن ذلك حتى وإن دَرَسوا
ودرَّسوا سنوات طويلة «إن أحد أسباب عدم فهم
الناس واحتجابهم عن الله هو عزته، فالعزة
الربوبية تمنع من أن تقع كلمة الحكمة وكلمة من
كلمات السر الربوبي بيد من هو ليس بأهل، فكيف
إذا كان الامر يتعلق بالتقرب الكامل والفهم
التام لهذه المسألة؟».

ب ـ أن هناك مسافة فراسخ بين العرفان
والقيل والقال الكلامي، ولا يمكن القول إن
عرفان أمثال ابن العربي هو نموذج متكامل
لكلام الاشاعرة، وإذا وافقنا أن الغزالي وصل
إلى العرفان من خلال الاحتفاظ بموقفه
الكلامي، فلابد من القول: إن كلامه يتعلق
بالجدال الاعتقادي والدفاع عن الدين
والشريعة، في حين يرتبط عرفانه بالابتعاد عن
الغير والانصراف إلى النصير، وأي من الحالتين
ليست نتيجة للاخرى، ولهذا تراه يقول في مشكاة
الانوار بعد أن يبين مختصراً من المسائل
العرفانية: «والان سأطوي لساني; لانني لا أجد
فيك قدرة استيعاب أكثر من هذا، ولعلك لا
تستطيع فهم هذه الاقوال وتعجز همتك عن إدراك
كنهها»; ثم ينصح باختيار الكلام الاقرب إلى
الفهم، وينصح بترك هذا الصنف من العلم مَن لا
يتسع صدره له(57).

فمن اليسير ـ إذن ـ أن نتصور أن
العرفان هو النتيجة المنطقية للشك في تأثير
الظواهر الطبيعية، الذي هو بدوره نتيجة
منطقية للفكر الاشعري، كما قال سعيد الشيخ: «مثل
هذه النظرة ـ النظرة الاشعرية حول عدم تأثير
العلل الطبيعية ـ تبعث الشك في الانسان،
لاسيما بخصوص الظواهر الطبيعية، ومن الممكن
أيضاً أن تقود المرء إلى معنىً عرفاني حاد،
بمعنى الحضور في جميع الاشياء.

هذا النوع من الشك والعرفان لا يُفترض
أن يكونا متناقضان دائماً، فقد يؤدي الاول
إلى الثاني، وهو ما حصل للغزالي كما قيل»(58).

يصح الكلام آنفاً لو اعتبرنا العرفان
نوعاً من التصورات التقوائية، وليس شهوداً
عرفانياً، فالفرق بين المعنى الذي يريده
الاشعري من عبارة «لا مؤثر في الوجود إلاّ
الله»، وما يفهمه ويراه العارف منها، هو فرق
شاسع; ولكننا إذا نظرنا إلى ظواهر الكلام
فحسب، فعندئذ يمكن القول بأن إضافة بعض
العناصر لكلام الاشاعرة، وتهذيب عناصر أخرى
فيه يقرّبان من كلام العرفاء، وهذا ماحصل
للغزالي.



(1)
عبد الكريم سروش، فربه تراز ايدئولوژى: 285،
طهران انتشارات صراط 1372.

(2)
الجوادي الاملي، شريعت در آينه معرفت (الشريعة
في مرآة المعرفة) : 256، طهران، نشر فرهنگ
رجاء، 1372.

(3)
الفتوحات المكية، تصحيح عثمان يحيى 1: 206.

(4)
المصدر السابق 4: 381.

(5)
المصدر السابق 3: 269.

(6)
المصدر السابق 4: 116; وراجع أيضاً: 1: 193 و194.

(7)
شرح القيصري على نصوص الحكم: 490، انتشارات
بيدار.

(8)
المصدر السابق: 206.

(9)
الفتوحات 4: 283.

(10)
المصدر السابق 1: 199.

(11)
المصدر السابق 3: 250.

(12)
المصدر السابق 1: 207.

(13)
راجع مثلاً: تعليقات أبي العلا عفيفي على
فصوص الحكم الذي اعتقد في حالات عديدة بتوحد
رأي ابن العربي مع الاشاعرة (2: 277 و281); وانظر
أيضاً: فربه تراز ايدئولوژى، لعبد الكريم
سروش، مقالة: العلية والعدالة عند المولوي.

(14)
چهل حديث (الاربعون حديثاً): 472.

(15)
المصدر السابق: 537.

(16)
عبد الله الجوادي الاملي، تقريرات درس فصول
الحكم.

(17)
المحقق الدواني، رسالة خلق الاعمال، مجموعة
كلمات المحققين، قم ، مكتبة المفيد، 1402.


(18) الملا صدرا، رسالة في الجبر
والاختيار.

(19)
آية الله الشيخ حسن علي نجابت، تقريرات درس
شرح الاسماء الحسنى.

(20)
ابن رشد، الكشف عن مناهج الادلة في عقائد
الملة: 64، مصر، المكتبة المحمودية، 1388.

(21)
الفتوحات 3: 270.

(22)
المصدر السابق: 269.

(23
و24) المصدر السابق 10: 505، ومع التسامح تطرح
هنا أيضاً قضية التقية التي يمكن أن تبرر إلى
حد كبير هذا التشابه.


(25)
مرتضى المطهري، آشنايى باعلوم إسلامي (الاطلاع
على العلوم الاسلامية) 2: 48 و50، طهران،
انتشارات صدرا.

(26)
الفتوحات 1: 143.

(27)
الفتوحات 4: 237.

(28)
المصدر السابق 8 : 482.

(29)
المصدر السابق 11: 358.

(30)
شرح المبسوط على المنظومة 1: 236 ـ 237.

(31)
عبد الكريم سروش، فربه تراز ايدئولوژي: 285.

(32)
عبد الله الجوادي الاملي، شريعت در آينه
معرفت (الشريعة في مرآة المعرفة): 256 ـ257.

(33)
المصدر السابق: 257.

(34)
راجع: الغزالي، مشكاة الانوار: 59 ـ 60 ، طهران،
انتشارات امير كبير 1364:.

(35)
المصدر السابق: 55.

(36)
جامع الاسرار ومنبع الانوار: 148، طهران،
انتشارات علمي وفرهنگى 1366.

(37
و38) ملا هادي السبزواري، شرح منظومة حكمت: 180.


(39
و40) درر الفوائد 2: 61، قم، انتشارات
إسماعيليان.


(41)
مشكاة الانوار: 62.

(42)
المصدر السابق: 63.

(43)
راجع: مقالات الكاتب في مجلة: كيهان أنديشه،
ع58 و60.

(44)
عبد الله الجوادي الاملي، شريعت در آينه
معرفت (الشريعة في مرآة المعرفة): 258.

(45)
الفتوحات 9: 255.

(46)
شرح القيصري على فصوص الحكم: 466.

(47)
راجع: شرح فصوص الحكم: 432.

(48)
راجع: تعليقة أبي العلا عفيفي على فصوص
الحكم، وقد كرر المؤلف هذا الادعاء في موارد
كثيرة من التعليقة.

(49)
نقد تفكر فلسفي غرب (نقد الفكر الفلسفي
الغربي): 58 ـ 60، الطبعة الثالثة، طهران،
انتشارات حكمت.

(50)
مقدمة القيصري على فصوص الحكم: 4.

(51)
المصدر السابق: 58.

(52)
الفتوحات 1: 154.

(53)
الفتوحات 4: 161.

(54)
المصدر السابق: 162.

(55)
تفسير آية «شهد الله»: 61، آية الله الحاج
الشيخ حسن علي نجابت(رحمه الله)، انتشارات
الحوزة العلمية للشهيد نجابت في شيراز.

(56)
مشكاة الانوار: 62.

(57)
المصدر السابق: 64.

(58)
تاريخ فلسفه در إسلام (تاريخ الفلسفة في
الاسلام) 2: 39.

/ 1